المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مقدمة الطبعة الثانية للمجلد الأول من المنار - مجلة المنار - جـ ١

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌التعريف بالمجلة

- ‌ترجمة صاحب المنار

- ‌التعريف بمنهج المنار

- ‌المجلد رقم (1)

- ‌شوال - 1315ه

- ‌مقدمة الطبعة الثانية للمجلد الأول من المنار

- ‌فاتحة السنة الأولى للمنار

- ‌اصطلاحات كُتَّاب العصر

- ‌مشروع مفيد

- ‌مجمل الأحوال السياسية

- ‌29 شوال - 1315ه

- ‌محاورة في سعادة الأمة [

- ‌مجمل الأحوال السياسية

- ‌اليهود في فرنسا وفي مصر

- ‌7 ذو القعدة - 1315ه

- ‌التمدن

- ‌التعصب

- ‌الطبيب الدجال

- ‌ذو القعدة - 1315ه

- ‌تبصرة وذكرى لقوم يعقلون

- ‌سؤال وجواب

- ‌21 ذو القعدة - 1315ه

- ‌الموالد أو المعارض [*]

- ‌المنار في بلاد الشام

- ‌الشرقين الأدنى والأقصى

- ‌28 ذو القعدة - 1315ه

- ‌منكرات الموالد [*]

- ‌صدمة جديدة على اللغة العربية(1)

- ‌خبر واعتبار

- ‌رئيس الولايات المتحدة والحرب

- ‌5 ذو الحجة - 1315ه

- ‌كيف السبيل

- ‌صدمة جديدة على اللغة العربية(2)

- ‌رواية اليتيم

- ‌19 ذو الحجة - 1315ه

- ‌الأدب الصحيح [*]

- ‌سعي مشكور

- ‌26 ذو الحجة - 1315ه

- ‌ما أكثر القول وما أقل العمل [*]

- ‌الشعر والشعراء(1)

- ‌اكتشاف

- ‌الحرب

- ‌إحصاء الحجاج سنة 1315 [*]

- ‌منار عجيب

- ‌أنيس التلميذ [*]

- ‌المحرم - 1316ه

- ‌الاعتبار بما هو جار

- ‌الشعر والشعراء(2)

- ‌تونس

- ‌11 المحرم - 1316ه

- ‌كتاب الإسلام [*]

- ‌الشعر والشعراء(3)

- ‌18 المحرم - 1316ه

- ‌بهتان عظيم [*]

- ‌البوفيه وما فيه

- ‌دار السعادة

- ‌25 المحرم - 1316ه

- ‌صيحة حق [*]

- ‌القوة في المال

- ‌بيع سكك الحديد السودانية

- ‌رسالة التوحيد

- ‌أهم أخبار العدد (13)

- ‌2 صفر - 1316ه

- ‌النميمة والسعاية [*]

- ‌الدين والمدنية في الشرق

- ‌أخبار الآستانة

- ‌أهم الأخبار المحلية

- ‌9 صفر - 1316ه

- ‌المدارس الوطنية في الديار المصرية [*]

- ‌حاجة البشر إلى الرسالة

- ‌الحرب بين أمريكا وأسبانيا

- ‌مراكش

- ‌مشاكل الدول

- ‌خلاصة البهجة

- ‌اختيار الوزراء

- ‌16 صفر - 1316ه

- ‌إلى أي تعليم وتربية نحن أحوج

- ‌محاورة في دعوى ضرر الدين والجامعة الإسلامية

- ‌وظيفة الرسل عليهم السلام

- ‌إيران

- ‌تعصب اليونان واعتداؤهم على المسلمين

- ‌قضية البرنس أحمد سيف الدين بك

- ‌23 صفر - 1316ه

- ‌الجيوش الغربية المعنويةفي الفتوحات الشرقية [*]

- ‌الشعر العصري

- ‌المنار في سوريا

- ‌الحرب

- ‌30 صفر - 1316ه

- ‌مشروع سكة حديد بين بورسعيد والبصرة [*]

- ‌رسالة لصاحب الاكتشاف في الهيئة الأرضية

- ‌7 ربيع الأول - 1316ه

- ‌العلم والحرب [*]

- ‌مشروع سكة حديد بين بورسعيد والبصرة

- ‌من نحالف

- ‌مقتبسات من الجرائد

- ‌14 ربيع الأول - 1316ه

- ‌نهضة مسلمي الهند(1)

- ‌مناقشة

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌طول الحيوة

- ‌شؤونات إسلامية

- ‌مراقبو الجرائد في سوريا

- ‌كريت

- ‌21 ربيع الأول - 1316ه

- ‌بارقة نجاح

- ‌نهضة مسلمي الهند(2)

- ‌تأثير الاعتقاد في العمل

- ‌رواية الفتاة الشركسية

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌تقريظ المنار

- ‌مشائخ الطرق

- ‌هكذا فليكن

- ‌28 ربيع الأول - 1316ه

- ‌سلطة مشيخة الطريق الروحية [*]

- ‌ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ [[*]

- ‌الشعر العصري

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌5 ربيع الثاني - 1316ه

- ‌سلطة مشيخة الطريق الروحية [*]

- ‌حالنا

- ‌الإسلام في الصين

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌12 ربيع الثاني - 1316ه

- ‌عيد الجلوس الهمايوني [*]

- ‌ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [[*]

- ‌رأي في موضوع المنار

- ‌نصيحة في معالجة فضيحة

- ‌19 ربيع الثاني - 1316ه

- ‌سجايا العلماء [*]

- ‌ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [[*]

- ‌العقيدة الإسلامية

- ‌مأثرة جليلة

- ‌26 ربيع الثاني - 1316ه

- ‌التعصب [*](1)

- ‌اقتراح القيصر

- ‌ثورة السودان

- ‌متفرقات

- ‌3 جمادى الأولى - 1316ه

- ‌التعصب [*](2)

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌تصريح إنكلترا بامتلاك السودان

- ‌10 جمادى الأولى - 1316ه

- ‌مقدمة كتاب الحكمة الشرعيةفي محاكمة القادرية والرفاعية [*]

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌17 جمادى الأولى - 1316ه

- ‌الاتحاد [*]

- ‌التشبه والاقتداء

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌تعصب أوربا على الدولة العلية

- ‌24 جمادى الأولى - 1316ه

- ‌ما لا بد منه [*]

- ‌رسالة الحاسد والمحسود(للجاحظ)

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌2 جمادى الآخرة - 1316ه

- ‌ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [[*]

- ‌رسالة الحاسد والمحسود(للجاحظ)

- ‌الحكمة الشرعية في محاكمة القادرية والرفاعية

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌9 جمادى الآخرة - 1316ه

- ‌ رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا [[*]

- ‌الرسالة الحاتمية

- ‌(سوانح وبوارح)

- ‌رسالة التوحيد

- ‌جرائد سوريا المستعبَدة

- ‌المسلمون في جاوا

- ‌16 جمادى الآخرة - 1316ه

- ‌اليأس والرجاء في مصر

- ‌الإنصاف من مزايا الأشراف

- ‌عبرةالمنار وجريدة طرابلس

- ‌23 جمادى الآخرة - 1316ه

- ‌الجرائد(وظائف أصحابها)

- ‌أدبيات

- ‌شذرات علمية

- ‌كريت

- ‌5 رجب - 1316ه

- ‌ظلم الدول للمسلمين في كريت

- ‌الموسوعات

- ‌أدبيات

- ‌ما أشبه اليوم بالأمس

- ‌12 رجب - 1316ه

- ‌مقتطفات من الجرائد

- ‌الإباء والصدق

- ‌آثار عن إمبراطور ألمانيا في الشام والقدس

- ‌انتقاد

- ‌19 رجب - 1316ه

- ‌فلسفة التربية الحقة [*]

- ‌شبهة وجوابها

- ‌المنار في بلاد البرازيل

- ‌الإصلاح في الدولة العلية

- ‌أخبار تونسيةملخصة من جريدة الحاضرة الغراء

- ‌26 رجب - 1316ه

- ‌الإصلاح المطلوب [*]

- ‌السعادة الحقيقية

- ‌الشعر العصري

- ‌عجيبة عجيبةأو العدل في القضاء

- ‌اقتراح على مجلس إدارة الأزهر الشريف

- ‌مدارس الخرطوم

- ‌3 شعبان - 1316ه

- ‌الإصلاح الديني المقترح على مقام الخلافة الإسلامية [*]

- ‌ليلة المعراج

- ‌السعادة الحقيقية

- ‌الشعر العصري

- ‌تاريخ دول العرب والإسلام

- ‌إحياء سنة أو سننوإماتة بدع

- ‌10 شعبان - 1316ه

- ‌الإصلاح الديني المقترح على مقام الخلافة الإسلامية [*]

- ‌الغرب الأقصى

- ‌خطبة ناظر خارجية ألمانيا

- ‌17 شعبان - 1316ه

- ‌مستقبل الإسلام [*]

- ‌عالم قريشالإمام محمد بن إدريس الشافعي

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌24 شعبان - 1316ه

- ‌محاورة في إصلاح التعليم في الأزهر [*]

- ‌انتشار الإسلام

- ‌خطاب اللورد كرومر

- ‌وميض لمع في ظلمات بدع

- ‌2 رمضان - 1316ه

- ‌رمضان المبارك [*]

- ‌سيرة الإمام الشافعي

- ‌موافقة وانتقاد

- ‌الاستعمار الأوربي

- ‌9 رمضان - 1316ه

- ‌بسمارك والدين [*]

- ‌الجزية والإسلام

- ‌الاختلاف والتفرق في الدين

- ‌شكوى الزمان

- ‌أيها المسلم

- ‌الحكم بالشريعة في السودان

- ‌بغداد والتجارة

- ‌التقاريظ

- ‌16 رمضان - 1316ه

- ‌مَن المسئول الحكومة أم الشعب

- ‌الجزية والإسلام

- ‌اسطقس الحق

- ‌مصاب مصر بالسودان

- ‌23 رمضان - 1316ه

- ‌الوعظ والوعاظ [*]

- ‌الإسلام والترقي

- ‌اسطقس الحق

- ‌الاعتقاد بالجمادات

- ‌عجائب أمريكا

- ‌الشعر عند الإنكليز

- ‌الجنسية العثمانية المصرية

- ‌المدرستان الروسيتان بطرابلس الشام

- ‌طائفة من الأخبار

- ‌8 شوال - 1316ه

- ‌الصنائع والتربية والتعليم [*]

- ‌صلاة الجمعة في جامع عمرو

- ‌دمشق الشام

- ‌وعود فرنسا في تونس

- ‌فرنسا والسودان

- ‌إنكلترا والسودان

- ‌الصوم والفطر

- ‌تنازع أوربا الممالك الإسلامية

- ‌سلطانا العثمانيين والمغرب الأقصى

- ‌15 شوال - 1316ه

- ‌القوة والقانون [*]

- ‌حجة ناهضة وشبهة داحضة

- ‌ملوك المسلمين والتاريخ

- ‌ولي العهد للخديوية المصرية

- ‌ليلة الجمعية الخيرية الإسلامية

- ‌حرية الجرائد في السودان

- ‌22 شوال - 1316ه

- ‌الأُخوَّة والصداقة [*]

- ‌الاشتراكية والدين

- ‌الإصلاح الإسلامي والجرائد

- ‌منتدى سمر

- ‌خاتمة السنة الأولى للمنار

الفصل: ‌مقدمة الطبعة الثانية للمجلد الأول من المنار

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌مقدمة الطبعة الثانية للمجلد الأول من المنار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله المبدئ المعيد، الفعّال لما يريد، الذي جعل إرادة بعض عباده،

من أسباب إنفاذ مراده، فهم بقوة الإرادة يمتازون، وبحسن توجيهها للمرادات

يتفاضلون، فلولا الإرادة الإنسانية العجيبة لَمَا أشرقت شموس العلوم والعرفان،

ولولاها لما ظهرت ثمراتها العملية في الأكوان، والصلاة والسلام على أفضل

مريد ومراد، وأكمل مظهر للمشيئة الإلهية في العباد، سيد المصلحين، وخاتم النبيين

والمرسلين، المرسَل - وهو الأمي - ليعلم الأميين والمتعلمين، والمبعوث وهو

العربي إلى جميع العالمين، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وأصحابه

المتقين، ومَن تبعهم في هديهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فقد أنشأنا هذا (المنار) في العشر الأخير من شهر شوال سنة

1315 وبينا غرضنا منه في الصحيفة الأولى من صحفه، وهو مسائل كثيرة يجمعها

الإصلاح الديني والاجتماعي لأمتنا الإسلامية هي ومَن يعيش معها، وتتصل

مصالحه بمصالحها، وبيان اتفاق الإسلام مع العلم والعقل، وموافقته لمصالح البشر

في كل قطر وكل عصر، وإبطال ما يورد من الشبهات عليه، وتفنيد ما يعزى من

الخرافات إليه، وهو عمل قد ملأ في عالم الصحافة الشرقية فراغًا، وأشرع لطلاب

الارتقاء من الأمة منهاجا، كان (المنار) فيه - على رأيهم - سراجًا وهاجًا، ظهر

على شدة حاجة الأمة إليه، واستعداد هذا القطر لظهور مثله فيه، ولكنه على هذا

وذاك بدأ كالإسلام غريبًا، وممقوتًا من السواد الأعظم لا محبوبًا، يعشي نوره

خفافيش البدع والخرافات، الذين ألفوا تلك الظلمات، حتى قال لنا خاتمة شيوخنا

الأستاذ الإمام: (إن الحق يظهر في المنار عُريانًا في الغالب ليس عليه شيء من

الحُلي والحُلل التي تجذب إليه أنظار مَن لم يألفوا الحق لذاته) ، وكتب إلينا أول

شيوخنا الشيخ حسين الجسر في 28 ذي القعدة سنة 1315 ما نصه جوابًا عن كتاب:

(وصلني كتابكم الكريم بعد مضي أشهر من وصولكم لمصر معتذرًا عن

تأخره، فقبلت العذر ودعوت لكم بالتوفيق، وأعقب وصوله ظهور المنار ساطعًا

بأنوار غريبة مرغوبة، إلا أنها مؤلفة من أشعة قوية كادت تذهب بالأبصار)

إلى آخر ما كتبه، وفيه انتقاد لبعض المسائل أجبناه عنها، مبينين له ما عندنا من

الحجج عليها، وأنباء بمقاومة الحكومة العثمانية للمنار، وكان ذلك كما قال.

إنني لم أُنْشِئْ المنار ابتغاء ثروة أَتَأَثَّلها، ولا رتبة من أمير أو سلطان أتجمل

بها، ولا جاه عند العامة أو الخاصة أباهي به الأقران، وأباري به أعلياء الشان،

بل لأنه فرض من الفروض يرجى النفع من إقامته، وتأثم الأمة كلها بتركه، فلم

أكن أبالي بشيء إلا قول الحق والدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن

المنكر، فكنت إن أصبت هذا بحسب علمي واجتهادي فسيان رضي الناس أم

سخطوا، مدحوا أم ذموا، قبلوا المنار أم رفضوا.

طبعت من الصحف الأولى ألفًا وخمس مائة نسخة من كل عدد، وأرسلت

أكثرها إلى من عرفت أسماءهم في البلاد المصرية والسورية، وكذا في غيرها من

البلاد (وهو الأقل) ، فأعيد إليّ أكثر ما أرسلته إلى المصريين، وما نشبت الحكومة

الحميدة أن منعت ما يرسل إلى السوريين وسائر العثمانيين، ثم جعلت عدد المطبوع

ألف نسخة، ولكن مرت السنة وسنتان بعدها وما كاد المشتركون يزيدون على ثلث

الألف إلا قليلاً.

ما كان انتقاص عملي منتقصًا شيئًا من أملي، ولا زهد الأمة في المنار، باعثًا

على جعله طعامًا للنار، ولا لفائف لبضائع التجار، كما هي سنة أصحاب الصحف

في هذه الديار [1] ، بل كنت أحرص عليه، حاسبًا أن الناس سيعودون إليه.

وكان يمدني في أملي هذا ما أسمعه من بعض أهل الرأي والعلم بشؤون

الاجتماع، من القول بأن هذا المنار حاجة من الحاجات الطبيعية للمسلمين في هذا

العصر، لا يستغني عنه بيت من البيوت، فإن لم يفقهوه هذا اليوم فسيفقهونه في

يوم ما، وقد اتفق رجلان من غير المسلمين في كلمة حددا بها الأجل لذلك اليوم

المجهول، أحدهما إنكليزي كان يقرأ له المنار محمود سامي باشا البارودي والآخر

سوري من قرائه، قالا كلمتهما التي تواردت عليها خواطرهما، ولا تعارف بينهما،

قالا: (إن المسلمين سيبحثون عن هذا المنار ويعنون بإعادة طبعه بعد خمسين سنة) .

وإن أدري أكانا يظنان حين قالا كلمتهما أن المسلمين لا يستيقظون لطلب هذا

الإصلاح إلا بعد خمسين سنة، أم كانا يعنيان أن المنار لا بد أن يكون قد بطل في

هذه المدة بموت صاحبه أو عجزه، فيبحث الناس عنه؛ لأنهم في الغالب لا يعرفون

قيمة الشيء إلا بفقده، ولا يعترفون بقدر العامل إلا من بعده.

لعل المسلمين خير مما ظنا فيهم، ولعل الأجل الذي ضرباه أقرب مما حدده

رأيهما، فها نحن أولاء قد أعدنا طبع مجموعة السنة الأولى، ويوشك أن نعيد طبع

الثانية والثالثة أيضًا فقد قلّت نسخهما وغلا ثمنهما.

كانت السنة الخامسة للمنار (سنة 1320هـ) مبدأ رواجه وسعة

انتشاره، فمنذ ذلك العهد صار بعض طلاب الاشتراك يطلبون مجموعات السنين

الماضية، كما يطلبها بعض المشتركين السابقين رغبة في حفظ المنار من أوله،

وضنًّا به أن يضيع شيء منه، حتى إذا قلّت مجموعات السنة الأولى رفعت الإدارة

ثمنها حتى صارت تباع المجموعة الكاملة من تلك السنة بمائتي قرش، أي بأربعة

أضعاف ثمنها الأصلي، وبِيعت المجموعة الناقصة بضعة أعداد فأكثر إلى 12

و13 عددًا بمائة قرش، ولما لم يبقَ عندنا مجموعة معدة للبيع إلا وهي ناقصة أكثر

من 15 عددًا، وكثر الطلب واقترح علينا إعادة طبع السنة كلها، شرعنا في

طبعها في النصف الأول من سنة 1325، وهي السنة العاشرة، وقد تم الطبع في

النصف الأول من هذه السنة وهي السنة الثانية عشرة.

كان المنار في السنة الأولى من عمره جريدة أسبوعية ذات ثمان صفحات

كبيرة، وكنا ننشر فيه برقيات الأسبوع وبعض الأخبار التي ليست كلها ذات فائدة

تحفظ وتدخر وإن لم تخلُ من فائدة في وقت نشرها لبعض القراء. وقد أعدنا طبعه

بشكل المجلة التي هي عليه منذ السنة الثانية، ولم نحذف منه إلا البرقيات وبعض

الأخبار التي لا فائدة في تدوينها وحفظها، وأما الأخبار التي فيها عبرة دائمة أو

فائدة تاريخية أو غير تاريخية فقد أبقيناها، وحذفنا منه أيضًا نبذ رسالة (قليل

من الحقائق عن تركيا) المترجمة عن الإنكليزية لقلة الثقة بأخبارها. وسندقق

النظر فيها، فإن وجدناها حَريَّة بالحفظ والتخليد أثبتنا ما حذفناه من السنة الأولى في

الطبعة الثانية للسنة الثانية متصلاً ببقيته فيها، وإلا حذفنا باقيها من طبعة السنة الثانية

أيضًا، ومع هذا جاء المجلد الأول في حجم المجلدات الأخيرة يناهز ألف

صفحة.

طبعنا أعداد السنة على ترتيب الأصل، فمن أراد أن يقرأ المقالات المتسلسلة

في موضوع واحد (كالمقالات التي عنوانها: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا

فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} (الأحزاب: 67) متصلة، فالفهرس يجمع له متفرقها بسهولة.

وقد أشرنا إلى أوائل الأعداد في الهامش عند المقالات الافتتاحية وفي أعلى الصفحات

كما هو ظاهر.

المنار في سنته الأولى والمنار في سِنِيه الأخيرة شَرَعٌ، ولو جاز لي أن

أضرب له مثلاً شرودًا يُشعر بالمدح، لقلت: (والشمس رأد الضحى كالشمس في

الطفل) ، نعم، لا فصل بين أوله وآخره في موضوعه وغايته ومسائله، ولكنا كنا

نكثر في السنة الأولى من الخطابيات، لتنبيه الأذهان وإعدادها لما هو آت، ونكتفي

في أكثر المسائل بالإجمال، لتتهيأ النفوس لطلب التفصيل، وقلما جرينا فيها على

شيء ثم تَبيَّنَ لنا خَطَؤُنا فيه إلا ما أشرنا إليه في هوامش هذه الطبعة وأكثره في

المسائل السياسية، المتعلقة بحال الدولة العلية، ومن البديهي أننا ازددنا علمًا وخُبْرًا

في جميع المسائل بطول البحث والتمحيص والوقوف على آراء الناس وأحوالهم.

قد اقتبسنا أسلوب الإجمال قبل التفصيل، وقرع الأذهان بالخطابيات الصادعة

من القرآن الحكيم، فإن أكثر السور المكية لا سيما المنزلة في أوائل البعثة - قوارع

تصخُّ الجنان، وتصدع الوجدان، وتفزع القلوب إلى استشعار الخوف، وتدعُّ

العقول إلى إطالة الفكر في الخطْبين: الغائب والعتيد، والخطرين: القريب والبعيد،

وهما: عذاب الدنيا بالإبادة والاستئصال، أو الفتح الذاهب بالاستقلال، وعذاب

الآخرة وهو أشد وأقوى، وأنكى وأخزى، بكل من هذا وذاك أنذرت السور المكية

أولئك المخاطَبين إذا أصروا على شركهم، ولم يرجعوا بدعوة الإسلام عن ضلالهم

وإفكهم، ويأخذوا بتلك الأصول المجملة، التي هي الحنيفية السمحة السهلة، وليست

بالشيء الذي ينكره العقل، أو يستثقله الطبع، وإنما ذلك تقليد الآباء والأجداد،

يصرف الناس عن سبيل الهدى والرشاد.

راجع تلك السور العزيزة لا سيما قصار المفصَّل منها ك ? {الْحَاقَّةُ *

مَا الْحَاقَّةُ} (الحاقة: 1-2)، و {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ} (القارعة: 1-2) ،

و {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} (الواقعة: 1)، و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (التكوير: 1) ،

و {إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ} (الانفطار:1)، و {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ} (الانشقاق: 1)

و {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} (الزلزلة: 1)، و {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً} (الذاريات: 1) ، و {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً} (المرسلات: 1) ، و {وَالنَّازِعَاتِ

غَرْقاً} (النازعات: 1) .

تلك السور التي كانت بنذرها، وفهم القوم لبلاغتها وعبرها، تفزعهم من

سماع القرآن، حتى يفروا من الداعي صلى الله عليه وسلم من مكان إلى مكان

{كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} (المدثر: 50-51) ، {أَلَا إِنَّهُمْ

يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا

يُعْلِنُونَ} (هود: 5) ثم ارجع إلى السور المكية الطوال، فلا تجدها تخرج في

الأوامر والنواهي عن حد الإجمال، كقوله عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُوا

إِلَاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} (الإسراء: 23)

إلى 37 منها، وقوله بعد إباحة

الزينة وإنكار تحريمها وتحريم الطيبات من الرزق {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا

ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً

وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (الأعراف: 33) .

تدبر هذا ثم أَجِلْ طرفك في فاتحة المنار الأولى، وفي أكثر المقالات

الافتتاحية [2] تجدها زواجر منبّهة، وبينات في الإصلاح مجملة، ترشد المسلمين

إلى النظر في سوء حالهم، وتنذرهم الخطر المهدد لهم في استقبالهم، وتذكرهم بما

فقدوا من سيادة الدنيا وهداية الدين، وما أضاعوا من مجد آبائهم الأولين،

تزعجهم إلى استرداد ما فقدوا، وإيجاد ما لم يجدوا، بطريق الإجمال، في أكثر

الأقوال، وما جاء في سائر السنين فهو من قبيل التفصيل، أو إقامة البرهان

والدليل، على تلك الدعوة الإجمالية، والمقالات الافتتاحية، وترى بهذا كله اقتباس

المنار لهدي الكتاب العزيز واتباعه لسنته في الترتيب كاتباعه له في المسائل

والأحكام، والحمد لله على ذلك.

كان لتلك المقالات الخطابية الاجتماعية والفلسفية تأثير عظيم في نفوس

القارئين: فمن مبالغ في الاستحسان، كأن يطالب بعد الإقلال منها أن نعود إليها [3] ،

ومن مبالغ في الاستهجان يقول: قد بين عيوبنا وجهلنا للأجانب، ويكتبون

إلينا أن نترك مثلها [4] ولكن لم يكن يسكت عن الجمهور غضبه علينا، ويقل خوضه

فينا، حتى رأينا كثيرًا من كُتاب المسلمين وخطبائهم قد تلوا تلونا، واحتذوا في

انتقاد حال المسلمين حذونا، حتى صار ذلك في الجرائد مألوفًا، وأصبح منكره عند

الأكثرين معروفًا، ولكن معظم كلامهم في الداء، من غير بيان للعلاج والدواء.

أما المنار فكان يصف العلاج لأمراض الأمة بالإجمال، ثم بالتفصيل

والاستدلال، والغرض من كل ذلك إعداد النفوس للعمل العظيم الذي نرجو أن يكون

قد قرب زمانه، {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ

الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} (الروم: 4-5) .

هذا ما أردت بيانه في مقدمة الطبعة الثانية للسنة الأولى. والله الموفق وبه

المستعان. وكُتب في رمضان سنة 1327.

...

...

...

...

مُنْشِئ المنار

...

...

...

... محمد رشيد رضا الحسيني

_________

(1)

يبيع أصحاب الصحف ما زاد عن حاجة المشتركين والمبتاعين من صحفهم إلى التجار وأصحاب الأفران! .

(2)

راجع مقالات القول الفصل ص 31 وصيحة حق ص 217 والمدارس الوطنية 256 وإلى أي تربية وتعليم نحن أحوج 278، والجيوش الغربية المعنوية في الفتوحات الشرقية 299، والعلم والحرب 341، والسلطتان الروحية والسياسية 404، والمقالات المفتتحة بالآيات في ص 585 و 606 وما يتبعها، ومقالات الإصلاح الديني والسياسي، وغير ذلك إلخ.

(3)

من أعظم هؤلاء قدرًا: السيد مهدي خان محسن الملك نواب بهادر وناظم مدرسة العلوم في عليكده بالهند رحمه الله .

(4)

من أشهر هؤلاء الشيخ أبو الهدى الصيادي والشيخ حسين الجسر رحمه الله .

ص: 1