الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(279) سئل فضيلة الشيخ: عن حكم حلف بالمصحف
؟
فأجاب قائلًا: هذا السؤال ينبغي أن نبسط الجواب فيه، وذلك أن القسم بالشيء يدل على تعظيم ذلك المقسم به تعظيمًا خاصًّا لدى المقسم، ولهذا لا يجوز لأحد أن يحلف إلا بالله تعالى بأحد أسمائه، أو بصفة من صفاته مثل أن يقول: والله لأفعلن، ورب الكعبة لأفعلن، وعزة الله لأفعلن، وما أشبه ذلك من صفات الله تعالى.
والمصحف يتضمن كلام الله، وكلام الله تعالى من صفاته وهو -أعني كلام الله- صفة ذاتية فعلية؛ لأنه بالنظر إلى أصله وأن الله لم يزل ولا يزال موصوفًا به؛ لأن الكلام كمال فهو من هذه الناحية من صفات الله الذاتية؛ إذ لم يزل ولا يزال متكلمًا فعالًا لما يريده، وبالنظر إلى آحاده يكون من الصفات الفعلية؛ لأنه يتكلم متى شاء قال الله تعالى:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} فقرن القول بالإرادة وهو دليل على أن كلام الله يتعلق بإرادته ومشيئته سبحانه وتعالى، والنصوص في هذا متضافرة كثيرة، وأن كلام الله تحدث آحاده حسب ما تقتضيه حكمته، وبهذا نعرف بطلان قول من يقول: إن كلام الله أزلي، ولا يمكن أن يكون تابعًا لمشيئته، وأنه هو المعنى القائم بنفسه، وليس هو الشيء المسموع الذي يسمعه من يكلمه الله عز وجل، فإن هذا قول باطل حقيقته أن قائله جعل كلام الله المسموع مخلوقًا.
وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتابًا يعرف باسم "التسعينية" بين فيه بطلان هذا القول من تسعين وجهًا.
فإذا كان المصحف يتضمن كلام الله، وكلام الله تعالى من صفاته فإنه يجوز الحلف بالمصحف بأن يقول الإنسان: والمصحف، ويقصد ما فيه من كلام الله عز وجل وقد نص على ذلك فقهاء الحنابلة رحمهم الله ومع هذا فإن الأولى للإنسان أن يحلف بما لا يشوش على السامعين بأن يحلف باسم الله عز وجل فيقول: والله، ورب الكعبة، أو والذي نفسي بيده وما أشبه ذلك من الأشياء التي لا تستنكرها العامة ولا يحصل لديهم فيها تشويش، فإن تحديث الناس بما يعرفون وتطمئن إليه قلوبهم خير وأولى، وإذا كان الحلف إنما يكون بالله وأسمائه وصفاته؛ فإنه لا يجوز أن يحلف أحد بغير الله لا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا بجبريل، ولا بالكعبة، ولا بغير ذلك من المخلوقات، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت» .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» . فإذا سمع الإنسان شخصًا يحلف بالنبي، أو بحياة النبي، أو بحياة شخص آخر فلينهه عن ذلك، وليبين له أن هذا حرام ولا يجوز، ولكن ليكن نهيه وبيانه على وفق الحكمة حيث يكون باللطف واللين والإقبال على الشخص، وهو يريد نصحه وانتشاله من هذا المحرم؛ لأن بعض الناس تأخذه الغيرة عند الأمر والنهي فيغضب ويحمر وجهه وتنتفخ أوداجه وربما يشعر في هذه الحال أنه ينهاه انتقامًا لنفسه فيلقي الشيطان في نفسه هذه العلة، ولو أن الإنسان أنزل الناس منازلهم ودعا إلى الله بالحكمة واللين والرفق لكان ذلك أقرب إلى القبول وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله يعطي على»