الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} وقد جئتك مستغفرًا من ذنوبي مستشفعًا بك إلى ربي" وذكر تمام القصة؛ فهذه كذب لا تصح؛ والآية ليس فيها دليل لذلك؛ لأن الله يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} ولم يقل: " إذا ظلموا أنفسهم " وإذ لما مضى لا للمستقبل؛ والآية في قوم تحاكموا، أو أرادوا التحاكم إلى غير الله، ورسوله، كما يدل على ذلك سياقها السابق، واللاحق.
القسم الثاني: أن يكون التوسل بوسيلة لم يأت بها الشرع وهي نوعان:
أحدهما: أن يكون بوسيلة أبطلها الشرع، كتوسل المشركين بآلهتهم؛ وبطلان هذا ظاهر.
الثاني: أن يكون بوسيلة سكت عنها الشرع: وهذا محرم؛ وهو نوع من الشرك، مثل أن يتوسل بجاه شخص ذي جاه عند الله، فيقول:: "أسألك بجاه نبيك": فلا يجوز ذلك؛ لأنه إثبات لسبب لم يعتبره الشرع، ولأن جاه ذي الجاه ليس له أثر في قبول الدعاء؛ لأنه لا يتعلق بالداعي، ولا بالمدعو؛ وإنما هو من شأن ذي الجاه وحده، فليس بنافع لك في حصول مطلوبك؛ أو دفع مكروبك، ووسيلة الشيء ما كان موصلًا إليه؛ والتوسل بالشيء إلى ما لا يوصل إليه نوع من العبث، فلا يليق أن تتخذه فيما بينك وبين ربك، والله الموفق.
(376) وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم التوسل بالنبي عليه الصلاة والسلام
؟
فأجاب قائلًا: التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أقسام:
الأول: أن يتوسل بالإيمان به فهذا التوسل صحيح، مثل أن يقول:
"اللهم إني آمنت بك وبرسولك فاغفر لي"؛ وهذا لا بأس به؛ وقد ذكره الله -تعالى- في القرآن الكريم في قوله: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} ، ولأن الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وسيلة شرعية لمغفرة الذنوب، وتكفير السيئات؛ فهو قد توسل بوسيلة ثابتة شرعًا.
الثاني: أن يتوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم أي بأن يدعو للمشفوع له؛ وهذا أيضًا جائز وثابت لكنه لا يمكن أن يكون إلا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وقد ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا " وأمر العباس أن يقوم فيدعو الله سبحانه وتعالى بالسقيا؛ فالتوسل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بدعائه جائز، ولا بأس به.
الثالث: أن يتوسل بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم سواء في حياته، أو بعد مماته: فهذا توسل بدعي لا يجوز؛ وذلك لأن جاه الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينتفع به إلا الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يقول: اللهم إني أسألك بجاه نبيك أن تغفر لي أو ترزقني الشيء الفلاني؛ لأن الوسيلة لا بد أن تكون وسيلة؛ والوسيلة مأخوذة من الوسل بمعنى الوصول إلى الشيء؛ فلا بد أن تكون هذه الوسيلة موصلة إلى الشيء وإذا لم تكن موصلة إليه فإن التوسل بها غير مجد، ولا نافع؛ وعلى هذا فنقول: التوسل بالرسول عليه الصلاة والسلام ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يتوسل بالإيمان به، واتباعه؛ وهذا جائز في حياته، وبعد مماته.
القسم الثاني: أن يتوسل بدعائه أي بأن يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو له فهذا جائز في حياته لا بعد مماته؛ لأنه بعد مماته متعذر.
القسم الثالث: أن يتوسل بجاهه، ومنزلته عند الله؛ فهذا لا يجوز لا في حياته، ولا بعد مماته؛ لأنه ليس وسيلة؛ إذ إنه لا يوصل الإنسان إلى مقصوده؛ لأنه ليس من عمله.
فإذا قال قائل: جئت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم عند قبره، وسألته أن يستغفر لي، أو أن يشفع لي عند الله فهل يجوز ذلك أو لا؟
قلنا: لا يجوز.
فإذا قال: أليس الله يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}
قلنا له: بلى إن الله يقول ذلك، ولكن يقول:{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا} وإذ هذه ظرف لما مضى، وليست ظرفًا للمستقبل لم يقل الله:"ولو أنهم إذا ظلموا" بل قال: {إِذْ ظَلَمُوا} . فالآية تتحدث عن أمر وقع في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم واستغفار الرسول صلى الله عليه وسلم بعد مماته أمر متعذر لأنه «إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث - كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» . فلا يمكن لإنسان بعد موته أن يستغفر لأحد؛ بل ولا يستغفر لنفسه أيضًا؛ لأن العمل انقطع.