الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هو الأقرب أنها شفاعة مؤقتة؛ تحذيرا للأمة لا بخلا من الرسول صلى الله عليه وسلم بالشفاعة الدائمة.
ونقول استطرادا: إن بعض العلماء - عفا الله عنهم - قالوا: يسن أن يضع الإنسان جريدة رطبة، أو شجرة، أو نحوها على القبر ليخفف عنه، لكن هذا الاستنباط بعيد جدا، ولا يجوز أن نصنع ذلك لأمور:
أولا: أننا لم يكشف لنا أن هذا الرجل يعذب بخلاف النبي، صلى الله عليه وسلم.
ثانيا: أننا إذا فعلنا ذلك فقد أسأنا إلى الميت؛ لأننا ظننا به ظن سوء أنه يعذب، وما يدرينا فلعله ينعم، لعل هذا الميت ممن مَنَّ الله عليه بالمغفرة قبل موته؛ لوجود سبب من أسباب المغفرة الكثيرة، فمات وقد عفا رب العباد عنه، وحينئذ لا يستحق عذابا.
ثالثا: أن هذا الاستنباط مخالف لما كان عليه السلف الصالح الذين هم أعلم الناس بشريعة الله، فما فعل هذا أحد من الصحابة رضي الله عنهم فما بالنا نحن نفعله.
رابعا: أن الله - تعالى - قد فتح لنا ما هو خير منه، «فكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: " استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل» .
(159) وسئل فضيلته: هل عذاب القبر من أمور الغيب، أو من أمور الشهادة
؟ .
فأجاب قائلا: عذاب القبر من أمور الغيب، وكم من إنسان في هذه المقابر يعذب ونحن لا نشعر به، وكم جار له منعم مفتوح له باب إلى الجنة، ونحن لا نشعر به، فما تحت القبور لا يعلمه إلا علام الغيوب، فشأن
عذاب القبر من أمور الغيب، ولولا الوحي الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام ما علمنا عنه شيئا، ولهذا لما دخلت امرأة يهودية إلى عائشة، وأخبرتها أن الميت يعذب في قبره فزعت، حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبرته، وأقر ذلك عليه الصلاة والسلام، ولكن قد يطلع الله - تعالى - عليه من شاء من عباده، مثل ما أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على الرجلين اللذين يعذبان؛ أحدهما: يمشي بالنميمة، والآخر: لا يستنزه من البول.
والحكمة من جعله من أمور الغيب هي:
أولا: أن الله سبحانه وتعالى أرحم الراحمين، فلو كنا نطلع على عذاب القبور لتنكد عيشنا؛ لأن الإنسان إذا أطلع على أن أباه، أو أخاه، أو ابنه، أو زوجه، أو قريبه يعذب في القبر، ولا يستطيع فكاكه، فإنه يقلق ولا يستريح، وهذه من نعمة الله -سبحانه -.
ثانيا: أنه فضيحة للميت، فلو كان هذا الميت قد ستر الله عليه، ولم نعلم عن ذنوبه بينه وبين ربه عز وجل ثم مات، وأطلعنا الله على عذابه، صار في ذلك فضيحة عظيمة له ففي ستره رحمة من الله بالميت.
ثالثا: أنه قد يصعب على الإنسان دفن الميت، كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام «لولا ألا تدافنوا لسألت الله أن يسمعكم من عذاب القبر» . ففيه أن الدفن ربما يصعب، ويشق، ولا ينقاد الناس لذلك، وإن كان من يستحق عذاب القبر عذب، ولو على سطح الأرض، لكن قد يتوهم الناس أن العذاب لا يكون إلا في حال الدفن فلا يدفن بعضهم بعضا.
رابعا: أنه لو كان ظاهرا لم يكن للإيمان به مزية؛ لأنه يكون مشاهدا