الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والرزق أيضًا مكتوب مقدر بأسبابه لا يزيد ولا ينقص، فمن الأسباب أن يعمل الإنسان لطلب الرزق كما قال الله -تعالى -:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} ومن الأسباب أيضًا صلة الرحم من بر الوالدين،وصلة القرابات، فإن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال:«من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه» ومن الأسباب تقوى الله عز وجل كما قال - تعالى -: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} .. ولا تقل: إن الرزق مكتوب ومحدد ولن أفعل الأسباب التي توصل إليه فإن هذا من العجز: والكياسة والحزم أن تسعى لرزقك، ولما ينفعك في دينك ودنياك قال النبي، صلى الله عليه وسلم:«الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني» . وكما أن الرزق مكتوب مقدر بأسبابه فكذلك الزواج مكتوب مقدر، وقد كتب لكل من الزوجين أن يكون زوج الآخر بعينه، والله - تعالى - لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
(200) وسئل فضيلته: هل الكفار مكتوب عملهم في الأزل؟ وإذا كان كذلك فكيف يعذبهم الله - تعالى
-؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم الكفار مكتوب عملهم في الأزل، ويكتب عمل الإنسان أيضًا عند تكوينه في بطن أمه كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق:«إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه -أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد» . فأعمال الكفار مكتوبة عند الله عز وجل معلومة عنده والشقي شقي عند الله عز وجل في الأزل، والسعيد سعيد عند الله في الأزل.
ولكن قد يقول قائل كما قال السائل: كيف يعذبون وقد كتب الله عليهم ذلك في الأزل؟
فنقول: إنهم يعذبون لأنهم قد قامت عليهم الحجة وبين لهم الطريق، فأرسلت إليهم الرسل، وأنزلت الكتب، وبين الهدى من الضلال ورُغِّبوا في سلوك طريق الهدى، وحُذِّروا من سلوك طريق الضلال، ولهم عقول ولهم إرادات، ولهم اختيارات ولهذا نجد هؤلاء الكفار وغيرهم أيضًا يسعون إلى مصالح الدنيا بإرادة واختيار، ولا نجد أحدًا منهم يسعى إلى شيء يضره في دنياه أو يتهاون ويتكاسل في أمر نافع له، ثم يقول: إن هذا مكتوب علي.
أبدًا فكل يسعى إلى ما فيه المنفعة، فكان عليهم أن يسعوا إلى ما فيه منفعة أمور دينهم كما يسعون إلى ما فيه المنفعة في أمور دنياهم، ولا فرق بينهما بل إن بيان الخير والشر في أمور الدين في الكتب المنزلة على الرسل، عليهم الصلاة والسلام، أكثر وأعظم من بيان الأمور الدنيوية، فكان عليهم أن يسلكوا الطرق التي فيها نجاتهم والتي فيها سعادتهم دون أن يسلكوا الطرق التي فيها هلاكهم وشقاؤهم.
ثم نقول: هذا الكافر حين أقدم على الكفر لا يشعر أبدًا أن أحد أكرهه، بل هو يشعر أنه فعل ذلك بإرادته واختياره، فهل كان حين إقدامه على الكفر عالمًا بما كتب الله له؟
والجواب: لا. لأننا نحن لا نعلم أن
الشيء مقدر علينا إلا بعد أن يقع، أما قبل أن يقع فإننا لا نعلم ماذا كتب لأنه من علم الغيب.
ثم نقول له: الآن أنت قبل أن تقع في الكفر أمامك شيئان: هداية وضلال فلماذا لا تسلك طريق الهداية مقدرًا أن الله كتبه لك؟
لماذا تسلك طريق الضلال ثم بعد أن تسلكه تحتج بأن الله كتبه؟!
لأننا نقول: لك قبل أن تدخل هذا الطريق هل عندك علم أنه مكتوب عليك؟
فسيقول: لا. ولا يمكن أن يقول: نعم. فإذا قال: لا. قلنا: إذًا لماذا لم تسلك طريق الهداية وتقدر أن الله تعالى - كتب لك ذلك ولهذا يقول الله عز وجل: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} ويقول: عز وجل {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} ولما «أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه: بأنه ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعدة من النار قالوا: يا رسول الله ألا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟
قال: "لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له" ثم قرأ قوله -تعالى -: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} » . فهذا جوابنا على هذا السؤال الذي أورده هذا السائل وما أكثر من يحتج به من أهل الضلال، وهو عجب منهم لأنهم لا يحتجون بمثل هذه الحجة على مسائل الدنيا أبدًا، بل تجدهم يسلكون في مسائل الدنيا ما هو أنفع لهم، ولا يمكن لأحد أن يقال له: هذا الطريق الذي أمامك طريق