الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حاله، ومعاملته مع أهل الدنيا لمن يريد التمتع بالدنيا، أو يبأس فيها.
ومن فتنته أن الله - تعالى - جعل معه جنة ونارا بحسب رؤيا العين، لكن جنته نار، وناره جنة، فمن أطاعه أدخل هذه الجنة فيما يرى الناس، ولكنها نار محرقة والعياذ بالله، ومن عصاه أدخله النار فيما يراه الناس، ولكنها جنة وماء عذب طيب.
إذن يحتاج الأمر إلى تثبيت من الله عز وجل إن لم يثبت الله المرء هلك وضل، فيحتاج إلى أن يثبت الله المرء على دينه ثباتا قويا.
ومن فتنته أنه يخرج إليه رجل من الناس ممتلئ شبابا، فيقول له: أنت الدجال الذي ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدعوه، فيأبى أن يتبعه فيضربه، ويشجه في المرة الأولى، ثم يقتله، ويقطعه قطعتين، ويمشي بينهما تحقيقا للمباينة بينهما، ثم يدعوه فيقوم يتهلل وجهه، ويقول: أنت الدجال الذي ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي ليقتله فلا يسلط عليه، يعجز عن قتله، ولن يسلط على أحد بعده، فهذا من أعظم الناس شهادة عند الله؛ لأنه في هذا المقام العظيم الرهيب الذي لا نتصوره نحن في هذا المكان، لا يتصور رهبته إلا من باشره، ومع ذلك يصرح على الملأ إعذارا وإنذارا، بأنك أنت الدجال الذي ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه حاله، وما يدعو إليه.
(145) وسئل فضيلته: عن مقدار لبث الدجال في الأرض
.
فأجاب بقوله: مقدار لبثه في الأرض: أربعون يوما فقط، لكن يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامنا، هكذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم، «قال الصحابة رضي الله عنهم: يا رسول الله، هذا اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم واحد؟ قال: " لا، اقدروا»
«له قدره"» ، انظروا إلى هذا المثال لنأخذ منه عبرة، كيف كان تصديق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لرسول الله، ما ذهبوا يحرفون، أو يؤولون، أو يقولون: إن اليوم لا يمكن أن يطول؛ لأن الشمس تجري في فلكها، ولا تتغير، ولكنه يطول لكثرة المشاق فيه وعظمها، فهو يطول؛ لأنه متعب - بكسر العين - ما قالوا هكذا، كما يقول بعض المتحذلقين، ولكن صدقوا بأن هذا اليوم سيكون اثني عشر شهرا حقيقة، بدون تحريف، وبدون تأويل.
وهكذا حقيقة المؤمن ينقاد لما أخبر الله به ورسوله من أمور الغيب، وإن حار فيها عقله، لكن يجب أن تعلم أن خبر الله ورسوله لا يكون في شيء محال عقلا، لكن يكون في شيء تحار فيه العقول؛ لأنها لا تدركه، فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن أول يوم من أيام الدجال كسنة، لو أن هذا الحديث مر على المتأخرين، الذين يدعون أنهم هم العقلاء لقالوا: إن طوله مجاز، عما فيه من التعب والمشقة؛ لأن أيام السرور قصيرة، وأيام الشرور طويلة، ولكن الصحابة رضي الله عنهم من صفائهم وقبولهم سلموا في الحال، وقالوا بلسان الحال: إن الذي خلق الشمس، وجعلها تجري في أربع وعشرين ساعة في اليوم والليلة قادر على أن يجعلها تجري في اثني عشر شهرا؛ لأن الخالق واحد عز وجل فهو قادر، ولذلك سلموا. وقالوا: كيف نصلي؟
ما سألوا عن الأمر الكوني؛ لأنهم يعلمون أن قدرة الله فوق مستواهم، سألوا عن الأمر الشرعي الذين هم مكلفون به وهو الصلاة، وهذا والله حقيقة الانقياد والقبول، قالوا:«يا رسول الله، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: " لا، اقدروا له قدره» . وسبحان الله العظيم، إذا تأملت تبين لك أن هذا الدين تام كامل، لا يمكن أن تكون مسألة يحتاج الناس إليها إلى يوم القيامة إلا وجد لها أصل، كيف أنطق الله
الصحابة أن يسألوا هذا السؤال؟
أنطقهم الله حتى يكون الدين كاملا، لا يحتاج إلى تكميل، وقد احتاج الناس إلى هذا الآن في المناطق القطبية، يبقى الليل فيها ستة أشهر، والنهار ستة أشهر، فنحتاج إلى هذا الحديث، انظر كيف أفتى الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الفتوى قبل أن تقع هذه المشكلة؛ لأن الله - تعالى - قال في كتابه:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} . والله لو نتأمل الكلمة {أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} لعلمنا أنه لا يوجد شيء ناقص في الدين أبدا، فهو كامل من كل وجه، لكن النقص فينا؛ إما قصور في عقولنا، أو في أفهامنا، أو في إرادات ليست منضبطة، يكون الإنسان يريد أن ينصر قوله، فيعمى عن الحق - نسأل الله العافية -.
فلو أننا نظرنا في علم، وفهم، وحسن نية لوجدنا أن الدين ولله الحمد لا يحتاج إلى مكمل، وأنه لا يمكن أن تقع مسألة صغيرة ولا كبيرة، إلا وجد حلها في الكتاب والسنة، لكن لما كثر الهوى، وغلب على الناس صار بعض الناس يعمى عليهم الحق، ويخفى عليهم، وتجدهم إذا نزلت فيهم الحادثة التي لم تكن معروفة من قبل بعينها، وإن كان جنسها معروفا تجدهم يختلفون فيها أكثر من أصابعهم، إذا كانت تحتمل قولين وجدت فيها عشرة، كل هذا؛ لأن الهوى غلب على الناس الآن، وإلا فلو كان القصد سليما والفهم صافيا، والعلم واسعا لتبين الحق.
على كل حال، أقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن الدجال يبقى أربعين يوما، وبعد الأربعين يوما ينزل المسيح عيسى ابن مريم، الذي رفعه الله إليه، وقد جاء في الأحاديث الصحيحة:«أنه ينزل عند المنارة البيضاء، شرقي دمشق، واضعا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه»