الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو ذكر الله عز وجل التأبيد في موضع واحد لكفى، فكيف وهو قد ذكره في ثلاثة مواضع؟ ! ومن العجب أن فئة قليلة من العلماء ذهبوا إلى أنها تفنى بناء على علل عليلة؛ لمخالفتها لمقتضى الكتاب والسنة، وحرفوا من أجلها الكتاب والسنة، فقالوا: إن " خالدين فيها أبدا " ما دامت موجودة فكيف هذا؟ !!!
إذا كانوا خالدين فيها أبدا، لزم أن تكون هي مؤبدة " فيها " هم كائنون فيها، وإذا كان الإنسان خالدا مؤبدا تخليده، لزم أن يكون مكان الخلود مؤبدا؛ لأنه لو فني مكان الخلود ما صح تأبيد الخلود، والآية واضحة جدا، والتعليلات الباردة المخالفة للنص مردودة على صاحبها، وهذا الخلاف الذي ذكر عن فئة قليلة من أهل العلم خلاف مطرح؛ لأنه مخالف للنص الصريح الذي يجب على كل مؤمن أن يعتقده، ومن خالفه لشبهة قامت عنده، فيعذر عند الله، لكن من تأمل نصوص الكتاب والسنة عرف أن القول بتأبيدها هو الحق، الذي لا يحق العدول عنه.
والحكمة تقتضي ذلك؛ لأن هذا الكافر أفنى عمره، كل عمره في محاربة الله عز وجل ومعصية الله، والكفر به، وتكذيب رسله مع أنه جاءه النذير وأعذر وبين له الحق، ودعي إليه، وقوتل عليه، وأصر على الكفر والباطل فكيف نقول: إن هذا لا يؤبد عذابه؟ ! والآيات في هذا صريحة كما تقدم.
(182) وسئل فضيلة الشيخ: هل هناك ناران؛ نار لأهل الكفر، ونار لأهل المعاصي الذين يعذبون فيها، ثم يخرجون
؟
فأجاب بقوله: زعم بعض العلماء ذلك، وقال: إن النار ناران: نار لأهل الكفر، ونار لأهل المعاصي من المؤمنين، وبينهما فرق، ولكن هذا لا
أعلم له دليلا، لكن عذابهما يختلف، لا شك أنها على عصاة المؤمنين ليست، كما هي على الكافرين، وكوننا نقول بالتقسيم بناء على استبعاد عقولنا أن تكون نار واحدة، تؤثر تأثيرين مختلفين لا ينبغي؛ لأن هذا الاستبعاد لا وجه له لأمرين:
الأمر الأول: أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قادر على أن يجعل النار الواحدة لشخص سلاما، ولآخر عذابا.
الأمر الثاني: أن أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا أبدا لظهور الفرق العظيم بينهما، فلا يجوز أن تقيس أحوال الآخرة بأحوال الدنيا لتنفي ما لا يتسع له عقلك، بل عليك بالنسبة لأحوال الآخرة أن تسلم، وتقبل، وتصدق، أليست هذه الشمس ستدنو من الخلائق قدر ميل يوم القيامة؟
ولو كانت أحوال الناس يوم القيامة كأحوالهم في الدنيا لأحرقتهم؛ لأن هذه الشمس في أوجها لو أنها نزلت ولو يسيرا أحرقت الأرض، ومحتها عن آخرها، ونحن نحس بحرارتها الآن، وبيننا وبينها مسافات عظيمة، لا سيما في أيام الصيف حين تكون عمودية، ومع ذلك تدنو من الخلائق يوم القيامة على قدر ميل، ولا يحترقون بها.
كذلك أيضا في يوم القيامة الناس في مقام واحد، المؤمنون لهم نور يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، والكفار في ظلمة، لكن في الدنيا لو كان بجانبك واحد على يمينه نور، وبن يديه نور فإنك تنتفع به، أما في الآخرة فلا.
وفي الآخرة أيضا يعرق الناس فيختلف العرق اختلافا عظيما بينهم، وهم في مكان واحد، فمن الناس من يصل العرق إلى كعبيه، ومنهم من يصل إلى ركبتيه، ومنهم من يصل إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق، وهم في مكان واحد.
فالمهم: أنه لا يجوز أن نقيس أحوال الآخرة بأحوال الدنيا، ثم نذهب،