الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يبق لها حاجة، وكان الواجب عليهم أن يلزموا الموقف حتى يأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم بتركه، ولكن الله سبحانه قد قدر ما قدر وقضى ما قضى لحكم بالغة وأسرار عظيمة، ومصالح كثيرة قد بينها في كتابه سبحانه وعرفها المؤمنون، وكان ذلك من الدلائل على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول الله حقا، وأنه بشر يصيبه ما يصيب البشر من الجراح والآلام ونحو ذلك، وليس بإله يعبد، وليس مالكا للنصر، بل النصر بيد الله سبحانه ينزله على من يشاء، ولا سبيل إلى استعادة المسلمين لمجدهم السالف واستحقاقهم النصر على عدوهم إلا بالرجوع إلى دينهم والاستقامة عليه وموالاة من والاه، ومعاداة من عاداه، وتحكيمهم شرع الله سبحانه في أمورهم كلها، واتحاد كلمتهم على الحق، وتعاونهم على البر والتقوى، كما قال الإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه:" لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها " وهذا هو قول جميع أهل العلم، والله سبحانه إنما أصلح أول هذه الأمة باتباع شرعه والاعتصام بحبله والصدق في ذلك والتعاون عليه، ولا صلاح لآخرها إلا بهذا الأمر العظيم.
ج-
فضل الرباط والحراسة في سبيل الله:
الرباط هو الإقامة في الثغور وهي الأماكن التي يخاف على أهلها من أعداء الإسلام، والمرابط هو المقيم فيها، المعد
نفسه للجهاد في سبيل الله والدفاع عن دينه وإخوانه المسلمين. وقد ورد في فضل المرابط والحراسة في سبيل الله أحاديث كثيرة. إليك أيها الأخ المسلم الراغب في الرباط في سبيل الله طرفا منها، نقلا من كتاب الترغيب والترهيب للحافظ المنذري رحمه الله.
عن سهل بن سعد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها (1) » رواه البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم.
وعن سلمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن من الفتان (2) » رواه مسلم واللفظ له، والترمذي، والنسائي، والطبراني وزاد:«وبعث يوم القيامة شهيد» .
(1) رواه البخاري في (الجهاد والسير) باب فضل رباط يوم في سبيل الله برقم (2892) .
(2)
رواه مسلم في (الإمارة) باب فضل الرباط في سبيل الله برقم (1913) .
وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل الميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة، ويؤمن من فتان القبر (1) » رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وابن حبان في صحيحه وزاد في آخره قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المجاهد من جاهد نفسه لله عز وجل» وهذه الزيادة في بعض نسخ الترمذي.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رباط شهر خير من صيام دهر، ومن مات مرابطا في سبيل الله أمن الفزع الأكبر، وغدي عليه وريح برزقه من الجنة، ويجرى عليه أجر المرابط حتى يبعثه الله عز وجل (2) » رواه الطبراني ورواته ثقات.
وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل عمل ينقطع عن صاحبه إذا مات إلا المرابط في سبيل الله، فإنه ينمى له عمله، ويجرى
(1) رواه أبو داود في (الجهاد) باب في فضل الرباط برقم (2500) .
(2)
ذكره السيوطي في الفتح الكبير في (حرف الراء) برقم (6540) ، والهيثمي في مجمع الزوائد في (الجهاد) باب في الرباط برقم (4059) .
عليه رزقه إلى يوم القيامة (1) » رواه الطبراني في الكبير بإسنادين، رواة أحدهما ثقات.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من مات مرابطا في سبيل الله أجرى عليه أجر عمله الصالح الذي كأن يعمل، وأجرى عليه رزقه، وأمن من القتان، وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع الأكبر (2) » رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، والطبراني في الأوسط أطول منه، وقال فيه:«المرابط إذا مات في رباطه كتب له أجر عمله إلى يوم القيامة، وغدي عليه وريح برزقه، ويزوج سبعين حوراء، وقيل له: قف فاشفع إلى أن يفرغ من الحساب (3) » . وإسناده متقارب.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله (4) » رواه
(1) ذكره السيوطي في الفتح الكبير في (حرف الكاف) برقم (8750) ، والهيثمي في مجمع الزوائد في (الجهاد) باب في الرباط برقم (5059) .
(2)
رواه ابن ماجه في (الجهاد) باب فضل الرباط في سبيل الله برقم (2767) .
(3)
ذكره السيوطي في الفتح الكبير (حرف الشين) برقم (7173) .
(4)
رواه الترمذي في (فضائل الجهاد) باب ما جاء في فضل الحرس في سبيل الله برقم (1639) .
الترمذي، وقال حديث حسن غريب.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عينان لا تمسهما النار أبدا: عين باتت تكلأ في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله (1) » رواه أبو يعلى ورواته ثقات، والطبراني في الأوسط إلا أنه قال:«عينان لا تريان النار (2) » .
وعن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها (3) » رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وأرجو أن يكون فيما ذكرناه كفاية للراغب في الخير.
ونسأل الله أن يوفق المسلمين للفقه في دينه، وأن
(1) رواه أبو يعلى في مسند جعفر بن أبي عمرو بن أمية برقم (4349) ، والهيثمي في مجمع الزوائد في (الجهاد) باب الحرس في سبيل الله برقم (8849) .
(2)
ذكره السيوطي في الفتح الكبير (حرف العين) برقم (7920) .
(3)
رواه الإمام أحمد في (مسند العشرة المبشرين بالجنة) مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه برقم (435) ، (465) .
يجمعهم على الهدى، وأن يوحد صفوفهم وكلمتهم على الحق، وأن يمن عليهم بالاعتصام بكتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وتحكيم شريعته والتحاكم إليها، والاجتماع على ذلك والتعاون عليه، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.