المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نداء من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورةللمسلمين كافة - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - ابن باز - جـ ١٨

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌ حكم من حبسه حابس عن الطواف والسعي

- ‌ من اشترط عند إحرامه لم يلزمه الهدي

- ‌ المحصر ينحر الهديفي المكان الذي أحصر فيه

- ‌ صيام عشرة أيام لمن عجز عن الذبح

- ‌ حكم من بدأ العمرة ولم يتمها

- ‌باب الهدي والأضحية والعقيقة

- ‌ حكم المتمتع الذي صام ثلاثة أيام ثم وجد قيمة الهدي

- ‌ ليس على الحاج المفرد هدي

- ‌ حكم الهدي الذي يهدى ولا يستفاد منه

- ‌ حكم من نسي أن يذبح هدي القران

- ‌ صفة تذكية بهائم الأنعام

- ‌ حكم الذبح عن طريق البنك الإسلامي بواسطة شركة الراجحي

- ‌ حكم ذبح الهدي قبل يوم العيد

- ‌ أيام العيد كلها أيام ذبح وأفضلها يوم النحر

- ‌ حكم ذبح هدي التمتع والقران في عرفات

- ‌ حكم شراء النسك من الجبل وذبحه وتركه

- ‌ حكم المستوطن في مكة وهو ليس من أهلها

- ‌ حكم الأضحية مع الاستطاعة

- ‌ الأضحية سنة وليست واجبة

- ‌ من أحكام الأضحية

- ‌ وقت الأضاحي يذهب بغروب شمس اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة

- ‌ الأضحية عن الميت

- ‌ السنة أن الحي يضحي عن نفسه وأهل بيته

- ‌ أيهما أفضل في الأضحية الكبش أم البقرة

- ‌ حكم إزالة الشعر لمن أراد العمرة والحج وهو ينوي الأضحية

- ‌ حكم إعطاء غير المسلم من لحم الأضحية

- ‌ حكم ذبح الأضحية بمكة

- ‌ حكم العقيقة

- ‌ صفة العقيقة المشروعة

- ‌ الواجب تغيير الأسماء المخالفة للشرع

- ‌ حكم تصغير بعض الأسماء كعبد الله وعبد الرحمن

- ‌ حكم تغيير الاسم بعد الإسلام

- ‌ حكم التسمية بأسماء من الآيات

- ‌ حكم أعياد الميلاد

- ‌كتاب الجهاد

- ‌ المقصود من الجهاد:

- ‌ وجوب الإعداد للأعداء:

- ‌ فضل الرباط والحراسة في سبيل الله:

- ‌ وصية موجهة للمرابطينفي الحدود ضد اعتداء دولة العراق

- ‌ دفاع المسلمين عن بلادهم من الجهاد

- ‌ حكم الله تعالى في جهاد أعدائه

- ‌ليس الجهاد للدفاع فقط

- ‌نداء من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورةللمسلمين كافة

- ‌عمل صدام عدوان أثيم

- ‌أسئلة وأجوبة بعد المحاضرة

- ‌ الاستعانة بغير المسلمين في الدفاع عن بلاد المسلمين

- ‌ هل يعتبر عمل المتطوعين في التعاون مع رجال الأمن من الرباط، أم لا

- ‌ حكم الاستعانة بالكفار في قتال الكفار

- ‌ من أفضل الجهادفي وقتنا هذا جهاد حاكم العراق

- ‌المبادرة إلى الجهاد

- ‌التجارة العظيمة

- ‌المنزلة العالية للمجاهدين

- ‌إعداد القوة

- ‌واجب المسلمين تجاهعدوان العراق على دولة الكويت

- ‌الجهاد فرض كفاية

- ‌كلمةلعموم المسلمين إثر بدء عمليات تحرير الكويت

- ‌ تحرير دولة الكويت من أيدي المعتدينالظالمين نعمة من الله عظيمة

- ‌ لقاء جريدة (المسلمون) مع سماحتهحول الفتنة التي أحدثها حاكم العراق بغزوه للكويت

- ‌ رسائل الشيخ ابن باز إلى الشعبالكويتي وأهالي الشهداء والشعب العراقي

- ‌ لقاء أجراه مندوب مجلة المجتمع حول الغزو العراقي للكويت

- ‌ نداء عام لمساعدةالمسلمين في البوسنة والهرسك

- ‌ نداء إلى الأمة الإسلامية لمساعدة شعب البوسنة والهرسك

- ‌ دعوة إلى المبادرة بإسعاف المسلمين في البوسنة والهرسك

- ‌ ساعدوا مسلميالبوسنة والهرسك بالمال والسلاح

- ‌ مناشدة المسلمين لمساعدة الشيشان

- ‌ الرابطة الإسلامية هي أعظمالوسائل التي تربط بين المسلمين

- ‌ أسباب نصر الله للمؤمنين على أعدائهم

- ‌ على الحكومات الإسلاميةالعودة إلى كتاب الله وسنة رسولهصلى الله عليه وسلم

- ‌ نداء وتذكير لمساعدة المجاهدين في فلسطين

- ‌ جهاد الفلسطينيين

- ‌ أعظم الجهاد الجهاد بالنفس

- ‌ هل الإسلام انتشر بالسيف

- ‌ التبرع بنفقة الحج النافلة للمجاهدين أفضل

- ‌ حكم من حج أو ذهب للجهاد وترك زوجته لوحدها

- ‌ حكم إطلاق لفظة " الشهيد " على شخص معين

- ‌ من قتل في سبيل مكافحة المخدرات فهو شهيد ومن أعان على فضح أوكارها فهو مأجور

- ‌ وجوب جهاد النفس

- ‌ الأشهر الحرم

- ‌ مفهوم الأحاديث المتعلقة بالفتن

- ‌ الحوار الذي أجراه رئيس تحرير جريدة " المسلمون " مع سماحته حول الصلح مع اليهود

- ‌ جواز الهدنة مع الأعداء مطلقة ومؤقتة إذا رأى ولي الأمر المصلحة في ذلك

- ‌نصيحة مهمة لأبناء الشعب الفلسطيني

- ‌ أجوبة على أسئلة تتعلق بالحوار السابق حول الصلح مع اليهود

- ‌ الصلح مع اليهود أو غيرهم من الكفرة لا يلزم منه مودتهم ولا موالاتهم:

- ‌ الصلح مع اليهود لا يقتضي التمليك أبديا:

- ‌ ما تقتضيه المصلحة يعمل به من الصلح وعدمه:

- ‌ إيضاح وتعقيب على مقال فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي حول الصلح مع اليهود

الفصل: ‌نداء من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورةللمسلمين كافة

‌نداء من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

للمسلمين كافة

من العرب وغيرهم في كل مكان لجهاد اليهود

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فأيها المسلمون في كل قطر. أيها العرب في كل مكان. أيها القادة والزعماء، إن المعركة الحالية بين العرب واليهود ليست معركة العرب فحسب بل هي معركة إسلامية عربية، معركة بين الكفر والإيمان، بين الحق والباطل، بين المسلمين واليهود، وعدوان اليهود على المسلمين في بلادهم وعقر دورهم أمر معلوم مشهور من نحو تسعة عشر عاما، والواجب على المسلمين في كل مكان مناصرة إخوانهم المعتدى عليهم، والقيام في صفهم ومساعدتهم على استرجاع حقهم ممن

ص: 144

ظلمهم وتعدى عليهم بكل ما يستطيعون من نفس وجاه وعتاد ومال كل بحسب وسعه وطاقته، كما قال عز وجل:{وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} (1) وقال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (2)

ومواقف اليهود ضد الإسلام وضد بني الإسلام معلومة مشهورة قد سجلها التاريخ وتناقلها رواة الأخبار، بل قد شهد بها أعظم كتاب وأصدق كتاب ألا وهو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. قال الله عز وجل:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} (3)

فنص الله عز وجل في هذه الآية الكريمة على أن اليهود والمشركين هم أشد الناس عداوة للمؤمنين.

وقال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (4){بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} (5)

(1) سورة الأنفال الآية 72

(2)

سورة التوبة الآية 29

(3)

سورة المائدة الآية 82

(4)

سورة البقرة الآية 89

(5)

سورة البقرة الآية 90

ص: 145

قال أهل التفسير في تفسير هاتين الآيتين الكريمتين: كانت اليهود تستفتح على كفار العرب تقول لهم إنه قد أظل زمان نبي يبعث في آخر الزمان نقاتلكم معه. فلما بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أنكروه وكفروا به وجحدوا صفته وبذلوا جهودهم في محاربته والتأليب عليه والقضاء على دعوته حسدا منهم وبغيا وجحدا للحق الذي يعرفونه، فأبطل الله كيدهم وأضل سعيهم.

ثم إنهم لم يزالوا يسعون جاهدين في الكيد للإسلام والعداء لأهله ومساعدة كل عدو عليهم سرا وجهرا. أليسوا القائلين لكفار أهل مكة: أنتم خير وأهدى سبيلا من محمد وأصحابه، أليسوا هم الذين ألبوا كفار قريش ومن سار في ركابهم على قتال النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين يوم أحد، أليسو هم الذين هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم فأطلعه الله على ذلك وأنجاه من كيدهم، أليسو هم الذين ظاهروا الكفار يوم الأحزاب ونقضوا العهد في نفس المدينة بين المسلمين، حتى أحبط الله كيدهم وأذل جندهم من الكفار وسلط الله عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم والمسلمين فقتل مقاتلتهم وسبى ذريتهم ونساءهم وأموالهم؛ لغدرهم ونقضهم العهد ومشايعتهم

ص: 146

لأهل الكفر والضلال على حزب الحق والهدى.

فيا معشر المسلمين من العرب وغيرهم في كل مكان، بادروا إلى قتال أعداء الله من اليهود، وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، بادروا إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين والمجاهدين الصابرين وأخلصوا النية لله واصبروا وصابروا واتقوا الله عز وجل تفوزوا بالنصر المؤزر أو شرف الشهادة في سبيل الحق ودحر الباطل، وتذكروا دائما ما أنزله ربكم سبحانه في كتابه المبين في فضل المجاهدين، وما وعدهم الله من الدرجات العلى والنعيم المقيم، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (1){تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (2){يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (3){وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (4)

وقال تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (5) وقال تعالى:

(1) سورة الصف الآية 10

(2)

سورة الصف الآية 11

(3)

سورة الصف الآية 12

(4)

سورة الصف الآية 13

(5)

سورة التوبة الآية 41

ص: 147

{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (1){الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} (2){يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ} (3){خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (4) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (5)

أيها المجاهدون لقد بين الله سبحانه في هذه الآيات فضل الجهاد وعاقبته الحميدة للمؤمنين وأنها النصر والفتح القريب في الدنيا مع الجنة والرضوان من الله سبحانه والمنازل العالية في الآخرة، ودلت الآية الثانية وهي قوله تعالى:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} (6) على وجوب النفير للجهاد على الشبان والشيوخ إذا دعى الواجب لذلك؛ لإعلاء كلمة الله وحماية أوطان المسلمين وصد العدوان عنهم، مع ما يحصل بالجهاد للمسلمين من العزة والكرامة والخير العظيم والأجور الجزيلة وإعلاء كلمة الحق وحفظ كيان الأمة والحفاظ على دينها وأمنها.

وأخبر سبحانه في الآية الثالثة والرابعة أن الجهاد في سبيله أفضل من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام بالصلاة

(1) سورة التوبة الآية 19

(2)

سورة التوبة الآية 20

(3)

سورة التوبة الآية 21

(4)

سورة التوبة الآية 22

(5)

سورة التوبة الآية 123

(6)

سورة التوبة الآية 41

ص: 147

والطواف ونحو ذلك، وأن أهله أعظم درجة عند الله وأنهم الفائزون، كما أخبر سبحانه أنه يبشرهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم. وأخبر في الآية الخامسة أنه مع المتقين، والمعنى: بنصره وتأييده وحفظه وكلاءته لهم.

وقد ورد في القرآن الكريم من الآيات الكريمات في فضل الجهاد والحث عليه والوعد بالنصر للمؤمنين والدمار على الكافرين، سوى ما تقدم ما يملأ قلب المؤمن نشاطا وقوة ورغبة صادقة في النزول إلى ساحة الجهاد والاستبسال في نصرة الحق ثقة بوعد الله وإيمانا بنصره ورجاء للفوز بإحدى الحسنيين، وهما: النصر والمغنم، أو الشهادة في سبيل الحق، كما قال الله عز وجل:{قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} (1) وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (2) وقال عز وجل: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (3) وقال سبحانه وتعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (4){الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} (5)

(1) سورة التوبة الآية 52

(2)

سورة محمد الآية 7

(3)

سورة الروم الآية 47

(4)

سورة الحج الآية 40

(5)

سورة الحج الآية 41

ص: 149

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} (1) إلى أن قال سبحانه: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (2)

ففي هذه الآيات التصريح من الله عز وجل بوعد عباده النصر على أعدائهم والسلامة من كيدهم مهما كانت قوتهم وكثرتهم؛ لأنه عز وجل أقوى من كل قوي وأعلم بعواقب الأمور وهو عليهم قدير وبكل أعمالهم محيط، ولكنه عز وجل شرط لهذا الوعد شرطا عظيما وهو الإيمان به وتقواه ونصر دينه والاستقامة عليه مع الصبر والمصابرة، فمن قام بهذا الشرط أوفى لهم الوعد وهو الصادق في وعده:{وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} (3) ومن قصر في ذلك أو لم يرفع به رأسا فلا يلومن إلا نفسه.

وينبغي لك أيها المؤمن المجاهد أن تتدبر كثيرا قوله عز

(1) سورة آل عمران الآية 118

(2)

سورة آل عمران الآية 120

(3)

سورة الزمر الآية 20

ص: 150

وجل: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} (1) إنها والله كلمة عظيمة ووعد صادق من ملك قادر جليل، إذا صبرت على مقاتلة عدوك وجهاده ومنازلته مع قيامك بتقوى الله عز وجل وهي: تعظيمه سبحانه والإخلاص له وطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والحذر مما نهى الله عنه ورسوله، هذه حقيقة التقوى والصبر على جهاد النفس؛ لأن الله سبحانه قد أمر بذلك ورسوله.

ونص سبحانه على الصبر وإفراده بالذكر لعظم شأنه وشدة الحاجة إليه، وقد ذكره الله في كتابه الكريم في مواضع كثيرة جدا، منها: قوله جل وعلا: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (2) وقوله سبحانه: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (3) وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (4)

وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء هو خيرا وأوسع من الصبر (5) » . فاتقوا الله

(1) سورة آل عمران الآية 120

(2)

سورة الأنفال الآية 46

(3)

سورة الزمر الآية 10

(4)

سورة آل عمران الآية 200

(5)

رواه البخاري في الزكاة باب الاستعفاف عن المسألة برقم 1469، ومسلم في الزكاة باب فضل التعفف والصبر برقم 1053

ص: 151

معاشر المسلمين والمجاهدين في ميادين الحرب وفي كل مكان، واصبروا وصابروا في جهاد النفس على طاعه الله وكفها عن محارم الله، وفي جهادها على قتال الأعداء ومنازلة الأقران وتحمل المشاق في تلك الميادين المهولة تحت أزيز الطائرات وأصوات المدافع، وتذكروا أسلافكم الصالحين من الأنبياء والمرسلين وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أجمعين ومن تبعهم من المجاهدين الصادقين. فلكم فيهم أسوة وفيهم لكم عظة وعبرة، فقد صبروا كثيرا وجاهدوا طويلا ففتح الله بهم البلاد وهدى بهم العباد، ومكن لهم في الأرض، ومنحهم السيادة والقيادة بإيمانهم العظيم وإخلاصهم لمولاهم الجليل وصبرهم في مواطن اللقاء، وإيثارهم الله والدار الآخرة على الدنيا وزهرتها ومتاعها الزائل، كما قال الله عز وجل في كتابه الكريم:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (1) وقال جل شأنه: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (2)

وصح عن

(1) سورة التوبة الآية 111

(2)

سورة السجدة الآية 24

ص: 152

رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها (1) » وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل «أي العمل أفضل؟ قال إيمان بالله وبرسوله، قيل: ثم أي يا رسول الله؟ قال: الجهاد في سبيل الله (2) » ، وقال صلى الله عليه وسلم:«مثل المجاهد في سبيل الله- والله أعلم بمن يجاهد في سبيله - كمثل الصائم القائم وتكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالما مع أجر أو غنيمة (3) » .

وقال صلى الله عليه وسلم: «من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق (4) » .

وسأله صلى الله عليه وسلم رجل عن

(1) رواه البخاري في الجهاد والسير باب فضل رباط يوم في سبيل الله برقم 2892.

(2)

رواه البخاري في الاستئذان باب من رد فقال: عليك السلام برقم 6251، ومسلم في الصلاة باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة برقم 397.

(3)

رواه البخاري في الجهاد والسير باب أفضل الناس مؤمن مجاهد بنفسه وماله برقم 2787، ومسلم في الإمارة باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله برقم 1876.

(4)

رواه مسلم في الإمارة باب ذم من مات ولم يغز. برقم 1910.

ص: 153

عمل يعدل فضل الجهاد فقال صلى الله عليه وسلم: «هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم فلا تفطر وتقوم فلا تفتر، فقال السائل: ومن يستطيع ذلك يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما إنك لو طوقت ذلك لم تبلغ فضل المجاهدين (1) » الحديث.

والأحاديث في فضل الجهاد والحث عليه وبيان ما وعد الله به أهله من العزة في الدنيا والنصر والعواقب الحميدة، وما أعد لهم في الآخرة من المنازل العالية في دار الكرامة كثيرة جدا.

فاتقوا الله يا معشر المسلمين جميعا ويا معشر العرب خصوصا جماعات وفرادى، واصدقوا في جهاد عدو الله وعدوكم من اليهود وأنصارهم وأعوانهم، وحاسبوا أنفسكم وتوبوا إلى ربكم من كل ما يخالف دين الإسلام من مبادئ وعقائد وأعمال، واصدقوا في مواطن اللقاء وآثروا الله والدار الآخرة، واعلموا أن النصر المبين والعاقبة الحميدة ليست للعرب دون العجم ولا للعجم دون العرب ولا لأبيض دون أسود ولا لأسود دون أبيض، ولكن النصر بإذن الله لمن اتقاه واتبع هداه وجاهد نفسه لله وأعد لعدوه ما استطاع من القوة كما أمره بذلك مولاه، حيث قال عز وجل:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (2)

وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} (3)

(1) رواه بنحوه البخاري في الجهاد والسير باب فضل الجهاد والسير برقم 2785.

(2)

سورة الأنفال الآية 60

(3)

سورة النساء الآية 71

ص: 154

وقال عز وجل يخاطب رسوله الأمين - عليه أفضل الصلاة والسلام -: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} (1)

فتأمل يا أخي أمر الله لعباده أن يعدوا لعدوهم ما استطاعوا من القوة، ثم تأمل أمره لنبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عند مقاتلة الأعداء والقرب منهم أن يقيموا الصلاة ويحملوا السلاح وكيف كرر الأمر سبحانه في أخذ السلاح والحذر لئلا يهجم عليهم العدو في حال الصلاة، لتعرف بذلك أنه يجب على المجاهدين قادة وجنودا أن يهتموا بالعدو، وأن يحذروا غافلته، وأن يعدوا له ما استطاعوا من قوة، وأن يقيموا الصلاة ويحافظوا عليها مع الاستعداد للعدو والحذر من كيده، وفي ذلك جمع بين الأسباب الحسية والمعنوية، وهذا هو الواجب على المجاهدين في كل زمان ومكان أن يتصفوا

(1) سورة النساء الآية 102

ص: 155

بالأخلاق الإيمانية، وأن يستقيموا على طاعة ربهم ويعدوا له ما استطاعوا من قوة ويحذروا مكائده، مع الصبر على الحق عليه والثبات عليه وهذا هو السبب الأول والأساس المتين والأصل العظيم، وهو قطب رحى النصر وأساس النجاة والفلاح، وهذا هو السبب المعنوي الذي خص الله به عباده المؤمنين وميزهم به عن غيرهم، ووعدهم عليه النصر إذا قاموا به مع السبب الثاني حسب الطاقة وهو إعدادهم لعدوهم ما استطاعوا من القوة، والعناية بشئون الحرب والقتال، والصبر والمصابرة في مواطن اللقاء مع الحذر من مكائد الأعداء. وبهذين الأمرين يستحقون النصر من ربهم عز وجل فضلا منه وكرما ورحمة وإحسانا ووفاء بوعده وتأييدا لحزبه، كما قال عز وجل:{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (1) وقال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (2)

وقال تعالى: {أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (3) وقال عز وجل: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} (4)

ومما تقدم أيها الأخ المسلم أيها الأخ المجاهد تعلم أن

(1) سورة الروم الآية 47

(2)

سورة آل عمران الآية 120

(3)

سورة المجادلة الآية 22

(4)

سورة الصافات الآية 173

ص: 156

ما يتكرر كثيرا في بعض الإذاعات العربية من قولهم: (النصر لنا)(الله معنا)(النصر للعرب)(النصر للعرب والإسلام) وما أشبه ذلك، أن هذه كلها ألفاظ خاطئة ومخالفة للصواب، فليس النصر مضمونا للعرب ولا لغيرهم من سائر أجناس البشر، وإنما النصر معلق بأسبابه التي أوضحها الله في كتابه الكريم وعلى لسان رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم، وأسبابه كما تقدم هي: تقوى الله، والإيمان به، والصبر والمصابرة لأعدائه، والإخلاص لله، والاستعانة به، مع الأخذ بالأسباب الحسية وإعداد ما يستطاع من العدة، فينبغي التنبيه لهذا الأمر العظيم والحذر من الألفاظ التقليدية المخالفة للشرع المطهر.

أما المعية فهي قسمان: معية عامة، ومعية خاصة.

فأما المعية العامة: فهي لجميع البشر وليست خاصة بأهل الإيمان، كما قال الله عز وجل:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (1) وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (2)

(1) سورة الحديد الآية 4

(2)

سورة المجادلة الآية 7

ص: 157

فهاتان الآيتان صريحتان في أن الله سبحانه عالم بأحوال العباد مطلع على شئونهم محيط بهم ولا يخفى عليه من أمرهم خافية، ولهذا بدأ سبحانه هاتين الآيتين بالعلم وختمهما بالعلم، تنبيها للعباد على أن المراد بالمعية هو العلم والإحاطة والاطلاع على كل شيء من أمر العباد ليخافوه ويعظموه ويبتعدوا عن أسباب غضبه وعذابه، وليس معنى ذلك أنه مختلط بالخلق أو أنه في كل مكان، كما يقول ذلك بعض المبتدعين الضالين تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وقولهم هذا باطل بالنص والإجماع، بل هو سبحانه وتعالى فوق العرش قد استوى عليه استواء يليق بجلاله لا يشابه فيه خلقه، كما صرح بذلك في كتابه الكريم في سبع آيات من القرآن الكريم، منها قوله عز وجل:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (1) وهو سبحانه لا شبيه له ولا مثل له في جميع صفاته، كما قال عز وجل:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (2) وقال سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (3) فهو عز وجل فوق العرش عال فوق خلقه كما أخبر بذلك عن نفسه، وعلمه في كل مكان لا يخفى عليه خافية، كما قال سبحانه:

(1) سورة طه الآية 5

(2)

سورة الشورى الآية 11

(3)

سورة الإخلاص الآية 4

ص: 158

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} (1){هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (2) وقال سبحانه: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (3)

فهذه الآيات المحكمات وما جاء في معناها كلها ترشد العباد إلى أن ربهم سبحانه فوق العرش وأعمالهم ترفع إليه وهو معهم بعلمه أينما كانوا لا يخفى عليه منهم خافية.

أما المعية الخاصة: فهي للأنبياء والمرسلين عليهم - الصلاة والسلام - وأتباعهم بإحسان وهم أهل التقوى والإيمان والصبر والمصابرة، وهذه المعية الخاصة تقتضي الحفظ والكلاءة والنصر والتأييد، كما قال عز وجل عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال لصاحبه في الغار وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (4) ولما أرسل الله موسى وهارون - عليهما الصلاة والسلام - إلى فرعون اللعين قال لهما مثبتا ومطمئنا:{لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (5)

(1) سورة آل عمران الآية 5

(2)

سورة آل عمران الآية 6

(3)

سورة يونس الآية 61

(4)

سورة التوبة الآية 40

(5)

سورة طه الآية 46

ص: 159

وقال عز وجل في كتابه المبين يخاطب المشركين: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} (1) وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (2) وقال عز وجل: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (3) وقال تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (4) والآيات في هذا المعنى كثيرة.

فينبغي أن يكون شعار المسلمين في إذاعاتهم وصحفهم وعند لقائهم لأعدائهم في جميع الأحوال هو الشعار القرآني الإسلامي الذي أرشد الله إليه عباده، وذلك بأن يقولوا: الله مع المتقين، الله مع المؤمنين، الله مع الصابرين، وما أشبه هذه العبارات حتى يكونوا قد تأدبوا بآداب الله وعلقوا النصر بأسبابه التي علقه الله بها، لا بالعروبة ولا بالوطنية ولا بالقومية ولا بأشباه ذلك من الألفاظ والشعارات التي ما أنزل الله بها من سلطان.

أيها المجاهد إنك في معركة عظيمة مع عدو لدود عظيم

(1) سورة الأنفال الآية 19

(2)

سورة التوبة الآية 123

(3)

سورة الأنفال الآية 46

(4)

سورة البقرة الآية 249

ص: 160

الحقد على الإسلام وأهله، فوطن نفسك على الجهاد والصبر والمصابرة، وأخلص عملك لله واستعن به وحده، وأبشر إذا صدقت في ذلك بإحدى الحسنين إما النصر والغنيمة والعاقبة الحميدة في الدنيا، وإما الشهادة والنعيم المقيم والقصور العالية والأنهار الجارية والحور الحسان في دار الكرامة.

أيها العربي لا تظن أن النصر على عدوك معلق بعروبتك، وإنما ذلك بإيمانك بالله، وصبرك في مواطن اللقاء، واستقامتك على الحق، وتوبتك من سالف ذنوبك، وإخلاصك لله في كل أعمالك، فاستقم على ذلك وتمسك بالإسلام الصحيح الذي حقيقته الإخلاص لله والاستقامة على شرعه والسير على هدي رسوله ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم في الحرب والسلم وفي جميع الأحوال.

أيها المسلم أيها المجاهد تذكر ما أصاب المسلمين يوم أحد بسبب إخلال بعض الرماة بطاعة القائد العظيم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفشل والتنازع، ثم الهزيمة، ولما استنكر المسلمون ذلك أنزل الله في ذلك قوله عز وجل:{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (1) وقال عز وجل:

(1) سورة آل عمران الآية 165

ص: 161

{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (1)

وقال سبحانه في هذا المعنى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (2) ولما أعجب المسلمون بكثرتهم يوم حنين هزموا ثم أنزل الله عليهم السكينة وأيدهم بجنود من عنده فتراجعوا وصدقوا الحملة على عدوهم واستغاثوا بربهم واستنصروا به، فنصرهم وأيدهم وهزم عدوهم، كما قال تعالى:{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} (3){ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} (4)

فكل ما أصاب المسلمين في الجهاد أو غيره من هزيمة أو جراح أو غير ذلك مما يكرهون، فهو بأسباب تقصيرهم وتفريطهم فيما يجب من إعداد القوة والعناية بأمر الحرب، أو

(1) سورة آل عمران الآية 152

(2)

سورة الشورى الآية 30

(3)

سورة التوبة الآية 25

(4)

سورة التوبة الآية 26

ص: 162

بأسباب معاصيهم ومخالفتهم لأمر الله.

فاستعينوا بالله أيها المجاهدون واستقيموا على أمره وأعدوا لعدوكم ما استطعتم من قوة، واصدقوا الله يصدقكم وانصروه ينصركم ويثبت أقدامكم، واحذروا الكبر والرياء وسائر المعاصي، واحذروا أيضا التنازع والاختلاف وعصيان قادتكم في تدبير شئون الحرب وغير ذلك ما لم يكن معصية لله عز وجل عملا بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1){وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (2){وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (3)

أيها المسلمون أيها المجاهدون إليكم نماذج من كلمات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم - حين مقابلتهم لجيش الروم يوم اليرموك لما فيها من العبرة والذكرى:

كلام خالد بن الوليد رضي الله عنه لما جمع خالد رضي الله عنه الجيوش يوم اليرموك لقتال الروم قام فيهم خطيبا فقال: (إن هذا يوم من أيام الله لا ينبغي فيه الفخر

(1) سورة الأنفال الآية 45

(2)

سورة الأنفال الآية 46

(3)

سورة الأنفال الآية 47

ص: 163

ولا البغي، أخلصوا جهادكم وأريدوا الله بعملكم، وإن هذا يوم له ما بعده) .

وقام أبو عبيدة رضي الله عنه في الناس خطيبا فقال: عباد الله انصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، يا معشر المسلمين اصبروا، فإن الصبر منجاة من الكفر ومرضاة للرب ومدحضة للعار، ولا تبرحوا مصافكم، ولا تخطوا إليهم خطوة، ولا تبدأوهم بالقتال، وأشرعوا الرماح، واستتروا بالدرق، والزموا الصمت إلا من ذكر الله في أنفسكم حتى آمركم أن شاء الله تعالى.

وقام معاذ بن جبل رضي الله عنه في الناس خطيبا ذلك اليوم فجعل يذكرهم ويقول: (يا أهل القرآن ومتحفظي الكتاب وأنصار الهدى والحق، إن رحمة الله لا تنال، وجنته لا تدخل بالأماني، ولا يؤتي الله المغفرة والرحمة الواسعة إلا الصادق المصدق، ألم تسمعوا بقول الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} (1) فاستحوا رحمكم الله من ربكم أن يراكم فرارا من عدوكم وأنتم في قبضته وليس لكم ملتحد من دونه ولا عز بغيره) .

وقام عمرو بن العاص رضي الله عنه في الناس فقال:

(1) سورة النور الآية 55

ص: 164

(يا أيها المسلمون غضوا الأبصار، واجثو على الركب، وأشرعوا الرماح، فإذا وثبوا عليكم فأمهلوهم، حتى إذا ركبوا أطراف الأسنة فثبوا إليهم وثبة الأسد. فوالذي يرضى الصدق ويثيب عليه، ويمقت الكذب ويجزي بالإحسان إحسانا لقد سمعت أن المسلمين سيفتحونها كفرا كفرا وقصرا قصرا، فلا يهولنكم جمعهم ولا عددهم فإنكم لو صدقتموهم الشد تطايروا تطاير أولاد الحجل) .

وقام أبو سفيان بن حرب رضي الله عنه في الناس فتكلم كلاما حسنا من ذلك قوله: (والله لا ينجيكم من هؤلاء القوم ولا تبلغن رضوان الله غدا إلا بصدق اللقاء والصبر في المواطن المكروهة) .

هذه نماذج حية عظيمة نقلتها لكم أيها المجاهدون من كلام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعلموا أن النصر في الدنيا والفوز بالجنة في الآخرة لا يدركان بالأماني ولا بالتفريط وإضاعة الواجب، وإنما يدركان بتوفيق الله بالصدق في اللقاء ومصابرة الأعداء والاستقامة على دين الله وإيثار حقه على ما سواه.

والله المسئول أن ينصر المسلمين على عدوهم، وأن يجمع كلمتهم على الحق، وأن يوفق قادتهم للاستقامة على أمره، والصدق في جهاد أعدائه، والتوبة إليه من كل ما يغضبه، كما نسأله عز وجل أن يهزم اليهود وأنصارهم وأعوانهم، وأن يكبت أعداء الإسلام أينما كانوا، وأن ينزل بهم

ص: 165

بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخليله وخيرته من خلقه، إمام الفاتحين وسيد المرسلين وخير عباد الله أجمعين، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسيرته إلى يوم الدين.

ص: 166