الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في سبيل مكافحة هذا الشر وهو حسن النية فهو من الشهداء، ومن أعان على فضح هذه الأوكار وبيانها للمسئولين فهو مأجور، وبذلك يعتبر مجاهدا في سبيل الحق وفي مصلحة المسلمين وحماية مجتمعهم مما يضر بهم. فنسأل الله أن يهدي أولئك المروجين لهذا البلاء وأن يردهم إلى رشدهم وأن يعيذهم من شرور أنفسهم ومكائد عدوهم الشيطان، وأن يوفق المكافحين لهم لإصابة الحق وأن يعينهم على أداء واجبهم ويسدد خطاهم وينصرهم على حزب الشيطان، إنه خير مسئول.
77 -
وجوب جهاد النفس
س: ما العلاج لمن يعصي ويتوب ثم يرجع إلى المعصية؟ (1)
ج: لا بد من جهاد النفس في لزوم الحق والثبات على التوبة؛ لأن النفس تحتاج إلى جهاد، يقول الله عز وجل:{وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} (2) ويقول عز وجل: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (3) ومعنى قوله سبحانه وتعالى: {جَاهَدُوا فِينَا} (4) أي جاهدوا أنفسهم وجاهدوا الكفار وجاهدوا المنافقين وجاهدوا العصاة وجاهدوا الشيطان،
(1) فتوى صدرت من مكتب سماحته، ونشرت في هذا المجموع ج6 ص273.
(2)
سورة العنكبوت الآية 6
(3)
سورة العنكبوت الآية 69
(4)
سورة العنكبوت الآية 69
فالآية عامة تشمل أنواع الجهاد، ومن ذلك جهاد النفس؛ لأنه سبحانه حذف المفعول ولم ينص عليه في الآية، حتى تعم جميع أنواع الجهاد، فالنفس تحتاج إلى تربية وعناية وصبر وجهاد، كما يقول الشاعر:
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى
…
فإن أطمعت تاقت وإلا تسلت
ويقول الآخر:
والنفس راغبة إذا رغبتها
…
وإذا ترد إلى قليل تقنع
وقال الآخر:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على
…
حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
هذه ثلاثة أبيات جيدة مطابقة لأحوال النفس. فالمؤمن الحازم هو الذي يجاهد نفسه لله حتى تستقيم على الطريق، وتقف عند الحدود. وبذلك يهديه الله سبيله القويم وصراطه المستقيم. ويكون المؤمن بذلك من المحسنين، الذين قال فيهم سبحانه:{وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (1) وقال فيهم عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (2) والله ولي التوفيق.
(1) سورة العنكبوت الآية 69
(2)
سورة النحل الآية 128
78 -
القيام بالمسيرات في موسم الحج في مكة المكرمة باسم البراءة من المشركين بدعة لا أصل لها
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسوله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحابته ومن اهتدى بهداه (1) أما بعد، فإن الله أوجب على عباده المؤمنين البراءة من المشركين في كل وقت وأنزل في ذلك قوله سبحانه:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} (2)
وأنزل في ذلك سبحانه في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم قوله عز وجل: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (3) الآيات.
وصحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بعث الصديق رضي الله عنه عام تسع من الهجرة يقيم للناس حجهم ويعلن البراءة من المشركين ثم أتبعه بعلي رضي الله عنه
(1) صدرت من مكتب سماحته بتاريخ 1\12\1413 هـ.
(2)
سورة الممتحنة الآية 4
(3)
سورة التوبة الآية 1
ليبلغ الناس ذلك وبعث الصديق رضي الله عنه مؤذنين مع علي رضي الله عنه ينادون في الناس بكلمات أربع: لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله عهد فأجله إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فله أربعة أشهر يسيح في الأرض كما قال عز وجل:{فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} (1) الآية. وبعدها أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين إذا لم يسلموا كما قال الله عز وجل في سورة التوبة: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ} (2) يعني الأربعة التي أجلها لهم عليه الصلاة والسلام في أصح قولي أهل العلم في تفسير الأشهر المذكورة في هذه الآية. {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (3)
هذا هو المشروع في أمر البراءة وهو الذي أوضحته الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وبينه علماء التفسير في أول تفسير سورة براءة (التوبة) .
(1) سورة التوبة الآية 2
(2)
سورة التوبة الآية 5
(3)
سورة التوبة الآية 5
أما القيام بالمسيرات والمظاهرات في موسم الحج في مكة المكرمة أو غيرها لإعلان البراءة من المشركين فذلك بدعة لا أصل لها ويترتب عليه فساد كبير وشر عظيم فالواجب على كل من كان يفعله تركه، والواجب على الدولة وفقها الله منعه لكونه بدعة لا أساس لها في الشرع المطهر ولما يترتب على ذلك من أنواع الفساد والشر والأذى للحجيج والله سبحانه يقول في كتابه الكريم:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (1) الآية. ولم يكن هذا العمل من سيرته عليه الصلاة والسلام ولا من سيرة أصحابه رضي الله عنهم ولو كان خيرا لسبقونا إليه. وقال سبحانه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (2) قال عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (3) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (4) » متفق على صحته. وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح عن
(1) سورة آل عمران الآية 31
(2)
سورة الشورى الآية 21
(3)
سورة الحشر الآية 7
(4)
صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
جابر رضي الله عنه في خطبة الجمعة: «أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة (1) » أخرجه مسلم في صحيحه، وقال عليه الصلاة والسلام:«من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » أخرجه مسلم أيضا، وقال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع:«خذوا عني مناسككم (3) » ولم يفعل صلى الله عليه وسلم مسيرات ولا مظاهرات في حجة الوداع وهكذا أصحابه بعده رضي الله عنهم فيكون إحداث ذلك في موسم الحج من البدع في الدين التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم وإنما الذي فعله عليه الصلاة والسلام بعد نزول سورة التوبة، هو بعث المنادين في عام تسع من الهجرة ليبلغوا الناس أنه لا يحج بعد هذا العام- يعني عام تسع- مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، مع نبذ العهود التي للمشركين بعد أربعة أشهر، إلا من كان له عهد أكثر من ذلك فهو له مدته، ولم يفعل صلى الله عليه وسلم هذا
(1) رواه مسلم في (الجمعة) باب تخفيف الصلاة والخطبة برقم (867) .
(2)
رواه البخاري معلقا في باب النجش، ومسلم في (الأقضية) باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور برقم (1718) .
(3)
رواه بنحوه مسلم في (الحج) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا برقم (1297) .
التأذين في حجة الوداع؛ لحصول المقصود بعد ما أمر به من التأذين في عام تسع، والخير كله والسعادة في الدنيا والآخرة في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، والسير على سنته، وسلوك مسلك أصحابه رضي الله عنهم؛ لأنهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هم وأتباعهم بإحسان كما قال الله عز وجل:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (1)
والله المسئول أن يوفقنا وجميع المسلمين للعلم النافع والعمل الصالح، والفقه في الدين، والسير على منهج سيد المرسلين وأصحابه المرضيين وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين وأن يعيذنا وجميع المسلمين من مضلات الفتن، ونزغات الشيطان، ومن البدع في الدين، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
(1) سورة التوبة الآية 100