الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واجب المسلمين تجاه
عدوان العراق على دولة الكويت
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من المسلمين، سلك الله بي وبهم سبيل عباده المؤمنين، وأعاذني وإياهم من أخلاق المغضوب عليهم والضالين. آمين (1)
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد قال الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (2) وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (3) وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (4)
(1) صدرت من مكتب سماحته ونشرت في هذا المجموع ج 6 ص 130
(2)
سورة الذاريات الآية 56
(3)
سورة البقرة الآية 21
(4)
سورة النساء الآية 1
(5)
سورة لقمان الآية 33
وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (1) وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (2){وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (3) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} (4){يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (5)
وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (6){وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (7){لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} (8) وقال عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (9) وقال سبحانه: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (10)
(1) سورة البينة الآية 5
(2)
سورة آل عمران الآية 102
(3)
سورة آل عمران الآية 103
(4)
سورة الأحزاب الآية 70
(5)
سورة الأحزاب الآية 71
(6)
سورة الحشر الآية 18
(7)
سورة الحشر الآية 19
(8)
سورة الحشر الآية 20
(9)
سورة آل عمران الآية 31
(10)
سورة الأنفال الآية 25
(11)
سورة التوبة الآية 71
وقال عز وجل: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} (1)
وقال سبحانه: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (2) وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (3) والآيات في الأمر بالتقوى وطاعة الله ورسوله وبيان عاقب المتقين كثيرة جدا.
وقد أوضح الله سبحانه فيما ذكرنا من الآيات أنه عز وجل خلق الثقلين لعبادته وأمرهم بها، كما ذكر سبحانه أنه أمر جميع الناس بعبادته وتقواه، وهكذا أمر المؤمنين بوجه خاص بتقواه والقيام بحقه، كما أمرهم سبحانه بالاعتصام بحبله والتمسك بشرعه، وأمرهم أن يقوا أنفسهم وأهليهم عذاب الله عز وجل، وأمرهم عز وجل أن يتقوا فتنا لا تصيبن الذين ظلموا منهم خاصة، بل تعم الجميع، وأوضح سبحانه أن من أسباب محبة الله العباد، ومن علامات الصدق في محبة العبد ربه ومحبة الله له أن يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به.
(1) سورة الحجر الآية 45
(2)
سورة القلم الآية 34
(3)
سورة التحريم الآية 6
ويتمسك بشرعه في قوله وعمله وعقيدته، كما أوضح سبحانه أن من صفات المؤمنين وأخلاقهم العظيمة أنهم أولياء فيما بينهم، وأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
فالواجب على جميع المسلمين في كل مكان أن يعبدوا الله وحده، وأن يتقوه بفعل أوامره واجتناب نواهيه، وأن يتحابوا في الله، وأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر؛ لأن في ذلك سعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة.
ولأن ذلك أيضا من أسباب نصرهم على أعدائهم وحمايتهم من مكائدهم وشرهم، كما قال الله عز وجل:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (1){الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (2) وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (3)
والتقوى هي طاعة الله ورسوله، والاستقامة على دينه، وإخلاص العبادة لله وحده والتمسك بشريعة رسوله- صلى الله عليه وسلم قولا وعملا وعقيدة، وهي الإيمان والعمل الصالح، وهي الإسلام الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، كما قال عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ} (4)
(1) سورة الحج الآية 40
(2)
سورة الحج الآية 41
(3)
سورة محمد الآية 7
(4)
سورة لقمان الآية 8
وقال عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1) وقال عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} (2) وقال عز وجل: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (3) الآية.
وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (4) وقال سبحانه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (5) وقال سبحانه موصيا لعباده المؤمنين بالصبر والتقوى والحذر من أعداء الله: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (6) والآيات في هذا المعنى كثيرة.
ولا يخفى ما وقع في هذه الأيام من عدوان دولة العراق على دولة الكويت واجتياحها بالجيوش والأسلحة المدمرة، وما
(1) سورة النحل الآية 97
(2)
سورة النور الآية 55
(3)
سورة آل عمران الآية 19
(4)
سورة المائدة الآية 3
(5)
سورة آل عمران الآية 85
(6)
سورة آل عمران الآية 120
ترتب على ذلك من سفك الدماء ونهب الأموال وهتك الأعراض وتشريد أهل البلاد وحشد الجيوش على الحدود السعودية الكويتية، ولا شك أن هذا من دولة العراق عدوان عظيم وجريمة شنيعة، يجب على الدول العربية والإسلامية إنكارها، وقد أنكرها العالم واستبشعها لمخالفتها الشرع المطهر والمواثيق المؤكدة بين الدول العربية والدول الإسلامية وغيرهم، إلا من شذ عن ذلك ممن لا يلتفت إلى خلافه، ولا شك أن ما حصل بأسباب الذنوب والمعاصي وظهور المنكرات وقلة الوازع الإيماني والسلطاني.
فالواجب على جميع المسلمين أن ينكروا هذا المنكر، وأن يناصروا الدولة المظلومة، وأن يتوبوا إلى الله من ذنوبهم وسيئاتهم وأن يحاسبوا أنفسهم في ذلك، وأن يتعاونوا على البر والتقوى أينما كانوا ويتناصحوا ويتواصوا بالحق والصبر عليه في جهاد أنفسهم وفى جهاد عدوهم ومن اعتدى عليهم، وأن يعتصموا بحبل الله جميعا وأن يكونوا صفا واحدا وجسدا واحدا وبناء واحدا ضد العدو وضد الظالم، سواء كان مسلما أو غير مسلم. كما قال عز وجل:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (1)
(1) سورة المائدة الآية 2
وقال سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (1) ثم قال عز وجل: {وَالْعَصْرِ} (2){إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (3){إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (4) وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى (5) » ، وقال صلى الله عليه وسلم:«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه (6) » ، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
والواجب على رئيس دولة العراق أن يتقي الله ويتوب إليه، وأن يبادر بسحب جيشه من دولة الكويت، ثم يحل المشكلة التي بينه وبين دولة الكويت بالحلول السلمية والصلح العادل والتفاهم المنصف. فإن لم يتيسر ذلك فالواجب تحكيم
(1) سورة آل عمران الآية 103
(2)
سورة العصر الآية 1
(3)
سورة العصر الآية 2
(4)
سورة العصر الآية 3
(5)
صحيح البخاري الأدب (6011) ، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2586) ، مسند أحمد بن حنبل (4/270) .
(6)
صحيح البخاري المظالم والغصب (2446) ، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2585) ، سنن الترمذي البر والصلة (1928) ، سنن النسائي الزكاة (2560) .
الشرع المطهر بتكوين محكمة شرعية مكونة من جماعة من العلماء المعروفين بالعلم والفضل والعدالة للحكم بينهم، كما قال الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (1) وقال سبحانه: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (2) الآية.
وقال عز وجل: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (3) وقال سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (4) أقسم سبحانه في هذه الآية الكريمة أن الناس لا يؤمنون حتى يحكموا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم.
ونسأل الله لجميع قادة المسلمين من العرب وغيرهم التوفيق والهداية لما فيه سعادة الجميع وصلاح قلوبهم وأعمالهم واستتباب الأمن بينهم، كما نسأله أن يعيذ الجميع من طاعة الهوى والشيطان إنه سميع قريب.
وأما ما اضطرت إليه الحكومة السعودية من الأخذ بالأسباب
(1) سورة النساء الآية 59
(2)
سورة الشورى الآية 10
(3)
سورة المائدة الآية 50
(4)
سورة النساء الآية 65
الواقية من الشر والاستعانة بقوات متعددة الأجناس من المسلمين وغيرهم للدفاع عن البلاد وحرمات المسلمين وصد ما قد يقع من العدوان من رئيس دولة العراق فهو إجراء مسدد وموفق وجائز شرعا، وقد صدر من مجلس هيئة كبار العلماء- وأنا واحد منهم- بيان بتأييد ما اتخذته الحكومة السعودية في ذلك، وأنها قد أصابت فيما فعلته، عملا بقوله سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} (1) وقوله سبحانه: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (2) ولا شك أن الاستعانة بغير المسلمين في الدفاع عن المسلمين وعن بلادهم وحمايتها من كيد الأعداء أمر جائز شرعا بل واجب متحتم عند الضرورة إلى ذلك لما في ذلك من إعانة للمسلمين وحمايتهم من كيد أعدائهم وصد العدوان المتوقع عنهم، وقد استعان النبي صلى الله عليه وسلم بدروع استعارها من صفوان بن أمية يوم حنين وكان كافرا لم يسلم ذلك الوقت، وكانت خزاعة مسلمها وكافرها في جيش النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ضد كفار أهل مكة.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنكم تصالحون الروم صلحا آمنا وتغزون أنتم وهم عدوا من ورائكم فتنصرون وتغنمون (3) » (4) أخرجه
(1) سورة النساء الآية 71
(2)
سورة الأنفال الآية 60
(3)
سنن أبو داود الجهاد (2767) ، سنن ابن ماجه الفتن (4089) ، مسند أحمد بن حنبل (4/91) .
(4)
رواه أبو داود في الملاحم باب يذكر من ملاحم الروم برقم 4292.
الإمام أحمد وأبو داود بإسناد صحيح.
ونصيحتي لأهل الكويت وغيرهم من المسلمين في كل مكان ولرئيس دولة العراق وجيشه أن يجددوا توبة نصوحا وأن يندموا على ما سلف من الذنوب، وأن يقلعوا منها، وأن يعزموا عزما صادقا على عدم العودة فيها؛ لأن الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة قد دلت على أن كل شر في الدنيا والآخرة وكل بلاء وفتنة فأسبابه المعاصي، وما كسبته أيدي العباد من المخالفة لشرع الله كما قال سبحانه:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (1) وقال عز وجل: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (2) وقال عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (3)
ولما وقعت الهزيمة يوم أحد على المسلمين وأصابهم ما أصابهم من القتل والجراح بأسباب إخلال الرماة بموقفهم وتنازعهم وفشلهم وعصيانهم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لهم بلزوم الموقف وإن رأوا المسلمين قد انتصروا، واستنكر المسلمون ذلك
(1) سورة الشورى الآية 30
(2)
سورة النساء الآية 79
(3)
سورة الروم الآية 41
وعظم عليهم الأمر، أنزل الله قوله تعالى:{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} (1) يعني يوم بدر {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (2)
وقد أخبر سبحانه في كتابه العظيم أن التوبة سبب للفلاح وتكفير السيئات، والفوز بالجنة والكرامة، فقال عز وجل:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (3) وقال سبحانه: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (4) وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (5) الآية.
ومن أعظم مظاهر التوبة وأوجبها الإخلاص لله وحده في جميع الأعمال، والحذر من الشرك كله دقيقه وجليله، وصغيره وكبيره، والعناية بالصلوات الخمس وإقامتها في أوقاتها من الرجال والنساء، والمحافظة عليها من الرجال في المساجد التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، والعناية بالزكاة والصيام وحج البيت، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
(1) سورة آل عمران الآية 165
(2)
سورة آل عمران الآية 165
(3)
سورة النور الآية 31
(4)
سورة طه الآية 82
(5)
سورة التحريم الآية 8
والتناصح والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والصبر عليه.
وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، ويصلح قلوبهم وأعمالهم، ويمنحهم الفقه في الدين، وأن يصلح قادتهم جميعا ويوفقهم لتحكيم شريعته، والتحاكم إليها، والرضا بها، وترك ما يخالفها، وأن يصلح لهم البطانة ويعينهم على كل خير ويهديهم جميعا صراطه المستقيم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا وإمامنا وسيدنا إمام المتقين وقدوة المجاهدين وخير عباد الله أجمعين، محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وجوب نصرة المسلمين وحكم الجهاد
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز
إلى حضرة الأخ المكرم: أ. ع. أوفقه الله آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:(1)
فقد وصلني كتابك وصلك الله بهداه، وما ذكرت فيه عن حال الأمة الإسلامية وحال المسلمين كان معلوما، نسأل الله أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويعيد للأمة عزتها وقوتها، وأشكرك على غيرتك واهتمامك بأمور المسلمين، وحرصك على سلامتهم ونجاتهم.
وبخصوص طلبك مني النصح والإرشاد تجاه ماذا يجب عليك أن تفعله للمساهمة في نصرة المسلمين، وسؤالك عن حكم الجهاد؟
فأفيدك: أن حكم الجهاد بالنسبة لعموم المسلمين فرض كفاية، ولا حرج عليك إذا أحببت أن تجاهد مع إخوانك المسلمين المظلومين إذا سمح لك والداك إن كانا موجودين
(1) رسالة جوابية صدرت من مكتب سماحته إلى الأخ أ. ع. أ. ونشرت في هذا المجموع ج 8 ص 270
للأحاديث الواردة في ذلك.
وأوصيك بالجد في طلب العلم والتفقه في الدين على يد أهل العلم المعروفين بالعلم والفضل والعقيدة السلفية من أنصار السنة المحمدية وغيرهم، مع العناية بكتب أهل السنة، كالكتب الستة، و (موطأ مالك) و (مسند الإمام أحمد) ، وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والشيخ محمد بن عبد الوهاب، وغيرهم من علماء السنة، مع الاجتهاد في الدعوة إلى الله حسب علمك، والاجتهاد في النصيحة لإخوانك وأهل بيتك وغيرهم بالأسلوب الحسن، والبلاغ بالتي هي أحسن، على أن يكون ذلك بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الصحيحة، وكلام أهل العلم المعروفين بالعلم والفضل والعقيدة الصحيحة.
نسأل الله أن يرزقك البصيرة في دينه، وأن يوفقك ويعينك على كل خير، إنه سميع قريب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.