الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمل صدام عدوان أثيم
فلا شك أن عمل الزعيم العراقي من اجتياحه الدولة الكويتية وما ترتب على ذلك من سفك الدماء ونهب الأموال وانتهاك الأعراض، لا شك أن هذا عدوان أثيم وجريمة عظيمة ومنكر شنيع يجب عليه التوبة إلى الله من ذلك والبدار بإخراح جيشه من الدولة الكويتية؛ لأن هذا الإقدام والاجتياح أمر منكر بل مخالف للشرع ولجميع القوانين العرفية، ولما تم عليه التعاهد بينه وبين قادة العرب في جامعتهم العربية.
والواجب عليه حل المشاكل بالطرق السلمية والمفاوضات، وإذا لم تنجح المفاوضات والطرق السلمية وجب رد الأمر إلى محكمة شرعية - لا قانونية- ويجب أن ترد جميع المنازعات بين الدول والأفراد والقبائل إلى الحكم الشرعي، بأن تشكل محكمة شرعية من علماء أهل الحق والسنة حتى يحكموا بما تنازع عليه المسلمون من دولتين أو قبيلتين أو أفراد.
وإن هذا العمل الذي قام به صدام ضد الكويت هو عمل إجرامي يجب التوبة منه وعدم التمادي، والرجوع إلى الحق فضيلة وحق، خير من التمادي في الرذيلة والخطأ.
وقد صدر بيان من مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية يبين خطأ هذا العمل، وأنه عدوان وجريمة وخيانة. ووضح في بيان العلماء- والذي أنا أحد أعضائه- أنه لا مانع من الاستعانة ببعض الكفار للجيوش الإسلامية والعربية، ولا بأس من الاستعانة لصد عدوان المعتدي والدفاع عن البلاد وعن حرمة الإسلام والمسلمين.
أما الإشاعات حول الحرمين الشريفين فإنهما بحمد الله بمنأى عن الزعيم العراقي وغيره، وهما آمنان بحمد الله.
وكل ما في الأمر أن الدولة السعودية احتاجت إلى الاستعانة ببعض الجيوش من جنسيات متعددة، ومن جملتهم الولايات المتحدة، وإنما ذلك للدفاع المشترك مع القوات السعودية عن البلاد والإسلام وأهله، ولا حرج في ذلك؛ لأنه استعانة لدفع الظلم وحفظ البلاد وحمايتها من شر الأشرار وظلم الظالمين وعدوان المعتدين، فلا حرج كما قرره أهل العلم وبينوه.
وأما ما أشاعته بعض الأقليات الإسلامية التي صدقت أقوال صدام وأكاذيبه حول تدخل الإمبريالية في شئون المسلمين ومقدساتهم وغيرها من الإشاعات الباطلة، فإن هذا
خطأ كبير، والذي أشاعه هو حزب صدام وهو حزب قومي وليس حزبا إسلاميا، وحتى لو كانوا مسلمين إذا تعدوا وجب ردعهم ولو بالاستعانة ببعض الكفرة، وعلى طريقة سلمية كما هي، يدفع بها الشر وتحمى بها البلاد، والرسول صلى الله عليه وسلم استعان بصفوان بن أمية يوم حنين لحرب أهل الطائف. وبذلك فإن الاستعانة بالكفار على من تعدى وظلم يجوز على الكفار أو على أي متعد وظالم.
والذي لا يجوز هو أن ينصر كفار على مسلمين، أما هذا الوضع فهو يحمي المسلمين وأراضيهم من المجرمين والمعتدين والكافرين، وفرق بين الاثنين، بين إنسان ينصر الكفار على المسلمين ويعينهم على المسلمين وهذه هي الردة، لا تجوز، وهذا منكر. أما كما هو الحال بالمملكة من الاستعانة بالكفار لردع المعتدي وصده، سواء كان كافرا أو مسلما عن بلاد الإسلام والمقدسات فهذا أمر مطلوب ولازم؛ لأنه لحماية المسلمين ورد الأذى عنهم، سواء كان كافرا أو مسلما.
والواجب على الزعيم العراقي أن يتوب إلى الله ويرجع عما هو عليه من الباطل، ويترك حزب الشيطان، وعليه أن يلتزم بالإسلام، وأن يسود الرعية ويحكم فيهم بالإسلام وندعو له بالهداية.
وأكد سماحته في إجابته على سؤال للجزيرة حول إمكانية
إيجاد محكمة دولية شرعية لحل المنازعات بين الدول، فقال: يجب على جميع الدول الإسلامية والعربية حل منازعاتهم بالطرق الشرعية بمحكمات شرعية في كل بلد محكمة أخرى تكون دولية تحكم بين الدول. وفي البلدان الإسلامية يجب أن يكون هناك محكمة شرعية؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (1) ويقول جل وعلا: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (2) ويقول سبحانه وتعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (3) فإذا تنازعت دولتان أو أكثر وجب أن يحكم بينهما علماء الإسلام بحكم الشريعة فيما تنازعوا به على ضوء الكتاب والسنة، لا بقوانين في البلدان أو بآراء الرجال بل بشرع الله.
ووجه سماحته النصح للجيش العراقي وعدم التمادي في الأعمال المنكرة. والواجب على الجنود العراقيين وعلى كل مسلم أن يحترم مال المسلم ودمه وعرضه وأهله، ولا يجوز التعدي على أي مسلم لا في الكويت ولا في غيره، لا في ماله ولا في عرضه، ولا في دمه. قال عليه الصلاة والسلام:
(1) سورة الشورى الآية 10
(2)
سورة النساء الآية 59
(3)
سورة النساء الآية 65
«كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه (1) » (2) .
وهذا العدوان من العراق لا يبرر للجنود وأفراد الجيش أن يتعدوا على الكويتيين أو غيرهم، ويأخذوا أموالهم، أو يضربوا أجسادهم، أو يقتلوهم أو يقتلوا صبيانهم، أو يتعدوا على نسائهم، كل ذلك منكر وحرام لا يجوز، والواجب أن يتقوا الله وأن يحذروا ما حرم الله وأن لا يقدموا على أمر يغضب الله عليهم ويسبب دخولهم النار والبعد عن رحمته ورضوانه.
وأوصى سماحته الأشقاء الكويتيين في تصريحه لـ (الجزيرة) بالاستعانة بالصبر وتقوى الله فقال:
أوصي شعب الكويت المظلوم بتقوى الله، وأن يستقيموا على دينه، وأن يتوبوا إليه عن سالف ذنوبهم، وأن يسألوا الله النصر على العدو، وأن يعيدهم إلى بلادهم سالمين. وسوف يعوضهم الله خيرا مما أخذ منهم بالتوبة النصوح، يعطيهم الله ما فاتهم ويعوضهم خيرا منه سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (3) ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} (4)
(1) صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2564) ، مسند أحمد بن حنبل (2/277) .
(2)
رواه مسلم في البر والصلة والآداب باب تحريم ظلم المسلم وخذله برقم 2564
(3)
سورة النور الآية 31
(4)
سورة التحريم الآية 8
ونسأل الله أن يمن علينا وعليهم بالتوبة، وكل منا على خطر، وكل مسلم في أي مكان في السعودية أو الكويت أو الشام أو اليمن، وفي كل مكان، عليه محاسبة النفس ومجاهدتها في الله، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
لذلك فإن على جميع إخواننا بالكويت وعلى جميع المسلمين بالمملكة العربية السعودية وكل مكان عليهم تقوى الله، وأن يجاهدوا أنفسهم في طاعة الله وأن يصبروا على ما أصابهم من مصائب، كما أن عليهم الاستقامة على الحق والتواصي به، والتناصح في الله، أصلح الله لهم ما كان فاسدا، ورد عليهم ما كان شاردا، وعوضهم خيرا مما أصابهم، وجعل لهم العاقبة الحميدة سبحانه وتعالى، قال عز وجل:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (1) وقال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} (2) ومن يتق الله يوفقه الله ويعوضه خيرا مما أخذ منه، ويسأله الرحمة العامة والشاملة التي تعم أمر دينه ودنياه وآخرته.
وفي ختام تصريح سماحته قال:
كلمتي نصيحة عامة للمسلمين جميعا: أن يتقوا الله وأن يلتزموا بشرع الله، وأن يتدبروا القرآن العظيم ويعتنوا بالسنة المطهرة، وأن ينظموا
(1) سورة العنكبوت الآية 69
(2)
سورة آل عمران الآية 120
أعمالهم على ضوء الكتاب والسنة، وأن تكون أعمالهم وأقوالهم وخلافاتهم كلها ترجع إلى الكتاب والسنة لا إلى القوانين الوضعية، بل يجب أن تكون كلها محكومة بكتاب الله وسنة رسوله، وأن يلتزموا بهذا أفرادا وجماعات ودولا، وهذا هو الواجب على المسلمين أن يتحاكموا إلى شرع الله، وأن يستقيموا على دين الله، وأن يعملوا بما أمر دين الله، ويدعوا ما حرم الله؛ لأن الله يقول:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} (1){يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (2){يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} (3)
فمأمورون بتقوى الله جميعا والحفاظ على دينه، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} (4){يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (5) وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (6){وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (7){لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} (8)
(1) سورة النساء الآية 1
(2)
سورة النساء الآية 1
(3)
سورة الحج الآية 1
(4)
سورة الأحزاب الآية 70
(5)
سورة الأحزاب الآية 71
(6)
سورة الحشر الآية 18
(7)
سورة الحشر الآية 19
(8)
سورة الحشر الآية 20
وهذا هو الواجب على الناس جميعا أن يتقوا الله ويعبدوه وحده ويحكموا شريعته وينقادوا لأمره ويحذروا نهيه سبحانه، وأن يقفوا عند حدوده، وأن يتواصوا بهذا ويتناصحوا كما قال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (1) ويقول سبحانه: {وَالْعَصْرِ} (2){إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (3){إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (4) ويقول- صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم (5) » ، ويقول جرير بن عبد الله البجلي:«بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وعلى وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم (6) » .
وهذا هو الواجب على مستوى الشعوب ورؤساء الدول
(1) سورة المائدة الآية 2
(2)
سورة العصر الآية 1
(3)
سورة العصر الآية 2
(4)
سورة العصر الآية 3
(5)
رواه أحمد في مسند الشاميين حديث تميم الداريبرقم16499، ومسلم في الإيمان باب بيان أن الدين النصيحة برقم 55.
(6)
صحيح البخاري الزكاة (1401) ، صحيح مسلم الإيمان (56) ، سنن الترمذي البر والصلة (1925) ، سنن النسائي البيعة (4175) ، مسند أحمد بن حنبل (4/364) ، سنن الدارمي البيوع (2540) .
الإسلامية، أن يتناصحوا وأن يتواصوا بالحق، وأن يحكموا بشرع الله لا بالقوانين التي يضعونها بأنفسهم.
ودعا سماحته في ختام تصريحه الله عز وجل بالهداية للجميع والتوفيق للمسلمين، وأن يصلح قادتهم ويولي عليهم خيارهم وأن يعيذهم من شر الأشرار.
ونسأل الله أن يكفينا شر كل ذي شر، وأن يرد كيد كل عدو في نحره، وأن يكشف شره أينما كان. والله ولي التوفيق.
موقف الشريعة الإسلامية
من الغزو العراقي للكويت (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله، واهتدى بهداه.
أما بعد: أيها الإخوان المسلمون في كل مكان؛ نظرا لما جرى من حوادث في اليوم الحادي عشر من هذا الشهر من شهر الله المحرم عام 1411 هـ من العدوان الأثيم والظلم العظيم من رئيس دولة العراق على دولة الكويت، وذلك باجتياحه بلاد الكويت بجيوشه مزودة بأنواع الأسلحة المدمرة، وما حصل بسبب ذلك من الفساد العظيم، وسفك الدماء ونهب الأموال، وهتك الأعراض وتشريد الآمنين.
بسبب هذا كله كثر السؤال عن هذا الحادث، وعما ينبغي نحوه، ورأيت أنه من الواجب إخبار المسلمين فيما يتعلق بهذا الحادث، وما يجب على المسلم نحوه فأقول:
لا شك أن هذا الحادث من رئيس دولة العراق حادث
(1) نشرت في جريدة البلاد بتاريخ 29\1\1411 هـ وغيرها من الصحف المحلية، ونشرت في هذا المجموع ج 6 ص 75.
أليم وعدوان كبير على دولة مجاورة آمنة، يجب على جميع الدول الإسلامية وغيرها، وعلى جميع المسلمين إنكار ذلك وشجبه، وبيان أنه عدوان أثيم وظلم كبير.
يجب على رئيس دولة العراق أن يبادر بسحب جيشه من دولة الكويت، وأن يحذر مغبة ذلك في الدنيا والآخرة، والظلم عاقبته وخيمة، والله عز وجل يقول في كتابه المبين:{وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (1) ويقول سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} (2) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة (3) » ، ويقول عز وجل فيما رواه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم:«يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا (4) » (5) .
لا شك أن هذا العدوان من أقبح الظلم ولا شك أيضا أنه مخالف للتعاليم الإسلامية والمواثيق الدولية حري صاحبه بالعقوبة العادلة العاجلة.
والمشاكل بين الجيران وبين القبائل وبين الدول لا تحل
(1) سورة الشورى الآية 8
(2)
سورة الفرقان الآية 19
(3)
رواه البخاري في المظالم والغضب باب الظلم ظلمات يوم القيامة برقم 2447، ومسلم في البر والصلة والآداب باب تحريم الظلم برقم 2578.
(4)
صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2577) .
(5)
رواه ومسلم في البر والصلة والآداب باب تحريم الظلم برقم 2577.
بالظلم والعدوان، ولكن تحل بالطرق السلمية والصلح أو بالحكم الشرعي، أما حلها بالظلم والعدوان والسلاح وقتل الأبرياء ونهب الأموال وغير هذا من أنواع الفساد، فهذا لا تقره شريعة إسلامية، ولا يقره ميثاق دولي، ولا عرف بين الناس، بل مخالف للأعراف ومخالف للمواثيق الدولية، كما أنه مخالف لشرع الله المطهر.
والواجب على الدول الإسلامية وغيرها، والعربية وغيرها، إنكاره، وقد وقع ذلك وأجمع العالم على إنكاره، ولا شك أنه جدير بالإنكار، فالواجب على دولة العراق أن تسحب جيوشها من دولة الكويت، وأن تبادر بذلك، وأن تلغي هذه المشكلة الخطيرة، وأن تحل المشكلة بينها وبين الكويت بالطرق السلمية التي أوضحها الإسلام، ودرج عليها المسلمون، ودرج عليها كل من له أدنى بصيرة وأدنى رغبة في الحق والعدل والإنصاف.
وهذه المسألة كغيرها من المسائل التي تقع بين الناس، سواء كان ذلك بين دول وقبائل أو غير ذلك، يجب أن تحل بالطرق الشرعية، ويحرم حلها بالظلم والعدوان، والصلح جائز بين المسلمين كما قال جل وعلا:{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (1) وفي الحديث الشريف يقول عليه الصلاة والسلام: «الصلح جائز
(1) سورة النساء الآية 128
بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما (1) » فإذا تيسر الصلح الذي لا يخالف شرع الله، بل يتحرى فيه العدل والإنصاف والقسط فذلك جائز، فإن لم يتيسر وجب الرجوع إلى حكم الله، كما قال عز وجل في كتابه المبين:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (2)
فقد أجمع العلماء على أن الرد إلى الله سبحانه هو الرد إلى كتابه العظيم القرآن، وأن الرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد إليه في حياته عليه الصلاة والسلام، والرد إلى سنته الثابتة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، وهذا هو خير للمسلمين، وفيه العاقبة الحميدة، وهو الواجب على كل من آمن بالله واليوم الآخر، وقال الله عز وجل:{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (3) وهذا عام في جميع المسائل بين الدول والشعوب وغير ذلك، وقال سبحانه وتعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (4) يعني
(1) سنن الترمذي الأحكام (1352) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2353) .
(2)
سورة النساء الآية 59
(3)
سورة الشورى الآية 10
(4)
سورة النساء الآية 65
النبي صلى الله عليه وسلم ويقول سبحانه: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (1)
فالواجب على جميع الدول وجميع الجماعات وجميع القبائل وجميع المسلمين في كل مكان أن يرجعوا إلى حكم الله فيما يتنازعون فيه ويختلفون فيه، وأن يحذروا العدوان والظلم، وأن تحل المشاكل بينهم بالطرق السلمية والوسائط العاقلة الطيبة، فإن لم يتيسر ذلك وجب الحل بالحكم الشرعي لا بالعدوان والظلم.
وهذه المسألة التي بين الكويت والعراق يجب أن تحل بمحكمة شرعية من العلماء المعروفين بالعلم والفضل والاستقامة ليحلوها على ضوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إذا لم يتيسر الصلح.
وهكذا جميع المشاكل التي تعم وتعرض بالدول الإسلامية أو العربية في كل مكان تحل بهذه الطريقة. بالصلح إن تيسر لا بالعدوان والظلم.
ولا شك أن كل ما يجري بين الناس من الفساد والشرور والظلم، كل ذلك بأسباب الذنوب والمعاصي، كما قال الله عز وجل في كتابه العظيم:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (2)
(1) سورة المائدة الآية 50
(2)
سورة الشورى الآية 30
وقال سبحانه: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (1) وقال جل وعلا: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (2)
فالواجب على جميع المسلمين التوبة إلى الله من جميع الذنوب، وذلك بالندم على الماضي منها والإقلاع عنها والعزم الصادق على عدم العودة فيها، وهذه هي التوبة النصوح، وإذا كان الذنب يتعلق بحق المخلوق فلا بد من التحلل من المخلوق وسماحه إذا كان مرشدا، أو رد مظلمته إليه وإعطائه حقه، ولا تتم التوبة إلا بذلك، والله سبحانه وتعالى يقول:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (3) ففي التوبة الفلاح والظفر بكل خير والسلامة من كل شر في الدنيا والآخرة وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (4) والنبي صلى الله عليه وسلم
(1) سورة النساء الآية 79
(2)
سورة الروم الآية 41
(3)
سورة النور الآية 31
(4)
سورة التحريم الآية 8
يقول: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له (1) » (2) .
فعلى جميع المسلمين في كل مكان أن يراقبوا الله، وأن يستقيموا على دينه، وأن يسارعوا إلى ما أوجب عليهم وإلى ترك ما حرم الله عليهم، وأن يتناصحوا فيما بينهم، ويتعاونوا على البر والتقوى، ويتواصوا بالحق والصبر عليه؛ عملا بقول الله عز وجل:{وَالْعَصْرِ} (3){إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (4){إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (5) وقوله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى (6) » ، وقوله صلى الله عليه وسلم «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه (7) » .
فالتناصح في الله والتواصي بالحق من أهم المهمات وأعظم الواجبات في حق الأفراد والجماعات والشعوب.
(1) سنن ابن ماجه الزهد (4250) .
(2)
رواه ابن ماجه في الزهد باب ذكر التوبة برقم 4250.
(3)
سورة العصر الآية 1
(4)
سورة العصر الآية 2
(5)
سورة العصر الآية 3
(6)
صحيح البخاري الأدب (6011) ، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2586) ، مسند أحمد بن حنبل (4/270) .
(7)
صحيح البخاري المظالم والغصب (2446) ، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2585) ، سنن الترمذي البر والصلة (1928) ، سنن النسائي الزكاة (2560) .
ويجب على رئيس دولة العراق أن يتوب إلى الله وأن يبادر بالرجوع إليه والتوبة بما وقع منه من ظلم والمسارعة إلى إخراج جيشه من الكويت حتى تهدأ الفتنة، وحتى تعود الأمور إلى نصابها، ويحصل التقارب في حل المشكلة بالطريقة التي ذكرتها.
وهذا قول جميع أهل العلم ليس في هذا نزاع، وهو أن جميع المشاكل بين الدول والجماعات والقبائل والأفراد يجب أن تحل بالطريق الشرعي إذا لم يحسن حلها بالطرق السلمية والصلح الشرعي الذي لا يخالف شرع الله.
وأما ما حصل من الحكومة السعودية لأسباب هذه الحوادث المرتبة على الظلم الصادر من رئيس دولة العراق لدولة الكويت من استعانتها بجملة من الجيوش التي حصلت من جنسيات متعددة من المسلمين وغيرهم لصد العدوان وللدفاع عن البلاد - فذلك أمر جائز بل تحتمه وتوجبه الضرورة وأن على المملكة أن تقوم بهذا الواجب؛ لأن الدفاع عن الإسلام والمسلمين وعن حرمة البلاد وأهلها أمر لازم بل متحتم فهي معذورة في ذلك ومشكورة على مبادرتها لهذا الاحتياط والحرص على حماية البلاد من الشر وأهله، والدفاع عنها من عدوان متوقع قد يقوم به رئيس دولة العراق؛ لأنه لا يؤمن بسبب ما حدث منه مع دولة الكويت فخيانته متوقعة.
فلذلك دعت الضرورة إلى الأخذ بالاحتياط والاستعانة بالجيوش المتعددة الأجناس حماية للبلاد وأهلها وحفظا للأمن وحرصا على سلامة البلاد وأهلها من كل شر.
ونسأل الله أن يثيبها على ذلك ويوفقها لكل خير، وأن ينفع بالأسباب ويحسن العاقبة وأن يكبت كل ذي شر ويشغله في نفسه، وأن يجعل كيد أعداء الله في نحورهم، ويكفي المسلمين شرهم إنه جل وعلا خير مسئول.
وأسأل الله عز وجل أن يصلح أحوال المسلمين وأن يهديهم الصراط المستقيم وأن يكبت كل عدو للإسلام والمسلمين، وأن يشغله في نفسه وأن يعيذ المسلمين من شره، وأن يجعل فيما أجرته الحكومة السعودية الخير للمسلمين والعاقبة الحميدة، وأن يبارك في جهودها ويسدد خطاها، وأن يحسن العاقبة لها ولجميع المسلمين، إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
الغزو العراقي جريمة عظيمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه (1)، أما بعد:
فبمناسبة ما جرى من الحوادث هذه الأيام بسبب احتلال الرئيس العراقي دولة الكويت واجتياحه لها بالقوات المسلحة المتنوعة، وما جرى بسبب ذلك من الفساد العظيم وسفك الدماء ونهب الأموال وانتهاك الأعراض، رأيت أن أبين لإخواني المسلمين في هذا الحديث ما يجب حول هذا الحادث فأقول: -
لا شك أن هذا الحادث حادث مؤلم، ويحزن كل مسلم، ولا شك أنه جريمة عظيمة وعدوان شديد من الزعيم العراقي على دولة مجاورة مسلمة، فالواجب عليه التوبة إلى الله سبحانه من ذلك، وسحب جميع جيوشه من دولة الكويت، وحل المشاكل بالطرق السلمية التي شرعها الله لعباده، كما قال جل وعلا:{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (2) وقال في الفئة الباغية:
(1) نشرت في مجلة الدعوة في 10\2\1411 هـ بعددها 1255 ونشرت في هذا المجموع ج 6 ص 142.
(2)
سورة النساء الآية 128
فالمشاكل التي تقع بين الدولتين أو الدول أوالقبيلتين أو الأفراد يجب أن تحل بالوسائل الشرعية لا بالقوة والعدوان والظلم، يقول الله سبحانه في كتابه العظيم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (2)
قال العلماء: الرد إلى الله تعالى: الرد إلى كتابه العظيم القرآن الكريم. والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: الرد إليه في حياته عليه الصلاة والسلام، وبعد وفاته: الرد إلى سنته.
قال عز وجل: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (3) فالواجب على المتنازعين، سواء كانا دولتين أو قبيلتين أو جماعتين أو فردين رد النزاع والمشاكل إلى حكم الله إلا أن يتيسر الصلح فالصلح خير.
والواجب على الرئيس العراقي حل الخلاف بالصلح والمفاوضة السلمية وتوسيط الأخيار، فإن لم يتيسر الصلح وجب الرد إلى الكتاب والسنة عن طريق محكمة شرعية يتولاها
(1) سورة الحجرات الآية 9
(2)
سورة النساء الآية 59
(3)
سورة الشورى الآية 10
علماء الحق، تعرض عليهم المشكلة ويحكمون فيها بشرع الله كما أمر سبحانه، هذا هو الواجب على كل دولة منتسبة إلى الإسلام؛ لأن الله جل وعلا يقول:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (1) ويقول جل وعلا: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (2) فالذي ننصح به رئيس العراق أن يتقي الله وأن يسحب جيوشه من دولة الكويت وينهي هذه المشكلة، وأن يرضى بحكم الله في ذلك إذا لم يتيسر الصلح.
ولا شك أن الرجوع إلى الحق خير وفضيلة، ويشكر صاحبه عليه، وهو خير له من التمادي في الخطأ والباطل، وننصح الجميع بالاستقامة على دين الله، والحكم بشريعته والتواصي بطاعته وترك معصيته، وعدم تحكيم القوانين الوضعية وآراء الرجال، وهذا هو طريق العزة وطريق العدالة وطريق السعادة والكرامة.
ولا شك أن كل بلاء يحصل للمسلمين وكل شر ومصيبة فأسبابها الذنوب والمعاصي، كما قال الله تعالى:
(1) سورة النساء الآية 65
(2)
سورة المائدة الآية 50
{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (1) وقال عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (2) وقال سبحانه: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (3)
فالواجب على الجميع التوبة إلى الله والرجوع إليه والاستقامة على دينه والندم على ما مضى من السيئات والمخالفات والعدوان.
هذا هو الواجب على جميع الدول الإسلامية والعربية وعلى جميع المسلمين.
وعلى الجميع أن يتقوا الله وأن يعظموا شرعه، وأن يتوبوا إليه من تقصيرهم وذنوبهم، وأن يعلموا أن ما أصابهم فهو بسبب ذنوبهم وسيئاتهم، فالتوبة إلى الله فيها الخير العظيم والسعادة في الدنيا والآخرة، والله جل وعلا قد يملي للظالم ولا يأخذه بسرعة، بل يملي ولا يغفل سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل:{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} (4) وقال النبي - صلى الله عليه
(1) سورة الشورى الآية 30
(2)
سورة الروم الآية 41
(3)
سورة النساء الآية 79
(4)
سورة إبراهيم الآية 42
وسلم -: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته (1) » ، ثم تلا قوله سبحانه:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (2)
فنصيحتي لنفسي ولجميع المسلمين في كل مكان، أن يتقوا الله ويتوبوا إليه، ويستقيموا على دينه، وأن يخلصوا له العبادة، وأن يحذروا ما حرم عليهم سبحانه؟
ولا شك أن الرجوع إلى الحق والحرص على تحكيم الشرع والحذر مما يخالفه هو طريق أهل الإيمان وسبيلهم، وهو طريق العزة والكرامة، وهو طريق الإنصاف والحكمة، وهو الواجب على كل المسلمين دولا وشعوبا وأفرادا وجماعات.
وأما ما وقع من الحكومة السعودية من طلب الاستعانة من دول شتى للدفاع وحماية أقطار المسلمين؛ لأن عدوهم لا يؤمن هجومه عليهم، كما هجم على دولة الكويت - فهذا لا بأس به، وقد صدر من هيئة كبار العلماء- وأنا واحد منهم- بيان بذلك أذيع في الإذاعة ونشر في الصحف، وهذا لا شك في جوازه، إذ لا بأس أن يستعين المسلمون بغيرهم للدفاع عن
(1) روا البخاري في تفسير القرآن باب قوله تعالى '' وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى '' برقم 4686، ومسلم في البر والصلة والآداب باب تحريم الظلم برقم 2583.
(2)
سورة هود الآية 102
بلاد المسلمين وحمايتهم وصد العدوان عنهم، وليس هذا من نصر الكفار على المسلمين الذي ذكره العلماء في باب حكم المرتد، فذاك أن ينصر المسلم الكافر على إخوانه المسلمين، فهذا هو الذي لا يجوز، أما أن يستعين المسلم بكافر ليدفع شر كافر آخر أو مسلم معتد، أو يخشى عدوانه فهذا لا بأس به.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه استعان بدروع أخذها من صفوان بن أمية استعارها منه - وكان صفوان كافرا - في قتال له لثقيف يوم حنين، وكانت خزاعة مسلمها وكافرها مع النبي صلى الله عليه وسلم في قتاله لكفار قريش يوم الفتح، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إنكم تصالحون الروم صلحا آمنا ثم تقاتلون أنتم وهم عدوا من ورائكم (1) » فهذا معناه الاستعانة بهم على قتال العدو الذي من ورائنا.
والمقصود أن الدفاع عن المسلمين وعن بلادهم يجوز أن يكون ذلك بقوة مسلمة، وبمساعدة من نصارى أو غيرهم عن طريق السلاح، وعن طريق الجيش الذي يعين المسلمين على صد العدوان عنهم، وعلى حماية بلادهم من شر أعدائهم ومكائدهم.
(1) رواه أبو داود في الملاحم باب ذكر ما يذكر من ملاحم الروم برقم 4292.
والله جل وعلا يقول في كتابه العظيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} (1) فأمرنا بأخذ الحذر من أعدائنا، وقال عز وجل:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ} (2) أي للأعداء الكفار {مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (3) وهكذا من يعتدي علينا ولو كان مسلما أو ينتسب إلى الإسلام، فإذا خشي المسلمون عدوانه جاز لهم أيضا أن يستعينوا بمن يستطيعون الاستعانة به؛ لصد عدوان الكافر ولصد عدوان المعتدي وظلمه عن بلاد المسلمين وعن حرماتهم.
والواجب على المسلمين التكاتف والتعاون على البر والتقوى ضد أعدائهم، وإذا احتاجوا فيما بينهم لمن يساعدهم على عدوهم أو على من يريد الكيد لهم والعدوان عليهم ممن ينتسب للإسلام، فإن لهم أن يستعينوا بمن يعينهم على صد العدوان وحماية أوطان المسلمين وبلادهم كما تقدم.
وأكرر نصيحتي لجميع زعماء المسلمين ولجميع الدول العربية والإسلامية أن يتقوا الله ويحكموا شريعته في كل شيء، وأن يحذروا ما يخالف شرعه، وأن يبتعدوا عن الظلم مهما كان نوعه، هذا هو طريق النجاة وهذا هو طريق السعادة والسلامة.
(1) سورة النساء الآية 71
(2)
سورة الأنفال الآية 60
(3)
سورة الأنفال الآية 60
رزق الله الجميع التوفيق والهداية، ووفق جميع المسلمين للاستقامة على دينه، والتوبة إليه من جميع الذنوب، وأصلح أحوالنا جميعا، ووفق قادة المسلمين جميعا وعامة المسلمين لكل ما فيه رضاه، ولكل ما فيه صلاح الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان.
وصية لجميع المسلمين
بمناسبة غزو العراق للكويت
س: سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز هناك هلع وفزع أصاب بعض المسلمين في هذا البلد من جراء قرب توقع الحرب، حيث بادر الكثير بشراء السلع والمواد الغذائية بكميات كبيرة بغية تخزينها إضافة إلى قيام البعض الآخر بالاستعداد لمغادرة مدينة الرياض خوفا من نشوب الحرب، فهل هناك من كلمة توجهونها لهم بهذا الشأن؟ (1)
جـ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسوله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فإن وصيتي لجميع المسلمين في المملكة العربية السعودية، وفي دول الخليج، وفي كل مكان، أن يتقوا الله عز وجل وأن يستقيموا على دينه في جميع الأوقات، ولا سيما في مثل هذه الظروف التي لا تخفى على الجميع، وهي ما جرى من الأحداث في الخليج بأسباب عدوان حاكم العراق على دولة الكويت.
(1) إجابة صدرت من مكتب سماحته ونشرت في المجموع في ج6 من هذا المجموع ص 137
والواجب على المسلمين دائما أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، وأن يستقيموا على دينه، وأن يحذروا ما حرم الله عليهم من قول وعمل؛ لأن الطاعات هي سبب الخير في الدنيا والآخرة، وهي سبب الأمن والسعادة وإطفاء الفتن.
أما المعاصي فهي أسباب الشر في الدنيا والآخرة.
وكل خير في الدنيا والآخرة فسببه طاعة الله واتباع شريعته، وكل شر في الدنيا والآخرة فسببه معصية الله والكفر به والانحراف عن دينه.
وهذه الأحداث التي وقعت في الخليج أسبابها ما قدمته أيدي العباد من مخالفة لأمر الله وانتهاك لمحارم الله، كما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (1) وقال عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (2) وقال سبحانه: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (3) الآية.
فالواجب على كل مسلم أن يحاسب نفسه، وأن يراقب ربه، وذلك بفعل الأوامر وترك النواهي، والمبادرة بالتوبة الصادقة من جميع الذنوب، كما قال الله سبحانه وتعالى:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (4)
(1) سورة الشورى الآية 30
(2)
سورة الروم الآية 41
(3)
سورة النساء الآية 79
(4)
سورة النور الآية 31
وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} (1) والتوبة النصوح هي مشتملة على الندم على ما مضى من المعاصي، وعلى الإقلاع منها وتركها، والحذر منها، وعلى العزم الصادق على عدم العودة إليها طاعة لله وتعظيما له وإخلاصا له ورغبة فيما عنده وحذرا من عقابه سبحانه وتعالى.
وبهذا تدفع الشرور ويحصل الأمن، ويشتت الله الأعداء ويذلهم ويجعل دائرة السوء عليهم، كما قال سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (2)
ومن نصر الله الاستقامة على طاعته والتوبة إليه من جميع المعاصي والإعداد لجهاد الأعداء والصبر والمصابرة في جهادهم، وبذلك يحصل النصر والتأييد لأولياء الله وأهل طاعته. ويحصل الإذلال والهزيمة على أعداء الله.
يقول الله سبحانه: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (3){الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (4)
(1) سورة التحريم الآية 8
(2)
سورة محمد الآية 7
(3)
سورة الحج الآية 40
(4)
سورة الحج الآية 41
فوصيتي للجميع التوبة إلى الله والضراعة إليه، وطلب النصر والتأييد على أعداء الله، والمبادرة بكل ما يرضي الله ويقرب إليه ظاهرا وباطنا. والإيمان بأنه سبحانه هو الذي بيده النصر كما قال سبحانه:{وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} (1) ليس النصر بالأسباب، وإنما هي أسباب، وليس النصر بالجيوش وإنما هي أسباب، قال جل وعلا في كتابه العظيم:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (2){وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (3)
فالنصر من عنده عز وجل، ولكنه سبحانه أمر بالأسباب، وأمر بالإعداد للعدو وأخذ الحذر، وأمر بإعداد الجيوش والسلاح المناسب، كما قال سبحانه وتعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (4) وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} (5)
هكذا يجب على المسلمين أن يعدوا العدة وأن يجاهدوا عدوهم بكل ما يستطيعون من أنواع السلاح والمصابرة، وأبشر
(1) سورة آل عمران الآية 126
(2)
سورة الأنفال الآية 9
(3)
سورة الأنفال الآية 10
(4)
سورة الأنفال الآية 60
(5)
سورة النساء الآية 71
إخواني جميعا أن الله سينصر دينه، وسينصر حزبه، وسيهزم عدوه.
ولا شك أن حاكم العراق تعدى وظلم وبغى على جيرانه، وأحدث فتنة عظيمة سوف يجد عقابها وجزاءها إلا أن يتوب إلى الله توبة صادقة ويؤدي الحق لأهله.
والواجب جهاده حتى يخرج من الكويت ويرجع إلى الحق والصواب، والمجاهدون لهذا الطاغية على خير عظيم، فمن أخلص لله في جهاده فهو إن عاش عاش حميدا مأجورا عظيم الأجر، وإن قتل قتل شهيدا لكونه جاهد في سبيل الله لإنقاذ وطن مسلم ولنصر مظلومين ولردع ظالم تعدى وبغى وظلم مع كفره وخبث عقيدته الإلحادية.
ووصيتي للمسلمين جميعا أن يحسنوا ظنهم بالله وأن يطمئنوا لنصره عز وجل، فهو سبحانه الناصر لأوليائه وأهل طاعته، وهو الذي يقول جل وعلا:{فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} (1) فالعاقبة لأهل الإيمان المتقين لله، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} (2)
وقد خان الأمانة هذا الطاغية- طاغية العراق - وكفر النعمة وأساء إلى جيرانه بعدما أحسنوا إليه وساعدوه في أوقاته الحرجة، ولكنه كفر النعمة وأساء الجوار وظلم وتعدى، وسوف يجد العاقبة الوخيمة.
(1) سورة هود الآية 49
(2)
سورة الحج الآية 38
يقول النبي- صلى الله عليه وسلم: «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم (1) » وهذا قد بغى وظلم، والله جل وعلا يقول:{وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} (2) ويقول سبحانه: {وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (3)
ولا مانع من أخذ الأسباب وقت الحرب، ولا مانع من كون المسلمين يتخذوا الأسباب التي تنفعهم في وقت الحرب، فهم مأمورون بأخذ الأسباب في جميع الأمور، كما أنهم مأمورون بأخذ السلاح والإعداد للعدو، فهم مأمورون أيضا بالأسباب الأخرى كحاجتهم وحاجات بيوتهم من الطعام والزاد وغير ذلك.
كل ذلك مأمورون به ولا حرج فيه، لكن مع حسن ظنهم بالله ومع الاستقامة على دينه ومع التوبة إليه سبحانه من جميع الذنوب، هذا هو الواجب على الجميع، والأسباب هم مأمورون بها وهي حق ولكنها من التوكل، والتوكل على الله واجب في جميع الأمور، وهو يشمل أمرين: -.
أحدهما: الثقة بالله والاعتماد عليه، والإيمان بأنه الناصر
(1) سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2511) ، سنن أبو داود الأدب (4902) ، سنن ابن ماجه الزهد (4211) ، مسند أحمد بن حنبل (5/38) .
(2)
سورة الفرقان الآية 19
(3)
سورة الشورى الآية 8
وأنه مصرف الأمور، وأن بيده كل شيء سبحانه وتعالى.
والأمر الثاني: الأخذ بالأسباب من جميع الوجوه؛ لأن الله أمر بها، قال سبحانه:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (1) وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} (2) وقال تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} (3) الآية، وقد لبس النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد درعين، وأخذ بالأسباب يوم الخندق، وهكذا يوم الفتح، كل هذا من باب الأسباب، فالإعداد للعدو وهكذا بقية الأسباب من توقي شر الحروب وإعداد ما يحتاجه العوائل والبيوت، كل ذلك أمر مطلوب وليس فيه مخالفة لأمر الله، وليس فيه أيضا إخلال بالتوكل، بل التوكل يشمل الأمرين: الثقة بالله والاعتماد عليه، والإيمان بأنه الناصر جل وعلا مع الأخذ بالأسباب، هذا ما يجب على المسلمين.
ونسأل الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يهزم حاكم العراق ويشتت شمله، وأن يدير عليه دائرة السوء، وينصر المسلمين عليه ويعينهم على كل خير، وأن ينصر المظلومين ويعيد إليهم بلادهم، وأن يهديهم وجميع المسلمين سواء السبيل.
(1) سورة الأنفال الآية 60
(2)
سورة النساء الآية 71
(3)
سورة النساء الآية 102
ونسأل الله أن يجعل العاقبة حميدة للجميع، وأن يجعل هذه الحوادث عظة للمؤمنين وسببا لاستقامتهم على دينهم، وسببا لتوبة الجميع من كل ذنب إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
محاضرة مهمة بسبب اجتياح حاكم العراق للكويت
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:
فإن الله جل وعلا - وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة - يبتلي عباده بالسراء والضراء والشدة والرخاء؛ حتى يميز الخبيث من الطيب، وحتى يتضح أهل الإيمان والتقوى من أهل النفاق والزيغ والكفر والضلال، وحتى يتبين الصابرون المجاهدون من غيرهم، وحتى يظهر للناس من يريد الحق ويطلب إقامته ممن يريد خلاف ذلك. قال الله جل وعلا في كتابه العظيم:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (1) ومعنى الفتنة هنا: الاختبار والامتحان ليتبين بعد الامتحان الصادقون من الكاذبين والأبرار من الفجار والأخيار من الأشرار، وطالب الحق من طالب غيره، ويرجع من أراد الله له
(1) سورة الأنبياء الآية 35
السعادة إلى ما عرفه من الحق، ويستمر من سبقت له الشقاوة في باطله وضلاله، وقال جل وعلا:{وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (1) ومعنى بلوناهم: اختبرناهم بالحسنات بالنعم؛ من العز والظهور في الأرض والمال والثروة وغير هذا مما يعتبر من النعم، والسيئات: يعني المصائب التي تصيب الناس من فقر وحاجة وخوف وحروب وغير ذلك. {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (2) المعنى ليرجعوا إلى الحق والصواب ويستقيموا على الهدى، وقال جل وعلا:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (3) يعني: اتقوها بالعمل الصالح والاستقامة على طاعة الله والجهاد في سبيله ولزوم الحق.
والفتنة يدخل فيها الحروب ويدخل فيها الشبهات التي يزيغ بها كثير عن الحق ويدخل فيها الشهوات المحرمة إلى أنواع أخرى من الفتن.
فأهل الإيمان يتقونها بطاعة الله ورسوله والفقه في الدين والإعداد لها قبل وقوعها حتى إذا وقعت فإذا هم على بينة وبصيرة وعلى عدة ويقول جل وعلا
(1) سورة الأعراف الآية 168
(2)
سورة الأعراف الآية 168
(3)
سورة الأنفال الآية 25
{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (1) المعنى أنه شديد العقاب لمن خالف أمره وارتكب نهيه ولم ينقد لشرعه سبحانه، وقال سبحانه وتعالى:{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} (2) فالإنسان يفتن بالمال والولد ويمتحن، فإن اتقى الله في المال والولد فله السعادة، وإن مال مع المال إلى الشهوات المحرمة وإيثار العاجلة هلك، وهكذا إن مال مع الولد إلى ما حرم الله وإلى متابعة الهوى هلك مع من هلك.
وقال سبحانه وتعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (3) ومعنى ولنبلونكم: لنختبرنكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين {وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (4) حتى نعلم علما ظاهرا، والله سبحانه يعلم كل شيء ولا يخفى عليه شيء، وقد سبق علمه بكل شيء كما قال تعالى:{لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} (5)
وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (6) فهو
(1) سورة الأنفال الآية 25
(2)
سورة التغابن الآية 15
(3)
سورة محمد الآية 31
(4)
سورة محمد الآية 31
(5)
سورة الطلاق الآية 12
(6)
سورة المجادلة الآية 7
سبحانه وتعالى عليم بكل شيء، ولكنه يبلوهم حتى يعلم المجاهدين منهم والصابرين علما ظاهرا يشاهده الناس، ويعلمه هو سبحانه علما ظاهرا موجودا بعدما كان في الغيب، يعلمه ظاهرا موجودا في الوجود، وهذا معنى قوله سبحانه:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} (1) حتى نعلمه علما ظاهرا موجودا في العالم.
وفي هذه الأيام جرى ما جرى من الفتنة في الحادي عشر من المحرم من السنة الهجرية 1411 هـ الثاني من أغسطس من الشهور الميلادية 1990 م جرى ما جرى من عدوان حاكم العراق على دولة الكويت المجاورة له، واجتاحها بجيوشه المدمرة الظالمة، واستحل الدماء والأموال، وانتهك الأعراض، وشرد أهل البلاد، وجرت فتنة عظيمة بسبب هذا الظلم والعدوان، واستنكر العالم هذا البلاء وهذا الحدث الظالم، وحشد الجيوش على الحدود السعودية، وبذل الناس الجهود الكبيرة: من رؤساء الدول ومن مجلس الأمن ومن غيرهم لحاكم العراق ليخرج من هذا الظلم ويسحب جيشه من هذه البلاد التي احتلها ظلما، فلم يستجب، وأصر على ظلمه وعدوانه؛ لحكمة بالغة: إن ربك حكيم عليم له سبحانه
(1) سورة محمد الآية 31
الحكمة البالغة في كل شيء، قد سبق في علمه جل وعلا أنه لا بد من حرب، وأن هذا البلاء الذي وقع لا يتخلص منه بمجرد الحلول السلمية، وهو القائل سبحانه في كتابه العظيم:{فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (1) ويقول سبحانه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (2) ونرجو أن يكون فيما وقع الخير وأن يكون في ذلك الخير لنا وللمسلمين جميعا والشر على أعداء الإسلام؛ لأنه سبحانه أعلم وأحكم، ونرجو أن يكون فيما حدث عظة لنا ولغيرنا في الرجوع إلى الله والاستقامة على دينه وحساب النفوس وجهادها لله والإعداد الكامل لأعدائنا أعداء الإسلام.
فالامتحان يفيد المؤمنين والعقلاء، ويوجب حساب النفس وجهادها، ويوجب على كل مسلم أن يحاسب نفسه ويجاهدها لله، وأن يستقيم على أمره، وأن يتباعد عن نهيه، ويوجب على الدول الإسلامية أن تحاسب أنفسها أيضا، وأن تستقيم على دين الله، ومتى استقام العباد على الحق وأصلحوا أنفسهم وجاهدوها لله وبذلوا المستطاع في نصر الحق يسر
(1) سورة النساء الآية 19
(2)
سورة البقرة الآية 216
الله أمورهم ونصرهم على عدوهم، كما قال جل وعلا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (1) ويقول سبحانه وتعالى {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (2) ويقول سبحانه وبحمده: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (3){الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (4) ويقول سبحانه وتعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} (5) يعني: بسبب إيمانهم الصادق وعملهم الصالح يستخلفون في الأرض، ويمكن الله لهم دينهم، ويبدلهم من بعد خوفهم أمنا.
فالواجب هو الاستقامة على أمر الله، وعلاج الفتن بما أمر الله به من التقوى، والاستقامة والجهاد الصادق والإخلاص لله والصبر والمصابرة. هكذا يجب.
وقد بين الله لعباده أسباب النجاة ووسائل النصر، فقال
(1) سورة محمد الآية 7
(2)
سورة الروم الآية 47
(3)
سورة الحج الآية 40
(4)
سورة الحج الآية 41
(5)
سورة النور الآية 55
جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1){وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (2){وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (3)
فأمرهم سبحانه عند لقاء الأعداء وعند وجود العدوان وعند مباشرة الجهاد بصفات عظيمة:
أولها: الثبات على الحق والاستقامة عليه، فقال سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} (4) فالثبات على الحق لا بد منه، والصبر عليه كما في الآية الأخرى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (5) وأهل الأيمان لا تشغلهم الشدائد عن الحق بل يلزمون الحق في الشدة والرخاء.
والثاني: ذكر الله جل وعلا: ذكر الله بالقلب واللسان والعمل بالقلب؛ تعظيما له سبحانه ومحبة له وخوفا منه، وثقة به وإخلاصا له. واعتمادا عليه سبحانه وتعالى، وإيمانا بأنه الناصر والنصر من عنده، كما قال سبحانه:
(1) سورة الأنفال الآية 45
(2)
سورة الأنفال الآية 46
(3)
سورة الأنفال الآية 47
(4)
سورة الأنفال الآية 45
(5)
سورة آل عمران الآية 200
{وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} (1) وإنما الأسباب تعين على ذلك، فما شرع الله من إعداد وسلاح وغير ذلك من الأسباب كلها تعين على ذلك، وهي بشرى من عند الله، كما قال الله عندما أمد رسوله صلى الله عليه وسلم بالملائكة:{وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (2) وفي آية آل عمران: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (3)
فالمؤمن عند الشدائد يذكر الله ويعظمه، ويعلم أنه الناصر، وأنه الضار النافع، وأن بيده كل شيء، فبيده سبحانه الضر والنفع، وبيده سبحانه العز والنصر، وبيده جل وعلا تصريف الأمور، لا يغيب عن علمه شيء، ولا يعجزه شيء سبحانه وتعالى.
وعلق على ذلك الفلاح فقال عز من قائل: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (4) فبذكر الله بالقلب واللسان والعمل؛ الفلاح والظفر والخير كله.
فالمؤمنون في الشدة والرخاء يلزمون ذكر الله وتعظيمه، والإخلاص له، وإقامة حقه، وترك معصيته، فيذكرون الله بإقامة الصلوات، والمحافظة عليها، وحفظ الجوارح عما حرم الله
(1) سورة الأنفال الآية 10
(2)
سورة الأنفال الآية 10
(3)
سورة آل عمران الآية 126
(4)
سورة الأنفال الآية 45
وحفظ اللسان عما حرم الله، وذلك بأداء الحقوق والكف عما حرم الله، إلى غير ذلك مما يرضيه سبحانه ويباعد عن غضبه.
وذكر الله سبحانه يكون بالقلب واللسان والعمل كما تقدم، وفي ذلك الفلاح والفوز والسعادة والظفر، ثم قال سبحانه:{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (1) هذه هي الصفة الثالثة، وطاعة الله ورسوله هي من ذكر الله جل وعلا، ولكن نص عليها لعظمها، وذلك بفعل الأوامر وترك النواهي، في الجهاد وغيره.
ثم ذكر جل وعلا الصفة الرابعة: وهي الالتفاف والاجتماع والتعاون وعدم الفشل، فقال سبحانه:{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (2) فالواجب على المسلمين التعاون والاتفاق والصدق في جهاد الأعداء، وإخراج الظلمة مما وقعوا فيه، لا بد من الاتفاق والصبر، وذكر الله والتعاون ضد العدو.
والعدو قد يكون مسلما، وقد يكون كافرا، وقد يكون مسلما باغيا، وقد أمر الله بقتال الباغي حتى يفيء إلى أمر الله، كما قال جل وعلا:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (3) هذا إن كان مؤمنا فكيف إذا كان كافرا بعثيا ظالما.
(1) سورة الأنفال الآية 46
(2)
سورة الأنفال الآية 46
(3)
سورة الحجرات الآية 9
ومعنى حتى تفيء إلى أمر الله: حتى ترجع إلى الحق، وترد ما ظلمت، وتستقيم مع العدالة. ثم قال سبحانه:{وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (1) وهذه صفة خامسة. فلا بد من الصبر في جهاد الأعداء وقتالهم، وبذل المستطاع في ذلك، وقال سبحانه في آية البقرة في صفة المؤمنين:{وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} (2) يعني حين القتال، ثم قال سبحانه:{أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (3) وقال سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} (4)
والصبر أنواع ثلاثة:
- صبر على طاعة الله بالجهاد وأداء الحقوق.
- وصبر عن معاصي الله، بالكف عما حرم الله قولا وعملا.
- ونوع ثالث هو الصبر على قضاء الله وقدره مما يصيب الناس من جراح أو قتل أو مرض أو غير ذلك. لا بد من الصبر وتعاطي أسباب النصر. وأسباب العافية.
(1) سورة الأنفال الآية 46
(2)
سورة البقرة الآية 177
(3)
سورة البقرة الآية 177
(4)
سورة النحل الآية 127
ثم ذكر سبحانه صفة سادسة وسابعة فقال: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ} (1) أي لا تكونوا في جهادكم متكبرين ولا مرائين، بل يجب على المؤمنين في جهادهم لعدوهم الإخلاص لله، والصدق والتواضع لله، وسؤاله النصر جل وعلا.
وقد ذكر الله أمرا ثامنا وحذر منه، وهو الصد عن سبيل الله، وهو من صفة أعداء الله، فهم يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا. أما المؤمنون فيجاهدون في تواضع لله، مخلصين له سبحانه، لا متكبرين ولا مرائين، يدعون إلى سبيل الله من صد عنه، يدعون الناس إلى الحق والهدى وإلى طاعة الله ورسوله. هكذا المؤمنون الصادقون أينما كانوا.
وهذه الفتنة - أعني عدوان حاكم العراق على الكويت - قد اشتبه فيها الأمر على بعض الناس، إذ ظن بعض الناس أن الأولى فيها الاعتزال وعدم القتال مع هؤلاء أو هؤلاء، وهذا قد جرى في أول فتنة وقعت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي الفتنة التي وقعت بين أهل الشام وأهل العراق، بسبب مقتل عثمان رضي الله عنه الذي قتل ظلما من فئة بغت عليه وتعدت، والتبست عليها الأمور، ودخل فيها من هو حاقد على
(1) سورة الأنفال الآية 47
الإسلام، والتبست الأمور على بعض الناس حتى اشتبهت الأمور، وبقتل عثمان رضي الله عنه ظلما وعدوانا حصل بسبب ذلك فتنة عظيمة، فبايع الناس عليا رضي الله عنه بالخلافة، وقام معاوية رضي الله عنه وجماعة يطالبون بدم عثمان، وبايعه كثير من الناس على ذلك، وعظمت الفتنة واشتدت البلية، وانقسم المسلمون قسمين بسبب هذه الفتنة:
طائفة انحازوا إلى معاوية رضي الله عنه وأهل الشام، يطالبون عليا رضي الله عنه بتسليم القتلة.
وطائفة أخرى هم علي رضي الله عنه وأصحابه، طلبوا من معاوية وأصحابه الهدوء والصبر، وبعد تمام الأمر واستقرار الخلافة ينظر في أمر القتلة.
واشتد الأمر وجرى ما جرى من حرب الجمل وصفين، وظن بعض الناس في ذلك الوقت أن الأولى عدم الدخول في هذه الفتنة، واعتزل بعض الصحابة ذلك، فلم يكونوا مع علي ولا مع معاوية.
والفتنة اليوم كذلك، حصل فيها اشتباه؛ لأن وقوع الفتن يسبب اشتباها كثيرا على الناس، وليس كل إنسان عنده العلم الكافي بما ينبغي أن يفعل، فقد يقع له شبه تحول بينه وبين فهم الصواب. وهذه الفتنة التي وقعت الآن ليست مما يعتزل فيها؛ لأن الحق فيها واضح، والقاعدة أن الفتنة التي ينبغي
عدم الدخول فيها هي: المشتبهة التي لا يتضح فيها الحق من الباطل، والتي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي من تشرف لها تستشرفه، فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به (1) » . رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا فالقاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، فكسروا قسيكم وقطعوا أوتاركم واضربوا بسيوفكم الحجارة، فإن دخل على أحدكم فليكن كخير ابني آدم (2) » رواه ابن ماجه وأبو داود، فهذه الفتنة التي تشتبه ولا يتضح للمؤمن فيها الحق من الباطل، هي التي يشرع البعد عنها وعدم الدخول فيها.
(1) رواه البخاري في الفتن باب تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم برقم 7081، ومسلم في الفتن وأشراط الساعة باب نزول الفتن كمواقع القطر برقم 2886.
(2)
رواه أبو داود في الفتن والملاحم باب في النهي عن السعي في الفتنة برقم 4259، وابن ماجه في الفتن باب التثبت في الفتنة برقم 3961.
أما ما ظهر فيه الحق، وعرف فيه المحق من المبطل والظالم من المظلوم، فالواجب أن ينصر المظلوم ويردع الظالم، ويردع الباغي عن بغيه، وينصر المبغي عليه، ويجاهد الكافر المعتدي، وينصر المظلوم المعتدى عليه، وفي هذا المعنى يقول الله سبحانه وتعالى:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (1)
ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (2) ثم شرحها للناس بقوله سبحانه: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (3){يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (4){وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (5)
فهذا وعده سبحانه لمن جاهد في سبيله ونصر الحق في هذه الآيات الكريمات، وفي قوله سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (6) وصفها بهذا الوصف العظيم أنها تجارة، وأنها تنجي من عذاب أليم، ثم فسرها بقوله:{تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} (7)
(1) سورة التوبة الآية 41
(2)
سورة الصف الآية 10
(3)
سورة الصف الآية 11
(4)
سورة الصف الآية 12
(5)
سورة الصف الآية 13
(6)
سورة الصف الآية 10
(7)
سورة الصف الآية 11
ومعلوم أن الجهاد من الإيمان، ولكن خصه بالذكر لعظم شأنه ومسيس الحاجة إلى بيان فضله، فقال سبحانه وتعالى:{وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} (1) بدأ بالأموال لعظم شأنها، وعموم نفعها في شراء السلاح وتجهيز المجاهدين وإطعامهم، ولذلك بدأ بالمال قبل النفس في أكثر الآيات؛ لأن نفعه أوسع، ثم قال سبحانه وبحمده:{ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (2) ثم فسر بعد ذلك الخير المذكور بقوله تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (3) كل هذا من ثواب الجهاد، ثم قال جل وعلا:{وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (4) ثواب الجهاد، وقال الله جل وعلا:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (5)
(1) سورة الصف الآية 11
(2)
سورة الصف الآية 11
(3)
سورة الصف الآية 12
(4)
سورة الصف الآية 13
(5)
سورة التوبة الآية 111
(6)
سورة الحجرات الآية 9
يعني حتى ترجع للحق {فَإِنْ فَاءَتْ} (1) أي رجعت للحق {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (2)
هذا بالنسبة للمؤمنين، كما جرى يوم الجمل وصفين في القتال بين المؤمنين، فقد أمر الله المؤمنين أن يقاتلوا الطائفة الباغية حتى ترجع إلى الحق، وبعد الرجوع إلى الحق ينظر في المسائل المشكلة، وتحل بالصلح والعدل الذي شرعه الله في قوله تعالى:{فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا} (3) أي بالطرق الحكيمة الشرعية التي جعلها الله وسيلة لحل النزاع {وَأَقْسِطُوا} (4) يعني: اعدلوا {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (5) هذا في المؤمنين، تقاتل الفئة الباغية، وهي مؤمنة حتى ترجع، فكيف إذا كانت الطائفة الباغية ظالمة كافرة، كما هو الحال في حاكم العراق، فهو بعثي ملحد، ليس من المؤمنين، وليس ممن يدعو للإيمان والحق، بل يدعو إلى مبادئ الكفر والضلال، وبدأ يتمسح بالإسلام لما جرى ما جرى، فأراد أن يلبس على الناس ويدعو إلى الجهاد كذبا وزورا ونفاقا.
ولو كان صادقا لترك الظلم، وترك البلاد لأهلها، وأعلن توبته إلى الله من مبادئه الإلحادية وطريقته التي يمقتها الإسلام
(1) سورة الحجرات الآية 9
(2)
سورة الحجرات الآية 9
(3)
سورة الحجرات الآية 9
(4)
سورة الحجرات الآية 9
(5)
سورة الحجرات الآية 9
ومصدر التشريع فيه كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وحينئذ تحل المشكلات بالطرق السلمية بعد ذلك.
أما أن يدعو إلى الجهاد وهو مقيم على الظلم والعدوان والتهديد لجيرانه، فكيف يكون هذا الجهاد الظالم؟ وهذا الجهاد الكاذب، والنفاق الذي يريد به التلبيس. وقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:«انصر أخاك ظالما أو مظلوما. قالوا: يا رسول الله نصرته مظلوما فكيف أنصره ظالما؟ قال: أن تحجزه عن الظلم فذلك نصرك إياه (1) » .
وذكر البراء رضي الله عنه نصر المظلوم في الحديث الصحيح المتفق عليه، وهو قوله رضي الله عنه:«أمرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم بسبع وذكر منها: نصر المظلوم (2) » ، فنصر المظلوم واجب متعين على كل من استطاع ذلك فإذا كان الظلم عظيما، كان الواجب أشد. وإذا كان الظلم لفئات
(1) رواه البخاري في الإكراه باب يمين الرجل لصاحبه برقم 6952 والترمذي في الفتن باب ما جاء في النهي عن سب الرياح برقم 2255.
(2)
رواه البخاري في الأشربة باب آنية الفضة برقم 5635، ومسلم في اللباس والزينة باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال برقم 2066.
كثيرة وأمة عظيمة ويخشى من ورائه ظلم آخر وشر آخر صار الواجب أشد وأعظم في نصر المظلوم وفي جهاد الظالم، حتى لا تنتشر الفتنة التي قام بها وحتى لا يعظم الضرر به، باجتياحه بلادا أخرى، ولو فعل ذلك لكان الأمر أشد وأخطر، ولكانت الفتنة به أعظم وأسوأ عاقبة، ولربما جرت أمور أخرى لا يعلم خطرها إلا الله.
ولعظم الأمر وخطورته اضطرت المملكة العربية السعودية إلى الاستنصار بالجنسيات المتعددة من الدول الإسلامية وغيرها، لعظم الخطر، ووجوب الدفاع عن البلاد وأهلها، واتقاء شر هذا الظالم المجرم الملحد، وقد وفقها الله في ذلك والحمد لله على ما حصل، ونسأل الله أن يجعل العاقبة حميدة، وأن يخذل الظالم ويسلط عليه من يكف ضرره، وأن يدير عليه دائرة السوء، وأن يهزم جمعه ويشتت شمله، ويقينا شره وشر أمثاله، وأن ينفع بهذه الجهود، وأن يدير دائرة السوء على المعاندين والظالمين، وأن يكتب النصر لأوليائه المؤمنين، وأن يرد هذه الجنود التي تجمعت لردع هذا الظالم إلى بلادها، ويقينا شرها، فهي جاءت لأمر واحد وهو الدفاع عن هذه البلاد، وإخراج هذا الجيش الظالم من الكويت، لما في التساهل في هذا الأمر وعدم المبادرة من الخطر العظيم؛ لأن الظالم لديه جيش كثير مدرب، حارب به ثمان سنين لجارته
إيران، وتجمع لديه جيش كثيف، ولديه نية سيئة وخبث عظيم، وقد يسر الله برحمته اجتماع جيوش عظيمة، لحربه ورده عن ظلمه، ولتنصر المظلوم، وتعيد الحق إلى أصحابه.
وأسأل الله جل وعلا أن ينفع بالأسباب، ويحسن العاقبة للمظلومين ويجعلها للجميع عظة وذكرى. والله جل وعلا يقول:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (1) فالحكومة السعودية مضطرة، ودول الخليج كذلك إلى الاستعانة بالقوات الإسلامية والأجنبية لردع الظالم، والقضاء عليه، وإخراجه بالقوة من هذه البلاد التي احتلها لما أبى وعاند، ولم ينقد لدعاء الحق وخروجه سلما من البلاد التي احتلها، وانسحابه عن الحدود السعودية، لم تكن المفاوضة بعد ذلك في مطالبه من جيرانه، فلما أبى واستكبر وعاند وركب رأسه، ولم يراع حق الجوار، ولا حق الإسلام، ولا حق الإحسان، وجب أن يقاتل وأن يجاهد، ووجب على الدولة أن تفعل ما تستطيع من الأسباب التي تعينها على قتاله وجهاده.
ونسأل الله أن ينفع بهذه الأسباب، وأن ينصر الحق وحزبه، ويخذل الباطل وأهله، وأن يرد المظلومين إلى بلادهم موفقين ومهديين، وأن يخذل الظالم وأن يدير عليه دائرة السوء
(1) سورة الأنعام الآية 119
وأن يهزم جمعه ويشتت شمله، وأن يقينا شر هذه الفتنة، وأن يجعلها موعظة للمؤمنين جميعا.
ونسأل الله أن يجعلها سببا للرجوع إلى الله والاستقامة على دينه، وإعداد العدة الكافية لجهاد أعدائه.
فالمسلمون يستفيدون من الفتن والمحن الفوائد المطلوبة، ومن ذلك أن يحاسب كل واحد منا نفسه، وأن يجاهدها لله حتى تستقيم على الحق، وحتى يدع ما حرم الله عليه، فإن الطاعات من الجيش المجاهد من أسباب النصر، والمعاصي من أسباب الخذلان.
فعلى المجاهدين وعلى المظلومين أن يصبروا ويصابروا وأن يتقوا الله، وأن يستقيموا على دينه، وأن يحافظوا على حقه، وأن يتواصوا بالحق والصبر عليه، وبذلك يوفقون، ويجعل لهم النصر المؤزر، قال تعالى في كتابه العظيم:{وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (1)
فمتى صبر المسلمون واتقوا ربهم فإنه لا يضرهم كيد الأعداء، وإن جرت عليهم المحن، وإن قتل بعضهم، وإن جرح بعضهم، وإن أصابتهم شدة فلا بد أن تكون لهم العاقبة
(1) سورة آل عمران الآية 120
الحميدة بوعد الله الصادق، وفضله العظيم، كما قال سبحانه وتعالى:{فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} (1) وقال تعالى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} (2) وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (3){وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (4) وقال سبحانه وبحمده: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (5) فيجب علينا جميعا رجالا ونساء في هذه البلاد وغيرها، وعلى جميع المسلمين في كل مكان أن يستقيموا على دينه، وأن يحافظوا على أوامره وينتهوا عن نواهيه، وأن يصدقوا في جهاد الأعداء، ومنها جهاد هذا العدو الظالم حاكم العراق وجنده الظالم، وأن يكونوا يدا واحدة ضد هذا العدو الغاشم الكافر وحزبه الملحد.
ومن أسباب النصر تطبيق شريعة الله وتحكيمها في كل شيء، فالواجب على الدول الإسلامية والمنتسبة للإسلام أن تحاسب أنفسها، وأن تجاهد في الله جهاد الصادقين، وأن تحكم شريعة الله في جميع شئونها، فهي سفينة النجاة، كما أن سفينة نوح جعلها الله سفينة النجاة لأهل الأرض كلهم من الغرق، كذلك شريعة الله التي جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهي الشريعة
(1) سورة هود الآية 49
(2)
سورة طه الآية 132
(3)
سورة الطلاق الآية 2
(4)
سورة الطلاق الآية 3
(5)
سورة الطلاق الآية 4
الإسلامية: هي سفينة النجاة لأهل الأرض كلهم أيضا، من استقام عليها وحافظ عليها كتبت له النجاة في الدنيا والآخرة. وإن أصابه بعض ما قدره الله عليه مما يكره من شدة أو حرب أو غير ذلك، فإن له النجاة والعاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة.
فالمؤمنون من قوم نوح عليه السلام عندما أصابتهم الشدة أمرهم الله سبحانه بركوب السفينة، ونجاهم الله بسبب إيمانهم، واتباعهم لنوح عليه السلام.
فهكذا المؤمنون في كل زمان، لا بد لهم من صبر على الشدائد، واستقامة على الحق حتى يأتيهم الفرج من الله سبحانه، كما قال تعالى في سورة فصلت:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (1){نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} (2){نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} (3) وقال سبحانه في سورة الأحقاف: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (4){أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (5)
فالواجب على جميع المسلمين في الجزيرة العربية وفي
(1) سورة فصلت الآية 30
(2)
سورة فصلت الآية 31
(3)
سورة فصلت الآية 32
(4)
سورة الأحقاف الآية 13
(5)
سورة الأحقاف الآية 14
غيرها تقوى الله سبحانه وتعالى، رجالا ونساء، حكاما ومحكومين، وأن يستقيموا على دينه، وأن يحاسبوا أنفسهم من أين أصيبوا، فما أصابنا شيء مما نكره إلا بسبب معصية اقترفناها، كما قال عز وجل:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (1)
وهذا الذي وقع بسبب تقصيرنا وسيئاتنا، فيجب علينا أن نرجع إلى الله، وأن نحاسب أنفسنا، وأن نجاهد لله، وأن نستقيم على حقه، وأن نحذر معصيته، وأن نتواصى بالحق وبالصبر عليه، حتى ينصرنا الله، ويكفينا شر أنفسنا، وشر أعدائنا، كما قال عز وجل:{وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} (2) وقال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (3)
وقال سبحانه وبحمده: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (4) وقال عز من قائل: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (5){الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (6)
(1) سورة الشورى الآية 30
(2)
سورة آل عمران الآية 120
(3)
سورة المائدة الآية 2
(4)
سورة محمد الآية 7
(5)
سورة الحج الآية 40
(6)
سورة الحج الآية 41
وقال سبحانه وتعالى: {وَالْعَصْرِ} (1){إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (2){إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (3) فهؤلاء هم الرابحون في كل مكان، وفي كل عصر، بإيمانهم العظيم وعملهم الصالح، وتواصيهم بالحق، والصبر عليه.
وهذه الفتنة، هذا هو علاجها- كما هو علاج كل فتنة- بالصبر على الحق والجهاد والثبات عليه بشتى الوسائل الممكنة. بالسلاح الممكن، والنصيحة الممكنة، وبكل طريقة أباحها الله، وشرعها لحل المشكلات، وردع الظالم وإحقاق الحق.
وإذا خاف المظلوم من أن يغلب، واستعان بمن يأمنهم في هذا الأمر، وعرف منهم النصرة فلا مانع من الاستنصار ببعض الأعداء الذين هم في صفنا ضد عدونا، ولقد استعان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق بالمطعم بن عدي لما مات أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان كافرا، وحماه من قومه، لما كان له من شهرة وقوة وشعبية، فلما توفي أبو طالب وخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يدعوهم إلى الله لم يستطع الرجوع إلى مكة خوفا من أهل مكة، إلا بجوار المطعم بن عدي، وهو من رءوس الكفار، واستنصر به في
(1) سورة العصر الآية 1
(2)
سورة العصر الآية 2
(3)
سورة العصر الآية 3
تبليغ دعوة الله، واستجار به فأجاره، ودخل في جواره، وهكذا عندما احتاج إلى دليل يدله على طريق المدينة استأجر شخصا من الوثنيين ليدله إلى المدينة لما أمنه على هذا الأمر.
ولما احتاج إلى اليهود بعد فتح خيبر ولاهم نخيلها وزروعها بالنصف، يزرعونها للمسلمين، والمسلمون مشغولون بالجهاد لمصلحة المسلمين، ومعلوم عداوة اليهود للمسلمين، فلما احتاج إليهم عليه الصلاة والسلام وأمنهم ولاهم على نخيل خيبر وزروعها.
فالعدو إذا كان في مصلحتنا وضد عدونا فلا حرج علينا أن نستعين به ضد عدونا، وفي مصلحتنا، حتى يخلصنا الله من عدونا ثم يرجع عدونا إلى بلاده.
ومن عرف هذه الحقيقة وعرف حال الظالم وغشمه وما يخشى منه من خطر عظيم وعرف الأدلة الشرعية اتضح له الأمر.
ولهذا درس هيئة كبار العلماء هذا الحادث، وتأملوه من جميع الوجوه وقرروا أنه لا حرج فيما فعلت الدولة من هذا الاستنصار للضرورة إليه، وشدة الحاجة إلى إعانتهم للمسلمين، وللخطر العظيم الذي يهدد البلاد لو استمر هذا الظالم في غشمه واجتياحه للبلاد، وربما ساعده قوم آخرون وتمالئوا معه على الباطل.
فالأمر في هذا جلل وعظيم، ولا يفطن إليه إلا من نور
الله بصيرته، وعرف الحقائق على ما هي عليه، وعرف غشم الظالم، وما عنده من القوة التي نسأل الله أن يجعلها ضده، وأن يهلكه ويكبته، وأن يكفينا شره وشر كل الأعداء، وأن يولي على العراق رجلا صالحا يحكم فيه بشرع الله، وينفذ في شعبه أمر الله، كما نسأله سبحانه أن يقيهم شر هذا الحاكم الظالم العنيد الذي عذبهم وآذاهم وعذب المسلمين وأحدث هذه الفتنة، وجر المسلمين إلى خطر عظيم.
نسأل الله أن يعامله بعدله، وأن يقضي عليه، وأن يريح المسلمين من فتنته، وأن يجعل العاقبة الحميدة لعباده المسلمين، وأن يرد المظلومين إلى بلادهم، وأن يصلح حالهم، وأن يقيم فيهم أمر الله، وأن يقينا وإياهم الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وقد رأيت أن أبسط القول في هذه المسألة لإيضاح الحق، وبيان ما يجب أن يعتقد في هذا المقام، وبيان صحة موقف الدولة فيما فعلت؛ لأن أناسا كثيرين التبس عليهم الأمر في هذه الحالة، وشكوا في حكم الواقع وجوازه بسبب الضرورة والحاجة الشديدة؛ لأنهم لم يعرفوا الواقع كما ينبغي، ولعظم خطر هذا الظالم الملحد - أعني حاكم العراق - صدام حسين.
ولهذا اشتبه عليهم هذا الأمر، وظنوا واعتقدوا صحة ما
فعله لجهلهم، ولالتباس الأمر عليهم، وظنهم أنه مسلم يدعو إلى الإسلام بسبب نفاقه وكذبه.
وربما كان بعضهم مأجورا من حاكم العراق، فتكلم بالباطل والحقد؛ لأنه شريك له في الظلم، وبعضهم جهل الأمر وجهل الحقيقة وتكلم بما تكلم به أولئك الظالمون، جهلا منه بالحقيقة، والتبست عليه الأمور.
هذا هو الواقع، وهو أن هذا الظالم اعتدى وظلم، وأصر على عدوانه ولم يفئ إلى ترك الظلم. والله سبحانه قد أمرنا أن نقاتل الفئة الظالمة ولو كانت مؤمنة، حتى تفيء إلى أمر الله، فكيف إذا كانت الفئة الباغية كافرة ملحدة، فهي أولى بالقتال، وكفها عن الظلم ونصر الفئة المظلومة المبغي عليها بما يستطيعه المسلمون من أسباب النصر والردع للظالم.
وقد حاول معه الناس ستة أشهر، وطلبوا منه أن يراجع نفسه ويخرج من الكويت، ويرجع عن ظلمه وبغيه، فأبى، فلم يبق إلا الحرب، ودعت الضرورة إلى الاستعانة بمن هو أقوى من المبغي عليه، على حرب هذا العدو الغاشم حتى تجتمع القوى في حربه وإخراجه.
نسأل الله أن يقضي عليه، ويرد كيده في نحره، وأن يدير عليه دائرة السوء، وأن يكفي المسلمين شره وشر غيره، وأن ينصرهم على أعدائهم وأن يصلح حالهم، وأن يمنحهم الاستقامة
على دينه إنه سميع قريب.
ومن الواجب على الجميع الاتعاظ بهذه الفتن والاستفادة منها في إصلاح أحوالنا، والاستقامة على طاعة الله ورسوله، وأن نحاسب أنفسنا حتى نستقيم على الحق، وندع ما سواه، فالله سبحانه يجعل البلايا عظة وعبرة لمن يشاء، كما قال جل وعلا:{فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (1) وقال سبحانه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (2)
كما نسأل الله سبحانه أن يجعل في هذه الحرب خيرا لنا، وأن يجعل عاقبتها حميدة.
ويجب أن لا ننسى ما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة يوم الأحزاب وهم خير الناس، فقد تجمعت عليهم الأحزاب الكافرة، وجاءتهم من فوقهم ومن أسفل منهم بقوة قوامها عشرة آلاف مقاتل، وحاصروا المدينة، وقال أهل النفاق:{مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} (3) هكذا ذكر الله عنهم سبحانه في سورة الأحزاب في قوله عز وجل:
(1) سورة النساء الآية 19
(2)
سورة البقرة الآية 216
(3)
سورة الأحزاب الآية 12
{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} (1) حتى نصر الله نبيه، وأرسل الرياح التي أكفأت قدورهم، وقلعت خيامهم، وشردتهم كل مشرد، فرجعوا خائبين، والحمد لله بعد الشدة العظيمة التي وقعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.
وهكذا يوم أحد حين تجمع الكفار، وأغاروا على المدينة، وحاصروها، وجرى ما جرى من جروح وقتل لمن قتل من الصحابة حتى أنزل الله نصره وتأييده، وسلم الله المسلمين وأدار على أعدائه دائرة السوء، ورجعوا إلى مكة صاغرين، وأنجى الله نبيه بعدما قتل سبعون من الصحابة، وجرح النبي صلى الله عليه وسلم وجماعة كثيرة من أصحابه، واجتهد المشركون في قتله فوقاه الله شرهم.
ولما استنكر المسلمون هذا الحدث، قال الله تعالى:{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} (2) يعني (يوم بدر){قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} (3)
ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم هو والمسلمون أصابهم ما أصابهم يوم أحد بسبب أمر فعله الرماة الذين أمرهم
(1) سورة الأحزاب الآية 12
(2)
سورة آل عمران الآية 165
(3)
سورة آل عمران الآية 165
النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسكوا ثغرا، وهو جبل الرماة، ولا يتركوه حتى لا يدخل منه جيش العدو، فلما رأى الرماة أن العدو قد انكشف وانهزم ظنوا أنها الفيصلة، فتركوا الثغر وصاروا يجمعون الغنيمة، وتركوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم فدخل العدو من ذلك الثغر، وحصل ما حصل من الهزيمة والمصيبة العظيمة على المسلمين، فأنزل الله قوله:{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} (1) يعني: تقتلونهم {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} (2) أي: من الهزيمة للعدو، يعني بذلك الرماة، فشلوا، وتنازعوا، وتركوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصبروا عندما وقع منهم هذا سلط الله عليهم العدو، وقال تعالى:{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (3) فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يصيبهم مثل هذه الهزيمة والقتل والجراح بسبب ما وقع من بعضهم من الذنوب فكيف بحالنا؟
فالواجب على أهل الإسلام أينما كانوا أن يحاسبوا
(1) سورة آل عمران الآية 152
(2)
سورة آل عمران الآية 152
(3)
سورة آل عمران الآية 165
أنفسهم، وأن يجاهدوها في الله ويتفقدوا عيوبهم، ويتوبوا إلى الله منها، كما قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} (1)
والمعنى: انظروا ما قدمتم للآخرة، فإن كنتم قدمتم أعمالا خيرة فاحمدوا الله عليها واسألوه الثبات، وإن كنتم قدمتم أعمالا سيئة فتوبوا إلى الله منها، وارجعوا إلى الحق والصواب.
فالواجب على أهل الإيمان أينما كانوا أن يتقوا الله دائما، ويحاسبوا أنفسهم دائما، ولا سيما وقت الشدائد وعند المحن، كحالنا اليوم، يجب الرجوع إلى الله، والتوبة إليه وحساب النفس وجهادها لله، وما سلط علينا هذا العدو إلا بذنوبنا، فلا بد من جهاد النفس، ولا بد من الضراعة إلى الله، وسؤال الله سبحانه وتعالى أن ينصرنا على عدونا، وأن يذل عدونا، وأن يكفينا شره وشر أنفسنا وشر الشيطان.
لا بد من الضراعة إلى الله، وسؤاله التأييد، كما قال تعالى:{فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} (2) فلا بد من العودة إلى الله، وسؤاله جل وعلا النصر.
(1) سورة الحشر الآية 18
(2)
سورة الأنعام الآية 43
والنبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر ليلة الواقعة قام يناجي ربه، ويدعوه ويبكي، ويسأل ربه النصر، حتى جاءه الصديق رضي الله عنه بعدما سقط رداؤه وقال:(حسبك يا رسول الله إن الله ناصرك إن الله مؤيدك) ، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الناس وسيد ولد آدم يتضرع إلى الله فكيف بحالنا ونحن في أشد الضرورة إلى التوبة إلى الله، وإلى البكاء من خشيته، وإلى طلب النصر منه سبحانه وتعالى في ليلنا ونهارنا.
فالغفلة شرها عظيم، والمعاصي خطرها كبير، فالواجب الإقلاع عنها والتوبة إلى الله سبحانه، فالذي عنده تساهل في الصلاة يجب أن يحافظ عليها ويبادر إليها ويصلي في الجماعة، والذي يتعامل بالربا يجب أن يترك ذلك، وأن يتوب إلى الله منه، والذي عنده عقوق لوالديه يتقي الله ويبر والديه، والقاطع لأرحامه يتقي الله ويصل أرحامه، والذي يشرب المسكر يتقي الله ويقلع عن ذلك، ويتوب إلى الله، والذي يغتاب الناس يحذر ذلك ويحفظ لسانه ويتقي الله.
وهكذا يحاسب كل إنسان نفسه في كل عيوبه ويتقي الله. وهكذا الموظف المقصر في وظيفته وفي أمانته يتقي الله، ويؤدي حق الله وحق عباده، وهكذا الرؤساء كل واحد منهم، سواء كان ملكا أو رئيس جمهورية أو وزيرا، كل واحد منهم
عليه أن يحاسب نفسه لله، ويجاهدها لله، ويتوب إلى الله سبحانه من سيئ عمله. وهكذا كل موظف، وكل جندي، عليه أن يجاهد نفسه ويطيع الله ورسوله، ويطيع رئيسه في المعروف، ويتوب إلى الله من سيئات عمله وتقصيره.
وهذا كله من أسباب النصر والعاقبة الحميدة، فلا بد من الصدق مع الله وجهاد النفس والتوبة الصادقة من سائر الذنوب من الرؤساء والمرءوسين.
ولا بد من الدعاء والضراعة إلى الله وطلبه النصر والتأييد والعون على العدو، وسؤال الله أن يخذل العدو ويرد كيده في نحره، ولا بد مع ذلك من الأسباب الحسية، من قوة وجيش وسلاح كما قال سبحانه:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (1) وقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} (2) فيجب على أهل الإيمان أن يعدوا العدة المناسبة لجهاد الأعداء بكل ما يستطيعون، والله سبحانه وتعالى يقول:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (3) فعلى المسلمين أن يعدوا ما استطاعوا من القوة: من السلاح والرجال والتدريب، فإذا فعلوا ذلك كفاهم الله شر عدوهم وجاءهم النصر من الله، يقول الله سبحانه:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (4)
(1) سورة الأنفال الآية 60
(2)
سورة النساء الآية 71
(3)
سورة الأنفال الآية 60
(4)
سورة البقرة الآية 249
ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (1) ويقول سبحانه وبحمده: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (2)
كما يجب على المسلم أن يلح في الدعاء، ويسأل ربه من خيري الدنيا والآخرة كما قال سبحانه:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (3) وقال جل وعلا: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (4) وقال سبحانه: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} (5)
فعلينا أن نلح في الدعاء، ولا نستبطئ الإجابة، ولهذا جاء في الحديث الصحيح، يقول صلى الله عليه وسلم «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت ودعوت فلم أره يستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء (6) » .
(1) سورة محمد الآية 7
(2)
سورة آل عمران الآية 120
(3)
سورة غافر الآية 60
(4)
سورة البقرة الآية 186
(5)
سورة النساء الآية 32
(6)
صحيح البخاري الدعوات (6340) ، صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2735) ، سنن الترمذي الدعوات (3387) ، سنن أبو داود الصلاة (1484) ، سنن ابن ماجه الدعاء (3853) ، مسند أحمد بن حنبل (2/487) ، موطأ مالك النداء للصلاة (495) .
فلا ينبغي للمؤمن أن يدع الدعاء وإن تأخرت الإجابة، فالله حكيم عليم، في تأخير الإجابة يؤخرها سبحانه لحكم بالغة، حتى يتفطن الإنسان لأسباب التأخير، ويحاسب نفسه، ويجتهد في أسباب القبول؛ من التوبة النصوح والعناية بالمكسب الحلال، وإقبال القلب على الله وجمعه عليه سبحانه حين الدعاء، إلى غير ذلك من الفوائد العظيمة والنتائج المفيدة.
فلو أن كل إنسان يعطى الإجابة في الحال لفاتت هذه المصالح العظيمة. ومما يوضح ما ذكرت أن نبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام طلب من ربه أن يجمع بينه وبين ولده يوسف، فتأخرت الإجابة مدة طويلة، ومكث يوسف في السجن بضع سنين، والداعي نبي كريم، هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم الصلاة والسلام.
فعلم بذلك أن الله سبحانه له حكم عظيمة في تأخير الإجابة وتعجيلها. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن تعجل له دعوته في الدنيا وإما أن تدخر له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من الشر مثلها، فقال الصحابة رضي الله عنهم: يا رسول الله إذا نكثر، قال: الله أكثر (1) » (2) . رواه الإمام أحمد في مسنده.
(1) مسند أحمد بن حنبل (3/18) .
(2)
رواه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه برقم 10749.
والمقصود أن المشروع للمسلم عندما تتأخر الإجابة أن يتأمل، ما هي الأسباب، لماذا تأخرت الإجابة؟ لماذا سلط علينا العدو؟ لماذا هذا البلاء؟
يتأمل ويحاسب نفسه ويجاهدها حتى تحصل له البصيرة بعيوب نفسه، وحتى يعالجها بالعلاج الشرعي. والدولة تعالج نقصها، والشخص يعالج نقصه ويداويه، كل داء له دواء، كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ودواء الذنوب التوبة إلى الله سبحانه، والاستقامة على طاعته، هذا هو دواء الذنوب.
فالواجب على كل إنسان أن يعالج ذنبه ومعصيته بالتوبة النصوح ويحاسب نفسه، ويعلم أن ربه سبحانه ليس بظلام للعبيد.
فالله سبحانه لم يظلمك بل أنت الظالم لنفسك، تأمل وحاسب نفسك، وجاهدها، وهذا الحاكم الظالم، أعني حاكم العراق صدام حسين يرمي السعودية بالصواريخ، فماذا فعلت معه السعودية؟ لقد ساعدته مساعدة عظيمة على عدوه، ساعدته بالمساعدات التي ذكرها صدام في كتابه لخادم الحرمين الشريفين. وذكر أشياء كثيرة من المساعدات وأخفى الكثير.
والمطلوب منه الآن الخروج من الكويت وسحب جيشه منها، وبعد ذلك يحصل التفاوض في بقية المشاكل، فهل هذا
هو جزاء الإحسان للكويت بأن يخرجهم من ديارهم وقد أحسنوا إليه كثيرا؟ وهل جزاء ما عملت السعودية أن يضربها بالصواريخ ويحشد جيوشه على حدودها؟ هذا هو جزاء المحسن عند صدام حسين، والله يقول سبحانه:{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (1) لقد أحسنت إليه السعودية عند الملمات، وواسته عند الشدائد، والكويت كذلك، ودول الخليج كذلك، كلهم ساعدوه ومدوه بما يستطيعون، ثم كانت هذه هي العاقبة من اللئيم الغشوم، لقد طلبوا منه أن يخرج من الكويت، وأن يسحب جيوشه منها، ثم يكون بعد ذلك التفاوض والنظر في المشاكل التي بينه وبين الكويت، وحلها بالوسائل السلمية.
لكنه من خبثه وظلمه يحث أنصاره وأذنابه على أن يؤذوا الناس في البلدان الأخرى، ثم من تدليسه ونفاقه وخبثه يضرب اليهود الآن حتى يفرق الجمع الموجود وحتى يرفع عنه الحصار الآن الذي وقع.
لماذا ترك اليهود قبل الكويت، ويضربها الآن، كان ينبغي له أن يضرب اليهود؛ لأنهم هم العدو، بدل أن يضرب جيرانه ومن أحسن إليه.
لكن خبثه وظلمه وغشمه ونفاقه ومكره- حمله على أن
(1) سورة الرحمن الآية 60
يضرب اليهود الآن، حتى يفرق هؤلاء المجتمعين لحربه، وحتى يخرج من هذا الحصار المحيط به، ولكنها لم ترد عليه، حتى يظل هذا الحصار، وحتى يقضي الله فيه أمره سبحانه وتعالى، وحتى يخيب الله آماله، ويرد كيده في نحره، بحوله وقوته سبحانه.
نسأل الله أن يرد كيده في نحره، وأن يستجيب دعوات المسلمين ضده، فهو ظالم ملبس مخادع منافق، يجمع كل شر وكل حيلة، وكل بلاء للخداع والظلم والعدوان.
ولكن نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن يقضي عليه، وأن يدير عليه دائرة السوء، وأن يخذل الله أنصاره وأعوانه، وأن يرد من هو حائر في أمره إلى البصيرة والهدى، وأن يقضي على أنصاره الظالمين المعتدين، وأن يهلكهم معه، ويسلط عليهم جندا من عنده إنه جواد كريم.
كما نسأله سبحانه أن ينصر المسلمين عليه وحزبه، وأن ينصر من نصر المسلمين عليه وعلى أعوانه حتى يقضي الله على هذا الظالم، وحتى يخرجه من الكويت صاغرا ذليلا.
كما نسأل الله سبحانه أن يولي على العراق رجلا صالحا يخلف الله ويراقبه ويحكم في العراقيين شريعة الله، ويبسط فيهم العدل والإحسان.
وعلينا أيها الإخوة، وعلى كل مسلم في كل مكان، أن
الصيام والحج وسائر ما أمر الله به ورسوله، وعلى ترك كل ما نهى الله عنه ورسوله، ومن أعظم شعب الإيمان، ومن تحقيق شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، تحكيم شرع الله بين عباده في كل شئونهم، كما قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم في سورة المائدة:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} (1) الآية، ثم قال بعد ذلك سبحانه:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} (2) إلى أن قال سبحانه: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (3)، وقال عز وجل في سورة المائدة أيضا:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (4) ، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (5) ، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (6)، وقال سبحانه في سورة النساء:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (7) .
(1) سورة المائدة الآية 48
(2)
سورة المائدة الآية 49
(3)
سورة المائدة الآية 50
(4)
سورة المائدة الآية 44
(5)
سورة المائدة الآية 45
(6)
سورة المائدة الآية 47
(7)
سورة النساء الآية 65