المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ حكم الاستعانة بالكفار في قتال الكفار - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - ابن باز - جـ ١٨

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌ حكم من حبسه حابس عن الطواف والسعي

- ‌ من اشترط عند إحرامه لم يلزمه الهدي

- ‌ المحصر ينحر الهديفي المكان الذي أحصر فيه

- ‌ صيام عشرة أيام لمن عجز عن الذبح

- ‌ حكم من بدأ العمرة ولم يتمها

- ‌باب الهدي والأضحية والعقيقة

- ‌ حكم المتمتع الذي صام ثلاثة أيام ثم وجد قيمة الهدي

- ‌ ليس على الحاج المفرد هدي

- ‌ حكم الهدي الذي يهدى ولا يستفاد منه

- ‌ حكم من نسي أن يذبح هدي القران

- ‌ صفة تذكية بهائم الأنعام

- ‌ حكم الذبح عن طريق البنك الإسلامي بواسطة شركة الراجحي

- ‌ حكم ذبح الهدي قبل يوم العيد

- ‌ أيام العيد كلها أيام ذبح وأفضلها يوم النحر

- ‌ حكم ذبح هدي التمتع والقران في عرفات

- ‌ حكم شراء النسك من الجبل وذبحه وتركه

- ‌ حكم المستوطن في مكة وهو ليس من أهلها

- ‌ حكم الأضحية مع الاستطاعة

- ‌ الأضحية سنة وليست واجبة

- ‌ من أحكام الأضحية

- ‌ وقت الأضاحي يذهب بغروب شمس اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة

- ‌ الأضحية عن الميت

- ‌ السنة أن الحي يضحي عن نفسه وأهل بيته

- ‌ أيهما أفضل في الأضحية الكبش أم البقرة

- ‌ حكم إزالة الشعر لمن أراد العمرة والحج وهو ينوي الأضحية

- ‌ حكم إعطاء غير المسلم من لحم الأضحية

- ‌ حكم ذبح الأضحية بمكة

- ‌ حكم العقيقة

- ‌ صفة العقيقة المشروعة

- ‌ الواجب تغيير الأسماء المخالفة للشرع

- ‌ حكم تصغير بعض الأسماء كعبد الله وعبد الرحمن

- ‌ حكم تغيير الاسم بعد الإسلام

- ‌ حكم التسمية بأسماء من الآيات

- ‌ حكم أعياد الميلاد

- ‌كتاب الجهاد

- ‌ المقصود من الجهاد:

- ‌ وجوب الإعداد للأعداء:

- ‌ فضل الرباط والحراسة في سبيل الله:

- ‌ وصية موجهة للمرابطينفي الحدود ضد اعتداء دولة العراق

- ‌ دفاع المسلمين عن بلادهم من الجهاد

- ‌ حكم الله تعالى في جهاد أعدائه

- ‌ليس الجهاد للدفاع فقط

- ‌نداء من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورةللمسلمين كافة

- ‌عمل صدام عدوان أثيم

- ‌أسئلة وأجوبة بعد المحاضرة

- ‌ الاستعانة بغير المسلمين في الدفاع عن بلاد المسلمين

- ‌ هل يعتبر عمل المتطوعين في التعاون مع رجال الأمن من الرباط، أم لا

- ‌ حكم الاستعانة بالكفار في قتال الكفار

- ‌ من أفضل الجهادفي وقتنا هذا جهاد حاكم العراق

- ‌المبادرة إلى الجهاد

- ‌التجارة العظيمة

- ‌المنزلة العالية للمجاهدين

- ‌إعداد القوة

- ‌واجب المسلمين تجاهعدوان العراق على دولة الكويت

- ‌الجهاد فرض كفاية

- ‌كلمةلعموم المسلمين إثر بدء عمليات تحرير الكويت

- ‌ تحرير دولة الكويت من أيدي المعتدينالظالمين نعمة من الله عظيمة

- ‌ لقاء جريدة (المسلمون) مع سماحتهحول الفتنة التي أحدثها حاكم العراق بغزوه للكويت

- ‌ رسائل الشيخ ابن باز إلى الشعبالكويتي وأهالي الشهداء والشعب العراقي

- ‌ لقاء أجراه مندوب مجلة المجتمع حول الغزو العراقي للكويت

- ‌ نداء عام لمساعدةالمسلمين في البوسنة والهرسك

- ‌ نداء إلى الأمة الإسلامية لمساعدة شعب البوسنة والهرسك

- ‌ دعوة إلى المبادرة بإسعاف المسلمين في البوسنة والهرسك

- ‌ ساعدوا مسلميالبوسنة والهرسك بالمال والسلاح

- ‌ مناشدة المسلمين لمساعدة الشيشان

- ‌ الرابطة الإسلامية هي أعظمالوسائل التي تربط بين المسلمين

- ‌ أسباب نصر الله للمؤمنين على أعدائهم

- ‌ على الحكومات الإسلاميةالعودة إلى كتاب الله وسنة رسولهصلى الله عليه وسلم

- ‌ نداء وتذكير لمساعدة المجاهدين في فلسطين

- ‌ جهاد الفلسطينيين

- ‌ أعظم الجهاد الجهاد بالنفس

- ‌ هل الإسلام انتشر بالسيف

- ‌ التبرع بنفقة الحج النافلة للمجاهدين أفضل

- ‌ حكم من حج أو ذهب للجهاد وترك زوجته لوحدها

- ‌ حكم إطلاق لفظة " الشهيد " على شخص معين

- ‌ من قتل في سبيل مكافحة المخدرات فهو شهيد ومن أعان على فضح أوكارها فهو مأجور

- ‌ وجوب جهاد النفس

- ‌ الأشهر الحرم

- ‌ مفهوم الأحاديث المتعلقة بالفتن

- ‌ الحوار الذي أجراه رئيس تحرير جريدة " المسلمون " مع سماحته حول الصلح مع اليهود

- ‌ جواز الهدنة مع الأعداء مطلقة ومؤقتة إذا رأى ولي الأمر المصلحة في ذلك

- ‌نصيحة مهمة لأبناء الشعب الفلسطيني

- ‌ أجوبة على أسئلة تتعلق بالحوار السابق حول الصلح مع اليهود

- ‌ الصلح مع اليهود أو غيرهم من الكفرة لا يلزم منه مودتهم ولا موالاتهم:

- ‌ الصلح مع اليهود لا يقتضي التمليك أبديا:

- ‌ ما تقتضيه المصلحة يعمل به من الصلح وعدمه:

- ‌ إيضاح وتعقيب على مقال فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي حول الصلح مع اليهود

الفصل: ‌ حكم الاستعانة بالكفار في قتال الكفار

48 -

‌ حكم الاستعانة بالكفار في قتال الكفار

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وإمام المتقين، وقائد المجاهدين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد (1) :

فقد اختلف العلماء رحمهم الله في حكم الاستعانة بالكفار في قتال الكفار على قولين:

أحدهما: المنع من ذلك، واحتجوا على ذلك بما يلي:

أولا: ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها «أن رجلا من المشركين كان معروفا بالجرأة والنجدة، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى بدر في حرة الوبرة، فقال: جئت لأتبعك وأصيب معك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " تؤمن بالله ورسوله " قال: لا، قال: " ارجع فلن أستعين بمشرك " قالت: ثم مضى حتى إذا كنا في الشجرة أدركه الرجل، فقال له كما قال له أول مرة، فقال: " تؤمن بالله ورسوله؟ " قال: لا. قال: " ارجع فلن أستعين بمشرك " ثم لحقه في البيداء فقال مثل قوله، فقال له: " تؤمن بالله ورسوله؟ " قال: نعم، قال: " فانطلق (2) » اهـ.

(1) كلمة لسماحته نشرت في هذا المجموع ج 6 ص 183.

(2)

رواه مسلم في (الجهاد والسير) باب كراهة الاستعانة في الغزو بكافر برقم (1817) .

ص: 259

ثانيا: واحتجوا أيضا بما رواه الحاكم في صحيحه من حديث يزيد بن هارون: أنبأنا مستلم بن سعيد الواسطي عن خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب عن أبيه عن جده خبيب بن يساف، قال:«أتيت أنا ورجل من قومي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزوا. فقلت: يا رسول الله إنا نستحي أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم، فقال: " أسلما " فقلنا: لا، قال: " فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين " قال: فأسلمنا وشهدنا معه (1) » . . . الحديث، قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وخبيب صحابي معروف اهـ. ذكره الحافظ الزيلعي في نصب الراية (423) ثم قال: ورواه أحمد، وابن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه في مسانيدهم، والطبري في معجمه من طريق ابن أبي شيبة. قال في التنقيح: ومستلم ثقة، وخبيب بن عبد الرحمن أحد الثقات الأثبات. والله أعلم.

ثم قال الزيلعي: حديث آخر: روى إسحاق بن راهويه في (مسنده) أخبرنا الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو بن علقمة عن سعيد بن المنذر عن أبي حميد الساعدي قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى إذا خلف ثنية الوداع

(1) رواه الإمام أحمد في (مسند المكيين) حديث خبيب رضي الله عنه برقم (15336) .

ص: 260

نظر وراءه فإذا كتيبة حسناء، فقال:" من هؤلاء؟ " قالوا: هذا عبد الله بن أبي بن سلول في مواليه من اليهود، وهم رهط عبد الله بن سلام. فقال:" هل أسلموا؟ " قالوا: لا، إنهم على دينهم، قال: "قولوا لهم فليرجعوا فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين (1) » انتهى.

ورواه الواقدي في كتاب المغازي، ولفظه:«فقال: " من هؤلاء؟ " قالوا: يا رسول الله هؤلاء حلفاء ابن أبي من يهود، فقال عليه السلام: " لا نستنصر بأهل الشرك على أهل الشرك» انتهى.

قال الحازمي في كتاب الناسخ والمنسوخ: وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة فذهب جماعة إلى منع الاستعانة بالمشركين، ومنهم أحمد مطلقا، وتمسكوا بحديث عائشة المتقدم، وقالوا: إن ما يعارضه لا يوازيه في الصحة، فتعذر ادعاء النسخ. وذهبت طائفة إلى أن للإمام أن يأذن للمشركين أن يغزوا معه ويستعين بهم بشرطين:

أحدهما: أن يكون في المسلمين قلة بحيث تدعو الحاجة

(1) رواه الحاكم في المستدرك في (الجهاد) باب إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين برقم (2604) ، وأورده ابن أبي شيبة في المصنف في (كتاب المغازي) باب هذا ما حفظ أبو بكر في أحد وما جاء فيها برقم (35708) .

ص: 261

إلى ذلك.

والثاني: أن يكونوا ممن يوثق بهم في أمر المسلمين، ثم أسند إلى الشافعي أن قال: الذي روى مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم رد مشركا أو مشركين، وأبى أن يستعين بمشرك كان في غزوة بدر. ثم إنه عليه السلام استعان في غزوة خيبر بعد بدر بسنتين بيهود من بني قينقاع، واستعان في غزوة حنين سنة ثمان بصفوان بن أمية، وهو مشرك. فالرد الذي في حديث مالك إن كان لأجل أنه مخير في ذلك بين أن يستعين به، وبين أن يرده، كما له رد المسلم لمعنى يخافه، فليس واحد من الحديثين مخالفا للآخر، وإن كان لأجل أنه مشرك فقد نسخه ما بعده من استعانته بالمشركين. ولا بأس أن يستعان بالمشركين على قتال المشركين إذا خرجوا طوعا، ويرضخ لهم ولا يسهم لهم، ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسهم لهم. قال الشافعي:" ولعله عليه السلام إنما رد المشرك الذي رده في غزوة بدر رجاء إسلامه، قال: وذلك واسع للإمام أن يرد المشرك ويأذن له ". انتهى، وكلام الشافعي كله نقله البيهقي عنه (1) اهـ.

وقال النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم 198، 199 ج 12 ما نصه: " قوله: (عن عائشة رضي الله عنها أن

(1) نصب الراية للزيلعي ج3 ص 423، 424، ط 1، مطبعة دار المأمون.

ص: 262

النبي صلى الله عليه وسلم خرج قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة) هكذا ضبطناه بفتح الباء، وكذا نقله القاضي عن جميع رواة مسلم، قال: وضبطه بعضهم بإسكانها، وهو موضع على نحو من أربعة أميال من المدينة. قوله صلى الله عليه وسلم:«فارجع فلن أستعين بمشرك (1) » ، وقد جاء في الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بصفوان بن أمية قبل إسلامه، فأخذ طائفة من العلماء بالحديث الأول على إطلاقه، وقال الشافعي وآخرون: إن كان الكافر حسن الرأي في المسلمين ودعت الحاجة إلى الاستعانة به استعين به وإلا فيكره، وحمل الحديثين على هذين الحالين، وإذا حضر الكافر بالإذن رضخ له ولا يسهم، والله أعلم " (2) . اهـ.

وقال الوزير ابن هبيرة في كتابه (الإفصاح عن معاني الصحاح) ج 2 ص 281 ما نصه: " واختلفوا: هل يستعان بالمشركين على قتال أهل الحرب أو يعاونون على عدوهم: فقال مالك وأحمد: لا يستعان بهم ولا يعاونون على الإطلاق. واستثنى مالك: إلا أن يكونوا خدما للمسلمين فيجوز. وقال أبو حنيفة: يستعان بهم ويعاونون على الإطلاق، ومتى كان حكم الإسلام هو الغالب الجاري عليهم. فإن كان حكم الشرك هو

(1) صحيح مسلم الجهاد والسير (1817) ، سنن الترمذي السير (1558) ، سنن أبو داود الجهاد (2732) .

(2)

صحيح مسلم بشرح النووي ج 12 ص 198، 199، دار الفكر للطباعة 1403 هـ.

ص: 263

الغالب كره. وقال الشافعي: يجوز ذلك بشرطين: أحدهما: أن يكون بالمسلمين قلة وبالمشركين كثرة. والثاني: أن يعلم من المشركين حسن رأي في الإسلام وميل إليه، فإن استعين بهم رضخ لهم ولم يسهم لهم. إلا أن أحمد قال في إحدى روايته: يسهم لهم. وقال الشافعي: إن استؤجروا أعطوا من مال لا مالك له بعينه. وقال في موضع آخر: ويرضخ لهم من الغنيمة. قال الوزير: وأرى ذلك مثل الجزية والخراج " (1) . اهـ.

القول الثاني: جواز الاستعانة بالمشركين في قتال المشركين عند الحاجة أو الضرورة. واحتجوا على ذلك بأدلة منها قوله جل وعلا في سورة الأنعام: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (2) الآية، واحتجوا أيضا بما نقله الحازمي عن الشافعي رحمه الله فيما ذكرنا آنفا في حجة أصحاب القول الأول، وسبق قول الحازمى رحمه الله نقلا عن طائفة من أهل العلم أنهم أجازوا ذلك بشرطين:

أحدهما: أن يكون في المسلمين قلة بحيث تدعو الحاجة إلى ذلك.

(1) الإفصاح عن معاني الصحاح لابن هبيرة ج 2 ص 438 ط. 2، المكتبة الحلبية سنة 1366 هـ، 1947م.

(2)

سورة الأنعام الآية 119

ص: 264

الثاني: أن يكونوا ممن يوثق بهم في أمر المسلمين، وتقدم نقل النووي عن الشافعي أنه أجاز الاستعانة بالمشركين بالشرطين المذكورين وإلا كره. ونقل ذلك أيضا عن الشافعي الوزير ابن هبيرة، كما تقدم.

واحتج القائلون بالجواز أيضا: بما رواه أحمد وأبو داود عن ذي مخمر، قال:«سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ستصالحون الروم صلحا آمنا وتغزون أنتم وهم عدوا من ورائكم فتنصرون وتغنمون (1) » الحديث. ولم يذمهم على ذلك فدل على الجواز، وهو محمول على الحاجة أو الضرورة، كما تقدم.

وقال المجد ابن تيمية في (المحرر في الفقه) ص 171 ج 2 ما نصه: " ولا يستعين بالمشركين إلا لضرورة، وعنه إن قوي جيشه عليهم وعلى العدو ولو كانوا معه ولهم حسن رأي في الإسلام جاز. وإلا فلا "(2) . انتهى.

وقال: الموفق في (المقنع) ج1 ص 492 ما نصه: " ولا يستعين بمشرك إلا عند الحاجة "(3) .

(1) رواه أبو داود في (الملاحم) باب ذكر ما يذكر من ملاحم الروم برقم (4292) .

(2)

المحرر في الفقه للمجد ابن تيمية، ج 2 ص 171، مكتبة المعارف الرياض ط. 2، 1404 هـ.

(3)

المقنع للموفق ابن قدامة ج1 ص492، ط. المؤسسة السعيدية بالرياض الطبعة الثالثة.

ص: 265

وقال في المغني ج 8 ص 414، 415: " (فصل) : ولا يستعان بمشرك، وبهذا قال ابن المنذر والجوزجاني وجماعة من أهل العلم. وعن أحمد ما يدل على جواز الاستعانة به. وكلام الخرقي يدل عليه أيضا عند الحاجة، وهو مذهب الشافعي؛ لحديث الزهري الذي ذكرناه، وخبر صفوان بن أمية. ويشترط أن يكون من يستعان به حسن الرأي في المسلمين، فإن كان غير مأمون عليهم لم تجز الاستعانة به؛ لأننا إذا منعنا الاستعانة بمن لا يؤمن من المسلمين مثل المخذل والمرجف فالكافر أولى.

ووجه الأول ما روت عائشة رضي الله عنها، قالت: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر حتى إذا كان بحرة الوبرة أدركه رجل من المشركين كان يذكر منه جراءة ونجدة، فسر المسلمون به، فقال: يا رسول الله جئت لأتبعك وأصيب معك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتؤمن بالله ورسوله؟ ، قال: لا، قال: فارجع فلن أستعين بمشرك، قالت: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالبيداء أدركه ذلك الرجل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتؤمن بالله ورسوله؟ ، قال: نعم، قال:

ص: 266

فانطلق (1) » . متفق عليه، ورواه الجوزجاني.

وروى الإمام أحمد بإسناده «عن عبد الرحمن بن خبيب، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزوة، أنا ورجل من قومي ولم نسلم، فقلنا: إنا لنستحي أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم، قال: "فأسلمتما؟ " قلنا: لا، قال: " فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين (2) » ، ولأنه غير مأمون على المسلمين فأشبه المخذل والمرجف، قال ابن المنذر: والذي ذكر أنه استعان بهم غير ثابت " (3) . اهـ.

وقال الحافظ في التلخيص بعدما ذكر الأحاديث الواردة في جواز الاستعانة بالمشركين والأحاديث المانعة من ذلك ما نصه: ويجمع بينه- يعني حديث عائشة - وبين الذي قبله- يعني حديث صفوان بن أمية، ومرسل الزهري - بأوجه ذكرها المصنف منها. وذكره البيهقي عن نص الشافعي: أن النبي صلى الله عليه وسلم تفرس فيه الرغبة في الإسلام فرده رجاء أن يسلم فصدق ظنه. وفيه نظر من جهة التنكر في سياق

(1) رواه مسلم في (الجهاد والسير) باب كراهة الاستعانة في الغزو بمشرك برقم (1817) .

(2)

رواه الإمام أحمد في (مسند المكيين) حديث خبيب رضي الله عنه برقم (15336) .

(3)

المغني لابن قدامة ج 8 ص 414، 415. ط 3 دار المنار 1367 هـ.

ص: 267

النفي. ومنها: أن الأمر فيه إلى رأي الإمام. وفيه النظر بعينه. ومنها: أن الاستعانة كانت ممنوعة ثم رخص فيها وهذا أقربها، وعليه نص الشافعي.

وقال في (الفروع) ج6 ص 205 ما نصه: " ويكره أن يستعين بكافر إلا لضرورة، وذكر جماعة: لحاجة، وعنه يجوز مع حسن رأي فينا. زاد جماعة وجزم به في المحرر: وقوته بهم (بالعدو) "(1) .

وقال الصنعاني رحمه الله في سبل السلام ج4 ص 49، 50 على شرحه لحديث عائشة رضي الله عنها:«ارجع فلن أستعين بمشرك (2) » ما نصه: " والحديث من أدلة من قال: لا يجوز الاستعانة بالمشركين في القتال، وهو قول طائفة من أهل العلم. وذهب الهادوية وأبو حنيفة وأصحابه إلى جواز ذلك، قالوا: لأنه صلى الله عليه وسلم استعان بصفوان بن أمية يوم حنين، واستعان بيهود بني قينقاع ورضخ لهم. أخرجه أبو داود في المراسيل وأخرجه الترمذي عن الزهري مرسلا، ومراسيل الزهري ضعيفة. قال الذهبي: لأنه كان خطاء، ففي إرساله

(1) الفروع لابن مفلح ج6 ص 205 ط 2 سنة 1388 هـ 1967 م دار مصر للطباعة.

(2)

رواه مسلم في (الجهاد والسير) باب كراهة الاستعانة في الغزو بمشرك برقم (1817) .

ص: 268

شبهة تدليس. وصحح البيهقي من حديث أبي حميد الساعدي أنه ردهم. قال المصنف: ويجمع بين الروايات بأن الذي رده يوم بدر تفرس فيه الرغبة في الإسلام فرده رجاء أن يسلم فصدق ظنه، أو أن الاستعانة كانت ممنوعة فرخص فيها، وهذا أقرب. وقد استعان يوم حنين بجماعة من المشركين تألفهم بالغنائم. وقد اشترط الهادوية أن يكون معه مسلمون يستقل بهم في إمضاء الأحكام. وفي شرح مسلم: أن الشافعي قال: إن كان الكافر حسن الرأي في المسلمين ودعت الحاجة إلى الاستعانة استعين به، وإلا فيكره. ويجوز الاستعانة بالمنافق إجماعا لاستعانته صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أبي وأصحابه " (1) . وهذا آخر ما تيسر نقله من كلام أهل العلم، والله ولي التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

(1) سبل السلام للصنعاني ج4، ص 49، 55، ط 4، 1379 هـ 1960 م، دار إحياء التراث العربي.

ص: 269