الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
57 -
لقاء جريدة (المسلمون) مع سماحته
حول الفتنة التي أحدثها حاكم العراق بغزوه للكويت
س: سماحة الشيخ بعد أن هدأ غبار الحرب الآن كيف السبيل - في رأي سماحتكم- إلى إزالة غبار الفتنة التي نشأت عن أزمة الخليج؟
ج: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلا شك أن الفتنة التي فجر أسبابها حاكم العراق فتنة عظيمة وترتب عليها شرور كثيرة. والحمد لله الذي من بالقضاء عليها وتحرير دولة الكويت، ودحر الظالم والقضاء عليه وعلى عدوانه. ولا شك أن ذلك من نعم الله العظيمة، فنشكر الله على ذلك ونسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين وأن يوفقهم لما يرضيه. والواجب على الصالحين في مقابل هذه النعمة أن يشكروا الله عز وجل كثيرا وأن يستقيموا على دينه، وأن يحذروا أسباب غضبه، وأن يجتهدوا في رأب الصدع
ولم الشمل، على طاعة الله ورسوله واتباع كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، والتواصي بالحق والصبر عليه. هذا هو الطريق لإزالة غبار هذه الفتنة والسلامة من شرها ومكائدها ومكائد من دعا إليها، والله يقول في كتابه العظيم:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (1)، ويقول سبحانه وتعالى:{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (2)، ويقول عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (3) وهذا هو السبيل لإزالة غبار هذه الفتنة وآثارها السيئة.
إن السبيل الوحيد هو جمع الكلمة على طاعة الله ورسوله، والتواصي بالحق والصبر عليه من الرؤساء والأعيان والعلماء والعامة حتى يستقيم الجميع على طاعة الله ورسوله، وحتى تكون محبتهم في الله وبغضهم في الله، وموالاتهم في الله ومعاداتهم في الله.
فنسأل الله أن يسلك بنا وبهم صراطه المستقيم، وأن
(1) سورة آل عمران الآية 103
(2)
سورة الشورى الآية 10
(3)
سورة النساء الآية 59
يهدينا وإياهم لكل ما فيه رضاه، وأن يعيذنا وكافة المسلمين في كل مكان من أسباب غضبه، وأسباب النزاع الذي يؤدي بالناس إلى ما لا تحمد عقباه.
س: ما هو أبرز درس من الدروس المستفادة من هذه المحنة العظيمة التي أصابت الأمة؟
ج: إن أبرز درس: أن الفتن والحوادث تبين للناس العدو من الصديق، وتقسمهم إلى محق ومبطل، وحاسد وراغب في الخير، ومنصف وجائر. فالواجب على المؤمن عند وجود المحن أن يكون مع الحق لا مع هواه ولا مع الباطل، بل يجب أن يكون مع الحق يدور معه أينما دار، ومن كان مع الحق دعا إليه ونصره، ومن كان مع الظلم والشرك والبدعة خالفه ودعا إلى تركه وعدم التعاون معه. ففي هذه الفتنة معلوم أن حاكم العراق ظالم معتد على دولة آمنة مسلمة، بغى عليها واعتدى ظلما وعدوانا، وهو بعثي ملحد. إن واجب المسلمين جميعا أن يكونوا مع الحق ضد الظالم والمعتدي. ومن المؤسف أن تكون جماعة من الفئة الكافرة تنصر المحق وتردع الظالم، بينما دول تنتسب إلى الإسلام تقف مع المبطل والظالم. إن هذا لمن العجائب والغرائب. فالواجب على من ينتسب للإسلام ومن يدعي الإسلام أن يكون مع الإسلام حقيقة، وأن يكون مع طالب الحق ومع ناصر
الحق، لا مع الظالم والمعتدي ولو كان قريبه أو أخاه فالواجب نصر المحق وردع الظالم والقضاء على ظلمه بالطرق المناسبة التي يحصل بها المطلوب، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم:«انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قيل: يا رسول الله أنصره مظلوما، فكيف أنصره ظالما؟ قال: تحجزه عن الظلم فذلك نصرك إياه (1) » وهذا الحديث العظيم من جوامع الكلم. فالواجب على أهل الإسلام أن يطبقوه وأن يلتزموا به مع القريب والبعيد.
(1) رواه البخاري في (الإكراه) باب يمين الرجل لصاحبه برقم (6952) ، والترمذي في (الفتن) باب ما جاء في النهي عن سب الرياح برقم (2255) .
س: أدت الفتنة إلى اندفاع بعض القيادات والجماعات الإسلامية إلى تأييد الباغي، فماذا تقولون لهم الآن بعد أن انتهت الحرب؟
ج: نقول لهم: إن باب التوبة مفتوح، فالواجب على من حاد عن الصواب أن يرجع إلى الصواب، وأن يتوب إلى الله وأن يندم على ما فرط فيه من الخطأ، وأن يعود إلى الرشد والهدى والحق، والله يمحو بالتوبة ما قبلها من الخطأ والضلال، كما قال عز وجل:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1) ،
(1) سورة النور الآية 31
وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} (1)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«التائب من الذنب كمن لا ذنب له (2) » والتوبة النصوح تشمل أمورا ثلاثة: الأمر الأول: الندم على الخطأ والزلل والظلم والعدوان. والثاني: الإقلاع عن الذنب وتركه والحذر منه رغبة فيما عند الله، وتعظيما له سبحانه. والثالث: العزم الصادق على عدم العودة إليه إخلاصا لله ومحبة وتعظيما له.
وهناك شرط رابع لا بد منه أيضا: فيما يتعلق بحق المخلوقين، فلا بد أن يتخلص من الظلم المالي والدموي والعرضي، لا بد من توبة، بأن ترد المظلمة أو تستبيح المظلومين. وإذا استوفى الإنسان هذه الشروط- رغبة فيما عند الله وتعظيما له سبحانه- تاب الله عليه ومحا عنه سيئاته، كما قال تعالى في حق الكفرة:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (3)، وقال سبحانه في حق الجميع:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (4) .
(1) سورة التحريم الآية 8
(2)
رواه ابن ماجه في (الزهد) باب ذكر التوبة برقم (4250) .
(3)
سورة الأنفال الآية 38
(4)
سورة الزمر الآية 53
أجمع أهل العلم أن المراد بهذه الآية التائبون.
س: هناك من يقول إن بعض الدول والجماعات في العالم العربي والإسلامي تخلوا عنا ووقفوا ضدنا وناصروا طاغية العراق، لذلك ينبغي أن نعيد النظر في علاقتنا بهم ونوقف مساعداتنا لهم وننصرف إلى شئوننا الذاتية ونقتصر على أنفسنا، فما رأيكم في مثل هذا القول؟
ج: الواجب على الدول الإسلامية وعلى رؤسائها التعاون على البر والتقوى، ومن أراد الخير وندم على ما فرط منه من الظلم- فالمشروع أن يتعاون معه على البر والتقوى:{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} (1) ، وإذا أساء إليك بعض الناس فمن الأحسن لك أن تقابل إساءته بالإحسان والصفح والعفو، إذا لم يستمر على الإساءة، واستقام على الحق ولم يعتد، فإن الرجوع إلى الحق ليس عيبا، ولا ينبغي أن تطغى الحزازات والعداوات على المصلحة العامة للمسلمين، فإن عاقبة ذلك وخيمة. ولكن ينبغي السير في إزالتها بالعفو والصفح والإصلاح، وعلى من أساء أن يظهر التوبة والاعتذار عما جرى منه وأن يبدل سيئاته حسنات. فالحسنة تمحو السيئة إذا صدق صاحبها. أما إذا استمر المعتدي على عدوانه ولم يرغب في
(1) سورة الشورى الآية 40
الصلح والتعاون- فالواجب حينئذ عدم التعاون معه إذا كان التعاون معه يضر الدعوة الإسلامية أو يضر المجتمع الإسلامي أو يفضي إلى فساد الأخلاق.
س: انساقت بعض الجماهير، ومنهم بعض شباب الصحوة الإسلامية في بعض البلدان وراء بعض القيادات التي رفعت شعارات تناصر النظام العراقي العلماني مما يدل على أن هناك قصورا أو خللا في منهج الدعوة وقلة العلم الشرعي الذي تربى عليه هؤلاء الشباب، فكيف يمكن أن نعالج مثل هذا الخلل، وما هو دور العلماء في ذلك؟
ج: لا شك أن هذا واقع، وأن نقص العلم يسبب وقوع المجتمع في أخطاء كثيرة. والواجب على العلماء في كل مكان بذل الدعوة وبذل النصيحة ونشر العلم بين الناس ولا سيما بين الشباب الذين يرغبون في العلم ويدعون إلى الله عز وجل. وعلى طالب العلم أن يقبل العلم ويسعى إلى أن يتبصر ولا يعجل. والواجب على الشباب وعلى غيرهم ممن ليس عندهم العلم الكافي ألا يعجلوا في الأمور وأن يتفقهوا في الدين ويستمعوا لتوجيه العلماء مما يقال ويكتب حتى يكونوا على بينة، وعليهم أن يتدبروا ما يطلعون عليه أو يقال لهم أو يسمعونه في إذاعة أو غيرها، ويعرضوه على الأدلة الشرعية، وأن يسألوا أهل العلم عما أشكل عليهم وممن يوثق فيهم،
حتى يكونوا على بينة، ويتحروا أهل العلم الذين يعرفون بنشر الحق والعناية به وإقامة الأدلة عليه ويستفيدوا من علمهم.
أما الاندفاع مع الشعارات التي يروج لها فلان أو فلان أو يؤيدها فلان أو فلان فهذا لا ينبغي لعاقل، وإن كثرة الكلام والبلاغة ليست دليلا على الحق، بل الدليل على الحق هو ما قال الله سبحانه وما قال رسوله صلى الله عليه وسلم مع العناية بدراسة القواعد الشرعية والأسس المرعية التي دل عليها قول الله وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهي المعيار الذي يستنبط منه ويؤخذ عن طريقه الحق عند عدم وجود النص من الكتاب أو السنة، أما قول فلان، وما أذاعته الإذاعة الفلانية فهذا لا ينبغي لعاقل أن يغتر به، بل ينبغي للعاقل أن يكون الكتاب والسنة والقواعد الشرعية هي التي يبني عليها ما يختاره وما يرده. وينبغي أيضا ألا يستقل بنفسه في بعض المسائل التي تخفى عليه، بل ينبغي أن يستفيد من إخوانه، وأن يسأل من يثق به من أهل العلم، وألا يعجل في الأمور حتى يطمئن إلى أن هذا هو الحق، لا لأنه قاله فلان أو الحاكم الفلاني أو الرئيس الفلاني أو الزعيم الفلاني.
س: ترك الشورى وعدم تطبيق الشريعة كان من أبرز الأسباب التي أدت إلى طغيان حاكم العراق، فهل من كلمة توجهونها عبر جريدة (المسلمون) لقادة المسلمين
وأعيانهم في هذا المجال؟
ج: الشورى من أهم المهمات في الدول الإسلامية والجماعات الإسلامية. لذلك ينبغي العناية بالشورى الإسلامية، وهي من صفات المؤمنين كما قال جل وعلا:{وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (1)، وقال جل وعلا:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (2) ، فالتشاور في الأمور التي ليس فيها دليل واضح من أهم المهمات، أما إذا كان النص صريحا من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلا تشاور.
إنما الشورى تكون فيما قد يخفى من المسائل التي تبدو للحاكم أو للجماعة أو للمركز الإسلامي ومن فيه أو لغير ذلك، هذا محل الشورى، والشورى تكون في معرفة الحق، أو في كيفية تنفيذه والدعوة إليه، أو في معرفة الباطل وفي أدلته وكيفية القضاء عليه ودفعه ومحاربته.
وهناك أمر ينبغي أن يلاحظ وهو أن الشورى محكومة من أهل العلم والبصيرة، وأعيان الناس العارفين بأحوال المجتمع، يتشاورون ويتعاونون، لا من هب ودب، ولا من الناس الملاحدة أو من الناس المعروفين بالعقائد الزائفة، بل من الناس المعروفين بالعقل الراجح والعلم والفضل والتبصر في أحوال الناس إن كانوا من أعيان المجتمع حتى يحصل التعاون معهم في معرفة الحق
(1) سورة الشورى الآية 38
(2)
سورة آل عمران الآية 159
فيما قد يخفى دليله، أو في الأمور التي تحتاج إلى نظر وعناية في كيفية تنفيذ الحق أو كيفية ردع الباطل والقضاء عليه.
س: في أثناء الأزمة حصل شيء من الاختلاف بين طلبة العلم والخطباء وإن كان محدودا والحمد لله، فماذا تقولون في ذلك؟
ج: لا شك أنه وقع بعض الاختلاف في بعض المسائل من بعض المحاضرين وبعض الخطباء وفي بعض الندوات عن حسن ظن أو عن جهل من بعض إخواننا. والواجب على الجميع الرجوع إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما أن الواجب على الخطيب وعلى المحاضر في الندوات أن يتثبت في الأمور، وألا يتعجل حتى يطمئن أنه على الحق والهدى بالأدلة الشرعية، فلا ينبغي أن يعجل في فتوى أو إصدار أحكام على غير بصيرة. وعلى كل طالب علم، وعلى كل من يشارك في الندوات، أو يلقي المحاضرات، أو يقوم بخطب الجمعة، أو غيرها أن يتثبت في الأمور وألا يحكم على أي شيء بأنه حرام أو واجب أو مستحب أو مباح أو مكروه إلا على بصيرة حتى لا يضل الناس بسببه.
وأما مسألة الاستعانة بالدول الأجنبية فإن بعض إخواننا ظن أن هذا لا يجوز، وأن ما أقدمت عليه الدولة السعودية من الاستعانة ببعض الدول الأجنبية غلط، فهذا غلط من قائله.
فالدولة السعودية كانت محتاجة إلى هذا الشيء، بل مضطرة؛ لما عند حاكم العراق من قوة كبيرة، ولأنه باغت دولة الكويت واجتاحها ظلما وعدوانا، فاضطرت الدولة السعودية إلى الاستعانة ببعض المسلمين وبعض الدول الأجنبية؛ لأن الواقع خطير والمدة ضيقة ليس فيها متسع للتساهل. فهي في هذا الأمر قد أحسنت وفعلت ما ينبغي لردع الظالم وحصره حتى لا يقدم على ضرر أكبر وحتى يسحب جيشه من الدولة المظلومة. والمقصود أن الاستعانة بالمشرك أو بدولة كافرة عند الحاجة الشديدة أو الضرورة وفي الأوقات التي لا يتيسر فيها من يقوم بالواجب ويحصل به المطلوب من المسلمين- أمر لازم لردع الشر الذي هو أخطر وأعظم، فإن قاعدة الشرع المطهر هي:" دفع أكبر الضررين بأدناهما " وتحصيل كبرى المصلحتين، أما أن يتساهل الحاكم أو الرئيس أو ولي الأمر أو غيرهم من المسئولين حتى يقع الخطر وتقع المصيبة فذلك لا يجوز، بل يجب أن يتخذ لكل شيء عدته وأن تنتهز الفرص لردع الظلم والقضاء عليه وحماية المسلمين من الأخطار التي لو وقعت لكان شرها أخطر وأكبر.
وقد درس مجلس هيئة كبار العلماء هذه المسألة وهي الاستعانة بغير المسلمين عند الضرورة في قتال المشركين والملاحدة وأفتى بجواز ذلك عند الضرورة إليه، للأسباب التي ذكرنا آنفا. والله المستعان.