الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثامن: إسلامه وما وقع منه قبل إسلامه
…
الباب الثامن: في ذكر إسلامه، وما وقع منه قبل إسلامه رضي الله عنه
روى البخاري1 في (صحيحه) عن عبد الله بن عمر قال: "ما سمعت عمر لشيء قط يقول: "إني لأظنه كذا، إلا كان كما يظن، بينما عمر جالس إذ مرّ به رجل2 جميل، فقال:"لقد أخطأ ظني، أو أن هذا على دينه، في الجاهلية، أو لقد كان كاهنهم، عليّ الرجلَ، فدعي له، وقال له ذلك، فقال: "ما رأيت كاليوم استقبل به رجلاً مسلماً"3، قال: "فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني"، قال: "كنت كاهنهم في الجاهلية"، قال: "فما أعجب ما جاءتك به جنِّيَّتُك؟ "، قال: "بينما أنا يوماً في السوق جاءتني فيها الفزع"،قالت:"ألم ترَ الجنَّ وإبْلاسها4،ويأسها من بعد إنكاسها5،ولحوقها القلاص6 وأحلاسها"7.
1 محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي، أبو عبد الله البخاري، جبل الحفظ وإمام الدنيا في فقه الحديث، توفي سنة ست وخمسين ومئتين. (التقريب ص 468) .
2 في الأصل: (رسل) وصححناه من البخاري.
3 في رواية أخرى: (رجل مسلم) . قال ابن حجر: "في رواية النسفي وأبي ذر: (رجلاً مسلماً) ، ورأيته موجوداً بفتح تاء (استقبل) ، على البناء للفاعل، وهو محذوف تقديره: أحد، وضبطه الكرماني: (استقبل؛ بضم التاء) ، وأعرب رجلاً مسلماً؛ على أنه مفعول رأيت، وعلى هذا؛ فالضمير في قوله: (به) ، يعود على الكلام، ويدلّ عليه السياق". (فتح الباري 7/179) .
4 أبلس: يئس، وتحير، ومنه: إبليس. (القاموس ص 687) .
5 الإنكاس: الانقلاب. قال ابن فارس: (معناه أنها يئست من استراق السمع بعد أن كانت قد ألفته، فانقلبت عن الاستقراق قد يئست من السمع) . (فتح الباري 7/180، لسان العرب 6/240) .
6 القلاص: جمع قلوص، وهو أول ما يركب من إناث الإبل إلى أن تثنى. (لسان العرب 7/81) .
7 الحِلٍْس والحلَسُ: كل شيء ولي ظهرَ البعير والدابة تحت الرحل والقتب والسرح. (لسان العرب 6/54) .
قال عمر: ["صدق] 1 بينما أنا عند آلِهَتِهم إذ جاء رجل فذبحه، فصرخ به صارخ، لم أسمع صارخاً قط أشدَ صوتاً منه"، يقول: "يا جليح أمر نجيح، يقول فصيح، يقول: لا إله إلا الله"2، فوثب القوم، قلت: "لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى: يا جليح3، أمر نجيح، رجل فصيح أو قال: يصيح"4 يقول: "لا إله إلا الله"، فقمت فما نشبنا أن قيل: هذا نبي"5.
وفيه عن سعيد بن زيد6 أنه قال لقوم: " [لو] 7 رأيتني موثِقي عمرُ على الإسلام، أنا وأخته وما أسْلَمْ"8.
وفيه عن عبد الله بن عمر قال: "لما أسلم عمر، اجتمع الناس إليه عند داره، وقالوا: "صَبَأَ9 عمر" وأنا غلام فوق ظهر بيتي، فجاء رجل عليه قباء ديباج10، فقال: "قد صبأ عمر، فما ذاك؟ فأنا له جار"، قال: فرأيت الناس تصعدوا عنه، فقلت: من هذا؟ قالوا: "العاص بن وائل"11.
1 سقط من الأصل.
2 في رواية الكشميهني: (لا إله إلا أنت) . (فتح الباري 7/181) .
3 الوقح: المكاشف بالعداوة. (اللسان 2/426، فتح الباري 7/181) .
4 انظر: فتح الباري 7/181.
5 البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 3/1403، رقم:(3653) .
6 ابن نفيل العدوي، أحد العشرة، توفي سنة خمسين أو بعدها بسنة أو سنتين. (الإصابة 3/96، التقريب ص 236) .
7 سقط من الأصل.
8 البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 3/1403، رقم:(3654) .
9 صَبِأَ: خرج من دين إلى دين آخر. (القاموس ص 56) .
10 الديباج: هي الثياب المتخذة من الإبريسم، فارسي معرب. (السان العرب 2/262) .
11 البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 3/1403، رقم:(3652) .
وفيه عن عمر قال: "بينما هو في الدار خائفاً، إذ جاءه العاص بن وائل السهمي، عليه حلة حَبَرَة1 وقميص مكفوف بحرير، وهو من بني سهم، وهم حلفاؤنا في الجاهلية، فقال له: "ما بالك؟ "، قال: "زعم قومك أنهم سيقتلونني إن أسلمت"، قال: "لا سبيل إليك" بعد أن قالها أمنت. فخرج العاص / [5 / أ] فلقي الناس قد سال به الوادي فقال: "أين تريدون؟ " قالوا: "نريد هذا ابن الخطاب الذي صبأ". قال: "لا سبيل إليه". فكر الناس"2.
قال ابن الجوزي: "اختلفوا في سبب ذلك وصفته على أربعة أقوال:
القول الأوّل
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "سالت عمر رضي الله عنه لأي شيء سميت الفاروق؟ " قال: "أسلم حمزة3 قبلي بثلاثة أيام، ثم شرح الله صدري للإسلام، فقلت: "الله لا إله إلا هو، له الأسماء الحسنى، فما في الأرض نسمة4 أحب إليّ من نسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أين رسول الله؟ قالت أختي: "هو في دار الأرقم بن أبي الأرقم5 عند الصفا6"، فأتيت الدار
1 الحبرة: ضرب من برود اليمن منمر. (لسان العرب 4/159) .
2 البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 3/1403، رقم:(3651) .
3 ابن عبد المطلب الهاشمي، عم النبي صلى الله عليه وسلم استشهد بأحد في شوال سنة ثلاث من الهجرة. (الإصابة 2/37) .
4 النسمة: الإنسان. (القاموس ص 1500) .
5 الأرقم بن أسد المخزومي، شهد بدراً والمشاهد، توفي سنة خمس وخمسين. (الإصابة 1/26) .
6 الصفا: مكان مرتفع من جبل أبي قبيس، بينه وبين المسجد الحرام عرض الوادي الذي هو طريق وسوق. (معجم البلدان 3/411) .
وحمزة في أصحابه جلوس في الدار، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت، فضربت الباب، فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة:"مالكم؟ " قالوا: "عمر بن الخطاب". فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بمجامع ثيابه، ثم نَترَه نترة1، فما تمالك أن وقع على ركبتيه، فقال:"ما أنت بمنته يا عمر؟ ". قال: فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله. قال: فكبّر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد، قال: فقلت: "يا رسول الله ألسنا على الحق إن مِتْنا وإن حيينا؟ " قال: "بلى والذي نفسي بيده، إنكم على الحق إن متم وإن حييتم"، قال: قلت: "ففيم الاختفاء؟!، والذي بعثك بالحق لتخرجن، فأخرجناه في صفين حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد23 الطحين حتى دخلنا المسجد، قال: فنظرت إليّ قريش، وإلى حمزة، فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق"4.
القول الثاني
عن أسامة5 بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال: قال عمر بن الخطاب
1 النَّتْرة: الجذب بجفاءٍ. (القاموس ص 616) .
2 في الأصل: (كديد) ، وهو تحريف.
3 الكديد: التراب الناعم فإذا وطئ ثار غباره. (اللسان 3/378) .
4 ابن الجوزي: مناقب ص 12، والحديث أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة 1/241، والحلية 1/40، وفي إسناده إسحاق بن أبي فروة وهو متروك. (التقريب ص 102) .
وأورده ابن حجر في الإصابة 4/280، وقال:(وأخرج محمّد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه بسند فيه إسحاق بن أبي فروة) ، والمحب الطبري في الرياض النضرة 1/272، والسيوطي في تاريخ الخلفاء 113.
5 العدوي مولاهم، ضعيف من قبل حفظه، توفي في خلافة المنصور. (التقريب ص 98) .
رضي الله عنه لنا: "أتحبون أن أعلمكم أول إسلامي؟ "، قلنا:"نعم". قال: كنت من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دار عند الصفا فجلست بين يديه"1، فأخذ بمجمع قميصي، ثم قال: "أسلم يا ابن الخطاب اللهم اهده"، قال: فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، قال: "فكبر المسلمون تكبيرة سمعت من طرق مكة، قال: وقد كانوا مستخفين، وكان الرجل إذا أسلم تعلق به الرجال فيضربونه ويضربهم. فجئت إلى خالي فأعلمته، فدخل البيت وأجاف2 الباب قال: وذهبت إلى رجل آخر من كبار قريش فأعلمته، [فدخل البيت]3..
فقلت في نفسي: ما هذا بشيء، فقال رجل:"أتحب أن يُعْلم بإسلامك؟ "، قلت:"نعم"، قال:"فإذا جلس الناس في الحجر فأت فلاناً فقل قد صبأت"، فإنه قلما يكتم سراً فجئته فقلت له: تعلم أني قد صبأت، فنادى بأعلى صوته أن ابن الخطاب قد صبأ، فما زالوا يضربونني وأضربهم، فقال: خالي: "يا قوم إني قد أجرت ابن أختي فلا يمسه أحد"، فانكشفوا عني، فكنت لا أشاء أن أرى أحداً من المسلمين يضرب إلا رأيته.
فقلت: "الناس يضربون ولا أضرب، فلما جلس في الحجر جئت خالي قال: قلت: "تسمع؟ "، قال: "أسمع"، قلت: "جوارك رد عليك"، قال: "لا تفعل". / [5 / ب] ، فأبيت، قال: "فما شئت"، قال: فما زلت أضرب وأضرب حتى أظهر الله الإسلام"، وخاله العاص بن هشام قتل يوم بدر، قيل:"قتله عمر بن الخطاب رضي الله عنه"4.
1 قوله: (فجلست بين يديه) تكرر في الأصل.
2 أجاف الباب: رده عليه. (لسان العرب 9/35) .
3 ساقط من الأصل.
4 ابن الجوزي: مناقب ص 13، والحديث أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائده على فضائل الصحابة لأحمد 1/385-388، والبيهقي في دلائل النبوة 3/216-218، بإسناد فيه إسحاق بن إبراهيم الحنيني وأسامة بن زيد بن أسلم، وكلاهما ضعيف. (التقريب ص 98، 99) .
وأخرجه البزار كما في كشف الأستار 3/169-171، وقال:"لا نعلم رواه أحد بهذا السند إلا الحنيني"، وقال الهيثمي:"رواه البزار وفيه أسامة بن زيد وهو ضعيف". (مجمع الزوائد 9/65) . وذكره المحب الطبري مختصراً. (الرياض النضرة 1/377) .
عن ابن شهاب1، قال:"بينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه جالساً في المسجد يوماً إذ مرّ به سعيد بن العاص2 سلم عليه"، فقال:"إني والله يا ابن أختي ما قتلت أباك يوم بدر3، ولكني قتلت خالي العاص بن هشام، وما بي أن أكون أعتذر من قتل مشرك"، قال: فقال سعيد بن العاص: "لو كنت قتلته على حق وكان على باطل"4.
عن ابن عمر قال: "إني لعلى سطح فرأيت الناس مجتمعين على5 رجل وهم يقولون صبأ عمر صبأ عمر، فجاء العاص بن وائل عليه قباء ديباج، فقال: "إن كان عمر قد صبأ فأنا له جار"، قال: "فتفرق الناس عنه"، قال: "فتعجبت من عِزِّه"6.
1 محمّد بن مسلم القرشي الزهري، الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه، توفي سنة خمس وعشرين ومئة، وقيل: بعد ذلك بسنة أو سنتين. (التقريب ص 506) .
2 الأموي، من صغار الصحابة كان له عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين، ولي إمرة الكوفة لعثمان، وإمرة المدينة المنورة، توفي سنة ثمان وخمسين. (تهذيب أسماء الكمال 10/501، التقريب ص 237) .
3 بدر: ماء مشهور بين مكة والمدينة، أسفل وادي الصفراء، يبعد عن المدينة 153 كيلاً بطريق السيارات، وعن مكة بهذا الطريق 343 كيلاً. (انظر: معجم البلدان 1/357، مرويات غزوة بدر ص 78) .
4 ابن الجوزي: مناقب ص 14، وفيه انقطاع بين ابن شهاب وعمر، ابن سعد: الطبقات 5/31، وأورده ابن حجر بصيغة التمريض قال:"ويقال: إن عمر قال لسعيد". (الإصابة 3/98) .
5 في الأصل: (وهم على رجل) ، وهو تحريف.
6 ابن الجوزي: مناقب ص 15. وعبد الله بن أحمد في زوائده على فضائل الصحابة لأحمد 1/282، وإسناده حسن، والبيهقي: دلائل النبوة 2/221.
القول الثالث
عن جابر1 رضي الله عنه قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "كان أول إسلامي أن ضرب أختي المخاض، فأخرجت من البيت فدخلت أستار الكعبة في ليلة قارّة2، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل الحِجْر3 وعليه نعلاه، فصلى فخرجت فاتبعته"، قال:"من هذا؟ "، قلت:"عمر". قال: "يا عمر ما تتركني ليلاً ولا نهاراً"، قال:"فخشيت أن يدعو عليّ، فقلت: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله"، قال: "يا عمر استره"، قال: فقلت: "والذي بعثك بالحق لأعلننه كما أعلنت الشرك"4.
القول الرابع
عن أنس بن مالك5 رضي الله عنه قال: "خرج عمر متقلداً السيف فلقيه رجل من بني زهرة"، فقال:"أين تَعْمِدُ يا عمر؟ "، قال: "أريد أن أقتل
1 جابر بن عبد الله الأنصاري، السلمي، صحابي ابن صحابي، توفي بالمدينة بعد السبعين. وهو ابن أربع وسبعين. (الإصابة 1/222، التقريب ص 136) .
2 ليلة قارة: أي: باردة. (لسان العرب 5/82) .
3 الحجر: حجر الكعبة، وهو ما تركت قريش في بنائها من أساس إبراهيم عليه السلام. (معجم البلدان 2/221) .
4 ابن الجوزي: مناقب ص 15، وابن أبي شيبة: المصنف 14/3، ومن طريقه أبو نعيم: الحلية 1/40، وإسناده ضعيف حيث عنعن أبو الزبير وهو مدلس، وكذلك فيه عبد الله بن المؤمل المخزومي، ويحيى بن يعلى الأسلمي، وكلاهما ضعيف. (انظر: التقريب ص 325، 807، 599) .
5 الأنصاري: الخزرجي، صحابي مشهور، توفي سنة اثنتين، وقيل: ثلاث وتسعين. (التقريب ص 115) .
محمّداً"، "وكيف تأمن بني هاشم وبني زهرة إن قتلت محمّداً؟ فقال له عمر: "ما أراك إلا قد صبأت وتركت دينك الذي أنت عليه"، قال:"أفلا أدلك على العجب يا عمر؟ إن أختك وزوجها صبآ، وتركا دينك الذي أنت عليه"، فمشى عمر ذامراً1 حتى أتاهما، وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خباب2، فسمع خباب حس عمر فتوارى في البيت فدخل عليهما، فقال:"ما هذه الهَيْنَمة3 التي سمعتها عندكم؟ "
قال: وكانوا يقرؤون طَه، فقالا:"ما عدا حديثاً تحدثناه بيننا". قال: فلعلكما قد صبأتما، فقال له: ختنه: "أرأيت4 يا عمر إن كان الحق في غير دينك؟ فوثب عمر على ختنه فوطئه وطأ شديداً، فجاءته أخته فدفعته عن زوجها، فنفحها نفحة5 فدمى وجهها، فقالت وهي غضبى: "يا عمر إن كان الحق في غير دينك، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمّداً رسول الله".
فلما يئس عمر قال: "أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه"، وكان عمر يقرأ الكتب فقالت أخته: "إنك رجس، و6 {لا يَمَسُّه إلاّ المُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] ، فقم فاغتسل أو توضأ، فقام فتوضّأ ثم أخذ الكتاب7 فقرأ {طَه} حتى انتهى إلى قوله تعالى: {إِنَّنِي أَنَا الله لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنَا
1 ذامراً: أي: مُتَهَدِّداً. (لسان العرب 4/312) .
2 خباب بن الأرت التميمي، من السابقين إلى الإسلام، شهد بدراً وتوفي سنة سبع وثلاثين. (التقريب ص 192) .
3 الهينمة: الصوت الخفيّ. (القاموس ص 1512) .
4 في الأصل: (إن رأيت) ، وهو تحريف.
5 النفح: الضرب. (لسان العرب 2/622) .
6 في الأصل: (فلا) .
7 في الأصل: (الكتب) .
فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طَه: 1-14] .
فقال عمر: "دلوني على محمّد"، فلما سمع خباب قول عمر، خرج من البيت، فقال:"أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس: "اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام"، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار التي في أصل الصفا.
فانطلق عمر حتى أتى الدار، وعلى الباب حمزة وطلحة في ناس [6 / أ] من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى حمزة رضي الله عنه وجل القوم من عمر قال:"نعم فهذا عمر إن يرد الله بعمر خيراً يسلم1 ويتبع النبي صلى الله عليه وسلم، وإن يرد غير ذلك يكن قتله علينا هيناً".
قال: والنبي صلى الله عليه وسلم داخل يوحى إليه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عمر، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف، فقال:"ما أراك منتهياً يا عمر حتى يُنْزِلَ الله بك - يعني: من الخزي والنكال - ما أنزل الله بالوليد بن المغيرة، اللهم اهد عمر بن الخطاب، اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب". فقال عمر رضي الله عنه: "أشهد أنك رسول الله، وقال: اخرج يا رسول الله"2.
وذكر أبو القاسم الأصفهاني في (سيرة السلف) بسند إلى أسامة ابن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "تحبون أن أخبركم ببدو إسلامي؟ "، قلنا:"نعم". قال: كنت من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا أنا في يوم حار شديد الحرّ بالهاجرة في بعض طرق مكة،
1 في الأصل: (أسلم) ، والمثبت من دلائل النبوة.
2 ابن الجوزي: مناقب ص 16، ابن سعد: الطبقات 3/267، البيهقي: دلائل النبوة 2/219، والسنن 1/88، كلاهما بإسناد فيه القاسم بن عثمان البصري وهو ضعيف، والمتن منكر، قال الذهبي:"قال البخاري: "له أحاديث لا يتابع عليها". وحدث بقصة عمر وهي منكرة جداً". (ميزان الاعتدال 3/375)، وذكره السيوطي: تاريخ الخلفاء ص 110.
إذ لقيني رجل من قريش، فقال:"أين تريد يا ابن الخطاب؟ "، فقلت: أريد ذاك الرجل الذي غيّر الدين، فقال:"عجباً لك يا ابن الخطاب، تزعم هكذا وقد دخل من هذا الأمر في بيتك!، قلت: وما ذاك؟ قال: "أختك قد أسلمت".
قال: فرجعت مغضباً حتى قرعت الباب قال: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أسلم الرجل أو الرجلان ممن لا شيء عندهما ضمهما إلى رجل بيده قوة، فيكونان معه ويصيبان من فضل طعامه، وكان قد ضم إلى زوج أختي رجلين، فلما قرعت الباب، قيل: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب، فبادر القوم فتواروا مني، وقد كانوا يقرؤون صحيفة بين أيديهم، فنسوها وتركوها وسط البيت، فقامت أختي ففتحت الباب، فقلت:"يا عدوةَ نفسها صبوتِ؟، وضربتها بشيء في يدي على رأسها، فسال الدم، فلما رأت الدم بكت، وقالت: يا ابن الخطاب ما كنت فاعلاً فافعل فقد أسلمت، فدخلت مغضباً حتى جلست على السرير، فنظرت إلى الصحيفة في وسط البيت، فقلت: ما هذه الصحيفة؟ أعطنيها، فقالت: لست من أهلها، أنت لا تغتسل من جنابة ولا تتوضأ، وهذا {لَا يَمَسُّهُ إِلَاّ المُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] ، فلم أزل بها حتى أعطتنيها، فنظر فيها فإذا فيها: {بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فلما قرأت: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ذعرت من ذلك، وألقيت الصحيفة، ثم رجعت إلى نفسي فأخذتها فإذا فيها: {سَبَّحَ لله مَا فِي السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} [الحديد:1] ، فكلما مرّ بي اسم من أسماء الله ذعرت منه، ثم ترجع إليّ نفسي حتى بلغت: {آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: 7] ، قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمّداً رسول الله".
فلما سمع القوم خرجوا / [6 / ب] إليّ مبادرين،
فكبروا، ثم قالوا:"أبشر يا ابن الخطاب، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم الاثنين، فقال: "اللهم أعز دينك بأحب الرجلين إليك: إما أبو جهل بن هشام، وإما عمر ابن الخطاب"، وإنا نرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم [لك]1.
قلت: أخبروني بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أن أعرفوا مني الصدق أخبروني بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو في بيت في أسفل الصفا، فرحت حتى قرعت الباب، فقيل: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب، وقد علموا شدتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلموا بإسلامي.
فما اجترأ رجل منهم بفتح الباب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"افتحوا له الباب فإن يرد الله به خيراً يهده". ففتحوا لي الباب، وأخذ رجلان بعضديّ حتى جاءا بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"خلوه"، فخلوا عني فجلست بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بمجمع قميصي، ثم جبذني إليه، ثم قال:"أسلم يا ابن الخطاب اللهم اهده". فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، فكبر المسلمون تكبيرة سمعت بطرق مكة.
وقد كانوا مستخفين ثم خرجت فكنت لا أشاء أن أرى رجلاً من المسلمين إذا أسلم يُجتمع عليه فيضرب، ولا يصيبني من ذلك شيء، فقلت: ما هذا بشيء، فجئت إلى خالي - وكان شريفاً - فقرعت عليه الباب، فقلت: أعلمت أني صبوت؟ قال: "وفعلت؟ "، قلت: نعم. قال: "لا تفعل". قلت: فعلت. قال: "لا تفعل". فدخل فأجاف الباب دوني، فذهبت إلى رجل من عظماء قريش أيضاً، فقرعت عليه بابه، فقيل:"من هذا؟ "، فقلت: ابن الخطاب، فخرج إليّ، فقلت: مثل مقالتي لخالي: أما علمت أني صبوت؟ فقال: "أفعلت؟ " قلت: نعم. قال: "لا تفعل". قلت: فعلت، فدخل وأجاف
1 سقط من الأصل.
الباب دوني. فقلت: ما هذا بشيء.
فقال لي رجل: أتُحِبُّ أن تظهر إسلامك؟ قلت: نعم. قال: فإذا اجتمع الناس في الحِجْر فأتِ فلاناً - لرجل لم يكن يكتم السر - فقل له فيما بينك وبينه فإنه سيظهره عليك، فلما اجتمع الناس في الحجر، جئت إلى ذلك الرجل فأصغيت عليه فيما بيني وبينه، فقلت: أعلمت أني صبوت؟ قال: صبوت؟ قلت: نعم. فرفع بأعلى صوته ألا إن ابن الخطاب قد صبأ.
فثار إليّ الناس فضربوني وضربتهم، فقال خالي: ما هذه الجماعة؟ قيل: ابن الخطاب قد صبأ، فقام على الحجر ثم أشار بكُمّه ألا إني قد أجرت ابن / [/ 7 / أ] أختي، فانكشف الناس عني، وكنت لا أزال أرى إنساناً يضرب وأنا لا يصيبني من ذلك شيء، فقلت: ليس هذا بشيء حتى يصيبني ما يصيب الناس، وأضرب كما يضربون فأتيت خالي والناس مجتمعون في الحجر، فقلت: يا خال فقال: "ما تشاء يا ابن أختي؟ " قلت1: أشاء أن جوارك عليك ردّ، فقال:"لا تفعل يا ابن أختي". قلت: جوارك عليك ردّ، قال:"لا تفعل"، قلت: بلى، قال:"فما شئت"، فما زلت أضرب الناس ويضربونني، حتى أعز الله الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم"2.
وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال:"لما أسلم عمر بن الخطاب - ولم تعلم قريش بإسلامه - قال: "أيّ أهل مكة أنشر للحديث؟ قالوا: "جميل بن معمر"3، قال: فخرج عمر وأنا أتبع أثره غلاماً أعقل ما أرى، وأروي ما أسمع، فأتاه فقال:"يا جميل هل علمت أني أسلمت؟ "، فوالله ما رد
1 قوله: (قلت) تكرر في الأصل.
2 أبو القاسم: سير السلف ص 139، والحديث سبق تخريجه في ص:150.
3 صحابي مشهور، شهد الفتح وتوفي في خلافة عمر وحزن عليه. (الإصابة 1/355) .
عليه كلمة حتى قام عامداً إلى المسجد فنادى أندية قريش: إن ابن الخطاب قد صبأ، فقال عمر:"كذب، ولكني أسلمت، وآمنت بالله وصدّقت رسله، فثاروا، فقاتلهم وقاتلوه، حتى ركدت الشمس على رؤوسهم، وفتر عمر، وقاموا على رأسه، وهو يقول: "افعلوا ما بدا لكم، فوالله لو كنا ثلاث مئة رجل لقد تركتموها لنا أو تركناها لكم".
قال: فبيناهم قيام عليه إذ أقبل رجل عليه حلة حبرة وقميص قومسي1، فقال:"مالكم؟ "، قالوا:"صبأ عمر"، فقال:"فمه، امرؤ اختار لنفسه ديناً؟ فتظنون أن بني عدي تُسلم لكم صاحبكم؟ "2، فوالله لكأنما كانوا ثوباً انكشف عنه. فقلت له بعد المدينة يا أبت من الرجل الذي رد عنك القوم يومئذ؟ قال:"يا بني، ذاك العاص بن وائل"3.
وقال في (عيون التاريخ) 4: "وهو طريق ابن هشام5 في السيرة وغيره، ثم أسلم عمر بن الخطاب وكان رجلاً جلداً منيعاً، أسلم بعد هجرة المسلمين
1 قومسي: في سيرة ابن هشام: قميصي موشي. فلعله منسوب إلى قومس التي قال عنها ياقوت: "بأنها كورة كبيرة في ذيل جبال طبرستان". (معجم البلدان4/414) .
2 في سيرة ابن هشام، وسيرة ابن إسحاق (صاحبهم) .
3 ابن إسحاق: السير والمغازي ص 184، ابن هشام: السيرة 1/429، وصرح ابن إسحاق بالسماع، وعبد الله بن الإمام أحمد في زوائد على فضائل الصحابة لأحمد 1/281، 282، من طريق ابن إسحاق، الحاكم: المستدر 3/85، مختصراً وصححه على شرط مسلم، قال ابن كثير:"هذا إسناد جيد قوي". السيرة النبوية لابن كثير 2/39) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/65:"رواه البزار والطبراني باختصار ورجاله ثقات إلا ابن إسحاق مدلس".
4 عيون التواريخ لمحمّد بن شاكر الكتبي الدمشقي (ت 764هـ) . مخطوط في ستّة مجلدات. (الأعلام 6/156) .
5 عبد الملك النحوي الذهلي السدوسي، نزيل مصر، سمع السيرة من زياد البكائي وهذّبها، توفي سنة ثمان عشرة ومئتين. (وفيات الأعيان 3/177، سير أعلام النبلاء (10/428) .
إلى الحشبة، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يقدرون يصلون عند الكعبة حتى أسلم عمر، وكان قد أسلم حمزة فقوي المسلمون بهما، وعلموا أنهما سيمنعان رسول الله صلى الله عليه وسلم"1.
قالت أم عبد الله بنت2 أبي حَثْمة - وكانت زوج عامر بن ربيعة3، قالت:"إنا لنرحل إلى أرض الحبشة، وقد ذهب عامر لبعض حاجته، إذ أقبل عمر، وهو على شركه حتى وقف عليّ - وكنا نلقى منه البلاء أذى وشدة - فقال: / [7 /] : "أتنطلقون يا أم عبد الله؟ قالت: قلت: نعم والله؛ لنخرجن في أرض الله تعالى، فقد آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل الله لنا فرجاً.
قالت: فقال: "صحبكم الله"، ورأيت له رقة وحزناً، قالت: فلما عاد عامر أخبرته، وقلت: لو رأيت عمر ورقته وحزنه علينا! فقال: "أطمعت في إسلامه؟ " قلت: نعم. قال: "لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب؛ لما كان يرى من غلظه4 وشدته على المسلمين"5، فهداه الله تعالى فأسلم؛ فصار على الكفار أشد منه على المسلمين.
وكان سبب إسلامه أن أخته فاطمة بنت الخطاب6 كانت تحت سعيد
1 الخبر بنحوه في ابن هشام: السيرة 1/422.
2 ليلى بنت أبي حثمة العدوية هاجرت الهجرتين إلى الحبشة ثم المدينة (الإصابة8/180) .
3 العنْزي، من السابقين الأولين إلى الإسلام هاجر إلى الحبشة وشهد بدراً وما بعدها، توفي سنة اثنتين وثلاثين. (الإصابة 4/8) .
4 في السيرة: (غلظته) .
5 ابن هشام: السيرة النبوية 1/423، بإسناد فيه عبد الرحمن بن الحارث صدوق له أوهام. (التقريب ص 328) ، وعبد العزيز بن عبد الله بن عامر تابعي كبير وثقه ابن حبان. (الثقات 7/110) .
6 العدوية أسلمت قديماً مع زوجها سعيد بن زيد. (الإصابة 1/161) .
بن زيد بن عمرو بن نُفَيل، وكانا مسلمين يخفيان إسلامهما من عمر، وكان نعيم بن عبد الله النحام العدوي1 قد أسلم أيضاً، وهو يخفي سلامه فزعاً من قومه، كان خباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة يُقرئها القرآن، فخرج عمر يوماً ومعه سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، وهم مجتمعون في دار الأرقم عند الصفا، وعنده من لم يهاجر من المسلمين في نحو أربعين رجلاً، فلقيه نعيم بن عبد الله فقال:"إلى أين عمر؟ "، قال:"أريد محمّداً الذي فرّق أمر قريش، وعاب دينها؛ فأقتله".
فقال نعيم: "والله غرّتك نفسك، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض، وقد قتلت محمّداً! أفلا ترجع إلى أهلك فتقيم أمرهم؟ ".
قال: "وأي أهلي؟ " قال: "خَتَنُك وابن عمّك، وأختك فاطمة، فقد والله أسلما"، فرجع عمر إليها وعندها خباب بن الأرت يقرئهما القرآن، فلما سمعوا حسّ عمر تغيب خبّاب، وأخذت فاطمة الصحيفة فاتقتها تحت فخذها - وفي رواية: جعلتها بين فخذيها - وقد سمع عمر قراءة خباب، فلما دخل قال:"ما هذه الهينمة التي أسمعها؟ " قالا: ما سمعت شيئاً، فقال:"بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمّداً"، وبطش بختنه سعيد بن زيد، فقامت أخته لتكفه، فضربها، فشجها، فلما فعل ذلك، قالت أخته: نعم والله قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فاصنع ما شئت، / [8/أ] ولما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم، وقال:"أعطني هذه الصحيفة التي سمعتكم وأنتم تقرؤونها حتى أنظر إلى ما جاء به محمّد"، قالت: "إنّا نخشاك عليها، فحلف أنه يعيدها؛ قالت:
1 أسلم بعد ثمانية وثلاثين إنساناً، واستشهد بأجنادين في خلافة عمر سنة خمس عشرة. الإصابة 6/249) .
وقد طمعت في إسلامه إنك نجس، على شركك فلا تمسها".
قال عمر: "فما عرفت ذل الشرك إلا ذلك اليوم"، فقام واغتسل، فأعطته الصحيفة فقرأها وفيها:{طَه} ، وكان كاتباً فلما قرأ بعضها قال:"ما أحسن هذا الكلام وأكرمه"!.
فلما سمع خباب خرج إليه، وقال:"يا عمر، والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصّك بدعوة نبيه فإني سمعته أمس وهو يقول: "اللهم أيّد الإسلام بعمر بن الخطاب، أو بأبي الحكم بن هشام"، فالله الله يا عمر.
فقال عمر عند ذلك: "فدلني يا خباب على محمّد حتى آتيه فأسلم"، فدله خباب، فأخذ سيفه، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فضرب عليهم الباب، فقام رجل منهم فنظر من الباب فرآه متوشِّحاً1 بسيفه فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك؛ فقال حمزة:"ائذن له فإن كان جاء يريد خيراً بذلنا له، وإن أراد شرّاً قتلناه بسيفه"، فنهض إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقيه وأخذ بمجمع ردائه ثم جذبه إليه جذبة شديدة، وقال:"ما جاء بك؟ ما أراك تنتهي حتى ينزل بك قارعة"، فقال:"يا رسول الله جئت لأؤمن بالله ورسوله"، وكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرف من في البيت أن عمر أسلم"2.
فلما أسلم قال: "أيّ قريش أنْقل للحديث؟ قيل: جميل بن معمر الجمحي، فجاءه فأخبره بإسلامه فمشى إلى الحرم وعمر وراءه، وصرخ: "يا معشر قريش ألا إن ابن الخطاب قد صبأ، فيقول عمر من خلفه:"كذب، ولكني أسلمت"، فقاموا فلم يزل يقاتلهم ويقاتلونه، حتى قامت الشمس وأعيا، فقعد
1 توشّح بسيفه: تقلد. (القاموس ص 315) .
2 ابن هشام: السيرة النبوية 1/425، 426، رواه ابن إسحاق بلاغاً والبلاغ منقطع، وقد سبق تخريجه في ص:154.
وهم على رأسه، فقال:"افعلوا ما بدا لكم"، فبينما هم كذلك إذ أقبل شيخ عليه حلة فقال:"ما شأنكم؟، قالوا: صبأ عمر، قال: رجل اختار لنسفه أمراً فما تريدون؟ أترون بني عدي يسلمون لكم صاحبكم هكذا! خلّوا عن الرجل". وكان الشيخ العاص بن وائل السهمي1.
قال عمر: "لما أسلمت أتيت أبا جهل بن هشام، فضربت عليه بابه، فخرج إليّ فقال: "مرحباً يا ابن أختي ما جاء بك؟ "، قلت: جئت لأخبرك أني قد أسلمت وآمنت بمحمّد، وصدّقت بما جاء به، قال: فضرب الباب في وجهي، وقال: "قبّحك الله، وقبّح ما جئت به"2.
قال: وقيل: في إسلامه غير هذا. والله أعلم./ [8 / ب] .
1 ابن هشام: السيرة النبوية 1/429، وقد سبق تخريجه في ص 158.
2 ابن هشام: السيرة النبوية 1/430، وقد صرح ابن إسحاق بالسماع لكن سنده منقطع وفيه جهالة.