الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الحادي والثلاثون: ماخص به ولايته مما لم يسبق إليه
…
الباب الحادي والثلاثون: في ذكر ما خص به ولايته ممّا لم يسبق إليه
في الصحيح عن ابن عمر قال: "لمّا فَدَع1 أهل خيبر عبد الله بن عمر ق ام عمر خطيباً فقال: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أموالهم، وقال:"نقرّكم ما أقرّكم الله" وإن ّعبد الله بن عمر خرج إلى ماله هنالك، فعدي عليه من الليل ففدع2 يداه ورجلاه، وليس لنا هنالك عدوٌّ غيرهم هم عدونا وتهمتنا، وقد رأيت إجلاءهم. فلما أجمع عمر على ذلك أتاه أحد بني أبي الحقيق3. فقال:"يا أمير المؤمنين، أتخرجنا وقد أقرّنا محمد وعاملنا على الأموال، وشرط لنا"؟ فقال عمر: "أظننت أنّي نسيت قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك4 ليلة بعد ليلة" فقال: "كان ذلك هزيلة5 من أبي القاسم" فقال: "كذبت يا عدو الله" فأجلاهم عمر، وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثّمر، مالاً وإبلاً وعروضاً من أقتابٍ6 ورحالٍ7 وغير ذلك"8.
1 الفَدَع - محركة -: اعوِجاج الرّسغ من اليد أو الرجل حتى ينقلب الكفّ أو القدم إلى إنسيها. (القاموس ص 963) .
2 في البخاري: (ففدعت) .
3 رأس يهود خيبر. (فتح الباري 5/328) .
4 القلوص من الإبل: الشابة أو القاقي على السير، أو أوّل ما يركب من إناثها إلى تُثْني. (القاموس ص 811) .
5 تصغير الهزل، وهو ضد الجد. (فتح الباري 5/328) .
6 القتب: الإكاف الصغير الذي على قدر سنام البعير. (لسان العرب 1/661) .
7 في نسخ البخاري التي بين يدي: (وحبال)، والرَّحْل: مركب للبعير. (القاموس ص 1298) .
8 البخاري: الصحيح، كتاب الشروط 2/973، رقم:2580.
وذكر ابن الجوزي عن ميمون بن مهران1، قال:"دفع إلى عمر رضي الله عنه صكٌ محله في شعبان، فقال عمر: شعبان هذا الّذي مضى أو2 الّذي هو آت أو الّذي نحن فيه" ثمّ جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: "ضعوا للناس شيئاً يعرفونه" فقال قائل: "اكتبوا على تاريخ الرّوم" فقيل: "إنّه يطول وإنهم يكتبون من عند ذي القرنين" فقال قائل: "اكتبوا تاريخ الفرس كلما قام ملك طرح ما كان قبله"، فاجتمع رأيهم على أن ينظروا كم أقام3 رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فوجدوه أقام عشر سنين فكتب أو كتب التاريخ على هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم4.
وعن عثمان بن عبيد الله5، قال:"سمعت سعيد بن المسيب يقول: "جمع عمر بن الخطاب المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم فقال: "متى نكتب التاريخ"؟ فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "منذ خرج النبي صلى الله عليه وسلم من أرض الشّرك" يعني من يوم هاجر. قال: فكتب ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه"6.
وعن ابن المسيب قال: "أوّل من كتب التاريخ عمر بن الخطاب رضي الله عنه
1 الجَزَري: ثقة، فقيه، ولي الجزيرة لعمر بن عبد العزيز، وكان يرسل، توفي سة سبع عشرة ومئة. (التقريب ص 556) .
2 في الأصل: (والذي) .
3 في الأصل: (قام) .
4 ابن الجوزي: مناقب ص 60، ابن حجر: فتح الباري 7/268، ونسبه لأحمد وأبي عروبة في:(الأوائل)، والبخاري في:(الأدب) ، والحاكم. ولم أعثر عليه في النسخ المطبوعة من المسند والأدب المفرد، والمستدرك، وهو منقطع؛ لأن ميمون لم يدرك خلافة عمر، ولم يصرح عمن رواه.
5 ابن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم يروي عن أبيه وروى عنه عبد العزيز الدراوردي. (الثقات 7/191) .
6 الحاكم: المستدرك3/14، وصحّحه، ووافقه الذهبي. والطبري: التاريخ 3/38، 39.
لسنتين ونصف من خلافته، فكتب لست عشرة من المحرم بمشورة علي ابن أبي طالب رضي الله عنه"1.
قال أبو الزّناد2: استشار عمر في التاريخ فأجمعوا على الهجرة"3.
وعن عبد الرحمن4 بن أبي الزّناد / [34 / ب] عن أبيه قال: "كان مقام إبراهيم لاصقاً بالكعبة حتى كان زمن عمر بن الخطاب فقال عمر: "والله إني لأعلم ما كان موضعه ها هنا، ولكن قريش خافت عليه من السّيل فوضعته5 هذا الموضع، ولو أني أعلم موضعه الأوّل لأعدته فيه" فقال رجل من آل عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم6:"أنا والله يا أمير المؤمنين أعلم موضعه الأول كنت لما حوّله قريش أخذت قدر موضعه الأول بحبل، وضعت طرفه عند ركني البيت أو عند الرّكن والباب، ثمّ عقدت في وسطه عند موضع المقام فعندي ذلك الحبل"، فدعا عمر بذلك الحبل فقدروا به، فلما عرفوا موضعه الأوّل أعاده عمر فيه، قال عمر رضي الله عنه: "إنّ الله عز وجل يقول {وَاتَّخَذُوا مِنْ مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى} ، [البقرة: 125] 7.
وعن محمد بن سعد قال: "قالوا: "إنّ أوّل من سمي بأمير المؤمنين عمر
1 الطبري: التاريخ 4/38، وفيه الواقدي. ابن الجوزي: مناقب ص 60، الذهبي: تاريخ الإسلام (عهد الخلفاء) ، ص 163.
2 عبد الله بن ذكوان القرشي، ثقة فقيه، توفي سنة ثلاثين ومئة. (التقريب ص 302) .
3 لم أجده في المصادر الأخرى.
4 عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان المدني، مولى قريش، صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد، وكان فقيهاً، توفي سنة أربع وسبعين ومئة. (التقريب ص 340) .
5 في الأصل: (فوضعه) ، وهو تحريف.
6 مطموس في الأصل، سوى:(مخزو) .
7 الأزرقي: أخبار مكة 2/33، 34.
بن الخطاب، وإنّه أوّل من سنّ قيام شهر رمضان، وهو أوّل من جمع القرآن في المصحف، وهو أوّل من جمع النّاس على قيام رمضان وكتب به إلى البلدان، وجعل بالمدينة قارئين؛ قارئاً يصلي بالرجال وقارئاً يصلي بالنّساء، وهو أوّل من ضرب بالخمر ثمانين، وأحرق بيت رويشد الثقفي1 كان حانوتاً - يعني نباذاً2 - هو أوّل من عَسَّ3 في عمله بالمدينة، وحمل الدّرّة4 وأدب بها - وقيل بعد:"لدرّة عمر أهيب من سيفكم -" وهو من فتح الفتوح؛ فتح العراق كلّه: السّواد، والجبال، وأذربيجان، وكور5 البصرة وأرضها، وكور الأهواز، وفارس، وكور الشّام كلّها ما خلا أجنادين فإنّها فتحت في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وفتح عمر كور الجزيرة، والموصل، ومصر، والإسكندريّة، وقُتل رضي الله عنه وخيله على الرّيّ قد فتحوا عامّتها، وهو أوّل من مسح السّواد وأرض الجبل، ووضع على الغني ثمانيةً وأربعين درهماً وعلى الفقير اثني6 عشر درهماً، وقال:"لا يُعْوِزُ رجلاً منهم درهماً في كلّ شهر". فبلغ خراج السواد والجبل على عهد عمر رضي الله عنه مئة ألف ألف وعشرين ألف ألف وألف؛ درهم ودانقان7 ونصف8.
وهو أوّل
1 صهر بني عدي بن نوفل. (الإصابة 2/214) .
2 في القاموس ص 193: (الحانوت: الخمّار نفسه) .
3 عسَّ: طافَ بالليل وهو نفضُ الليل عن أهل الريبة. (القاموس ص 719) .
4 الدّرّة: بالكسر: التي يضرب بها. (القاموس ص 500) .
5 الكورَة: المدينة والصّقْعُ. والجمع: كُوَر. (لسان العرب 5/156) .
6 في الأصل: (اثنا) ، ولعله سهو من المؤلف؛ لأنه في محل نصب.
7 في الأصل: (ودانقين) ، وهو تحريف.
8 في الأصل: (قال ابن الجوزي) ، وهو سهو من المؤلف.
من مصّر1 الأمصار: الكوفة والبصرة والجزيرة والشّام ومصر والموصل، وأنزلها العرب، وخط2 الكوفة والبصرة، / [35 / أ] وهو أوّل من استقضى القضاة في الأمصار، وهو أوّل من دوّن الدّواوين، وكتب النّاس على قبائلهم، وفرض لهم الأعطية من الفيء، وفرض لأهل بدر وفضّلهم على غيرهم، وفرض للمسلمين على أقدارهم وتقدّمهم في الإسلام، وهو أول من حمل الطّعام في السّفن من مصر في البحر، حتى ورد الجار3، ثمّ حمل من الجار إلى المدينة، وقد قاسم غير واحد من عماله إذا عزله؛ منهم سعد بن أبي وقاص وأبو هريرة، وكان يستعمل قوماً ويدع من هو أفضل4 منهم لبصرهم بالعمل وقال:"أكره أدنس هؤلاء بالعمل وهدم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد فيه، وأدخل دار العبّاس فيما زاد فيه، وهو أخرج اليهود من الحجاز، وأجلاهم من جزيرة العرب إلى الشام، وحضر فتح بيت المقدس، واستعمل أوّل سنة وليّ على الحج عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه ثمّ لم يزل عمر يحج بالناس خلافته كلّها؛ فحجّ بهم عشر سنين، وحجّ بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم آخر حجة حجّها، واعتمر في خلافته ثلاث مرّات، وأخر المقام إلى موضعه اليوم وكان ملصّقاً بالبيت"5.
1 المِصْر: كل كورة تقام فيها الحدود ويقسم فيها الفيء والصدقات من غير مؤامرة للخليفة. (لسان العرب 5/176) .
2 الخِط والخِطة: الأرض تُنزل من غير أن ينزلها نازل قبل ذلك. (لسان العرب7/288) .
3 الجار قرية على ساحل بحر القلزم. (الأحمر)، تعرف الآن باسم:(البريكة) ، وهي قريبة من بدر وتبعد عن المدينة (200) كيل. (معجم المعالم الجغرافية2/105، 106) .
4 في الأصل: (أفضلهم) ، وهو تحريف.
5 ابن سعد: الطبقات 3/281، 282، 283، بأطول. وبدون إسناد، والخبر بنحوه في البلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان: أبو بكر وعمر) ص 191، 192، بنحوه من طريق ابن سعد، الطبري: التاريخ 3/209، مختصراً كلاهما من طريق الواقدي وهو متروك. وأورده ابن الجوزي: مناقب ص 61، 62.
وقال عبد الله بن إبراهيم1: وألقى الحصى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الناس إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نفضوا أيديهم، فأمر عمر بالحصى فجيىء به من العقيق2 فبُسِط3 في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم"4.
وعن مصعب بن سعد5: أن عمر رضي الله عنه أول من فرض الأعطية، فرض لأهل بدر من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم ستة آلاف، ستة آلاف، وفرض لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ففضل عليهن عائشة فرض لها اثني عشر ألفاً ولسائرهن عشرة آلف، عشرة آلاف، غير جويرية6، وصفيّة7 فرض لهما8 ستة آلاف، ستة آلاف، وفرض للمهاجرات الأول أسماء بنت عميس9 وأسماء بنت
1 إبراهيم بن عبد الله بن قارظ. وقيل: هو: عبد الله بن إبراهيم بن قارظ، وهم من زعم أنّهما اثنان، صدوق من الثالثة. (تهذيب التهذيب1/117، التقريب ص91) .
2 وادي العقيق من أشهر أودية الحجاز، يبتدئ من ذي الحليفة، وينتهي في الخليل، يحف به من الشرق: جبل عير، ومن الغرب: البيداء. انظرمعجم معالم الحجاز6/129.
3 بسطه: نشره. (القاموس ص 850) .
4 ابن سعد: الطبقات 3/284، ابن الجوزي: مناقب ص 63، وهو منقطع، وفي إسناده عليّ بن زيد، وهو ضعيف. وأورده عبد الله بنحوه في زيادته على فضائل الصحابة 1/325، وسيأتي عن غيره.
5 ابن أبي وقّاص الزهري، المدني، ثقة، توفي سنة ثلاث ومئة. (التقريب ص 533) .
6 جويرية بنت الحارث بن أبي ضِرار الخزاعية، أم المؤمنين، سَبَاها النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة المريسيع، ثم تزوجها وماتت سنة خمسين على الصحيح. (التقريب ص 745) .
7 صفية بنت حُييّ بن أخطب الإسرائيلية، أم المؤمنين، توفيت سنة ست وثلاثين، وقيل: في خلافة معاوية، وهو الصحيح. (التقريب ص 749) .
8 في الأصل: (لهمن) ، وهو تحريف.
9 الخثعمية.
أبي بكر الصديق1، وأم عبد الله بن مسعود ألفاً ألفاً2.
وعن عروة3، قال:"أول [من] 4 بطح مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: "ابطحوا من الوادي المبارك، يعني العقيق"5.
قال أبو عبد الله محمد بن سلامة في كتاب (عيون المعارف) : "هو أول من دون الدّواوين وذلك في سنة تسع عشرة، وقيل: سنة عشرين، وهو أول من أرخّ بعام6 الهجرة، وختم الكتب، وهو أول من دعي بأمير المؤمنين، وهو أول من ضرب بالدرّة وحملها، وهو الذي أخر المقام إلى موضعه الآن، وكان ملصّقاً بالبيت، وهو أول من جمع الناس على إمام، وهذا في قيام شهر رمضان"7.
وقال شارح العمدة: "فتح الله له الفتوح بالشام والعراق ومصر، ودون الدواوين في العطاء، ورتب الناس على سوابقهم فيه، وأرخّ التاريخ من الهجرة النبوية، وهو الذي نور شهر الصوم بصلاة التراويح، وأول من سمي / [35 / ب] بأمير المؤمنين وأول من اتخذ الدّرّة، وهو أول من
1 زوج الزبير بن العوام، من كبار الصحابة، توفيت سنة ثلاث وسبعين. (التقريب ص 743) .
2 ابن سعد: الطبقات 3/304، وهو منقطع، ابن الجوزي: مناقب ص 63.
3 ابن الزبير.
4 سقط من الأصل.
5 البيهقي: السنن 2/441، وقال:"كذا قال عروة وحديث ابن عمر متصل وإسناده لا بأس به"، وابن الجوزي: مناقب ص 63.
6 في الأصل: (لعام) .
7 محمّد بن سلامة: عيون المعارف 55/أ، حتى قوله:"وختم الكتاب"، فلعل المؤلف اطلع على نسخة غير التي بين يدي، وابن الملقن: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام ق 10/ ب.
جمع القرآن في المصحف"1.
فصل
ومما خصّ به في ولايته من الأحكام.
زيادة حد الشرب، فكان الحد أربعين فزاده ثمانين2.
ومن ذلك طلاق الثلاث بلفظ واحد، كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وصدراً من إمارته واحدة، ثم أمضاه ثلاثاً3.
ومن ذلك ترك القطع في عام المجاعة4.
واختلفت الرواية عن الإمام أحمد في حد الخمر هل هو أربعون أم ثمانون على روايتين؟ 5.
والصحيح من مذهبه وعليه أكثر أصحابه أنه ثمانون كما أقرّه عمر6.
وأما الطلاق الثلاث فعنده يقع ثلاثاً وعليه عامة أصحابه7.
1 ابن الملقن: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام ق 10 / ب.
2 انظر: البخاري: الصحيح، كتاب الحدود 6/2488، رقم: 6397، مسلم: الصّحيح، كتاب الحدود 3/1330، 1331، رقم:1706.
3 انظر: مسلم: الصّحيح، كتاب الطلاق 2/1099، رقم:1472.
4 انظر: عبد الرزاق: المصنف 10/242، ابن أبي شيبة: المصنف 10/27.
5 انظر: أبا يعلى: كتاب الروايتين والوجهين 2/340، ابن قدامة: المغني 12/498، ابن مفلح: الفروع 6/101، المرداوي: الإنصاف 10/288.
6 انظر: المحرر في الفقه 2/162، وابن مفلح: الفروع 6/101، الحجاوي: الإقناع ص 95، ابن النجار: منتهى الإرادات 2/476.
7 انظر: أبا يعلى: كتاب الروايتين والوجهين2/148، ابن قدامة: المغني10/334، المجد: المحرر في الفقه2/52، الحجاوي: الإقناع4/6، ابن النجار: منتهى الإرادات 2/264.
وخرج بعضهم رواية بوقوعه واحدة واختارها أبو العباس ابن تيمية1، وصاحبه شمس الدين ابن القيم2، وجمال الدين الإمام34.
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس: كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر: "إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم"5.
وفيه أيضاً عن طاووس أن أبا الصهباء6، قال لابن عباس:"ألم تعلم أَنَّ الثلاث كانت تجعل واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وثلاثاً من إمارة عمر"، فقال ابن عباس:"نعم"7.
وفيه عن أبي الصهباء أنه قال لابن عباس: "هات من هَنَاتِك8، ألم يكن الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر واحدة. ". فقال: "قد كان
1 شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم النميري.
2 الإمام المحقّق أبو عبد الله محمّد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي المشهور بـ: ابن قيّم الجوزية، صاحب المؤلفات النافعة: إعلام الموقعين، إغاثة اللهفان، زاد المعاد، توفي سنة 751هـ. (ذيل طبقات الحنابلة 2/447، البداية والنهاية 7/246) .
3 أحمد بن عبد الرحمن جمال الدين أبو محمّد البغدادي الحنبلي، قال ابن رجب: أقرأ بالمستنصرية وكان حريصاً على تعليم الخير ومات في المحرم سنة سبع وخمسين وسبع مئة. (الدرر الكامنة 1/175، المنتقى من معجم ابن رجب ص 35) .
4 انظر: أبا يعلى: الروايتين والوجهين 2/148، ابن تيمية: الفتاوى ج 33/71، 73، ابن القيم: زاد المعاد 5/247، 270، ابن مفلح: الفروع 5/372.
5 مسلم: الصّحيح، كتاب الطلاق 2/1099، رقم:1472.
6 مطموس في الأصل صوى: (الصهبـ) ، وهو صهيب البكري، البصري أو المدني، مقبول من الرابعة. (التقريب ص 278) .
7 مسلم: الصّحيح، كتاب الطلاق 2/1099، رقم:1472.
8 هَنَاتك: أخبارك وأمورك المستغربة. (شرح النووي على صحيح مسلم 10/72) .
ذلك فلما كان في عهد عمر تتايع1 الناس في الطلاق فأجازه عليهم"2.
وفي سنن أبي داود عن طاووس: أن رجلاً يقال: أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس قال: "أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها، جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وصدراً من إمارة عمر؟ ". قال ابن عباس: "بلى، كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدراً من إمارة عمر، فلما رأى الناس تتايعوا فيها قال: "أجيزوهن عليهم"3.
وأما القطع4 عام المجاعة فقال السعدي5، ثنا هارون بنإسماعيل6، ثنا عليّ بن المبارك7، ثنا يحيى بن أبي كثير8، حدّثني حسان ابن زاهر9، عن ابن حدير10، حدّثه
1 التتايع: التهافت في الشيء، والإسراع إليه. (لسان العرب 8/38) .
2 مسلم: الصّحيح، كتاب الطلاق 2/1099، رقم:1472.
3 أبو داود: السنن 2/261، وفي إسناده مجهول، قال الألباني:"ضعيف". (ضعيف سنن أبي داود ص 217) .
4 في الأصل: (ولما) ، وهو تحريف.
5 إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني، نزيل دمشق، ثقة حافظ رمي بالنصب، قال الخلال: "وعنده عن أبي عبد الله جزءان مسائل، توفي سنة تسع وخمسين ومئتين. (التقريب ص 95، المنهج الحمد 1/374، 375) .
6 هارون بن إسماعيل الخزاز، أبو الحسن البصري، ثقة، توفي سنة ست ومئتين. (التقريب ص 568) .
7 الهنائي، ثقة، من كبار السابعة. (التقريب ص 404) .
8 الطائي مولاهم، أبو نصر اليمامي، ثقة ثبت، لكنه يدلس ويرسل، توفي سنة اثنتين وثلاثين ومئة، وقيل قبل ذلك. (التقريب ص 596) .
9 حسان بن زاهر سمع عبد الله بن الصامت، وحصين بن حدير. (التاريخ الكبير3/33، الجرح 3/236، الثقات 6/223) .
10 حصين بن حدير، روى حسان بن زاهر. (التاريخ الكبير 3/4، الجرح 3/191، الثقات 4/157) .
عن عمر قال: "لا نقطع اليد في عذق ولا عام سنة"1.
قال السعدي: "سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال: "العذق: النخلة2، وعام سنة: المجاعة"3.
فقلت لأحمد: "تقول به؟ "، / [36 / أ] فقال:"إي لعمري"4. قلت: إن سرق في مجاعة لا تقطعه؟ "، فقال: "لا، إذا حملته الحاجة على ذلك، والناس في مجاعة وشدة"5.
قال السعدي: "وهذا على نحو قضية عمر في غلمان حاطب"6.
وقال: ثنا النّعمان بن عازب7: ثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن حاطب8، أن غلمة لحاطب بن أبي بلتعة سرقوا لرجل من
1 عبد الرزاق: المصنف 10/242، ابن أبي شيبة: المصنف 10/27، البخاري: التاريخ الكبير 3/4، ابن حبان: الثقات 4/157، وابن قدامة: المغني 12/462. فيه حسان بن زاهر، وحصين بن حدير، لم يوثقهما غير ابن حبان.
2 انظر: الفيروزآبادي: القاموس ص 1171.
3 انظر: ابن منظور: لسان العرب 13/501.
4 قال في معجم المناهي اللفظية ص 278: "كره كثير من العلماء أن يقول الإنسان: (لعمري) ، لأن معناه: وحياتي". النخعي، وابن حبيب وابن العربي.
قلت: والصواب: أنها ليست بقسم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قالها. انظر: سنن أبي داود2/265، والحديث صحّحه الألباني، (صحيح سنن أبي داود 2/656) .
وكذلك ثبت عن بعض الصحابة التلفظ بها منهم ابن عباس وعائشة. انظر: سنن ابن ماجه 2/944، 955، وصحّحه الألباين، (صحيح سنن ابن ماجه 2/88)، وانظر: سنن النسائي 5/98، 99، وصحّحه الألباني، (صحيح سنن النسائي 2/549) .
5 الخبر بنحوه في ابن قدامة: المغني 12/462، 463.
6 انظر: ابن قدامة: المغني 12/463.
7 لم أجد له ترجمة.
8 في المصنف: (عن عروة أن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، أخبره عن أبيه) . وفي رواية أخرى في المصنف وسنن البيهقي: (عن عروة عن يحيى بن عبد الرحمن وقفه عليه) .
مزينة فأتى بهم عمر فأقروا فأرسل إلى عبد الرحمن بن حاطب1 فجاء فقال له: "إن غلمان حاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة وأقروا على أنفسهم، فقال عمر: "يا كثير بن الصلت2، اذهب فاقطع أيديهم"، فلما ولى بهم ردهم عمر ثم قال: "أما والله لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى إن أحدهم لو أكل ما حرم الله عليه حل له لقطعت أيديهم، وأيم الله إذ لم أفعل لأغرمنك غرامة توجعك ثم قال: يا مزني بكم أريدت منك ناقتك"، قال: بأربع مئة"، قال:"اذهب فأعطه ثمان مئة"3.
قال بعض أصحابنا: "ذهب الإمام أحمد إلى موافقة عمر في الفعلين4 جميعاً"5.
وفي مسائل إسماعيل بن سعيد الشالنْجي6 التي شرحها السعدي بكتاب سماه: (المترجم) : سألت أحمد بن حنبل عن الرجل يحمل / [36/ب] 7 التمر من أكمامه فقال: "فيه التمر مرتين وضرب نكال، وقال: وكل من درأنا عنه الحد والقود، أضعفنا عليه الغرم"8.
1 ابن أبي بلتعة، له رؤية، وعدّوه في كبار ثقات التابعين، توفي سنة ثمان وستين. (التقريب ص 338) .
2 ابن معدي كرب الكندي، مدني، ثقة، من الثانية، ووهم من جعله صحابياً. (التقريب ص 459) .
3 عبد الرزاق: المصنف10/238، 239، وإسناده صحيح، والبيهقي: السنن 8/278) .
4 الفعلان هما: درء الحد وإضعاف الغرم.
5 انظر: ابن مفلح: الفروع 6/139، وانظر الرواية التي بعدها.
6 قال الخلال: "عنده مسائل كثيرة عند أحد رواها عنه إلا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، فإنه حدّث بها عن إسماعيل بن سعد". توفي سنة 230هـ، وقيل: سنة ست وأربعين ومئتين. (المنهج الأحمد 2/375، اللباب 2/176) .
7 ق36/ب فيها بياض من أصل المخطوطة، وليس ثمة نقص فالكلام متصل بالمخطوطة.
8 لم أجد هذه الرواية، لكن ورد نحوها من رواية ابن هاني. (الفروع 6/139) .
وقد وافق أحمد على سقوط القطع في المجاعة الأوزاعي12، وهذا محض القياس، ومقتضى قواعد الشرع فإن السنة إذا كان سنة مجاعة وشدة علت على الناس الحاجة والضرورة فلا يكاد يسلم السارق من ضرورة تدعوه إلى ما يسد به رمقه، ويجب على صاحب المال بذل ذلك له إما بالثمن أو مجاناً على الخلاف في ذلك، والصحيح وجوب بذله مجاناً لوجوب المساواة وإحياء النفوس مع القدرة على ذلك والإيثار بالفضل مع ضرورة المحتاج، وهذه شبهة قوية تدرؤ القطع، وهي أقوى من كثير من الشبه التي يذكرها كثير من الفقهاء، بل إذا وازنت بين هذه الشبهة وبين ما يذكرون ظهر التفاوت، فأين شبهة كون المسروق مما يسرع إليه الفساد3، وكون أصله على الإباحة4، وشبهة القطع به مرة، وشبهة دعوى ملكه بلا بينة5، وشبهة إتلافه في الحرز6 بأكل أو احتلاب من الضرع7، وغير ذلك من الشبه الضعيفة. والله أعلم. / [37 / أ] .
1 عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، الفقيه، ثقة جليل، توفي سنة سبع وخمسين ومئة. (التقريب ص 347) .
2 انظر: ابن قدامة: 12/463.
3 المصدر السّابق 12/424.
4 المصدر السّابق 12/424.
5 المصدر السّابق 12/434.
6 المصدر السّابق 12/426.
7 المصدر السّابق 12/436.