الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السادس والعشرون: انزعاجه لموت الرسول وإنكاره له
…
الباب السادس والعشرون: في ذكر انزعاجه لموت الرسول وإنكاره له
وعن ابن شهاب1 قال: "أخبرني أنس، قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى الناس فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطيباً في المسجد فقال: "لا أسمعن أحداً يقول: إن محمّداً قد مات، ولكنه أرسل إليه كما أرسل إلى موسى بن عمران فلبث عن قومه أربعين ليلة، والله إني لأرجو أن يقطع أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه قد مات"2.
وعن ابن شهاب قال "أخبرني أبو سلمة3 أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أن أبا بكر رضي الله عنه أقبل على فرس من مسكنه بالسّنْح4، حتى نزل فدخل [المسجد] 5، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة، فتيمّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُغَشىً6 بثوب حَبِرة فكشف عن وجهه ثم أكبّ ثم قال: "بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كُتبَتْ عليك فقد مُتَّها".
قال: وحدّثني أبو سلمة عن عبد الله بن عباس: أن أبا بكر خرج وعمر
1 محمّد بن مسلم الزهري.
2 ابن سعد: الطبقات 2/266، وإسناده صحيح.
3 أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، ثقة مكثر، توفي سنة أربع وتسعين أو أربع ومئة. (التقريب ص 645) .
4 السّنح: منازل بني الحارث بن الخزرج بعوالي المدينة، بينها وبين منزل النبي صلى الله عليه وسلم ميل. (معجم البلدان 3/265، ومعجم معالم الحجاز 4/243) .
5 سقط من الأصل.
6 مُغشىً: مُغطى. (لسان العرب 15/127) .
يكلم الناس، فقال:"اجلس يا عمر"، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أما بعد: فمن كان يعبد محمّداً، فإن محمّداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت، قال الله تعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلَبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] ، قال والله لكأن الناس ما علموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها منه الناس كلهم فما أسمع بشراً إلا يتلوها".
قال سعيد بن المسيب رحمه الله: "إن عمر قال: "والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقِرْت1 حتى ما تُقلُّني رجلاي، حتى هويت إلى الأرض"2.
وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد، فلم يُكلّم الناس حتى دخل على عائشة، فتيمّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُغشىً بثوب حبرة، فكشف عن وجهه ثم أكبّ عليه فقبّله وبكى، ثم قال:"بأبي وأمي أنت، والله لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متّها".
وعن ابن عباس: أنّ أبا أبكر خرج وعمر بن الخطاب يكلّم الناس، فقال:"اجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس، فأقبل الناس عليه تركوا عمر، فقال أبو بكر: "أما بعد: فمن كان يعبد محمّداً فإن محمّداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ
1 عقر: فجئه فلم يقدر أن يتقدم أو يتأخر، أو دُهش فهو عقير. (القاموس ص 570) .
2 البخاري: الصحيح، كتاب المغازي 4/1618، رقم:4187.
لا يموت، قال الله:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ} ، / [27/ب]{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} ، إلى قوله:{الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] ، وقال والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها عنه الناس كلهم فما أسمع بشراً من الناس إلا يتلوها.
قال الزهري1: "وأخبرني ابن المسيب: أن عمر قال: "ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعُقرت، حتى ما تُقلني رجلاي، وحتى هويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات"2.
وذكر أبو القاسم الأصفهاني في (سير السلف) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: "إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع بعد أن قيل: مات، والله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات".
قال: وأقبل أبو بكر حتى نزل [على] 3 باب المسجد حين بلغه الخبر وعمر يكلم الناس فلم يلتفت إلى شيء حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية البيت مسجى4 عليه ببردة حبرة، فأقبل حتى كشف عن وجهه ثم أكبّ عليه فقبّله، ثم قال: "بأبي أنت وأمي،
1 في الصحيح: (فأخبرني سعيد)، ولم يصرح باسم القائل. قال ابن حجر:"صرح عبد الرزاق عن معمر بأنه الزهري". (فتح الباري 8/146) .
2 البخاري: الصحيح، كتاب المغازي 4/1618، رقم:4187.
3 سقط من الأصل.
4 مسجى: مغطى. (لسان العرب 14/371) .
أما الموتة التي كتبها الله عليك فقد ذقتها، ثم لن يصيبك بعد موتة أبداً"، قال: ثم ردّ الثوب على وجهه، ثم خرج وعمر يكلّم الناس، فقال: "على رسلك يا عمر"، فأبى إلا أن1 يتكلم، فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس، فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "يا أيها الناس، إنه من كان يعبد محمّداً فإن محمّداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت، ثم تلا هذه الآية:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعَقَابِكُمْ} [آل عمران: 144] الآية.
قال: فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تلاها يومئذ أبو بكر: وأخذها الناس عن أبي بكر، فإنما هي في أفواههم، قال أبو هريرة: قال عمر: "والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر يتلوها فعقرت حتى وقعت على الأرض وما تحملني رجلاي، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات"2.
وقال في: (عيون التاريخ) 3، وغيره قال سعد4: "لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى الناس فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه / [28 / أ] في
1 في الأصل: (أن إلا) ، والمثبت من سير السلف.
2 أبو القاسم: سير السلف ص 115، 116، والحديث أخرجه ابن هشام: السيرة 25/655، 656، تحقيق السقا وزملائه، الطبري: التاريخ 3/200، كلاهما من طريق إسحاق وقد عنعن. إلا أن قول عمر ثبت من غير طريق ابن إسحاق، فقد رواه عبد الرزاق عن الزهري عن أنس. (المصنف 5/433)، وابن سعد من طريق الزهري وسند متصل. (ابن سعد: الطبقات 2/266) . وقول أبي بكر أخرجه البخاري: الصحيح، كتاب المغازي 4/1618.
3 عيون التاريخ لمحمّد بن شاكر الكتبي الدمشقي (ت 764هـ) مخطوط في ست مجلدات. (الزركلي: الأعلام 6/156) .
4 لعله ابن أبي وقاص.
المسجد خطيباً فقال: "لا أسمعن أحداً يقول: "إن محمّداً قد مات، ولكنه أرسل إليه كما أرسل إلى موسى بن عمران، فلبث في قومه أربعين ليلة، والله إني لأرجو أن يقطع أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه قد مات"1.
قال عكرمة2: "ما زال عمر يتكلم وهو يتوعد المنافقين حتى أزبد شدقاه3، وأقبل أبو بكر على فرس له من مسكنه بالسنح، حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة، فتيمّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغشى بثوب حبرة، فكشف عن وجهه ثم أكبّ عليه فقبّله وبكى، ثم قال: "بأبي أنت وأمي، طبت حيّاً وميتاً، والله لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي قد كُتبت عليك فقد متّها". وخرج وعمر يكلم الناس، فقال: "اجلس يا عمر"، فأبى عمر أن يجلس، فأقبل الناس إليه وتركوا عمر، فقال أبو بكر: أما بعد: فإن من كان يعبد محمّداً فإن محمّداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت، قال الله عزوجل: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} ، إلى قوله: {الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] . قال والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها منه الناس كلهم فما أسمع بشراً إلا يتلوها".
فأخبرني سعيد بن المسيب: أن عمر قال: "والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي حتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها"4.
1 هذه الرواية تقدمت بنصها من طريق أنس بن مالك ص 255، ولم أعثر عليها من طريق سعد.
2 مولى ابن عباس.
3 الشدق: بالكسر وبفتح: طفطفة الفم من باطن الخد من باطن الخدين. (القاموس ص1158) .
4 ابن سعد: الطبقات 2/266، حتى قوله:"أزيد شدقاه"، ثم قال:"فقال ابن العباس: "فلعل المؤلف انتقل بصره إلى الرواية التي بعدها، وهو منقطع لأن عكرمة لم يدرك أبا بكروعمر، لكنه ثبت من طرق أخرى تقدمت". ولم أجده كاملاً من طريق عكرمة.