المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثاني والعشرون: صلابته في دين الله وشدته - محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - جـ ١

[ابن المبرد]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌الدراسة

- ‌مقدمة النص المحقق

- ‌الباب الأول: مولده

- ‌الباب الثاني: نسبه

- ‌الباب الثالث: صفته وهيبته

- ‌الباب الرابع: ذكره في التوراة والإنجيل

- ‌الباب الخامس: ماتميز به في الجاهلية

- ‌الباب السادس: دعاء الرسول أن يعز الإسلام به

- ‌الباب السابع: وقوع الإسلام في قلبه

- ‌الباب الثامن: إسلامه وما وقع منه قبل إسلامه

- ‌الباب التاسع: السنة التي أسلم فيها وبعد كم أسلم

- ‌الباب العاشر: استبشار أهل السماء بإسلامه

- ‌الباب الحاي عشر: عز الإسلام بإسلامه وظهوره

- ‌الباب الثاني عشر: سبب تسميته بالفاروق

- ‌الباب الثالث عشر: ذكر هجرته إلى اللمدينة

- ‌الباب الرابع عشر: منزله في المدينة

- ‌الباب الخامس عشر: من أخي النبي بينه وبينه

- ‌الباب السادس عشر: نزول القرآن بموافقته

- ‌الباب السابع عشر: قول النبي صلى الله عليه وسلم في فضله في الصحيحين

- ‌الباب التاسع عشر: أحاديث اجتمع فيها فضله وفضل ابي بكر

- ‌الباب العشرون: معرفة فضلهما من السنة

- ‌الباب الحادي والعشرون: ذكر فضله على من بعده

- ‌الباب الثاني والعشرون: صلابته في دين الله وشدته

- ‌الباب الثالث والعشرون: إقدامه على أشياء من أوامر الرسول عليه السلام

- ‌الباب الرابع والعشرون: مصارعته الشيطان وخوف الشياطين منه

- ‌الباب الخامس والعشرون: هيبته وخوف الناس منه

- ‌الباب السادس والعشرون: انزعاجه لموت الرسول وإنكاره له

- ‌الباب السابع والعشرون: قيامه ببيعه أبي بكر ومجادلته عنه

- ‌الباب الثامن والعشرون: عهد أبي بكر إليه ووصيته إياه

- ‌الباب التاسع والعشرون: خلافته وقول الرسول فيها

- ‌الباب الثلاثون: إجتماعهم على تسميته بأمير المؤمنين

- ‌الباب الحادي والثلاثون: ماخص به ولايته مما لم يسبق إليه

- ‌الباب الثاني والثلاثون: إسمه وكنيته ولقبه

- ‌الباب الثالث والثلاثون: خضابه

- ‌الباب الرابع والثلاثون: خاتمه

- ‌الباب الخامس والثلاثون: دعاء الرسول له أن يخرج من صدره الغل

- ‌الباب السادس والثلاثون: أن الرسول بشره بالجنة

- ‌الباب السابع والثلاثون: جمعه الناس في التراويح على إمام

- ‌الباب الثامن والثلاثون: فطنته وذكائه وفراسته

- ‌الباب التاسع والثلاثون: إهتمامه برعيته وملاحظته لهم

- ‌الباب الأربعون: عسسه بالمدينه وما وقع له من ذلك

الفصل: ‌الباب الثاني والعشرون: صلابته في دين الله وشدته

‌الباب الثاني والعشرون: صلابته في دين الله وشدته

الباب الثاني والعشرون: في ذكر صلابته في دين الله وشدّته

في الصحيح عن عا ئشة: أن عمر دخل والحبشة يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"دعهم أمْناً بني أَرْفِدَة"، يعني: من الأمن1.

وفيه عن جابر أن عمر قال - لما قال عبد الله بن أبي: {لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} ، [المنافقون: 8] : "ألا تقتل يا نبي الله هذا الخبيث؟ "، لعبد الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يتحدّث الناس أنّه كان يقتل أصحابه"2.

وفيه عن أبي وائل3 قال: "كنا بصفِّين4، فقام سهل بن حني ف5 فقال: "يا أيها الناس! اتّهموا أنفسكم، فإنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ولو نرى قتالاً لقاتلنا، فجاء عمر بن الخطاب فقال:"يا رسول الله ألسنا على الحقّ وهم على الباطل؟ "، فقال:"بلى"، فقال:"أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ "، قال:"بلى"، قال:"فعَلامَ نُعطي الدنيَّة في ديننا؟، أنرجع ولم يحكمِ الله بيننا وبينهم؟ "، فقال: "يا ابن الخطاب، إني رسول الله ولن

1 البخاري: الصحيح، كتاب العيدين 1/335، رقم:944.

2 البخاري: الصحيح، كتاب المناقب 3/1296، رقم: 3330، مسلم: الصحيح، كتاب البر والصلة والآداب 4/1998، رقم:2548.

3 شقيق بن سلمة.

4 صفين: موضع بقرب الرق، على شاطئ الفرات من الجانب الغربي، بين الرقة وبالس، فيه كان واقعة صفين بين عليّ ومعاوية رضي الله عنهما سنة سبع وثلاثين في غرة صفر. (معجم البلدان 3/414، وانظر: أخبارها في تاريخ الإسلام - عهد الخلفاء - ص 577) .

5 الأنصاري الأوسي، من أهل بدر، توفي في خلافة عليّ. (التقريب ص 257) .

ص: 246

يضيِّعني الله أبداً"، فانطلق عمر إلى أبي بكر فقال له مثل ما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "إنه رسول الله ولن يضيّعه الله أبداً"، فنزلت سورة الفتح، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر إلى آخرها، قال عمر: "يا رسول الله أوفتح هو؟ "، قال: "نعم" 1.

وفي رواية، قال عمر:"فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ألستَ نبي الله حقاً؟ قال: "بلى"، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: "بلى"، قلت: فلمَ نُعطي الدَنيَّة في ديننا إذاً؟ قال: "إني رسول الله ولستُ أعصِيهِ وهو ناصري"، قلت: أوَليس كنت تحدّثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: "بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام؟ "، قال: قلت: لا. قال: "فإنك آتيه ومُطّوِّف به". قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقاً؟ قال: "بلى"، قلت: ألسنا على الحق وعدوّنا على الباطل؟ قال: "بلى"، قلت: فلِمَ نعطي الدنيّة في ديننا إذاً؟ قال: "أيها الرجل إنه رسول الله وليس يعصي ربّه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه2، فوالله إنه على الحق. "قلت: أليس كان يحدّثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ "، قال: "بلى، فأخبرك أنك تأتيه العام؟ "، قلت: لا. قال: "فإنك آتيه ومطوّف به". قال الزهري3: قال عمر: "فعملت لذلك أعمالاً"4.

وفي الصحيحين في حديث حاطب5 لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عليّاً والزبير

1 البخاري: الصحيح، كتاب الجزية 3/1162، رقم:3011.

2 الغرز: ركاب من جلد، والمراد: التمسك بأمره، وترك المخالفة له، كالذي يمسك بركاب الفارس فلا يفارقه. (انظر: القاموس ص 668، وفتح الباري 5/346) .

3 محمّد بن مسلم.

4 البخاري: الصحيح، كتاب الشروط 8/978، رقم: 2582، بأطول.

5 ابن أبي بلتعة اللخمي، شهد بدراً، وتوفي سنة ثلاثين في خلافة عثمان. (الإصابة 1/314) .

ص: 247

والمقداد فجاءوا بالكتاب من الضعينة1، قال عمر:"يا رسول الله دعني أضرب عُنقَ هذا المنافق"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعلّ الله أن يكون قد اطّلع على أهل بدر، فقال: "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"، فدمعت عينا عمر، وقال: "الله ورسوله أعلم"2.

وفي الصحيح عن ابن عمر: أن عمر انطلق في رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم قِِبلَ ابن صياد3 حتى وجده يلعب مع الغلمان عند أُطُم4 بني مَغَالَة5، وقد قارب ابن صياد يومئذ يحتلم، فلم يشعر بشيء حتى ضرب النبي ظهره بيده، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:"أتشهد أنّي رسول الله؟ "، فنظر ابن صياد فقال:"أشهد أنك رسول الأميين"، قال ابن صياد للنبي صلى الله عليه وسلم:"أتشهد أني رسول الله؟ "، قال له النبي صلى الله عليه وسلم:"آمنت بالله ورسله"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ماذا ترى؟ "، قال ابن صياد:"يأتيني صادق وكاذب"، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"خلط عليك الأمر"، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"قد خبأتُ لك خِبئاً"، / [22/ب]، قال ابن صياد:"هو الدُّخُّ"6. قال النبي

1 الضعينة: المرأة ما دامت في الهودج. (القاموس ص 1566) .

2 البخاري: الصحيح، كتاب المغازي 4/1463، رقم: 3762، مسلم: الصّحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1941، رقم:2494.

3 عبد الله بن صائد، وهو الذي يقال له: ابن صياد. كان أبوه من اليهود ولا يدرى من أي قبيلة هو، وهو الذي يقال: إنه الدجال. (الإصابة 5/136) .

4 الأطم: حصن مبنيّ بحجارة. (لسان العرب 12/19) .

5 بطن من الأنصار، وهم بنو عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، نسبوا لأمهم مغالة بنت فُهيرة بن بياضة. (جمهرة أنساب العرب ص 347، فتح الباري 3/220) .

6 خبأ له النبي صلى الله عليه وسلم رسوة الدخان، فلم يهتد ابن صياد منها إلا لهذا القدر الناقص على طريقة الكهنة. (انظر: فتح الباري 6/173) .

ص: 248

صلى الله عليه وسلم: "اخسأ1، فلن تعدو قدرك". قال عمر: "يا رسول الله ائذن لي فيه أضرب عنقه"، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن يكن هو فلن تسلط عليه، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله"2.

وفي الصحيحين3 عن البراء4 أن أبا سفيان5 أشرف يوم أحد6 فقال: "أفي القوم محمّد؟ "، فقال:"لا تجيبوه"، قال:"أفي القوم ابن أبي قحافة؟ "، قال:"لا تجيبوه"، قال:"أفي القوم ابن الخطاب؟ "، قال:"إن هؤلاء قتلوا"7.

وفي رواية8: "قتلوا9 كلهم فلو كانوا أحياء لأجابوا"، فلم يملك عمر نفسه، فقال:"كذبت يا عدوّ الله، أبقى الله لك ما يخزيك"10، 11.

وتقدم حديث الأسود12 في الباب السابع عشرة13.

1 اخسأ: اسكت صاغراً مطرودا مبعداً. (النهاية 2/31، فتح الباري 10/562) .

2 البخاري: الصحيح، كتاب الجهاد، 3/1112، رقم: 2889، 2890، مسلم: الصحيح، كتاب الفتن وأشراط الساعة 4/2246، رقم:2930.

3 لعله سهو من المؤلف، وإلا فالحديث لم يخرجه مسلم.

4 ابن عازب.

5 صخر بن حرب القرشي الأموي رأس المشركين يوم أحد والأحزاب، أسلم عام الفتح وشهد حنيناً والطائف. توفي سنة إحدى وثلاثين. (الإصابة 3/235) .

6 أحد: جبل يقع في شمال المدينة ويبعد عن المسجد النبوي خمسة كيلاً، ونصف الكيل، وبه سميت وقعة أحد. (معجم معالم الحجاز1/58-59، والسيرة الصحيحة2/378) .

7 البخاري: الصحيح، كتاب المغازي 4/1486، رقم: 3817 بأطول.

8 مطموس في الأصل سوى: (روا) .

9 في الأصل: (قتلا) ، وهو تحريف.

10 مطموس في الأصل سوى: (ما يخز) .

11 لم أجده.

12 ابن سريع.

13 في الأصل: (السادس) ، وهو تحريف. انظر ص 224، 226.

ص: 249

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أشد أمتي في الله عمر"1.

وروى ابن الجوزي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "حدّثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "أسر يوم بدر من المشركين سبعون رجلاً، واستشار النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعليّاً فقال أبو بكر:"يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن نأخذ منهم الفدية؛ فيكون ما أخذنا منهم قوّة على الكفار، وعسى أن يهديهم الله تعالى فيكونوا لنا عضُداً". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ترى ابن الخطاب؟ "، فقلت: "والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكني من فلان - قريب عمر - فأضرب عنقه، وتمكن عليّاً من عقيل2 فيضربَ عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليس في قلوبنا هَوَادةٌ للمشركين، هؤلاء صَنَاديدهم3، وأئمتهم وقادتهم.

فهَوِي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهوَ ما قلت، فأخذ منهم الفداء، فلما كان من الغد غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإذا هو قاعد وأبو بكر يبكيان، فقلت: يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاءً بكيتُ، وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أبكي للذي عرَض لأصحابك4 من الفداء، لقد عُرض عليّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة - لشجرة قريبة - وأنزل الله عزوجل:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} ، إلى قوله:{لَّوْلَا كِتَابٌ مِنَ الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} ، من

1 سبق تخريجه ص 227، 233.

2 ابن أبي طالب.

3 الصنديد: السيّد الشّجاع. (القاموس ص 375، 376) .

4 في المسند: (عَرَض علي) .

ص: 250

الفداء {عَذَابٌ عَظِيمٌ} ، [الأنفال: 67، 68] 1.

وعن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسر الأسارى يوم بدر استشار أبا بكر فقال: "قومك وعشيرتك فخل سبيلهم"، واستشار عمر فقال:"اقتلهم"، ففاداهم رسول الله فأنزل الله تعالى:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} ، [الأنفال: 67] ، فلقي النبي صلى الله عليه وسلم عمر فقال:"كاد يصيبنا في خلافك شرّ"2.

وفي الصحيح عن ابن عباس عن عمر قال: "والله إن كنّا في الجاهلية ما نعدّ للنساء أمراً حتى أنزل الله عزوجل فيهنّ ما أنزل وقسم لهن ما قسم، قال: فبينا3 أنا في أمر أتأمّره إذ قالت امرأتي: "لو صنعت كذا وكذا"، قال: فقلت لها: ما لك ههنا فيما تَكَلُّفُكِ4 في أمر أريده، فقالت لي: "عجباً لك يا ابن الخطاب ما تريد أن تراجعَ، وإن ابنتك لتراجعُ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان"، فقام عمر فأخذ رداءه مكانه حتى دخل حفصة، فقال لها: يا بنيّة إنك لتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان؟! فقالت حفصة: "والله إنا لنراجعه"، فقلت: تعلمين [أني] 5 أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله، يا بنيّة لا يغرنك هذه التي أعجبها حُسنها حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إيّاها، - يريد عائشة - قال: ثم خرجت حتى دخلت

1 ابن الجوزي: مناقب ص 42، والحديث سبق تخريجه ص 188.

2 الحاكم: المستدرك 2/329، وقال:"صحيح الإسناد، ولم يخرجاه". قال الذهبي: "على شرط مسلم". وأورده ابن الجوزي: مناقب ص 43.

3 مطموس في الأصل، سوى:(فبيـ) .

4 مطموس في الأصل سوى: (تكلفـ) .

5 مطموس في الأصل.

ص: 251

على أم سلمة1 لقرابتي منها فكلّمتها، فقالت أم سلمة:"عجباً لك يا ابن الخطاب، دخلت في كل شيء، حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أزواجه"، فأخذتني والله أخذاً كسرتني عن بعض ما كنت أجد، قال: فخرجت من عندها، وكان لي صاحب من الأنصار إذا غبت أتاني بالخبر، وإذا غاب كنتُ أنا آتيه بالخبر، ونحن نتخوف ملكاً من ملوك غسان، ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا، قد امتلأت صدورنا منه، فإذا صاحبي الأنصاري يدق الباب فقال:"افتح افتح"، فقلت: أجاء الغسّاني؟ فقال: "بل أشد من ذلك، اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه"، فقلت: أرغم الله أنف حفصة وعائشة، فأخذت ثوبي فأخرج حتى جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربة2 له يرقى عليها بعَجَلَة3، [وغلام] 4 لرسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس الدرجة، فقلت: قل هذا عمر بن الخطاب، فأذن لي، قال عمر: فقصصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث فلما بلغت حديث أم سلمة تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء، [وتحت رأسه] 5 / [23/أ] وسادةٌ من أدم حشوها ليف، وإن عند رجلي قَرَظاً6 مصبوراً7 أو قال:

1 هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية، أم المؤمنين، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أبي سلمة، توفيت سنة اثنتين وستين. (التقريب ص 754) .

2 المشربة: الغرفة العالية. (فتح الباري 5/116) .

3 عجل: هو أن ينقر الجذع ويُجعل فيه الدرج ليصعد فيه إلى الغرف وغيرها. (النهاية 3/186) .

4 مطموس في الأصل.

5 مطموس في الأصل.

6 مطموس في الأصل، سوى:(قر)، والقرظ: ورق السَّلَّم. (النهاية 4/43) .

7 مصبوراً، أي: مجموعاً قد جعل صُبره كصُبرة الطعام. (النهاية 3/9) . البخاري: الصحيح، مع الفتح 4/67، رقم:629.

ص: 252

مصبوباً، وعند رأسه أهُبٌ1 مُعَلَّقة، فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت، فقال:"ما يبكيك؟ "، فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال:"أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة"2.

1 الأهب: جمع إهاب، وهو الجلد. (النهاية 1/83) .

2 البخاري: الصحيح، كتاب التفسير 4/1866، رقم:4629.

ص: 253