المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب التاسع والثلاثون: إهتمامه برعيته وملاحظته لهم - محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - جـ ١

[ابن المبرد]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌الدراسة

- ‌مقدمة النص المحقق

- ‌الباب الأول: مولده

- ‌الباب الثاني: نسبه

- ‌الباب الثالث: صفته وهيبته

- ‌الباب الرابع: ذكره في التوراة والإنجيل

- ‌الباب الخامس: ماتميز به في الجاهلية

- ‌الباب السادس: دعاء الرسول أن يعز الإسلام به

- ‌الباب السابع: وقوع الإسلام في قلبه

- ‌الباب الثامن: إسلامه وما وقع منه قبل إسلامه

- ‌الباب التاسع: السنة التي أسلم فيها وبعد كم أسلم

- ‌الباب العاشر: استبشار أهل السماء بإسلامه

- ‌الباب الحاي عشر: عز الإسلام بإسلامه وظهوره

- ‌الباب الثاني عشر: سبب تسميته بالفاروق

- ‌الباب الثالث عشر: ذكر هجرته إلى اللمدينة

- ‌الباب الرابع عشر: منزله في المدينة

- ‌الباب الخامس عشر: من أخي النبي بينه وبينه

- ‌الباب السادس عشر: نزول القرآن بموافقته

- ‌الباب السابع عشر: قول النبي صلى الله عليه وسلم في فضله في الصحيحين

- ‌الباب التاسع عشر: أحاديث اجتمع فيها فضله وفضل ابي بكر

- ‌الباب العشرون: معرفة فضلهما من السنة

- ‌الباب الحادي والعشرون: ذكر فضله على من بعده

- ‌الباب الثاني والعشرون: صلابته في دين الله وشدته

- ‌الباب الثالث والعشرون: إقدامه على أشياء من أوامر الرسول عليه السلام

- ‌الباب الرابع والعشرون: مصارعته الشيطان وخوف الشياطين منه

- ‌الباب الخامس والعشرون: هيبته وخوف الناس منه

- ‌الباب السادس والعشرون: انزعاجه لموت الرسول وإنكاره له

- ‌الباب السابع والعشرون: قيامه ببيعه أبي بكر ومجادلته عنه

- ‌الباب الثامن والعشرون: عهد أبي بكر إليه ووصيته إياه

- ‌الباب التاسع والعشرون: خلافته وقول الرسول فيها

- ‌الباب الثلاثون: إجتماعهم على تسميته بأمير المؤمنين

- ‌الباب الحادي والثلاثون: ماخص به ولايته مما لم يسبق إليه

- ‌الباب الثاني والثلاثون: إسمه وكنيته ولقبه

- ‌الباب الثالث والثلاثون: خضابه

- ‌الباب الرابع والثلاثون: خاتمه

- ‌الباب الخامس والثلاثون: دعاء الرسول له أن يخرج من صدره الغل

- ‌الباب السادس والثلاثون: أن الرسول بشره بالجنة

- ‌الباب السابع والثلاثون: جمعه الناس في التراويح على إمام

- ‌الباب الثامن والثلاثون: فطنته وذكائه وفراسته

- ‌الباب التاسع والثلاثون: إهتمامه برعيته وملاحظته لهم

- ‌الباب الأربعون: عسسه بالمدينه وما وقع له من ذلك

الفصل: ‌الباب التاسع والثلاثون: إهتمامه برعيته وملاحظته لهم

‌الباب التاسع والثلاثون: إهتمامه برعيته وملاحظته لهم

الباب التاسع والثلاثون: في ذكر اهتمامه برعيته وملاحظته لهم

ذكر ابن الجوزي عن الشعبي قال: "سمع الناس قول عمر رضي الله عنه ورأوا عمله، وكان يمشي في الأسواق ويطوف في الطرقات، ويقضي بين الناس في قبائلهم، ويعلمهم في أماكنهم، ويخلف الغزاة في أهليهم، ذكروا أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بأبي بكر رضي الله عنه، وأبو بكر أعلم بعمر، فكان أبو بكر مع لينه أقواهم فيما لانوا عنه، وألينهم فيما ينبغي، وكان عمر ألينهم فيما ينبغي، وأقواهم على أمرهم"1.

وعن ابن شهاب2، قال:"قال ثعلبة بن أبي مالك3: "قسم عمر مروطاً4 بين نساء أهل المدينة، فبقي منها مرط جيد، فقال له بعض من حضر:"يا أمير المؤمنين أعط هذا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك"، يريدون أمّ كلثوم بنت عليّ5 رضي الله عنه، فقال:"أمّ سليط6 أحق به، فإنها ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت تزفِر7 للناس القِرَبَ يوم أحد"8.

1 ابن الجوزي: مناقب ص 66، 67، وهو منقطع.

2 محمّد بن مسلم.

3 القرظي، حليف الأنصار، المدني، مختلف في صحبته، وقال العجلي:"تابعي ثقة"(التقريب ص 134) .

4 المرط، بالكسر: كساء من صوف أو خزّ. (القاموس ص 887) .

5 الهاشمية، أمّها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. (الإصابة 8/275) .

6 الأنصارية، بايعت النبي صلى الله عليه وسلم وحضرت معه يوم أحد، وهي والدة أبي سعيد الخدري. (الإصابة 8/242) .

7 قال البخاري: " تخيط"، وفي لسان العرب 4/325:"تحمل".

8 البخاري: الصحيح، كتاب الجهاد 3/1056، رقم:2625.

ص: 354

وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: "خرجت مع عمر رضي الله عنه إلى السوق، فلحقته امرأة شابة، فقالت: "يا أمير المؤمنين هلك زوجي وترك صبية صغاراً، ما يُنضِجون كراعاً1، ولا لهم زرع ولا ضرع، وخشيت عليهم الضيع، وأنا ابن خفاف بن إيماء الغفاري2، وقد شهد أبي الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف معها ولم يمضِ، وقال:"مرحباً بنسب قريب"، ثم انصرف إلى بعير ظهيرٍ3 كان مربوطاً في الدار، فحمل عليه غرارتين4 ملأهما طعاماً، وجعل بينها نفقة وثياباً، ثم ناولها خطاماً، قال:"اقتاديه فلن يفنى هذا حتى يأتيكم الله بخير". فقال رجل: (يا أمير المؤمنين أكثرت لها؟ " فقال عمر: "ثكلتك أمّك، والله إني رأيت أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصناً زماناً فافتتحناه5 ثم أصبحنا نستقي سُهْمَانَهُما فيه".

وقولها: "الضيع"، بياء مثناة من تحت6، ووجدت بعضهمم ضبطها:(بباء) ، موحدة من تحت7.

وفي الصحيح: (ففتحاه)8.

1 أي: ليس عندهم كراع، حتى ينضجوه، والكراع: ما دون الكعب من الدواب. أو لا يكفون أنفسهم معالجة ما يأكلونه. (انظر: فتح الباري 7/446) .

2 إمام بني غفار وخطيبهم وشهد الحديبية، توفي في خلافة عمر. (الإصابة 2/138) .

3 بعير ظهير: أي قوي الظهر معد للحاجة. (فتح الباري 7/446، وانظر: لسان العرب 4/520) .

4 الغرارة: الجوالق واحدة الغرائر. (لسان العرب 5/18) .

5 رواية: (فافتتحناه)، لم أجدها. ولفظ الصحيح:(ففتحناه) .

6 أي: التلف والهلاك. (انظر: القاموس ص 959) .

7 الضّبع: السنة المجدبة. (القاموس ص 656) .

8 البخاري: الصحيح، كتاب المغازي 4/1527، رقم:3928.

ص: 355

وفي الصحيح عن عامر قال: "كان [ابن] 1 عمر إذا حيّا ابنَ جعفر2 قال: "السلام عليك يا ابن ذي الجناحين"3.

وذكر ابن الجوزي عن الأوزاعي: "أن عمر خرج في سواد الليل فرآه طلحة4 رضي الله عنه فذهب عمر فدخل بيتاً ثم دخل بيتاً آخر، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت فإذا بعجوز عمياء مقعدة، فقال لها ما بال هذا الرجل يأتيك؟ "، قالت:"إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا، يأتيني بما يصلحني، ويخرج عني الأذى". / [42 / أ] فقال طلحة: "ثكلتك أمك عثرات عمر تتبع"5.

وعن نافع عن ابن عمر قال: قدمت رفقة من التجار ونزلوا المصلى فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: "هل لك أن نحرسهم الليلة [من] 6 السَّرْقِ؟ "، فباتا يحرسانهم ويصليان ما كتب لهما، فسمع عمر بكاء صبي فتوجه نحوه، فقال لأمه:"اتقي الله وأحسني إلى صبيك"، ثم عاد إلى مكانه، فلما كان من آخر الليل سمع بكاءه، فأتى أمه فقال:"ويحك، إني لأراكِ أم سوء، مالي أري ابنك لا يقرّ منذ الليلة؟ "، قالت: "يا عبد الله قد أبرمتني منذ الليلة، إني

1 سقط من الأصل.

2 عبد الله بن جعفر الهاشمي، أحد الأجواد، له صحبة، توفي سنة ثمانين. (التقريب ص 298) .

3 البخاري: الصحيح، كتاب المغازي 4/1555، رقم:4016.

4 طلحة بن عبيد الله.

5 ابن الجوزي: مناقب ص 68، والحدائق ص 364، وأبو نعيم: الحلية 1/48، وهو ضعيف لإعضاله.

6 سقط من الأصل.

ص: 356

أريغه1 عن الفطام [فيأبى"، قال: "ولِمَ؟ "، قالت: "لأن عمر لا يفرِض إلا للفطمِ"، قال: "وكم له؟ "، قالت:] 2 "كذا وكذ شهراً"، قال:"ويحك لا تعجليه"، فصلى الفجر وما يستبين الناس قراءته من غلبة البكاء، لما سلم قال:"يا بؤساً لعمر كم قتل من أولاد المسلمين؟ "، ثم أمر منادياً فنادى:"أن لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام فإنا نفرض لكل مولود3 في الإسلام". وكتب بذلك إلى الآفاق، أن يفرض لكل مولود في الإسلام"4.

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "أن عمر خرج إلى الشام، حتى إذا كان بسرغ5 لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه رضي الله عنهم فأخبروه أن الوباء6 قد وقع بالشام، فاختلفوا، فقال بعضهم: "خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه"، وقال بعضهم: "معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء". قال: "ارتفعوا، ثم قال: ادع لي الأنصار"، فدعوتهم فاستشارهم، فسلكوا

1 أريغه عن الفطام: أديره عليه وأريده منه. (لسان العرب 8/431) .

2 سقط من الأصل.

3 في الأصل: (ملولولد) ، وهو تحريف.

4 ابن سعد: الطبقات3/301، أبو عبيد: الأموال ص248، ابن زنجوية: الأموال2/528، البلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان: أبو بكر وعمر) ص 240، محب الدين الطبري: الرياض النضرة 2/389، ابن الجوزي: مناقب ص 68، كلهم من طريق يحيى بن المتوكل المدني، وعبد الله بن نافع مولى ابن عمر وهما ضعيفان. (التقريب ص 326، 596) .

5 سرغ: قرية أوّل الشام، وآخر الحجاز، في وادي تبوك بينها وبين المدينة ثلاث عشرة مرحلة. (معجم البلدان 3/211) .

6 أي: الطاعون. (انظر: فتح الباري 10/178) .

ص: 357

سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال:"ارتفعوا، ثم قال: ادع من كان من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح"، فدعوتهم فلم يختلف عليّ منهم رجلان"، فقالوا: "نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء".

فنادى عمر بالناس: إني مُصَبِّحٌ على ظهر فأصبحوا [عليه] 1، فقال أبو عبيدة بن الجراح:"أفراراً من قدر الله تعالى؟ "، فقال عمر:"لو غيرك قالها يا أبا عبيدة!، نعم. نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل فهبطت وادياً له عدوتان، إحداهما خَصْبَةٌ والأخرى جَدْبَةٌ، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟، قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيباً2 في بعض حاجته فقال: "إن عندي في هذا علماً سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم3 به في أرض فلا تقدموا عليها، وإن وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه"، فحمد الله عمر ثم انصرف"4.

وفي الصحيحين عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء [قد وقع] 5 / [24 / ب] بأرض الشام، فقال ابن عباس قال عمر:"ادع لي المهاجرين الأوّلين"، فدعاهم، فاستشارهم، وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا فقال بعضهم: (قد خرجت لأمر لا نرى أن ترجع عنه"،

1 سقط من الأصل.

2 في الأصل: (مغبياً) ، وهو تحريف.

3 في الأصل: (سمعت) ، وهو تحريف.

4 تكرر هذا الحديث في هذا الموضع مرتين، وانظر تخريجه في الحديث الآتي بعده.

5 سقط من الأصل.

ص: 358

وقال بعضهم: "معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى أن تُقدمهم على هذا الوباء".

فقال: "ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم فاستشارهم، فسلكوا بسبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: "ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم فلم يختلف منهم عليه رجلان، فقالوا:"نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء".

فنادى في الناس: "إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه"، فقال أبو عبيدة:"أفراراً من قدر الله؟ "، قال عمر:"لو غيرك قالها يا أبا عبيدة!. نعم. من قدر الله إلى قدر الله، أريت لو كان لك إبل هبطت وادياً له عدوتان إحداهم خصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيباً في بعض حاجته، فقال: "إن عندي في هذا علماً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه". قال: فحمد الله عمر، ثم انصرف"1.

وفي الصحيح عن ابن عباس قال: "كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم: "لِمَ تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبْناء مثله؟، فقال: إنه ممن قد علمتم". قال: فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم، قال: وما رأيته دعاني يومئذٍ إلا ليُريَهم مني، فقال: ما تقولون في: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً} [النصر: 1-2] ، حتى ختم السّورة، فقال

1 البخاري: الصحيح، كتاب الطب 5/2163، رقم: 5397، مسلم: الصّحيح، كتاب السلام 4/170، رقم:2219.

ص: 359

بعضهم: "أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا". وقال بعضهم: "لا ندري"، ولم يقل شيئاً، فقال:"يا ابن عباس أكذاك تقول؟ "، قلت: لا. قال: "فما تقول؟ "، قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ} ، [النصر: 1] ، فتح مكة، فذاك علامة أجلك، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرُهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَاباً} [النصر: 3] . قال عمر: "ما أعلم منها إلا ما تعلم"1.

وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: "خرجنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى حرة واقم2 حتى إذا كنا بصرار3، إذا نار قال: "يا أسلم إني أرى ها هنا ركباً قصر بهم4، الليل والبرد، انطلق بنا". فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم، فإذا بامرأة معها صبيان صغار، وقدر منصوبة على نار، وصبيانها يتضاغون5، فقال عمر: "السلام عليكم يا أصحاب الضوء"، - وكره أن يقول: يا أصحاب النار - فقالت: "وعليكم السلام"، فقال: "أدنو؟ "، فقالت: "ادن بخير أو ادع"، فدنا منها، فقال: "ما بالكم؟ "، قالت: "قصر بنا الليل والبرد"، قال: "وما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ "، قالت: "الجوع"، قال: "وأي شيء في هذه القدر؟ "، قالت: "ماء أُسَكِّتهم به حتى يناموا، والله بيننا وبين عمر"، قال: "أي رحمك الله، وما يدري عمر بكم! "، قالت: "يتولى أمرنا ثم يغفل عنا"، قال: فأقبل علي،

1 البخاري: الصحيح، كتاب المغازي 4/1563، رقم:4043.

2 واقم: أطم من آطام المدينة، وحرة واقع مضافة إليه، وتعرف اليوم حرته بحرة المدينة الشرقية. (معجم البلدان 5/354، ومعجم معالم الحجاز 9/112) .

3 صرار: موضع على ثلاثة أميال من المدنية على طريق العراق. (معجم البلدان3/398، معجم معالم الحجاز 5/138) .

4 قصر به: أي: حسه. (لسان العرب 5/99) .

5 التضاغي: الصياح والبكاء. (لسان العرب 14/485) .

ص: 360

فقال: "انطلق بنا"، فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدقيق، فأخرج عدلاً1 من دقيق وكُبة2 من شحم، فقال:"احمله عليّ"، فقلت: أنا أحمله عنك، فقال:"أنت تحمل وزري يوم القيامة، لا أم لك! "، فحملته عليه، فانطلق وانطلقت معه إليها نهرول، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدقيق شيئاً، فجعل يقول لها:"ذُرّي عليّ، وأنا أحرّك لك"، وجعل ينفخ تحت القدر ثم أنزلها، فقال:"ابغني شيئاً"، فأتته بصحفة فأفرغها فيها، فجعل يقول لها:"أطعميهم، وأنا أسطّح3 لهم".

فلم يزل حتى شبعوا وترك عندها فضل ذلك، وقام وقمت معه، فجعلت تقول:"جزاك الله خيراً كنت بهذا الأمر أولى من أمير المؤمنين"، فيقُولُ:"قولي خيراً، وإذا جئت أمير المؤمنين وجدتيني هناك إن شاء الله". ثم تنحى ناحية عنها ثم استقبلها فربض مربضاً، فقلت: ألك شأن غير هذا؟ فلا يكلمني حتى رأيت الصبية يصطرعون ثم ناموا وهدءوا، فقال:"يا أسلم إن الجوع أسهرهم وأبكاهم، فأحببت أن لا أنصرف حتى أرى ما رأيت"4. / [43 / أ] .

1 العدل: نصف الحِمْل. (القاموس ص 1332) .

2 الكبّ: الشيء المجتمع من تراب وغيره. (لسان العرب 1/696) .

3 أسطّح لك: أي: أبْسطه حتى يبرد. (لسان العرب 2/448) .

4 أحمد: فضائل الصحابة 1/290، الطبري: التاريخ 4/205، كلاهما من طريق عبد الله بن مصعب بن ثابت الزبيري ذكره ابن حبان في الثقات، وكان مالك إذا ذكره قال:"المبارك"، قال أبو حاتم:"هو شيخ"، وقال الخطيب:"كان محموداً في ولايته جميل السيرة مع جلالة قدره وعظم شرف". وضعّفه ابن معين. (الجرح5/178، والثقات 7/56، تاريخ بغداد 10/173، الميزان 2/505) .

وربيعة بن عثمان الهدير، له أوهام. (التقريب ص 207) .

ص: 361

وعن [عبد الله بن] 1 زيد بن أسلم2 عن أبيه عن جده، قال:"كان عمر رضي الله عنه يصوم الدهر، فكان عام الرمادة3 إذا أمسى أتى بخبز قد ثرد بالزيت، إلى أن نحر يوماً من الأيام جزوراً، فأطعمها الناس، وغرفوا له طيبها، فَأُتِي به فإذا قدر من سنام ومن كبد، فقال: "أنى هذا؟ "، قالوا: "يا أمير المؤمنين من الجزور التي نحرنا اليوم"، قال: "بَخْ بَخْ، بئس الوالي أنا إن أكلت طيبها وأطعمت الناس كراديسها4، ارفع هذه الصحفة، هات لنا غير هذا الطعام"، فأتي بخبز وزيت، فجعل يكسره بيده ويثرد ذلك الزيت، ثم قال: "ويحك يا يرفأ5! احمل هذه الجفنة حتى تأتي بها أهل بيت بثمغ6، فإني لم آتهم منذ ثلاثة أيام، وأحْسبهم مقفرين، فضعها بين أيديهم"7وعن عوف بن الحارث8 عن أبيه9 قال: "إنما سمي عام الرمادة

1 سقط من الأصل.

2 العدوي: صدوق فيه لين، توفي سنة أربع وستين ومئة. (التقريب ص 304) .

3 عام الرمادة: الهلاك، وسمي عام الرمادة بهذا الاسم؛ لأن الناس هلكوا فيه كثيراً، وقيل: لجدب تتابع فصيّر الأرض والشجر مثل لون الرماد. والأوّل أجود. وكان سنة ثمان عشرة. (تاريخ خليفة ص 138، لسان العرب 3/186) .

4 في الأصل: (كراديشها)، وهو تصحيف. والكراديس: عظِام مَحال البعير. (لسان العرب 6/195) .

5 حاجب عمر، أدرك الجاهلية، وحج مع عمر في خلافة أبي بكر. (الإصابة 6/358) .

6 موضع مال لعمر وقفه بالمدينة. (معجم معالم الحجاز 2/88) .

7 ابن سعد: الطبقات 3/312، ومن طريقه البلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان: أبو بكر وعمر) ص 294، وفيه الواقدي، وأورده ابن الجوزي: مناقب ص 71، ومحب الدين الطبري: الرياض النضرة 2/385.

8 الأزدي، مقبول من الثالثة. (التقريب ص 433) .

9 الحارث بن الطُّفيل الأزدي.

ص: 362

لأن1 الأرض كلها صارت سوداء، فشبهت بالرماد وكانت تسعة أشهر"2.

قال ابن سعد3: "ونظر عمر عام الرمادة4 إلى بطيخة5 في يد بعض ولده فقال: "بَخْ بَخْ يا [ابن] 6 أمير المؤمنين، تأكل الفاكهة وأمة محمّد هزلى؟ "، فخرج الصبي هارباً وبكى، فقالوا: "اشتراها بكفنوى"7.

قال ابن سعد8: "قال عياض بن خليفة9: "رأيت عمر عام الرمادة10 وهو أسود اللون، ولقد كان رجلاً عربياً11 يأكل السمن واللبن فلما أمحل الناس حرّمها فأكل الزيت حتى غير لونه وجاع فأكثر"12.

وعن أسلم13 قال: "كنا نقول: لو لم يرفع الله تعالى المحل عام الرمادة لظننا أن عمر يموت همّاً بأمر المسلمين"14.

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال عام الرمادة وكانت سنة

1 في الأصل: (لأنها) ، وهو تحريف.

2 ابن سعد: الطبقات 3/310، وفيه الواقدي، ابن الجوزي: مناقب ص 71.

3 محمّد بن سعد.

4 في الأصل: (الرماد) ، وهو تحريف.

5 البطيخ: الذي لا يعلو ولكن يذهب على وجه الأرض. ابن الجوزي: مناقب ص 70.

6 سقط من الأصل.

7 ابن سعد: الطبقات 3/315، وفيه الواقدي، ابن الجوزي: مناقب ص 70.

8 في الأصل: (ابن مسعود) ، وهو تحريف.

9 عياض بن خليفة مقبول. (التقريب ص 437) .

10 في الأصل: (الرماد) ، وهو تحريف.

11 في الأصل: (أعرابياً) ، وهو تحريف.

12 ابن سعد: الطبقات 3/314، وفيه الواقدي، ابن الجوزي: مناقب ص 71.

13 العدوي.

14 ابن سعد: الطبقات 3/315، وفيه الواقدي، ابن الجوزي: مناقب ص 71.

ص: 363

شديدة ملحة1، وبعدما اجتهد في إمداد الأعراب بالإبل والقمح والزيت من الأرياف كلها حتى محلت2 الأرياف كلها جهدها ذلك [فقام] 3 عمر يدعو فقال:"اللهم ارزقهم على رؤوس الجبال"، فاستجاب الله له وللمسلمين، فقال حين نزلت الغيث:"الحمد لله، فوالله لو أن الله تعالى لم يفرجها ما تركت أهل بيت من المسلمين لهم سعة إلا أدخلت عليهم معهم عدادهم من الفقراء، فلم يكن اثنان يهلكان من الطعام على ما يقيم واحداً"4.

وعن ابن طاووس5 عن أبيه، قال:"أجدب الناس على عهد عمر فما أكل سميناً ولا سمناً حتى أكل الناس"6.

وعن يحيى بن سعيد7، قال:"اشترت امرأة عمر بن الخطاب لعمر فرْقاً8 من سمن بستين درهماً، فقال عمر: "ما هذا؟ "، فقالت امرأة: "هو من مالي ليس من نفقتك"، فقال عمر: "ما أنا بذائقه حتى يحيى الناس"9.

1 أي: باردة. (القاموس ص 310) .

2 في الأصل: (ثلجت) .

3 سقط من الأصل.

4 الخبر بأخصر، وبنحوه في ابن سعد: الطبقات 3/316، وإسناده صحيح، والبلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان: أبو بكر وعمر) ص 296، وأورده ابن الجوزي: مناقب ص 71.

5 عبد الله بن طاووس اليماني، ثقة فاضل عابد، توفي سنة اثنتين وثلاثين ومئة. (التقريب ص 308) .

6 ابن سعد: الطبقات 3/313، البلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان: أبو بكر وعمر) ص 296، ابن الجوزي: مناقب ص 71، وإسناده منقطع؛ لأن طاووس لم يدرك عمر، وفيه الواقدي.

7 الأنصاري.

8 الفرْق: مكيالٌ بالمدينة يسع ثلاثة آصع. (القاموس ص 1183) .

9 ابن الجوزي: مناقب ص 72، محب الدين: الرياض النضرة 1/386، وهو ضعيف لإعضاله.

ص: 364

وعن ابن أبي مليكة1 قال: قال أبو محذورة2: "كنت جالساً عند عمر إذ جاء صفوان بن أمية3 بجفنة4 يحملها نفر في عباءة، فوضعها / [43/ب] بين يدي عمر، فدعا عمر ناساً مساكين وأرقاء من أرقاء الناس حوله فأكلوا معه، قال عند ذلك: "فعل الله بقوم، أو قال: لحا الله قوماً يرغبون عن أرقائهم أن يأكلوا معهم"، فقال صفوان بن أمية: "أما والله لا نرغب عنهم! ولكنا نستأثر عليهم، ولا نجد من الطعام الطيب ما نأكل ونطعمهم"5.

وعن محمّد بن زياد6، قال:"كان جدي مولى لعثمان بن مظعون7 رحمه الله وكان يلي أرضاً لعثمان فيها بقل وقثاء، قال: "فربما أتاني عمر بن الخطاب نصف النهار، واضعاً ثوبه على رأسه يتعاهد الحمى8 أن يعضد شجره، ولا يخبط، قال: فيجلس إليّ فيحدّثني فأطعمه من القثاء والبقل، قال: فقال لي يوماً: "أراك لا تبرح مما هنا؟ "، قال: قلت: أجل، قال: "إني أستعملك على ما ههنا فمن رأيته يعضد

1 عبد الله بن عبيد الله التيمي.

2 أوس بن لوذان الجمحي المكي المؤذن، صحابي مشهور، توفي سنة تسع وخمسين، وقيل: بعد ذلك. (التقريب ص 671) .

3 صفوان بن أمية الجمحي، صحابي من المؤلفة، توفي أيام قتل عثمان، وقيل: في أوائل خلافة معاوية. (التقريب ص 276) .

4 الجفنة: القصعة. (القاموس ص 1531) .

5 ابن الجوزي: مناقب ص 72، والمحب الطبري: الرياض النضرة 1/386.

6 محمّد بن زياد الجمحي مولاهم، المدني، ثقة ثبت ربما أرسل من الثالثة. (التقريب ص 479) .

7 الجمحي.

8 الحِمَى: بالكسر والقصر: هو ما حماه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ثم زاده عمر وعثمان لنعم الصدقة، والخيل المعدة في سبيل الله، والأحمية هي حمى الربذة، وحمى ضربة، وحمى النقيع وغيرها. (معجم البلدان 2/307، ومعجم معالم الحجاز 3/53) .

ص: 365

شجرة، أو يخبط، فخذ فأسه". قال: قلت: آخذ رداءه؟، قال:"لا"1.

قلت: "في هذا الحديث جواز الأكل من الناظر والعبد والأجير ونحوهم، ولعله يستأذن صاحب الشيء، وكذا من الراعي، وفي ذلك قصة أبي بكر لما ارتحل هو والنبي صلى الله عليه وسلم"2.

وعن سعيد بن المسيب: أن عمر رضي الله عنه ردّ نسوة من البيداء خرجن محرمات في عدتهن34.

وعن الفضل بن عَميرة5: أن الأحنف بن قيس6 قدم على عمر ابن الخطاب في وفد من العراق فقدموا عليه في يوم شديد الحرّ، وهو محتجز بعباءة يهنأ بعيراً من إبل الصدقة، فقال:"يا أحنف ضع ثيابك، وهلم فأعن أمير المؤمنين على هذا البعير، فإنه من إبل الصدقة، فيه حقّ اليتيم والأرملة والمسكين، فقال رجل من القوم: "يغفر الله لك يا أمير المؤمنين، فهلا تأمر عبداً من عبيد الصدقة فيكفيك؟ "، فقال عمر: "وأي عبد هو أعبد مني ومن الأحنف! إنه من ولي أمر المسلمين يجب عليه لهم ما يجب على العبد لسيّده

1 البيهقي: السنن 5/200، وفيه محمّد بن زياد لم أجد له ترجمة. وابن الجوزي: مناقب ص 72، وانظر: ابن قدامة: المغني 5/192، والهندي: كنز العمال 3/920.

2 انظر: البخاري: الصحيح، كتاب المناقب 3/1323-1324، وفتح الباري 6/623.

3 قال ابن قدامة: "ولا تخرج إلى الحجّ في عدّة الوفاة، نص عليه حمد. قال: ولها أن تخرج إليه في عدة الطلاق المبتوت. وذلك لأن لزوم المنزل، والمبيت فيه، واجب في عدة الوفاة، وقدم على الحجّ؛ لأنه يفوت". المغني 5/35.

4 مالك: الموطّأ 315، ابن الجوزي: مناقب ص 72.

5 الطفاوي: أبو قتيبة البصري، فيه لين، من السادسة. (التقريب ص 446) .

6 التميمي السعدي أبو بحر، اسمه: الضحاك، مخضرم، ثقة، توفي سنة سبع وستين، وقيل: اثنتين وسبعين. (التقريب ص 96) .

ص: 366

في النصيحة وأداء الأمانة"1.

وعن زيد بن أسلم قال: أخبرني أبي قال: "كنا نبيت عند عمر أنا ويرفأ، قال: فكانت له ساعة من الليل يصليها وكان إذا استيقظ قرأ هذه الآية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132] ، الآية، حتى إذا كان ذات ليلة قام فصلى ثم انصرف، ثم قال: "قوما فصليا فوالله ما أستطيع أن أصلي ولا أستطيع أن أرقد، وإني لأفتتح السورة فما أدري في أوّلها أنا أم في آخرها"، قلنا: ولِمَ يا أمير المؤمنين؟، قال: "من همي بالناس مذ جاءني هذا الخبر"2.

وعن أبي عبيدة3 عن شعيب4 عن إبراهيم5، قال:"لما ولي عمر قال لعليّ رضي الله عنهما: / [44 / أ] "اقض بين الناس، وتجرد للحرب"6.

وعن حنش بن الحارث7، قال:"كان الرجل منا تنتج فرسه فينحره ويقول: [أنا] 8 أعيش حتى أركب هذا؟، فجاءنا كتاب عمر رضي الله عنه: "أن أصلحوا ما رزقكم الله، فإن في الأمر تنفيس"9.

1 ابن الجوزي: مناقب ص 73، وفيه الفضل بن عَميرة.

2 ابن الجوزي: مناقب ص 73.

3 عبد الواحد بن واصل السدوسي مولاهم، الحداد، البصري، ثقة تكلم فيه الأزدي بغير حجة. (التقريب ص 367) .

4 شعيب بن الحبْحاب الأزدي مولاهم، ثقة، توفي سنة إحدى وثلاثين ومئة. (التقريب ص 267) .

5 النخعي.

6 ابن الجوزي: مناقب ص 73، وهو ضعيف، لإرساله.

7 النخعي، الكوفي، لا بأس به، من السادسة. (التقريب ص 183) .

8 سقط من الأصل.

9 وكيع: الزهد 2/785، وإسناده حسن، ومن طريقه هناد: الزهد 2/655، والبخاري: الأدب المفرد ص 168، وأورده ابن الجوزي: مناقب ص 73، وصححه الألباني. (صحيح الأدب المفرد ص 180، 181) .

ص: 367

وعن [عبد الله] 1 بن عبيد بن عمير2، قال بينا الناس يأخذون أعطياتهم بين يدي عمر إذ رفع رأسه فنظر إلى رجل في وجهه ضربة فسأله، فأخبره: أنه أصابته في غزاة كان فيها، فقال:"عُدّوا له ألفاً"، فأعطي ألف درهم، ثم قال:"عدّوا له ألفاً"، فأعطي الرجل ألفاً أخرى، قال له ذلك أربع مرات كل ذلك يعطيه ألف درهم، فاستحيا الرجل من كثرة ما يعطيه فخرج، قال: فسأل عنه فقيل: له "رأينا أنه استحيا من كثرة ما أعطي فخرج"، فقال:"أم والله لو أنه مكث ما زلت أعطيه ما بقي منها درهم، رجل ضرب ضربة في سبيل الله حفرت في وجهه"3.

وعن [عبد الرحمن بن] 4 سعيد بن يربوع5 عن مالك6: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ أربع مئة دينار فجعلها في صرة، فقال للغلام:"اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح، ثم تَلَهَّ في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع"، فذهب بها الغلام، قال: يقول لك أمير المؤمنين: "اجعل هذه في بعض حاجتك"، فقال:"وصله الله ورحمه"، ثم قال:"تعالي يا جارية اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان"، حتى أنفذها، فرجع الغلام

1 سقط من الأصل.

2 عبد الله بن عبيد الليثي والمكي، ثقة من الثالثة، استشهد غازياً سنة ثلاث عشرة ومئة. (التقريب ص 312) .

3 ابن زنجويه: الأموال 2/570، 571، وإسناده ضعيف؛ لانقطاعه، وابن الجوزي: مناقب ص 74.

4 سقط من الأصل.

5 المخزومي، المدني، من الثالثة. (التقريب ص 341) .

6 مالك بن عياض مولى عمر، الذي يقال له: مالك الدار، يروي عن عمر، روى عنه أبو صالح السمان. (الثقات 5/384، الإصابة 6/164) .

ص: 368

إلى عمر وأخبره، فوجده قد عدّ مثلها لمعاذ بن جبل، فقال:"اذهب بها إلى معاذ بن جبل وتَلَهَّ في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع".

فذهب بها إليه فقال: "يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك"، فقال:"رحمه الله ووصله، تعالي يا جارية، اذهبي إلى بيت فلان بكذا واذهبي إلى بيت فلان بكذا"، فتطلعت1 امرأة معاذ فقالت:"ونحن والله مساكين فأعطنا"، ولم يبق في الخرقة شيء إلا ديناران فدحا2 بهما إليها، فرجع الغلام إلى عمر فأخبره، فسّر بذلك وقال:"إنهم إخوة بعضهم من بعض"3. رضوان الله عليهم.

وعن عدي بن حاتم، قال:"أتيت عمر بن الخطاب في أناس من قومي، فجعل يفرض للرجل من طيء في ألفين ويعرض عني، قال: فاستقبلته فأعرض عني، ثم أتيته في حيال وجهه فأعرض عني، فقلت يا أمير المؤمنين أتعرفني؟ فضحك حتى استلقى على قفاه، ثم قال: "نعم. والله إني لأعرفك، آمنت إذ كفروا، وأقبلت إذ أدبروا، ووفيتَ4 إذ غدروا، وإن أوّل صدقة بيضت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه أصحابه صدقة طيئ، جئت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم / [44 / ب] ، ثم أخذ يعتذر، ثم قال:"إنما فرضت لقوم أجحفت بهم الفاقة، وهم سادة عشائرهم لما ينوبهم من الحقوق"5.

1 في الحلية، الصفوة:(فاطلعت) ، وفي مناقب عمر (فانطلقت) .

2 دحا: رمى. (لسان العرب 14/252) .

3 أبو نعيم: الحلية 1/237، وفي إسناده نعيم بن حماد صدوق يخطئ كثيراً. (التقريب ص 564)، وابن الجوزي: الصفوة 1/491، والمناقب ص 74) .

4 في الأصل: (وأوفيت) .

5 أحمد: المسند 1/292، وصحّحه أحمد شاكر في تخريجه للمسند رقم: 316، مسلم: الصّحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1957، رقم: 2523، وذكره ابن حجر في الإصابة 4/229، وقال:"أخرجه أحمد وابن سعد وغيرهما، وبعضه في مسلم".

ص: 369

وعن الكلبي1 قال: "بينما عمر رضي الله عنه نائم في المسجد إذ قد وضع رداءه مملوءاً حصى تحت رأسه، إذا هاتف يهتف: يا عمراه، يا عمراه، فانتبه مذعوراً، فغدا إلى الصوت وإذا أعرابي ممسك بخطام بعير، والناس حوله فلما نظر إلى عمر قال الناس: "هذا أمير المؤمنين"، فقال عمر: "من آذاك؟ "، فظن أنه مظلوم، فأنشأ يقول: فذكر أبياتاً يشكو فيها الجدب، فوضع عمر يده على رأسه ثم صاح: "واعمراه، واعمراه، أتدرون ما يقول؟ يذكر جدباً وإسناتاً2 وابن أم عمر يشبع ويروي، والمسلمون في جدب وفي أزل3، من يوصل إليهم من الميرة والتمر ما يحتاجون إليه"، فوجه رجلين من الأنصار ومعهما إبل كثيرة عليها الميرة والتمر فدخلا اليمن فقسما ما كان معهما إلا فضيلة بقيت على بعير، قال: "بينا نحن ماران نريد الانصراف فإذا نحن برجل قائم وقد التفت ساقاه من الجوع يصلي فلما رآنا قطع، وقال:"هل معكما شيء فصببنا يديه وأخبرناه بخبر عمر، فقال: "والله لئن وكلنا إلى عمر لنهلكن"، ثم ترك ما بين يديه وعاد إلى الصلاة، ومد يديه في الدعاء، فما ردّهما إلى نحره حتى أرسل الله السماء"4.

وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: "أتى عمر بخبز وزيت فجعل يأكل منه ويمسح بطنه، ويقول: "والله لتموتن أيها البطن على الخبز

1 محمّد بن السائب الكلبي.

2 أسنتوا: أجدبوا (القاموس ص 197) .

3 الأزل: الضيق والشدة. (القاموس ص 1241) .

4 ابن الجوزي: مناقب ص 75، وهو ضعيف لإعضاله، وفيه الكلبي متهم بالكذب.

ص: 370

ما دام السمن يباع بالأواقي"1، 2.

وعن حيوة بن شريح3: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا بعث أمراء الجيوش أوصاهم بتقوى الله، ثم قال عند عقد الألوية:"بسم الله وعلى عون الله، امضوا بتأييد الله، والنصر ولزوم الحق والصبر، قاتلوا في سبيل الله من كفر بالله، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، ثم لا تجبنوا عند اللقاء، ولا تُمثلوا عند القدرة، ولا تسرفوا عند الظهور، وتنكلوا عند الجهاد، ولا تقتلوا امرأة ولا هرماً ولا وليداً، وتوقوا قتلهم [إذا] 4 التقى الجمعان، وعند حُمّة النّهْضات5، وفي شن الغارات، ولا تغلوا6 عند الغنائم، ونزهوا الجهاد عن عرض الدنيا، وأبشروا بالأرباح في البيع الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم"7.

وعن زيد بن وهب8 قال: "خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم إلى سوق المدينة، فجعل يقول: "واعمراه، والبيكاه"، فسألنا عن

1 الأوقية بالضم، سبعة مثاقيل. (القاموس ص 1731) .

2 عبد الله بن أحمد في زوائده على فضائل الصحابة لأحمد 1/330، وإسناده صحيح، وابن سعد: الطبقات 3/313، وابن أبي شيبية: تاريخ المدينة 2/217.

3 حيوةبن شريح الحضرمي، الحمصي، ثقة، توفي سنةأربع وعشرين ومئة. (التقريب ص185) .

4 سقط من الأصل.

5 حمةالنهضات: أي: شدتها ومعظمها، وحمةكل شيء: معظمه. (لسان العرب12/153) .

6 الغلول: الخيانة في المغنم والسرق من الغنيمة. (لسان العرب 11/500) .

7 ابن قتيبة: عيون الأخبار 1/107، 108، وابن الجوزي: مناقب ص 76، والهندي: كنز العمال 5/690، ونسبه لكتاب المداراة وهو ضعيف لإعضاله.

8 الجهني، الكوفي، مخضرم، وثقة جليل، توفي بعد الثمانين، وقيل: ست وتسعين. (التقريب ص 225) .

ص: 371

خبره فقيل: "إن [عاملاً] 1 من عماله أمر رجلاً / [45 / أ] أن ينزل في واد، ينظر كم عمقه، فقال الرجل: "إني أخاف، فعزم عليه فنزل، فلما خرج كَزَّ2 فمات، فنادى: يا عمراه، فبعث عمر إلى الوالي:"أما إني لولا أخاف أن تكون سنة بعدي لضربت عنقك، ولكن لا تبرح حتى تؤدي ديته، والله لا أوليك أبداً"3.

وعن عبد الرحمن بن محمّد4، 5 عن أبيه6 قال:"لما أتي عمر بفتح "تستر" قال: "هل كان شيء؟ "، قالوا: "نعم. رجل ارتد عن الإسلام"، قال: "فما صنعتم به؟ "، قالوا: "قتلناه"، قال: "فهلا أدخلتموه بيتاً وأغلقتم عليه، وأطعمتموه كل يوم رغيفاً فاستتبتموه فإن تاب وإلا قتلتموه"، ثم قال: "اللهم لم أشهد، ولم آمر، ولم أرض، ولم أُسرّ إذ بلغني"7.

وعن زيد بن أسلم عن أبيه أن أبا عبيدة بن الجراح كتب إلى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فذكر جموعاً من الروم وشدة، وكان يصلي من الليل ثم

1 في الأصل: (مل) ، وهو تحريف.

2 الكزازة: اليبس، والانقباض. (القاموس ص 672) .

3 ابن الجوزي: مناقب ص 76.

4 في الأصل: (محمّد بن عبد الرحمن عن أبيه) .

5 عبد الرحمن بن محمّد بن عبد الله بن عبدٍ القاري، يروي عن أبيه، روى عنه ابنه يعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني. (التاريخ الكبير 5/346، الثقات 7/86) .

6 محمد بن عبد الله بن عبد القادر، يروي عن أبيه عن عمر، روى عنه ابنه عبد الرحمن والزهري (التاريخ الكبير 1/ 126، والثقات 7/ 374) .

7 مالك: الموطّأ ص 405، الشافعي: المسند ص321، سعيد بن منصور: السنن2/225، البيهقي: السنن 8/306، وفي إسنادهم عبد الرحمن بن محمّد بن عبد الله، محمّد بن عبد الله بن عبدٍ، لم يوثّقهما غير ابن حبان.

ص: 372

يوقظني فيقول: "قم فصلّ فإني لأقوم فأصلي وأضطجع فما يأتيني النوم"، ثم يعود إلى الثنية فيستخبر1.

وعن زيد بن أسلم [عن أبيه] 2 قال: قلت: لعمر: "إن في الظهر لناقة عمياء"، قال عمر:"ندفعها إلى بيت ينتفعون بها"، قال: قلت: وكيف وهي3 عمياء؟، قال:"يقطرونها4 بالإبل"، قال: قلت: كيف تأكل من الأرض؟، قال:"أردتم والله كلها"، قال: وكانت له صفحات تتسع، ولا يأكل طريفة ولا فاكهة إلا جعل منها لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وآخر من يبعث إليه حفصة، فإن كان نقصان كان في حقّها، قال: فنحرنا تلك الجزور، فبعث إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وصنع ما فضل منه ثم دعا عليه المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم"5.

وعن سعيد بن المسيب أن بعيراً من المال سقط فأهدى عمر إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ثم صنع ما بقي وجمع عليه ناساً من المسلمين، فيهم العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم فقال العباس:"يا أمير المؤمنين، لو صنعت لنا مثل هذا كل يوم فأكلنا وتحدّثنا عندك"، فقال عمر: "لا عود6 لمثل هذا، إنه مضى صاحبان لي

1 ابن الجوزي: مناقب ص 77.

2 سقط من الأصل.

3 في الأصل: (هي) .

4 قطرها: قرب بعضها إلى بعض على نسق، وجاءت الإبل قِطاراً، بالكسر، أي: مقطورة. (القاموس ص 596) .

5 مالك: الموطّا ص 140، أحمد: الزهرد ص 166، من طريق مالك وإسناده صحيح، وابن عساكر: تاريخ دمشق ج13/139، ابن زنجويه: الأموال 2/562) .

6 في سير السلف: (لا أعود) .

ص: 373

فعملا عملاً وسلكا طريقاً، وإني إن عملت بغير عملهما سُلك بي غير طريقهما"1.

وعن أبي سهل بن مالك2 عن أبيه3: "أن عمر بن الخطاب قال ليرفأ: "كم تعلفون هذا الفرس؟ "، لفرس كان يرد عليه إبل الصدقة - قال: يرفأ: "ثلاثة أمداد وصاعاً"، قال عمر: "إن كان هذا لكاف أهل بيت من العرب، والذي نفسي بيده ليعالجن غور البقيع"4.

وعن عبد الملك بن عمير56 قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "من استعمل رجلاً لمودة أو لقرابة لا يستعمله إلا لذلك فقد خان الله ورسوله والمؤمنين"7.

وعن عمران بن سليم8 عن عمر بن الخطاب، قال: "من استعمل فاجراً

1 ابن سعد: الطبقات 3/288، وإسناده صحيح، وأورده ابن الجوزي: مناقب ص77، وأبو القاسم الأصبهاني: سير السلف ص 191.

2 نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، أبو سهيل المدني، ثقة، توفي بعد الأربعين ومئة. (التقريب ص 558) .

3 مالك بن أبي عامر الأصبحي، سمع من عمر، ثقة، توفي سنة أربع وسبعين على الصحيح. (التقريب ص 517) .

4 ابن الجوزي: مناقب ص 77، وبنحوه في أحمد: الزهد ص 115، من طريق آخر، وإسناده حسن فيه عبد الله بن عياش صدوق يغلط. (التقريب ص 317) .

5 في الأصل: (عميرة) ، وهو تحريف.

6 عبد الملك بن عمير اللخمي، حليف بني عدي، الكوفي، ثقة، فصيح عالم وربما دلس، توفي سنة ست وثلاثين ومئة. (التقريب ص 364) .

7 ابن الجوزي: مناقب ص 77، وهو ضعيف لانقطاعه.

8 الكلاعي قاضي حمص، روى عن يزيد بن ميسرة، روى عنه معاوية بن صالح وحَريز ابن عثمان، قال مكحول:"ما ترك بالشام قاضياً مثله". (الجرح 6/299، الثقات 5/219) .

ص: 374

وهو يعلم أنه فاجر، فهو مثله"1.

وعن أبي عِمران الجوني2، قال:"أهدى أبو موسى الأشعري إلى عمر هدية فيها سلاسل3 فاستفتح عمر سلة منها، وقال: "ردّه / [45/] رده لا تراه ولا تذوقه قريش، فتتذابح4 عليه"5.

وعن أنس بن مالك قال: "كنت عند عمر بن الخطاب فجاءته امرأة من الأنصار فقالت: "أكسني يا أمير المؤمنين"، فقال: "ما هذا أوان كسوتك"، قالت: "والله ما علي ثوب يواريني"، قال: فقام عمر فدخل خزانته فأخرج درْعاً6 قد خيط أبيض، وجيب7، وألقاه إليها، وقال: "هذا لبسي، وانظري8 خَلقَك فارقعيه وخيطه، والبسيه على برمتك وعملك فإنه لجديد لمن لا خَلِقَ له"9.

وعن عبيد بن عمير10: "أن عمر بن الخطاب رأى رجلاً يقطع من شجر الحرم ويعلفه بعيراً له، قال: "علي بالرجل"، فأتي به، قال: "يا عبد الله

1 وكيع: أخبارالقضاة1/69وهو ضعيف لانقطاعه، وأورده ابن الجوزي: مناقب ص77.

2 عبد الملك بن حبيب الأزدي، مشهور بكنيته ثقة، توفي سنة ثمان وعشرين ومئة. وقيل: بعدها. (التقريب ص 362) .

3 السلة: كالجؤنة المطبقة، والجمع سل وسلال. (لسان العرب 11/342) .

4 في الأصل: (فتذابح) .

5 ابن الجوزي: مناقب ص 78.

6 الدِرْع: قميص المرأة. (القاموس ص 923) .

7 في مناقب عمر: (وجاءت) .

8 في الأصل: (أونظري) ، وهو تحريف.

9 ابن الجوزي: مناقب ص 78.

10 الليثي.

ص: 375

إن مكة حرام، لا يعضد عضاها1، ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها إلا لمعرف". فقال:"يا أمير المؤمنين! ما حملني على ذلك إلا أن معي نضوغاً2 لي، خشيت أنه لا يبلغّني، وما معي زاد ولا نفقة". قال: "فرق له عمر بعد ما هم به، وأمر له ببعير من إبل الصدقة وبوقره طحيناً فأعطاه إياه، وقال: "لا تعود تقطع [من] شجر الحرم شيئاً"3.

وعن عبد الله بن المبارك4، قال: "اشترى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعراض المسلمين من الحطيئة5 بثلاثة آلاف درهم، فقال الحطيئة:

وأخذت أطراف6 الكلام فلم تدع

شتماً يضر ولا مديحاً ينفع

ومنعتني عرض7 البخيل فلم يخف

شتمي فأصبح آمناً لا يفزع8

وعن إسحاق بن إبراهيم9، قال: قال الفضيل بن عياض10 يوبخ نفسه: "ما

1 العضاهة؛ بالكسر: أعظم الشجر، أو الخمط، أو كل ذات شوك، أو ما عظم منها وطال. (القاموس ص 1613) .

2 النضوغ، بالكسر: المهزول من الإبل وغيرها. (القاموس ص 1726) .

3 ابن الجوزي: مناقب ص 78.

4 المروزي الحنظلي مولاهم، ثقة ثبت فقيه عالم جَواد مجاهد، توفي سنة إحدى وثمانين ومئة. (التقريب ص 320) .

5 جرول بن أوس العبسي الشاعر المشهور، أسلم ثم ارتد ثم أسلم، توفي بعد خلافة معاوية. (الشعر والشعراء ص 200، الإصابة 2/63) .

6 في الديوان: (أطرار)، قال ابن السكيت:"أطرارا: نواحيه، الواحدة طر".

7 في الديوان: (شتم) .

8 ديوان الحطيئة برواية ابن السكيت ص 278، والخبر في ابن الجوزي: مناقب ص 78، والأصبهاني: الأغاني 2/177، وهو ضعيف لإعضاله.

9 الحنظلي المروزي، ثقة حافظ مجتهد، قرين أحمد بن حنبل، توفي سنة ثمان وثلاثين ومئتين. (التقريب ص 99) .

10 التميمي، الزاهد المشهور، أصله من خراسان، وسكن مكة، ثقة عابد إمام، توفي سنة سبع وثمانين ومئة. (التقريب ص 448) .

ص: 376

ينبغي لك أن تتكلم بفمك كله، تدري من يتكلم بفمه كله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان يطعمهم حقوقهم ويزيدهم، وأعطى رجلاً عطاءه أربعة آلاف درهم وزاده ألفاً، فقيل له:"ألا تزيد ابنك كما زدت هذا؟ "، قال:"إن [أبا] 1 هذا ثبت يوم أحد ولم يثبت أبو هذا"2.

وعن ابن عمر، قال:"كان عمر يأتي مجزرة الزبير بن العوام بالبقيع - ولم يكن بالمدينة مجزرة غيرها - فيأتي معه بالدّرّة فإذا وجد رجلاً اشترى لحماً يومين متتابعين ضربه بالدرة، وقال: "ألا ألا طويت3 بطنك لجارك أو ابن عمك"4.

وعن ابن شهاب5، أن القاسم بن محمّد6 أخبره: أن رجلاً7 ضاف ناساً من هذيل فخرجت لهم جارية، واتبعها ذلك الرجل فأرادها عن نفسها فتعافسا8 في الرمل فرمته بحجر ففضت9 كبده، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال:"ذلك قتيل الله لا يؤدى أبداً"10.

1 سقط من الأصل.

2 ابن الجوزي: مناقب ص 79.

3 في الأصل: (الاطب) ، وهو تحريف.

4 ابن الجوزي: مناقب ص 79.

5 الزهري.

6 ابن أبي بكر الصديق.

7 مطموس في الأصل سوى: (رحا) .

8 العفس: الجذب إلى الأرض في ضغطٍ شديد، وتعافسا: تعالجوا في الصراع. (القاموس ص720) .

9 الفضض: كلّ ما نفضّ أي: تفرق وانقطع. (لسان العرب 7/208) .

10 عبد الرزاق: المصنف 9/135، ابن أبي شيبة: المصنف 9/372، وإسنادهما صحيح، البيهقي: السنن 8/337، مرسلاً وموصولاً، ابن الجوزي: مناقب ص 78، ابن قدامة: المغني 12/533) .

ص: 377

وعن عبد الله بن صالح1 قال: حدّثني الليث2، قال:"أتي عمر ابن الخطاب رضي الله عنه بفتى أمرد قد وجد قتيلاً ملقى على وجهه في الطريق، فسأل عمر عن أمره واجتهد فلم يقف على خبر، ولم يعرف له قاتل، فشق على عمر ذلك، وقال: "اللهم أظفرني بقاتله"، حتى إذا كان رأس3 الحول أو قريباً من ذلك، وجد صبياً مولوداً ملقى موضع القتيل فأتى به عمر، فقال: "ظفرت بدم القتيل إن شاء الله"، فدفع الصبي إلى امرأة / [46/أ] وقال: "قومي بشأنه، وخذي منا نفقته وانظري من يأخذه منك، فإذا وجدت امرأة تقبله وتضمه إلى صدرها فأعلميني بمكانها".

فلما شبّ الصبي جاءت جارية فقالت للمرأة: "إن سيدتي بعثتني إليك بالصبي لتراه وترده إليك"، قالت:"نعم اذهبي به إليها وأنا معك"، فذهبت بالصبي والمرأة معها حتى دخلت على سيدتها، فلما رأته أخذته فقبلته وضمته إليها، فإذا هي بنت شيخ من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرت عمر خبر المرأة. فاشتمل4 عمر على سيفه، ثم أقبل إلى منزلها فوجد أباها متكياً على باب داره، فقال:"يا أبا فلان ما فعلت ابنتك فلانة؟ "، قال:"يا أمير المؤمنين جزاها الله خيراً هي من أعرف الناس بحق الله تعالى، وحق أبيها مع حسن صلاتها وصيامها والقيام بدينها"، فقال عمر:"قد أحببت أن أدخل عليها فأزيدها رغبة في الخير وأحثها على ذلك"، فقال: "جزاك الله خيراً يا أمير المؤمنين، امكث مكانك حتى

1 الجهني، المصري، كاتب الليث، صدوق كثير الغلط، توفي سنة اثنتين وعشرين ومئتين. (التقريب ص 308) .

2 ابن سعد الفهمي ثقة ثبت إمام مشهور، توفي سنة خمس وسبعين ومئة. (التقريب ص 646) .

3 رأس الحول: أعلى السنة. (القاموس ص 705، 1278) .

4 اشتمل على سيفه: غطاه. (لسان العرب 11/369) .

ص: 378

أرجع إليك".

فاستأذن لعمر، فلما دخل أمر عمر بخروج كل من كان عندها فخرج عنها، وبقيت هي وعمر في البيت ليس معها أحد فكشف عمر عن السيف، وقال:"لتصدقيني"، وكان عمر لا يكذب، فقالت:"على رسلك يا أمير المؤمنين، فوالله لأصدقن، إن عجوزاً كانت تدخل عليّ فاتخذتها أمّاً وكانت تقوم في أمري بما تقوم به الوالدة، وكنت لها بمنزلة البنت، فأمضيت بذلك حيناً، ثم إنها قالت: "يا بنية إنه عرض لي سفر ولي بنت في موضع أتخوف عليها منه أن تضيع، وقد أحببت أن أضمها إليك حتى أرجع من سفري.

فعمدت إلى ابن لها شاب أمرد فهيأته كهيئة الجارية، وأتتني به لا أشك أنه جارية فكان يرى مني ما ترى الجارية من الجارية حتى اعتقلني يوماً وأنا نائمة فما شعرت حتى علاني وخالطني، فمددت يدي إلى شفرة كانت إلى جنبي فقتلته1، ثم أمرت به فألقي حيث رأيت، فاشتملت منه على هذا الصبي والغلام2، فلما وضعته، ألقيته في موضع أبيه، فهذا والله خبرهما، على ما أعلمته".

فقال: "صدقت بارك الله فيك، ثم أوصاها ووعظها ودعا لها، وخرج، وقال لأبيها: بارك الله في ابنتك، فنعم الابنة، وقد وعظتها وأمرتها"، فقال:"وصلك الله يا أمير المؤمنين، وجزاك خيراً عن رعيتك"3.

وعن أبي الزناد4، قال: قال عمر: "لو أدركت عفراء وعروة لجمعت بينهما"5.

1 في الأصل: (فقلته) ، وهو تحريف.

2 هكذا تكررت في الأصل.

3 ابن الجوزي: مناقب ص 80، وهو ضعيف لإعضاله.

4 عبد الله بن ذكوان القرشي.

5 ابن الجوزي: مناقب ص 81، وهو منقطع؛ لأن أبا الزناد لم يدرك عمر.

ص: 379

وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: "سمع عمر في جوف الليل غناء فأقبل نحوه، فسكت عنهم حتى إذا طلع الفجر، فقال: إيه الآن اسكتوا اذكروا الله تعالى"1.

[وعن عاصم بن عبيد الله2 عن عبد الله بن] 3 عامر4 بن ربيعة، قال:"سمع عمر صوت ابن المُغْترف - أو الغرف5 - الحادي في جوف الليل ونحن منطلقون إلى مكة، فأوضع6 عمر راحلته حتى دخل مع القوم، فإذا مع عبد الرحمن، فلما طلع الفجر، قال: "هيء7 اسكتِ الآن قد طلع الفجر، اذكروا الله تعالى"8.

وعن إسماعيل بن الحسن9، قال: قال عمر بن الخطاب: "إن قريشاً تريد أن تكون مغويات لمال الله تعالى دون عباد الله وأنا حي، فلا والله، ألا وإني

1 ابن الجوزي: مناقب ص 81.

2 عاصم بن عبيد الله بن عاصم العدوي، ضعيف توفي في أوّل دولة بني العباس سنة اثنتين وثلاثين ومئة. (التقريب ص 285) .

3 سقط من الأصل.

4 في الأصل: (عاصم) ، وهو تحريف.

5 قال ابن حزم: "ربا بن المعترف - بالعين - (واسم المعترف أهيب) ، الفهري، الذي غني غناء النصب إذ سمعه عمر رضي الله عنه. (جمهرة أنساب العرب ص 180) .

6 الإيضاع: أن يُعدي بعيره ويحمله على العدو الحثيث. (لسان العرب 8/399) .

7 هيء - بفتح وسكون الياء، وأخره همزة -: اسم الفعل وهو تنبه واستيقظ.

8 أحمد: المسند 3/132، وفي إسناده عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف، وضعّفه أحمد شاكر في تخريجه للمسند رقم:1668.

9 لعله العتواري، يروي عن ابن عمر، روى عنه أخوه يعقوب بن الحسن. (التقريب ص 4/19) .

ص: 380

آخذ حَلاقيم قريش1 عند باب الحرة2 أمنعهم من الوقوع في النار، ألا وأنى سننت [في] 3 الإسلام سن البعير، يكون حقاً4، ثم يكون ثنياً5، ثم يكون رباعياً6، ثم سديساً7، ثم يكون بازلاً8، ألا وإن الإسلام قد بزل فهل ينتظر من البازل إلا النقصان؟ "9.

وعن إسماعيل بن إسحاق10: مغويات بتسكين الغين، واللغويون يقولون: بتشديد الواو، معناه: مهلكات. وهو مأخوذ من المغواة، وهي المهلكة.

1 الحلقوم: الحلق، وحلاقيم البلاد: نواحينها. (لسان العرب 12/150) .

2 يقصد حرة المدينة، وكان يمنعهم من الخروج.

3 سقط من الأصل.

4 الحِق: من أولاد الإبل: الذي بلغ أن يركب ويُحمل عليه ويضرب. يعني: أن يضرب الناقة. (لسان العرب 10/54) .

5 الثني: الذي يلقي ثنيه، ويكون ذلك في الظلف والحافر في السنة الثالثة، وفي الخف في السادسة. (الصحاح 6/2295) .

6 الرّباعية: السن التي بين الثنية والناب، ويقال للذي يلقيها: رباع، وذلك إذا دخل في السنة السابعة. (القاموس ص 929) .

7 أسدس البعير: إذاألقىالسن بعدالرباعيةوذلك في السنة الثامنة. (لسان العرب6/105) .

8 بَزل البعير يبزل بزولاً، قطر نابه. أي: انشق فهو بازل. ذكراً كان أو أنثى، وذلك في السنة التاسعة. (الصحاح 4/1633، لسان العرب 11/52) .

9 ابن الجوزي: مناقب ص 81، وقد أورد القسم الأوّل منه حتى قوله:" مغويات لمال الله"، أبو عبيد: غريب الحديث 3/323، وابن الأثير 3/398، وابن منظور: لسان العرب 15/295، وقوله:" يكون حِقاً"، مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرجه أحمد في: المسند 3/463، 5/52.

10 الأزدي، مولاهم، البصري، القاضي، صاحب التصانيف، قال ابن مجاهد سمعت المُبرّد يقول:"إسماعيل القاضي أعلم مني بالتصريف"، توفي سنة اثنتين وثمانين ومئتين. (الديباج المذهب 1/282، سير أعلام النبلاء (13/339) .

ص: 381

والأصل فيها بئر تحفر ويعلق فيها جدي / [46 / ب] فإذا جاءها الذئب فيتدلى إلى الجدي اصطيد1، وهي كالزبية للأسد، لأن الزبية تجعل للأسد في مكان مرتفع، يقال: قد بلغ السيل الزبي، إذا علا وارتفع حتى يبلغ هذه الحفائر2.

عن ابن الأعرابي3، قال:"من حفرة مُغوّاة4 وقع فيها":

لا تحفرن بئراً تريد أخاً بها

فإنك فيه أنت من دونه تقع

كذاك الذي يبقى على الناس ظالماً

تُصبْه على رغم عواقب ما صنع5

وفي الصحيح عن عدي بن حاتم، قال:"أتيت عمر في وفد فجعل يدعوهم رجلاً رجلاً يسميهم، فقلت: أما تعرفني يا أمير المؤمنين؟ قال: "بلى، أسلمت إذ كفروا، وأقبلت إذ أدبروا، ووفيت إذ غدروا، وعرفت إذ أنكروا"، فقال عدي: فلا أبالي إذاً"6.

وذكر أبو القاسم الأصفهاني عن الربيع بن زياد الحارثي7، أنه وفد إلى

1 انظر: أبا عبيد: غريب الحديث 3/323، 324، ابن الأثير: النهاية 3/398، ابن منظور: لسان العرب 15/141.

2 انظر: ابن الأثير: النهاية 2/295، ابن منظور: لسان العرب 14/353، الميداني: مجمع الأمثال 1/158.

3 محمّد بن زياد الأعرابي مولى العباس بن محمّد الهاشمي، من علماء اللغة، توفي سنة إحدى وثلاثين ومئتين. (وفيات الأعيان 4/306، مقدمة كتابه البئر ص 7) .

4 انظر: الميداني: مجمع الأمثال 3/306، 307.

5 ابن الجوزي: مناقب ص 82.

6 مسلم: الصّحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1957، رقم: 2523، بأخصر ولم أجده في الصحيح بهذا اللفظ، فلعل المؤلف اطلع على نسخة أخرى.

انظر: ص 407، فقد سبق تخريجه.

7 البصري، مخضرم، ذكر صاحب الكمال أنه أبو فراس الذي روى عن عمر، ورد ذلك المزي. (التقريب ص 206) .

ص: 382

عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأعجبته هيئته ونحوه، فقال:"يا أمير المؤمنين! إن أحق الناس بطعام لين، ومركب لين، وملبس لين، لا أنت - وكان أكل طعاماً غليطاً - فرجع عمر جردية كانت معه فضرب بهارأسه، ثم قال: "أمَ والله ما أراك أردت1 بها الله، ما أردت بها إلا في مقاربتي، إن كنت لا أحسب أن فيك خيراً، ويحك هل تدري ما مثلي ومثل هؤلاء؟ ". قال: وما مثلك ومثلهم، قال:"مثل قوم سافروا فدفعوا نفقاتهم إلى رجل منه، فقالوا: أنفق علينا، فهل يحل له أن يستأثر منها بشيء؟ "، لا يا أمير الممؤمنين، قال:"فذلك مثلي ومثلهم".

ثم قال عمر رضي الله عنه: "إني لم أستعملهم عليكم أن يضربوا أبشاركم، ويشتموا أعراضكم، ويأكلوا أموالكم، ولكن استعملتهم ليعلموكم كتاب2 ربكم، وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم فمن ظلمه عامله بمظلمة فليعرفها إليّ حتى أقصه منه". فقال عمرو بن العاص: "يا أمير المؤمنين! أرأيت إن أدب أمير رجلاً أتقصه منه؟ "، فقال عمر:"ومالي لا أقص3 وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه؟ ". وكتب عمر رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد: "لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ولا تحرمونهم فتكفروهم، ولا تجمروهم4، فتفتنوهم، ولا تنزلوهم الغياض5 فتضيعوهم"6.

1 قوله: " ما أردت بها) ، تكررت في الأصل.

2 في الأصل: (كاب) ، وهو تحريف.

3 في الأصل: (لاقص) ، وهو تحريف.

4 تجمير الجيش: جمعهم في الثغور وحبسهم عن العود إلى أهليهم. (النهاية 1/292) .

5 الغياض: جمع غيضة، وهي: الشجر الملتف. (لسان العرب 7/202) .

6 ابن سعد: الطبقات 3/280، 281، وإسناده صحيح، وابن عساكر: تاريخ دمشق 13/ق 54، 55/أ، والمتقي الهندي: كنز العمال 13/634، إلى قوله:"فذلك مثلي ومثلهم"، ونسبه لابن سعد وابن راهوية، وابن عساكر.

ص: 383

وعن سعيد بن المسيب، قال:"لما ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أيها الناس إني والله قد علمت أنكم كنتم تؤنسون مني شدة وغلظاً، وذلك أني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت عبده وخادمه وجلوازه1، وكان كما قال الله تعالى:{رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] . وكنت بين يديه كالسيف المسلول، إلا أن يغمد، أو2 ينهاني عن أمر فأكف عنه، وإلا أقدمت على الناس لمكان النبي صلى الله عليه وسلم فلم أزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك حتى توفاه الله تعالى وهو عني راضٍ. والحمد لله على ذلك كثيراً وأنا به أسعد.

ثم قمت ذلك المقام مع أبي بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من علمتم في كرمه ودعته ولينه، وكنت خادمه وجلوازه، وكنت كالسيف المسلول بين يديه على الناس أخلط شدتي بلينه، إلا أن يتقدم إليّ فأكف، وإلا أقدمت، فلم أزل على ذلك [حتى توفّاه الله، وهو عني راضٍ، والحمد لله على ذلك] 3 كثيراً، وأنا أسعد به.

ثم جاء أمركم إليّ اليوم، فأنا أعلم أن سيقول قائل:"كان متشدداً علينا والأمر إلى غيره، فكيف به إذا صار الأمر إليه؟! "، اعلموا أنكم لا تسألون عني أحداً قد عرفتموني وجربتموني، وقد عرفت بحمد الله من سنة نبيكم ما عرفت، وما أصبحت نادماً على شيء أحبّ أن أسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد سألته، واعلموا4 أن شدتي التي كنتم

1 الجلواز: الثؤرور، وقيل: الشرطي. (لسان العرب 5/322) .

2 في الأصل: (وينهاني) .

3 سقط من الأصل.

4 في الأصل: (وقد علموا) .

ص: 384

ترون / [47 / ب] 1 ازدادت أضعافاً إذا كان الأمر على الظالم المعتدي والأخذ للمسلمين لضعيفهم من قويهم، وإني بعد شدتي تلك واضع خدي بالأرض لأهل العفاف وأهل الكفّ فيكم والتسليم وإني لست آبى إن كان بيني وبين أحد منكم شيء في أحكامكم2، أن أمشي معه إلى من3 أحبّ منكم فينظر فيما بيني وبينه، فاتقوا الله عباد الله، وأعينوني على أنفسكم بكفّها، وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحضاري النصيحة فيما ولاّني الله من أمركم".

قال سعيد4: "فوالله لقد وفَّى لله بما قال، وزاد في موضع الشدة على أهل الريب والظلم، والرفق بأهل الحقّ من كانوا"5.

وقال حصين بن عبد الرحمن6: "بلغني أن فتى من أهل المدينة كان يشهد الصلاة كلها مع عمر، وكان عمر يتفقده إذا غاب، فعشقته امرأة من أهل المدينة، فذكرت ذلك بعض نسائها، فقالت: "أنا أحتال لك في إدخاله عليك، فقعدت له في الطريق فلما مرّ بها قالت له: إني امرأة كبيرة السن

1 هذه الورقة وردت في مكانها الصحيح، وقد أوردت الترتيب الصحيح كما بدا لي. إذ الكلام متصل. ولعل المؤلف أضافها بعد كتابة ق 48 / أ.

2 في الأصل: (لا حكامكم) .

3 في الأصل: (أن حبيبة) .

4 ابن المسيب.

5 أبو القاسم: سير السلف ص 169، 170، وابن عساكر: تاريخ دمشق 13/ ق 88، 89، وفي إسناده عبد الله بن صالح، كاتب الليث، صدوق كثير الغلط، ويحيى ابن أيوب الغافقي صدوق ربما أخطأ. (التقريب رقم: 3388، 7511) .

6 السلمي، الكوفي، ثقة تغير حفظه في الآخرة، توفي سنة ست وثلاثين ومئة على الصحيح. (تهذيب التهذيب 2/328) .

ص: 385

ولي شاة لا أستطيع أن أحلبها، فلو دخلت فحلبتها لي". - وكانوا أرغب شيء في الخير -، فدخل فلم يرَ شاة، فقالت: "اجلس حتى آتيك بها"، فإذا المرأة قد طلعت عليه، فلما رأى ذلك عمد إلى محراب في البيت فقعد فيه، فأرادته عن نفسه فأبى، وقال: اتقي الله أيها المرأة"، فجعلت لا تكفّ عنه ولا تلتفت إلى قوله، فلما أبى عليها صاحت فجاءوا، فقالت:"إن هذا دخل عليّ يريدني عن نفسي"، فوثبوا عليه وجعلوا يضربونه، وأوثقوه، فلما صلى عمر الغداة فقده، فبينا هو كذلك إذ جاؤوا به في وثاق، فلما رآه عمر قال:"اللهم لا تخلف ظني به، قال: مالكم؟ "، قالوا: استغاثت امرأة بالليل فجئنا فوجدنا هذا الغلام عندها فضربناه وأوثقناه"، فقال له عمر: "أصدقني؟ "، فأخبره بالقصة على وجهها، فقال عمر: "أتعرف العجوز؟ "، فقال: "نعم، إن رأيتها عرفتها". فأرسل إلى نساء جيرانها وعجائزهن، فجاء بهن فعرضهن عليه فلم يعرفها فيهن حتى مرت به العجوز، فقال: "هذه يا أمير المؤمنين"، فرفع عليها الدّرّة، وقال: "أصدقيني؟ "، فقصت عليه القصة كما قصها الفتى، فقال عمر: "الحمد لله الذي جعل فينا شبيه يوسف"1. / [48 / أ] 2.

1 لم أعثر عليه في المصادر الأخرى، وهو منقطع.

2 هذه الورقة وردت في مكانها الصحيح، وقد أوردت الترتيب الصحيح كما بدا لي، فالكلام متصل وليس ثمة نقص في المخطوطة، ولعل المؤلف أضافها بعد كتابة ق 47/أ.

ص: 386