المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الأربعون: عسسه بالمدينه وما وقع له من ذلك - محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - جـ ١

[ابن المبرد]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌الدراسة

- ‌مقدمة النص المحقق

- ‌الباب الأول: مولده

- ‌الباب الثاني: نسبه

- ‌الباب الثالث: صفته وهيبته

- ‌الباب الرابع: ذكره في التوراة والإنجيل

- ‌الباب الخامس: ماتميز به في الجاهلية

- ‌الباب السادس: دعاء الرسول أن يعز الإسلام به

- ‌الباب السابع: وقوع الإسلام في قلبه

- ‌الباب الثامن: إسلامه وما وقع منه قبل إسلامه

- ‌الباب التاسع: السنة التي أسلم فيها وبعد كم أسلم

- ‌الباب العاشر: استبشار أهل السماء بإسلامه

- ‌الباب الحاي عشر: عز الإسلام بإسلامه وظهوره

- ‌الباب الثاني عشر: سبب تسميته بالفاروق

- ‌الباب الثالث عشر: ذكر هجرته إلى اللمدينة

- ‌الباب الرابع عشر: منزله في المدينة

- ‌الباب الخامس عشر: من أخي النبي بينه وبينه

- ‌الباب السادس عشر: نزول القرآن بموافقته

- ‌الباب السابع عشر: قول النبي صلى الله عليه وسلم في فضله في الصحيحين

- ‌الباب التاسع عشر: أحاديث اجتمع فيها فضله وفضل ابي بكر

- ‌الباب العشرون: معرفة فضلهما من السنة

- ‌الباب الحادي والعشرون: ذكر فضله على من بعده

- ‌الباب الثاني والعشرون: صلابته في دين الله وشدته

- ‌الباب الثالث والعشرون: إقدامه على أشياء من أوامر الرسول عليه السلام

- ‌الباب الرابع والعشرون: مصارعته الشيطان وخوف الشياطين منه

- ‌الباب الخامس والعشرون: هيبته وخوف الناس منه

- ‌الباب السادس والعشرون: انزعاجه لموت الرسول وإنكاره له

- ‌الباب السابع والعشرون: قيامه ببيعه أبي بكر ومجادلته عنه

- ‌الباب الثامن والعشرون: عهد أبي بكر إليه ووصيته إياه

- ‌الباب التاسع والعشرون: خلافته وقول الرسول فيها

- ‌الباب الثلاثون: إجتماعهم على تسميته بأمير المؤمنين

- ‌الباب الحادي والثلاثون: ماخص به ولايته مما لم يسبق إليه

- ‌الباب الثاني والثلاثون: إسمه وكنيته ولقبه

- ‌الباب الثالث والثلاثون: خضابه

- ‌الباب الرابع والثلاثون: خاتمه

- ‌الباب الخامس والثلاثون: دعاء الرسول له أن يخرج من صدره الغل

- ‌الباب السادس والثلاثون: أن الرسول بشره بالجنة

- ‌الباب السابع والثلاثون: جمعه الناس في التراويح على إمام

- ‌الباب الثامن والثلاثون: فطنته وذكائه وفراسته

- ‌الباب التاسع والثلاثون: إهتمامه برعيته وملاحظته لهم

- ‌الباب الأربعون: عسسه بالمدينه وما وقع له من ذلك

الفصل: ‌الباب الأربعون: عسسه بالمدينه وما وقع له من ذلك

‌الباب الأربعون: عسسه بالمدينه وما وقع له من ذلك

الباب الأربعون: في ذكر عسسه بالمدينة وما وقع له من ذلك

ذكر ابن الجوزي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "عسسنا مع عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ذات ليلة بالمدينة حتى انتهينا إلى خيمة فيها نويرة، تقد أحياناً وتطفأ أحياناً، وإذا فيها صوت حزين، قال: "أقيموا مكانكم"، ومضى حتى انتهى إلى الخيمة فسمع وفهمنا، وإذا عجوز تقول:

على محمّد صلاة الأبرار

صلى عليه المصطفون الأخيار

قد كنت قوّاماً بكن1 الأسحار

فليت شعري والمنايا أطوار

هل تجمعني وحبيبي الدار

فبكى عمر رضي الله عنه حتى ارتفع صوته، ومضى حتى انتهى إلى الخيمة، فقال:"السلام عليكم، السلام عليكم"، فأذنت له في الثالثة، فإذا عجوز، فقال لها عمر:"أعيدي عليّ قولك"، فأعادت عليه قولها بصوت حزين، فبكى عمر، ثم قال:"وعمر لا تنسيه رحمك الله"، فقالت:"وعمر فاغفر له إنك أنت الغفار"2.

وعن السائب بن جبير3 مولى ابن عباس رضي الله عنهما، وكان قد أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما زلت أسمع حديث عمر رضي الله عنه أنه

1 الكِنّ، بالكسر: وقاء كلّ شيء وستره. (القاموس ص 1584) .

2 ابن الجوزي: مناقب ص 82، 83، ابن مبارك ص 362، 363، ابن عساكر: تاريخ دمشق ج 13 / ق 113، المتقي الهندي: كنْز العمال 12/562، ونسبه لابن المبارك وابن عساكر. وهو منقطع.

3 لم أجد له ترجمة.

ص: 387

خرج ذات ليلة يطوف بالمدينة، وكان يفعل ذلك كثيراً، إذ مرّ بامرأة من نساء العرب مغلقة عليها بابها وهي تقول:

تطاول هذا الليل تسري كواكبه

وأرقني1 ألا ضجيع ألاعِبُه

ألاعبه طوراً وطوراً كأنما

بدا قمراً في ظلمة الليل حاجبه

يسر به من كان يلهو بقربه

لطيف الحشا لا تجتويه2 أقاربه

فوالله لولا الله لا شيء غيره

لنقض من هذا السرير جوانبه

ولكنني أخشى رقيباً موكلاً

بأنفسنا لا يفتُر الدهر كاتبه

ثم تنفست الصعداء3، وقالت: لهان على عمر بن الخطاب وحشتي وغيبة زوجي عني". وعمر واقف يسمع قولها، فقال عمر: "يرحمك الله"، ثم وجه إليها بكسوة ونفقة وكتب في أن يقدم عليها زوجها4.

وعن الشعبي قال: "بينا عمر يعس ذات ليلة إذ مرّ بامرأة جالسة على سرير وقد أجافت الباب وهي تقول:

تطاول5هذا الليل واخضل6جانبه

وأرقني أن لا خليل ألاعبه

فوالله لولا الله لا شيء غيره

لحرّك من هذا السرير جوانبه

فقال عمر رضي الله عنه: "أَوْهُ"7، ثم خرج فضرب الباب على

1 الأرَق: السهر، وقد أرِقت، بالكسر، أي: سهرت. (لسان العرب 10/4) .

2 اجتواه: كرهه. (القاموس ص 1641) .

3 الصّعداء: المشقة، كالصعدود وكالبُرحاء: تنفس طويل. (القاموس ص 373) .

4 ابن الجوزي: مناقب ص 83، ابن كثير: التفسير 1/394، وفيه السائب بن جبير لم أعثر له على ترجمة، وابن إسحاق عنعن، وهو مدلس.

5 في الأصل: (تطال) ، وهو تحريف.

6 أخْضَلَ الليل: أظلم. (القاموس ص 1283) .

7 أوْهُ: كلمة تقال عند الشّكاية أو التوجع. (القاموس ص 1604) .

ص: 388

حفصة رضي الله عنها فقالت: "يا أمير المؤمنين، ما جاء بك في هذه الساعة؟ "، فقال: أيّ بينة كم تحتاج المرأة إلى زوجها؟ "، قالت: "في ستة أشهر"، فكان لا يغزي جيشاً له أكثر من ستة أشهر"1.

وذكر هذه الحكاية ابن القيم2 وغيره: وهي أنه بينا هو يعس ذات ليلة سمع امرأة تقول: / [47 / أ]3.

تطاول هذا الليل واخضل جانبه

وأرقني أن لا خليل ألاعبه

فوالله لولا الله لا شيء غيره

لحرّك من هذا السرير جوانبه

مخافة ربي والحياء يكفني

وأكرم بعلي أن تنال مراكبه

فقال: "أواه، وقال: لولا أنها افتتحت الكلام بالخوف وختمته4 بالخوف لأوجعتها ضرباً"، ثم دق عليها الباب، فقالت:"من يدق امرأة مغيبة؟ "، فقال:"افتحي"، فقالت:"أما والله لو علم بك أمير المؤمنين لأوجعك ضرباً"، فقال:"افتحي، أنا أمير المؤمنين"، قالت:"كذبت"، فرفع لها صوته، فلما عرفته فتحت له فقال:"لمن تذكرين؟ "، قالت:"زوجي وجهه أمير المؤمنين في غزاة كذا وكذا"، فذهب فدخل على حفصة فقال:"أي بنيه كم صبر المرأة عن زوجها؟ "، قالت:"تصبر الشهر، والشهرين والثلاثة5 في أربعة ينفذ الصبر".

1 ابن الجوزي: مناقب ص 83، 84، وهو منقطع.

2 أبو عبد الله شمس الدين محمّد بن أبي بكر الزرعي، ابن قيم الجوزية.

3 هذه الورقة وردت في مكانها الصحيح، وقد أوردت الترتيب الصحيح كما بدا لي.

4 في الأصل: (وختمه) ، وهو تحريف.

5 في الأصل: (الثلاث) ، وهو تحريف.

ص: 389

وفي رواية: "أكثر ما تصبر ستة أشهر"، فجعل ذلك أجلاً"1.

قلت: لهذا المعنى - والله أعلم - جعلت مدة العدة أربعة أشهر وعشراً2، وجعلت مدة الغيبة التي يجب على الرجل القدوم فيها إلى زوجته إذا طلبته ويفسخ النكاح لغيبته أربعة أشهر3.

وعن أحمد رواية أخرى: ستة أشهر، وجعلت مدة الإيلاء أربعة أشهر، وما أشبه ذلك4.

وعن أسلم5 قال: "بينا أنا مع عمر بن الخطاب، وهو يعس بالمدينة إذ عيي، فاتكأ على جانب جدار جوف الليل، وإذا امرأة تقول لابنتها: "يا بنتاه، قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه6 بالماء"، قالت: "يا أماه أو ما7 علمت بما كان من عزمة أمير المؤمنين؟ "، قالت: "وما كان من عزمته يا بنية؟ "، قالت: "إنه أمر مناديه فنادى: لا يشاب اللبن بالماء"، فقالت لها: "يا بنية قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء

1 ابن القيم: روضة المحبين ص378، والخبر بنحوه في سعيد بن منصور: السنن2/174، وهو منقطع وفيه عطاف بن خالد صدوق يهم. مالك: الموطّأ كما في تفسير ابن كثير 1/394، وهو منقطع، ومن طريقه البيهقي: السنن 9/29، موصولاً، وإسناده صحيح. ابن قدامة: المغني 10/240، السبكي في: طبقات الشافعية 1/284، وقال:"ليس في شيء من الكتب الستة".

2 المقصود في عدة المتوفى عنها غير ذات الحمل.

3 انظر: ابن قدامة: المغني 10/223، 250، الحجاوي: الإقناع 3/241، ابن النجار: منتهى الإرادات 2/345، المجد: المحرر 2/105.

4 انظر: ابن قدامة: المغني 10/240، 11/9، ابن مفلح: الفروع 5/478، الحجاوي: الإقناع 3/241، المجد: المحرر 2/41، 87، ابن النجار: منتهى الإرادات 2/228، 317.

5 العدوي مولى عمر.

6 المذيق: كأمير: اللبن الممزوج بالماء. (القاموس ص 1191) .

7 في الأصل: (وما) .

ص: 390

فإنك بموضع لا يراك عمر ولا منادي عمر"، فقالت الصبية: "والله ما كنت لأطيعه في الملا وأعصيه في الخلا"، وعمر يسمع كل ذلك.

فقال: "يا أسلم اعلم الباب واعرف الموضع. ثم مضى في عسسه، فلما أصبح قال: "يا أسلم امض إلى الموضع فانظر من القائلة ومن المقول لها، وهل لهم بعل؟ "، فأتيت الموضع فنظرت فإذا الجارية أيم لا بعل لها، وإذا تيك أمها وإذا ليس لها رجل، فأتيت عمر فأخبرته، فدعى ولده فجمعهم، فقال: "هل فيكم من يحتاج إلى امرأة فأزوجه؟ "، ولو كان بأبيكم حركة إلى النساء ما سبقه منكم أحد إلى هذه الجارية".

فقال عبد الله: "لي زوجة". وقال عبد الرحمن: "لي زوجة"، وقال عاصم1:"يا أبتاه لا زوجة لي، فزوجني". فبعث إلى الجارية فزوجها من عاصم فولدت له بنتاً، وولدت البنت بنتاً، وولدت البنت عمر بن عبد العزيز، - رحمه الله تعالى -"2.

قال بعضهم: هكذا وقع في رواية، وهو غلط، وإنما الصواب: فولدت لعاصم بنتاً، وولدت البنت عمر بن عبد العزيز رحمه الله -3.

وعن أنس بن مالك، قال:"بينا عمر رضي الله عنه يعس بالمدينة / [48 / ب] إذ مرّ برحبة4 من رحابها فإذا هو بيت من شعر لم يكن بالأمس، فدنا منه فسمع أنين امرأة، ورأى رجلاً قاعداً فدنا منه فسلم عليه، ثم قال: "من الرجل؟ "، فقال: "رجل من أهل البادية جئت إلى أمير المؤمنين أصيب فضله"، فقال: "ما هذا الصوت الذي أسمعه في البيت؟ "، قال: "انطلق يرحمك

1 ابن عمر العدوي، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم توفي سنة سبعين، وقيل: بعدها. (التقريب ص 286) .

2 ابن عبد الحكم: سيرة عمر ص 22، 23، الآجري: أخبار عمر ص 48، 49، ابن الجوزي: مناقب ص 5، ومناقب عمر بن الخطاب ص 84.

3 ابن الجوزي: مناقب ص 84، وانظر: ابن سعد: الطبقات 5/331.

4 الرّحبة: ما اتسع من الأرض، وجمعها: رُحَب. (لسان العرب 1/414) .

ص: 391

الله لحاجتك"، قال: "على ذاك ما هو؟ "، قال: "امرأة تمخض"، قال: "عندها أحد؟ "، قال: فانطلق حتى أتي منزله، فقال لامرأته أم كلثوم بنت عليّ رضي الله عنها: "هل لك في أجر ساقه الله إليك؟ "، قالت: "ما هو؟ "، قال: امرأة غريبة تمخض ليس عندها أحد. قالت: "نعم. إن شئت".

قال: "فخذي معك ما يصلح المرأة لولادتها من الخرق والدهن، وجيئيني ببرمَة1 وشحم وحبوب"، قال: فجات به، فقال:"انطلقي"، وحمل البرمة، ومشت خلفه حتى انتهى إلى البيت، فقال لها:"ادخلي إلى المرأة"، وجاء حتى قعد إلى الرجل فقال له:"أوقد لي ناراً"، ففعل، فأوقد تحت البُرمة حتى أنضجها، وولدت المرأة، فقالت امرأة:"يا أمير المؤمنين، بشّر صاحبك بغلام"، فلما سمع يا أمير المؤمين كأنه هابه فجعل يتنحى عنه، فقال له:"مكانك كما أنت"، فحمل البُرمة فوضعتها على الباب، ثم قال:"اشبعيها"، ففعلت، ثم أخرجت البرمة فوضعتها على الباب، فقام عمر رضي الله عنه فأخذها فوضعها بين يدي الرجل، وقال:"كُلْ وكُلْ قد سهرت من الليل"، ففعل ثم قال لامرأته:"اخرجي، وقال للرجل، إذا كان غداً فاتنا نأمر لك بما يصلحك"، ففعل الرجل فأجاره وأعطاه"2.

وعن عبد الله بن بريدة الأسلمي، قال: "بينما عمر بن الخطاب يعس ذات ليلة فإذا امرأة تقول:

هل من سبيل إلى خمر فأشربها

أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج3

1 البرمة - بالضم - قدر من حجارة. (القاموس ص 1394) .

2 ابن الجوزي: مناقب ص 85، والتبصرة 1/427، 428.

3 ابن علاط السلمي. (الإصابة 3/260) .

ص: 392

فلما أصبح سأل عنه فإذا هو من بني سُليم، فأرسل إليه فإذا هو أحسن النّاس شعراً وأصبحهم وجهاً، فأمر عمر أن يُطمّ1 شعره ففعل، فخرجت جبهته فازداد حسناً، فأمره عمر أن يعتَمّ ففعل، فازداد حسناً، فقال عمر:"لا والذي نفسي بيده لا يجامعني بأرض أنا بها، فأمر له بما يصلحه وسيّره إلى البصرة"2.

وروي أن عمر رضي الله عنه بينما هو ذات ليلة يطوف في سكة من سكاك3 المدينة، سمع امرأة وهي تهتف من خِدرها4 وتقول:

هل من سبيل إلى خمر فأشربها

أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج

إلى فتىً ماجد الأعراق مُقتبلٍ

سهلِ المُحيّا كريم غير مِلجاج5

فقال عمر: "لا أرى معي في المصر رجلاً تهتف به العواتق6 في خدورهن، عليّ بنصر بن حجاج فأتي به، فإذا هو أحسن الناس وجهاً وأحسنهم شعراً، فقال: عليّ بالحجام فجزّ شعره فخرجت / [49 / أ]

1 في الأصل: (يضم)، وهو تحريف. وطمّ شعره: أي: جزّه، وطم شعره أيضاً طوماً إذا عقصه. (الصحاح 5/1976، لسان العرب 12/370) .

2 ابن سعد: الطبقات 3/285، البلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان: أبو بكر وعمر) ص 211، 212، ابن شبه: تاريخ المدينة 2/762، ابن الجوزي: مناقب ص 85، ابن حجر: الإصابة 6/260، وقال:"أخرجه ابن سعد والخرائطي بسند صحيح عن عبد الله بن بريدة". وهو منقطع لأن عبد الله بن بريد لم يدرك عمر.

3 السكة: أوسع من الزقاق، سميت بذلك لاصطفاف الدور فيها على التشبيه بالسّكة من النخل. (لسان العرب 10/441) .

4 الخِدر - بالكسر -: سترٌ يمدّ للجارية في ناحية البيت. (القاموس ص 490) .

5 اللجاج واللجاجة: الخصومة. (القاموس ص 260) .

6 العاتق: الجارية التي قد أدركت وبلغت فخُدّرت في بيت أهلها ولم تتزوج. (لسان العرب 10/235) .

ص: 393

وجنتان1 كأنهما شقتا قمر، فقال: اعتم فاعتم فافتتن الناس، فقال عمر: والله لا تساكني في بلد أنا فيه"، قال: "ولِمَ ذلك يا أمير المؤمنين؟ "، قال: "هو ما قلت لك"، فسيّره إلى البصرة وخشيت المرأة التي سمع عمر أن يبدر لها بشيء، فدست إليه أبياتاً تقول فيها:

قل للإمام الذي تُخشى بوادرُهُ

ما لي وللخمر أو نصر بن حجاج

إني غنيت أبا حفص بغيرهما

شرب الحليب وطرف فاتر ساج2

إن الهوى زمّه3 التقوى فقيده

حتى أقرّ بإلجام4 وإسرج5

لا تجعل الظنّ حقاً لا تبيّنه

إن السبيل سبيل الخائف الراجي

فبعث إليها عمر رضي الله عنه: "قد بلغني عنك خيراً، وإني لا أخرجه من أجلك، ولكن بلغني أنه يدخل على النساء فلست آمنهن، وبكى عمر وقال: الحمد الذي قيد الهوى بإلجام وإسراج"، ثم إن عمر كتب إلى عامله بالبصرة كتاباً فمكث الرسول عنده أياماً ثم نادى منادياً6: ألا إن بريد المسلمين يريد [أن] 7 يخرج فمن كانت له حاجة فليكتب.

فكتب نصر بن حجاج كتاباً ودسه في الكتب:

"بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله عمر أمير المؤمنين، سلام عليك، أما بعد:

1 الوجنة: ما ارتفع من الخدين للشدق والمحجر. (لسان العرب 13/443) .

2 طرف فاتر: فيه فتور وسُجُوّ ليس بحادّ النظر. (لسان العرب 5/44) .

3 زمّه: شده. (القاموس ص 1444) .

4 اللجام: حبلٌ أو عصاً تُدخل في فم الدابة وتُلزق إلى قفاه. (لسان العرب12/534) .

5 السّرج: رحل الدابة. (لسان العرب 2/297) .

6 في المناقب: (مناديه) .

7 سقط من الأصل.

ص: 394

لعمري1 لئن سيّرتني وفضحتني

وما نلته مني عليك حرام

فأصحبت منفياً على غير ريبة

وقد كان لي بالمكّتين مقام

أإن غنت الذلفاء يوماً بمنية

وبعض أمانيّ النساء غرام

ظننت بي الظن الذي ليس بعده

بقاءٌ فما لي في النّديّ كلام

ويمنعني مما تظن تكرّمي

وآباء صدق سالفون كرام

ويمنعها مما تظن صلاتُها

وحالٌ لها في قومِها وصيام

فهذان حالانا فهل أنت راجعي

فقد جُبّ منّي كاهل2 وسنام3

قال عمر: "أما ولي سلطان فلا"، فما رجع إلى المدنية إلا بعد وفاة عمر رضي الله عنه، - ويقال: إن المتمنية هي أم الحجاج4 - وطال مكث نصر بالبصرة، فخرجت أمه يوماً بين الأذان والإقامة معترضة، فإذا عمر قد خرج في إزار ورداء وبيده الدرة فقالت: "يا أمير المؤمنين، والله لأقفن أنا وأنت بين يدي الله عزوجل وليحاسبك الله تعالى، يبيت عبد الله إلى جنبك وعاصم، وبيني وبين ابنِي الجبال والفيافي5 والأودية، فقال عمر: إن بنيّ لم

1 انظر: ص 365، 425.

2 الكاهل: مقدم أعلى الظهر مما يلي العُنق وهو الثلث الأعلى فيه ست فِقَر. (لسان العرب 11/601، القاموس ص 1363) .

3 سنام البعير والناقة: أعلى ظهرها. (لسان العرب 12/306) .

4 الحجاج بن يوسف بن الحكم الثقفي ولاه عبد الملك الحجاز ثلاث سنين، ثم ولاه العراق فمكث عشرين سنة والياً عليها، فأصلحها وذلّل أهلها، وكان ظلوماً جباراً ناصبياً، سفاكاً للدماء، توفي سنة خمس وتسعين. (المعارف ص 395، سير أعلام النبلاء (4/343) .

5 الفيف: المفازة التي لا ماء فيها مع الاستواء والسّعة، وإذا أنثت فهي الفيفاة، وجمعها الفيافي. (لسان العرب 9/274، القاموس ص 1089) .

ص: 395

تهتف بهما العواتق في خدورهن"1.

وعن عبد الله بن بريدة: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج يعس المدينة فإذا هو بنسوة يتحدثن فإذا هن يقلن: "أي أهل المدينة أصبح؟ "، فقالت امرأة منهن / [49 / ب] : أبو ذئب2 فلما أصبح سأل عنه، فإذا هو من بني سليم، فأرسل إليه فإذا هو من أصبح الناس فلما نظر عمر إليه، قال: "أنت والله ذئبهن3 مرتين أو ثلاثاً، ولا والذي نفسي بيده لا تجامعني بأرض أنا بها"، قال له: "إن كنت لا بد مسيّري فسيّرني حيث سيّرت ابن عمي". فأمر له بما يصلح وسيّره البصرة"4.

وعن أبي سعيد5 قال: "كان عمر رضي الله عنه يعس في المسجد بعد العشاء الآخرة، فلا يدع أحداً إلا أخرجه إلا رجل قائماً يصلي، فمرّ ذات ليلة على نفر جلوس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من أنتم؟ "، فقال أبي: "نفر من أهلك، يا أمير المؤمنين"، قال: "ما خلفكم بعد الصلاة؟ "، قال أبي: "إنا جلسنا لنذكر الله عزوجل"، قال: "فجلس معهم، ثم قال لأدناهم منه رجلاً: خذ، قال: فدعا ثم استقرأهم رجلاً رجلاً يدعون حتى انتهى إليّ، وأني جانبه، فقال لي:"ادع"، فحصرت وأخذتني الرّعدة - أفكل6 - حتى جعل يجد مسجد الأمير ذلك، فقال: "لو

1 ابن قتيبة: عيون الأخبار 4/23، والأنطاكي: تزيين الأسواق ص 180، والسبكي: طبقات الشافعية 1/280، 281.

2 في الأصل: (أبو درين) ، وهو تحريف.

3 في الأصل: (درنهن)، وفي المناقب:(دينهن) ، وهو تحريف.

4 ابن سعد: الطبقات 3/285، وإسناده حسن، لكن عبد الله بن بريدة لم يدرك عمر، البلاذري: وأنساب الأشراف (الشيخان: أبو بكر وعمر) ص 212، ابن الجوزي: مناقب ص 88.

5 مولى أبي أسيد يروي عن جماعة من الصحابة، روى عنه أبو نضرة، وثقه الهيثمي. (انظر: ابن سعد: الطبقات 7/128، والثقات لابن حبان 5/588، ومجمع الزوائد 7/229) .

6 في الطبقات: (من الرعدة أفْكَل)، وفي القاموس ص 1349:"الأفكل: كأحمد: الرعدة".

ص: 396

أنك تقول: "اللهم اغفر لنا اللهم ارحمنا"، قال: ثم أخذ عمر يدعو، فما كان في القوم أكثر دمعة ولا أشد بكاء منه، ثم قال: لهم: إيهاً الآن تفرقوا"1.

وعن جعفر بن زيد العبدي2، قال:"خرج عمر رضي الله عنه يعس المدينة ذات ليلة فمرّ بدار رجل من الأنصار فوافقه قائماً يصلي فوقف يسمع قراءته، فقرأ: {وَالطُّورِ} ، حتى بلغ: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَّا لَهُ مِنْ دَافِع} ، [الطور: 1-8] ، فقال: "قم ورب الكعبة حقّ". ونزل عمر عن حماره فاستند إلى حائطه، فمكث ملياً، ثم رجع إلى منزله، فمرض شهراً يعوده3 الناس لا يدرون ما مرضه"4.

وذكر أبو القاسم عن السدي5 قال: "خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإذا هو بضوء ونار، ومعه عبد الله بن مسعود، قال: فاتبع الضوء حتى دخل داراً فإذا سراج في بيت فدخل وذلك في جوف الليل، فإذا شيخ جالس وبين يديه شراب وقينة تغنيه، فلم يشعر حتى هجم عليه، فقال عمر: "ما رأيت كالليلة منظراً أقبح من شيخ ينتظر أجله"، قال: فرفع الشيخ رأسه فقال: "بلى يا أمير المؤمنين، ما صنعت أنت أقبح، إنّك تجسست وقد نهي عن التجسس، ودخلت بغير إذن"، فقال عمر: "صدقت"، ثم خرج

1 ابن سعد: الطبقات 3/294، وإسناده صحيح، البلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان: أبو بكر وعمر) ص 236، ابن عساكر: تاريخ دمشق ج 13 / ق 11، ابن الجوزي: مناقب ص 88.

2 من أهل البصرة، يروي عن أبيه، روى عنه أبو عاصم النبيل. (الثقات 6/133) .

3 في الأصل: (يعدوه) ، وهو تحريف.

4 ابن الجوزي: مناقب ص 88، وفي إسناده انقطاع، وجعفر بن زيد لم يوثقه غير ابن حبان.

5 السدي: ثلاثة: إسماعيل بن عبد الرحمن صدوق يهم رومي بالتشيع، توفي سنة سبع وعشرين ومئة. وإسماعيل بن موسى الفزاري، صدوق يخطئ رمي بالرّفض، توفي سنة خمس وأربعين ومئة. ومحمّد بن مروان متهم بالكذب، من الثالثة. ولم يتميز عندي. (التقريب رقم: 463، 492، 6284) .

ص: 397

عاضاً على يديه يبكي، وقال: ثكلت عمر أمه إن لم يغفر له ربه، هذا كان يستخفي بهذا من أهله فيقول الآن: رآني عمر فيتتابع فيه".

قال: وهجر الشيخ مجالس عمر حيناً فبينا عمر بعد ذلك بحين جالس إذا هو به قد جاء شبه المستخفي حتى جلس في آخريات الناس، فرآه عمر / [50 / أ] فقال:"عليّ بهذا الشيخ"، فأتي فقيل له:"أجب"، فقام وهو يرى أن عمر سيؤنبه بما رأى منه، فقال له عمر:"ادن مني"، فما زال يدنيه حتى جلس بجنبه، فقال:"ادن مني أذنك"، فالتقم أذنه، فقال:"أما والذي بعث محمّداً بالحق رسولاً ما أخبرت أحداً من الناس بما رأيت منك ولا ابن مسعود، وكان معي"، فقال:"يا أمير المؤمنين! ادن مني أذنك"، فالتقم أذنه، فقال:"ولا أنا والذي بعث محمّداً صلى الله عليه وسلم بالحق رسولاً عدت إليه حتى جلست مجلسي هذا"، فرفع عمر صوته فكبر ما يدي الناس من أي شيء يكبّر"1.

وذكر ابن الجوزي في (التبصرة) ، وفي (سير عمر)، القصة المتقدمة حيث ثابت2 عن أنس3 قال:"بينما عمر يعس المدينة إذ مرّ برحبة من رحابها، فإذا هو ببيت من شعر، فدنا منه فسمع أنين امرأة، ورأى رجلاً قاعداً فدنا منه فسلم عيله، ثم قال: "من الرجل؟ "، فقال: "رجل من أهل البادية جئت إلى أمير المؤمنين أصيب من فضله"، قال: "فما هذا الصوت في البيت؟ "، قال: "امرأة تمخض"، قال: "هل عندها أحد؟ "، قال: "لا"، قال: فانطلق حتى أتى منزله، فقال لامرأته أم كلثوم بنت عليّ: "هل لك في أجر ساقه الله إليك؟ "قالت:

1 أبو القاسم: سير السلف ص 185، 186، وهو منقطع.

2 ثابت بن أسلم البناني، البصري، ثقة عابد، توفي سنة بضع وعشرين ومئة. (التقريب ص 132) .

3 ابن مالك.

ص: 398

"وما هو؟ "، قال:"امرأة غريبة تمخض ليس عندها أحد"، قالت:"نعم. إن شئت". وذكر باقي القصة1.

ومعنى تمخض: أي: حضرها المخاض، وهو النفاس والولادة. قال الله عزوجل:{فَأَجَاءَهَا المُخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} ، [مريم: 23] ، أي: الولادة، وسمّي بذلك - والله أعلم -: من المخض؛ وهو شدة الحركة والانزعاج من داخل وخارج. ومنه مخض اللبن، وهو حركة إنائه من خارج وحركة ما فيه من داخل2، وقد يكون من الخوض، إذ هي تخوض في دمها والأوّل أظهر.

والعَسُّ: هو الذهاب بالليل3 لينظر ما عليه الناس، يقال: عَسَّ فهو عاسٌّ4. والعَسُّ: المشي وفي الحديث " كرهت أن أخرجكم تعسون "5. والعسّ بالضم: القدح ومنه الحديث:"أتي بعسّ من لبن"6. والعَسُّ: الدّخول أيضاً، وكذلك عَسْعَسَ، قال الله عزوجل: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَس} ، [التكوير: 17] ، أي: أظلم وجنّ، والمعنى: دخل7.

1 ابن الجوزي: التبصرة1/427، 428، ومناقب عمرص85، وقد سبق تخريجه ص392.

2 انظر: الجوهري: الصحاح 3/1105، ابن الأثير: النهاية 4/306، ابن منظور: لسان العرب 7/228، 229، 230.

3 في الأصل: (باليل) ، وهو تحريف.

4 انظر: الأزهري: تهذيب اللغة 1/79، الجوهري: الصحاح 3/949، ابن الأثير: النهاية 3/236، ابن منظور: لسان العرب 6/139.

5 لم أجده.

6 أحمد: المسند 6/458، بأطول. انظر: الأزهري: تهذيب اللغة 1/80، الجوهري: الصحاح 3/939، ابن الأثير: النهاية 3/236، ابن منظور: لسان العرب 6/140.

7 انظر: الأزهري: تهذيب اللغة 1/78، الجوهري: الصحاح 3/949، ابن الأثير: النهاية 3/236، ابن منظور: لسان العرب 6/139، 140.

ص: 399

والعَسَسُ: هم1 الذين يعسون2. [و] 3 يستعمل بعض الناس العسّ فيمن مشى لا يبالي بما مشى عليه من طين، أو شوك، أو نار، ونحو ذلك، ويقال لمن فعل ذلك: أتى يعسّ عساً؛ أي: لا يبالي به4. والله أعلم. / [50 / ب] .

1 في الأصل: (وهو) ، وهو تحريف.

2 انظر: الأزهري: تهذيب اللغة 1/79، وابن الأثير: النهاية 3/236، ابن منظور: لسان العرب 6/139.

3 سقط من الأصل.

4 في تهذيب اللغة 1/79: "العَسُوس من السناء: التي لا يبالي أن تدنُو من الرجال".

ص: 400