المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌يحيى بن عبد الله بن أسامة - مختصر تاريخ دمشق - جـ ٢٧

[ابن منظور]

فهرس الكتاب

- ‌هارون الواثق بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد

- ‌هارون بن معاوية أبي عبيد الله الأشعري

- ‌هارون بن موسى بن شريك

- ‌هارون بن أبي الهيذام

- ‌هارون بن يزيد الشاري النيسابوري

- ‌هاشم بن بلال

- ‌هاشم بن خالد بن أبي جميل

- ‌هاشم بن زايد

- ‌هاشم بن سعيد البعلبكي

- ‌هاشم بن عتيبة بن أبي وقاص

- ‌هاشم بن عمرو بن هاشم

- ‌هاشم بن محمد بن أحمد بن إسماعيل

- ‌هاشم بن مرثد بن سليمان

- ‌هاشم المرادي شاعر

- ‌هامة بن الهيم بن لاقيس بن إبليس

- ‌هانئ بن عروة بن فضفاض

- ‌هبار بن الأسود بن المطلب

- ‌هبة الله بن أحمد بن عبد الله

- ‌هبة الله بن أحمد بن محمد

- ‌هبة الله بن جعفر بن الهيثم

- ‌هبة الله بن الحسن بن هبة الله

- ‌هبة الله بن عبد الله بن الحسن

- ‌هبة الله بن عبد الله أبو القاسم

- ‌هبة الله بن عبد الوارث بن علي

- ‌هبة الله بن محمد بن بديع

- ‌هبة الله بن محمد بن حميد

- ‌هبة الله بن المسلم بن نصر

- ‌هبيرة بن عبد الرحمن

- ‌هدبة بن الخشرم بن كرز

- ‌هذيل بن زفر بن الحارث بن عمرو

- ‌هرم بن حيان العبدي الربعي العامري

- ‌هشام بن أحمد بن هشام

- ‌هشام بن إسماعيل بن هشام

- ‌هشام بن إسماعيل بن يحيى

- ‌هشام بن حبيش بن خالد بن الأشعر

- ‌هشام بن حكيم بن حزام

- ‌هشام بن خالد بن يزيد

- ‌هشام بن الدرفس الغساني

- ‌هشام بن سليمان الداراني

- ‌هشام بن زياد

- ‌هشام بن العاص بن وائل

- ‌هشام بن عبد الله بن هشام

- ‌هشام بن عبيد الله الدمشقي

- ‌هشام بن عبد الملك بن مروان

- ‌هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة

- ‌هشام بن الغاز بن ربيعة أبو العباس

- ‌هشام بن محمد بن أحمد بن علي

- ‌هشام بن محمد بن جعفر بن هشام

- ‌هشام بن مصاد بن زياد

- ‌هشام بن مطيع الدمشقي

- ‌هشام بن يحيى بن يحيى بن قيس

- ‌هضاب بن طوق اللخمي الكاتب

- ‌هقل واسمه محمد

- ‌همام بن أحمد

- ‌همام بن إسماعيل

- ‌همام بن غالب بن صعصعة

- ‌همام بن قبيصة بن مسعود

- ‌همام بن محمد بن سعيد أراه

- ‌همام بن محمد بن أبي شيبان العبسي

- ‌همام بن الوليد الدمشقي

- ‌هميم بن همام بن يوسف

- ‌هنبل بن محمد بن يحيى بن هنبل

- ‌هنيدة من أصحاب الوليد بن عبد الملك

- ‌هني مولى عمر بن الخطاب

- ‌هود بن عبد الله بن رباح

- ‌هود بن عطاء يمامي وقع إلى الشام

- ‌هوذة

- ‌هلال بن ضيغم السلامي

- ‌هلال بن سراج بن مجاعة

- ‌هلال بن عبد الأعلى

- ‌هلال بن عبد الرحمن القرشي

- ‌هلال أبو طعمة

- ‌هياج بن عبيد بن الحسين

- ‌الهيثم بن أحمد بن محمد بن مسلمة

- ‌الهيثم بن الأسود بن أقيش

- ‌الهيثم بن حميد، أبو أحمد

- ‌الهيثم بن خارجة أبو أحمد

- ‌الهيثم بن رياب

- ‌الهيثم بن عدي بن عبد الرحمن

- ‌الهيثم بن عمران بن عبد الله

- ‌الهيثم بن مروان بن الهيثم بن عمران أبو الحكم العنسي

- ‌أسماء النساء على حرف الهاء

- ‌هجيمة ويقال جهيمة بنت حيي

- ‌هند بنت أسماء بن خارجة بن حصن الفزارية

- ‌هند بنت عتبة بن ربيعة

- ‌هند بنت معاوية بن أبي سفيان

- ‌هند بنت المهلب بن أبي صفرة

- ‌هند الخولانية امرأة بلال بن رباح

- ‌هوى جارية أديبة

- ‌حرف الياء

- ‌ياسين بن سهل بن محمد بن الحسن

- ‌ياسين بن عبد الصمد بن عبد العزيز

- ‌ياقوت بن عبد الله أبو الدر

- ‌يحمد أبو أمية الشعباني من دمشق

- ‌يحيى بن أحمد بن بسطام

- ‌يحيى بن أحمد بن محمد بن الحسن

- ‌يحيى بن إبراهيم بن أحمد بن محمد

- ‌يحيى بن إبراهيم بن عثمان بن عمر

- ‌يحيى بن أسامة ويقال ابن زيد

- ‌يحيى بن إسحاق أبو زكريا البجلي

- ‌يحيى بن إسماعيل بن عبيد الله

- ‌يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن

- ‌يحيى بن بختيار بن عبد الله

- ‌يحيى بن بسطام بن حريث

- ‌يحيى بن بشر بن كثير

- ‌يحيى بن بطريق بن بشرى أبو القاسم

- ‌يحيى بن تمام بن علي

- ‌يحيى بن جابر بن حسان

- ‌يحيى بن الحارث أبو عمرو

- ‌يحيى بن حسان أبو زكريا

- ‌يحيى بن الحسين بن علي

- ‌يحيى بن الحكم بن أبي العاص بن أمية

- ‌يحيى بن حكيم

- ‌يحيى بن حمزة بن واقد

- ‌يحيى بن أبي حية

- ‌يحيى بن أبي الخصيب زياد الرازي

- ‌يحيى بن دواد بن سيار

- ‌يحيى بن راشد بن مسلم

- ‌يحيى بن أبي راشد النصري

- ‌يحيى بن أبي عمرو زرعة

- ‌يحيى بن زكريا بن أحمد

- ‌يحيى بن زكريا بن لشوى

- ‌يحيى بن زكريا بن يحيى

- ‌يحيى بن زياد بن عبيد الله

- ‌يحيى بن زيد بن علي

- ‌يحيى بن زيد بن يحيى

- ‌يحيى بن سعدون بن تمام بن محمد

- ‌يحيى بن سعيد بن العاص

- ‌يحيى بن سعيد بن عبد الله

- ‌يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو

- ‌يحيى بن سعيد أبو زكريا الأنصاري

- ‌يحيى بن سليمان

- ‌يحيى بن صالح أبو زكريا

- ‌يحيى بن طالب أبو زكريا الأنطاكي

- ‌يحيى بن طلحة بن عبيد الله

- ‌يحيى بن عبد الله بن أسامة

- ‌يحيى بن عبد الله بن الحارث

- ‌يحيى بن عبد الله بن الضحاك

- ‌يحيى بن عبد الله بن محمد

- ‌يحيى بن عبد الله أبو عبد الله

- ‌يحيى بن عبد الباقي بن يحيى

- ‌يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب

- ‌يحيى بن عبد الرحمن بن عبد الصمد

- ‌يحيى بن عبد الرحمن بن عمارة

- ‌يحيى بن عبد الرحمن أبو شيبة

- ‌يحيى بن عبد العزيز بن إسماعيل

- ‌يحيى بن عبد العزيز أبو عبد العزيز

- ‌يحيى بن عبد الواحد بن سليمان

- ‌يحيى بن عبد الواحد بن علي

- ‌يحيى بن عتبة بن عبد السلام

- ‌يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير

- ‌يحيى بن عثمان أبو زكريا

- ‌يحيى بن عروة بن الزبير بن العوام

- ‌يحيى بن علي بن عبد العزيز

- ‌يحيى بن علي بن محمد بن هاشم

- ‌أبو العباس الكندي الحلبي الخفاف

- ‌يحيى بن علي بن محمد

- ‌يحيى بن علي بن محمد بن الحسن بن بسطام

- ‌يحيى بن علي بن محمد بن زهير

- ‌يحيى بن عمرو بن عمارة بن راشد بن مسلم

- ‌يحيى بن عمير الغساني

- ‌يحيى بن غسان الدمشقي

- ‌يحيى بن محمد بن سهل

- ‌يحيى بن محمد بن صاعد بن كاتب

- ‌يحيى بن محمد بن عبد الحميد السكسكي البتلهي

- ‌يحيى بن محمد بن علي

- ‌يحيى بن محمد بن عمران

- ‌يحيى بن محمد بن محمد بن زياد بن زبار

- ‌يحيى بن محمد بن المسلم

- ‌يحيى بن مبارك الصنعاني

- ‌يحيى بن مسعر بن محمد بن يحيى بن الفرج

- ‌يحيى بن أبي المطاع القرشي الشامي

- ‌يحيى بن معين بن عون بن زياد

- ‌يحيى بن منقذ الفراديسي

- ‌يحيى بن موسى بن إسحاق

- ‌يحيى بن هانئ بن عروة بن فضفاض

- ‌يحيى بن هانئ أبو صفوان

- ‌يحيى بن هشام بن عبد الملك

- ‌يحيى بن يحيى بن قيس بن الحارثة

- ‌يحيى بن يزيد أبي حفصة

- ‌يحيى أبو محمد التميمي

- ‌يخلف بن عبد الله بن بحر

- ‌يرفا مولى عمر بن الخطاب وحاجبه

- ‌يزيد بن أحمد بن يزيد

- ‌يزيد بن أبان أبو عمرو الرقاشي

- ‌يزيد بن الأخنس بن حبيب بن جرة

- ‌يزيد بن أسد بن كرز بن عامر

- ‌يزيد بن الأسود أبو الأسود

- ‌يزيد بن أسيد بن زافر

- ‌يزيد بن الأصم

- ‌يزيد بن بشر السكسكي

- ‌يزيد بن بشر بن يزيد بن بشر

- ‌يزيد بن تميم بن حجر السلمي

- ‌يزيد بن جابر الأزدي والد يزيد

- ‌يزيد بن أبي جميل

- ‌يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب

- ‌يزيد بن حازم أبو بكر الأزدي

- ‌يزيد بن حجية بن عبد الله

- ‌يزيد بن الحر ويقال ابن زحر

- ‌يزيد بن حصين بن نمير

- ‌يزيد بن الحكم بن أبي العاص

- ‌يزيد بن خالد بن عبد الله

- ‌يزيد بن ربيعة أبو كامل الرحبي

- ‌يزيد بن زياد بن ربيعة

- ‌يزيد بن زياد ويقال ابن أبي زياد

- ‌يزيد بن زياد القرشي البصري

- ‌يزيد بن سعد أبو عثمان الحجوري

- ‌يزيد بن أبي سعيد مولى المهري

- ‌يزيد بن سعيد بن ذي عصوان

- ‌يزيد بن سمرة أبو هزان الرهاوي المذحجي

- ‌يزيد بن السمط أبو السمط الصنعاني الفقيه

- ‌يزيد بن أبي سمية أبو صخر الأيلي

- ‌يزيد بن سنان يقال إن له صحبة

- ‌يزيد بن شجرة أبو شجرة الرهاوي

- ‌يزيد بن شجعة الحميري من دمشق

- ‌يزيد بن شريح الحضرمي الحمصي

- ‌يزيد بن صخر أبي سفيان بن حرب

- ‌يزيد بن صهيب أبو عثمان الفقير الكوفي

- ‌يزيد بن عبد الله بن رزيق

- ‌يزيد بن عبد الله بن قسيط

- ‌يزيد بن عبد الله بن مسعدة الفزاري

- ‌يزيد بن عبد الله بن موهب

- ‌يزيد بن عبد الله أبو خالد السراج

- ‌يزيد بن عبد الله النجراني

- ‌يزيد بن عبد الحميد بن عاصم

- ‌يزيد بن عبد الرحمن الهمداني

- ‌يزيد بن عبد العزيز بن أبي يحيى التنوخي

- ‌يزيد بن عبد المدان

- ‌يزيد بن عبد الملك بن مروان

- ‌يزيد بن عبيدة بن أبي المهاجر السكوني

- ‌يزيد بن عطاء ويقال ابن أبي عطاء

- ‌يزيد بن أبي عطاء غير منسوب

- ‌يزيد بن عمر بن عبد العزيز

- ‌يزيد بن عمر بن مورق

- ‌يزيد بن عمر بن هبيرة بن معية

- ‌يزيد بن عميرة الزبيدي ويقال الكلبي

- ‌يزيد بن فروة مولى بني مروان

- ‌يزيد بن فضالة

- ‌يزيد بن قبيس بن سليمان أبو سهل

- ‌يزيد بن القعقاع أبو جعفر المخزومي

الفصل: ‌يحيى بن عبد الله بن أسامة

هي الكلمة التي أراد عليها عمه، يعني: لا إله إلا الله، ولو علم أن شيئاً أنجى له منها لأمره به.

وفي آخر بمعناه: قال عمر: أنا سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من قال الكلمة التي راودت عمي عليها فردها علي، لا يقولها عبد عند موته إلا فسح له ووجد لها روحاً حتى تخرج نفسه ". فقال طلحة: صدقت والله.

‌يحيى بن عبد الله بن أسامة

القرشي البلقاوي

حدث عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: كان عمر بن الخطاب كثيراً مما يحدثنا عن أخبار الجاهلية وأهلها، ويقول: الأجل حصن حصين، وكهف منيع، ولقد أتت علي أحوال مهلكات نجوت منها سالماً، وكنت من أشد الناس إقداماً على ما يعجز عنه كثير من الناس، من الدخول على الملوك ومباشرة الحرب، حتى إني ونفر من أقراني من قريش دون العشرة أقدمنا على مئة رجل من ذوي البأس في بعض طريق الشام، فقد أجمعوا للقاء أقران لهم، فهجمنا عليهم ضحى، فواقعناهم حتى ذهب النهار وجاء الليل، فتحاجزنا، وما ظفروا منا بشيء، وافترق أصحابي بعد ذلك فرقتين، فمكثت في أقلهم عدداً، فأقمت أنا ومن معي بمكاننا، وغدا الآخرون عنا يريدون البحر، فذهبوا إلى الساعد، فما يعلم لأحد منهم خبر، وانطلقنا نحن إلى الشام، فقضينا أمرنا. فلما هممنا بالانصراف طعن رجل من أصحابي فمات، وسرت أنا وواحد منهم لم يبق معي غيره، فلم تنتصف الطريق بنا حتى غشينا في ليلة ظلمة سبع، فاختطفه وبقيت وحدي، فأتيت مكة فأقمت بها أياماً، ثم توجهت لبعض الأمر، فبينا أنا أسير تغولت لي الغول، فقالت لي: أين تعمد يا بن الخطاب؟ فقلت: وما عليك من ذلك؟ فاستدار وجهها حتى صار من ورائها، فرفعت السيف فأضرب به ما بين كتفيها وعنقها فأبنته، وانطلقت حتى قضيت حاجتي، وحدثت

ص: 269

نفسي أن لا أحد في ذلك الطريق، فأتيت على المكان الذي وقعت الغول فيه، فلم أر لها أثراً.

فبينا أنا أسير سمعت صياحاً قد علا، ولا أرى أحداً، فما راعني ذلك، ولا جبنت به، وسرت حتى أتيت مكة. وكان الناس يكثرون ذكر النعمان بن المنذر ويصفون إكرامه من يأتيه من قريش، فتوجهت نحوه، فوجدته جالساً في مجلس عظيم، وقد كثر الناس فيه، فجلست حيث انتهى بي المجلس، فدعا بقوس وجعبة، فنكت السهام بين يديه، وجعل يتأمل الناس، فإذا رأى رجلاً طالهم وعلا عليهم رشقه في أذنه بسهم، فأنشبه فيه، وكنت رجلاً طويلاً. فلما رأيته فعل ذلك برجلين خفت أن يقع طرفه علي، فيجعلني ثالثاً، فتلطفت حتى خرجت، ثم عدت إلى مكة، فلبثت بها حيناً، ثم بلغني عن ملوك غسان انه من أتاه من قريش حباه وشرفه، فلم يمنعني ما شاهدته من النعمان أن توجهت حتى انتهيت إليه، فأمكث أياماً لا أصل إليه، ولا يؤذن لأحد عليه، ثم جلس جلوساً عاماً، فدخلت في جملة الناس، فإذا هو جالس في صدر مجلسه، وفي وسط داره أسطوانة طويلة، واسعة الرأس، فجعل يتأملها، ثم قال لجلسائه: أترون أنه لو أخذ رجل شاب، ظاهر الدم، حسن الجسم، فذبح على رأس هذه الأسطوانة، أكان يسيل دمه حتى يبلغ الأرض؟ فقالوا: ما نرى ذاك، وإنها لطويلة، فأمر برجل توسمه بين الناس، ونظر إليه على البعث الذي بعثه، فأصعد إلى أعلى الأسطوانة، فذبح، فسال دمه حتى بلغ ثلثها، وانحدر قليلاً، فقال: ما أراه بلغ الأرض، فلقد كانت به أدمة، ولو كان أبيض كان دمه أكثر.

ثم تأمل الناس فلحظني بطرفه، فظننت أنه سيأمر بي، ثم غفل عني فتلطفت وخرجت، فعدت إلى مكة، فمكثت حيناً ثم توجهت في تجارة إلى الشام في رهط من قريش، فيهم أبو سفيان بن حرب، وكان مقصدنا غزة. فلما أتيناها وجدنا أسواقها تصرمت، وبقيت بضائعنا، فقيل لنا: لو أتيتم دمشق لأصبتم بها حاجتكم، فأتيناها، فبعنا واشترينا ما يصلح لبلادنا، وخرجنا نريد طريق بلادنا. فلما سرنا غير بعيد عرضت لي حاجة، فحللت إزاري فإذا فيه صرة، ذكرتها حين رأيتها، فيها شيء من الذهب، كانت امرأة من نساء قومي دفعته إلي، وسألتني أن أبتاع لها به بزاً، وما أشبهه،

ص: 270

فقلت لأصحابي: أنظروني بمكانكم إلى أن أنصرف إليكم، فقد عرضت لي حاجة لا بد من العودة فيها إلى دمشق، فأخبرتهم بأمر المرأة، فقالوا: فنحن نقيم عليك، فلا تحبسنا، فرجعت حتى أدخلها مساء، فنزلت فندقاً لأبيت فيه، وأصبح على حاجتي، فإني لنائم أتاني رجل حسن الصورة مكتهل، فحركني برجله ففتحت عيني، فقال لي: من أين أنت؟ فقلت: أنا رجل غريب دخلت في حاجة، فقال: انطلق معي إلى منزلي، فنهضت معه، واحسن ضيافتي، وبت عنده خير مبيت.

فلما أخذت مضجعي قام يصلي الليل كله حتى أدركه الصبح، فأقبل علي، وقال: لا تخرج إلى السوق حتى أخرج معك، فتقضى حاجتك. قال: وكان كل من يخرج إلى الأسواق يحرز متاعه مخافة أن يختطف. قال: وأدرك الرجل النوم لسهره ليله، فكرهت أن أوقظه، وخفت أن أحتبس أنا عن أصحابي، فبادرت إلى السوق، فإذا أكثر أهلها لم يأتوا، فوقفت أترقب، وإذا ببطريق من الروم وجماعة من الأعوان، فرآني وعلم أني غريب، فقال لأعوانه: خذوه، فنعم خادم الكنيسة هو، فأخذوني وانطلقوا بي إلى كنيسة لهم فيها بناء قد استهدم وأعطوني مراً وقالوا: اهدم، فظللت يومي كله أعمل حتى أمسيت، فخلوني، فرجعت إلى الفندق الذي كنت فيه، وأنا بحالة سيئة، فأتاني الرجل الذي كان أضافني فقال: ما كان من أمرك؟ فأخبرته، فقال: ألم أوصك لا تخرج إلى السوق إلا معي؟ فقلت: إنك بت تصلي، وأعجلني الأمر، وكرهت أن أعجلك من منامك، فقال: انطلق الآن معي، فصار بي إلى منزله، وأحسن ضيافتي، وأوصاني ألا أصنع كما صنعت، ولا أخرج إلا معه. وأخذ في صلاته حتى إذا بان الصبح، ونام خالفته فخرجت إلى السوق، فإذا البطريق غشيني، فقال لأصحابه: هذا صاحبنا بالأمس، خذوه فأخذوني، وأعطوني المر، فما زلت أهدم حتى انتصف النهار واشتد الحر، وخلا الموضع، فجلست أستريح، فما شعرت إلا وقد هجم علي البطريق فعلاني بسوط معه حتى أوجعني، فقال: تركت العمل وجلست؟! فأبلغ مني فعله، ونظرت عن يميني وعن شمالي فإذا ليس أحد غيري وغيره، فاجتذبته فسقط إلى الأرض عن دابته،

ص: 271

وضربت هامته بالمر ففلقتها، وهو يستغيث، فلم يسمعه أحد، فطرحت عليه من ذلك الهدم، وخرجت من المدينة هارباً لا ألتفت ورائي حذراً من الطلب، وقصدت غير الطريق الذي فيه أصحابي.

فلما أبعدت لحقني رجل من الروم يسير في بعض أمره، فكلمني بلغته فلم أعرفها واستراب بي، وألح في مخاطبتي بما لا أعلمه، وأنا أخاطبه بما لا يعلمه، ثم أومأ بيده إلى سيفه ليسله، فبادرته فغلبته عليه، وصرعته عن بغلة كان عليها وقتلته، وذهبت البغلة، وأخذت حتى وصلت إلى دير فيه جماعة نصارى فدخلته. فلما رأوني سألوني عن حالي فكنيت عنها، وقلت: بم يعرف ديركم؟ قالوا: يعرف بدير العدس، وانطلقوا إلى أسقف لهم فعرفوه خبري، فأتاني. فلما تأملني قال: أرى وجه خائف، قلت: وما ترى من خوفي؟ قال: كن كيف شئت فقد أمن الله خوفك، ولا مكروه عليك إذ وصلت إلينا، وأنزلني في بيته، وأحسن ضيافتي، ثم سألني من أنا؟ وممن أنا؟ فأخبرته، وهو يتأملني، ويعيد مسألتي. فلما أصبحت قال: ما تشاء، المقام أم الرحيل؟ فقلت: الرحيل، فجاءني بحمارة له قمراء ذات لحم وشحم، فأوكفها، وحملها خرجين، فيهما طعام وطرف وتحف، فقال لي: اركبها، وانطلق، فإنك لن تأتي على أحد من النصارى فيراك عليها إلا أحسن ضيافتك، وحفظك وجوزك، ثم أخذ بيدي، فخلا بي من وراء الدير، فقال لي: يا عمر، قد وجب حقي عليك، وأنت رجل من قوم كرام، ولي إليك حاجة، فاقضها، فقلت: اذكرها، وإني لأعجب أن تكون لمثلك إلى مثلي حاجة، وأنا رجل غريب على الحال الذي ترى، فقال: أنا رجل عندي علم من الكتاب، وقد تفرست فيك، ولن تنقضي الأيام حتى يتغير ما عليه الناس، وينتقلون إلى حالة أخرى، وتلي أنت هذه البلاد، وينفذ أمرك، وحكمك فيها وفي أهلها، وأخرج من كمه دواة وصحيفة وقال: حاجتي أن تكتب كتاباً يكون في يدي بإسقاط الجزية عن هذا الدير، ومن يسكنه، فقلت: ما كنت أراك تهزأ بي، فقال: وما كنت أراك تسيء بي الظن، والذي أنزل الإنجيل على عيسى بن مريم لحق كما قلت لك، فاكتب لي بما سألتك، فكتبت له بما سأل وانطلقت، فما أتيت على قوم من النصارى إلا ضيفوني، وجوزوني، وأرشدوني الطريق، وشيعني بعضهم إلى بعض حين رأوني على حمارة الأسقف، حتى انتهيت إلى تبوك، فإذا أصحابي نزول. فلما رأوني نهضوا إلي، وسروا بورودي، وقالوا: حبستنا

ص: 272

بالمكان الذي خلفتنا فيه ثلاثاً، ولما يئسنا منك سرنا، وبنا منك هم شديد، فما كان من شأنك؟ فأخبرتهم خبري غير الذي قاله لي الأسقف، فلم أذكره لهم لضعف كان في نفسي. وقال لهم أبو سفيان حين رآني راكباً على تلك الحمارة: أما ترون هذا الفتى وإقبال أمره، إنه مذ نشأ لو عمد إلى حجر لانفلق عن رزق، قال: وكان الأسقف أوصاني إذا وصلت لأصحابي، واستغنيت عن الحمارة جعلت رسنها في أحد جانبي الخرج، وأشد الخرجين عليها شداً متقناً، وأدعها بمكانها حيث كانت، ففعلت بها ذلك، فقال أبو سفيان: ما هذا؟ فقلت: ما ترى: تدع حمارة مثل هذه معرضة للصوص والسباع، فقلت: بهذا أمرني صاحبها، وهو أعلم بشأنها مني. قال: فسمى ذلك الموضع والركن الذي فيه: ركن الأتان.

وأتينا مكة، ودار في نفسي ما سمعته من ذلك الأسقف، فأسررت ذلك إلى حاضنة لي ذات فهم وعلم، فقالت: يا بن الخطاب، إني لم أزل أتوسم فيك الخير، وأنت صغير، وذلك أني رأيت فيما يرى النائم وأنت تطول حتى لم أستطع النظر إلى وجهك لطولك، ثم مددت يدك اليمنى، فنلت بها السماء، فقلت في منامي: ما بال ابني؟ فقال لي قائل: إنه سينال خير الدنيا والآخرة. قال: ونحن في جاهلية لا نعرف معنى هذا الكلام، وكان بمكة رجل من أهل الكتاب يخفي أمره، ويكتم شأنه، إلا أن أكابر قريش يعرفونه ويكرمونه، وربما شاوروه في الأمر يحدث لهم، فطرقته نصف النهار، وقلت له: أغلق الباب، فإن لي بك خلوة ففعل، فقلت له: إني أذكر لك حديثين، فلا تخبر بهما أحداً، وقصصت عليه ما قال الأسقف بدير العدس، وما أخبرتني به حاضنتي من الرؤيا، فأقبل علي وقال: يا بن الخطاب، أما ما ذكر الأسقف فهو اليوم أعلم من بقي على وجه الأرض من النصارى، وما أخبرك إلا بالحق، وأما الرؤيا، فإنه سيحدث بمكة عن قريب أمر يتغير به جميع ما ترى، وقد أظل، فإذا رأيت أوائله يا بن الخطاب فأتني، فإن فيه مصداق ما أخبرك به الأسقف، فقلت: وما هو؟ فقال: لن يخفى عليك، فأول أمر تراه يحدث فهو هو. قال: فانصرفت، وأنا أتوقع ما قال، فمات بعد أيام، وظهر من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء تحدث به قوم من قريش، وجعلوا يتذاكرونه بينهم على سبيل

ص: 273