الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت، واستأذنت، فأذن لها، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين نسائه: أم سلمة زوجته وميمونة ونساء من بني عبد المطلب، فقالت: إن مولاتي أرسلت إليك بهذه الهدية، وهي معتذرة إليك، وتقول: إن غنمنا اليوم قليلة الوالدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله لكم في غنمكم، وأكثر والدتها، فرجعت المولاة إلى هند فأخبرتها بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسرت بذلك. وكانت المولاة تقول: لقد رأينا من كثرة غنمنا ووالدتها ما لم نكن نرى قبل ولا قريب، فتقول هند: هذا دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وبركته، فالحمد لله هدانا للإسلام. ثم تقول: لقد كنت أرى في النوم أني في الشمس أبداً قائمة، والظل مني قريب لا أقدر عليه. فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منا رأيت كأني دخلت الظل.
استقرضت هند بنة عتبة من عمر بن الخطاب من بيت المال أربعة آلاف درهم تتجر فيها وتضمنها، فأقرضها، فخرجت إلى بلاد كلب، فاشترت، وباعت، فبلغها أن أبا سفيان وعمرو بن أبي سفيان قد أتيا معاوية، فعدلت إليه من بلاد كلب، فأتت معاوية - وكان أبو سفيان قد طلقها - فقال: ما أقدمك أي أمه؟! قالت: النظر إليك. أي بني، إنه عمر، وإنما يعمل لله، وقد أتاك أبوك، فخشيت أن تخرج إليه من كل شيء، وأهل ذاك هو، فلا يعلم الناس من أين أعطيته، فيؤنبونك، ويؤنبك عمر، فلا تستقيلها أبداً، فبعث إلى أبيه وإلى أخيه بمئة دينار، وكساهما، وحملهما. فتعظمها عمرو، فقال أبو سفيان: لا تعظمها، فإن هذا عطاءً لم تغب عنه هند، ومشورةً قد حضرتها هند، ورجعوا جميعاً، فقال أبو سفيان لهند: أربحت؟ قالت: الله أعلم، معي تجارة إلى المدينة. فلما أتت المدينة، وباعت شكت الوضيعة عن أمره، فقال لها عمر: لو كان مالي لتركته لك، ولكنه مال المسلمين، هذه مشورة لم يغب عنها أبو سفيان، فبعث إليه، فحبسه حتى وفته، وقال له: بكم أجازك معاوية؟ قال: بمئة دينار.
ولما شخص أبو سفيان إلى معاوية بالشام، ومعه ابناه عتبة وعنبسة كتبت هند إلى معاوية سراً: قد قدم أبوك وأخواك فلا تغذم لهم فيعزلك ابن الخطاب - أي لا تعطهم الكثير، يقال: غذم لهم من المال - احمل أباك على فرس، وأعطه أربعة آلاف درهم، واحمل عتبة على بغل، وأعطه ألفي درهم، واحمل عنبسة على حمار، وأعطه ألف درهم، ففعل معاوية ذلك، فقال أبو سفيان: أشهد أن هذا رأي هند.
كانت هند امرأة عاقلة جزلة. فلما ولى عمر بن الخطاب يزيد بن أبي سفيان ما ولاه من الشام خرج إليه معاوية، فقال أبو سفيان لهند: كيف ترين؟ صار ابنك تابعاً لابني، فقالت: إن اضطرب حبل العرب فستعلم أين يقع ابنك مما يكون فيه ابني، فمات يزيد بالشام، فولى عمر معاوية موضعه، فقالت هند لمعاوية: والله يا بني إنه لقلما ولدت حرة مثلك، وقد استنهضك هذا الرجل، فاعمل بموافقه، أحببت ذلك أم كرهته. وقال له أبو سفيان: يا بني، إن هؤلاء الرهط من المهاجرين، سبقونا وتأخرنا، فرفعهم سبقهم، وقصر بنا تأخرنا، فصاروا قادة، وصرنا أتباعاً، وقد ولوك جسيماً من أمورهم، فلا تخالفهم، فإنك تجري إلى أمد فنافس فيه، فإن بلغته أورثته عقبك.
هند بنت معاوية بن أبي سفيان
صخر بن حرب الأموية ولهند ورملة ابنتي معاوية يقول عبد الرحمن بن الحكم:
أؤمل هنداً أن يموت ابن عامر
…
ورملة يوماً أن يطلقها عمرو
وعبد الله بن عامر بن كريز زوج هند بنت معاوية، كان قد زوجه إياها معاوية. فلما كانت ليلة البناء بها امتنعت منه امتناعاً شديداً حتى لم يقدر منها على شيء، فضربها، فبكت. فلما سمع جواريها بكاءها صخن، فسمع معاوية الصوت، فجاء مبادراً، فأخبروه، فدخل عليه، فقال: مثل هذه تضرب؟! قبح الله رأيك، وقبح ما أتيت به، اخرج عني إلى غير هذا البيت. فلما خرج قال معاوية لابنته: لا تفعلي، فإنما هو زوجك الذي أحله الله لك، أما سمعت قول الشاعر:
من الخفرات البيض أما حرامها
…
فصعب وأما حلها فذلول
ثم خرج، ورجع زوجها إليها، فلانت له حتى نال منها حاجته.
وقيل: إن معاوية لما زوج ابنته من عبد الله بن عامر بنى لها قصراً إلى جنب قصره، وجعل بينهما باباً، وأدخلها عليه، وهي بنت تسع سنين. قال: فبينا هو في المشرقة يوماً إذ مرت به حاضنتها، فقال لها: ما فعلت تلكم؟ فقالت: بخير يا أمير المؤمنين، قال: فإني أعزم عليك، بحقي عليك، قالت: يا أمير المؤمنين، إنها مصعت، واعتاصت عليه، فقام حافياً آخذاً بأزرار ثيابه، ودخل عليها، فسلم، والنسوة عندها، فكسرت له نمرقة فجلس، فقال: السلام عليكن يا بنية، بيض عطرات، أوانس خفرات، أما حرامهن فصعب، وأما حلالهن فسهل، به سمحات، ثم رجع إلى مجلسه، فمر به ابن عامر، فقال له: النجاء إلى أهلك، فرب صعب قد ذللته لكم، وحزن قد سهلته لكم. قال: ثم مرت به الحاضنة من الغد، فقال لها: كيف تلكم، فقالت: صارت امرأة من النساء.