الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخزان شيئاً، فمنعوهم، فقال هشام: إنا كنا خزاناً للوليد. ومات هشام من ساعته فخرج عياض من الحبس، فختم الأبواب والخزائن، وأمر بهشام فأنزل عن فراشه، ومنعهم أن يكفنوه من الخزائن، فكفنه غالب مولى هشام. ولم يجدوا قمقماً يسخن فيه الماء حتى استعاروه، فقال الناس: إن في هذا لعبرة لمن اعتبر.
مر أعرابي بقبر هشام، وخادم له قائم عليه يقول: يا أمير المؤمنين، فعل بنا بعدك كذا وكذا. فقال له الأعرابي: إيه، لو نشر لأخبرك أنه لقي أشد مما لقيتم.
كان مكحول يقول: اللهم، لا تبقني بعد هشام. وكان هلاك معاوية سنة ستين، وهلاك هشام سنة خمس وعشرين ومئة.
وعن عبد الرحمن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ترفع زينة الدنيا سنة خمس وعشرين ومئة. " قال اسحاق بن البهلول: قلت لابن أبي فديك: ما معناه؟ قال: زينتها: نور الإسلام وبهجته. وفي آخر بمثله يعني بالزينة: الرجال.
مات هشام من ورم أخذه في حلقه، يقال له الحرذون، بالرصافة - رصافة هشام - وعمره إحدى وستون سنة. وقيل: ثلاث وخمسون سنة. وصلى عليه الوليد بن يزيد. وقيل: صلى عليه مسلمة بن هشام.
هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة
أبو الوليد السلمي الظفري خطيب دمشق، ومقرئ أهلها. أحد المكثرين الثقات.
حدث عن مالك بن أنس عن الزهري عن أنس ابن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وكان على رأسه المغفر.
ولد هشام بن عمار سنة ثلاث وخمسين ومئة. وكان هشام يحرك الزبل كل يوم بأربعة دوانيق، فيشتري بها ورقاً، ويكتب الحديث. وقد رويت هذه الحكاية عن هشام بن خالد. قال: وهي به أشبه.
قال هشام بن عمار: باع أبي عمار بيتاً له بعشرين ديناراً، وجهزني للحج. فلما صرت إلى المدينة أتيت مجلس مالك بن أنس، ومعي مسائل أريد أن أسأله عنها، فأتيته وهو جالس في هيئة الملوك، وغلمان قيام، والناس يسألونه، وهو يجيبهم. فلما انقضى المجلس قال بعض أصحاب الحديث: سل عما معك، فقلت له: يا أبا عبد الله، ما تقول في كذا وكذا؟ فقال: حصلنا على الصبيان! يا غلام، احمله، فحملني كما حمل الصبي، وأنا يومئذ غلام مدرك، فضربني بدرة مثل درة المعلمين سبع عشرة درة، فوقفت أبكي، فقال لي مالك: ما يبكيك؟ أوجعتك هذه؟ قلت: إن أبي باع منزله، ووجه بي أتشرف بك، وبالسماع منك فضربتني، فقال: اكتب، فحدثني سبعة عشر حديثاً، وسألته عما كان معي من المسائل فأجابني، رحمه الله.
وفي آخر بمعناه: قلت له: زدني من الضرب، وزد في الحديث، فضحك مالك وقال: اذهب. وفي آخر بمعناه قال: جئت إلى منزله، فإذا هو شديد الاحتجاب، فلقيته في الطريق، فقلت: يا أبا عبد الله، أنا غلام من أصحاب الحديث، إن رأيت أن تأمر لي بشيء أكتبه عنك، فقال لي: وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب على الطريق؟! وأمر بضربي. الحديث.
كان هشام بن عمار إذا مشى أطرق إلى الأرض، لا يرفع رأسه إلى السماء حياء من الله عز وجل. قال هشام بن عمر: الخلفاء الراشدون المهديون خمسة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعمر بن عبد العزيز. قال عبدان: كنا لا نصلي خلف هدبة من طول صلاته، يسبح في الركوع والسجود نيفاً وثلاثين تسبيحة، وكان من أشبه خلق الله بهشام بن عمار: لحيته، ووجهه، وكل شيء منه حتى صلاته. قال عبدان: كان هشام بن عمار يخطب على المنبر يوم الجمعة، فقلت له يوماً: يا أبا الوليد، خطبتك هذه لا تشبه سائر خطبك في سائر الأيام، تلك كانت أبلغ. قال: اسكت يا صبي، ما أعدت خطبة منذ عشرين سنة.
قال هشام يوماً في خطبته: قولوا الحق ينزلكم الحق منازل أهل الحق يوم لا يقضى إلا بالحق. كان هشام بن عمار ثقة، صدوقاً، كبير المحل، وكان يأخذ عن الحديث، ولا يحدث ما لم يأخذ. قال هشام بن عمار: سألت الله سبع حوائج، فقضى لي منها ستاً، والواحدة ما أدري ما صنع فيها: سألته أن يغفر لي ولوالدي، وهي التي لا أدري ما صنع فيها. وسألته أن يرزقني الحج ففعل. وسألته أن يعمرني مئة سنة ففعل، وسألته أن يجعلني مصدقاً على
رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل، وسألته أن يجعل الناس يغدون إلي في طلب العلم ففعل، وسألته أن أخطب على منبر دمشق ففعل، وسألته أن يرزقني ألف دينار حلالاً ففعل. فقيل له: كل شيء قد عرفناه فألف دينار حلال، من أين لك؟ قال: وجه المتوكل ببعض ولده ليكتب عني لما خرج إلينا، ونحن نلبس الأزر، ولا نلبس السراويلات، فجلست، فانكشف ذكري، فرآه الغلام، قال: استتر يا عم، قلت: رأيته؟ قال: نعم، فقلت له: أما إنه لا ترمد عينك أبداً إن شاء الله ز فلما دخل على المتوكل ضحك، فسأله، فأخبره بما قلت، فقال: فأل حسن تفاءل لك به رجل من أهل العلم. احملوا إليه ألف دينار، فحملت إلي، فأتتني من غير مسألة، ولا استشراف نفس.
قال أبو علي صالح بن محمد الحافظ: كنت عند هشام بن عمار بدمشق إذ جاءه رجل، فقال: ممن أنت؟ قال: من بني مجداف، قال: ثم من بني من؟ قال: ثم من بني سكان، قال: ثم من بني من؟ قال: من بني دقل، فقال هشام: لا أعرف هذا النسب في العرب، فضحكت. فقال هشام: مم تضحك؟ فقال: إنما هذا رجل جاء يطنز بك، فقال هشام: ما أشركم يا أهل العراق. قال أبو علي: وجاءه رجل، وقال هشام: مم أنت؟ قال: من بني لازب، فقال هشام0 لا أعرف بني لازب في العرب، ثم قال لي: تعرف بني لازب؟ قلت: إنما يسند إلى قول الله عز وجل " من طين لازب ". فضحك هشام.
قال أبو بكر أحمد بن المعلى: رأيت هشام بن عمار في النوم، والمشايخ متوافرون، سليمان بن عبد الرحمن وغيره، وهو يكنس المسجد، فماتوا، وبقي هو آخرهم.