الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
621 -
وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّهَا سَتَكُونُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي أُمَرَاءُ يَشْغَلُهُمْ أَشْيَاءُ عَنِ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا، فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُصَلِّي مَعَهُمْ؟ قَالَ: " نَعَمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
ــ
621 -
(وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّهَا ") : الضَّمِيرُ لِلْقِصَّةِ وَيُفَسِّرُهَا مَا بَعْدَهَا (سَتَكُونُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي أُمَرَاءُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: مَضَى شَرْحُهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ (يَشْغَلُهُمْ) : بِالْيَاءِ وَالتَّاءِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمِّ الْيَاءِ أَوِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ (أَشْيَاءُ) : أَيْ: أُمُورٌ (عَنِ الصَّلَاةِ) : أَيْ: جِنْسِ الصَّلَاةِ (لِوَقْتِهَا) : أَيْ: لِوَقْتِهَا الْمُخْتَارِ (حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا) : أَيْ: وَيَدْخُلَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ (فَصَلُّوا) : أَيْ: أَنْتُمُ (الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا) : أَيْ: وَلَوْ مُنْفَرِدِينَ، لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ وَمَفْسَدَةٌ (فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُصَلِّي) : بِحَذْفِ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ (مَعَهُمْ؟) : أَيْ: إِذَا أَدْرَكْتُهَا مَعَهُمْ (قَالَ: نَعَمْ) : لِأَنَّهَا زِيَادَةُ خَيْرٍ وَدَفْعُ شَرٍّ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
622 -
وَعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «يَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ مِنْ بَعْدِي يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ فَهِيَ لَكُمْ، وَهِيَ عَلَيْهِمْ، فَصَلُّوا مَعَهُمْ مَا صَلَّوُا الْقِبْلَةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
ــ
622 -
(وَعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّهَا ") : كَذَا فِي نُسْخَةٍ (يَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ مِنْ بَعْدِي يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ) : أَيْ: عَنْ أَوْقَاتِهَا الْمُخْتَارَةِ (فَهِيَ لَكُمْ، وَهِيَ عَلَيْهِمْ) : أَيِ: الصَّلَاةُ الْمُؤَخَّرَةُ عَنِ الْوَقْتِ نَافِعَةٌ لَكُمْ، لِأَنَّ تَأْخِيرَكُمْ لِلضَّرُورَةِ تَبَعًا لَهُمْ وَمَضَرَّةٌ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى عَدَمِ التَّأْخِيرِ، وَإِنَّمَا شَغَلَهُمْ أُمُورُ الدُّنْيَا عَنْ أَمْرِ الْعُقْبَى. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ إِذَا صَلَّيْتُمْ أَوَّلَ وَقْتِهَا ثُمَّ صَلَّيْتُمْ مَعَهُمْ تَكُونُ مَنْفَعَةُ صَلَاتِكُمْ لَكُمْ، وَمَضَرَّةُ الصَّلَاةِ وَوَبَالُهَا عَلَيْهِمْ لِمَا أَخَّرُوهَا، كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ عَشَرَ. (فَصَلُّوا) : بِضَمِّ اللَّامِ (مَعَهُمْ) أَيْ: مَعَ الْأُمَرَاءِ (مَا صَلَّوُا) : بِفَتْحِ اللَّامِ (الْقِبْلَةَ) : أَيْ: مَا دَامُوا مُصَلِّينَ إِلَى نَحْوِ الْقِبْلَةِ يَعْنِي قِبْلَةَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ الْكَعْبَةُ الْبَيْتُ الْحَرَامُ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
623 -
وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ رضي الله عنه أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ، فَقَالَ: إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ، وَنَزَلَ بِكَ مَا تَرَى، وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ، وَنَتَحَرَّجُ فَقَالَ: الصَّلَاةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
623 -
(وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ) : يُعَدُّ فِي التَّابِعِينَ، قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قُرَشِيٌّ زُهْرِيٌّ، وَقِيلَ ثَقَفِيٌّ (أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ) : أَيْ عُثْمَانُ: (مَحْصُورٌ) أَيْ: مَحْبُوسٌ فِي دَارِهِ، حَصَرَهُ أَهْلُ الْفِتْنَةِ مِنْ قَبْلِ اخْتِلَاطِ فَسَقَةٍ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ مِصْرَ وَغَيْرِهَا لِإِرَادَةِ خَلْعِهِ أَوْ قَتْلِهِ، لِمَا زَعَمُوا مِنْ أَمْرِهِ بِقَتْلِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ بِمَا هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُ (فَقَالَ) أَيْ: عُبَيْدُ اللَّهِ (إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ) : أَيْ: أَنْتَ خَلِيفَةُ وَإِمَامُ الْمُسْلِمِينَ لِإِجْمَاعِ أَهْلِ الشُّورَى وَغَيْرِهِمْ عَلَى إِمَامَتِهِ (وَنَزَلَ بِكَ مَا تَرَى) : أَيْ: مِنَ الْبَلَاءِ (وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ) : أَيْ: وَيُصَلِّي بِنَا غَيْرُكَ لِأَجْلِ هَذِهِ الْفِتْنَةِ. قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: وَهُوَ كِنَانَةُ بْنُ بِشْرٍ (وَنَتَحَرَّجُ) : أَيْ: نَتَحَرَّزُ وَنَجْتَنِبُ أَنْ نُصَلِّيَ مَعَ إِمَامِ الْفِتْنَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: التَّحَرُّجُ التَّأَثُّمُ (فَقَالَ) : أَيْ: عُثْمَانُ (الصَّلَاةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ) : أَيْ: أَفْضَلُ أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ (فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ) : أَيْ: لَا الصَّلَاةُ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ مَعَهُمْ. قَالَ الطِّيبِيُّ. يُرِيدُ إِمَامَ الْفِتْنَةِ مَنْ أَثَارَ الْفِتْنَةَ وَحَصَرَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي بَيْتِهِ، وَالْمُرَادُ بِإِمَامَةِ الْعَامَّةِ الْإِمَامَةُ الْكُبْرَى وَهِيَ الْخِلَافَةُ، وَبِإِمَامَةِ الْفِتْنَةِ الْإِمَامَةُ الصُّغْرَى وَهِيَ الْإِمَامَةُ فِي الصَّلَاةِ فَحَسْبُ، وَفِي إِيقَاعِ إِمَامِ فِتْنَةٍ فِي مُقَابِلِ إِمَامِ عَامَّةٍ إِشَارَةٌ إِلَى حَقِّيَّةِ إِمَامَتِهِ وَإِجْمَاعِ النَّاسِ عَلَيْهَا، وَبُطْلَانِ مَنْ يَنْأَوِيهِ، ثُمَّ انْظُرْ إِلَى إِنْصَافِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَجَابَ وَأَثْبَتَ لَهُمُ الْإِحْسَانَ، وَأَمَرَ بِمُتَابَعَةِ إِحْسَانِهِمْ وَالِاجْتِنَابِ عَنْ إِسَاءَتِهِمْ، وَأَخْرَجَ الْجُمْلَةَ مَخْرَجَ الْعُمُومِ حَيْثُ وُضِعَ النَّاسُ مَوْضِعَ ضَمِيرِهِمْ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْفِرْقَةِ الْبَاغِيَةِ وَكُلِّ فَاجِرٍ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
[بَابُ فَضِيلَةِ الصَّلَوَاتِ]
(3)
بَابُ فَضِيلَةِ الصَّلَوَاتِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
624 -
عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُوَيْبَةَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( «لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا» ) يَعْنِي الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
(3)
بَابُ فَضِيلَةِ الصَّلَوَاتِ
كَذَا فِي نُسْخَةٍ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ التَّنْوِينَ وَالسُّكُونَ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ فِي مُتَمِّمَاتِ فَضَائِلِ الصَّلَوَاتِ وَأَوْقَاتِهَا اهـ. وَفِي نُسْخَةٍ: بَابُ فَضْلِ الصَّلَوَاتِ، أَوْ فَضِيلَةِ الصَّلَوَاتِ، وَفِي نُسْخَةٍ: فِي فَضْلِ الصَّلَوَاتِ فِي مَوَاقِيتِهَا بِزِيَادَةِ (فِي) وَفِي الْمَصَابِيحِ: فَصْلٌ لَا غَيْرَ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: إِنَّمَا أَفْرَدَ هَذَا الْفَصْلَ عَمَّا تَقَدَّمَ ; لِأَنَّ أَحَادِيثَهُ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
624 -
(عَنْ عُمَارَةَ) : بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ (ابْنِ رُوَيْبَةَ) : قَالَ مِيرَكُ: غَيْرُ مَهْمُوزٍ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: بِهَمْزَةٍ وَهُوَ ثَقَفِيٌّ عِدَادُهُ فِي الْكُوفِيِّينَ (قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (لَنْ يَلِجَ) : أَيْ: لَنْ يَدْخُلَ (النَّارَ أَحَدٌ) : أَيْ: أَصْلًا لِلتَّعْذِيبِ، أَوْ عَلَى وَجْهِ التَّأْبِيدِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ:( «إِنَّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ صَلَاةٌ وَصِيَامٌ وَغَيْرُهُمَا وَعَلَيْهِ ظُلَامَاتٌ لِلنَّاسِ، فَيَأْخُذُونَ أَعْمَالَهُ مَا عَدَا الصَّوْمَ لِاخْتِصَاصِ عَمَلِهِ بِهِ تَعَالَى، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ عَمَلٌ وُضِعَ عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ، ثُمَّ يُلْقَى فِي النَّارِ» ) . (صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) يَعْنِي الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ) : أَيْ: دَاوَمَ عَلَى أَدَائِهِمَا قَالَ الطِّيبِيُّ: لَنْ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ. قَالَ فِي الْمَعْنَى: هَذَا مَذْهَبُ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي الْكَشَّافِ، كَمَا أَنَّهَا لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ مَذْهَبُهُ فِي الْأُنْمُوذَجِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُرُودَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71] لَيْسَ بِمَعْنَى الدُّخُولِ كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِيهِ بَحْثٌ إِذْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْوُرُودُ الْعَامُّ بِمَعْنَى الدُّخُولِ الْمُطْلَقِ، وَهُوَ الْمُرُورُ، وَلِذَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ اسْتِثْنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ، وَخَصَّ الصَّلَاتَيْنِ بِالذِّكْرِ ; لِأَنَّ الصُّبْحَ لَذِيذُ الْكَرَى، أَيِ: النَّوْمِ، وَالْعَصْرَ وَقْتُ الِاشْتِغَالِ بِالتِّجَارَةِ فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهِمَا مَعَ الْمَشَاكِلِ كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ الْمُحَافَظَةَ عَلَى غَيْرِهِمَا، وَالصَّلَاةُ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَأَيْضًا هَذَانِ الْوَقْتَانِ مَشْهُودَانِ يَشْهَدُهُمَا مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَيَرْفَعُونَ فِيهِمَا أَعْمَالَ الْعِبَادِ اهـ. فَبِالْحَرِيِّ أَنْ يَقَعَ مُكَفِّرًا فَيُغْفَرَ لَهُ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ قَالَهُ مِيرَكُ.
625 -
وَعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
625 -
(وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ) ": أَيِ: الْغَدْوَةَ وَالْعَشِيَّ لِبَرْدِ الْهَوَاءِ فِيهِمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى وَسَطِ النَّهَارِ. أَرَادَ الصُّبْحَ وَالْعَصْرَ لِكَوْنِهِمَا فِي طَرَفَيِ النَّهَارِ، أَوِ الصُّبْحَ وَالْعِشَاءَ لِوُقُوعِهِمَا أَوَّلًا وَآخِرًا لِلصَّلَوَاتِ، وَتَقَدَّمَ وَجْهُ التَّخْصِيصِ بِهِمَا فَيَكُونُ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الذُّنُوبِ مُحْرَزًا بِبَرَكَتِهِمَا أَوْ مُكَفَّرًا (دَخَلَ الْجَنَّةَ) : أَيْ: دُخُولًا أَوَّلِيًّا (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
626 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ - وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
626 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ)": أَيْ: يَجِيءُ أَحَدٌ عَقِبَ أَحَدٍ، وَطَائِفَةٌ غِبَّ طَائِفَةٍ، وَقِيَاسُهُ يَتَعَاقَبُ، لِأَنَّ فَاعِلَهُ مَذْكُورٌ بَعْدَهُ وَهُوَ (مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ) : فَهُوَ إِمَّا بَدَلٌ مِنْ ضَمِيرِ يَتَعَاقَبُونَ أَوْ مُبْتَدَأٌ أَوْ فَاعِلٌ لَهُ، وَالْوَاوُ عَلَامَةٌ لَهُ "(وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ)": وَهُمُ الَّذِينَ يَكْتُبُونَ أَعْمَالَ الْعِبَادِ، وَقِيلَ: غَيْرُهُمْ: قَالَ النَّوَوِيُّ: قِيلَ الْوَاوُ عَلَامَةُ الْفَاعِلِ، وَهِيَ لُغَةُ بَنِي الْحَارِثِ وَحَكَوْا فِيهِ قَوْلَهُمْ: أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْأَخْفَشُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنبياء: 3] وَقَالَ أَكْثَرُ النَّحْوِيِّينَ: الِاسْمُ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ أَيْ: يَتَعَاقَبُونَ فِي نُزُولِهِمْ، فَتَنْزِلُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَتَصْعَدُ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَتَنْزِلُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ قَبْلَ الْعَصْرِ وَتَصْعَدُ بَعْدَ الْفَجْرِ. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ: (وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ) : أَيْ: أَوَّلِهَا (وَصَلَاةِ الْعَصْرِ) : أَيْ: آخِرِهَا وَاجْتِمَاعُهُمْ فِي الْوَقْتَيْنِ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ ; لِيَكُونُوا شَاهِدِينَ بِمَا شَهِدُوهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَقِيلَ: خُصَّتَا لِأَنَّ الْعِبَادَةَ فِيهِمَا مَعَ كَوْنِهِمَا وَقْتَ اشْتِغَالٍ وَغَفْلَةٍ أَدَلُّ عَلَى الْخُلُوصِ. قِيلَ: وَفِيهِ تَحْرِيضُ النَّاسِ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الطَّاعَةِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ. (ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ) : إِيذَانٌ بِأَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ لَا يَزَالُونَ يَحْفَظُونَ الْعِبَادَ إِلَى الصُّبْحِ، وَكَذَلِكَ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ إِلَى اللَّيْلِ (فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ) : أَيْ: مِنْهُمْ: وَسُؤَالُهُمْ تَعَبُّدٌ لِمَلَائِكَتِهِ كَمَا يَكْتُبُ الْأَعْمَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْجَمِيعِ، وَقِيلَ: سُؤَالُهُ تَعَالَى مِنَ الْمَلَائِكَةِ، لِأَنَّهُ يَتَبَاهَى بِعِبَادِهِ الْعَامِلِينَ أَوْ لِلتَّوْبِيخِ عَلَى الْقَائِلِينَ: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا (كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي) أَيْ: عَلَى أَيِّ حَالَةٍ تَرَكْتُمُوهُمْ عَلَيْهَا. قَالَ مِيرَكُ: اقْتَصَرَ عَلَى سُؤَالِ الَّذِينَ بَاتُوا دُونَ الَّذِينَ ظَلُّوا اكْتِفَاءً بِذِكْرِ أَحَدِ الْمَثَلَيْنِ عَنِ الْآخَرِ، أَوْ لِأَنَّ حُكْمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ يَعْمَلُ مِنْ حُكْمِ طَرَفَيِ اللَّيْلِ، أَوْ لِأَنَّ اللَّيْلَ مَظِنَّةُ الْمَعْصِيَةِ، فَلَمَّا لَمْ يَقَعْ مِنْهُمْ عِصْيَانٌ كَانَ النَّهَارُ أَوْلَى بِذَلِكَ، أَوْ يُحْمَلُ بَاتُوا عَلَى مَعْنًى أَعَمَّ مِنَ الْمَبِيتِ بِاللَّيْلِ وَالْإِقَامَةِ بِالنَّهَارِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ: ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ كَانُوا فِيكُمْ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى اقْتِصَارِ الرَّاوِي، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ ابْنِ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، فَإِنَّ فِيهَا التَّصْرِيحَ بِسُؤَالِ كِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ (فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ) : أَيِ: الصُّبْحَ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ (وَأَتَيْنَاهُمْ) ": أَيْ: وَجَدْنَاهُمْ وَنَزَلْنَا عَلَيْهِمْ " (وَهُمْ يُصَلُّونَ) : أَيِ: الْعَصْرَ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ قَالَهُ مِيرَكُ.
627 -
وَعَنْ جُنْدَبٍ الْقَسْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( «مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ ; فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ ; فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ، ثُمَّ يَكُبُّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ (الْمَصَابِيحِ) : الْقُشَرِيُّ بَدَلَ الْقَسْرِيِّ.
ــ
627 -
(وَعَنْ جُنْدَبٍ) : بِضَمِّهِمَا وَتُفْتَحُ الدَّالُ (الْقَسْرِيِّ) : بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ كَذَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الْمَقْرُوءَةِ الْمُصَحَّحَةِ الْحَاضِرَةِ مِنْ نُسَخِ الْمِشْكَاةِ. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: فِي سَائِرِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ الْقُشُرِيُّ بِضَمِّ الْقَافِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ غَلَطٌ نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ) : أَيْ: بِإِخْلَاصٍ (فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ) : أَيْ: فِي عَهْدِهِ وَأَمَانِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهَذَا غَيْرُ الْأَمَانِ الَّذِي ثَبَتَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ (فَلَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ) : أَيْ: لَا يُؤَاخِذُكُمْ مِنْ بَابِ لَا أَرَيَنَّكَ، الْمُرَادُ نَهْيُهُمْ عَنِ التَّعَرُّضِ لِمَا يُوجِبُ مُطَالَبَةَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ (مِنْ ذِمَّتِهِ) : مِنْ: بِمَعْنَى لِأَجَلِ، وَالضَّمِيرُ فِي ذِمَّتِهِ إِمَّا لِلَّهِ، وَإِمَّا لِمَنْ، وَالْمُضَافُ مَحْذُوفٌ أَيْ: لِأَجْلِ تَرْكِ ذِمَّتِهِ (بِشَيْءٍ) : أَيْ: يَسِيرٍ أَوْ بَيَانِيَّةٌ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ حَالٌ مِنْ شَيْءٍ وَفِي الْمَصَابِيحِ: بِشَيْءٍ مِنْ ذِمَّتِهِ قِيلَ: أَيْ يُنْقَضُ عَدُّهُ وَإِخْفَارُ ذِمَّتِهِ بِالتَّعَرُّضِ لِمَنْ لَهُ ذِمَّةٌ، أَوِ الْمُرَادُ بِالذِّمَّةِ الصَّلَاةُ الْمُوجِبَةُ لِلْأَمَانِ أَيْ: لَا تَتْرُكُوا صَلَاةَ الصُّبْحِ، فَيَنْتَقِضُ بِهِ الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ فَيَطْلُبُكُمْ بِهِ (فَإِنَّهُ) : الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ وَالْفَاءُ لِتَعْلِيلِ النَّهْيِ (مَنْ يَطْلُبْهُ) : بِالْجَزْمِ أَيِ اللَّهُ تَعَالَى (مِنْ ذِمَّتِهِ) : أَيْ: مِنْ أَجْلِ ذِمَّتِهِ (بِشَيْءٍ) : وَلَوْ يَسِيرًا (يُدْرِكْهُ) : بِالْجَزْمِ
أَيِ: اللَّهُ إِذْ لَا يَفُوتُ مِنْهُ هَارِبٌ (ثُمَّ يَكُبُّهُ) : بِالرَّفْعِ أَيْ: هُوَ يَكُبُّهُ (عَلَى وَجْهِهِ) : وَبِالْفَتْحِ عَطْفًا عَلَى يُدْرِكْهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِالضَّمِّ مَجْزُومًا أَيْضًا (إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ) : وَالْمَعْنَى: لَا تَتَعَرَّضُوا لَهُ بِشَيْءٍ وَلَوْ يَسِيرًا، فَإِنَّكُمْ إِنْ تَعَرَّضْتُمْ لَهُ يُدْرِكْكُمُ اللَّهُ وَيُحِيطُ بِكُمْ وَيَكُبُّكُمْ فِي النَّارِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَإِنَّمَا خَصَّ صَلَاةَ الصُّبْحِ لِمَا فِيهَا مِنَ الْكُلْفَةِ وَأَدَاؤُهَا مَظِنَّةُ خُلُوصِ الرَّجُلِ وَمُتْنَةُ إِيمَانِهِ أَيْ عَلَامَتُهُ، وَمَنْ كَانَ خَالِصًا كَانَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَالتِّرْمِذِيُّ قَالَهُ مِيرَكُ. (وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ: الْقُشَرِيُّ) : بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ مَرْفُوعٌ وَيُخْفَضُ عَلَى الْحِكَايَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ: الْقُشَرِيُّ (بَدَلُ الْقَسْرِيِّ) : وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُمَا.
628 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ، لَاسْتَهَمُوا ; وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ، لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ ; وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
628 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ) : أَيْ: لَوْ عَلِمُوا فَفِي الْمُضَارِعِ إِشَارَةٌ إِلَى اسْتِمْرَارِ الْعِلْمِ، وَأَنَّهُ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى بَالِ (مَا فِي النِّدَاءِ) : أَيِ: التَّأْذِينِ وَالْإِقَامَةِ مِنَ الْفَضْلِ وَالثَّوَابِ. أُطْلِقَ مَفْعُولُ يَعْلَمُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ الْفَضِيلَةَ مَا هِيَ لِيُفِيدَ ضَرْبًا مِنَ الْمُبَالَغَةِ، وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعِبَارَةِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه: 78] وَكَذَا تَصْوِيرُهُ حَالَةَ الِاسْتِبَاقِ بِالِاسْتِهَامِ فِيهِ مُبَالَغَةٌ، لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ إِلَّا فِي أَمْرٍ يُتَنَافَسُ فِيهِ، لَا سِيَّمَا إِخْرَاجُهُ مَخْرَجَ الْحَصْرِ " (وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ) : وَهُوَ الَّذِي غَيْرُ مَسْبُوقٍ بِصَفٍّ آخَرَ، فَيَشْمَلُ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعَ خَلْفَ الْكَعْبَةِ، بَلْ رُبَّمَا تَتَرَجَّحُ الْجِهَةُ الَّتِي هِيَ أَقْرَبُ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْأَوَّلُ عِنْدَنَا هُوَ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ، وَإِنْ تَخَلَّلَهُ أَوْ حَجَزَ بَيْنَهُمَا نَحْوَ سَارِيَةٍ أَوْ مِنْبَرٍ اهـ.
وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ عَنِ النِّدَاءِ دَلَالَةً عَلَى تَهْيِيءِ الْمُقَدِّمَةِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ الْمُثُولُ وَالْوُقُوفُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعِزَّةِ (ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا) : أَيْ: لِلتَّمَكُّنِ مِنَ النِّدَاءِ وَالصَّفِّ (إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا) : أَيْ: بِأَنْ يَقْتَرِعُوا (عَلَيْهِ) : أَيْ: عَلَى السَّبْقِ إِلَيْهِ، وَالِاسْتِهَامُ: الِاقْتِرَاعُ. قِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهَا سِهَامٌ يُكْتَبُ عَلَيْهَا الْأَسْمَاءُ، فَمَنْ وَقَعَ لَهُ مِنْهَا سَهْمٌ فَازَ بِالْحَظِّ الْمَقْسُومِ، وَالتَّقْدِيرُ: بِالِاسْتِهَامِ وَطَلَبِ السَّهْمَ بِالْقُرْعَةِ (لَاسْتَهَمُوا) : يَعْنِي لَتَنَازَعُوا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ، حَتَّى اخْتُصُّوا بِالنِّدَاءِ، وَأَخَذُوا الْمَوْضِعَ مِنَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ بِالْقُرْعَةِ، وَأَتَى بِثُمَّ الْمُؤْذِنَةِ بِتَرَاخِي رُتْبَةِ الِاسْتِبَاقِ عَنِ الْعِلْمِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنِّدَاءِ الْإِقَامَةَ، عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، وَهُوَ أَوْفَقُ لِمَا بَعْدَهُ أَيْ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي حُضُورِ الْإِقَامَةِ وَتَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ وَالْوُقُوفِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَثُمَّ هُنَا لِلْإِشْعَارِ بِتَعْظِيمِ الْأَمْرِ وَبُعْدِ النَّاسِ عَنْهُ (وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ) : أَيْ: فِي الْمُسَارَعَةِ إِلَى الطَّاعَةِ مِنَ الْفَضِيلَةِ وَالْكَرَامَةِ (لَاسْتَبَقُوا) : أَيْ: لَبَادَرُوا (إِلَيْهِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: لَمَّا فَرَغَ مِنَ التَّرْغِيبِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ عَقِبَهُ بِالتَّرْغِيبِ فِي إِدْرَاكِ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَكَذَا وَجَبَ أَنْ يُفَسَّرَ التَّهْجِيرُ بِالتَّبْكِيرِ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْكَثِيرُونَ فِي النِّهَايَةِ، التَّهْجِيرُ: التَّبْكِيرُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ وَالْمُبَادَرَةُ إِلَيْهِ، وَهِيَ لُغَةٌ حِجَازِيَّةٌ أَرَادَ الْمُبَادَرَةَ إِلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ اهـ.
وَقِيلَ: التَّهْجِيرُ: السَّيْرُ فِي الْهَاجِرَةِ وَهِيَ نِصْفُ النَّهَارِ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَرِّ إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ وَإِلَى صَلَّاةِ الْجُمُعَةِ، وَفَسَّرَهُ الْأَكْثَرُونَ بِالتَّبْكِيرِ، أَيِ: الْمُضِيِّ إِلَى الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِلَى كُلِّ صَلَاةٍ، وَالْمُرَادُ هُوَ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:( «مَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَالَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً» ) قَالَ الْقَاضِي: لَا يُقَالُ: الْأَمْرُ بِالْإِبْرَادِ يُنَافِي الْأَمْرَ بِالتَّهْجِيرِ، وَالسَّعْيِ إِلَى الْجُمُعَةِ بِالظَّهِيرِ، لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ سُنَّةٌ، وَالْإِبْرَادُ رُخْصَةٌ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَوِ الْإِبْرَادُ تَأْخِيرٌ قَلِيلٌ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنِ التَّهْجِيرِ، فَإِنَّ الْهَاجِرَةَ تُطْلَقُ عَلَى الْوَقْتِ إِلَى أَنْ يَقْرُبَ الْعَصْرُ. (وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ) : أَيْ: صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ (وَالصُّبْحِ) : أَيْ: صَلَاتِهَا، وَخُصَّتَا، لِأَنَّهُمَا وَقْتُ النَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ وَالْكَسَلِ عَنِ الْعِبَادَةِ، فَحَثَّ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُمَا مَظِنَّةُ التَّفْوِيتِ (لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا) : أَيْ: وَلَوْ كَانَ الْإِتْيَانُ حَبْوًا أَيْ: زَحْفًا وَهُوَ مَشْيُ الصَّبِيِّ عَلَى أَرْبَعٍ، أَوْ دُبَيْبَةٌ عَلَى اسْتِهِ، وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ كَانُوا حَابِينَ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : رَوَاهُ أَحْمَدُ قَالَهُ مِيرَكُ.
629 -
وَعَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «لَيْسَ صَلَاةً أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
629 -
(وَعَنْهُ) : أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ صَلَاةً أَثْقَلَ) : بِالنَّصْبِ خَبَرُ لَيْسَ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لَيْسَ إِمَّا حَرْفٌ بِمَعْنَى (لَا) كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ سِيبَوَيْهِ، وَإِمَّا فِعْلٌ نَاسِخٌ، وَحِينَئِذٍ فَمُسَوِّغُ كَوْنِ اسْمِهَا الَّذِي هُوَ مُبْتَدَأٌ فِي الْأَصْلِ نَكِرَةٌ لِوُقُوعِهِ بَعْدَ نَفْيٍ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ اسْتِعْمَالِ لَيْسَ لِلنَّفْيِ الْعَامِ الْمُسْتَغْرِقِ لِلْجِنْسِ، وَيُؤَيِّدُهُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} [الغاشية: 6] اهـ.
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: الصَّوَابُ الثَّانِي بِدَلِيلِ لَسْتَ لَسْتُمَا وَلَيْسُوا وَلَيْسَتْ، وَتَلَازُمٌ وَرَفْعُ الِاسْمِ وَنَصْبُ الْخَبَرِ، وَقِيلَ: قَدْ تَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ. أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ نَاصِبًا لِلْمُسْتَثْنَى بِمَنْزِلَةِ: (إِلَّا) نَحْوَ: أَتَوْنِي لَيْسَ زَيْدًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا النَّاسِخَةُ، وَأَنَّ اسْمَهَا ضَمِيرٌ رَاجِعٌ لِلْبَعْضِ الْمَفْهُومِ مِمَّا تَقَدَّمَ وَاسْتِتَارُهُ وَاجِبٌ، فَلَا يَلِيهَا فِي اللَّفْظِ إِلَّا الْمَنْصُوبُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَانَتْ سَبَبَ قِرَاءَةِ سِيبَوَيْهِ النَّحْوَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ لِكِتَابَةِ الْحَدِيثِ، فَاسْتَمْلَى مِنْهُ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام:( «لَيْسَ مِنْ أَصْحَابِي أَحَدٌ إِلَّا وَلَوْ شِئْتُ لَأَخَذْتُ عَلَيْهِ لَيْسَ أَبَا الدَّرْدَاءِ» )، فَقَالَ سِيبَوَيْهِ: لَيْسَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَصَاحَ بِهِ حَمَّادٌ لَحَنْتَ يَا سِيبَوَيْهِ إِنَّمَا هَذَا اسْتِثْنَاءٌ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأَطْلُبَنَّ عِلْمًا لَا تُلْحِنُنِي مَعَهُ ثُمَّ مَضَى وَلَزِمَ الْأَخْفَشَ وَغَيْرَهُ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ اسْتِثْنَاءٌ يَعْنِي بِهِ مَعْنَى بِدَلِيلِ لُزُومِهِ النَّصْبَ " (عَلَى الْمُنَافِقِينَ) : وَخُصُّوا بِالذِّكْرِ، لِأَنَّهُمْ طُبِعُوا عَلَى الْكَسَلِ عَنِ الْعِبَادَةِ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يُصَلُّوا إِلَّا رِيَاءً وَسُمْعَةً، وَفِي ذِكْرِهِمْ هُنَا غَايَةُ التَّحْذِيرِ عَنِ التَّشَبُّهِ بِهِمْ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْمُخْلِصِينَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ (مِنَ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ) : وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: لِأَنَّ الْعِشَاءَ وَقْتُ الِاسْتِرَاحَةِ، وَالصُّبْحَ فِي الصَّيْفِ وَقْتُ لَذَّةِ النَّوْمِ، وَفِي الشِّتَاءِ وَقْتُ شِدَّةِ الْبَرْدِ. (وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا) : مِنَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ (لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَاهُ أَحْمَدُ قَالَهُ مِيرَكُ.
630 -
وَعَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ ; فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ» ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
630 -
(وَعَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ) : أَيِ: النِّصْفَ الْأَوَّلَ يَعْنِي كَإِحْيَائِهِ بِالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ لِمَا فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ، سِيَّمَا مَعَ الْجَمَاعَةِ الْمُسْتَدْعِيَةِ لِلسَّعْيِ إِلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى فِي الظُّلَمِ، أَوِ الْبَاعِثَةِ عَلَى انْتِظَارِ الصَّلَاةِ فِيهِ مَعَ فَضِيلَةِ الِاعْتِكَافِ مِنْ عَظِيمِ الْمَشَقَّةِ النَّاشِئِ مِنْ تَحَمُّلِهَا عَنْ كَمَالِ الْإِخْلَاصِ، وَظُهُورِ الْخَوْفِ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ وَالرَّجَاءِ إِلَى جَمَالِهِ تَعَالَى. (وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ) عَبَّرَ هُنَا بِصَلَّى، وَفِيمَا سَبَقَ بِقَامَ تَفَنُّنًا وَإِيمَاءً إِلَى أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ تُسَمَّى قِيَامًا " (كُلَّهُ) : أَيْ: بِانْضِمَامِ ذَلِكَ النِّصْفِ، فَكَأَنَّهُ أَحْيَا نِصْفَ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ، أَوْ يَكُونُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ قِيَامَ الصُّبْحِ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، فَإِنَّهُ أَشَقُّ وَأَصْعَبُ عَلَى النَّفْسِ وَأَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ، فَإِنَّ تَرْكَ النَّوْمِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ أَشَقُّ مِنْ إِرَادَةِ الدُّخُولِ فِيهِ، إِذِ الْكَسَلُ يَسْتَوْلِي فِي الْأَوَّلِ أَكْثَرَ، فَتَكُونُ مُجَاهَدَتُهُ عَلَى الشَّيْطَانِ أَكْبَرَ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ قَالَهُ مِيرَكُ.
631 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَا يَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمُ الْمَغْرِبِ) قَالَ: (تَقُولُ الْأَعْرَابُ: هِيَ الْعِشَاءُ) » .
ــ
631 -
(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَا يَغْلِبَنَّكُمْ) : بِالتَّذْكِيرِ وَيُؤَنَّثُ " (الْأَعْرَابُ) : وَهُمْ سُكَّانُ الْبَوَادِي خَاصَّةً، وَالْمُرَادُ أَعْرَابُ الْجَاهِلِيَّةِ "(عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ) ": يُقَالُ: غَلَبْتُهُ عَلَى الشَّيْءِ أَخَذْتُهُ مِنْهُ (الْمَغْرِبِ) : يَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ أَيْ: هِيَ، وَنَصْبُهُ بِتَقْدِيرِ أَعْنِي، وَجَرُّهُ عَلَى الصِّفَةِ أَوِ الْبَدَلِ وَهُوَ الْأَوْلَى (قَالَ:(وَيَقُولُ) : بِالتَّذْكِيرِ وَيُؤَنَّثُ (الْأَعْرَابُ: هِيَ) : أَيِ: الْمَغْرِبُ (الْعِشَاءُ) : أَيْ: لَا تُكْثِرُوا اسْتِعْمَالَ الْعِشَاءِ عَلَى الْمَغْرِبِ عَلَى وِفْقِ اسْتِعْمَالِهِمْ، فَتَغْلِبَ تَسْمِيَتُهُمْ عَلَى تَسْمِيَتِكُمْ بَلْ سَمُّوهَا الْمَغْرِبَ، فَالنَّهْيُ ظَاهِرٌ لِلْأَعْرَابِ، وَحَقِيقَةٌ لِلْأَصْحَابِ.
632 -
وَقَالَ: ( «لَا يَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمُ الْعِشَاءِ، فَإِنَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ الْعِشَاءُ. فَإِنَّهَا تَعْتِمُ بِحِلَابِ الْإِبِلِ» ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
632 -
(وَقَالَ: (لَا يَغْلِبَنَّكُمُ) : بِالْوَجْهَيْنِ (الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمُ الْعِشَاءِ) : بِالْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ، وَالْمَعْنَى: لَا تَتَعَرَّضُوا لِمَا هُوَ مِنْ عَادَتِهِمْ مِنْ تَسْمِيَةِ الْعِشَاءِ بِالْعَتَمَةِ فَتَغْصِبَ مِنْكُمُ اسْمُ الْعِشَاءِ الَّتِي سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى أَيْ: لَا يَلِيقُ الْعُدُولُ عَمَّا فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ تَسْمِيَتِهَا عِشَاءً إِلَى مَا أَلِفَهُ الْأَعْرَابُ مِنْ تَسْمِيَتِهَا عَتَمَةً، وَلَعَلَّ حِكْمَةَ الْعُدُولِ عَنْهُ قُبْحُ لَفْظِهِ، إِذِ الْعَتَمَةُ شِدَّةُ الظَّلَامِ، وَالصَّلَاةُ هِيَ النُّورُ الْأَعْظَمُ، فَلَا يَلِيقُ أَنْ يُوضَعَ لَهَا لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِهَا، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ (فَإِنَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ الْعِشَاءُ) : عِلَّةٌ لِلنَّهْيِ، وَفِي قَوْلِهِ (فَإِنَّهَا تُعْتِمُ) : عِلَّةٌ لِلتَّسْمِيَةِ يَعْنِي أَنَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى - تُسَمَّى الْعِشَاءَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58] وَهُمْ يُسَمُّونَهَا بِالْعَتَمَةِ ; لِأَنَّهَا تُعْتِمُ (بِحِلَابِ الْإِبِلِ) : فَإِنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَحْتَلِبُونَ الْإِبِلَ بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ حِينَ يَمُدُّ الظَّلَامُ رَوَاقَهُ، وَسُمِّيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ الْعَتَمَةَ، وَقِيلَ: كَانُوا يُؤَخِّرُونَ الْحِلَابَ إِلَى الظُّلْمَةِ، وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ الْوَقْتَ الْعَتَمَةَ فَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بَاسْمِ وَقْتِهِ أَيْ: لَا تُطْلِقُوا هَذَا الِاسْمَ عَلَى الْعِشَاءِ لِئَلَّا يَغْلِبَ عَلَى مَا جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهَا تُعْتِمُ رُوِيَ مَجْهُولًا، فَالضَّمِيرَانِ لِلصَّلَاةِ وَمَعْلُومًا فَهُمَا لِلْأَعْرَابِ قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. وَقَالَ السَّيِّدُ: تُعْتِمُ مَعْرُوفٌ لِرِوَايَةٍ، فَإِنَّهُمْ يُعْتِمُونَ وَيَجُوزُ كَوْنُهُ مَجْهُولًا، وَالضَّمِيرُ لِلصَّلَاةِ اهـ.
فَالْأَصَحُّ رِوَايَةً وَالْأَوْضَحُ دِرَايَةً صِيغَةُ الْمَعْلُومِ، وَالْبَاءُ فِي بِحِلَابِهَا سَبَبِيَّةٌ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا فِي الْعَتَمَةِ قِيلَ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ نُزُولَ الْآيَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي التَّارِيخِ، وَالْوَجْهُ أَنَّهُ كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ جَائِزًا، فَلَمَّا كَثُرَ إِطْلَاقُهُمْ، وَجَرَتْ أَلْسِنَتُهُمْ نَهَاهُمْ ; لِئَلَّا يَغْلِبَ لِسَانُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْنِي: فَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى مَا جَمَعَهُ قَبْلَ النَّهْيِ، وَمُحْتَمَلٌ أَنَّهُ جَمَعَهُ بِلَفْظِ الْعِشَاءِ، وَلَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ فَرَوَاهُ بِالْمَعْنَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فِي الْجَوَابِ وَجْهَانِ، الْأَوَّلُ: أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْعَتَمَةِ بَيَانٌ لِلْجَوَازِ وَالنَّهْيُ عَنْهُ لِلتَّنْزِيهِ، الثَّانِي: أَنَّهُ خُوطِبَ بِالْعَتَمَةِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْعِشَاءَ ; لِأَنَّهَا أَشْهَرُ عِنْدَ الْعَرَبِ مِنَ الْعِشَاءِ، وَإِنَّمَا كَانُوا يُطْلِقُونَ الْعِشَاءَ عَلَى الْمَغْرِبِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ: فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْأُولَى مَرْوِيَّةٌ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ صَاحِبُ التَّخْرِيجِ: وَلَمْ أَرَهُ فِي غَيْرِ الْبُخَارِيِّ، وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، وَأَمَّا الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ: فَمِنْ إِفْرَادِ مُسْلِمٍ، وَمَنْشَأُ تَوَهُّمِ صَاحِبِ الْمِشْكَاةِ أَنَّ مُحْيِيَ السُّنَّةِ رحمه الله أَوْرَدَ الْحَدِيثَيْنِ فِي الْمَصَابِيحِ. أَحَدُهُمَا عُقَيْبَ الْآخَرِ، وَقَالَ فِي الْآخَرِ: رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ، فَظَنَّ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فَوَقَعَ فِيمَا وَقَعَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَحْمَدُ.
633 -
وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: ( «حَبَسُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى: صَلَاةِ الْعَصْرِ، مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
633 -
(وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ) : وَهُوَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ، وَكَانَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَرَجَّحَهُ الْبُخَارِيُّ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَعَلَيْهِ كَثِيرُونَ، سُمِّيَتِ الْغَزْوَةُ بِالْخَنْدَقِ لِأَجْلِ الْخَنْدَقِ الَّذِي حُفِرَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ بِأَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام لَمَّا أَشَارَ بِهِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، فَإِنَّهُ مِنْ مَكَائِدِ الْفُرْسِ دُونَ الْعَرَبِ، وَعَمِلَ فِيهِ صلى الله عليه وسلم بِنَفْسِهِ كَثِيرًا تَرْغِيبًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُمْ قَاسَوْا فِي حَفْرِهِ شَدَائِدَ مِنْهَا شِدَّةُ الْجُوعِ وَالْبَرْدِ وَكَثْرَةُ الْحَفْرِ وَالتَّعَبِ، وَأَقَامُوا فِي مَحَلِّ حَفْرِهِ عِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا، أَقْوَالٌ. وَسُمِّيَتْ بِالْأَحْزَابِ لِاجْتِمَاعِ طَوَائِفَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ وَالْيَهُودِ. وَمَنْ مَعَهُمْ عَلَى حَرْبِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ كَانُوا ثَلَاثَةَ آلَافٍ. (حَبَسُونَا) : قَالَ الطِّيبِيُّ: كَذَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَنُسَخِ الْمَصَابِيحِ أَيْ: مَنَعَنَا الْكُفَّارُ بِاشْتِغَالِنَا بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ، لِأَجْلِ دَفْعِهِمْ يَعْنِي شَغَلُونَا (عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى) : قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى يَعْنِي: عَنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هِيَ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ، وَالْبَصْرِيُّونَ يُقَدِّمُونَ مَحْذُوفًا أَيْ: عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى أَيْ عَنْ فِعْلِهَا (صَلَاةِ الْعَصْرِ) : بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ لَهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهَا الْعَصْرُ وَهُوَ
الْمُخْتَارُ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّهَا الصُّبْحُ، وَصَحَّتِ الْأَحَادِيثُ أَنَّهَا الْعَصْرُ، فَكَانَ هَذَا هُوَ مَذْهَبَهُ لِقَوْلِهِ: إِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي، وَاضْرِبُوا بِمَذْهَبِي عُرْضَ الْحَائِطِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: وَهَذَا مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ، وَالْحَدِيثُ نَصٌّ فِيهِ، وَقِيلَ الصُّبْحُ وَعَلَيْهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ الظُّهْرُ، وَقِيلَ الْمَغْرِبُ، وَقِيلَ الْعِشَاءُ، وَقِيلَ أَخْفَاهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الصَّلَوَاتِ كَلَيْلَةِ الْقَدْرِ وَسَاعَةِ الْإِجَابَةِ فِي الْجُمُعَةِ اهـ.
وَقِيلَ: صَلَاةُ الضُّحَى أَوِ التَّهَجُّدِ أَوِ الْأَوَّابِينَ أَوِ الْجُمُعَةِ أَوِ الْعِيدِ أَوِ الْجَنَازَةِ، وَزَادَ الْبُخَارِيُّ بَعْدَ قَوْلِهِ: صَلَاةُ الْعَصْرِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا فِي مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ إِلَى احْمِرَارِ الشَّمْسِ أَوِ اصْفِرَارِهَا، لِأَنَّ الْحَبْسَ وَإِنِ انْتَهَى إِلَى هَذَا الْوَقْتِ لَكِنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تَقَعْ إِلَّا بَعْدَ الْمَغْرِبِ إِذْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْوَقْتِ مَا يَسَعُهَا مَعَ طُهْرِهَا وَنَحْوِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ جَاءَ بَعْدَمَا كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: (وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا) فَنَزَلَ بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ وَتَوَضَّئُوا فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَمَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَقَضِيَّةُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَفُتْهُ غَيْرُ الْعَصْرِ.
وَفَى التِّرْمِذِيِّ: أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ وَلَا تَعَارُضَ ; لِأَنَّ الْوَقْعَةَ اسْتَمَرَّتْ أَيَّامًا، فَكَانَ كُلٌّ فِي يَوْمٍ، وَفِي إِسْنَادِ الْحَبْسِ إِلَيْهِمْ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ التَّأْخِيرَ كَانَ بِسَبَبِ الِاشْتِغَالِ بِقِتَالِهِمْ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا مَانِعِينَ لِصَلَاتِهِمْ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَسِيَ بِسَبَبِ ذَلِكَ الِاشْتِغَالِ، وَمُحْتَمَلٌ أَنَّهُ كَانَ مُتَعَمِّدًا وَآثَرَ الِاشْتِغَالَ بِقِتَالِهِمْ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ صَلَاةِ الْخَوْفِ (مَلَأَ اللَّهُ) : دَعَا عَلَيْهِمْ، وَأَخْرَجَهُ فِي صُورَةِ الْخَبَرِ تَأْكِيدًا وَإِشْعَارًا بِأَنَّهُ مِنَ الدَّعَوَاتِ الْمُجَابَةِ سَرِيعًا، وَعَبَّرَ بِالْمَاضِي ثِقَةً بِالِاسْتِجَابَةِ، فَكَأَنَّهُ أُجِيبَ سُؤَالُهُ فَأَخْبَرَ عَنْ وُجُودِ إِجَابَتِهِ وَوُقُوعِهَا، وَلِذَا قَالُوا: غَفَرَ اللَّهُ لِفُلَانٍ أَبْلَغُ مِنَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ (بُيُوتَهُمْ) : بِكَسْرِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا (وَقُبُورَهُمْ نَارًا) : قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ جَعَلَ اللَّهُ النَّارَ مُلَازِمَةً لَهُمْ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَمَاتِ، وَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقِيلَ: أَرَادَ عَذَابَ الدُّنْيَا مِنْ تَخْرِيبِ الْبُيُوتِ وَنَهْبِ الْأَمْوَالِ، وَسَبْيِ الْأَوْلَادِ، وَعَذَابَ الْآخِرَةِ بِاشْتِعَالِ قُبُورِهِمْ نَارًا، أَوِ الْأُسْلُوبُ مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ لِذِكْرِ النَّارِ فِي الْبُيُوتِ، أَوْ مِنْ بَابِ الِاسْتِعَارَةِ اسْتُعِيرَتِ النَّارُ لِلْفِتْنَةِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : رَوَاهُ أَحْمَدُ، قَالَهُ مِيرَكُ.
الْفَصْلُ الثَّانِي
634 -
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنهما قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «صَلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
634 -
(عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ) : بِضَمِّ الْجِيمِ وَالدَّالِ وَتُفْتَحُ (قَالَا: قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: صَلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ) : لِأَنَّهَا وُسْطَى بَيْنَ صَلَاتَيِ النَّهَارِ، وَصَلَاتَيِ اللَّيْلِ، وَلِأَنَّ السُّوقَ كَانَتْ تَقُومُ ذَلِكَ الْوَقْتَ، فَكَانَتْ مَظِنَّةَ الِاشْتِغَالِ بِهَا عَنْهَا، فَخُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِذَلِكَ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ ذَكَرَهُ مِيرَكُ.
635 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، «عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]، قَالَ:(تَشْهَدُهُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ) » رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
635 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء: 78] : أَيْ: صَلَاةَ الْفَجْرِ سُمِّيَتْ قُرْآنًا وَهُوَ الْقِرَاءَةُ، لِأَنَّهَا رُكْنٌ مِنْهَا كَمَا سُمِّيَتْ رَكْعَةً وَسَجْدَةً وَهُوَ فِي آخِرِ دِيوَانِ اللَّيْلِ وَأَوَّلِ دِيوَانِ النَّهَارِ، وَفَائِدَةُ تَسْمِيَتِهِ بِالْقُرْآنِ الْحَثُّ عَلَى طُولِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ: {كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] : أَيْ: مَحْضُورًا (قَالَ: (تَشْهَدُهُ) : بِالتَّأْنِيثِ وَيُذَكَّرُ أَيْ: تَحْضُرُهُ (مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ) : اسْتِئْنَافٌ مُبَيِّنٌ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : كَانَ مُقْتَضَى دَأْبِهِ أَنْ يَقُولَ -: رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَابْنُ مَاجَهْ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ.