المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

866 - «وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٢

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الْغُسْلِ]

- ‌[بَابُ مُخَالَطَةِ الْجُنُبِ وَمَا يُبَاحُ لَهُ]

- ‌[بَابُ أَحْكَامِ الْمِيَاهِ]

- ‌[بَابُ تَطْهِيرِ النَّجَاسَاتِ]

- ‌[بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[بَابُ الْغُسْلِ الْمَسْنُونِ]

- ‌[بَابُ الْحَيْضِ]

- ‌[بَابُ الْمُسْتَحَاضَةِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ الْمَوَاقِيتِ]

- ‌[بَابُ تَعْجِيلِ الصَّلَوَاتِ]

- ‌[بَابُ فَضِيلَةِ الصَّلَوَاتِ]

- ‌[بَابُ الْأَذَانِ]

- ‌[بَابُ فَضْلِ الْأَذَانِ وَإِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ]

- ‌[بَابُ تَأْخِيرِ الْأَذَانِ]

- ‌[بَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ السَّتْرِ]

- ‌[بَابُ السُّتْرَةِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ مَا يُقْرَأُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ]

- ‌[بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ الرُّكُوعِ]

- ‌[بَابُ السُّجُودِ وَفَضْلِهِ]

- ‌[بَابُ التَّشَهُّدِ]

- ‌[بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفَضْلِهَا]

- ‌[بَابُ الدُّعَاءِ فِي التَّشَهُّدِ]

- ‌[بَابُ الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ وَمَا يُبَاحُ مِنْهُ]

- ‌[بَابُ السَّهْوِ]

- ‌[بَابِ سُجُودِ الْقُرْآنِ]

- ‌[بَابُ أَوْقَاتِ النَّهْيِ]

الفصل: 866 - «وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ،

866 -

«وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: مَا مِنَ الْمُفَصَّلِ سُورَةٌ صَغِيرَةٌ وَلَا كَبِيرَةٌ إِلَّا قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَؤُمُّ بِهَا النَّاسَ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ» ، رَوَاهُ مَالِكٌ.

ــ

866 -

(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ)، أَيْ: جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَا يُحْتَمَلُ هُنَا عَوْدُ الضَّمِيرِ لِجَدِّ شُعَيْبٍ، فَيَكُونُ الْحَدِيثُ عَنْ عَمْرٍو؛ لِأَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ هُوَ الْأَوَّلُ (مَا مِنَ الْمُفَصَّلِ سُورَةٌ صَغِيرَةٌ وَلَا كَبِيرَةٌ إِلَّا قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَؤُمُّ بِهَا النَّاسَ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ)، أَيِ: الْمَفْرُوضَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ وَهِيَ الْخَمْسُ، ثُمَّ هُوَ إِمَّا عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْجَوَازِ وَالْبَيَانِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالْمُفَصَّلُ مِمَّا اخْتُصَّ بِهِ عليه السلام، فَفِي حَدِيثِ أَبِي نُعَيْمٍ: وَأُعْطِيتُ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كُنُوزِ الْعَرْشِ، وَخُصِّصْتُ بِهِ دُونَ الْأَنْبِيَاءِ، وَأُعْطِيتُ الْمَثَانِي مَكَانَ التَّوْرَاةِ، وَالْمَئِينَ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ، وَالْخَوَاتِيمَ مَكَانَ الزَّبُورِ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَثَانِي الْفَاتِحَةُ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ:«أُمُّ الْقُرْآنِ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي» ، أَيْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} [الحجر: 87] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ السَّبْعَ الْمَثَانِي السَّبْعُ الطِّوَالُ أَوَّلُهَا الْبَقَرَةُ وَآخِرُهَا الْأَنْفَالُ مَعَ التَّوْبَةِ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ سُورَةَ يُونُسَ بَدَلَ الْأَنْفَالِ (رَوَاهُ مَالِكٌ) : كَانَ مُقْتَضَى دَأْبِهِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْأَرْبَعَةِ وَيَقُولَ: رَوَاهَا مَالِكٌ.

ص: 707

867 -

«وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِـ حم الدُّخَانِ» ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مُرْسَلًا.

ــ

867 -

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ) : الْهُذَلِيِّ ابْنِ أَخِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، مَدَنِيُّ الْأَصْلِ، سَكَنَ الْكُوفَةَ، أَدْرَكَ زَمَنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ بِالْكُوفَةِ، سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَغَيْرَهُ، كَذَا فِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ لِلْمُؤَلِّفِ، (قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِـ حم الدُّخَانِ) ، أَيْ: كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَفِي أَصْلِ السَّيِّدِ جَمَالِ الدِّينِ ضُبِطَ بِكَسْرِ مِيمِ حَمِ وَجَرِّ الدُّخَانِ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ تَحْرِيكُهُ بِالْكَسْرِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ مُضَافٌ إِلَيْهِ، أَوْ بَدَلٌ أَوْ بَيَانٌ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ؛ لِأَنَّ الْفُتْحَةَ أَخَفُّ الْحَرَكَاتِ، وَفِي أُخْرَى بِنَصْبِ الدُّخَانِ بِتَقْدِيرِ: أَعْنِي، (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مُرْسَلًا) : لِأَنَّ الرَّاوِيَ تَابِعِيٌّ وَحُذِفَ الصَّحَابِيُّ.

ص: 707

[بَابُ الرُّكُوعِ]

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

868 -

عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي» "، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

(13)

بَابُ الرُّكُوعِ.

هُوَ رَكْنٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ لُغَةً الِانْحِنَاءُ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْخُضُوعُ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ خَصَائِصِنَا لِقَوْلِ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] إِنَّمَا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُمْ لَا رُكُوعَ فِيهَا، وَالرَّاكِعُونَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَأُمَّتُهُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43] صَلِّي مَعَ الْمُصَلِّينَ، وَقِيلَ: حِكْمَةُ تَكْرِيرِ السُّجُودِ دُونَهُ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ وَمُقَدِّمَةٌ لِلسُّجُودِ الَّذِي هُوَ الْخُضُوعُ الْأَعْظَمُ، لِمَا فِيهِ مِنْ مُبَاشَرَةِ أَشْرَفِ مَا فِي الْإِنْسَانِ لِمَوَاطِئِ الْأَقْدَامِ وَالنِّعَالِ، فَنَاسَبَ تَكْرِيرَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَكَفِّلُ بِالْمَقْصُودِ، حَيْثُ وَرَدَ، أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، وَقِيلَ: إِنَّمَا كُرِّرَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ مِنَ الْأَرْضِ وَإِلَيْهَا يَعُودُ وَمِنْهَا يَخْرُجُ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى: مِنْهَا خَلَقْتَنِي، وَفِي الثَّانِيَةِ: وَفِيهَا تُعِيدُنِي، وَفِي الرَّفْعِ الثَّانِي: وَمِنْهَا تُخْرِجُنِي تَارَةً أُخْرَى، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ أُمِرُوا بِالسُّجُودِ وَسَجَدُوا رَأَوْا بَعْدَ السُّجُودِ أَنَّ اللَّعِينَ لَمْ يَسْجُدْ فَسَجَدُوا سَجْدَةً ثَانِيَةً شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى تَوْفِيقِ سَجْدَتِهِمْ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ تَعَبُّدٌ مَحْضٌ.

ص: 707

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ.

868 -

(عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " «أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ» ) : قَالَ الطِّيبِيُّ، أَيْ: أَتَمُّوهُمَا، مِنْ أَقَامَ الْعُودَ إِذَا قَوَّمَهُ " «فَوَاللَّهِ إِنِّي لِأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي» ) ، أَيْ: أَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ خَلْفَ ظَهْرِي مِنْ نُقْصَانِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَهِيَ مِنَ الْخَوَارِقِ الَّتِي أُعْطِيهَا عليه السلام ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْكُشُوفَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْقُلُوبِ الْمُنْجَلِيَةِ لِعُلُومِ الْغُيُوبِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَفِي الْحَدِيثِ حَثٌّ عَلَى الْإِقَامَةِ وَمَنْعٌ عَنِ التَّقْصِيرِ، فَإِنَّ تَقْصِيرَهُمْ إِذَا لَمْ يَخْفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَكَيْفَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى؟ وَالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا عَلِمَهُ بِاطِّلَاعِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ وَكَشْفِهِ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّ هَذَا الْإِبْصَارَ إِدْرَاكٌ حَقِيقِيٌّ بِحَاسَّةِ الْعَيْنِ خَاصٌّ بِهِ عليه السلام عَلَى طَرِيقِ خَرْقِ الْعَادَةِ، فَكَانَ يَرَى بِهِمَا مِنْ غَيْرِ مُقَابِلَةٍ وَقُرْبٍ، وَقِيلَ: كَانَتْ لَهُ عَيْنٌ خَلْفَ ظَهْرِهِ، وَقِيلَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَيْنَانِ مِثْلُ سَمِّ الْخِيَاطِ لَا يَحْجِبُهُمَا شَيْءٌ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : قَالَ مِيرَكُ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

ص: 708

869 -

«وَعَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسُجُودُهُ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ - مَا خَلَا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ - قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

869 -

(وَعَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كَانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَسُجُودُهُ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ)، أَيْ: وَجُلُوسُهُ بَيْنَهُمَا (وَإِذَا رَفَعَ)، أَيْ: وَقِيَامُهُ حِينَ رَفْعَ رَأْسَهُ؛ لِأَنَّ (إِذَا)، إِذَا انْسَلَخَتْ عَنْ مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ تَكُونُ لِلْوَقْتِ الْمُجَرَّدِ (مِنَ الرُّكُوعِ: مَا خَلَا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ) : بِنَصْبِهِمَا لَا غَيْرُ، قَالَ الطِّيبِيُّ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْمَعْنَى، فَإِنَّ مَفْهُومَ ذَلِكَ كَانَتْ أَفْعَالُ صَلَاتِهِ عليه السلام (مَا خَلَا الْقِيَامَ)، أَيْ: لِلْقِرَاءَةِ، (وَالْقُعُودِ) أَيْ: لِلتَّشَهُّدِ (قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ)، أَيْ: كَانَ قَرِيبًا مِنَ التَّسَاوِي وَالتَّمَاثُلِ لَا طَوِيلًا وَلَا قَصِيرًا، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ: (وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ) ، (وَإِذَا رَفَعَ) مَعْطُوفَانِ عَلَى اسْمِ كَانَ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُضَافِ، أَيْ: زَمَانُ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَوَقْتُ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنَ الرُّكُوعِ سَوَاءً (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) ، قَالَ مِيرَكُ، فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ جُمْلَةَ مَا خَلَا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ.

ص: 708

870 -

«وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَالَ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " قَامَ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَوْهَمَ، ثُمَّ يَسْجُدُ وَيَقْعُدُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَوْهَمَ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

870 -

(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَالَ: ( «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» ) : تَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لَفْظًا وَمَعْنًى (قَامَ حَتَّى نَقُولَ) : بِالنَّصْبِ، وَقِيلَ: بِالرَّفْعِ حِكَايَةَ حَالٍ مَاضِيَةٍ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: نَصَبَ (نَقُولَ) بِحَتَّى، وَهُوَ الْأَكْثَرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُعْمِلُ حَتَّى إِذَا حَسُنَ فَعَلَ مَوْضِعَ يَفْعَلُ كَمَا يُحْسِنُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، حَتَّى قُلْنَا قَدْ أَوْهَمَ، وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَلَى مَا عَلِمْنَا عَلَى النَّصْبِ، وَكَانَ تَرْكُهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَتَمَّ وَأَبْلَغَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمُضَارِعَ إِذَا كَانَ حِكَايَةً عَنِ الْحَالِ الْمَاضِيَةِ لَا يَحْسُنُ فِيهِ الْإِعْمَالُ وَإِلَّا فَيَحْسُنُ، وَهُنَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ قَامَ، وَفِيهِ بَحْثٌ إِذْ وَرَدَ فِي التَّنْزِيلِ {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} [البقرة: 214] بِالنَّصْبِ عَلَى قِرَاءَةِ الْأَكْثَرِ، وَقَرَأَ نَافِعٌ بِالرَّفْعِ مَعَ أَنَّ الْمَعْنَى وَقَعَ الزِّلْزَالُ مِنْهُمْ إِلَى أَنْ قَالَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ:{مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة: 214] وَمَعْنَى الْحَدِيثِ يُطِيلُ الْقِيَامَ أَوْ أَطَالَهُ حَتَّى نَظُنَّ؛ إِذِ الْقَوْلُ قَدْ جَاءَ بِمَعْنَاهُ، (قَدْ أَوْهَمَ) : عَلَى صِيغَةِ الْمَاضِي الْمَعْلُومِ، وَقِيلَ مَجْهُولٌ، فِي الْفَائِقِ: أَوْهَمْتُ الشَّيْءَ، إِذَا تَرَكْتُهُ، وَأَوْهَمْتُ فِي الْكَلَامِ وَالْكِتَابِ إِذَا أَسْقَطْتُ مِنْهُ شَيْئًا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ يَعْنِي: كَانَ يَلْبَثُ فِي حَالِ الِاسْتِوَاءِ مِنَ الرُّكُوعِ زَمَانًا نَظُنُّ أَنَّهُ أَسْقَطَ الرَّكْعَةَ الَّتِي رَكَعَهَا وَعَادَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْقِيَامِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَيُقَالُ أَوْهَمْتُهُ إِذَا أَوْقَعْتُهُ فِي الْغَلَطِ، وَعَلَى هُنَا يَكُونُ أَوْهَمَ عَلَى صِيغَةِ الْمَاضِي الْمَجْهُولِ، أَيْ: أَوْقَعَ عَلَيْهِ الْغَلَطَ، وَوَقَفَ سَهَوًا، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ: وَقَعَ فِي وَهْمِ النَّاسِ، أَيْ: ذِهْنِهِمْ أَنَّهُ تَرَكَهَا، (ثُمَّ يَسْجُدُ وَيَقْعُدُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ)، أَيْ: يُطِيلُ الْقُعُودَ

ص: 708

بَيْنَهُمَا (حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَوْهَمَ)، أَيْ: نَظُنُّ أَنَّهُ أَسْقَطَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْإِطَالَةَ كَانَتْ فِي النَّوَافِلِ، أَوْ فِي الْفَرَائِضِ أَحْيَانًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَلَفْظَةُ كَانَ لِلرَّابِطَةِ لَا لِبَيَانِ الْمُوَاظَبَةِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ص: 709

871 -

«وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: " سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

871 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ) : مِنَ الْإِكْثَارِ (أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: " «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ» )، أَيْ: سَبَّحْتُكَ إِجَابَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48] قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، فَالْمَعْنَى حِينَ تَقُومُ لِلْعِبَادَةِ، وَإِلَّا فَالْمَشْهُورُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ حِينَ تَقُومُ مِنْ مَجْلِسِكَ، أَوْ مِنَ النَّوْمِ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي)، أَيْ: إِجَابَةً لِقَوْلِهِ: {رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ} [المؤمنون: 118] ، قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَأَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ تَعَالَى:{وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ} [المؤمنون: 118](2) ، وَهُوَ لَا يُلَائِمُ تَبْدِيلَ رَبِّ بِـ (اللَّهُمَّ)، وَالِاقْتِصَارَ عَلَى قَوْلِهِ: اغْفِرْ، فَالْأَظْهَرُ إِجَابَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19] فَالْمَعْنَى لِي وَلِأُمَّتِي، وَفِي الْحَقِيقَةِ لِأُمَّتِي؛ فَإِنَّهُ مَغْفُورٌ، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ طَلَبَ تَثْبِيتَ الْمَغْفِرَةِ أَوْ حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ، (يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ) : قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: أَيْ يَعْمَلُ مَا أُمِرَ بِهِ فِيهِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ، أَيْ: يُفَسِّرُهُ وَيَقُولُ وَيَنْظُرُ إِلَى مَا تَئُولُ إِلَيْهِ كَلِمَاتُ الْقُرْآنِ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالْحَمْدِ وَالِاسْتِغْفَارِ قَالَ الْقَاضِي: جُمْلَةٌ وَقَعَتْ حَالًا عَنْ ضَمِيرِ يَقُولُ أَيْ يَقُولُ مُتَأَوِّلًا لِلْقُرْآنِ، أَيْ: مُبَيِّنًا مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر: 3] آتِيًا بِمُقْتَضَاهُ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَهُوَ أَظْهَرُ لَفْظًا وَمَعْنًى وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يُقَيَّدْ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، لَكِنْ جَعْلُهُ فِي أَفْضَلِ الْأَحْوَالِ - وَهُوَ الصَّلَاةُ - أَبْلَغُ فِي الِامْتِثَالِ وَأَظْهَرُ فِي التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ، (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَحْمَدُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» "، فَيُسَنُّ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَصَحَّ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيهِمَا:" «سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ» "، وَصَحَّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] كَانَ يُكْثِرُ إِذَا قَرَأَهَا وَرَكَعَ أَنْ يَقُولَ: " «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» ".

ص: 709

872 -

وَعَنْهَا «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: " سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ» "، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

872 -

(وَعَنْهَا) : أَيْ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ)، أَيْ: أَحْيَانًا ( «يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: " سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ» )، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: يُرْوَيَانِ بِالضَّمِّ، وَالْفَتْحُ قِيَاسٌ، وَالضَّمُّ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا، وَهُوَ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ، وَالْمُرَادُ التَّنْزِيهُ اهـ، وَلَعَلَّ التَّكْرِيرَ لِلتَّأْكِيدِ، أَوْ أَحَدَهُمَا لِتَنْزِيهِ الذَّاتِ وَالْآخَرَ لِتَنْزِيهِ الصِّفَاتِ، قَالَ الْمُظْهِرُ: هُمَا خَبَرَانِ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: رُكُوعِي وَسُجُودِي لِمَنْ هُوَ سُبُّوحٌ وَقُدُّوسٌ، أَيْ: مُنَزَّهٌ عَنْ أَوْصَافِ الْمَخْلُوقَاتِ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ تَقْدِيرَهُ: أَنْتَ سُبُّوحٌ أَوْ هُوَ سُبُّوحٌ، أَيْ: مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ مِنْ سَبَّحْتُ اللَّهَ، أَيْ: نَزَّهْتُهُ، وَقُدُّوسٌ أَيْ طَاهِرٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَمُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ مَا يُسْتَقْبَحُ، فَعُولٌ لِمُبَالِغَةِ الْمَفْعُولِ، (رَبُّ الْمَلَائِكَةِ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيِ الَّذِينَ هُمْ أَعْظَمُ الْعَوَالِمِ وَأَطْوَعُهُمْ لِلَّهِ، وَأَدْوَمُهُمْ عَلَى عِبَادَتِهِ، وَمِنْ ثَمَّ أُضِيفَتِ التَّرْبِيَةُ إِلَيْهِمْ بِخُصُوصِهِمْ، وَفِي حَدِيثٍ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ:" لَيْسَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَكْثَرُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، مَا مِنْ شَيْءٍ يَنْبُتُ إِلَّا وَمَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهِ "، وَفِي أَثَرٍ: يَنْزِلُ مَعَ الْمَطَرِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَكْثَرُ مِنْ وَلَدِ آدَمَ وَوَلَدِ إِبْلِيسَ يُحْصُونَ كُلَّ قَطْرَةٍ، وَأَيْنَ تَقَعُ، وَمَنْ يُرْزَقُ ذَلِكَ النَّبَاتُ.

ص: 709

وَأَخْرَجَ جَمْعٌ حُفَّاظٌ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ: " «إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً تَرْعَدُ فَرَائِصُهُمْ مِنْ مَخَافَتِهِ، مَا مِنْهُمْ مَلَكٌ يَقْطُرُ مِنْ عَيْنِهِ دَمْعَةٌ إِلَّا وَقَعَتْ مَلَكًا يُسَبِّحُ وَمَلَائِكَةً سُجُودًا، مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَمْ يَرْفَعُوا رُءُوسَهُمْ وَلَا يَرْفَعُونَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَلَائِكَةً رُكُوعًا لَمْ يَرْفَعُوا رُءُوسَهُمْ وَلَا يَرْفَعُونَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَصُفُوفًا لَمْ يَنْصَرِفُوا عَنْ مَصَافِّهِمْ وَلَا يَنْصَرِفُونَ عَنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ تَجَلَّى لَهُمْ رَبُّهُمْ عز وجل، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ وَقَالُوا: " سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ كَمَا يَنْبَغِي لَكَ» "، وَفِي حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ "«مَا فِي السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ مَوْضِعُ قَدَمٍ وَلَا شِبْرٍ وَلَا كَفٍّ إِلَّا وَفِيهِ مَلَكٌ قَائِمٌ وَمَلَكٌ سَاجِدٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَالُوا جَمِيعًا: سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ إِلَّا أَنَّا لَمْ نُشْرِكْ بِكَ شَيْئًا» "، وَفِي أَثَرٍ: إِنَّ لِجِبْرِيلَ فِي كُلِّ يَوْمٍ انْغِمَاسَةً فِي الْكَوْثَرِ ثُمَّ يَنْتَفِضُ، فَكُلُّ قَطْرَةٍ يُخْلَقُ مِنْهَا مَلَكٌ، وَعَنْ كَعْبٍ: مَا مِنْ مَوْضِعِ خُرْمِ إِبْرَةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا وَمَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهَا يَرْفَعُ عِلْمَ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ بْنِ الْمُنْذِرِ: يُصَلِّي فِي الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَهُوَ بِحِيَالِ الْكَعْبَةِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، وَأَنَّ الْكَرُوبِيِّينَ الَّذِينَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتَرُونَ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْمَلَائِكَةِ، وَالْعُشْرُ الْبَاقِي قَدْ وُكِّلُوا بِحِرَاسَةِ كُلِّ شَيْءٍ (وَالرُّوحِ)، قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ الرُّوحُ الَّذِي بِهِ قِوَامُ كُلِّ شَيْءٍ، غَيْرَ أَنَّا إِذَا اعْتَبَرْنَا النَّظَائِرَ مِنَ التَّنْزِيلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} [النبأ: 38] وَغَيْرِهِ، فَالْمُرَادُ جِبْرِيلُ خُصَّ بِالذِّكْرِ تَفْضِيلًا، وَقِيلَ: الرُّوحُ صِنْفٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ اهـ.

وَقِيلَ: مَلَكٌ يَكُونُ صَفًّا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هُوَ جِبْرِيلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء: 193] أَوْ مَلَكٌ مِنْ أَعْظَمِ الْمَلَائِكَةِ خَلْقًا، كَمَا أَخْرَجَهُ جَمْعٌ حُفَّاظٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوْ حَاجِبُ اللَّهِ يَقُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ أَعْظَمُ الْمَلَائِكَةِ، لَوْ فَتَحَ فَاهُ لَوَسِعَ جَمِيعَ الْمَلَائِكَةِ، فَالْخَلْقُ إِلَيْهِ يَنْظُرُونَ، فَمِنْ مَخَافَتِهِ لَا يَرْفَعُونَ طَرْفَهُمْ إِلَى مَنْ فَوْقَهُ أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ الضَّحَّاكِ، أَوْ مَلَكٌ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ وَجْهٍ، لِكُلِّ وَجْهٍ سَبْعُونَ أَلْفَ لِسَانٍ، لِكُلِّ لِسَانٍ سَبْعُونَ أَلْفَ لُغَةٍ، يُسَبِّحُ اللَّهَ تَعَالَى بِتِلْكَ اللُّغَاتِ كُلِّهَا، يَخْلُقُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ تَسْبِيحَةٍ مَلَكًا يَطِيرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَهُ جَمْعٌ أَئِمَّةٌ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، لَكِنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ، أَوْ مَلَكٌ وَاحِدٌ لَهُ عَشَرَةُ آلَافِ جَنَاحٍ جَنَاحَانِ مِنْهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، لَهُ أَلْفُ وَجْهٍ فِي كُلِّ وَجْهٍ أَلْفُ لِسَانٍ وَعَيْنَانِ وَشَفَتَانِ يُسَبِّحَانِ اللَّهَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَهُ جَمْعٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا، أَوْ مَلَكٌ أَشْرَفُ الْمَلَائِكَةِ، وَأَقْرَبُهُمْ مِنَ الرَّبِّ وَهُوَ صَاحِبُ الْوَحْيِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ: أَوْ مَلَكٌ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ أَعْظَمُ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْجِبَالِ، وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ يُسَبِّحُ كُلَّ يَوْمٍ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ تَسْبِيحَةٍ، يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ كُلِّ تَسْبِيحَةٍ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، يَجِيءُ صَفًّا وَاحِدًا، أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَوْ خَلْقٌ عَلَى صُوَرِ بَنِي آدَمَ أَخْرَجَهُ جَمْعٌ أَئِمَّةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ، وَأَخْرَجَ جَمْعٌ عَنْهُ: الرُّوحُ يَأْكُلُونَ، وَلَهُمْ أَيْدٍ وَأَرْجُلٌ وَرُءُوسٌ، وَلَيْسُوا بِمَلَائِكَةٍ. وَجَمْعٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكٌ إِلَّا وَمَعَهُ وَاحِدٌ مِنَ الرُّوحِ، وَأَخْرَجَ بَعْضُ حُفَّاظٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«الرُّوحُ جُنْدٌ مِنْ جُنُودِ اللَّهِ لَيْسُوا بِمَلَائِكَةٍ لَهُمْ رُءُوسٌ وَأَيْدٍ وَأَرْجُلٌ ثُمَّ قَرَأَ {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} [النبأ: 38] قَالَ: " هَؤُلَاءِ جُنْدٌ وَهَؤُلَاءِ جُنْدٌ» ، وَأَخْرَجَ جَمْعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: مَا يَبْلُغُ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ وَالْمَلَائِكَةُ وَالشَّيَاطِينُ عُشْرَ الرُّوحِ، وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ، عَنْ سَلْمَانَ أَنَّ الْإِنْسَ عُشْرُ الْجِنِّ، وَالْجِنَّ عُشْرُ الْمَلَائِكَةِ، وَهُمْ عُشْرُ الرُّوحِ، وَهُمْ عُشْرُ الْكَرُوبِيِّينَ، وَعَنْ أَبِي نَجِيحٍ: الرُّوحُ حَفَظَةٌ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ: هُمْ مِنْهُمْ لَكِنَّهُمْ لَا يَرَوْنَهُمْ، هَذَا وَلَا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الْإِضَافَةِ فَضْلُ الْمَلَائِكَةِ عَلَى بَنِي آدَمَ، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ سَبَبَ الْإِضَافَةِ كَوْنُهُمْ أَعْظَمَ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ.

ص: 710

873 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَلَا إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» "، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

873 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَلَا) : كَلِمَةُ تَنْبِيهٍ (إِنِّي نُهِيتُ)، أَيْ: فِي كَرَاهَةِ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَقِيلَ تَحْرِيمًا وَهُوَ الْقِيَاسُ، (أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ)، أَيْ: عَنْ قِرَاءَتِهِ (رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا)، أَيْ: فِي هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَمَّا كَانَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، وَهُمَا غَايَةُ الذُّلِّ وَالْخُضُوعِ مَخْصُوصَيْنِ بِالذِّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ، نَهَى عليه السلام عَنِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَلَامِ الْخَلْقِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَيَكُونَانِ سَوَاءً، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِيهِ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي حَالِ الْقِيَامِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَكَأَنَّ حِكْمَتَهُ أَنَّ أَفْضَلَ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ الْقِيَامُ، وَأَفْضَلَ الْأَذْكَارِ الْقُرْآنُ، فَجُعِلَ الْأَفْضَلُ لِلْأَفْضَلِ، وَنُهِيَ عَنْ جَعْلِهِ فِي غَيْرِهِ لِئَلَّا يُوهِمَ اسْتِوَاءَهُ مَعَ بَقِيَّةِ الْأَذْكَارِ، وَقِيلَ خُصَّتِ الْقِرَاءَةُ بِالْقِيَامِ أَوِ الْقُعُودِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُمَا مِنَ الْأَفْعَالِ الْعَادِيَّةِ، وَيَتَمَحَّضَانِ لِلْعِبَادَةِ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّهُمَا بِذَوَاتِهِمَا يُخَالِفَانِ الْعَادَةَ وَيَدُلَّانِ عَلَى الْخُضُوعِ وَالْعِبَادَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ حَالَانِ دَالَّانِ عَلَى الذُّلِّ وَيُنَاسِبُهُمَا الدُّعَاءُ وَالتَّسْبِيحُ، فَنُهِيَ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا تَعْظِيمًا لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَتَكْرِيمًا لِقَارِئِهِ الْقَائِمِ مُقَامَ الْكَلِيمِ، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ قَالَ الْقَاضِيَ: نَهْيُ اللَّهِ تَعَالَى رَسُولَهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، لَكِنْ لَوْ قَرَأَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، إِلَّا إِذَا كَانَ الْمَقْرُوءُ الْفَاتِحَةَ، فَإِنَّ فِيهَا خِلَافًا يَعْنِي: عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ رُكْنًا، لَكِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهِ نَظْمُ صَلَاتِهِ، ( «فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ» )، أَيْ: فَقُولُوا سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ ( «وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا» )، أَيْ: بَالِغُوا (فِي الدُّعَاءِ)، أَيْ: حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ حُكْمًا كَمَا فِي: " «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى» " وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ادْعُوا بَعْدَ قَوْلِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: وَأَمْرُهُ إِيَّاهُ بِالتَّعْظِيمِ لِلرَّبِّ فِي الرُّكُوعِ وَبِالدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْقِرَاءَةِ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِهِ عليه السلام، بَلِ الْأُمَّةُ دَاخِلُونَ مَعَهُ فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الْأَمْرُ فِيهِ لِلنَّدْبِ لَا لِلْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام حِينَ عَلَّمَ الْأَعْرَابِيَّ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ (فَقَمِنٌ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتُكْسَرُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: فَمَنْ فَتَحَ الْمِيمَ لَمْ يُثَنِّ وَلَمْ يُؤَنِّثْ وَلَمْ يَجْمَعْ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، أَيْ: نَعْتٌ بِهِ، وَمَنْ كَسَرَ ثَنَّى وَجَمَعَ وَأَنَّثَ؛ لِأَنَّهُ وَصَفٌ، أَيْ: فِي أَصْلِهِ، وَكَذَلِكَ الْقَمِينُ، أَيْ: مِثْلُ الْقَمِنِ بِالْكَسْرِ الْقَمِينُ بِالْيَاءِ فِي كَوْنِهِ وَصْفًا، وَالْمَعْنَى: جَدِيرٌ وَخَلِيقٌ وَلَائِقٌ وَحَقِيقٌ (أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ) : لِأَنَّ السُّجُودَ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ فِيهِ إِلَى رَبِّهِ، فَيَكُونُ الدُّعَاءُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَقْرَبَ إِلَى الْإِجَابَةِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَحْمَدُ.

ص: 711

874 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» "، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

874 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» ) : بِالضَّمِّ عَلَى أَنَّهُ ضَمِيرٌ، وَبِالسُّكُونِ عَلَى أَنَّهُ هَاءُ السَّكْتِ قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَقَالَ الْجَعْبَرِيُّ: نَقَلَ الْقُرَّاءُ أَنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُسَكِّنُ هَاءَ الضَّمِيرِ إِذَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا، فَيَقُولُ: ضَرَبْتُهُ ضَرْبًا حَمْلًا عَلَى مِيمِ الْجَمْعِ، وَقِيلَ: حُمِلَتْ عَلَى الْوَقْفِ، أَيْ: نَزَلَ الْوَصْلُ مَنْزِلَةَ الْوَقْفَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْوَجْهَانِ الضَّمُّ وَالسُّكُونُ وَصْلًا مَعَ اعْتِبَارِ هَاءِ الضَّمِيرِ أَمْرًا عِنْدَ الْقُرَّاءِ، وَأَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ هَاءِ السَّكْتِ، فَيَجُوزُ الْوَجْهَانِ إِبْقَاءُ الْهَاءِ وَحَذْفُهَا وَصْلًا عِنْدَ الْكُلِّ، وَمَعْنَاهُ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ حَمْدَهُ وَأَجَابَهُ، تَقُولُ: اسْمَعَ دُعَائِي، أَيْ: أَجِبْ ( «فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، فَإِنَّهُ» )، أَيِ: الشَّأْنَ (مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ) : وَهُوَ قَوْلُهُ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ (قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ)، أَيْ: فِي الزَّمَانِ، أَوْ فِي الْقَبُولِ ( «غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» )، أَيْ: مِنَ الصَّغَائِرِ عَدْلًا، وَمِنَ الْكَبَائِرِ فَضْلًا (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ص: 711

875 -

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَفَعَ ظَهْرَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

875 -

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَفَعَ ظَهْرَهُ» )، أَيْ: حِينَ شَرَعَ فِي رَفْعِهِ ( «مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» )، أَيْ: وَإِذَا انْتَهَى إِلَى الِاعْتِدَالِ قَالَ حِينَ مَالَ إِلَى السُّجُودِ ( «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» )، أَيْ: وَيُزَادُ فِي النَّوَافِلِ (مِلْءَ السَّمَاوَاتِ) : بِالنَّصْبِ وَهُوَ أَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَقِيلَ: عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ بِمِلْءِ السَّمَاوَاتِ، وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ الْحَمْدِ، وَالْمِلْءُ بِالْكَسْرِ اسْمُ مَا يَأْخُذُهُ الْإِنَاءُ إِذَا امْتَلَأَ، وَهُوَ مَجَازٌ عَنِ الْكَثْرَةِ، قَالَ الْمُظْهِرُ: هُنَا تَمْثِيلٌ وَتَقْرِيبٌ، إِذِ الْكَلَامُ لَا يُقَدَّرُ بِالْمَكَايِيلِ وَلَا تَسَعُهُ الْأَوْعِيَةُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهُ تَكْثِيرُ الْعَدَدِ، حَتَّى لَوْ قُدِّرَ أَنَّ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ تَكُونُ أَجْسَامًا تَمْلَأُ الْأَمَاكِنَ لَبَلَغَتْ مِنْ كَثْرَتِهَا مَا تَمْلَأُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ ( «وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» )، أَيْ: بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ مَا بَيْنَهُمَا، أَوْ غَيْرُ مَا ذُكِرَ كَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَمَا تَحْتَ الثَّرَى، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جِهَتَا الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ، وَالْمُرَادُ بِمِلْءِ مَا شَاءَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ مَا تَعَلَّقُ بِهِ مَشِيئَتُهُ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: هُنَا، أَيْ: مِلْءُ مَا شِئْتَ يُشِيرُ إِلَى الِاعْتِرَافِ بِالْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ حَتَّى الْحَمْدِ بَعْدَ اسْتِفْرَاغِ الْمَجْهُودِ، فَإِنَّهُ حَمِدَهُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَهَذَا نِهَايَةُ أَقْدَامِ السَّابِقِينَ، ثُمَّ ارْتَفَعَ وَتَرَقَّى فَأَحَالَ الْأَمْرَ فِيهِ عَلَى الْمَشِيئَةِ؛ إِذْ لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ لِلْحَمْدِ مُنْتَهًى، وَلِهَذِهِ الرُّتْبَةِ الَّتِي لَمْ يَبْلُغْهَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ اسْتَحَقَّ عليه السلام أَنْ يُسَمَّى أَحْمَدَ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 712

876 -

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ: " اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلُ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ: اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» "، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

876 -

(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ)، أَيْ: حِينَ انْفِرَادِهِ ( «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلُ الثَّنَاءِ» ) : بِالرَّفْعِ بِتَقْدِيرِ أَنْتَ، وَهُوَ الْأَنْسَبُ لِلسِّيَاقِ وَاللِّحَاقِ، أَوْ بِتَقْدِيرِ هُوَ وَبِالنَّصْبِ عَلَى الْمَدْحِ، أَوْ بِتَقْدِيرِ يَا أَهْلَ الثَّنَاءِ (وَالْمَجْدِ)، أَيِ: الْعَظَمَةِ أَوِ الْكَرَمِ (أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ) : بِالرَّفْعِ، (وَمَا) ، مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ وَأَلْ لِلْجِنْسِ أَوْ لِلْعَهْدِ وَالْمَعْهُودُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، أَيْ: أَنْتَ أَحَقُّ بِمَا قَالَ الْعَبْدُ لَكَ مِنَ الْمَدْحِ مِنْ غَيْرِكَ، أَوْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ الْمَذْكُورُ، مِنَ الْحَمْدِ الْكَثِيرِ أَحَقُّ مَا قَالَهُ الْعَبْدُ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ (أَحَقُّ) مُبْتَدَأً، وَقَوْلُهُ اللَّهُمَّ إِلَخْ خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ الْحَالِيَّةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ، وَبِالنَّصْبِ عَلَى الْمَدْحِ أَوْ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: قُلْتُ أَحَقَّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، أَيْ: أَصْدَقَهُ وَأَثْبَتَهُ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ وَيَجُوزُ كَوْنُهُ فِعْلًا مَاضِيًا مِنْ أَحَقَّ، أَيْ: أَصَابَ الْعَبْدُ الْحَقَّ فِيمَا قَالَ بِأَنَّكَ أَهْلُ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ حَقٌّ مَا قَالَ الْعَبْدُ فَعَلَى هَذَا هُوَ كَلَامٌ تَامٌّ وُضِعَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِئْنَافِ، وَقَوْلُهُ:( «وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ» ) : تَذْيِيلٌ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ اهـ.

وَهِيَ تَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَقَّ مَاضِيًا أَوْ وَصْفًا، قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: وَيُرْوَى حَقٌّ بِلَا أَلْفٍ، فَهُوَ خَبَرٌ، وَمَا مُبْتَدَأٌ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا مَجْرُورَةٌ بِالْإِضَافَةِ (اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ)، أَيْ: مِنْ أَحَدٍ (لِمَا أَعْطَيْتَ)، أَيِ: الْعَبْدَ شَيْئًا مِنَ الْعَطَاءِ ابْتِدَاءً، أَوْ بِسَابِقَةِ عَمَلٍ (وَلَا مُعْطِيَ) : مِنْ أَحَدٍ (لِمَا مَنَعْتَ)، أَيْ: لِلشَّيْءِ الَّذِي مَنَعْتَهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ، أَوْ مِنَ الْإِعْطَاءِ أَحَدٌ، وَهُوَ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 2] وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْجُبَكَ الْمَنْعُ وَالْعَطَاءُ عَنْ مَوْلَاكَ، لِقَوْلِ ابْنِ عَطَاءٍ: رُبَّمَا أَعْطَاكَ فَمَنَعَكَ، وَرُبَّمَا مَنَعَكَ فَأَعْطَاكَ، ( «وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» ) : الْمَشْهُورُ فَتَحُ الْجِيمِ، بِمَعْنَى الْعَظَمَةِ أَوِ الْحَظِّ أَوِ الْغِنَى أَوِ النَّسَبِ.

قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: أَيْ لَا يَنْفَعُ ذَا الْغِنَى مِنْكَ غِنَاهُ، وَرُبَّمَا يَنْفَعُهُ الْعَمَلُ بِطَاعَتِكَ، فَمَعْنَى مِنْكَ: عِنْدَكَ، وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ: أَيْ لَا يُسْلِمُهُ مِنْ عَذَابِكَ غِنَاهُ، قَالَ الْمُظْهِرُ: أَيْ لَا يَمْنَعُ عَظَمَةُ الرَّجُلِ وَغِنَاهُ عَذَابَكَ عَنْهُ إِنْ شِئْتَ عَذَابَهُ، وَقِيلَ: لَا يَنْفَعُ ذَا الْحَظِّ، وَالْإِقْبَالِ بِذَلِكَ، أَيْ: بَدَلَ طَاعَتِكَ، وَقِيلَ:(لَا يَنْفَعُ) مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، أَيْ: وَلَا يَنْفَعُ عَطَاؤُهُ كَمَا لَا يَضُرُّ مَنْعُهُ وَذَا الْجَدِّ مُنَادَى، أَيْ: يَا ذَا الْجَدِّ يَعْنِي يَا ذَا الْغِنَى وَالْعَظَمَةِ وَالْحَظِّ، مِنْكَ الْجَدُّ لَا مِنْ غَيْرِكَ، وَقِيلَ: الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ وَأَبُو الْأُمِّ، أَيْ: لَا يَنْفَعُ ذَا النَّسَبِ الشَّرِيفِ نَسَبُهُ مِنْكَ، وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْمَعْنَى لَا يُتَوَصَّلُ إِلَى ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ بِالْجَدِّ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِالْجِدِّ بِالطَّاعَةِ اهـ.

وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَقَلِيلٍ مِنَ النُّسَخِ بِكَسْرِ الْجِيمِ، فَالْمَعْنَى لَا يَنْفَعُهُ مُجَرَّدُ جِدِّهِ وَجُهْدِهِ، وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُ التَّوْفِيقُ وَالْقَبُولُ مِنْكَ بِعَمَلِهِ، (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَقَالَ مِيرَكُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.

ص: 712

877 -

وَعَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ رضي الله عنه، قَالَ:«كُنَّا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ، قَالَ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ": فَقَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: " مَنِ الْمُتَكَلِّمُ آنِفًا "، قَالَ: أَنَا قَالَ: " رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا، أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلَ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

877 -

(وَعَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ)، أَيِ: الرُّكُوعِ وَلَعَلَّهُ عَنَى رَكْعَةً؛ لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ بِإِدْرَاكِهِ يُدْرِكُ رَكْعَةً (قَالَ: " «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» " فَقَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ)، أَيْ: لَكَ النِّعْمَةُ وَلَكَ الْحَمْدُ (حَمَدًا كَثِيرًا) : كَثْرَةَ الْكَائِنَاتِ وَمَا شَاءَ اللَّهُ بَعْدَهَا (طَيِّبًا)، أَيْ: خَالِصًا مُنَزَّهًا عَنِ النُّقْصَانِ (مُبَارَكًا فِيهِ)، أَيْ: شَامِلًا لِجَمِيعِ النِّعَمِ (فَلَمَّا انْصَرَفَ) : صلى الله عليه وسلم (قَالَ: " «مَنِ الْمُتَكَلِّمُ آنِفًا؟» ) : بِالْمَدِّ وَيُقْصَرُ أَيِ الْآنَ (قَالَ) : أَيِ الرَّجُلُ (أَنَا)، أَيْ ذَلِكَ الْمُتَكَلِّمُ (قَالَ: " رَأَيْتُ) : وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ، (بِضْعَةً) : وَهِيَ مِنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى التِّسْعَةِ (وَثَلَاثِينَ مَلَكًا) : الظَّاهِرُ أَنَّ لِكُلِّ حَرْفٍ مَلَكًا فَإِنَّ حُرُوفَ الْكَلِمَاتِ أَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ (يَبْتَدِرُونَهَا)، أَيْ: يُسَارِعُونَ فِي كِتَابَةِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ (أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلَ)، أَيْ: سَابِقًا عَنِ الْآخَرِينَ لِعِظَمِ قَدْرِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ قَوْلُهُ: أَوَّلَ بِالنَّصْبِ هُوَ الْأَوْجَهُ، أَيْ: أَوَّلَ مَرَّةٍ: قَالَ فِي الْمَفَاتِيحِ: نَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ، أَوِ الظَّرْفِ، قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: رُوِيَ (أَوَّلُ) بِالضَّمِّ عَلَى الْبِنَاءِ وَبِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ وَأَمَّا أَيُّهُمْ فَرَوَيْنَاهُ بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ يَكْتُبُهَا، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ بِحَذْفِ الْمُضَافِ، أَيْ: يُسْرِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِيَكْتُبَهَا قَبْلَ الْآخَرِ، وَيُصْعِدُهَا، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي رِوَايَةٍ: أَوَّلًا، وَلِكُلِّ وَجْهٍ إِذِ الْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ لِقَطْعِهِ عَنِ الْإِضَافَةِ لَفْظًا لَا مَعْنًى أَيْ: أَوَّلُهُمْ، وَقَالَ الدَّمَامِينِيُّ: أَيُّهُمْ اسْتِفْهَامِيَّةٌ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ يَكْتُبُهَا.

فَإِنْ قُلْتَ: بِمَاذَا تَتَعَلَّقُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ الِاسْتِفْهَامِيَّةُ؟ قُلْتُ: بِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ يَبْتَدِرُونَهَا كَأَنَّهُ قِيلَ: يَبْتَدِرُونَهَا لِيَعْلَمُوا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّقًا بِيَبْتَدِرُونَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي يُعَلَّقُ بِهَا الِاسْتِفْهَامُ، وَاقْتَصَرَ الزَّرْكَشِيُّ حَيْثُ جَعَلَهَا اسْتِفْهَامِيَّةً، عَلَى أَنَّ الْمُعَلِّقَ هُوَ يَبْتَدِرُونَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَلْبِيًّا، وَهَذَا مَذْهَبٌ مَرْغُوبٌ عَنْهُ يَعْنِي: فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ كَلَامُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَجُوِّزَ كَوْنُ أَيِ الْمَوْصُولَةِ بَدَلًا مِنْ فَاعِلِ يَبْتَدِرُونَ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، قَالَ مِيرَكُ: الْعَجَبُ أَنَّ الْحَاكِمَ رَوَى حَدِيثَ رِفَاعَةَ بْنَ رَافِعٍ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ، وَرِجَالُ الْحَاكِمِ رِجَالُهُ إِلَّا أَنَّهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكٍ، وَفِي الْبُخَارِيِّ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ اهـ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَكْفِي هَذِهِ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ حَتَّى يَرْضَى رَبُّنَا بَعْدَ الرِّضَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَلَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ صَاحِبُ الْكَلِمَاتِ» قَالَ الرَّجُلُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:" «لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا» " وَلَعَلَّ هَذَا الْعَدَدَ بِاعْتِبَارِ الْكَلِمَاتِ، وَيَكُونُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِلتَّأْكِيدِ وَالتَّذْيِيلِ بِمَنْزِلَةِ الْفَذْلَكَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْإِجْمَالِ بَعْدَ التَّفْصِيلِ.

ص: 713

الْفَصْلُ الثَّانِي

878 -

عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا تُجْزِئُ صَلَاةُ الرَّجُلِ حَتَّى يُقِيمَ ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّانِي

878 -

(عَنْ أَبِي مَسْعُودِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا تُجْزِئُ صَلَاةُ الرَّجُلِ حَتَّى يُقِيمَ ظَهْرَهُ» )، قَالَ الْمُظْهِرُ: أَيْ لَا تُجْزِئُ صَلَاةُ مَنْ لَا يُسَوِّي ظَهْرَهُ (فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) : وَالْمُرَادُ مِنْهَا الطُّمَأْنِينَةُ وَهِيَ وَاجِبَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَنَحْوِهِمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ؛ لِأَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ أَمْرٌ وَالِاعْتِدَالَ أَمْرٌ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي، تَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ، وَهُوَ الطُّمَأْنِينَةُ وَزَوَالُ اضْطِرَابِ الْأَعْضَاءِ،

ص: 713

وَأَقَلُّهُ قَدْرُ تَسْبِيحَةٍ فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَئِمَّةَ الثَّلَاثَةِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْفَرْضِيَّةُ إِذِ الْفَرْضُ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، فَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ وَقِيلَ: إِنَّهُ سُنَّةٌ، ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَكَذَا الْقَوْمَةُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَالْجِلْسَةُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالطُّمَأْنِينَةُ كُلُّهَا فَرَائِضُ، عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَهُمَا سُنَنٌ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي شَرْحِهَا: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْقَوْمَةَ وَالْجِلْسَةَ وَاجِبَتَيْنِ لِمُوَاظَبَتِهِ عليه السلام عَلَيْهِمَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِيمَا يُوجِبُ سَهْوَ الْمُصَلِّي إِذَا رَكَعَ، وَلَمْ يَرْفَعْ رَأَسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ حَتَّى خَرَّ سَاجِدًا سَاهِيًا، تَجُوزُ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ السَّهْوُ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ:" فِي "، بِمَعْنَى " مِنْ "، (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثُ حَسَنٌ صَحِيحٌ) .

ص: 714

879 -

وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ:«لَمَّا نَزَلَتْ {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74] ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ "، فَلَمَّا نَزَلَتْ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ.

ــ

879 -

(وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " اجْعَلُوهَا» )، أَيْ: مَضْمُونُهَا وَمَحْصُولُهَا (فِي رُكُوعِكُمْ) : يَعْنِي: قُولُوا: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ: مَعْنَى الْعَظِيمِ الْكَامِلُ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَمَعْنَى الْجَلِيلِ الْكَامِلُ فِي صِفَاتِهِ، وَمَعْنَى الْكَبِيرِ الْكَامِلُ فِي ذَاتِهِ ( «فَلَمَّا نَزَلَتْ:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، قَالَ: " اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» :) ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَوَجْهُ التَّخْصِيصِ أَنَّ الْأَعْلَى أَبْلَغُ مِنَ الْعَظِيمِ، فَجُعِلَ لِلْأَبْلَغِ فِي التَّوَاضُعِ وَهُوَ السُّجُودُ الْأَفْضَلُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَصَحَّ: أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، وَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ قُرْبُ مَسَافَةٍ فَنُدِبَ فِيهِ التَّسْبِيحُ قَالَ الطِّيبِيُّ: الِاسْمُ هُنَا صِلَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: «سُبْحَانَ رُبِّيَ الْأَعْلَى» ، فَحُذِفَ الِاسْمُ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الِاسْمَ غَيْرُ الْمُسَمَّى، وَقِيلَ: الِاسْمُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ صِلَةٍ، وَالْمَعْنَى تَنْزِيهُ اسْمِهِ عَنْ أَنْ يُبْتَذَلَ، وَأَنْ لَا يُذْكَرَ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ، قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ: كَمَا يَجِبُ تَنْزِيهُ ذَاتِهِ عَنِ النَّقَائِصِ يَجِبُ تَنْزِيهُ الْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ لَهَا عَنِ الرَّفَثِ وَسُوءِ الْأَدَبِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : قَالَ مِيرَكُ: وَسَكَتَ عَلَيْهِ الْمُنْذِرِيُّ: وَقَالَ النَّوَوِيُّ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: صَحِيحٌ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: فِي إِسْنَادِهِ إِيَاسُ بْنُ عَامِرٍ، وَلَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ، لَكِنْ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ: إِنَّهُ صَدُوقٌ (وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ) .

ص: 714

880 -

وَعَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم، قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَقَالَ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ، وَإِذَا سَجَدَ، فَقَالَ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» "، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ؛ لِأَنَّ عَوْنًا لَمْ يَلْقَ ابْنَ مَسْعُودٍ.

ــ

880 -

(وَعَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ)، أَيِ: ابْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ) : يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ ( «قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ، فَقَالَ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ» ) : بِفَتْحِ يَاءِ رَبِّيَ وَيُسَكَّنُ ( «ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ» )، أَيْ: كَمُلَ وَإِلَّا فَأَصْلُ

ص: 714

الْكَمَالِ يَحْصُلُ بِوَاحِدَةٍ قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ (وَذَلِكَ أَدْنَاهُ)، أَيْ: أَدْنَى تَمَامِ رُكُوعِهِ قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ أَدْنَى الْكَمَالِ فِي الْعَدَدِ، وَأَكْمَلُهُ سَبْعُ مَرَّاتٍ، قَالَ: فَالْأَوْسَطُ خَمْسُ مَرَّاتٍ، وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَرُكْنِيَّةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِأَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُهُمَا، وَذُكِرَ فِي شَرْحِ الْأَسْبِيجَابِيِّ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَقُلْ ثَلَاثَ تَسْبِيحَاتٍ أَوْ لَمْ يَمْكُثْ مِقْدَارَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ رُكُوعُهُ وَسُجُودُهُ، وَهَذَا قَوْلٌ شَاذٌّ، كَقَوْلِ أَبِي مُطِيعٍ الْبَلْخِيِّ بِفَرْضِيَّةِ التَّسْبِيحَاتِ الثَّلَاثِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَتَّى لَوْ نَقَصَ وَاحِدَةً لَا يَجُوزُ رُكُوعُهُ وَلَا سُجُودُهُ، ( «وَإِذَا سَجَدَ قَالَ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» "، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : مِنْ طَرِيقِ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَهُ مِيرَكُ (وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَيْسَ إِسْنَادُهُ)، أَيْ: إِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ (بِمُتَّصِلٍ؛ لِأَنَّ عَوْنًا لَمْ يَلْقَ ابْنَ مَسْعُودٍ) : وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْمُنْقَطِعَ يُعْمَلُ بِهِ فِي الْفَضَائِلِ إِجْمَاعًا.

ص: 715

881 -

وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، «أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: " سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ "، وَفِي سُجُودِهِ: " سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى " وَمَا أَتَى عَلَى آيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ وَسَأَلَ، وَمَا أَتَى عَلَى آيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ وَالدَّارِمِيُّ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ إِلَى قَوْلِهِ " الْأَعْلَى " وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

ــ

881 -

(وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ يَقُولُ، أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحْيَانًا أَوْ فِي النَّفْلِ ( «فِي رُكُوعِهِ: " سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ "، وَفِي سُجُودِهِ: " سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى "، وَمَا أَتَى عَلَى آيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ وَسَأَلَ» ) : أَيْ رَحْمَتَهُ ( «وَمَا أَتَى عَلَى آيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ» )، أَيْ: بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِهِ حَمَلَهُ أَصْحَابُنَا وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُ كَانَتْ نَافِلَةً لِعَدَمِ تَجْوِيزِهِمُ التَّعَوُّذَ وَالسُّؤَالَ أَثْنَاءَ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ مَعَهُ الصَّلَاةُ إِجْمَاعًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ نُدْرَةَ وُقُوعِهِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ)، أَيِ: الْحَدِيثَ بِكَمَالِهِ (وَرَوَى النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ إِلَى قَوْلِهِ: " الْأَعْلَى " وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) : قَالَ الشَّيْخُ الْجَزْرِيُّ: حَدِيثُ حُذَيْفَةَ هَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ نَحْوَهُ، وَإِيرَادُ مُحْيِيِ السُّنَّةِ لَهُ فِي الْحِسَانِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنَ الصَّحِيحَيْنِ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ: صَحِيحٌ كَعَادَتِهِ فِي تَصْحِيحِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَهُ فِي الصِّحَاحِ؛ لِأَنَّهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، كَذَا نَقَلَهُ مِيرَكُ.

ص: 715

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

882 -

عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ:«قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَكَعَ مَكَثَ قَدْرَ سُورَةِ (الْبَقَرَةِ) : وَيَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: " سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ» (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ) .

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

882 -

(عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قُمْتُ)، أَيْ: مُصَلِّيًا، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ صَلَّيْتُ وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَاصِلَ الْمَعْنَى، أَوْ أَرَادَ أَنَّهُ أَطْلَقَ الْقِيَامَ، وَأَرَادَ الصَّلَاةَ، فَيَكُونُ كَإِطْلَاقِ الرَّكْعَةِ وَالسُّجُودِ عَلَى الصَّلَاةِ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الْجُزْءِ وَإِرَادَةِ الْكُلِّ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ رُكْنًا لِوُرُودِ سُبْحَةَ الضُّحَى بِمَعْنَى صَلَاتِهَا ( «مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَكَعَ مَكَثَ» ) : بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِهَا، أَيْ: لَبِثَ فِي رُكُوعِهِ ( «قَدْرَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ» ) : فِي الْقَامُوسِ: الْمُكْثُ مُثَلَّثًا وَيُحَرَّكُ اللَّبْثُ وَالْفِعْلُ كَنَصَرَ وَكَرُمَ ( «وَيَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: " سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ» ) : فَعَلُوتٌ مِنَ الْجَبْرِ، بِمَعْنَى الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ كَذَا فِي.

ص: 715

النِّهَايَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَفِي الْحَدِيثِ ثُمَّ يَكُونُ مُلْكٌ وَجَبَرُوتٌ أَيْ: عُتُوٌّ وَقَهْرٌ (وَالْمَلَكُوتِ) : فَعَلُوتٌ مِنَ الْمُلْكِ، أَيِ: الْمُلْكُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (وَالْكِبْرِيَاءِ) : ذَاتًا (وَالْعَظْمَةِ) : صِفَةً (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ) .

ص: 716

883 -

وَعَنِ ابْنً جُبَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَشْبَهَ صَلَاةً بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَذَا الْفَتَى - يَعْنِي عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ - قَالَ: قَالَ: فَحَزَرْنَا رُكُوعَهُ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ، وَسُجُودَهُ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.

ــ

883 -

(وَعَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ) : تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ (قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَشْبَهَ صَلَاةً بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَذَا الْفَتَى يَعْنِي: عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَعُمَرُ أَدْرَكَ أَنَسًا وَأَخَذَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ، وَأَنَسٌ تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ (قَالَ) : أَيِ ابْنُ جُبَيْرٍ، يَعْنِي قَالَ الرَّاوِي: عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ (قَالَ) ، أَيْ أَنَسٌ (فَحَزَرْنَا) ، بِتَقْدِيمِ الزَّايِ الْمَفْتُوحَةِ، أَيْ: قَدَّرْنَا (رُكُوعَهُ)، أَيْ: رُكُوعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ رُكُوعَ عُمَرَ (عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ، وَسُجُودَهُ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ وَبِهِ كَخَبَرِ: إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ يُسْتَدَلُّ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَئِمَّتُنَا أَنَّ أَعْلَى الْكَمَالِ إِحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) .

ص: 716

884 -

وَعَنْ شَقِيقٍ رضي الله عنه، قَالَ: إِنَّ حُذَيْفَةَ رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: مَا صَلَّيْتَ، قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَلَوْ مِتَّ مِتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

884 -

(وَعَنْ شَقِيقٍ)، أَيِ: ابْنِ سَلَمَةَ التَّابِعِيِّ، أَبُو وَائِلٍ الْكُوفِيُّ مُخَضْرَمٌ، رَوَى عَنِ الْخُلَفَاءِ وَحُذَيْفَةَ وَغَيْرِهِمْ، اتَّفَقُوا عَلَى تَوْثِيقِهِ وَجَلَالَتِهِ، كَذَا فِي التَّهْذِيبِ (قَالَ: إِنَّ حُذَيْفَةَ رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ) : لِتَرْكِهِ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِهِمَا (فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: مَا صَلَّيْتَ)، أَيْ: صَلَاةً صَحِيحَةً أَوْ كَامِلَةً وَمَا نَافِيَةٌ (قَالَ)، أَيْ: شَقِيقٌ (وَأَحْسَبُهُ)، أَيْ: أَظُنُّهُ (قَالَ)، أَيْ: حُذَيْفَةُ (وَلَوْ مِتَّ) : بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ أَيْ عَلَى هَذَا (مِتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ)، أَيِ: الطَّرِيقَةِ أَوِ السُّنَّةِ أَوِ الْمِلَّةِ (الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ)، أَيْ: خَلَقَ عَلَيْهَا (مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم ، أَيْ: بِتَرْكِكَ لِلصَّلَاةِ وَتَرْكِهَا تَعَمُّدًا كُفْرًا مُطْلَقًا عِنْدَ كَثِيرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ كَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَبِشَرْطِ الِاسْتِحْلَالِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ فَعَلَيْهِ الْفِطْرَةُ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى دِينِ الْإِسْلَامِ الْكَامِلِ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ وَاجِبَةٌ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَلَوْ مِتَّ مِتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ تَهْدِيدٌ عَظِيمٌ يَعْنِي: أَنَّكَ غَيَّرْتَ مَا وُلِدْتَ عَلَيْهِ مِنَ الْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ الَّتِي هِيَ دِينُ الْإِسْلَامِ، وَدَخَلْتَ فِي زُمْرَةِ الْمُبَدِّلِينَ لِدِينِ اللَّهِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ دَلَّ قَوْلُهُ لَا يُتِمُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ إِتْمَامَهَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ؟ قُلْتُ: قَدْ سَبَقَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مَنْ قَالَ فِي رُكُوعِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» اهـ.

وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إِذْ تَحَقَّقَ فِيمَا سَبَقَ أَنَّ الْمُرَادَ أَدْنَى كَمَالِهِ لَا أَدْنَى أَصْلِهِ، وَأَيْضًا هَذَا قَوْلُ صَحَابِيٍّ مُحْتَمِلٌ لِلِاجْتِهَادِ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الْإِسْنَادِ، وَأَبْعَدَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: وَلَكَ أَنْ تَقُولَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ بِفَرْضِ أَنَّ حُذَيْفَةَ قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّهْدِيدِ لَا يَقُولُهُ إِلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ، وَمِنْ ثَمَّ قُلْتُ فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى فِي حَدِيثِ:" «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ، فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا» " أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ ضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ عَنْ عُمَرَ، وَهُوَ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ، فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ، فَصِحَّتُهُ عَنْ عُمَرَ تَسْتَلْزِمُ صِحَّتَهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هُوَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَأَمَّا خُصُوصُ تَرْكِ الطُّمَأْنِينَةِ، فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَصْلًا اهـ.

وَوَجْهُ الْإِبْعَادِ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْحَدِيثِ بِالصِّحَّةِ وَالضَّعْفِ، إِنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ الْإِسْنَادِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ، لَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ وَلِذَا يُحْكَمُ عَلَى حَدِيثٍ قَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ مُطَابِقًا لِمَا فِي الْقُرْآنِ

ص: 716