المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب تأخير الأذان] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٢

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الْغُسْلِ]

- ‌[بَابُ مُخَالَطَةِ الْجُنُبِ وَمَا يُبَاحُ لَهُ]

- ‌[بَابُ أَحْكَامِ الْمِيَاهِ]

- ‌[بَابُ تَطْهِيرِ النَّجَاسَاتِ]

- ‌[بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[بَابُ الْغُسْلِ الْمَسْنُونِ]

- ‌[بَابُ الْحَيْضِ]

- ‌[بَابُ الْمُسْتَحَاضَةِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ الْمَوَاقِيتِ]

- ‌[بَابُ تَعْجِيلِ الصَّلَوَاتِ]

- ‌[بَابُ فَضِيلَةِ الصَّلَوَاتِ]

- ‌[بَابُ الْأَذَانِ]

- ‌[بَابُ فَضْلِ الْأَذَانِ وَإِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ]

- ‌[بَابُ تَأْخِيرِ الْأَذَانِ]

- ‌[بَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ السَّتْرِ]

- ‌[بَابُ السُّتْرَةِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ مَا يُقْرَأُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ]

- ‌[بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ الرُّكُوعِ]

- ‌[بَابُ السُّجُودِ وَفَضْلِهِ]

- ‌[بَابُ التَّشَهُّدِ]

- ‌[بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفَضْلِهَا]

- ‌[بَابُ الدُّعَاءِ فِي التَّشَهُّدِ]

- ‌[بَابُ الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ وَمَا يُبَاحُ مِنْهُ]

- ‌[بَابُ السَّهْوِ]

- ‌[بَابِ سُجُودِ الْقُرْآنِ]

- ‌[بَابُ أَوْقَاتِ النَّهْيِ]

الفصل: ‌[باب تأخير الأذان]

677 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يَتَشَهَّدُ قَالَ: (وَأَنَا وَأَنَا» ) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

ــ

677 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ» ) أَيْ: صَوْتَهُ (يَتَشَهَّدُ) حَالٌ (قَالَ: (وَأَنَا وَأَنَا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ بِتَقْدِيرِ الْعَامِلِ، أَيْ: وَأَنَا شَاهِدٌ كَمَا تَشْهَدُ بِالتَّاءِ وَالْيَاءِ، وَالتَّكْرِيرُ فِي أَنَا رَاجِعٌ إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَالْأَظْهَرُ وَأَشْهَدُ أَنَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ التَّكْرِيرُ لِلتَّأْكِيدِ فِيهِمَا، وَفِيهِ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ مُكَلَّفًا بِأَنْ يَشْهَدَ عَلَى رِسَالَتِهِ كَسَائِرِ الْأُمَّةِ نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ الطِّيبِيِّ وَقَالَ: وَفِيهِ تَأَمُّلٌ، لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ التَّكْلِيفَ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ هَلْ كَانَ يَشْهَدُ مِثْلَنَا أَوْ يَقُولُ: وَأَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَانَ كَتَشَهُّدِنَا كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَيُؤَيِّدُهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ، «عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ قَالَ فِي إِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ: وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَخْ» ؟ . ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ، فَيَجْمَعُ بِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ هَذَا تَارَةً وَذَاكَ أُخْرَى، فَلَوْ قَالَ الْمُجِيبُ مَا هُنَا هَلْ يَحْصُلُ لَهُ أَصْلُ سُنَّةِ الْإِجَابَةِ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ لِقَوْلِهِ: مَنْ قَالَ مِثْلَ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ، وَالْمِثْلُ يُحْمَلُ عَلَى حَقِيقَتِهِ اللَّفْظِيَّةِ. نَعَمْ لَهُ أَنْ يَقُولَ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) قَالَ مِيرَكُ لَنَا وَاللَّفْظُ لَهُ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.

ص: 572

678 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:( «مَنْ أَذَّنَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً ; وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَكُتِبَ لَهُ بِتَأْذِينِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ سِتُّونَ حَسَنَةً، وَلِكُلِّ إِقَامَةٍ ثَلَاثُونَ حَسَنَةً» ) . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ

ــ

678 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ أَذَّنَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ) بِسُكُونِ الشِّينِ وَتُكْسَرُ (سَنَةً) وَلَعَلَّ هَذَا مِقْدَارُ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَذَانِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ (وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ) أَيْ: يُصَادِقُ وَعْدَ اللَّهِ وَرَحْمَتَهُ " (وَكُتِبَ لَهُ بِتَأْذِينِهِ) أَيْ: فَقَطْ دُونَ صَلَاتِهِ (فِي كُلِّ يَوْمٍ) أَيْ: لِكُلِّ أَذَانٍ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ الْآتِي: وَلِكُلِّ إِقَامَةٍ (سِتُّونَ حَسَنَةً) فِيهِ حَذْفٌ، أَوْ كُتِبَ لَهُ بِسَبَبِ تَأْذِينِهِ كُلَّ مَرَّةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ، كَذَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ نَقَلَهُ مِيرَكُ، وَكَتَبَ تَحْتَهُ: وَفِيهِ تَأَمُّلٌ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَنَا وَجْهُهُ (وَلِكُلِّ إِقَامَةٍ) أَيْ فِي كُلِّ يَوْمٍ (ثَلَاثُونَ حَسَنَةً) وَلَعَلَّ وَجْهَ التَّصْنِيفِ فِي التَّضْعِيفِ أَنَّ الْإِقَامَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْحَاضِرِينَ، وَالْأَذَانَ عَامٌّ، أَوْ لِسُهُولَةِ الْإِقَامَةِ وَمَشَقَّةِ الْأَذَانِ بِالصُّعُودِ إِلَى الْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ وَالتُّؤَدَةِ، وَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ الْمَشَقَّةِ، أَوْ لِإِفْرَادِ أَلْفَاظِ الْإِقَامَةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: " وَظَاهِرُهُ أَنَّ كِتَابَةَ سِتِّينَ حَسَنَةً لِكُلِّ أَذَانٍ وَثَلَاثِينَ لِكُلِّ إِقَامَةٍ خَاصٌّ بِمَنْ أَذَّنَ تِلْكَ الْمُدَّةَ، وَإِنْ لَمْ يُؤَذِّنْهَا لَا يُكْتَبُ لَهُ ذَلِكَ ". فَغَيْرُ ظَاهِرٍ إِذْ جَزَاءُ الشَّرْطِ تَمَّ بِقَوْلِهِ: وَجَبَتْ، وَقَوْلُهُ:(وَكُتِبَ) أَيْ أُثْبِتَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ بِتَأْذِينِهِ وَإِقَامَتِهِ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُدَاوَمَةِ وَتَرْكِهَا فِي تَحْصِيلِ أَصْلِ الثَّوَابِ، ثُمَّ هَذِهِ الْكِتَابَةُ زِيَادَةٌ عَلَى ثَوَابِ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لِكُلِّ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَا مِنَ الْمُجِيبِ وَغَيْرِهِ فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْمُؤَذِّنِ، وَأَيْضًا لَوِ اعْتُبِرَ ثَوَابُ الْكَلِمَاتِ لَزَادَ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنَ الْحِسَابِ (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ الْمُنْذِرِيِّ.

ص: 572

679 -

وَعَنْهُ، قَالَ:«كُنَّا نُؤْمَرُ بِالدُّعَاءِ عِنْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي (الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ) .

ــ

679 -

(وَعَنْهُ) أَيْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (قَالَ: «كُنَّا نُؤْمَرُ بِالدُّعَاءِ عِنْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ» ) قَالَ الطِّيبِيُّ: لَعَلَّ هَذَا الدُّعَاءَ مَا مَرَّ فِي حَدِيثِ أْمِّ سَلَمَةَ. (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي: " الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ ") وَكَذَا الطَّبَرَانِيُّ. فَائِدَةٌ: جَزَمَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ عليه السلام أَذَّنَ مَرَّةً فِي السَّفَرِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ، وَرُدَّ بِأَنَّ أَحْمَدَ أَخْرَجَهُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ التِّرْمِذِيِّ بِلَفْظِ: فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَبِهِ يُعْلَمُ اخْتِصَارُ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَأَنَّ مَعْنَى أَذَّنَ فِيهَا، أَمَرَ بِلَالًا بِالْأَذَانِ، كَبَنَى الْأَمِيرُ الْمَدِينَةَ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا بِلَفْظِ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَالْمُفَصَّلُ يُقْضَى عَلَى الْمُجْمَلِ الْمُحْتَمَلِ.

ص: 572

[بَابُ تَأْخِيرِ الْأَذَانِ]

ص: 572

[6]

بَابُ تَأْخِيرِ الْأَذَانِ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

680 -

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» ) . قَالَ: وَكَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رَجُلًا أَعْمَى، لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

[6]

بَابُ تَأْخِيرِ الْأَذَانِ

بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ هُوَ هَذَا. وَقِيلَ: بِالسُّكُونِ عَلَى الْوَقْفِ، وَفِي الْمَصَابِيحِ: بَدَلَهُ فَصْلٌ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَإِنَّمَا أُفْرِدَ هَذَا الْفَصْلُ لِأَنَّ أَحَادِيثَهُ كُلَّهَا صِحَاحٌ، وَلَيْسَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ مُنَاسِبَةٌ لِصِحَاحِ الْبَابِ السَّابِقِ، فَكَانَتْ مَظِنَّةَ الْإِفْرَادِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هَذَا بَابٌ فِي تَتِمَّاتٍ لِمَا سَبَقَ فِي الْبَابَيْنِ قَبْلَهُ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

680 -

(عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي) أَيْ: يَذْكُرُ وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يُؤَذِّنُ (بِلَيْلٍ) أَيْ: فِيهِ يَعْنِي لِلتَّهَجُّدِ أَوْ لِلسُّحُورِ، لِمَا وَرَدَ فِي خَبَرِ:" إِنَّهُ نُهِيَ عَنِ الْأَذَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ " وَإِنْ قِيلَ بِضَعْفِهِ " (فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ، وَكَانَ يُنَادِي بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ، قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. (قَالَ) أَيِ: ابْنُ عُمَرَ (وَكَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رَجُلًا أَعْمَى، لَا يُنَادِي) أَيْ: لَا يُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ (حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ) التَّكْرِيرُ لِلتَّأْكِيدِ أَيْ: دَخَلْتَ أَوْ قَارَبْتَ الدُّخُولَ فِي الصَّبَاحِ، يَعْنِي بَعْدَ تَحَقُّقِ الصُّبْحِ لِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، قَالَهُ مِيرَكُ. وَلَا يُنَافِي هَذَا خَبَرَ: "«إِنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ بِلَالٌ» " ; لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُمَا مُنَاوَبَةً، كَذَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَلَعَلَّ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ مِنْ تَقْسِيمِ الْوَقْتَيْنِ بَيْنَهُمَا. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ، فَإِنْ قُلْتَ: قَوْلُهُ " حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ " يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ أَذَانِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَقَوْلُهُ: "«كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» "، يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ قُبَيْلَ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ. قُلْتُ: يَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ هَذِهِ ; لِاحْتِمَالِهَا دُونَ تِلْكَ لِصَرَاحَتِهَا، فَلِذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: يُسَنُّ فِي الْأَذَانِ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَالْوَجْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ لِخَبَرِ: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانَيْهِمَا إِلَّا قَدْرُ أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا» . قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَيَتَرَبَّصُ بَعْدَ أَذَانِهِ لِلدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ يَرْقُبُ الْفَجْرَ فَإِذَا قَارَبَ طُلُوعُهُ نَزَلَ فَأَخْبَرَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ فَتَأَهَّبَ ثُمَّ يَرْقَى وَيُسْرِعُ الْأَذَانَ مَعَ أَوَّلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَفِي الشُّمُنِّيِّ ; قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ الْأَذَانُ لِلْفَجْرِ وَحْدَهُ قَبْلَ وَقْتِهِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنَ اللَّيْلِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "«إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ» " وَلَنَا مَا رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ إِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ وَيَحْفَظُهُمَا» ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ عليه السلام مَا كَانَ يَكْتَفِي بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ. وَمَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِالْفَجْرِ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَحُرِمَ الطَّعَامَ، وَكَانَ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يُصْبِحَ» . وَعَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ.

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَدَاوُدَ بْنِ شَبِيبٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:«إِنَّ بِلَالًا أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْجِعَ فَيُنَادِيَ: أَلَا إِنَّ الْعَبْدَ نَامَ» ، زَادَ مُوسَى فَرَجَعَ فَنَادَى، لَكِنْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ لِعُمَرَ مُؤَذِّنٌ يُقَالُ لَهُ مَسْعُودٌ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ مِنْ ذَاكَ. قُلْتُ: يُحْمَلُ عَلَى التَّعَدُّدِ، وَتَأْوِيلُ الطَّحَاوِيِّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ مِنْهُ كَانَ عَلَى ظَنِّ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلَمْ يُصِبْ فِي طُلُوعِهِ. قَالَ: لِمَا رَوَيْنَا عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ: «لَا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ فَإِنَّ فِي بَصَرِهِ سُوءًا» . وَلِمَا رَوَيْنَا عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ: «إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» . قَالَتْ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا مِقْدَارُ مَا يَنْزِلُ هَذَا وَيَصْعَدُ هَذَا. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ بَيْنَ أَذَانَيْهِمَا مِنَ الْقُرْبِ مَا ذَكَرْنَا ثَبَتَ أَنَّهُمَا كَانَا يَقْصِدَانِ طُلُوعَ الْفَجْرِ، لَكِنْ بِلَالٌ يُخْطِئُهُ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ يُصِيبُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُؤَذِّنُ حَتَّى يَقُولَ لَهُ الْجَمَاعَةُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْإِمَامِ: وَالتَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فِي سَائِرِ الْعَامِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانَ فِي رَمَضَانَ اهـ. بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: كُلُوا وَاشْرَبُوا.

ص: 573

681 -

وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سُحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ، وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ، وَلَكِنِ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ فِي الْأُفُقِ» ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَفْظُهُ لِلتِّرْمِذِيَّ.

ــ

681 -

(وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ) : بِضَمِّهَا وَفَتْحِ الثَّانِي (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَا يَمْنَعَنَّكُمْ) بِالتَّأْكِيدِ وَفِي أَصْلٍ صَحِيحٍ: لَا يَمْنَعُكُمْ عَلَى النَّفْيِ أَوِ النَّهْيِ (مِنْ سُحُورِكُمْ) بِضَمِّ السِّينِ مَصْدَرًا أَيْ: تَسَحُّرُكُمْ وَبِفَتْحِهَا اسْمٌ أَيْ: مِنْ أَكْلِ سَحُورِكُمْ وَهُوَ مَا يُتَسَحَّرُ بِهِ (أَذَانُ بِلَالٍ) أَيْ: فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ كَمَا سَبَقَ " (وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ) أَيْ: وَلَا يَمْنَعُكُمُ الصُّبْحُ الَّذِي يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ، وَتُسَمِّيهِ الْعَرَبُ ذَنَبَ السِّرْحَانِ، وَبِطُلُوعِهِ لَا يَدْخُلُ وَقْتُ الصُّبْحِ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَهُوَ الْفَجْرُ الْكَاذِبُ يَطْلُعُ أَوَّلًا مُسْتَطِيلًا إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ يَغِيبُ وَبَعْدَ غَيْبُوبَتِهِ بِزَمَانٍ يَسِيرٍ يَظْهَرُ الْفَجْرُ الصَّادِقُ، قِيلَ: وَفَائِدَةُ ذِكْرِهِ بَيَانُ أَنَّ مَا بَعْدَهُ مِنَ اللَّيْلِ وَأَنَّ بِلَالًا رُبَّمَا أَذَّنَ بَعْدَهُ مَعَ كَوْنِهِ كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ اهـ.

وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] وَهُوَ مُجْمَلٌ بَيَّنَهُ عليه السلام بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُسْتَطِيرُ لَا الْمُسْتَطِيلُ (وَلَكِنِ) بِالتَّخْفِيفِ وَيُشَدَّدُ (الْفَجْرُ) بِالرَّفْعِ وَيُنْصَبُ (الْمُسْتَطِيرُ)" صِفَتُهُ أَيِ: الْمُنْتَشِرُ الْمُعْتَرِضُ (فِي الْأُفُقِ ") أَيْ: أَطْرَافِ السَّمَاءِ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيِ الَّذِي يَنْتَشِرُ ضَوْؤُهُ فِي الْأُفُقِ الشَّرْقِيِّ، وَلَا يَزَالُ يَزْدَادُ ضِيَاؤُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ صَلَاةَ الْعِشَاءِ مَعَ أَنَّهَا لَا يَمْنَعَانِهَا أَيْضًا، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ عَدَمُ تَأْخِيرِهَا إِلَيْهِمَا لِكَوْنِهِ مَكْرُوهًا اهـ. أَوْ لِكَوْنِهِ يُعْلَمُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) أَيْ مَعْنَاهُ، قَالَهُ مِيرَكُ، وَأَحْمَدُ. (وَلَفْظُهُ لِلتِّرْمِذِيِّ) وَقَالَ: حَسَنٌ، نَقَلَهُ مِيرَكُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْأَنْسَبُ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ.

قُلْتُ: يُسْتَفَادُ هَذَا مِنْ كَلَامِهِ مَعَ الِاخْتِصَارِ، فَهُوَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ، بَلِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَقُولُ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ، وَإِنَّمَا عَكَسَهُ، لِأَنَّهُ أَنْسَبُ لِلْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَأَبْعَدُ عَنِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنَّفِ الْأَفْضَلِ.

ص: 574

682 -

وَعَنْ مَالِكٍ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه، قَالَ:«أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَابْنُ عَمٍّ لِي، فَقَالَ: (إِذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» ) . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

682 -

(وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ) قِيلَ: هُوَ مِنْ قَبِيلَةِ اللَّيْثِ، وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَقَامَ عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَسَكَنَ الْبَصْرَةَ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ. (قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَابْنُ عَمٍّ لِي) بِالرَّفْعِ عَلَى الْعَطْفِ، وَبِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ (فَقَالَ) أَيْ: لَنَا ( «إِذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا فَأَقِيمَا» ) أَيْ: لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ:(وَأَقِيمَا) يَعْنِي: يُؤَذِّنُ أَحَدُكُمَا وَيُقِيمُ، وَالْخِيَارُ إِلَيْكُمَا عِنْدَ اسْتِوَائِكُمَا (وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا) أَيْ: سِنًّا لِسَبْقِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ رُتْبَةً، إِذِ الْغَالِبُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ بِالْأَحْكَامِ أَيْ: أَفْضَلُكُمَا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ حَجَرٍ، وَفِيهِ تَفْضِيلٌ لِلْإِمَامَةِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ لَا يَخْتَصُّ بِالْأَكْبَرِ وَالْأَفْضَلِ، بِخِلَافِ الْإِمَامَةِ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ فِيهَا إِمَامَةُ الْأَكْبَرِ سِنًّا أَوْ رُتْبَةً، وَنَقَلَ مِيرَكُ عَنِ الْأَزْهَارِ أَنَّ دَاوُدَ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ عليه السلام:" فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا " عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ فَرْضَا عَيْنٍ. قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ بَاطِلًا بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا فَرْضَيْ عَيْنٍ لَأَتَى بِهِمَا كُلٌّ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، وَلَوْ فُعِلَ لَنُقِلَ إِلَيْنَا. ثُمَّ قَالَ: وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ بِقَوْلِهِ عليه السلام: (فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ) عَلَى أَنَّهُمَا فَرْضَا كِفَايَةٍ، يَعْنِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَمْرِ الْوُجُوبُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ لِمَا مَرَّ فِي حَدِيثِ الْإِغَارَةِ.

قُلْتُ: ظَاهِرُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي الْفَرْضِيَّةَ لَا السُّنِّيَّةَ، إِذْ جُعِلَ شِعَارَ الْإِسْلَامِ وَبِتَرْكِهِ جُوِّزَ تَرَتُّبُ الِانْتِقَامِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ عليه السلام فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ ( «إِذَا أَرَدْتَ الصَّلَاةَ فَأَحْسِنِ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَكَبِّرَ» ) وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْأَذَانِ. قُلْتُ: الْحَدِيثُ مَعَ عَدَمِ اسْتِيعَابِهِ الشُّرُوطَ، كَتَرْكِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً عَلَى أَبِي دَاوُدَ، فَضْلًا عَنْ أَحْمَدَ، إِذِ الْأَذَانُ لَيْسَ مِنَ الشَّرَائِطِ، وَلَا مِنَ الْأَرْكَانِ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إِعَادَةِ الصَّلَاةِ لِإِسَاءَةٍ فِيهَا إِعَادَةُ

ص: 574

الْأَذَانِ، مَعَ أَنَّ أَذَانَ غَيْرِهِ كَافٍ لَهُ عِنْدَ غَيْرِ دَاوُدَ. ثُمَّ قَالَ: وَلِقَوْلِهِ عليه السلام (إِذَا «كَانَ أَحَدُكُمْ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَإِنْ صَلَّى بِلَا أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ صَلَّى وَحْدَهُ، إِنْ صَلَّى بِإِقَامَةٍ صَلَّى مَعَهُ مَلِكٌ، وَإِنْ صَلَّى بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ صَلَّى خَلْفَهُ صَفٌّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، أَوَّلُهُمْ بِالْمَشْرِقِ وَآخِرُهُمْ بِالْمَغْرِبِ» ) أَوْرَدَهُ الْفُقَهَاءُ.

قُلْتُ: وَلَوْ صَحَّ هَذَا النَّقْلُ لَمْ يَبْقَ مُجْمَلًا مَعَ أَنَّ لِأَحْمَدَ أَنْ يَخُصَّ الْحُكْمُ حَالَةَ الْجَمَاعَةِ لَا حَالَةَ الِانْفِرَادِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ الْحَدِيثُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ - عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ " الْأَذَانُ سُنَّةٌ " -: هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَكَذَا الْإِقَامَةُ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَاجِبٌ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ: لَوِ اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِ قَاتَلْنَاهُمْ عَلَيْهِ، وَأُجِيبَ: بِكَوْنِ الْقِتَالِ لَمَا يَلْزَمُ مِنَ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَرْكِهِ اسْتِخْفَافُهُمْ بِالدِّينِ بِخَفْضِ إِعْلَامِهِ، لِأَنَّ الْأَذَانَ مِنْ إِعْلَامِ الدِّينِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يُحْبَسُونَ وَيُضْرَبُونَ وَلَا يُقَاتَلُونَ بِالسِّلَاحِ، كَذَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ بِصُورَةِ نَقْلِ الْخِلَافِ، وَلَا يَخْفَى أَنْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِوَجْهٍ، فَإِنَّ الْمُقَاتَلَةَ إِنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ وَعَدَمِ الْقَهْرِ لَهُمْ، وَالضَّرْبَ وَالْحَبْسَ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ قَهْرِهِمْ، فَجَازَ أَنْ يُقَاتَلُوا إِذَا امْتَنَعُوا عَنْ قَبُولِ الْأَمْرِ بِالْأَذَانِ، فَإِذَا قُوتِلُوا فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ ضُرِبُوا وَحُبِسُوا، وَقَدْ يُقَالُ: عَدَمُ التَّرْكِ مَرَّةً دَلِيلٌ عَلَى الْوُجُوبِ، فَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْأَذَانِ كَذَلِكَ وَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ وَإِلَّا لَمْ يَأْثَمْ أَهْلُ بَلْدَةٍ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى تَرْكِهِ إِذَا قَامَ بِهِ غَيْرُهُمْ وَلَمْ يُضْرَبُوا وَلَمْ يُحْبَسُوا.

قُلْتُ: لَعَلَّهُ أَرَادَ بِعَدَمِ ظُهُورِ كَوْنِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَمِيعِ الْبُلْدَانِ، وَإِلَّا لَا شَكَّ أَنَّهُ إِذَا أَذَّنَ أَحَدٌ فِي بَلَدٍ سَقَطَ وُجُوبُهُ عَنِ الْبَاقِينَ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي " الدِّرَايَةِ " عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبَى يُوسُفَ: لَوْ صَلَّوْا فِي الْحَضَرِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِلَا أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ أَخْطَئُوا السُّنَّةَ وَأَثِمُوا، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَهُ لِجَوَازِ كَوْنِ الْإِثْمِ لِتَرْكِهِمَا مَعًا فَيَكُونُ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَتْرُكَهَا مَعَهُمْ لَكِنْ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجَابُ الْأَذَانُ لِظُهُورِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ دَلِيلِهِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَالْمَعْنَى عِنْدَهُمْ مُتَقَارِبٌ، وَبَعْضُهُمْ ذَكَرَ فِيهِ قِصَّةً، كَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ.

ص: 575

683 -

وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

683 -

(وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ) أَيْ: فِي مُرَاعَاةِ الشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ أَوْ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُمَا (وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ) أَيْ: وَقْتُهَا " (فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لْيَؤُمَّكُمْ) - بِسُكُونِ اللَّامِ وَتُكْسَرُ - (أَكْبَرُكُمْ) عِلْمًا أَوْ سِنًّا، وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ عِلْمُ الصَّلَاةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنَ الْأَحْكَامِ، وَبِالسِّنِّ: السِّنُّ الَّذِي يَكُونُ فِي الْإِسْلَامِ الْغَالِبِ عَلَيْهِ تَعَلُّمُ الْأَحْكَامِ، وَهَذَا مِنْ أَظْهَرِ الْأَدِلَّةِ عَلَى تَفْضِيلِ الْإِمَامَةِ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنَ الْمُنَازَعَةِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالَ السَّيِّدُ: لَمْ يَذْكُرْ مُسْلِمٌ: "«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» "، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مَحَلُّ بَحْثٍ. قُلْتُ: يُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ أَوْ مَحَلِّ الشَّاهِدِ، وَالْأَمْرُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْخِلَافُ مِنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ، - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

ص: 575

684 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ خَيْبَرَ، سَارَ لَيْلَةً، حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْكَرَى عَرَّسَ، وَقَالَ لِبِلَالٍ: (اكْلَأْ لَنَا اللَّيْلَ. فَصَلَّى بِلَالٌ مَا قُدِّرَ لَهُ، وَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ.

فَلَمَّا تَقَارَبَ الْفَجْرُ اسْتَنَدَ بِلَالٌ إِلَى رَاحِلَتِهِ مُوَاجِهَ الْفَجْرِ، فَغَلَبَتْ بِلَالًا عَيْنَاهُ، وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا بِلَالٌ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ أَوَّلَهُمُ اسْتِيقَاظًا، فَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:(أَيْ بِلَالُ!) . فَقَالَ بِلَالٌ: أَخَذَ بِنَفْسَيِ الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ. قَالَ (اقْتَادُوا) فَاقْتَادَوا رَوَاحِلَهُمْ شَيْئًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى بِهِمُ الصُّبْحَ. فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قَالَ:(مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] » ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

684 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَفَلَ) أَيْ: رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَمِنْهُ تَسْمِيَةُ الْقَافِلَةِ لِلسَّيَّارَةِ مَرْجِعًا وَمَآلًا، أَوْ مُطْلَقًا تَفَاؤُلًا (مِنْ غَزْوَةِ خَيْبَرَ) فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ، أَقَامَ عليه السلام يُحَاصِرُهَا بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً إِلَى أَنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَهِيَ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَبْرَادٍ (سَارَ لَيْلَةً، حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْكَرَى) بِفَتْحَتَيْنِ هُوَ النُّعَاسُ، وَقِيلَ: النَّوْمُ (عَرَّسَ) مِنَ التَّعْرِيسِ أَيْ: نَزَلَ آخِرَ اللَّيْلِ لِلِاسْتِرَاحَةِ (وَقَالَ لِبِلَالٍ: اكْلَأْ) أَيِ: احْفَظْ وَاحْرُسْ (لَنَا اللَّيْلَ) أَيْ: آخِرَهُ لِإِدْرَاكِ الصُّبْحِ (فَصَلَّى بِلَالٌ مَا قُدِّرَ لَهُ) مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ الصَّلَاةِ وَالْحِرَاسَةِ، أَوْ مَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنَ التَّهَجُّدِ (وَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ

ص: 575

الْمُتَّصِلِ فِي " نَامَ "، وَفِي نُسْخَةٍ: نَامَ وَنَامَ أَصْحَابُهُ اهـ. وَهَذَا إِعْرَابُ لَفْظِ الْمَصَابِيحِ، إِذْ لَفْظُهُ: وَنَامَ أَصْحَابُهُ، وَأَمَّا عَلَى مَا فِي الْمِشْكَاةِ، أَوْ عَطْفٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى الْمَفْعُولِ مَعَهُ (فَلَمَّا تَقَارَبَ الْفَجْرُ، اسْتَنَدَ بِلَالٌ إِلَى رَاحِلَتِهِ) لِغَلَبَةِ ضَعْفِ السَّهَرِ وَكَثْرَةِ الصَّلَاةِ (مُوَاجِهَ الْفَجْرِ) أَيْ: لِيَرْقُبَهُ حَتَّى يُوقِظَهُمْ عَقِبَ طُلُوعِهِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ لَازِمٌ، وَلِذَا قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ مُتَوَجِّهَ الْفَجْرِ يَعْنِي مَوْضِعَهُ، وَفِي نُسْخَةٍ: بِفَتْحِ الْجِيمِ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ مُتَعَدٍّ، وَالْمُوَجَّهُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَلِكُلِّ وُجْهَةٍ (فَغَلَبَتْ بِلَالًا عَيْنَاهُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا عِبَارَةٌ عَنِ النَّوْمِ، كَأَنَّ عَيْنَيْهِ غَالَبَتَاهُ فَغَلَّبَتَاهُ عَلَى النَّوْمِ تَمَّ كَلَامُهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ نَامَ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ (وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى رَاحِلَتِهِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ تُفِيدُ عَدَمَ اضْطِجَاعِهِ عِنْدَ غَلَبَةِ نَوْمِهِ ( «فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا بِلَالٌ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ» ) أَيْ: أَصَابَتْهُمْ، وَوَقَعَ عَلَيْهِمْ حَرُّهَا (فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوَّلَهُمُ اسْتِيقَاظًا) قَالَ الطِّيبِيُّ: فِي اسْتِيقَاظِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ النَّاسِ، إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ النُّفُوسَ الزَّكِيَّةَ وَإِنْ غَلَبَ عَلَيْهَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ شَيْءٌ مِنَ الْحُجُبِ الْبَشَرِيَّةِ، لَكِنَّهَا عَنْ قَرِيبٍ سَتَزُولُ، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ هُوَ أَزْكَى كَانَ زَوَالُ حُجُبِهِ أَسْرَعَ. (فَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ: مِنَ اسْتِيقَاظِهِ وَقَدْ فَاتَتْهُ الصُّبْحُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ هَبَّ وَانْتَبَهَ كَأَنَّهُ مِنَ الْفَزَعِ وَالْخَوْفِ ; لِأَنَّ مَنْ يَتَنَبَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ فَزَعٍ مَا (فَقَالَ: (أَيْ بِلَالٌ) وَالْعِتَابُ مَحْذُوفٌ وَمُقَدَّرٌ أَيْ: لِمَ نِمْتَ حَتَّى فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ ; (فَقَالَ بِلَالٌ) أَيْ: مُتَعَذِّرًا (أَخَذَ بِنَفْسَيِ الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ) أَيْ: كَمَا تَوَفَّاكَ فِي النَّوْمِ تَوَفَّانِي. نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ الطِّيبِيِّ، وَقَالَ: وَفِيهِ أَيُّ تَأَمُّلٌ أَوْ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ غَلَبَ عَلَى نَفْسِي مَا غَلَبَ عَلَى نَفْسِكَ مِنَ النَّوْمِ، أَيْ: كَانَ نَوْمِي بِطَرِيقِ الِاضْطِرَارِ دُونَ الِاخْتِيَارِ لِيَصِحَّ الِاعْتِذَارُ، وَلَيْسَ فِيهِ احْتِجَاجٌ بِالْقَدَرِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ، وَفِي كَلَامِ الطِّيبِيِّ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42] الْآيَةَ (قَالَ: (اقْتَادُوا) أَمْرٌ مِنَ الِاقْتِيَادِ. يُقَالُ: قَادَ الْبَعِيرَ وَاقْتَادَهُ إِذَا جَرَّ حَبْلَهُ أَيْ: سُوقُوا رَوَاحِلَكُمْ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ. (فَاقْتَادَوْا) مَاضٍ أَيْ: سَاقَوْا (رَوَاحِلَهُمْ شَيْئًا) يَسِيرًا مِنَ الزَّمَانِ أَوِ اقْتِيَادًا قَلِيلًا مِنَ الْمَكَانِ يَعْنِي قَالَ: أَذْهِبُوا رَوَاحِلَكُمْ، فَذَهَبُوا بِهَا مِنْ ثَمَّةَ مَسَافَةٍ قَلِيلَةٍ، وَلَمْ يَقْضِ الصَّلَاةَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ ; لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ غَلَبَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، أَوْ لِأَنَّ بِهِ شَيْطَانًا كَمَا فِي رِوَايَةِ:" «تَحَوَّلُوا بِنَا عَنْ هَذَا الْوَادِي فَإِنَّ بِهِ شَيْطَانًا» "، وَقِيلَ: أَخَّرَ لِيَخْرُجَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَنْ جَوَّزَ قَضَاءَ الْفَائِتَةِ فِي الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ وَهُمُ الْأَكْثَرُونَ قَالُوا: أَرَادَ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَتْهُمْ فِيهِ هَذِهِ الْغَفْلَةُ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ:" «تَحَوَّلُوا عَنْ مَكَانِكُمُ الَّذِي أَصَابَتْكُمْ فِيهِ هَذِهِ الْغَفْلَةُ» "، وَفِي رِوَايَةٍ:" «لِيَأْخُذْ كُلُّ وَاحِدٍ رَأْسَ رَاحِلَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ» "، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. وَهُوَ كَذَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ.

ثُمَّ قَالَ الطِّيبِيُّ: قَالَ النَّوَوِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ ذُهِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَنَامَ عَنْهَا ; مَعَ قَوْلِهِ عليه السلام فِي جَوَابِ عَائِشَةَ، «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ : إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» . قُلْنَا: فِيهِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْقَلْبَ إِنَّمَا يُدْرِكُ الْأُمُورَ الْبَاطِنَةَ كَاللَّذَّةِ وَالْأَلَمِ وَنَحْوِهَا، وَلَا يُدْرِكُ الْحِسِّيَّاتِ مِثْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يُدْرَكُ ذَلِكَ بِالْعَيْنِ، وَالْعَيْنُ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبُ يَقْظَانٌ، وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ لَهُ حَالَانِ: يَنَامُ الْقَلْبُ تَارَةً وَهِيَ نَادِرَةٌ، وَأُخْرَى لَا يَنَامُ، فَصَادَفَ بِهَذَا الْمَوْضِعِ حَالَةَ النَّوْمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَإِنِ انْتَصَرَ لَهُ الشَّارِحُ بِمَا لَا يُجْدِي.

قَالَ السَّيِّدُ نَقْلًا عَنِ الطِّيبِيِّ، أَقُولُ: وَلَعَلَّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ أَوْلَى لِمَا وَرَدَ أَنَّهُ عليه السلام اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ فَآذَنَهُ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَعَلَّلُوهُ بِقَوْلِهِ عليه السلام ( «تَنَامُ عَيْنِي وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» ) قُلْتُ: يُرِيدُ الطِّيبِيُّ أَنَّهُ عَلَيْهِ

ص: 576

السَّلَامُ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ تَوَضَّأَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ نَوْمَهُ تَارَةً يَكُونُ نَاقِضًا، وَأُخْرَى لَا بِحَسَبِ الْحَالَيْنِ. وَفِيهِ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّ وَضَوْءَهُ كَانَ لِلتَّجْدِيدِ، أَوْ لِنَاقِضٍ غَيْرِ النَّوْمِ، وَمَعَ الِاحْتِمَالِ يَنْدَفِعُ الِاسْتِدْلَالُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَالِ.

ثُمَّ قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالْحَدِيثُ مُؤَوَّلٌ بِأَنَّهُ نَسِيَ لِيَسُنَّ ; يَعْنِي الْحِكْمَةَ فِي نَوْمِهِ عليه السلام ذُهُولُهُ بِالْحَضْرَةِ الْبَاطِنِيَّةِ عَنِ الطَّاعَةِ الظَّاهِرِيَّةِ، لِيُعْرَفَ حُكْمُ الْقَضَاءِ بِالدَّلِيلِ الْفِعْلِيِّ الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنَ الدَّلِيلِ الْقَوْلِيِّ، عَلَى مَا هُوَ مُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمُؤَيِّدَ لِلدَّلِيلِ الْقَوْلِيِّ عَلَى قَوَاعِدِ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ قَلْبَهُ كَانَ يَقْظَانَ، وَعَلِمَ خُرُوجَ الْوَقْتِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ التَّشْرِيعِ - فَبَاطِلٌ مَرْدُودٌ.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هُوَ عليه السلام كَيْفَمَا اخْتَلَفَ حَالُهُ مِنْ نَوْمٍ أَوْ يَقَظَةٍ فِي حَقٍّ وَتَحْقِيقٍ، وَمَعَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ فِي كُلِّ طَرِيقٍ وَفَجٍّ عَمِيقٍ إِنْ نَسِيَ فَبِآكَدَ مِنَ الْمَنْسِيِّ اشْتَغَلَ، وَإِنْ نَامَ فَبِقَلْبِهِ وَنَفْسِهِ عَلَى اللَّهِ أَقْبَلَ، وَلِهَذَا قَالَ الصَّحَابَةُ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا نَامَ لَا نُوقِظُهُ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ بِنَفْسِهِ لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَا هُوَ فِيهِ عَنِ الصَّلَاةِ، أَوْ نِسْيَانُهُ لِشَيْءٍ مِنْهَا» لَمْ يَكُنْ عَنِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا كَانَ بِالتَّصَرُّفِ مِنْ حَالَةٍ إِلَى حَالَةٍ مِثْلِهَا لِيَكُونَ لَنَا سُنَّةً.

(ثُمَّ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ) أَيْ لَهَا، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَإِنَّمَا لَمْ يُؤَذِّنْ لِأَنَّ الْقَوْمَ حُضُورٌ. قُلْتُ: هُنَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ الْقَوْمَ وَلَوْ كَانُوا حُضُورًا فَالْأَفْضَلُ إِتْيَانُ الْإِقَامَةِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ مَعَ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى نَفْيِ الْأَذَانِ، بَلْ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ، أَنَّهُ جُمِعَ بَيْنَهُمَا، فَالْمَعْنَى: فَأَقَامَ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْأَذَانِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَائِتَةَ لَا يُؤَذَّنُ لَهَا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ،. لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ هُوَ مَذْهَبُهُ الْقَدِيمُ أَنَّهُ يُؤَذَّنُ لَهَا لِمَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ، «ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى صَلَاةَ الْغَدْوَةِ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ» ، وَلِقَوْلِهِ: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ إِلَخْ. إِذِ الْإِقَامَةُ لَا يُفْصَلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفَرْضِ بِشَيْءٍ. وَقَوْلُهُ: كَمَا كَانَ إِلَخْ. مَعَ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، وَعُمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ - يَدْفَعُ احْتِمَالَ أَنْ يُرَادَ الْأَذَانُ فِيهِ الْإِقَامَةُ، فَاقْتِصَارُ مُسْلِمٍ عَلَيْهَا وَخَبَرُ: أَنَّهُ عليه السلام «لَمَّا حُبِسَ عَنِ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ لِتِلْكَ الْفَوَائِتِ» ، لَا يُعَارِضُ مَا مَرَّ لِأَنَّهُ أَصَحُّ مِنْهُ وَمُتَأَخِّرٌ عَنْهُ، وَمَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ عَلَى أَنَّ فِي رِوَايَةِ:«أَنَّهُ عليه السلام فِي قَضِيَّةِ الْخَنْدَقِ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ» ، وَلَا يَضُرُّ انْقِطَاعُهَا لِأَنَّ الْمُنْقَطِعَ يَصْلُحُ لِلتَّقْوِيَةِ اهـ.

وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي فَوَائِتِ الْخَنْدَقِ. أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ كَانَ فِي أُولَى الْفَوَائِتِ، وَالِاقْتِصَارَ عَلَى الْإِقَامَةِ فِي الْبَقِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ عُلَمَاؤُنَا. (فَصَلَّى بِهِمُ الصُّبْحَ) أَيْ: قَضَاءً (فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ) أَيْ: فَرَغَ مِنْهَا (قَالَ (مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ) وَفِي مَعْنَى النِّسْيَانِ النَّوْمُ، أَوْ مَنْ تَرَكَهَا بِنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ، وَلِذَا ضُمَّ إِلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ سَبَقَتْ، " أَوْ نَامَ عَنْهَا " وَهِيَ الْمُنَاسِبَةُ هُنَا، وَعَلَى حَذْفِهَا فَاكْتَفَى بِالنِّسْيَانِ عَنِ النَّوْمِ ; لِأَنَّهُ مِثْلُهُ بِجَامِعِ مَا فِي كُلٍّ مِنَ الْغَفْلَةِ وَعَدَمِ التَّقْصِيرِ (فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا) فَإِنَّ فِي التَّأْخِيرِ آفَاتٍ، وَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يُوجِبُ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْفَائِتَةِ وَالْأَدَائِيَّةِ كَمَا قَالَهُ عُلَمَاؤُنَا (فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى الْمَفْعُولِ، وَاللَّامُ بِمَعْنَى الْوَقْتِ أَيْ: إِذَا ذَكَرْتَ صَلَاتِي بَعْدَ النِّسْيَانِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 577

685 -

وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي قَدْ خَرَجْتُ» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

685 -

(وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ:، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ) أَيْ: نَادَى الْمُؤَذِّنُ بِالْإِقَامَةِ، إِقَامَةً لِلسَّبَبِ مَقَامَ الْمُسَبِّبِ (فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي قَدْ خَرَجْتُ) أَيْ: مِنَ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ، فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: هُنَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ الْإِقَامَةِ عَلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ. نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ وَابْنُ الْمَلَكِ، وَلَعَلَّهُ فِيمَا إِذَا كَانَ هُنَاكَ عَلَامَةٌ عَلَى خُرُوجِهِ كَفَتْحِ بَابٍ أَوْ كَشْفِ سِتَارَةٍ أَوْ سَمَاعِ صَوْتِ نَعْلٍ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ:" كَوْنُ الْإِقَامَةِ بِنَظَرِ الْإِمَامِ لَا يَقْتَضِي حُضُورَهُ عِنْدَهَا، فَقَدْ يَأْمُرُ بِهَا وَهُوَ غَائِبٌ، ثُمَّ يَحْضُرُ عِنْدَ انْتِهَائِهَا أَوْ عَقِبَهُ " - فَهُوَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْبُعْدِ، وَقَدْ مَرَّ بَعْضُ الْكَلَامِ الْمُنَاسِبِ لِلْمَقَامِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : قَالَ مِيرَكُ: وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: " قَدْ خَرَجْتُ " مِنْ إِفْرَادِ مُسْلِمٍ. قُلْتُ: هَذَا مِنْ بَابِ التَّأْكِيدِ الَّذِي بِدُونِهُ تَحْصُلُ الْإِفَادَةُ، فَكَانَ اللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، وَالْمَعْنَى لِمُسْلِمٍ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

ص: 577

686 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رِضَى اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَائْتُوهَا - تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ. فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: ( «فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ» ) . وَهَذَا الْبَابُ خَالٍ عَنِ الْفَصْلِ الثَّانِي.

ــ

686 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ» ) حَالٌ أَيْ: لَا تَأْتُوا إِلَى الصَّلَاةِ مُسْرِعِينَ فِي الْمَشْيِ، وَإِنْ خِفْتُمْ فَوْتَ الصَّلَاةِ، كَذَا قَالَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لَا يُقَالُ هَذَا مُنَافٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْعَوْا} [الجمعة: 9] لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ بِالسَّعْيِ فِي الْآيَةِ الْقَصْدُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] أَيِ: اشْتَغِلُوا بِأَمْرِ الْمَعَادِ، وَاتْرُكُوا أَمْرَ الْمَعَاشِ. قَالَ الْحَسَنُ: لَيْسَ السَّعْيُ مُنْحَصِرًا عَلَى الْأَقْدَامِ، لَكِنْ عَلَى النِّيَّاتِ وَالْقُلُوبِ. اهـ.

يَعْنِي: لَيْسَ السَّعْيَ الْكَامِلَ، أَوْ لَيْسَ السَّعْيُ مُنْحَصِرًا عَلَى الْأَقْدَامِ ; بَلِ الْمَدَارُ عَلَى تَحْصِيلِ الْإِخْلَاصِ فِي وُصُولِ الْمَرَامِ، وَالنَّهْيُ (إِنَّمَا هُوَ عَنِ الْإِسْرَاعِ الْمُفْضِي إِلَى تَشَتُّتِ الْبَالِ وَعَدَمِ اسْتِقَامَةِ الْحَالِ، وَلِذَا قَالَ: (وَائْتُوهَا تَمْشُونَ) أَيْ: بِالسَّكِينَةِ وَالطَّمَأْنِينَةِ الَّتِي مَدَارُ الطَّاعَةِ عَلَيْهِمَا، إِذِ الْمَقْصُودُ مِنَ الْعِبَادَةِ الْحُضُورُ مَعَ الْمَعْبُودِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ أَبْلَغُ فِي النَّهْيِ مِنْ: لَا تَسْعَوْا لِتَصْوِيرِهِ حَالَةَ سُوءِ الْأَدَبِ، وَأَنَّهُ مُنَافٍ لِمَا هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنَ الْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ، وَمِنْ ثَمَّ عَقِبَهُ بِمَا يُنَبِّهُ عَلَى حُسْنِ الْأَدَبِ فَقَالَ: وَائْتُوهَا حَالَ كَوْنِكُمْ تَمْشُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63] وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَقُلْ: إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَسْعَوْا لِظُهُورِ إِعْطَاءِ ظَاهِرِ الْمُعَارَضَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (أَكْبَرُكُمْ ") : {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [الجمعة: 9] وَلِإِبْهَامِ تَرْكِ الْإِتْيَانِ مُطْلَقًا، فَبَيَّنَ أَنَّ السَّعْيَ لَهُ مَعْنَيَانِ، أَحَدُهُمَا: الْإِتْيَانُ عَلَى طَرِيقَةِ الْهَرْوَلَةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَثَانِيهُمَا: الْإِتْيَانُ عَلَى سَبِيلِ الْمَشْيِ وَالسَّكِينَةِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ السَّعْيَ بِمَعْنَى الْجِدِّ وَالْجُهْدِ فِي الْأَمْرِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَاسْعَوْا فِي آيَةِ الْجُمُعَةِ بِمَعْنَى: امْضُوا كَمَا قَرَأَ بِهِ، أَوْ بِمَعْنَى اقْصِدُوا كَمَا قَالَهُ الْحَسَنُ.

قَالَ مِيرَكُ نَقْلًا عَنِ الْأَزْهَارِ: إِنْ قُلْتَ قَوْلُهُ: " «فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ وَائْتُوهَا تَمْشُونَ» "، مَا هَذَا إِلَّا كَمَا تَقُولُ: لَا تَأْكُلْ لَحْمَ الْفَرَسِ، وَلَكِنْ كُلْ لَحْمَ الْحَيَوَانِ وَهُوَ كَلَامٌ ضَعِيفٌ قُلْتُ: لَا نُسَلِّمُ ضَعْفَهُ، لِأَنَّ الْمُرَادَ لَحْمُ حَيَوَانٍ غَيْرِهِ، وَإِنْ سَلِمَ فَالْقَيْدُ مَوْجُودٌ فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:(وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ) مَعَ أَنَّ السَّعْيَ قَدْ يَكُونُ مَشْيًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَقَدْ يَكُونُ عَدْوًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} [يس: 20] وَقَدْ يَكُونُ عَمَلًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] ثُمَّ مَنْ خَافَ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى فَقِيلَ: إِنَّهُ يُسْرِعُ، فَإِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه سَمِعَ الْإِقَامَةَ بِالْبَقِيعِ فَأَسْرَعَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ يُهَرْوِلُ، وَمِنْهُمْ مَنِ اخْتَارَ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى وَقَارٍ لِلْحَدِيثِ، لِأَنَّ مَنْ قَصَدَ الصَّلَاةَ فَكَأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَقَعْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ اهـ.

وَالْأَظْهَرُ الْإِسْرَاعُ مَعَ السَّكِينَةِ دُونَ الْعَدْوِ إِحْرَازًا لِلْفَضِيلَتَيْنِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَمَّا الْجُمُعَةُ فَإِذَا لَمْ تُدْرَكْ بِإِدْرَاكِ رُكُوعِهَا الثَّانِي إِلَّا بِالسَّعْيِ فَإِنَّهُ يَجِبُ السَّعْيُ ; لِأَنَّ لِلْوَسِيلَةِ حُكْمَ الْمَقْصِدِ، وَهُوَ هُنَا وَاجِبٌ عَلَيْنَا، فَوَجَبَتْ وَسِيلَتُهُ كَذَلِكَ. اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ عِنْدَنَا إِذَا لَمْ يُدْرِكِ الْإِمَامَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَلَعَلَّهُ تَعَالَى قَالَ: فَاسْعَوْا لِهَذَا الْمَعْنَى، ثُمَّ السَّكِينَةُ نُصِبَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهَا أَيِ: الْزَمُوا السَّكِينَةَ، قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. وَفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ جَمَعَ بَيْنَ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ فَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى، وَالْحَقُّ أَنَّ السَّكِينَةَ التَّأَنِّي فِي الْحَرَكَاتِ وَاجْتِنَابُ الْعَبَثِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَالْوَقَارَ فِي الْهَيْئَةِ وَغَضِّ الْبَصَرِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى طَرِيقِهِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّكِينَةِ سُكُونُ الْقَلْبِ وَحُضُورُهُ وَخُشُوعُهُ وَخُضُوعُهُ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ، وَبِالْوَقَارِ سُكُونُ الْقَالَبِ مِنَ الْهَيْئَاتِ الْغَيْرِ الْمُنَاسِبَةِ لِلسَّالِكِ (فَمَا أَدْرَكْتُمْ) الْفَاءُ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: إِذَا بَيَّنْتُ لَكُمْ مَا هُوَ أَوْلَى بِكُمْ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَيَحْصُلُ لَكُمُ الثَّوَابُ كَامِلًا، وَبِإِطْلَاقِهِ أَخَذَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ تُدْرَكُ بِأَيِّ جُزْءٍ أُدْرِكَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَيَحْصُلُ لِلْمَأْمُومِ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ السَّبْعُ وَالْعِشْرُونَ دَرَجَةً، لَكِنْ مَنْ أَدْرَكَهَا مِنْ أَوَّلِهَا تَكُونُ دَرَجَتُهُ أَكْمَلَ. (وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ الْمَرْءُ مِنْ صَلَاةِ إِمَامِهِ هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ ; لِأَنَّ لَفْظَ الْإِمَامِ يَقَعُ عَلَى بَاقِي شَيْءٍ تَقَدَّمَ أَوَّلُهُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. 50

ص: 578

قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ. قُلْتُ: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَّا فِي الْقِرَاءَةِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ مَذْهَبُ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَقَالَ آخَرُونَ: مَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ هُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ لِرِوَايَةِ: " «مَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» "، وَرُدَّ بِأَنَّ حَقِيقَةَ الْقَضَاءِ هُنَا غَيْرُ مُتَأَتِّيَةٍ، فَتُعُيِّنَ حَمْلُهَا عَلَى رِوَايَةِ الْإِمَامِ الصَّرِيحَةِ فِيمَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

(وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: (فَإِنَّ أَحَدَكُمْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ (إِذَا كَانَ يَعْمِدُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ: يَقْصِدُ (إِلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ) : أَيْ: حُكْمًا وَثَوَابًا وَقَصْدًا وَمَآبًا، وَفِي نُسْخَةٍ:" فِي الصَّلَاةِ " كَمَا فِي الْمَصَابِيحِ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: هُوَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ حِينِ قَصْدِهَا ; لِأَنَّ الْمُشَارِفَ لِلشَّيْءِ كَأَنَّهُ فِيهِ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يُقَصِّرْ فِي التَّأْخِيرِ اهـ. قُلْتُ: وَلَوْ وَقَعَ تَقْصِيرٌ فِي التَّأْخِيرِ فَبِقَصْدِهِ يَرْتَفِعُ التَّقْصِيرُ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْغَائِبِ عَنِ الْمَعَائِبِ.

(وَهَذَا الْبَابُ) أَيْ: بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَبْوِيبِ صَاحِبِ الْمِشْكَاةِ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي الْمَصَابِيحِ: فَصْلٌ (خَالٍ عَنِ الْفَصْلِ الثَّانِي) لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ صَاحِبُ الْمَصَابِيحِ فِي السُّنَنِ أَحَادِيثَ حِسَانًا مُنَاسِبَةً لِهَذَا الْفَصْلِ، - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

ص: 579

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

687 -

عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ رضي الله عنه، قَالَ:«عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً بِطَرِيقِ مَكَّةَ، وَوَكَّلَ بِلَالًا أَنْ يُوقِظَهُمْ لِلصَّلَاةِ، فَرَقَدَ بِلَالٌ وَرَقَدُوا حَتَّى اسْتَيْقَظُوا وَقَدْ طَلَعَتْ عَلَيْهِمُ الشَّمْسُ، فَاسْتَيْقَظَ الْقَوْمُ، وَقَدْ فَزِعُوا، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْكَبُوا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي، وَقَالَ: (إِنَّ هَذَا وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ) . فَرَكِبُوا حَتَّى خَرَجُوا مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي، ثُمَّ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْزِلُوا، وَأَنْ يَتَوَضَّئُوا، وَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُنَادِيَ لِلصَّلَاةِ - أَوْ يُقِيمَ -، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ رَأَى مِنْ فَزَعِهِمْ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا، وَلَوْ شَاءَ لَرَدَّهَا إِلَيْنَا فِي حِينٍ غَيْرِ هَذَا ; فَإِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلَاةِ أَوْ نَسِيَهَا، ثُمَّ فَزِعَ إِلَيْهَا، فَلْيُصَلِّهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا) ، ثُمَّ الْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقَالَ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ أَتَى بِلَالًا وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَأَضْجَعَهُ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُهَدِّئُهُ كَمَا يُهَدَّأُ الصَّبِيُّ حَتَّى نَامَ» ) .

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

687 -

(عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) تَابِعِيٌّ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ (قَالَ: عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً) فِيهِ تَجْرِيدٌ أَوْ تَأْكِيدٌ، فَإِنَّ التَّعْرِيسَ نُزُولُ اللَّيْلِ أَوْ آخِرِهِ (بِطَرِيقِ مَكَّةَ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ غَيْرُ الْأُولَى، لِأَنَّ تِلْكَ بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ، وَهَذِهِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ (وَوَكَّلَ بِلَالًا) أَيْ: أَمَرَهُ (أَنْ يُوقِظَهُمْ لِلصَّلَاةِ) أَيْ: لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَخَصَّ بِلَالًا بِذَلِكَ ; لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ هُوَ الَّذِي يَرْقُبُ الْوَقْتَ وَيَحْرُسُهُ (فَرَقَدَ بِلَالٌ) أَيْ: بَعْدَمَا سَهِرَ مُدَّةً وَغَلَبَهُ النَّوْمُ (وَرَقَدُوا) أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ اعْتِمَادًا عَلَى بِلَالٍ (حَتَّى اسْتَيْقَظُوا) أَيْ: كُلُّهُمْ جَمِيعًا، وَأَوَّلُهُمْ أَفْضَلُهُمْ (وَقَدْ طَلَعَتْ عَلَيْهِمُ الشَّمْسُ) الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (فَاسْتَيْقَظَ الْقَوْمُ) قَالَ الطِّيبِيُّ: كَرَّرَهُ لِيُنِيطَ بِهِ قَوْلَهُ (فَقَدْ فَزِعُوا) أَيْ: مِنْ فَوَاتِ الصُّبْحِ (فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْكَبُوا) أَيْ: أَنْ يَرْحَلُوا (حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي، وَقَالَ: (إِنَّ هَذَا وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ) أَيْ: مُسَلَّطٌ أَوْ شَيْطَانٌ عَظِيمٌ (فَرَكِبُوا) أَيْ: وَسَارُوا ( «حَتَّى خَرَجُوا مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي، ثُمَّ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْزِلُوا، وَأَنْ يَتَوَضَّئُوا، وَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُنَادِيَ» ) أَيْ: يُؤَذِّنَ أَوْ يُعْلِمَ لِلصَّلَاةِ (- أَوْ يُقِيمَ -) أَيْ: بَعْدَ الْأَذَانِ، فَأَوْ لِلشَّكِّ، أَوْ بِمَعْنَى الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ كَالْوَاوِ عَلَى مَا قَالَهُ الْكُوفِيُّونَ وَالْأَخْفَشُ وَالْجَرْمِيُّ كَمَا نَقَلَهُ [فِي] الْمُغْنِي، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ أَنَّ فِي أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ، أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ بِلَالًا بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ. قُلْتُ: لَا قَالَ الشَّيْخُ الْأَلْبَانِيُّ فِي الْمِشْكَاةِ: أَنَّ الْجَمْعَ أَفْضَلُ، فَالْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى وَأَكْمَلُ، وَلِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ. (فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ) أَيْ: قَضَى صَلَاةَ الصُّبْحِ جَمَاعَةً (ثُمَّ انْصَرَفَ) أَيْ: عَنِ الصَّلَاةِ (وَقَدْ رَأَى مِنْ فَزَعِهِمْ) أَيْ: أَدْرَكَ بَعْضَ فَزَعِهِمْ، أَوْ رَأَى عَلَيْهِمْ بَعْضَ آثَارِ خَوْفِهِمْ وَهَيْبَتِهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا حَسِبُوا أَنَّ فِي النَّوْمِ تَقْصِيرًا، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ، أَيْ شَيْئًا كَثِيرًا كَمَا: انْظُرْ دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ ح عَلَيْهِ السِّيَاقُ، فَغَيْرُ ظَاهِرٍ مِنَ السِّبَاقِ وَاللَّحَاقِ (فَقَالَ) تَسْلِيَةً لَهُمْ وَتَسْكِينًا لِفَزَعِهِمْ ( «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا» ) كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42]

ص: 579

قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ تَسْلِيَةٌ لِلْقَوْمِ مِمَّا فَزِعُوا مِنْهُ، وَأَنَّ تِلْكَ الْغَفْلَةَ كَانَتْ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - قُلْتُ: هَذَا احْتِجَاجٌ بِالْقَدَرِ، وَحَسَنُهُ خَوْفُهُمْ مَعَ عَدَمِ تَقْصِيرِهِمْ فِي تَأْخِيرِهِمْ حَيْثُ لَا حَرَجَ فِي النَّوْمِ، سِيَّمَا مَعَ الِاحْتِرَاسِ بِأَمْرِ بِلَالٍ لِإِيقَاظِ النَّاسِ (وَلَوْ شَاءَ) أَيْ: أَنْ يَرُدَّهَا إِلَيْنَا فِي حِينٍ قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ (لَرَدَّهَا إِلَيْنَا فِي حِينٍ غَيْرِ هَذَا) بِالْجَرِّ عَلَى الصِّفَةِ، وَقِيلَ: بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ أَيْ: غَيْرِ هَذَا الْحِينِ، وَهُوَ يُحْتَمَلُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَيَكُونُ الْقَبْضُ وَالرَّدُّ كِلَاهُمَا مَجَازًا، وَيُحْتَمَلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: إِشَارَةٌ إِلَى الْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي يُنَبِّهُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} [الزمر: 42] وَقَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا إِشَارَةً إِلَى الْمَوْتِ الْمَجَازِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى} [الزمر: 42] أَيِ: الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا. (فَإِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ) أَيْ: غَافِلًا وَذَاهِلًا (عَنِ الصَّلَاةِ أَوْ نَسِيَهَا) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شَكًّا مِنَ الرَّاوِي، وَأَنْ يَكُونَ تَنْوِيعًا فِي الْحَدِيثِ أَيْ: غَفَلَ عَنْهَا بِسَبَبِ النَّوْمِ أَوْ نَسِيَهَا بِأَمْرٍ آخَرَ قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَالْأَظْهَرُ التَّنْوِيعُ لَفْظًا وَمَعْنًى، فَإِنْ لَوْ كَانَ لِلشَّكِّ لَقَالَ أَوْ نَسِيَ لِيَكُونَ بَدَلًا عَنْ رَقَدَ، أَوْ قَالَ: نَسِيَ أَحَدُكُمُ الصَّلَاةَ لِيَكُونَ بَدَلًا عَنِ الْكُلِّ، وَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ:" «مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ أَوْ نَامَ عَنْهَا» "، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلشَّكِّ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ، لِأَنَّ النِّسْيَانَ خِلَافُ النَّوْمِ فَلَا يُجْدِي نَفْعًا (ثُمَّ فَزِعَ إِلَيْهَا) قَالَ الطِّيبِيُّ: ضَمِنَ (فَزِعَ) مَعْنَى الْتَجَأَ فَعُدِّيَ بِ (إِلَى) أَيِ: الْتَجَأَ إِلَى الصَّلَاةِ فَزَعًا يَعْنِي الْتَجَأَ مِنْ تَرْكِهَا إِلَى فِعْلِهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذاريات: 50] أَيْ: مِمَّا سِوَى اللَّهِ (فَلْيُصَلِّهَا) أَيْ: حِينَ قَضَاهَا (كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا) وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجْهَرُ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَيُسِرُّ فِي السِّرِّيَّةِ خِلَافًا لِبَعْضِ عُلَمَائِنَا حَيْثُ قَالَ: وَخَافَتَ حَتْمًا إِنْ قَضَى (ثُمَّ الْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ: مِنَ الْقَوْمِ (إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) فَإِنَّهُ لَهُمْ رَئِيسٌ عَلَى التَّحْقِيقِ، وَلِلنَّبِيِّ صِدِّيقٌ وَصَدِيقٌ، فَفِي الْتِفَاتِهِ غَايَةُ الْتِفَاتِ وَنِهَايَةُ نَوْعٍ مِنَ الْخُصُوصِيَّاتِ (فَقَالَ:(إِنَّ الشَّيْطَانَ) أَيْ: شَيْطَانَ الْوَادِي، أَوْ شَيْطَانَ بِلَالٍ، أَوِ الشَّيْطَانَ الْكَبِيرَ (أَتَى بِلَالًا وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَأَضْجَعَهُ) أَيْ: أَسْنَدَهُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ اضْطَجَعَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ، وَلَمْ يُدْرَ أَيُّهُمَا اللَّاحِقُ (ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُهْدِئُهُ) مِنَ الْإِهْدَاءِ أَيْ: يُسَكِّنُهُ وَيُنَوِّمُهُ. فِي النِّهَايَةِ: الْهُدُوءُ وَالسُّكُونُ عَنِ الْحَرَكَاتِ مِنَ الْمَشْيِ وَالِاخْتِلَافِ فِي الطَّرِيقِ (كَمَا يُهْدَأُ الصَّبِيُّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: يُقَالُ: أَهْدَأْتُ الصَّبِيَّ وَأَسْكَنْتُهُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَضْرِبَ كَفَّهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْكُنَ وَيَنَامَ (حَتَّى نَامَ) .

فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ أَسْنَدَ تِلْكَ الْغَفْلَةَ ابْتِدَاءً إِلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى فِي قَوْلِهِ عليه السلام: إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا، وَفِي قَوْلِ بِلَالٍ: أَخَذَ بِنَفْسَيِ الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ. ثُمَّ أَسْنَدَهَا إِلَى الشَّيْطَانِ، أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَسْأَلَةُ خَلْقِ الْأَفْعَالِ. أَيْ: أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى خَلْقَ النَّوْمِ وَالنِّسْيَانِ فِيهِمْ، فَمَكَّنَ الشَّيْطَانَ مِنَ اكْتِسَابِ مَا هُوَ جَالِبٌ لِلْغَفْلَةِ أَوِ النَّوْمِ مِنَ الْهُدُوءِ وَغَيْرِهِ.

( «ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلَالًا، فَأَخْبَرَ بِلَالٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ الَّذِي أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ» ) قَالَ الطِّيبِيُّ: فِي الْحَدِيثِ إِظْهَارُ مُعْجِزَةٍ، وَلِذَا صَدَّقَهُ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه بِالشَّهَادَةِ. (رَوَاهُ مَالِكٌ) أَيْ: فِي الْمُوَطَّأِ (مُرْسَلًا) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ زَيْدًا تَابِعِيٌّ.

ص: 580