الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
636 -
عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَائِشَةَ رضي الله عنهما، قَالَا: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الظُّهْرِ. رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ زَيْدٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْهُمَا تَعْلِيقًا.
ــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
636 -
(عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَائِشَةَ) : أَيْ: مَوْقُوفًا (قَالَا: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الظُّهْرِ) : لِأَنَّهَا وَسَطَ طَرَفَيِ النَّهَارِ (رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ زَيْدٍ) : أَيْ: وَحْدَهُ (وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْهُمْ) : أَيْ: عَنْ زَيْدٍ وَعَائِشَةَ جَمِيعًا (تَعْلِيقًا) : التَّعْلِيقُ. يُسْتَعْمَلُ فِيمَا حُذِفَ مِنْ مَبْدَأِ إِسْنَادِهِ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ، كَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَذَا وَاسْتَعْمَلَهُ بَعْضُهُمْ فِي حَذْفِ كُلِّ إِسْنَادٍ كَقَالَ عليه الصلاة والسلام كَذَا.
637 -
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي صَلَاةً أَشَدَّ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا. فَنَزَلَتْ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] . وَقَالَ إِنَّ قَبْلَهَا صَلَاتَيْنِ، وَبَعْدَهَا صَلَاتَيْنِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ.
ــ
637 -
(وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ: أَيْ: فِي شِدَّةِ الْحَرِّ عَقِبَ الزَّوَالِ (وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي صَلَاةً أَشَدَّ) : أَيْ: أَشَقَّ وَأَصْعَبَ (عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا) : وَلِذَا كَانُوا يَسْجُدُونَ عَلَى ثِيَابِهِمْ فِيهَا مَعَ أَنَّ عَادَتَهُمُ السُّجُودُ عَلَى الْأَرْضِ رِعَايَةً لِلْأَفْضَلِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ وَالتَّذَلُّلِ فِي الْعُبُودِيَّةِ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ فَتَنَزَّلَتْ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] : قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: مَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُضَيِّعُوهَا لِثِقَلِهَا عَلَيْكُمْ، فَإِنَّهَا الْوُسْطَى أَيِ الْفُضْلَى اهـ. إِذِ الْأَوْسَطُ الْأَفْضَلُ، وَوَاسِطَةُ الْعَقْدِ أَشْرَفُ مَا فِيهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ ظَهَرَتْ وَصُلِّيَتْ، مَعَ أَنَّ فَرْضَ الصَّلَوَاتِ كَانَ لَيْلًا، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَزِيدِ الِاعْتِنَاءِ بِهَا. (وَقَالَ) : أَيِ الرَّاوِي وَهُوَ زَيْدٌ، أَوْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ قَالَهُ السَّيِّدُ (إِنَّ قَبْلَهَا صَلَاتَيْنِ) : أَيْ: إِحْدَاهُمَا نَهَارِيَّةٌ وَأُخْرَى لَيْلِيَّةٌ (وَبَعْدَهَا صَلَاتَيْنِ) : أَيْ: كَذَلِكَ أَوْ هِيَ وَاقِعَةٌ وَسَطَ النَّهَارِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا اجْتِهَادٌ مِنَ الصَّحَابِيِّ نَشَأَ مِنْ ظَنِّهِ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الظُّهْرِ، فَلَا يُعَارِضُ نَصَّهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهَا الْعَصْرُ (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ) .
638 -
وَعَنْ مَالِكٍ رضي الله عنه، بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَا يَقُولَانِ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الصُّبْحِ. رَوَاهُ فِي الْمُوَطَّأِ.
ــ
638 -
(وَعَنْ مَالِكٍ، بَلَغَهُ) : أَيْ: وَصَلَ إِلَيْهِ (أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَا يَقُولَانِ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الصُّبْحِ) : لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ بَيْنَ صَلَاتَيِ اللَّيْلِ وَصَلَاتَيِ النَّهَارِ، أَوْ لِدُخُولِ وَقْتِهَا، وَالنَّاسُ فِي أَطْيَبِ نَوْمٍ فَخُصَّتْ بِالْمُحَافَظَةِ، وَلَعَلَّ هَذَا أَيْضًا اجْتِهَادٌ مِنْهُمَا، وَلَمْ يَبْلُغْهُمَا النَّصُّ الْمَذْكُورُ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام، أَوْ قَالَا ذَلِكَ بِطَرِيقِ الِاحْتِمَالِ (رَوَاهُ) : أَيْ: مَالِكٌ (فِي الْمُوَطَّأِ) : بِالْهَمْزِ، وَقِيلَ بِالْأَلِفِ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَنْحَلُ الْكَلَامَ إِلَى أَنَّ مَالِكًا رَوَاهُ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ بَلَغَهُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ الْحَزَازَةِ، فَكَانَ حَقُّ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ أَوَّلًا عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ إِلَخْ. ثُمَّ يَقُولَ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بَلَاغًا، فَإِنَّ مَالِكًا لَيْسَ مِنَ الرُّوَاةِ بَلْ مِنَ الْمُخَرِّجِينَ.
639 -
(وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ تَعْلِيقًا) .
ــ
639 -
(وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ تَعْلِيقًا) .
640 -
وَعَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( «مَنْ غَدَا إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ غَدَا بِرَايَةِ الْإِيمَانِ، وَمَنْ غَدَا إِلَى السُّوقِ غَدَا بِرَايَةِ إِبْلِيسَ» ) . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
ــ
640 -
(وَعَنْ سَلْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ غَدَا) : أَيْ: ذَهَبَ فِي الْغُدْوَةِ (إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ غَدَا بِرَايَةِ الْإِيمَانِ) : أَيْ: بِعَلَمِهِ وَلِوَائِهِ وَأَلِفُهَا مُنْقَلِبَةٌ عَنْ يَاءٍ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ (وَمَنْ غَدَا إِلَى السُّوقِ غَدَا بِرَايَةِ إِبْلِيسَ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: تَمْثِيلٌ لِبَيَانِ حِزْبِ اللَّهِ وَحِزْبِ الشَّيْطَانِ، فَمَنْ أَصْبَحَ يَغْدُو إِلَى الْمَسْجِدِ كَأَنَّهُ يَرْفَعُ أَعْلَامَ الْإِيمَانِ، وَيُظْهِرُ شَعَائِرَ الْإِسْلَامِ، وَيُوهِنُ أَمْرَ الْمُخَالِفِينَ، وَفِي ذَلِكَ وَرَدَ الْحَدِيثُ:(فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ) . وَمَنْ أَصْبَحَ يَغْدُو إِلَى السُّوقِ فَهُوَ مِنْ حِزْبِ الشَّيْطَانِ يَرْفَعُ أَعْلَامَهُ وَيُشِيدُ مِنْ شَوْكَتِهِ، وَهُوَ فِي تَوْهِينِ دِينِهِ. وَفِي قَوْلِهِ: غَدَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ التَّبْكِيرَ إِلَى السُّوقِ مَحْظُورٌ، فَمَنْ رَاجَعَ إِلَيْهِ بَعْدَ أَدَاءِ وَظَائِفِ طَاعَتِهِ لِطَلَبِ الْحَلَالِ، وَمَا يَتَقَوَّمُ بِهِ طَلَبُهُ لِلْعِبَادَةِ، وَيَتَعَفَّفُ عَنِ السُّؤَالِ كَانَ مِنْ حِزْبِ اللَّهِ تَعَالَى (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) : وَسَنَدُهُ حَسَنٌ.
[بَابُ الْأَذَانِ]
(4)
بَابُ الْأَذَانِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
641 -
ــ
[4]
بَابُ الْأَذَانِ
أَيْ: مَشْرُوعِيَّتِهِ كَيْفِيَّةً وَكَمِّيَّةً، وَالْأَذَانُ هُوَ الْإِعْلَامُ، أَمَّا الْأَذَانُ الْمُتَعَارَفُ مِنَ التَّأْذِينِ كَالسَّلَامِ
كَذَا قِيلَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ أَيْضًا. قَالَ تَعَالَى:{وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ} [الأعراف: 44] وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هُوَ لُغَةً الْإِعْلَامُ وَشَرْعًا قَوْلٌ مَخْصُوصٌ يُعْلَمُ بِهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ، وَخَرَجَ بِهَا الْأَذَانُ الَّذِي يُسَنُّ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ كَالْأَذَانِ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ الْيُمْنَى، وَالْإِقَامَةِ فِي الْيُسْرَى، وَيُسَنُّ أَيْضًا عَنِ الْهَمِّ وَسُوءِ الْخُلُقِ لِخَبَرِ الدَّيْلَمِيِّ، «عَنْ عَلِيٍّ: رَآنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَزِينًا فَقَالَ: (يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ إِنِّي أَرَاكَ حَزِينًا فَمُرْ بَعْضَ أَهْلِكَ يُؤَذِّنْ فِي أُذُنِكَ، فَإِنَّهُ دَرَأُ الْهَمِّ) قَالَ: فَجَرَّبْتُهُ فَوَجَدْتُهُ كَذَلِكَ» . وَقَالَ: كُلٌّ مِنْ رُوَاتِهِ إِلَى عَلِيٍّ أَنَّهُ جَرَّبَهُ، فَوَجَدَهُ كَذَلِكَ. وَرَوَى الدَّيْلَمِيُّ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «مَنْ سَاءَ خُلُقُهُ مِنْ إِنْسَانٍ أَوْ دَابَّةٍ فَأَذِّنُوا فِي أُذُنِهِ» ) اهـ. وَالْأَذَانُ: سُنَّةُ الْفَرَائِضِ، وَقِيلَ: وَاجِبٌ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ: (لَوْ أَنَّ أَهْلَ بَلْدَةٍ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْأَذَانِ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهَا، وَلَوْ تَرَكَهَا وَاحِدٌ لَضَرَبْتُهُ وَحَبَسْتُهُ)، وَأُجِيبَ: بِأَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، لِأَنَّهُ قَالَ أَيْضًا: لَوْ تَرَكَ أَهْلُ بَلْدَةٍ سُنَّةً لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهَا، وَلَوْ تَرَكَهَا وَاحِدٌ لَضَرَبْتُهُ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
641 -
(عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ذَكَرُوا) : أَيِ: الصَّحَابَةُ لِإِعْلَامِ وَقْتِ الصَّلَاةِ (النَّارَ وَالنَّاقُوسَ) : أَيْ: ذَكَرَ جَمْعٌ مِنْهُمْ إِيقَادَ النَّارِ وَجَمْعٌ ضَرْبَ النَّاقُوسِ، وَهُوَ خَشَبَةٌ طَوِيلَةٌ يَضْرِبُهَا النَّصَارَى بِأُخْرَى أَقْصَرَ مِنْهَا لِإِعْلَامِ وَقْتِ الصَّلَاةِ (فَذَكَرُوا) : أَيِ: الصَّحَابَةُ (الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى) : أَيِ: التَّشَبُّهَ بِهِمَا. قِيلَ: أَيْ ذَكَرُوا أَنَّ النَّارَ وَالنَّاقُوسَ لَهُمَا، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَنْفُخُونَ فِي قَرْنٍ، وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَذَانِ، وَلَمْ تُذْكَرِ النَّارُ إِلَّا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، فَلَعَلَّهُمْ صَنَعُوا الْأَمْرَيْنِ، أَوْ كَانُوا فَرِيقَيْنِ، فَرِيقٌ يُوقِدُ النَّارَ، وَفَرِيقٌ يَنْفُخُ فِي الْقَرْنِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْأَوَّلِ بِمَعْنَى الْوَصْفِ، وَالْفَاءُ فِي الثَّانِي السَّبَبِيَّةُ يَعْنِي: وَصَفُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِإِعْلَامِ النَّاسِ وَقْتَ الصَّلَاةِ إِيقَادَ النَّارِ لِظُهُورِهَا، وَضَرْبَ النَّاقُوسِ لِصَوْتِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِذِكْرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. قَالَ الْقَاضِي: لَمَّا قَدِمَ عليه السلام الْمَدِينَةَ، وَبَنَى الْمَسْجِدَ شَاوَرَ الصَّحَابَةَ فِيمَا يُجْعَلُ عَلَمًا لِلْوَقْتِ، فَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ النَّارَ وَالنَّاقُوسَ، وَذَكَرَ آخَرُونَ مِنْهُمْ أَنَّ النَّارَ شِعَارُ الْيَهُودِ، وَالنَّاقُوسَ مِنْ شِعَارِ النَّصَارَى، فَلَوِ اتَّخَذْنَا أَحَدَهُمَا الْتَبَسَتْ أَوْقَاتُنَا بِأَوْقَاتِهِمْ فَتَفَرَّقُوا مِنْ غَيْرِ اتِّفَاقٍ عَلَى شَيْءٍ فَاهْتَمَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ لِهَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَامَ فَرَأَى فِي الْمَنَامِ أَنَّ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ قَائِلًا: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ إِلَخْ: فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ عليه الصلاة والسلام فَقَالَ: (إِنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَا حَقٌّ قُمْ مَعَ بِلَالٍ، فَأَذِّنَا، فَإِنَّهُ أَنْدَى أَيْ أَرْفَعُ صَوْتًا مِنْكَ) فَلَمَّا أَذَّنَا وَسَمِعَ عُمَرُ رضي الله عنه أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا قَالَ: قَالَ عليه الصلاة والسلام (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ) . رُوِيَ أَنَّهُ رَأَى الْأَذَنَ فِي الْمَنَامِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (فَأُمِرَ بِلَالٌ) : عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ أَيْ: أَمَرَهُ عليه السلام أَيْ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ: أَيْ بِأَنْ يَأْتِيَ بِأَلْفَاظِهِ شَفْعًا قَالَهُ الطِّيبِيُّ: أَيْ: يَقُولَ كُلَّ كَلِمَةٍ مَرَّتَيْنِ سِوَى آخِرِهَا قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ (وَأَنْ يُوتِرَ الْإِقَامَةَ) : أَيْ: وَيَقُولَ كَلِمَاتِ الْإِقَامَةِ مَرَّةً مَرَّةً سِوَى التَّكْبِيرِ فِي أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِقَامَةَ فُرَادَى وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ اهـ.
وَسَيَأْتِي دَلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَنْ وَافَقَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ (قَالَ إِسْمَاعِيلُ) : أَيِ: ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَهُ مِيرَكُ (فَذَكَرْتُهُ) : أَيِ: الْحَدِيثَ (لِأَيُّوبَ) : هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ قَالَهُ مِيرَكُ، وَفِي التَّقْرِيبِ أَنَّهُ رَأَى أَنَسًا (فَقَالَ) : أَيْ: أَيُّوبُ (إِلَّا الْإِقَامَةَ) : أَيْ إِلَّا لَفْظَةَ الْإِقَامَةِ وَهِيَ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، فَإِنَّ بِلَالًا يَقُولُهَا مَرَّتَيْنِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ قَالَهُ مِيرَكُ.
642 -
ــ
642 -
(وَعَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ) : اسْمُهُ: سَمُرَةُ أَوْ سَلَمَةُ بْنُ مُغِيرَةَ قَالَهُ مِيرَكُ (قَالَ: أَلْقَى) : أَيْ: أَمْلَى (عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التَّأْذِينَ هُوَ بِنَفْسِهِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ لَقَّنَنِي كُلَّ كَلِمَةٍ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَعْنِي أَبُو مَحْذُورٍ تَصْوِيرَ تِلْكَ الْحَالَةِ، وَلِهَذَا عَدَلَ عَنِ الْمَاضِي إِلَى الْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ تَعُودُ فَتَقُولُ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عُدُولٌ عَنِ الْأَمْرِ إِلَى الْمُضَارِعِ لِقَوْلِهِ (فَقَالَ: (قُلْ) : وَبَيَانُهُ أَنَّ (ثُمَّ تَعُودُ) عَطْفٌ عَلَى (قُلْ) لَا عَلَى (أَلْقَى) فَتَأَمَّلْ (اللَّهُ أَكْبَرْ) : بِسُكُونِ الرَّاءِ، وَتُرْفَعُ ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ وَالْغَرِيبَيْنِ: أَنَّ الرَّاءَ فِي أَكْبَرَ سَاكِنَةٌ فِي الْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ كَذَا سُمِعَ مَوْقُوفًا غَيْرَ مُعْرَبٍ فِي مَقَاطِعِهِ كَقَوْلِهِمْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يُسَنُّ لِلْمُؤَذِّنِ الْوَقْفُ عَلَى كُلِّ كَلِمَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ وَكَذَا مَا بَعْدَ مَا لِأَنَّهُ رُوِيَ مَوْقُوفًا وَإِنْ وُصِلَ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ، فَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ ضَمُّ الرَّاءِ وَاخْتَارَ الْمُبَرِّدُ فَتْحَهَا، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْفَتْحَ أَخَفُّ، وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ تَفْخِيمَ لَامِ الْجَلَالَةِ كَمَا حَقَّقَ فِي:(الم اللَّهُ) وَإِلَّا فَالْقَاعِدَةُ الْمَشْهُورَةُ أَنَّ السَّاكِنَ إِذَا حُرِّكَ حُرِّكَ بِالْكَسْرِ كَمَا فِي لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ وَ (قُلِ اللَّهُمَّ)(اللَّهُ أَكْبَرُ) : أَيْ: أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ كُنْهُ كِبْرِيَائِهِ وَعَظَمَتِهِ، أَوْ مِنْ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ، أَوْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَفِي الْغَرِيبَيْنِ قِيلَ: مَعْنَاهُ اللَّهُ كَبِيرٌ، وَبَيَّنَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ أَفْعَلَ قَدْ يُقْطَعُ عَنْ مُتَعَلِّقِهِ قَصْدًا إِلَى نَفْسِ الزِّيَادَةِ وَإِفَادَةِ الْمُبَالِغَةِ وَنَظِيرُهُ: فُلَانٌ يُعْطِي وَيَمْنَعُ أَيْ: تُوجَدُ حَقِيقَتُهُمَا فِيهِ، وَإِفَادَةُ الْمُبَالِغَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمَوْصُوفَ تَفَرَّدَ بِهَذَا الْوَصْفِ وَانْتَهَى أَمْرُهُ فِيهِ إِلَى أَنْ لَا يَتَصَوَّرَ لَهُ مَنْ يُشَارِكُهُ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كُلُّ مَا جَاءَ مِنْ أَوْصَافِ الْبَارِي - جَلَّ وَعَلَا - نَحْوَ: أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: إِنَّ أَفْعَلَ وَفَعِيلًا صِفَاتِهِ تَعَالَى سَوَاءٌ ; لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِأَكْبَرَ إِثْبَاتُ الزِّيَادَةِ فِي صِفَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِ بَعْدَ الْمُشَارَكَةِ، لِأَنَّهُ لَا يُسَاوِيهِ أَحَدٌ فِي أَصْلِ الْكِبْرِيَاءِ، فَكَانَ أَفْعَلُ بِمَعْنَى فَعِيلٍ، لَكِنْ فِي الْمَغْرِبِ: اللَّهُ أَكْبَرُ مَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَتَفْسِيرُهُمْ إِيَّاهُ بِالْكَبِيرِ ضَعِيفٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنْ كَوْنِ كَبِيرٍ وَأَكْبَرَ وَاحِدًا فِي صِفَاتِهِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْكَبِيرِ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ الْكِبْرِيَاءَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا سِوَاهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ لَيْسَ بِكَبِيرٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُرَادُ بِأَكْبَرَ فَتَدَبَّرْ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى فِي أَكْبَرَ أَظْهَرَ لَمْ يُجَوِّزْ بَعْضُهُمْ فِي التَّحْرِيمَةِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ (اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ) : أَيْ: أَكْبَرُ أَرْبَعُ مَرَّاتٍ، وَابْتُدِئَ بِهِ، لِأَنَّ فِي لَفْظَةِ اللَّهِ أَكْبَرَ مَعَ اخْتِصَارِهَا إِثْبَاتَ الذَّاتِ وَسَائِرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْكَمَالَاتِ، وَلِأَنَّ هَذَا الذِّكْرَ مِمَّا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ فِي كُلِّ مَقَامٍ عَالٍ، وَالْغَالِبُ أَنَّ الْأَذَانَ يَكُونُ فِي مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ، وَلَعَلَّ وَجْهَ تَكْرِيرِهِ أَرْبَعًا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ جَارٍ فِي الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ وَسَارٍ فِي تَطْهِيرِ شَهَوَاتِ النَّفْسِ النَّاشِئَةِ عَنْ طَبَائِعِهَا الْأَرْبَعِ، (أَشْهَدُ) : أَيْ: أَعْلَمُ وَأُبَيِّنُ (أَنْ لَا إِلَهَ) : أَيْ: لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ فِي الْوُجُودِ (إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ تَعُودُ) : أَيْ: تَرْجِعُ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ (فَتَقُولُ) : بِالْخِطَابِ فِيهِمَا وَهُمَا فِعْلَانِ بِمَعْنَى الْأَمْرِ (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: إِشَارَةٌ إِلَى التَّرْجِيعِ وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِكَلِمَتَيِ الشَّهَادَةِ بَعْدَ الْخَفْضِ بِهِمَا، وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ يَعْنِي فَإِنَّهُ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ تَعْلِيمًا فَظُنَّ تَرْجِيعًا أَيْ: قُلْ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَرَّتَيْنِ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ. قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: وَحَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى التَّرْجِيعَ مُؤَوَّلًا عَلَى أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ لَمْ يَرْفَعْ صَوْتَهُ بِتِلْكَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي هِيَ عَلَمُ الْإِيمَانِ وَمَنَارُ التَّوْحِيدِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَيَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ (حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ) : حَيَّ: اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى الْأَمْرِ وَفُتِحَتْ يَاؤُهُ لِسُكُونِ مَا قَبْلَهَا (حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: هَلُمُّوا إِلَيْهَا وَأَقْبِلُوا عَلَيْهَا، وَتَعَالَوْا مُسْرِعِينَ، وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: إِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ فَحَيَّعَلَا لِعُمَرَ أَيِ: ابْدَأْ بِهِ وَاعْجَلْ بِذِكْرِهِ، وَهُمَا كَلِمَتَانِ جُعِلَتَا كَلِمَةً وَاحِدَةً. أَقُولُ: لَمَّا قِيلَ حَيَّ أَيْ أَقْبِلْ قِيلَ لَهُ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ؟ أُجِيبَ: عَلَى الصَّلَاةِ. ذَكَرَ نَحْوَهُ الْكَشَّافُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23]
(حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ) : أَيِ: الْخَلَاصُ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ، وَالظَّفَرُ بِكُلِّ مُرَادٍ. وَقِيلَ: الْفَلَاحُ الْبَقَاءُ أَيْ أَسْرِعُوا إِلَى مَا هُوَ سَبَبُ الْخَلَاصِ مِنَ الْعَذَابِ وَالظَّفَرِ بِالثَّوَابِ وَالْبَقَاءِ فِي دَارِ الْمَآبِ، وَهُوَ الصَّلَاةُ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا بِالْجَمَاعَةِ (اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ) : كَرَّرَهُ بِمَا خَتَمَ بِهِ اقْتِصَارًا (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) : خَتَمَ بِهِ إِشَارَةً إِلَى التَّوْحِيدِ الْمَحْضِ اخْتِصَارًا، وَلِيُوَافِقَ النِّهَايَةَ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَالْأَرْبَعَةُ وَأَحْمَدُ قَالَهُ مِيرَكُ.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: هَكَذَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ فِي أَوَّلِهِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ مَرَّتَيْنِ فَقَطْ، وَوَقَعَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ التَّكْبِيرَ فِي أَوَّلِهِ أَرْبَعًا، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضُ: وَوَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْفَارِسِيِّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَبِالتَّرْبِيعِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. وَبِالتَّثْنِيَةِ قَالَ مَالِكٌ، وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَبِأَنَّهُ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُمْ أَعْرَفُ بِالسُّنَنِ، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَبِأَنَّ التَّرْبِيعَ عَمَلُ أَهْلِ مَكَّةَ وَهِيَ مَجْمَعُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَوَاسِمِ وَغَيْرِهَا، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ يَقُولُ: أَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْأَذَانَ حَرْفًا حَرْفًا: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ إِلَخْ. وَلَمْ يَذْكُرْ تَرْجِيعًا فَتَعَارَضَا فَتَسَاقَطَا، وَيَبْقَى حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ سَلِمَا مِنَ الْمُعَارِضِ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ عَدَمَ ذِكْرِهِ فِي حَدِيثٍ لَا يُعَدُّ مُعَارِضًا لِأَنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، نَعَمْ لَوْ صَرَّحَ بِالنَّفْيِ كَانَ مُعَارِضًا، مَعَ أَنَّ الْمُثْبَتَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، وَكَأَنَّهُ رحمه الله أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ النَّقْلَةَ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ تَعَارُضًا، وَلِذَا قَالَ: وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ زَيْدٍ سَلِمَا مِنَ الْمُعَارَضَةِ، وَإِلَّا فَهُمَا لَا يَخْلُوَانِ مِنَ الْمُعَارِضِ أَيْضًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: التَّرْجِيعُ فِي الشَّهَادَتَيْنِ سُنَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَذَا الْحَدِيثُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ بِسُنَّةٍ لِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَلَى أَنْ لَا تَرْجِيعَ فِي أَذَانِ بِلَالٍ وَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَا، وَأَوَّلْنَا الْحَدِيثَ بِأَنَّ تَعْلِيمَهُ عليه السلام أَبَا مَحْذُورَةَ الْأَذَانَ كَانَ عُقَيْبَ إِسْلَامِهِ، فَأَعَادَ عليه السلام كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ وَكَرَّرَهَا، لِتَثْبُتَ فِي قَلْبِهِ، فَظَنَّ أَبُو مَحْذُورَةَ أَنَّهُ مِنَ الْأَذَانِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّأْوِيلَ أَوْلَى مِنَ التَّسَاقُطِ، وَالظَّاهِرُ هُوَ التَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ سَابِقًا عَنْ بَعْضِ عُلَمَائِنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْفَصْلُ الثَّانِي
643 -
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ:«كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
643 -
(عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ الْأَذَانُ) : أَيْ: أَلْفَاظُهُ مِنَ الْجُمَلِ (عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَيْ: فِي عَهْدِهِ عُدِّيَ بِعَلَى لِمَعْنَى الظُّهُورِ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ. (مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ) : خُصَّ التَّكْبِيرُ عَنِ التَّكْرِيرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ، فَإِنَّهُ أَرْبَعُ خِلَافًا لِمَالِكٍ لِمَا تَقَدَّمَ، وَخُصَّ التَّهْلِيلُ عَنْهُ فِي آخِرِهِ عِنْدَ الْكُلِّ فَإِنَّهُ وَتْرٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ بِظَاهِرٍ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ التَّرْجِيعِ (وَالْإِقَامَةُ) : أَيْ: كَلِمَاتُهَا الْمُفِيدَةُ (مَرَّةً مَرَّةً، غَيْرَ أَنَّهُ) : أَيِ: الْمُؤَذِّنَ (كَانَ يَقُولُ) : أَيْ: فِي الْإِقَامَةِ (قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ) : أَيْ: مَرَّتَيْنِ، وَالْمَعْنَى قَارَبَتْ قِيَامَهَا، وَفِي النِّهَايَةِ: قَامَ أَهْلُهَا أَوْ حَانَ قِيَامُ أَهْلِهَا، وَقِيلَ عُبِّرَ بِالْمَاضِي إِعْلَامًا بِأَنَّ فِعْلَهَا الْقَرِيبَ الْوُقُوعِ كَالْمُحَقَّقِ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ وَيُبَادِرَ إِلَيْهِ، وَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ التَّكْبِيرِ أَيْضًا أَوَّلًا وَآخِرًا، فَإِنَّهُ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَسَكَتَ عَلَيْهِ، وَهُوَ صَالِحٌ عِنْدَهُ قَالَهُ مِيرَكُ. (وَالنَّسَائِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ) .
644 -
وَعَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ رضي الله عنه، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
644 -
(وَعَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ) : بِسُكُونِ الشِّينِ وَتُكْسَرُ أَيْ: مَعَ التَّرْجِيعِ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ (كَلِمَةً) : الْجُمْلَةُ الْمُفِيدَةُ (وَالْإِقَامَةَ) : بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْأَذَانِ أَيْ: وَعَلَّمَهُ الْإِقَامَةَ (سَبْعَ عَشْرَةَ) : بِالْوَجْهَيْنِ (كَلِمَةً) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: لِأَنَّهُ لَا تَرْجِيعَ فِيهَا فَانْحَذَفَ عَنْهَا كَلِمَتَانِ، وَزِيدَتِ الْإِقَامَةُ شَفْعًا تَفْصِيلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَرْبَعُ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثٌ مِنْهَا تَوْكِيدٌ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَرَّتَانِ. الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ تَأْكِيدٌ، وَكَذَا أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ مَرَّتَانِ. وَحَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَانِ. وَحَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَانِ. وَقَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ مَرَّتَانِ. وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَلِمَتَانِ. وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَالْإِقَامَةُ عِنْدَ مَالِكٍ إِحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً، لِأَنَّهُ يَقُولُ كُلَّ كَلِمَةٍ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَّا كَلِمَةَ التَّكْبِيرِ، وَالْإِقَامَةَ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ) : وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ ذَكَرَهُ مِيرَكُ (وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) .
645 -
وَعَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! عَلِّمْنِي سُنَّةَ الْأَذَانِ، قَالَ: فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ. قَالَ: (تَقُولَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، تَرْفَعُ بِهَا صَوْتَكَ. ثُمَّ تَقُولَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، تَخْفِضُ بِهَا صَوْتَكَ، ثُمَّ تَرْفَعُ صَوْتَكَ بِالشَّهَادَةِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. فَإِنْ كَانَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ، قُلْتَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ. اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
645 -
(وَعَنْهُ) : أَيْ: أَبِي مَحْذُورَةَ (قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! عَلِّمْنِي سُنَّةَ الْأَذَانِ) : أَيْ: طَرِيقَتَهُ فِي الشَّرْعِ (قَالَ) : أَيِ الرَّاوِي (فَمَسَحَ) : أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (مُقَدَّمَ رَأْسِهِ) : أَيْ: رَأَسَهُ عليه السلام. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ عَلَى الرَّأْسِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ، إِذْ فِي الْعَادَةِ يُقَالُ: عَلَى الرَّأْسِ لَا أَنَّهُ يَمْسَحُ عَلَى الرَّأْسِ، وَأَيْضًا هَذَا يَصْدُرُ مِنَ الْأَصَاغِرِ لِلْأَكَابِرِ دُونَ الْعَكْسِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِعْلُ اتِّفَاقٍ ذَكَرَهُ الرَّاوِي اسْتِحْضَارًا لِلْقَضِيَّةِ بِكَمَالِهَا، أَوْ رَأْسُ أَبِي مَحْذُورَةَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: فَمَسَحَ رَأْسِيَ، لِيَحْصُلَ لَهُ بَرَكَةُ يَدِهِ الْمُوصَلَةِ إِلَى الدِّمَاغِ وَغَيْرِهِ، فَيَحْفَظُ مَا يُلْقَى إِلَيْهِ، وَيُمْلَى عَلَيْهِ (قَالَ:(تَقُولَ ") : بِتَقْدِيرٍ أَنْ؛ أَيِ الْأَذَانَ قَوْلَكَ، وَقِيلَ: أُطْلِقَ الْفِعْلُ، وَأُرِيدَ بِهِ الْحَدَثُ عَلَى مَجَازِ ذِكْرِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْبَعْضِ، أَوْ خَبَرٌ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ أَيْ قُلْ:" (اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، تَرْفَعُ بِهَا صَوْتَكَ ") : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَوِ اسْتِئْنَافِيَّةٌ مُبَيِّنَةٌ " (ثُمَّ تَقُولَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، تَخْفِضُ بِهَا صَوْتَكَ، ثُمَّ تَرْفَعُ صَوْتَكَ بِالشَّهَادَةِ ") : هَذَا بِظَاهِرِهِ يُنَافِي التَّأْوِيلَاتِ الْمُتَقَدِّمَةَ، فَالْوَجْهُ الْوَجِيهُ أَنْ يُقَالَ بِتَرْجِيحِ أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ حَيْثُ لَا تَرْجِيحَ فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ وَقَعَ أَوَّلًا، وَسَائِرَ الْأَحَادِيثِ آخِرًا، فَيَكُونُ حَدِيثُهُ مَنْسُوخًا (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. فَإِنْ كَانَ) : أَيِ: الْوَقْتُ أَوْ مَا يُؤَذَّنُ لَهَا " (صَلَاةَ الصُّبْحِ ") : بِالنَّصْبِ أَيْ وَقْتَهُ، وَقِيلَ بِالرَّفْعِ فَكَانَ تَامَّةٌ (قُلْتَ) : أَيْ: فِي أَذَانِهَا " (الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ) : أَيْ: لَذَّتُهَا خَيْرٌ مِنْ لَذَّتِهِ عِنْدَ أَرْبَابِ الذَّوْقِ وَأَصْحَابِ الشَّوْقِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ: الْعَسَلُ أَحْلَى مِنَ الْخَلِّ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِنَدْبِ مَا ذُكِرَ فِي الصُّبْحِ، وَهُوَ مَذْهَبُنَا كَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَغَيْرُ صَحِيحٍ نَشَأَ عَنْ قِلَّةِ اطِّلَاعٍ عَلَى مَذْهَبِهِ. (اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ قَالَ النَّوَوِيُّ: حَسَنٌ نَقَلَهُ مِيرَكُ، وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
646 -
وَعَنْ بِلَالٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا تُثَوِّبَنَّ فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ إِلَّا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: أَبُو إِسْرَائِيلَ الرَّاوِي لَيْسَ هُوَ بِذَاكَ الْقَوِيِّ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ.
ــ
646 -
(وَعَنْ بِلَالٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا تُثَوِّبَنَّ فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ) : التَّثْوِيبُ لُغَةً إِعْلَامٌ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ أُخْرَى (إِلَّا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ) : فِي الْفَائِقِ: الْأَصْلُ فِي التَّثْوِيبِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا جَاءَ مُسْتَصْرِخًا لَوَّحَ بِثَوْبِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ دُعَاءً وَإِنْذَارًا ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى سُمِّيَ الدُّعَاءُ تَثْوِيبًا، وَقِيلَ: هُوَ تَرْدِيدُ الدُّعَاءِ تَفْعِيلٌ مِنْ ثَابَ إِذَا رَجَعَ، وَمِنْهُ قِيلَ لِصَوْتِ الْمُؤَذِّنِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ التَّثْوِيبُ وَزَادَ فِي النِّهَايَةِ: الْمُؤَذِّنُ إِذَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ فَقَدْ دَعَاهُمْ، فَإِذَا قَالَ بَعْدَهُ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ فَقَدْ رَجَعَ إِلَى كَلَامٍ مَعْنَاهُ الْمُبَادَرَةُ إِلَيْهَا نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ، وَقِيلَ: أَوْ يَرْجِعُ النَّاسُ عَنِ النَّوْمِ إِلَى الصَّلَاةِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَخَصُّوا بِهِ الْفَجْرَ فَكَرِهُوهُ فِي غَيْرِهِ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ مُؤَذِّنًا يَثُوبُ فِي غَيْرِ الْفَجْرِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: قُمْ حَتَّى نَخْرُجَ مِنْ عِنْدِ هَذَا الْمُبْتَدِعِ. وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه إِنْكَارُهُ بِقَوْلِهِ: أَخْرِجُوا هَذَا الْمُبْتَدِعَ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا التَّثْوِيبُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِهِ عليه السلام اهـ.
وَاسْتَحْسَنَ الْمُتَأَخِّرُونَ التَّثْوِيبَ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ ; أَبُو إِسْرَائِيلَ الرَّاوِي لَيْسَ هُوَ بِذَاكَ الْقَوِيِّ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ) : وَقِيلَ: كَانَ رَافِضِيًّا يَشْتِمُ الصَّحَابَةَ، وَعُثْمَانَ رضي الله عنهم تَرَكَهُ ابْنُ مَهْدِيٍّ نَقَلَهُ السَّيِّدُ عَنِ الْأَزْهَارِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَوْلُ أَئِمَّتِنَا يُكْرَهُ التَّثْوِيبُ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ لَمْ يَأْخُذُوهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ، وَهُوَ لَا يَحْتَجُّ فِي الْكَرَاهَةِ، بَلْ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ:( «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» ) .
647 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِبِلَالٍ: (إِذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ، وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْدُرْ، وَاجْعَلْ مَا بَيْنَ أَذَانِكَ وَإِقَامَتِكَ قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الْآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ، وَالشَّارِبُ مِنْ شُرْبِهِ، وَالْمُعْتَصِرُ
إِذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ، وَهُوَ إِسْنَادٌ مَجْهُولٌ.
ــ
647 -
(وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِبِلَالٍ: (إِذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ) : أَيْ: تَمَهَّلْ، وَافْصِلِ الْكَلِمَاتِ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ بِسَكْتَةٍ خَفِيفَةٍ. فِي النِّهَايَةِ: أَيْ تَأَنَّ وَلَا تَعْجَلْ. يُقَالُ: تَرَسَّلَ فُلَانٌ فِي كَلَامِهِ وَمِشْيَتِهِ إِذَا لَمْ يَعْجَلْ وَهُوَ التَّرْسِيلُ سَوَاءٌ وَفِي الْفَائِقِ: حَقِيقَةُ التَّرَسُّلِ طَلَبُ الرَّسَلِ وَهُوَ الْهَيِّنَةُ وَالسُّكُونُ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ تَأَنَّ فِي ذَلِكَ بِأَنْ تَأْتِيَ بِكَلِمَاتٍ مُبِينَةٍ مِنْ غَيْرِ تَمْطِيطٍ مُجَاوِزٍ لِلْحَدِّ، وَمِنْ ثَمَّ تَأَكَّدَ عَلَى الْمُؤَذِّنِينَ أَنْ يَحْتَرِزُوا مِنْ أَغْلَاطٍ يَقَعُونَ فِيهَا، فَإِنَّ بَعْضَهَا كُفْرٌ لِمَنْ تَعَمَّدَهُ كَمَدِّ هَمْزَةِ أَشْهَدُ، فَيَصِيرُ اسْتِفْهَامًا وَمَدِّ بَاءِ أَكْبَرُ فَيَصِيرُ جَمْعَ كَبْرٍ بِالْفَتْحِ، وَهُوَ قَوْلٌ لَهُ وَجْهٌ وَاحِدٌ، وَمِنَ الْوَقْفِ عَلَى إِلَهَ وَالِابْتِدَاءِ بِاللَّهِ، وَبَعْضُهَا لَحْنٌ خَفِيٌّ كَتَرْكِ إِدْغَامِ دَالِ مُحَمَّدٍ فِي رَاءِ رَسُولِ اللَّهِ وَمَدِّ أَلِفِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ وَالْفَلَاحِ، وَقَلْبِ الْأَلِفِ هَاءً مِنَ اللَّهِ، وَعَدَمِ النُّطْقِ بِهَاءِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ دُعَاءً إِلَى النَّارِ اهـ.
وَبَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِيَّاتِ مَدُّ هَمْزَةِ أَكْبَرَ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ اسْتِفْهَامًا أَيْضًا. وَقَوْلُهُ: وَالِابْتِدَاءُ بِاللَّهِ لَيْسَ مِنَ الْكُفْرِيَّاتِ، بَلِ الْوَقْفُ عَلَى إِلَهٍ فَقَطْ فَذِكْرُهُ لَغْوٌ، وَقَوْلُهُ إِدْغَامُ دَالِ مُحَمَّدٍ أَيْ تَنْوِينُ دَالِهِ وَإِلَّا فَإِدْغَامُ دَالِهِ مِنْ أَكْبَرِ اللُّحُونِ، وَإِطْلَاقُ مَدِّ أَلِفِ اللَّهِ وَمَا بَعْدَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ قَصْرُهُ وَتَوَسُّطُهُ وَمَدُّهُ قَدْرَ ثَلَاثِ أَلِفَاتٍ حَالَةَ الْوَقْفِ، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: قَلْبِ الْأَلِفِ قَلْبَ الْهَمْزَةِ فَفِي عِبَارَتِهِ مُسَامَحَةٌ. (وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْدُرْ ") : بِضَمِّ الدَّالِّ وَكَسْرِهَا أَيْ: أَسْرِعَ فِي التَّلَفُّظِ بِهَا وَصِلْ بَيْنَ الْكَلِمَاتِ مِنْ غَيْرِ دَرْجٍ وَدَمْجٍ، وَلَا تَسْكُتْ بَيْنَهَا (وَاجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِكَ وَإِقَامَتِكَ) : أَيْ: زَمَانًا يَسِيرًا بِحَيْثُ يَكُونُ (قَدْرَ مَا يَفْرَغُ الْآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ) : قِيلَ: كَأَنَّهُ فِي الْعِشَاءِ لِاتِّسَاعِ وَقْتِهِ (وَالشَّارِبُ مِنْ شُرْبِهِ) : بِتَثْلِيثِ الشِّينِ، وَالْمَشْهُورُ الضَّمُّ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ. كَأَنَّهُ فِي الْمَغْرِبِ لِضِيقِ وَقْتِهِ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مِنْهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي تَضْيِيقِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عليه السلام أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ الضَّرُورِيَّةِ الْعَامَّةِ الَّتِي قَدْ بَاشَرَهَا مُرِيدُ الصَّلَاةِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، غَيْرَ مُخْتَصَّةٍ بِصَلَاةٍ دُونَ صَلَاةٍ " (وَالْمُعْتَصِرُ) : أَيْ: وَيَفْرَغُ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى الْغَائِطِ وَيَعْصُرُ بَطْنَهُ وَفَرْجَهُ، كَنَّى بِذَلِكَ حَذَرًا عَنِ التَّفَوُّهِ بِالتَّصْرِيحِ بِمَا
يَسْتَوْحِشُ بِذِكْرِهِ صَرِيحًا، وَهُوَ مِنَ الْعَصْرِ أَوِ الْمُعْصِرِ وَهُوَ الْمَلْجَأُ. وَقِيلَ: هُوَ الْحَاقِنُ أَيِ: الَّذِي يُؤْذِيهِ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ (إِذَا دَخَلَ) : أَيِ: الْخَلَاءَ (لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ) : يَعْنِي: فَاصْبِرْ حَتَّى يَتَوَضَّأَ الْمُحْتَاجُ إِلَى التَّأَهُّبِ لِلصَّلَاةِ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: كَأَنَّهُ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لِتَقَارُبِ أَوْقَاتِهَا (وَلَا تَقُومُوا) : أَيْ: لِلصَّلَاةِ إِذَا أَقَامَ الْمُؤَذِّنُ (حَتَّى تَرَوْنِي) : أَيْ: فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْقِيَامَ قَبْلَ مَجِيءِ الْإِمَامِ تَعَبٌ بِلَا فَائِدَةٍ، كَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَعَلَّهُ عليه السلام كَانَ يَخْرُجُ مِنَ الْحُجْرَةِ بَعْدَ شُرُوعِ الْمُؤَذِّنِ فِي الْإِقَامَةِ، وَيَدْخُلُ فِي مِحْرَابِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ قَوْلِهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَلِذَا قَالَ أَئِمَّتُنَا: وَيَقُومُ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ عِنْدَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَيَشْرَعُ عِنْدَ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ عِنْدَ فَرَاغِ الْمُقِيمِ مِنْ إِقَامَتِهِ فَأَمَرَهُمْ بِالْقِيَامِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: السُّنَّةُ أَنْ لَا يَقُومَ الْمَأْمُومُ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُقِيمُ مِنْ جَمِيعِ إِقَامَتِهِ اهـ.
وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى صِحَّةِ رَفْعِهِ إِلَيْهِ عليه السلام، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ لِلْمُؤَذِّنِينَ أَيْ: لَا تَقُومُوا لِلْإِقَامَةِ حَتَّى تَرَوْنِي أَخْرُجُ مِنَ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ، وَهُوَ) : أَيْ: إِسْنَادُهُ (إِسْنَادٌ مَجْهُولٌ) : وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: وَإِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: صَحَّحَ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ الْأَمْرَ بِتَرَسُّلِ الْأَذَانِ وَإِدْرَاجِ الْإِقَامَةِ. وَرَوَى الشَّيْخَانِ خَبَرَ: «لَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي» .
648 -
وَعَنْ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ رضي الله عنه، قَالَ:«أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَنْ أَذِّنْ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ) فَأَذَّنْتُ. فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَخَا صُدَاءٍ قَدْ أَذَّنَ، وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ) » . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
648 -
(وَعَنْ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ) : هُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، بَايَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَأَذَّنَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيُعَدُّ فِي الْبَصْرِيِّينَ قَالَهُ الطِّيبِيُّ. (الصُّدَائِيِّ) : بِضَمِّ الصَّادِ مَنْسُوبٌ إِلَى صُدَاءَ مَمْدُودًا، وَهُوَ حَيٌّ مِنَ الْيَمَنِ قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَنْ أَذِّنْ) : أَنْ مُفَسِّرَةٌ لِمَا فِي أَمَرَ مِنْ مَعْنَى الْقَوْلِ (فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَأَذَّنْتُ) : وَلَعَلَّهُ كَانَ بِلَالٌ غَائِبًا فَحَضَرَ (فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ) : عَلَى عَادَتِهِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَخَا صُدَاءَ قَدْ أَذَّنَ، وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ) : أَيِ: الْإِقَامَةَ فَيُكْرَهُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرُهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لَا يُكْرَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ رُبَّمَا كَانَ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ بِلَالٌ، وَرُبَّمَا كَانَ عَكْسَهُ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا لَحِقَهُ الْوَحْشَةُ بِإِقَامَةِ غَيْرِهِ، قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. (وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ) : قَالَ مِيرَكُ: ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ لِأَجْلِ الْإِفْرِيقِيِّ، وَحَسَّنَهُ الْحَازِمِيُّ، وَقُوَّاهُ الْعُقَيْلِيُّ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ إِلَّا أَنَّهُ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ خَبَرِ: «إِنَّ بِلَالًا أَذَّنَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي أَرَى الرُّؤْيَا وَيُؤَذِّنُ بِلَالٌ. قَالَ: أَقِمْ أَنْتَ» . لِمَا فِي إِسْنَادِ هَذَا وَمَتْنِهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ أَقْوَمُ إِسْنَادًا مَعَ تَأَخُّرِهِ. وَالْأَخْذُ بِآخِرِ الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى عَلَى أَنَّ الْحَازِمِيَّ وَغَيْرَهُ حَسَّنُوا إِسْنَادَ خَبَرِ الصُّدَائِيِّ هَذَا.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
649 -
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ:«كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ لِلصَّلَاةِ، وَلَيْسَ يُنَادِي بِهَا أَحَدٌ، فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اتَّخِذُوا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَرْنًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ. فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلَا تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (يَا بِلَالُ! قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ) » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
649 -
(عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ) : أَيْ: فِي الْمَسْجِدِ (فَيَتَحَيَّنُونَ) : أَيْ: يُقَدِّرُونَ حِينَ الصَّلَاةِ، وَيُعَيِّنُونَ وَقْتَهَا بِالتَّقْدِيرِ وَالتَّخْمِينِ، لِيَأْتُوا فِيهِ (لِلصَّلَاةِ) : أَيْ: لِتَحْصِيلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلَيْنِ عَلَى طَرِيقِ التَّنَازُعِ (وَلَيْسَ يُنَادِي بِهَا) : أَيْ: بِالصَّلَاةِ (أَحَدٌ فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ) : أَيْ: فِي إِشْكَالِهِ أَوْ مُعَالَجَتِهِ (فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اتَّخِذُوا) : بِصِيغَةِ الْأَمْرِ (مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَرْنًا) : أَيْ:، بَلِ اتَّخِذُوا قَرْنًا (مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ) : وَكَانَ بَعْضُهُمْ قَالَ: اتَّخِذُوا نَارًا مِثْلَ نَارِ بَعْضِ الْيَهُودِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ (فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلَا تَبْعَثُونَ) الْوَاوُ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ: تَقُولُونَ. بِمُوَافَقَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَا تَبْعَثُونَ وَالْهَمْزَةُ لِإِنْكَارِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى، وَمُقَرِّرَةٌ لِلثَّانِيَةِ حَثًّا وَبَعْثًا أَيْ: أَرْسِلُوا (رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (يَا بِلَالُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ) : أَيْ: بِالصَّلَاةِ جَامِعَةٌ لِمَا فِي مُرْسَلٍ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ: «أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُنَادِي بِقَوْلِهِ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، ثُمَّ شَرَعَ الْأَذَانَ» . وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنِ الْقَاضِي عِيَاضٍ، الظَّاهِرُ أَنَّهُ إِعْلَامٌ وَإِخْبَارٌ بِحُضُورِ وَقْتِهَا، وَلَيْسَ عَلَى صِفَةِ الْأَذَانِ الشَّرْعِيِّ. قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ لِمَا يُؤْذِنُ بِوَجْهِ التَّوْفِيقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّهُ رَأَى الْأَذَانَ فِي الْمَنَامِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ هَذَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، فَيَكُونُ الْوَاقِعُ أَوَّلًا الْإِعْلَامَ، ثُمَّ رُؤْيَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، فَشَرَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِمَّا بِوَحْيٍ أَوِ اجْتِهَادٍ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُهُ عَلَيْهِ وَهُمُ الْجُمْهُورُ، وَلَيْسَ هُوَ عَمَلًا بِمُجَرَّدِ الْمَنَامِ، وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إِذْ رُؤْيَةُ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام لَا يُبْتَنَى عَلَيْهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، بَلْ بِالِاجْتِهَادِ أَوِ الْوَحْيِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّازِقِ وَأَبِي دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ طَرِيقِ بَعْضِ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ:«أَنَّ عُمَرَ لَمَّا رَأَى الْأَذَانَ جَاءَ لِيُخْبِرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدَ الْوَحْيَ قَدْ وَرَدَ بِذَلِكَ، فَمَا رَاعَهُ إِلَّا أَذَانُ بِلَالٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (فَذَلِكَ الْوَحْيُ) » وَهَذَا أَصَحُّ مِمَّا حَكَى الدَّاوُدِيُّ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى بِهِ قَبْلَ هَذِهِ الرُّؤْيَا بِثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ. وَأَجَابَ السُّهَيْلِيُّ عَنْ حِكْمَةِ تَرَتُّبِ الْأَذَانِ دُونَ سَائِرِ الْأَحْكَامِ عَلَى رُؤْيَا بَعْضِ الصَّحَابَةِ، وَقَوْلُهُ: إِنَّهَا رُؤْيَا حَقٍّ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أُرِيَهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، فَقَدْ رَوَى الْبَزَّارُ عَنْ عَلِيٍّ:«لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُعَلِّمَ رَسُولَهُ الْأَذَانَ جَاءَهُ جِبْرِيلُ بِالْبُرَاقِ، فَلَمَّا اخْتَرَقَ الْحُجُبَ خَرَجَ لَهُ مَلَكٌ، فَسَأَلَ جِبْرِيلَ عَنْهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ تَعَالَى: صَدَقَ عَبْدِي أَنَا أَكْبَرُ أَنَا أَكْبَرُ، وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْأَذَانِ» . قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَهَذَا أَقْوَى مِنَ الْوَحْيِ، فَلَمَّا تَأَخَّرَ الْأَذَانُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَرَادَ إِعْلَامَ النَّاسِ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ، فَلَبِثَ الْوَحْيُ حَتَّى رَأَى عَبْدُ اللَّهِ الرُّؤْيَا، فَوَافَقَتْ مَا رَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلِذَلِكَ قَالَ: رُؤْيَا حَقٍّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَعَلِمَ حِينَئِذٍ أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا أَرَاهُ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً فِي الْأَرْضِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
650 -
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ ابْنِ عَبْدِ رَبِّهِ رضي الله عنه قَالَ: «لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ ; لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ، طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ! أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاةِ. قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى. قَالَ: فَقَالَ: تَقُولَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، إِلَى آخِرِهِ، وَكَذَا الْإِقَامَةُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ. فَقَالَ: (إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٍّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ، فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ) . فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ، فَجَعَلْتُ أُسَمِّعُهُ عَلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ بِهِ. قَالَ فَسَمِعَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا أَرَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ) » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ ; إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْإِقَامَةَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، لَكِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ قِصَّةَ النَّاقُوسِ.
ــ
650 -
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيِ: ابْنِ ثَعْلَبَةَ (ابْنِ عَبْدِ رَبِّهِ) : رضي الله عنه، الْأَنْصَارِيِّ، الْخَزْرَجِيِّ، شَهِدَ الْعَقَبَةَ مَعَ السَّبْعِينَ، وَبَدَرًا، وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا، وَكَانَ أَبَوَاهُ صَحَابِيَّيْنِ، قَالَهُ فِي التَّقْرِيبِ. (قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاقُوسِ) : لَعَلَّ مَعْنَاهُ أَرَادَ أَنْ يَأْمُرَ بِهِ (يُعْمَلُ) : حَالٌ، وَهُوَ مَجْهُولٌ كَقَوْلِهِ (لِيُضْرَبَ بِهِ) : أَيْ: بِبَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ (لِلنَّاسِ) : أَيْ: لِحُضُورِهِمْ، وَفِي نُسْخَةٍ: لِيَضْرِبَ بِهِ النَّاسُ، أَيْ: أَحَدُهُمْ (لِجَمْعِ الصَّلَاةِ) : أَيْ: لِأَدَائِهَا جَمَاعَةً (طَافَ بِي) : جَوَابُ لَمَّا أَيْ مَرَّ بِي (وَأَنَا نَائِمٌ) : حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ طَيْفُ الْخَيَالِ مَجِيئُهُ فِي
النَّوْمِ يُقَالُ: مِنْهُ طَافَ الْخَيَالُ يَطِيفُ طَيْفًا وَمَطَافًا. قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ (رَجُلٌ) : فِي الْحَدِيثِ فَاعِلٌ وَهُوَ الْخَيَالُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ تَقْدِيرَهُ: جَاءَ رَجُلٌ فِي عَالَمِ الْخَيَالِ (يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ) : الْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِرَجُلٍ (فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ! أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟) : مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ (قُلْتُ: نَدْعُو) : أَيِ: النَّاسَ (بِهِ) : أَيْ: بِسَبَبِ ضَرْبِهِ وَحُصُولِ الصَّوْتِ بِهِ (إِلَى الصَّلَاةِ) : أَيْ: صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، فَاللَّامُ لِلْعَهْدِ أَوْ بَدَلٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ (قَالَ) : وَفِي نُسْخَةٍ: فَقَالَ: (أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى. قَالَ) : أَيِ: الرَّاوِي، وَهُوَ الرَّائِي (فَقَالَ) : أَيِ: الْمَرْئِيُّ (تَقُولَ: اللَّهُ أَكْبَرُ إِلَى آخِرِهِ) : أَيْ: إِلَى آخِرِ الْأَذَانِ بِالْكَيْفِيَّةِ السَّابِقَةِ (وَكَذَا) : أَيْ: وَمِثْلُ الْأَذَانِ (الْإِقَامَةُ) : وَظَاهِرُهُ يُؤَيِّدُ مَذْهَبَنَا أَيْ: أَعْلَمَهُ إِيَّاهَا. وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ غَيْرَ بَعِيدٍ أَيْ بَعْدَمَا عَلَّمَهُ الْأَذَانَ، ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ تَقُولَ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ إِلَى آخِرِ الْإِقَامَةِ. (فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ) : أَيْ: مِنَ الرُّؤْيَا (فَقَالَ: " إِنَّهَا) : أَيْ: رُؤْيَاكَ (لَرُؤْيَا حَقٍّ) : أَيْ: ثَابِتَةٌ صَحِيحَةٌ صَادِقَةٌ مُطَابِقَةٌ لِلْوَحْيِ، أَوْ مُوَافِقَةٌ لِلِاجْتِهَادِ (إِنْ شَاءَ اللَّهُ) : تَعَالَى لِلتَّبَرُّكِ أَوْ لِلتَّعْلِيقِ (فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ، فَأَلْقِ) : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ أَيْ: أَمْلِ (عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ) : وَفِي نُسْخَةٍ فَيُؤَذِّنَ (بِهِ) : أَيْ: بِمَا يُلْقَى إِلَيْهِ (فَإِنَّهُ) : أَيْ: بِلَالًا (أَنْدَى) : أَيْ: أَرْفَعُ (صَوْتًا مِنْكَ) : قَالَ الرَّاغِبُ: أَصْلُ النِّدَاءِ مِنَ النَّدَى أَيِ الرُّطُوبَةِ يُقَالُ: صَوْتٌ نَدِيٌّ أَيْ رَفِيعٌ، وَاسْتِعَارَةُ النِّدَاءِ لِلصَّوْتِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ مَنْ تَكْثُرُ رُطُوبَةُ فَمِهِ حَسُنَ كَلَامُهُ، وَيُعَبَّرُ بِالنَّدَى عَنِ السَّخَاءِ. يُقَالُ: فُلَانٌ أَنْدَى كَفًّا مِنْ فُلَانٍ أَيْ: أَسْخَى اهـ.
وَقَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ: مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ يُؤْخَذُ اسْتِحْبَابُ كَوْنِ الْمُؤَذِّنِ رَفِيعَ الصَّوْتِ حَسَنَهُ (فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ، فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ) : أَيْ: أُلَقِّنُهُ لَهُ (وَيُؤَذِّنُ بِهِ، قَالَ: فَسَمِعَ بِذَلِكَ) : أَيْ: بِصَوْتِ الْأَذَانِ (عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ) : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (فَخَرَجَ) : أَيْ: مُسْرِعًا. وَفِي رِوَايَةٍ: فَجَعَلَ (يَجُرُّ رِدَاءَهُ) : أَيْ: وَرَاءَهُ (يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا أَرَى) : وَلَعَلَّ هَذَا الْقَوْلَ صَدَرَ عَنْهُ بَعْدَمَا حَكَى لَهُ بِالرُّؤْيَا السَّابِقَةِ، أَوْ كَانَ مُكَاشَفَةً لَهُ رضي الله عنه، وَهَذَا ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(فَلِلَّهِ) : أَيْ: لَا لِغَيْرِهِ " الْحَمْدُ ": حَيْثُ أَظْهَرَ الْحَقَّ ظُهُورًا، وَازْدَادَ فِي الْبَيَانِ نُورًا. (رَوَاهُ، أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، إِلَّا أَنَّهُ) : أَيِ: ابْنَ مَاجَهْ (لَمْ يَذْكُرِ الْإِقَامَةَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، لَكِنَّهُ) : أَيِ: التِّرْمِذِيَّ (لَمْ يُصَرِّحْ قِصَّةَ النَّاقُوسِ) : وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، وَلَوْ قُلْتَ إِنِّي لَمْ أَكُنْ نَائِمًا لَصَدَقْتَ. رَأَيْتُ شَخْصًا عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ إِلَى آخِرِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ: أَنَّ رُؤْيَاهُ كَانَتْ لَيْلَةَ شِتَاءٍ، وَفِي أَوْسَطِ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رَأَى أَيْضًا - وَفِي وَسِيطِ الْغَزَالِيِّ: رَآهُ بِضْعَةَ عَشَرَ، وَأَنْكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ، ثُمَّ مَشْرُوعِيَّةُ الْأَذَانِ فِي ثَانِي سِنِيِّ الْهِجْرَةِ، وَقِيلَ فِي أَوَّلِهَا، وَالرِّوَايَاتُ الْمُصَرِّحَةُ بِأَنَّهُ شُرِعَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا شَيْءٌ. وَفِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ «أَوَّلُ مَنْ أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ جِبْرِيلُ أَذَّنَهُ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَسَمِعَهُ بِلَالٌ وَعُمَرُ، فَسَبَقَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ عليه السلام: سَبَقَكَ بِهَا عُمَرُ» ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا سَمِعَاهُ يَقَظَةً، وَالْحَدِيثُ السَّابِقُ يَرُدُّ ذَلِكَ.