المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قَالَ مِيرَكُ: وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٢

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الْغُسْلِ]

- ‌[بَابُ مُخَالَطَةِ الْجُنُبِ وَمَا يُبَاحُ لَهُ]

- ‌[بَابُ أَحْكَامِ الْمِيَاهِ]

- ‌[بَابُ تَطْهِيرِ النَّجَاسَاتِ]

- ‌[بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[بَابُ الْغُسْلِ الْمَسْنُونِ]

- ‌[بَابُ الْحَيْضِ]

- ‌[بَابُ الْمُسْتَحَاضَةِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ الْمَوَاقِيتِ]

- ‌[بَابُ تَعْجِيلِ الصَّلَوَاتِ]

- ‌[بَابُ فَضِيلَةِ الصَّلَوَاتِ]

- ‌[بَابُ الْأَذَانِ]

- ‌[بَابُ فَضْلِ الْأَذَانِ وَإِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ]

- ‌[بَابُ تَأْخِيرِ الْأَذَانِ]

- ‌[بَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ السَّتْرِ]

- ‌[بَابُ السُّتْرَةِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ مَا يُقْرَأُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ]

- ‌[بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ الرُّكُوعِ]

- ‌[بَابُ السُّجُودِ وَفَضْلِهِ]

- ‌[بَابُ التَّشَهُّدِ]

- ‌[بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفَضْلِهَا]

- ‌[بَابُ الدُّعَاءِ فِي التَّشَهُّدِ]

- ‌[بَابُ الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ وَمَا يُبَاحُ مِنْهُ]

- ‌[بَابُ السَّهْوِ]

- ‌[بَابِ سُجُودِ الْقُرْآنِ]

- ‌[بَابُ أَوْقَاتِ النَّهْيِ]

الفصل: قَالَ مِيرَكُ: وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ

قَالَ مِيرَكُ: وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ (سَائِلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ؟) ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَوَ لِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ» ") قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَفْظُهُ اسْتِخْبَارٌ وَمَعْنَاهُ إِخْبَارٌ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ قِلَّةِ الثِّيَابِ، وَحَاصِلُ مَعْنَاهُ أَنَّكُمْ عَلِمْتُمُ اتِّحَادَ أَثْوَابِنَا وَوُجُوبَ التَّسَتُّرِ، فَلِمَ لَمْ تَعْلَمُوا جَوَازَ الصَّلَاةِ فِيهِ.

ص: 639

771 -

وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه، قَالَ:«الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ سُنَّةٌ، كُنَّا نَفْعَلُهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا يُعَابُ عَلَيْنَا، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّمَا كَانَ ذَاكَ إِذَ كَانْ فِي الثِّيَابِ قِلَّةٌ، فَأَمَّا إِذَا وَسَّعَ اللَّهُ، فَالصَّلَاةُ فِي الثَّوْبَيْنِ أَزْكَى» ، رَوَاهُ أَحْمَدُ

771 -

(وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ سُنَّةٌ) : أَيْ: جَائِزٌ بِالسُّنَّةِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الثَّوْبَيْنِ أَفْضَلَ كَمَا يَأْتِي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا، أَيْ:(كُنَّا نَفْعَلُهُ) : أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ (مَعَ رَسُولِ اللَّهِ) : أَيْ: مَعَ فِعْلِهِ أَوْ حَالِ كَوْنِنَا مَعَهُ (صلى الله عليه وسلم) : وَيُؤَيَّدُ الثَّانِي قَوْلُهُ (وَلَا يُعَابُ عَلَيْنَا) : أَيْ: وَمَا نَهَانَا فَيَكُونُ تَقْرِيرًا نَبَوِيًّا، فَثَبَتَ جَوَازُهُ بِالسُّنَّةِ إِذْ عَدَمُ الْإِنْكَارِ دَلِيلُ الْجَوَازِ لَا دَلِيلَ النَّدْبِ (فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ) ، أَيِ: الْمَذْكُورُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ (إِذَا كَانَ) : وَفِي نُسْخَةٍ إِذْ كَانَ (فِي الثِّيَابِ قِلَّةٌ)، أَيْ: فِي وَقْتِ كَوْنِ الثِّيَابِ قَلِيلَةً (فَأَمَّا إِذَا) : وَفِي نُسْخَةٍ: إِذْ (وَسَّعَ اللَّهُ) : بِتَكْثِيرِ الثِّيَابِ، شَرْطِيَّةٌ جَزَاؤُهَا (فَالصَّلَاةُ فِي الثَّوْبَيْنِ)، أَيِ: الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ (أَزْكَى)، أَيْ: أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْأَدَبِ فِي حُضُورِ الْمَوْلَى وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ أَطْهَرُ أَوْ أَفْضَلُ ; لِأَنَّ الزَّكَاةَ النُّمُوُّ الْحَاصِلُ عَنْ بَرَكَةِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ طَهَارَةُ النَّفْسِ عَنِ الْخِصَالِ الذَّمِيمَةِ، وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مُحْتَمَلٌ فِي الْحَدِيثِ، أَمَّا الْفَضْلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا التَّزْكِيَةُ فَإِنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يَأْمَنُ إِذَا صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مِنْ كَشْفِ عَوْرَتِهِ بِهُبُوبِ رِيحٍ أَوْ حَلِّ الْعَقْدِ، أَوْ غَيْرِهِمَا بِخِلَافِ الثَّوْبَيْنِ اهـ.

وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ قُلْتُ: وَفِي تَعْلِيلِهِ نَظَرٌ إِذْ لَا يَخْتَلِفُ مَا ذُكِرَ فِي الْإِزَارِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ رِدَاءٌ أَمْ لَا، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ أَزْكَى، بِمَعْنَى أَنْمَى، أَيْ:" أَكْثَرُ ثَوَابًا "، أَوْ بِمَعْنَى " أَطْهَرُ " ; لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ الْخَصْلَةِ الذَّمِيمَةِ الَّتِي هِيَ أَدَاءُ الصَّلَاةِ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ، وَفِي خَبَرِ الْبَيْهَقِيِّ:«إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَلْبَسْ ثَوْبَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ أَنْ يُتَزَيَّنَ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيَتَّزِرْ إِذَا صَلَّى» .

وَرُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ: «وَصَلَاةٌ بِعِمَامَةٍ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةٍ بِغَيْرِ عِمَامَةٍ» "، كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ عَنِ ابْنِ الرِّفْعَةِ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ الرَّبِيعِ: «صَلَاةٌ بِخَاتَمٍ تَعْدِلُ سَبْعِينَ بِغَيْرِ خَاتَمٍ» ، مَوْضُوعٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا عَنْ شَيْخِهِ، وَكَذَا مَا أَوْرَدَهُ الدَّيْلَمِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "«صَلَاةٌ بِعِمَامَةٍ تُعْدَلُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً، وَجُمُعَةٌ بِعِمَامَةٍ تَعْدِلُ سَبْعِينَ جُمُعَةٍ» "، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: "«الصَّلَاةُ فِي الْعِمَامَةِ بِعَشَرَةٍ» ") اهـ، قَالَ الْمُنُوفِيُّ: فَذَلِكَ كُلُّهُ بَاطِلٌ نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، (رَوَاهُ أَحْمَدُ) .

ص: 639

[بَابُ السُّتْرَةِ]

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

772 -

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَغْدُو إِلَى الْمُصَلَّى وَالْعَنَزَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ تُحْمَلُ، وَتُنْصَبُ بِالْمُصَلَّى بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

[9]

- بَابُ السُّتْرَةِ.

هِيَ بِالضَّمِّ مَا يُسْتَتَرُ بِهِ كَائِنًا مَا كَانَ، وَقَدْ غَلَبَ عَلَى مَا يَنْصِبُهُ الْمُصَلِّي قُدَّامَهُ مِنْ عَصًا أَوْ سَجَّادَةٍ أَوْ سَوْطٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ شَجَرَةٍ أَوْ دَابَّةٍ مِمَّا يَظْهَرُ بِهِ مَوْضِعُ سُجُودِ الْمُصَلِّي كَيْلَا يَمُرَّ مَارٌّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعِ سُجُودِهِ، وَيَكْفِي قَدْرُ ذِرَاعٍ فِي غِلَظِ أُصْبُعٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْحِكْمَةُ فِي السُّتْرَةِ كَفُّ الْبَصَرِ عَمَّا وَرَاءَهَا، وَمَنْعُ مَنْ يَجْتَازُ بِقَبِّهِ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا: يَنْبَغِي أَنْ يَدْنُوَ مِنَ السُّتْرَةِ وَلَا يَزِيدَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ عَصًا وَنَحْوَهَا جَمَعَ حِجَارَةً أَوْ تُرَابًا، وَإِلَّا فَلْيَبْسُطْ مُصَلًّى وَإِلَّا فَلْيَخُطَّ خَطًّا، وَسُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةُ الْمَأْمُومِ إِلَّا أَنْ يَجِدَ الدَّاخِلُ فُرْجَةً فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، فَلَهُ أَنْ يُمِرَّ بَيْنَ يَدَيِ الصَّفِّ الثَّانِي لِتَقْصِيرِ أَهْلِ الصَّفِّ الثَّالِثِ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ يَجُوزُ تَرْكُ السُّتْرَةِ فِي مَوْضِعٍ يَأْمَنُ الْمُرُورَ فِيهِ.

ص: 639

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

772 -

(عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَغْدُو إِلَى الْمُصَلَّى)، أَيْ: مُصَلَّى (الْعِيدِ وَالْعَنَزَةِ) وَهِيَ بِفَتْحَتَيْنِ، أَطْوَلُ مِنَ الْعَصَا وَأَقْصَرُ مِنَ الرُّمْحِ، وَفِيهَا سِنَانٌ كَسِنَانِ الرُّمْحِ، وَقِيلَ رُمْحٌ قَصِيرٌ، وَقِيلَ: هِيَ مِثْلُ نِصْفِ الرُّمْحِ (بَيْنَ يَدَيْهِ تُحْمَلُ، وَتُنْصَبُ) : أَيْ تُغْرَزُ (بِالْمُصَلَّى بَيْنَ يَدَيْهِ)، أَيْ: قُدَّامَهُ، أَيْ: قُبَالَةَ أَحَدِ حَاجِبَيْهِ لَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ (فَيُصَلِّي إِلَيْهَا) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَهَذَا يَدُلُ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ مَوْضِعَ صَلَاتِهِ بِسَجَّادَةٍ، أَوْ يَقِفَ قَرِيبًا مِنْ أُسْطُوَانَةِ الْمَسْجِدِ، أَوْ يَغْرِزَ عَصَا، أَوْ يَخُطَّ خَطًّا مِثْلَ شَكْلِ الْمِحْرَابِ اهـ، وَقِيلَ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ إِلَى الشِّمَالِ وَقِيلَ الْخَطُّ لَا يُجَزِّؤُهُ عَنِ السُّتْرَةِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) وَرَوَى: الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، أَنَّهُ عليه السلام قَالَ:( «يُجْزِئُ مِنَ السُّتْرَةِ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ» ) : وَقَالَ " «اسْتَتِرُوا فِي صَلَاتِكُمْ وَلَوْ بِسَهْمٍ»

".

ص: 640

773 -

وَعَنِ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه، قَالَ:«رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ وَهُوَ بِالْأَبْطَحِ فِي قُبَّهٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، وَرَأَيْتُ بِلَالًا أَخَذَ وَضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ ذَلِكَ الْوَضُوءَ فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُ بِلَالًا أَخَذَ عَنَزَةً فَرَكَزَهَا وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ. مُشَمِّرًا صَلَّى إِلَى الْعَنَزَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيِ الْعَنَزَةَ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

773 -

(عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ) : هُوَ وَهَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّوَائِيُّ بِضَمِّ السِّينِ وَالْمَدِّ (قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ وَهُوَ بِالْأَبْطَحِ) : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، مَحَلٍّ أَعْلَى مِنَ الْمَعْلَى إِلَى جِهَةِ مِنًى، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مَسِيلٌ وَاسِعٌ فِيهِ دِقَاقُ الْحَصَا، وَالْبَطِيحَةُ وَالْبَطْحَاءُ مِثْلُهُ صَارَ عَلَمًا لِلْمَسِيلِ الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ السَّيْلُ مِنْ وَادِي مِنًى، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُسَمَّى مُحَصَّبًا أَيْضًا (فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ) : بِفَتْحَتَيْنِ جَمْعُ أَدِيمٍ أَيْ: جِلْدٍ (وَرَأَيْتُ بِلَالًا أَخَذَ وَضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بِفَتْحِ الْوَاوِ، أَيْ: بَقِيَّةَ الْمَاءِ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ)، أَوْ مَا فَضَلَ مِنْ أَعْضَائِهِ فِي الْوُضُوءِ (وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ) : أَيْ: يَتَسَابَقُونَ (ذَلِكَ الْوَضُوءَ)، أَيْ: إِلَى أَخْذِ مَاءِ وُضُوئِهِ (فَمَنْ أَصَابَ) : أَيْ: أَخَذَ (مِنْهُ) : أَيْ: مِنْ بِلَالٍ (شَيْئًا) : مِنَ الْمَاءِ، أَوْ صَادَفَ وَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ شَيْئًا قَلِيلًا وَقَدْرًا يَسِيرًا (تَمَسَّحَ بِهِ) أَيْ مَسَحَ بِهِ وَجْهَهُ وَأَعْضَاءَهُ لِيَنَالَ بَرَكَتَهُ عليه السلام (وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ) : أَيْ: مِنْ بَلَلِ يَدِ بِلَالٍ (أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ) : قِيلَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ، وَقِيلَ: هَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ، وَلِذَا حَجَّمَهُ أَبُو طَيْبَةَ فَشَرِبَ دَمَهُ، نَقَلَهُ ابْنُ الْمَلَكِ.

قُلْتُ: يَحْتَمِلُ الْحَدِيثُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْمَاءِ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ، أَوْ فَضْلَةَ مَاءِ الْوُضُوءِ، فَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالُ مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْمَذْهَبِ طَهَارَةُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٍ: بِطَهُورِيَّتِهِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ فَسَّرَ الْوَضُوءَ بِبَقِيَّةِ الْمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي هَذَا أَظْهَرُ دَلِيلٍ عَلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ (ثُمَّ رَأَيْتُ بِلَالًا أَخَذَ عَنَزَةً فَرَكَزَهَا)، أَيْ: غَرَزَهَا (وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حُلَّةٍ) : هِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ، إِزَارٍ وَرِدَاءٍ، وَلَا يُسَمَّى حُلَّةً حَتَّى يَكُونَ ثَوْبَيْنِ، فِي النِّهَايَةِ: جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا عَلَيْهِ حُلَّةٌ قَدِ اتَّزَرَ بِأَحَدِهِمَا وَارْتَدَى بِالْآخَرِ، نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ (حَمْرَاءَ)، أَيْ: فِيهَا خُطُوطٌ حُمْرٌ، وَلَعَلَّهَا كَانَتْ مِنَ الْبُرُودِ الْيَمَانِيَةِ، قَالَ الْمُظْهِرُ:«قَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ وَكَرِهَ لَهُمُ الْحُمْرَةَ فِي اللِّبَاسِ» ، وَكَانَ ذَلِكَ مُنْصَرِفًا إِلَى مَا صُبِغَ بَعْدَ النَّسْجِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: قِيلَ تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْحُلَّةُ حَمْرَاءَ جَمِيعُهَا، بَلْ كَانَ فِيهَا خُطُوطٌ حُمْرٌ ; لِأَنَّ الثَّوْبَ الْأَحْمَرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ لَوْنٌ أَحْمَرُ مَكْرُوهٌ لِلرِّجَالِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُشَابَهَةِ بِالنِّسَاءِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فِيهِ أَظْهَرُ دَلِيلٍ لِمَذْهَبِنَا أَنْ يَجُوزَ لُبْسُ الْأَحْمَرِ الصِّرْفِ، وَإِنْ كَانَ قَانِئًا، لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِلْخِلَافِ فِي تَحْرِيمِهِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ كَثِيرُونَ مِنْ أَئِمَّتِنَا مِنَ الْأَحَادِيثِ حُرْمَةَ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ، وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ مَا صُبِغَ قَبْلَ النَّسْجِ وَبَعْدَهُ خِلَافًا

ص: 640

لِمَنْ فَرَّقَ (مُشَمِّرًا)، أَيْ: مُسْرِعًا، وَالتَّشْمِيرُ ضَمُّ الذَّيْلِ وَرَفْعُهُ لِلْعَدْوِ، وَيُقَالُ: فُلَانٌ شَمَّرَ عَنْ سَاقٍ وَتَشَمَّرَ فِي أَمْرِهِ، أَيْ: خَفَّ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ رَافِعًا ثِيَابَهُ إِلَى نَحْوِ نِصْفِ سَاقَيْهِ، وَفِيهِ أَنَّ ثِيَابَهُ مَا كَانَتْ طَوِيلَةً حَتَّى يَرْفَعَهَا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الشَّمَائِلِ وَغَيْرِهَا أَنَّ إِزَارَهُ كَانَ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ (صَلَّى إِلَى الْعَنَزَةِ بِالنَّاسِ) : أَيْ: إِمَامًا بِهِمْ (رَكْعَتَيْنِ) : إِمَّا صَلَاةَ الصُّبُحِ أَوْ غَيْرَهَا مِنَ الرُّبَاعِيَّةِ ; لِأَنَّهُ كَانَ مُسَافِرًا (وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ) : فِي الْعَطْفِ مُنَاسَبَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ (يَمُرُّونَ) : فِيهِ تَغْلِيبٌ لِلْعُقَلَاءِ (بَيْنَ يَدَيِ الْعَنَزَةِ)، أَيْ: وَرَاءَهَا، وَالْحَالُ أَنَّهُ يُصَلِّي، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَمُرُّونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَيُوَافِقُ مَا يَأْتِي أَنَّ الصَّلَاةَ لَا يُبْطِلُهَا مُرُورُ شَيْءٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَمُرُّونَ أَمَامَهَا، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ إِذْ هُوَ الَّذِي يَحْتَاجُ الرَّأْيُ إِلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلَيْسَ فِي ذِكْرِهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ اهـ.

وَفِيهِ أَنَّ فَائِدَتَهُ الْعِلْمُ بِأَنَّ الْمُرُورَ مِنْ وَرَاءِ السُّتْرَةِ جَائِزٌ، وَلَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي غَرْزِ الْعَنَزَةِ إِذَا كَانَ النَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، بَلْ يَكُونُ عَبَثًا مَحْضًا، سِيَّمَا وَلَمْ يَذْكُرِ الرَّاوِي مَنْعَهُمْ مِنَ الْمُرُورِ لَا بِالْيَدِ وَلَا بِالتَّسْبِيحِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ، وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَالْمَعْنَى فِي طَلَبِ السُّتْرَةِ، مَنْعُهَا لِمَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَشَغَلَهُ عَمَّا هُوَ مَطْلُوبٌ مِنْهُ، مِنَ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ وَالْحُضُورِ وَالْمُرَاقَبَةِ وَسَيَأْتِي حَدِيثُ:«إِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةً فَلْيُصَلِّ وَلَا يُبَالِ مِنْ مُرٍّ وَرَاءَ ذَلِكَ» ، (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : قَالَ مِيرَكُ: وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ.

ص: 641

774 -

وَعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَزَادَ الْبُخَارِيُّ، قُلْتُ:«أَفَرَأَيْتَ إِذَا هَبَّتِ الرِّكَابُ قَالَ: كَانَ يَأْخُذُ الرَّحْلَ فَيُعَدِّلُهُ، فَيُصَلِّي إِلَى آخِرَتِهِ» .

ــ

774 -

(وَعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ» ) : قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: أَيْ يُنِيخُهَا بِالْعَرْضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، - أَيْ تَكُونُ مُعْتَرِضَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ، مِنْ عَرَضَ الْعُودَ عَلَى الْإِنَاءِ يَعْرُضُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَضْعُهُ عَرْضًا، وَقَالَ مِيرَكُ: هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَرُوِيَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ، وَمَعْنَاهُ يَجْعَلُهَا مُعْتَرِضَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، كَذَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ (فَيُصَلِّي إِلَيْهَا)، أَيْ: إِلَى رَاحِلَتِهِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَزَادَ الْبُخَارِيُّ)، أَيْ: عَنْ نَافِعٍ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَابْنِ حَجَرٍ (قُلْتُ) لِابْنِ عُمَرَ (أَفَرَأَيْتَ) : أَيْ أَخْبِرْنِي ظَاهِرَهُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ نَافِعٍ، وَالْمَسْئُولُ ابْنُ عُمَرَ، لَكِنْ بَيْنَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدَةَ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّهُ كَلَامُ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْمَسْئُولُ نَافِعٌ، فَعَلَى هَذَا هُوَ مُرْسَلٌ ; لِأَنَّ فَاعِلَ يَأْخُذُ هُوَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يُدْرِكْهُ نَافِعٌ، كَذَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ لِلْبُخَارِيِّ، كَذَا نَقَلَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ، وَقَالَ نَجْلُهُ مِيرَك شَاهْ: فَعَلَى هَذَا إِيرَادُ مُحْيِي السُّنَّةِ وَصَاحِبِ الْمِشْكَاةِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ لِأَنَّهُمَا ذَكَرَا فِي كِتَابَيْهِمَا كَلَامًا لَمْ يَذْكُرْ قَائِلَهُ فِيهِمَا، مَعَ أَنْ يُوهِمُ خِلَافَ الْوَاقِعِ اهـ.

وَلِذَا وَقَعَ فِيهِمَا الشَّارِحَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ، (إِذَا هَبَّتْ) : أَيْ: قَامَتْ لِلسَّيْرِ (الرِّكَابُ) : أَيِ: الْإِبِلُ يَسِيرُ عَلَيْهَا الرَّاكِبُ، الْوَاحِدُ رَاحِلَةً لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا، أَيْ: أَخْبَرَنِي كَيْفَ كَانَ يَفْعَلُ عِنْدَ ذَهَابِ الرَّوَاحِلِ إِلَى الْمَرْعِيِّ، وَإِلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ يُصَلِّي ; وَفِي الْقَامُوسِ: الْهَبُّ وَالْهُبُوبُ ثَوَرَانُ الرِّيحِ وَالِانْتِبَاهُ مِنَ النَّوْمِ وَنَشَاطُ كُلِّ سَائِرٍ وَسُرْعَتُهُ، وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: اسْتِعْمَالُ الْهُبُوبِ فِي الذَّهَابِ مَجَازٌ نَشَأَ عَنْ غَفْلَةٍ مِنَ الْحَقِيقَةِ (قَالَ: كَانَ يَأْخُذُ الرَّجُلَ فَيُعَدِّلُهُ) : بِالتَّشْدِيدِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّخْفِيفِ مَعَ فَتْحِ الْيَاءِ، قَالَ مِيرَكُ: بِتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيْ يُسَوِّيَهِ وَيُقَوِّمُهُ، كَذَا قَالَهُ شُرَّاحُ الْمَصَابِيحِ، وَقَالَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ: يَعْدِلُهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الدَّالِ، أَيْ: يُقِيمُهُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَيَجُوزُ التَّشْدِيدُ اهـ.

(فَيُصَلِّي إِلَى آخِرَتِهِ) : بِالْمَدِّ وَكَسَرِ الْخَاءِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتَحَاتٍ بِلَا مَدٍّ، وَرَجَّحَهَا الْعَسْقَلَانِيُّ وَقَالَ: وَيَجُوزُ الْمَدُّ أَيْ خَلْفَ الرَّجُلِ وَهُوَ مَا يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ الرَّاكِبُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيُنَافِي هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَلَا يَسْتَتِرُ بِامْرَأَةٍ وَلَا دَابَّةٍ، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي التَّتِمَّةُ، لَكِنْ بِزِيَادَةٍ فَقَالَ: لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْتَتِرَ بِآدَمِيٍّ أَوْ حَيَوَانٍ لِشُبَهِهِ بِعِبَادَةِ عَابِدِي الْأَصْنَامِ، لَكِنْ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُصَلِّي إِلَى رَاحِلَتِهِ» اهـ.

وَمِنْ ثَمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ: مَا قَالَهُ فِي الْمَرْأَةِ ظَاهِرٌ ; لِأَنَّهَا رُبَّمَا شَغَلَتْهُ، وَأَمَّا الدَّابَّةُ فَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ، وَيُصَلِّي إِلَيْهَا» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ، فَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغِ الشَّافِعِيَّ، وَمَذْهَبُهُ اتِّبَاعُ الْحَدِيثِ فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِهِ.

ص: 641

إِذْ لَا مَعَارِضَ لَهُ اهـ، وَفِيهِ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُعَارِضٌ فَمِنْ أَيْنَ لَهُ النَّهْيُ وَالتَّشَبُّهُ بِعَبَدَةِ الصَّنَمِ مَدْفُوعٌ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي صُورَةِ الْمُقَابَلَةِ بِالْوَجْهِ، وَلِذَا ضَرَبَ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَلَا يَظْهَرُ تَعْلِيلُ مَا قَالَهُ فِي الْمَرْأَةِ أَنَّهَا رُبَّمَا شَغَلَتْهُ ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ مُشْتَرَكَةٌ، وَلِأَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُصَلِّي وَعَائِشَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، وَتَخْصِيصُ الْكَرَاهَةِ بِالْمُسْتَيْقِظِ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ وَتَقْيِيدِ إِطْلَاقِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ، عَلَى غَيْرِ الْبَعِيرِ الْمَعْقُولِ فِي غَيْرِ الْمَعَاطِنِ فِي غَايَةٍ مِنَ الْبُعْدِ، وَأَبْعَدُ مِنْ هَذَا كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ لَعَلَّ مُرَادَهُ إِذَا خَشِيَ بَوْلَ الدَّابَّةِ أَوْ نُفُورَهَا فَيَتَنَجَّسُ أَوْ يَتَشَوَّشُ، وَأَغْرَبُ مِنْ هَذَا كَلَامُ ابْنِ حَجَرٍ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ كُلَّ مَا كُرِهَ اسْتِقْبَالُهُ كَجِدَارٍ مُزَوَّقٍ أَوْ نَجِسٍ لَا يَحْصُلُ التَّسَتُّرُ بِهِ فَلَا يَحْرُمُ الْمُرُورُ، فَإِنَّ الرَّاحِلَةَ لَا تَخْلُو عَنْ نَجَاسَةٍ كَمَا لَا يَخْفَى.

ص: 642

775 -

وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «إِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ فَلْيُصَلِّ، وَلَا يُبَالِ مَنْ مَرَّ وَرَاءَ ذَلِكَ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

775 -

(وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ ") : يَعْنِي سُتْرَةً (" «مِثْلَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ» ") : بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ وَتُفْتَحُ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْخَاءِ الْمَفْتُوحَةِ وَتُكْسَرُ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: آخِرَةُ الرَّحْلِ بِالْمَدِّ الْخَشَبَةُ الَّتِي يَسْتَنِدُ إِلَيْهَا الرَّاكِبُ وَمُؤْخِرَتُهُ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ أَنْكَرَهَا بَعْضُهُمْ وَلَا تُشَدَّدُ اهـ وَقَوْلُهُ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ أَنْكَرَهَا بَعْضُهُمْ مُنْكَرٌ ; لِأَنَّهَا لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ وَقِرَاءَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ وَهُوَ الْأَصْلُ فِيهَا، وَإِنَّمَا أَبْدَلَ فِي مَثَلِهَا وَرْشٌ وَالسُّوسِيُّ مُطْلَقًا وَحَمْزَةُ وَقْفًا، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُنْكَرُ مُؤْخِرَةٌ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قَيْدِهَا، وَفِي الْقَامُوسِ مُؤْخِرَةٌ وَمُؤَخِّرَةٌ وَتُكْسَرُ خَاؤُهَا مُخَفَّفَةً وَمُشَدَّدَةً، وَفِي الْمُغْرِبِ هِيَ الْخَشَبَةُ الْعَرِيضَةُ الَّتِي تُحَاذِي رَأْسَ الرَّكْبِ (" فَلْيُصَلِّ ") : أَيْ: صَلَاةً كَامِلَةً (" وَلَا يُبَالِ ")، أَيْ: فِي قَطْعِ خُشُوعِهِ (" مَنْ ") : أَيْ بِمَنْ أَوْ مِمَّنْ (" مَرَّ وَرَاءَ ذَلِكَ ") : مِنَ الْمَرْأَةِ وَنَحْوِهَا، وَلَا يَدْفَعُهُ بِالْإِشَارَةِ وَغَيْرِهَا، وَجَوَّزَ أَنْ يَكُونَ مَنْ فَاعِلًا، أَيْ: وَلَا يَأْثَمُ مَنْ مَرَّ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ إِنْسٍ أَوْ جِنٍّ أَوْ دَابَّةٍ، فَفِي مَنْ نَوْعُ تَغْلِيبٍ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 642

776 -

عَنْ أَبِي جُهَيْمٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «وَلَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ "، قَالَ أَبُو النَّصْرِ: لَا أَدْرِي قَالَ " أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

776 -

(وَعَنْ أَبِي جُهَيْمٍ) : بِالتَّصْغِيرِ، قِيلَ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُهَيْمٍ، وَقِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَرْثِ بْنِ الصِّمَّةِ الْأَنْصَارِيُّ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ ")، أَيْ: قَاصِدُ الْمُرُورِ وَمُرِيدُهُ (" بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي ") : ظَرْفُ الْمَارِّ (" مَاذَا ")، أَيْ: أَيَّ شَيْءٍ (" علَيْهِ ") : مِنَ الْإِثْمِ بِسَبَبِ مُرُورِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ سَدَّ مَسَدَّ الْمَفْعُولَيْنِ لِيَعْلَمَ، وَقَدْ عُلِّقَ عَمَلُهُ بِالِاسْتِفْهَامِ، وَلَعَلَّ حِكْمَةَ إِبْهَامِهِ الدَّلَالَةُ عَلَى عَظَمَةِ ذَلِكَ الْإِثْمِ، وَإِنَّهُ وَاصَلٌ إِلَى مَا لَا يَقْدِرُ قَدْرَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه: 78] وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " مَاذَا عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ "" «لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» ") : قَالَ الْعَلَّامَةُ الْكِرْمَانِيُّ: جَوَابُ " لَوْ " لَيْسَ هَذَا الْمَذْكُورَ، بِلَا لِتَقْدِيرِ لَوْ يَعْلَمُ مَاذَا عَلَيْهِ لَوَقَفَ أَرْبَعِينَ، وَلَوْ وَقَفَ أَرْبَعِينَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ، قَالَ: وَأُبْهِمَ الْعَدَدُ تَفْخِيمًا لِلْأَمْرِ وَتَعْظِيمًا، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: مَعْنَاهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ فِي الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي خَيْرًا، لَكَانَ الْوُقُوفُ أَرْبَعِينَ سَنَةً خَيْرًا مِنَ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ اهـ.

وَمَا أَبْعَدَهُ عَنِ الْمَرْمَى إِذْ عَلَى تَقْدِيرِ تَقْدِيرِهِ لَا وَجْهَ لِلتَّقْيِيدِ بِأَرْبَعِينَ وَغَيْرِهِ أَصْلًا، وَتَفُوتُ الْمُبَالَغَةُ الْمَطْلُوبَةُ، بَلْ يَفْسُدُ الْمَعْنَى عَلَى مَذْهَبِهِ الَّذِي يَعْتَبِرُ فِيهِ الْمَفْهُومَ، وَأَغْرَبُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ مَعَ هَذَا قَالَ: وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ حُرْمَةُ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي، بَلْ أَقُولُ: لَا يَصِحُّ هَذَا التَّقْدِيرُ مِنْ أَصْلِهِ إِذْ يَنْحَلُّ الْكَلَامُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ فَرْضُ كَوْنِ عِلْمِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ خَيْرًا لَكَانَ إِلَخْ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ (قَالَ أَبُو النَّضِرِ: لَا أَدْرِي قَالَ) : أَيْ: أَبُو جُهَيْمٍ (" أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً ") : قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: الْمُرَادُ أَرْبَعُونَ سَنَةً لَا يَوْمًا وَلَا شَهْرًا، نَقَلَهُ الطَّيبِيُّ، وَقَالَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ: ظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّهُ عَيَّنَ الْمَعْدُودَ، لَكِنَّ الرَّاوِيَ تَرَدَّدَ فِيهِ.

ص: 642

قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: تَخْصِيصُ الْأَرْبَعِينَ بِالذِّكْرِ لِكَوْنِ كَمَالِ طَوْرِ الْإِنْسَانِ بِأَرْبَعِينَ كَالنُّطْفَةِ وَالْمُضْغَةِ وَالْعَلَقَةِ، وَكَذَا بُلُوغُ الْأَشَدِّ، وَيَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ، قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثٍ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَكَانَ أَنْ يَقِفَ مِائَةَ عَامٍ خَيْرًا لَهُ مِنَ الْخُطْوَةِ الَّتِي خَطَاهَا، مُشْعِرٌ بِأَنَّ إِطْلَاقَ الْأَرْبَعِينَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي تَعْظِيمِ الْأَمْرِ، لَا لِخُصُوصِ عَدَدٍ مُعَيَّنٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ نَقَلَهُ مِيرَك شَاهْ، (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَلَفَظُهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ ; لَأَنَّ يَقُومَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا خَيْرًا لِي مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» " رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: " «لَأَنْ يَقِفَ أَحَدُكُمْ مِائَةَ عَامٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ وَهُوَ يُصَلِّي» ": كَذَا ذِكْرَهُ الْمُنْذِرِيُّ، قَالَ الطَّحَّاوِيُّ فِي مُشَكَّلِ الْآثَارِ: إِنَّ الْمُرَادَ: أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:" «لَوْ يَعْلَمُ الَّذِي يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ مُعْتَرِضًا وَهُوَ يُنَاجِي رَبَّهُ وَحِينَئِذٍ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ مَكَانَهُ مِائَةَ عَامٍ خَيْرًا مِنَ الْخُطْوَةِ الَّتِي خَطَاهَا» "، ثُمَّ قَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَدِيثِ أَبِي جُهَيْمٍ ; لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ الْوَعِيدِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَمَا أَوْعَدَهُمْ بِالتَّخْفِيفِ كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمَلَكِ.

وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: إِنَّمَا يُكْرَهُ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ حَائِلٌ نَحْوَ السُّتْرَةِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْمُرُورُ مِنْ وَرَاءِ الْحَائِلِ، وَأَيْضًا إِنَّمَا يَكْرَهُ الْمُرُورُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَائِلِ إِذَا مَرَّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَهُوَ مُخْتَارُ السَّرَخْسِيِّ، وَفِي النِّهَايَةِ، الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى صَلَاةَ الْخَاشِعِينَ بِأَنْ يَكُونَ بَصَرُهُ حَالَ قِيَامِهِ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ لَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى الْمَارِّ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ مُخْتَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: هَذَا فِي الصَّحْرَاءِ، أَمَّا فِي الْمَسْجِدِ الصَّغِيرِ فَيُكْرَهُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا الْكَبِيرِ فَقِيلَ: هُوَ كَالصَّغِيرِ، وَقِيلَ كَالصَّحْرَاءِ، وَرَجَّحَ ابْنُ الْهُمَامِ مَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 643

777 -

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» "، هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ.

ــ

777 -

(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ " إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ ")، أَيْ: مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ (" يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ ")، أَيْ: فِي الْجُمْلَةِ، أَوْ يَسْتُرُ حَالَهُ وَنَظَرَهُ وَيُبْعِدُهُ مِنْهُمْ وَيُمَيِّزُهُ بِالصَّلَاةِ لَهُمْ (" فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ ") : مِنَ الْجَوَازِ، أَيْ: يَعْبُرَ وَيَمُرَّ وَيَتَجَاوَزَ (" بَيْنَ يَدَيْهِ ")، أَيْ: بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّتْرَةِ (" فَلْيَدْفَعْهُ ")، أَيْ: نَدْبًا، وَقِيلَ وُجُوبًا بِالْإِشَارَةِ أَوْ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى نَحْرِهِ، وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَيُدْرَأُ الْمَارُّ إِذْ أَرَادَ أَنْ يَمُرَّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّتْرَةِ بِالْإِشَارَةِ أَوِ التَّسْبِيحِ لَا بِهِمَا مَعًا اهـ.

وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الْعَمَلُ الْكَثِيرُ فِي مُدَافَعَتِهِ، ثُمَّ ظَاهَرُ الْحَدِيثِ دَفْعُ الْمَارِّ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءِ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ، وَلَوْ قِيلَ بِضَعْفِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ:«صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حُجْرَتِي فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ أَوْ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ بِيَدِهِ، فَرَجَعَ، ثُمَّ مَرَّتْ زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا فَمَضَتْ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: هِيَ أَغْلَبُ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: هُنَّ أَغْلَبُ (" فَإِنْ أَبَى ")، أَيِ: امْتَنَعَ (" فَلْيُقَاتِلْهُ ")، أَيْ: فَلْيَدْفَعْهُ بِالْقَهْرِ وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ: كَذَا قَالَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: «فَإِنْ أَبَى إِلَّا بِقَتْلِهِ فَلْيُقَاتِلْ، وَإِنْ أُفْضِي إِلَى قَتْلِهِ إِيَّاهُ» ، وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ: فَإِنْ أَبِي فَلْيَقْتُلْهُ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فَإِنْ قَتَلَهُ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَفِي الْعَمْدِ الْقِصَاصُ وَفِي الْخَطَأِ الدِّيَةُ، قَالَ: وَهَذَا أَرَادَ الْمُرُورَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّتْرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ فَلَيْسَ لَهُ الدَّفْعُ ; لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْهُ بِتَرْكِهَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ الْيَسِيرَ لَا يُبْطَلُ الصَّلَاةَ اهـ.

وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَإِنْ دَفَعَهُ بِمَا يَجُورُ فَهَلَكَ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَهَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ أَوْ يَكُونُ هَدَرًا؟ فِيهِ مَذْهَبَانِ لِلْعُلَمَاءِ، وَهُمَا قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ، (" فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ ") : مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ أَوِ الْجِنِّ أَوْ فِعْلُهُ فِعْلُ شَيْطَانٍ ; لِأَنَّهُ يُشَوِّشُ الْمُصَلِّيَ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّيْطَانَ حَمَلَهُ عَلَيْهِ أَوْ هُوَ شَيْطَانٌ ; لِأَنَّ الشَّيْطَانَ هُوَ مَارِدٌ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ (هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ) : وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَهُ مِيرَك شَاهْ (وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ) : وَاخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ لَمْ

ص: 643

يَجِدْ طَرِيقًا سِوَى مَا بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي، وَالظَّاهِرُ جَوَازُ دَفْعِهِ لِدَفْعِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا، فَلَمَّا عُوتِبَ رَوَى الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ، لَكِنَّ هَذَا الْخِلَافَ حَيْثُ لَمْ يُقَصِّرِ الْمُصَلِّي بِأَنْ صَلَّى بِقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ حَلَّ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِتَقْصِيرِهِ، حَتَّى جَوَّزُوا لَهُ الْمُرُورَ إِلَى الْفُرْجَةِ بَيْنَ يَدَيِ الصَّفِّ الثَّانِي لِتَقْصِيرِهِمْ بِتَرْكِهَا، وَهَذَا الْحُكْمُ عَامٌّ يَشْمَلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَدَاخِلَ الْكَعْبَةِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَنَحْوَ الشَّارِعِ وَبَابِ الْمَسْجِدِ وَالدَّرْبِ الضَّيِّقِ الْمَحَلِّ الَّذِي يَغْلِبُ مُرُورُ النَّاسِ فِيهِ فِي وَقْتِ تِلْكَ الصَّلَاةِ، وَلَوْ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ كَمَا لَا يَخْفَى ; لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَحَلُّ الْعِبَادَةِ، وَيَخْتَصُّ بِمَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَدَّى عَلَيْهِ، وَأَمَّا الشَّارِعُ فَمَوْضُوعٌ لِمُرُورِ الْعَامَّةِ وَيَخْتَصُّ بِمَنْ يَمُرُّ، وَلَا يَجُوزُ التَّعَدِّي عَلَيْهِ فِي مُرُورِهِ بِدَفْعِهِ وَمَنْعِهِ وَأَمْرِهِ بِالْوُقُوفِ وَنَحْوِهِ، وَلِذَا قِيلَ: أَوَّلُ بِدْعَةٍ أُحْدِثَتِ الطَّرِيقَ الطَّرِيقَ، وَفِي مَعْنَاهُ ظَهَرَكَ وَحَاشَاكَ، فَإِذَا صَلَّى فِيهِ أَحَدٌ فَتَعَدَّى عَلَيْهِ بِمَنْعِ الْمُرُورِ فَلَا حُرْمَةَ لَهُ حِينَئِذٍ، فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ مُبْطِلٌ لِقِيَاسِهِ، ثُمَّ قَالَ: فَعَلِمَ أَنَّ الْكَعْبَةَ تَكُونُ سُتْرَةً لِمَنْ صَلَّى إِلَيْهَا فِي وَقْتٍ يَقِلُّ فِيهِ طَوَافُ النَّاسِ جِدًّا بِخِلَافِ مَا يَكْثُرُ فِيهِ ازْدِحَامُهُمْ كَالصَّلَاةِ فِي الطَّرِيقِ، وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ الْمُصَرِّحَةُ بِجَوَازِ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ اهـ.

وَفِيهِ بَحْثٌ ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ هَذَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّلَاةِ فِي الطَّرِيقِ كَمَا ذَكَرَهُ فَهُوَ قِيَاسٌ بَاطِلٌ كَمَا سَبَقَ، وَإِنْ كَانَ بِالْأَحَادِيثِ الْمُخَصِّصَةِ لِعُمُومِ أَحَادِيثِ الْبَابِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ يَحْتَاجُ إِلَى ذَكَرِهِ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ لِيَنْظُرَ فِيهَا إِسْنَادًا وَمَتْنًا وَلَفْظًا وَمَعْنًى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 644

778 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «تَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ، وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

778 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " تَقْطَعُ ") : بِالتَّأْنِيثِ وَيَجُوزُ التَّذْكِيرُ (" الصَّلَاةَ ")، أَيْ: حُضُورَهَا وَكَمَالَهَا، وَقَدْ يُؤَدِّي إِلَى قَطْعِ الصَّلَاةِ وَفِيهِ مُبَالَغَةٌ فِي الْحَثِّ عَلَى نَصْبِ السُّتْرَةِ (" الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ ") : وَوَجْهُ تَخْصِيصِهَا مُفَوَّضٌ إِلَى رَأْيِ الشَّارِعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ مِيرَكُ نَقْلًا عَنِ الْأَزْهَارِ: الْمُرَادُ بِقَطْعِهَا هَذِهِ الْأَشْيَاءُ شَغْلُهَا قَلْبَ الْمُصَلِّي عَنِ الْخُضُوعِ وَالْحُضُورِ وَلِسَانَهُ عَنِ التِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ وَبَدَنَهُ عَنْ مُحَافَظَةِ مَا يَجِبُ مِنْ أَمْرِ الصَّلَاةِ لَا بُطْلَانُهَا، بِدَلِيلِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَهُ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى قَطْعِهَا بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَبَعْضُهُمْ بِالْحَائِضِ وَالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ (" وَيَقِي ")، أَيْ: يَحْفَظُ (" ذَلِكَ الْقَطْعَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ ") : وَفِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ تَقَدَّمَتْ، وَمَعْنَاهُ الْعُودُ الَّذِي فِي آخِرِ الرَّحْلِ، (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ مُقَيِّدٌ لِرِوَايَةِ إِطْلَاقِ قَطْعِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَهَا، لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ لِلْكَلْبِ بِكَوْنِهِ أَسْوَدَ، وَفِيهَا أَنَّهُ عليه السلام سُئِلَ عَنْ سَبَبِ اخْتِصَاصِهِ بِذَلِكَ فَقَالَ: لِأَنَّهُ شَيْطَانٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ، إِلَّا الْحَسَنُ، وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ بِمُرُورِ شَيْءٍ أَمَامَهُ، سَوَاءٌ كَانَتْ لَهُ سُتْرَةٌ وَمُرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَمْ لَا، وَلَوِ امْرَأَةً وَحِمَارًا أَوْ كَلْبًا وَلَوْ أَسْوَدَ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ.

ص: 644

779 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ كَاعْتِرَاضِ الْجَنَازَةِ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

779 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ» ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الِاعْتِرَاضُ صَيْرُورَةُ الشَّيْءِ حَائِلًا بَيْنَ شَيْئَيْنِ، وَمَعْنَاهُ هَاهُنَا وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ، (كَاعْتِرَاضِ الْجَنَازَةِ) : بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا، قَالَ الطِّيبِيُّ جَعَلَتْ نَفْسَهَا بِمَنْزِلَةِ الْجِنَازَةِ دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُ الْمُصَلِّيَ مِنْ حُضُورِ الْقَلْبِ وَمُنَاجَاةِ الرَّبِّ بِسَبَبِ اعْتِرَاضِهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، بَلْ كَانَتْ كَالسُّتْرَةِ الْمَوْضُوعَةِ لِدَفْعِ الْمَارِّ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ

ص: 644

مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ مِنْ تَخْصِيصِ ذِكْرِ الْمَرْأَةِ وَقَطْعِهَا صَلَاةَ الرَّجُلِ، لِمَا فِيهِ مَا يَقْتَضِي مَيْلَ الرِّجَالِ إِلَى النِّسَاءِ. اهـ.

وَقَوْلُهُ: مُوَافِقٌ غَيْرُ مُطَابِقٍ بَلْ مُنَاقِضٌ لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالْمَرْأَةِ الْقَاطِعَةِ إِنَّمَا هِيَ الْأَجْنَبِيَّةُ أَوِ الْمَوْصُوفَةُ بِالْمُرُورِ، أَوْ فِي حَالَةِ النُّورِ وَالظُّهُورِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُرُورَ الْمَرْأَةِ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ إِذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اعْتِرَاضِهَا الْمَذْكُورِ ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ إِشْغَالُهَا وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيهَا (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ، وَخَبَرُ:«لَا تُصَّلُوا خَلْفَ النَّائِمِ وَالْمُحْدِثِ» ، ضَعِيفٌ اتِّفَاقًا.

ص: 645

780 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ:«أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الِاحْتِلَامَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ، فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ، وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

780 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ) : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَشَذَّ كَسْرُهَا قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: (يَعْنِي الْحِمَارَ الْأُنْثَى (وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ)، أَيْ: قَارَبْتُ (الِاحْتِلَامَ)، أَيِ: الْبُلُوغَ (وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ)، أَيْ: إِمَامًا (بِمِنًى) : قَالَ مُحْيِي السُّنَّةِ: فِيهِ لُغَتَانِ الصَّرْفُ وَالْمَنْعُ، وَلِهَذَا يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَالْيَاءِ، وَالْأَجْوَدُ صَرْفُهَا وَكِتَابَتُهَا بِالْأَلِفِ، وَسُمِّيَتْ بِهَا لِمَا يَعْنِي مِنَ الدِّمَاءِ، أَيْ: يُرَاقُ وَيُصَبُّ كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ (إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ) : قَدْ نَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ إِلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْبَزَّارِ بِلَفْظِ: وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ لَيْسَ شَيْءٌ يَسْتُرُهُ» ، لَكِنَّ الْبُخَارِيَّ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ سُتْرَةِ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ، وَهَذَا مَصِيرٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ سُتْرَةٌ، قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ: كَانَ الْبُخَارِيُّ حَمَلَ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَأْلُوفِ الْمَعْرُوفِ مِنْ عَادَتِهِ عليه السلام أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِي الْفَضَاءِ إِلَّا وَالْعَنَزَةُ أَمَامَهُ، ثُمَّ أَيَّدَ بِحَدِيثَيِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي جُحَيْفَةَ الْمَذْكُورِينَ أَوَّلُ الْبَابِ، وَأَوْرَدَهُمَا عَقِيبُ ابْنِ عَبَّاسٍ، كَذَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ.

وَفِي شَرْحِ الطَّيِّبِي قَالَ الْمُظْهِرُ: قَوْلُهُ إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ أَيْ إِلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ، وَالْغَرَضُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، اهـ، كَلَامُهُ.

فَإِنْ قُلْتَ: قَوْلُهُ إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ لَا يَنْفِي شَيْئًا لِغَيْرِهِ، فَكَيْفَ فَسَّرَهُ بِالسُّتْرَةِ قُلْتُ: إِخْبَارُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مُرُورِهِ بِالْقَوْمِ، وَعَنْ عَدَمِ جِدَارِ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ مَظِنَّةُ إِنْكَارٍ يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِ أَمْرٍ لَمْ يُعْهَدْ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ كَوْنِ الْمُرُورِ مَعَ عَدَمِ السُّتْرَةِ غَيْرَ مُنْكَرٍ، فَلَوْ فَرَضَ سُتْرَةً أُخْرَى لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْإِخْبَارِ فَائِدَةٌ، اهـ.

قُلْتُ: يُمْكِنُ إِفَادَتُهُ أَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ سُتْرَةُ الْقَوْمِ كَمَا فَهِمَ الْبُخَارِيُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، (فَمَرَرْتُ)، أَيْ: رَاكِبًا (بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ)، أَيِ: الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ ذِكَرَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ (فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ)، أَيْ: تَأْكُلُ الْحَشِيشَ وَتَتَوَسَّعُ فِي الْمَرْعَى، (وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ)، أَيْ: مَشْيَهُ بِأَتَانِهِ وَبِنَفْسِهِ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ (عَلِيَّ أَحَدٌ) : مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا، وَهُوَ إِمَّا لِكَوْنِهِ صَغِيرًا، أَوْ لِوُجُودِ سُتْرَةِ الْإِمَامِ، أَوْ لِكَوْنِ الْمُرُورِ مُطْلَقًا غَيْرَ قَاطِعٍ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ رحمه الله: وَالْغَرَضُ مِنْهُ أَنَّ مُرُورَ الْحِمَارِ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، قَالَهُ مِيرَكُ.

ص: 645

الفصل الثاني

781 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ قَالَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، فَلْيَنْصِبْ عَصَاهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصَى فَلْيَخْطُطْ خَطًّا، ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ أَمَامَهُ» "، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

الفصل الثاني

781 -

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ)، أَيْ: أَرَادَ الصَّلَاةَ (" فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ")، أَيْ: حِذَاءَهُ لَكِنْ إِلَى أَحَدِ حَاجِبَيْهِ لَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ (" شَيْئًا ")، أَيْ: بِنَاءً أَوْ شَجَرًا أَوْ عُودًا أَوْ عَمُودًا (" فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ")، أَيْ: شَيْئًا مَنْصُوبًا (فَلْيَنْصِبْ عَصَاهُ ") ، فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَلَوْ أَلْقَى عَصَاهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَمْ يَغْرِزْهَا قِيلَ: يُجَزِئُهُ عَنِ السُّتْرَةِ، وَقِيلَ: لَا، وَفِي الْكِفَايَةِ يَضَعُ طُولًا لَا عَرْضًا لِيَكُونَ عَلَى مِثَالِ الْغَرْزِ (" «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًى، فَلْيَخْطُطْ» ") : بِضَمِّ الطَّاءِ (" خَطًّا ") : حَتَّى يُبَيِّنَ فَصْلًا، فَلَا يَتَخَطَّى الْمَارُّ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيِّ قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدِنَا فَقِيلَ: الْمُخْتَارُ يَخُطُّ خَطًّا كَالْمِحْرَابِ، وَقِيلَ: مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ إِلَى شِمَالِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، أَنْ يَكُونَ طُولًا فِي قُدَّامِهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: هَذَا هُوَ الْمُسْتَحَبُّ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: رَأَيْتُ شَرِيكًا صَلَّى بِنَا فَوَضَعَ قَلَنْسُوَتَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ (" ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ ")، أَيْ: بَعْدَ اسْتِتَارِهِ (" مَا مَرَّ أَمَامَهُ ") : أَيْ أَمَامَ سُتْرَتِهِ، (رَوَاهُ، أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ) : قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَمْ نَجِدْ شَيْئًا نَشُدُّ بِهِ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَجِئْ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ إِلَى ضَعْفِهِ وَاضْطِرَابِهِ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، سُئِلَ عَنْ وَصْفِ الْخَطِّ غَيْرَ مَرَّةٍ فَقَالَ: هَكَذَا عَرْضًا مِثْلَ الْهِلَالِ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَسَمِعْتُ مُسَدَّدًا قَالَ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الْخَطُّ بِالطُّولِ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْخَطِّ فَقِيلَ: يَكُونُ مُقَوَّسًا كَهَيْئَةِ الْمِحْرَابِ، وَقِيلَ قَائِمًا مَمْدُودًا بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي إِلَى الْقِبْلَةِ، وَقِيلَ: مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ إِلَى شِمَالِهِ، قَالَ: وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ الْخَطَّ اهـ.

قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ يَعْنِي فِي رِوَايَةٍ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا بِاسْتِحْبَابِهِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: صَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَا بَأْسَ بِالْعَمَلِ بِهِ وَإِنِ اضْطَرَبَ إِسْنَادُهُ فِي مِثْلِ هَذَا الْحُكْمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَجَزَمَ بِضَعْفِهِ النَّوَوِيُّ، وَقَاسَ الْأَئِمَّةُ عَلَى الْخَطِّ الْمُصَلِّي كَسَجَّادَةٍ مَفْرُوشَةٍ، وَهُوَ قِيَاسٌ أَوْلَوِيٌّ ; لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ أَبْلَغُ فِي دَفْعِ الْمَارِّ مِنَ الْخَطِّ السَّابِقِ، وَاخْتُلِفَ أَنَّ التَّرْتِيبَ لِلْأَكْمَلِيَّةِ أَوِ الْأَحَقِّيَّةِ.

ص: 646

782 -

وَعَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى سُتْرَةٍ، فَلْيَدْنُ مِنْهَا، لَا يَقْطَعِ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ» "، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

782 -

(وَعَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ) : أَنْصَارِيٍّ، أَوْسِيٍّ، وُلِدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى سُتْرَةٍ، فَلْيَدْنُ» ) ، أَيْ: فَلْيَقْرَبْ بِقَدْرِ إِمْكَانِ السُّجُودِ، وَهَكَذَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ (" مِنْهَا ")، أَيْ: مِنَ السُّتْرَةِ عَلَى قَدْرِ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ أَوْ أَقَلِّ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، نَقَلَهُ ابْنُ الْمَلَكِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَائِطِ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ (" لَا يَقْطَعِ الشَّيْطَانُ ") : بِالْجَزْمِ جَوَابُ الْأَمْرِ، ثُمَّ حُرِّكَ بِالْكَسْرِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ (" عَلَيْهِ ") : أَيْ: عَلَى أَحَدِكُمْ (" صَلَاتَهُ ")، أَيْ: لَا يُفَوِّتُ عَلَيْهِ حُضُورَهَا بِالْوَسْوَسَةِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْهَا، (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ السُّتْرَةَ تَمْنَعُ اسْتِيلَاءَ الشَّيْطَانِ عَلَى الْمُصَلِّي، وَتُمَكِّنَهُ مِنْ قَلْبِهِ بِالْوَسْوَسَةِ إِمَّا كُلًّا أَوْ بَعْضًا بِحَسَبِ صِدْقِ الْمُصَلِّي وَإِقْبَالِهِ فِي صَلَاتِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ عَدَمَهَا يُمَكِّنُ الشَّيْطَانَ مِنْ إِزْلَالِهِ عَمَّا هُوَ بِصَدَدِهِ مِنَ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ وَتَدَبُّرِهِ الْقِرَاءَةَ وَالذِّكْرَ.

قُلْتُ: فَانْظُرْ إِلَى مُتَابَعَةِ السُّنَّةِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْفَوَائِدِ الْجَمَّةِ.

ص: 646

783 -

وَعَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ رضي الله عنهما، قَالَ:«مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يُصَلِّي إِلَى عُودٍ، وَلَا عَمُودٍ وَلَا شَجَرَةٍ إِلَّا جَعَلَهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ أَوِ الْأَيْسَرِ، وَلَا يَصْمُدُ لَهُ صَمْدًا» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

ــ

783 -

(وَعَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي إِلَى عُودٍ» ) : كَالْعَصَا (وَلَا عَمُودٍ) : كَالْأُسْطُوَانَةِ ( «وَلَا شَجَرَةٍ إِلَّا جَعَلَهُ عَلَى حَاجِبِهِ» )، أَيْ: جَانِبِهِ (الْأَيْمَنِ أَوِ الْأَيْسَرِ، وَلَا يَصْمُدُ لَهُ) : بِضَمِّ الْمِيمِ، أَيْ: لَا يَقْصِدُ (صَمْدًا)، أَيْ: قَصْدًا مُسْتَوِيًا بِحَيْثُ يَسْتَقْبِلُهُ بِمَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ حَذَرًا عَنِ التَّشَبُّهِ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَأَحْمَدُ، لَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ ضُعِّفَ، وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ حُجَّةٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْفَضَائِلِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ:«إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى عَمُودٍ أَوْ سَارِيَةٍ أَوْ إِلَى شَيْءٍ فَلَا يَجْعَلْهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلْيَجْعَلْهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْسَرِ» ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْأَيْسَرَ أَوْلَى مِنَ الْأَيْمَنِ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ مَانِعٌ لِلشَّيْطَانِ الَّذِي هُوَ عَلَى الْأَيْسَرِ كَمَا مَرَّ فِي بَحْثِ الْبُصَاقِ عَلَى الْأَيْسَرِ.

ص: 647

784 -

وَعَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ:«أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِي بَادِيَةٍ لَنَا، وَمَعَهُ عَبَّاسٌ، فَصَلَّى فِي صَحْرَاءَ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ، وَحِمَارَةٌ لَنَا وَكَلْبَةٌ تَعْبَثَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَا بَالَى بِذَلِكَ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِلنَّسَائِيِّ نَحْوُهُ

ــ

784 -

(وَعَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِي بَادِيَةٍ لَنَا) : حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ (وَمَعَهُ عَبَّاسٌ) : حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ (فَصَلَّى فِي صَحْرَاءَ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ) : لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَظِنَّةُ الْمُرُورِ (وَحَمَّارَةٌ لَنَا وَكَلْبَةٌ) : التَّاءُ فِيهِمَا إِمَّا لِلْوَحْدَةِ أَوْ لِلتَّأْنِيثِ تَعْبَثَانِ) : أَيْ تَلْعَبَانِ (بَيْنَ يَدَيْهِ)، أَيْ: قُدَّامَهُ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ مَا وَرَاءَ الْمَسْجِدِ أَوْ مَوْضِعَ بَصَرِهِ، (فَمَا بَالَى بِذَلِكَ) : أَيْ: مَا الْتَفَتَ إِلَيْهِ وَمَا اعْتَدَّهُ قَاطِعًا، (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)، أَيْ: بِهَذَا اللَّفْظِ (وَلِلنَّسَائِيِّ نَحْوُهُ)، أَيْ: مَعْنَاهُ.

ص: 647

785 -

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ، وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

785 -

(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ» ")، أَيْ: لَا يُبْطِلُهَا شَيْءٌ مَرَّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي (" وَادْرَءُوا ")، أَيِ: ارْفَعُوا الْمَارَّ (" مَا اسْتَطَعْتُمْ ") ، قِيلَ حَدِيثُ الْقَطْعِ، بِمُرُورِ الْمَرْأَةِ وَغَيْرِهَا مَنْسُوخٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، لَكِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ (" فَإِنَّمَا هُوَ ")، أَيِ: الْمَارُّ (" شَيْطَانٌ ") : قَالَ الطِّيبِيُّ: مُحْتَمَلٌ أَنْ يُرَادَ بِشَيْءٍ الدَّفْعُ، أَيْ: لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِنَ الدَّفْعِ، فَادْفَعُوا الْمَارَّ بِقَدْرِ اسْتِطَاعَتِكُمْ، وَحُذِفَ الْمَارُّ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُرَادَ بِهِ أَيْ بِشَيْءٍ الْمَارُّ، وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ الْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، قَالَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالْكَلْبَ وَالْحِمَارَ لَا تَقْطَعُ، وَقِيلَ تَقْطَعُ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَقِيلَ تَقْطَعُهَا الْمَرْأَةُ الْحَائِضُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ، وَبِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها، (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 647

الفصل الثالث

786 -

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ:«كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِيهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي، فَقَبَضْتُ رِجْلِيَ، وَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا، قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

الفصل الثالث

786 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ)، أَيْ: أَضْطَجِعُ عَلَى هَيْئَةِ النَّائِمِ ( «بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ» ) : أَيْ: أَرَادَ السُّجُودَ (غَمَزَنِي) : قِيلَ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَسَّ غَيْرُ نَاقِضٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْحَائِلِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الْغَمْزُ هُوَ الْعَصْرُ، وَالْكَبْسُ بِالْيَدِ، وَغَمَزَنِي جَوَابُ إِذَا، وَقَوْلُهُ (فَقَبَضْتُ) : عُطِفَ عَلَيْهِ (رِجْلِي) : قَالَ الشَّيْخُ: كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالتَّثْنِيَةِ، وَكَذَا قَوْلُهَا (وَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُ) : وَلِلْمُسْتَمْلِيِّ وَالْحَمَوِيِّ، رِجْلِي بِالْإِفْرَادِ، وَكَذَا بَسَطْتُهَا ذَكَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ (قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ) : بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ (يَوْمَئِذٍ)، أَيْ: حِينَئِذٍ (لَيْسَ فِيهَا الْمَصَابِيحُ) : فِيهِ مُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَفَائِدَةُ نَفْىِ الْمَصَابِيحِ اعْتِذَارٌ مِنْ جَعْلِهَا رِجْلَهَا فِي مَوْضِعِ سُجُودِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّا قَوْلُهُمَا: فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا فَلِتَقْرِيرِ رَسُولِ اللَّهِ لَهُ إِيَّاهَا عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ اهـ.

قُلْتُ: وَلَعَلَّ عُذْرَهَا فِي تِلْكَ الْهَيْئَةِ مِنْ الِاضْطِجَاعِ ضِيقُ الْمَكَانِ، أَوِ الِاعْتِمَادُ عَلَى مَحَبَّةِ صَاحِبِ الْمَقَامِ، وَأَمَّا عَدَمُ الْمَصَابِيحِ فَعُذْرٌ لِعَدَمِ حَيَائِهَا وَلِلِاسْتِمْرَارِ عَلَى بَقَائِهَا، (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 648

787 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُكُمْ مَا لَهُ فِي أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ مُعْتَرِضًا فِي الصَّلَاةِ، كَانَ لَأَنْ يُقِيمَ مِائَةَ عَامٍ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْخُطْوَةِ الَّتِي خَطَا» "، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

ــ

787 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُكُمْ ") : قِيلَ: آثَرَ دُخُولَ لَوْ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ مَعَ قِلَّتِهِ لِيُفِيدَ تَجَدُّدِ الْعِلْمَ، (" مَا لَهُ ") : أَيْ مِنَ الْإِثْمِ فَحَذَفَ الْبَيَانَ لِيَدُلَّ الْإِبْهَامُ عَلَى مَا لَا يُقَادَرُ قَدْرُهُ مِنَ الْإِثْمِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ ( «فِي أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ» ") : ذُكِرَ لِمَزِيدِ التَّلَطُّفِ بِالْمَارِّ حَتَّى يَنْكَفَّ عَنْ مُرُورِهِ، إِذْ مِنْ شَأْنِ الْأَخِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ أَخَاهُ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَذَى وَإِنْ قَلَّ) ، " مُعْتَرِضًا ") ، أَيْ: حَالَ كَوْنِ الْمَارِّ مُعْتَرِضًا مَحَلَّ سُجُودِهِ (" فِي الصَّلَاةِ ") : حَالٌ مِنْ أَخِيهِ (" كَانَ لَأَنْ ") : بِفَتْحِ اللَّامِ (" يُقِيمَ ") : وَفِي نُسْخَةٍ: يَقُومَ (" مِائَةَ عَامٍ ")، ظَرْفُ يُقِيمَ (" خَيْرٌ لَهُ ") : بِالرَّفْعِ (" مِنَ الْخَطْوَةِ ") : بِفَتْحِ الْخَاءِ وَتُضَمُّ (" الَّتِي خَطَا ") : الْخُطْوَةُ بِالضَّمِّ وَتَفْتَحُ مَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ وَبِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: اسْمُ كَانَ ضَمِيرٌ عَائِدٌ إِلَى أَحَدِكُمْ، أَوْ ضَمِيِرُ الشَّأْنِ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ كَانَ، وَاللَّامُ لَامُ الِابْتِدَاءِ الْمُقَارَنَةُ بِالْمُبْتَدَأِ الْمُؤَكِّدَةُ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ أَوِ الَّتِي يُتَلَقَّى بِهَا الْقَسَمُ، وَهُوَ أَقْرَبُ، وَقِيلَ: اللَّامُ هِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى جَوَابِ لَوْ، أُخِّرَتْ عَنْ مَحَلِّهَا، وَهُوَ كَأَنَّ إِلَى خَبَرِهَا، وَهُوَ إِقَامَةُ مِائَةِ عَامٍ، وَلِهَذَا التَّقْدِيرِ الْمُقْتَضِي لِكَوْنِهِ أَوْغَلَ فِي التَّعْرِيفِ كَانَ الْأَصْلُ أَنَّ الِاسْمَ، وَخَيْرٌ: هُوَ الْخَبَرُ، لَكِنَّهُمَا عَكَسَا إِبْهَامًا عَلَى السَّامِعِ لِيُظْهِرَ جَوْدَةَ فَهْمِهِ وَذَكَائِهِ، وَقَدْ جُرِيَ عَلَى الْأَصْلِ فِي الْأَمْرَيْنِ فِي الْخَبَرِ الَّذِي عَقِبَ هَذَا، فَأَدْخَلَ اللَّامَ عَلَى كَانَ وَجَعْلَ الْمَصْدَرَ الْمَسْبُوكَ مِنْ أَنْ وَالْفِعْلِ هُوَ الِاسْمُ، وَخَيْرًا هُوَ الْخَبَرُ وَتَجُوزُ زِيَادَةُ كَانَ هُنَا، (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ)، أَيْ: بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا قَالَهُ مِيرَكُ.

ص: 648