الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
956 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ: " أَحْسَنُ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ، وَأَحْسَنُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ» "، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
ــ
956 -
(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ)، أَيْ: أَحْيَانًا (فِي صَلَاتِهِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ: " أَحْسَنُ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ، وَأَحْسَنُ الْهَدْيِ ")، أَيِ: السِّيرَةِ وَالطَّرِيقَةِ مِنَ الْأَحْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الَّتِي يُهْتَدَى بِهَا وَيُقْتَدَى بِصَاحِبِهَا، (" هَدْيُ مُحَمَّدٍ ") : مَدْحُ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَدْحٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهُوَ فِي مَعْنَى التَّسْبِيحِ وَالذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ، فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ هُوَ مُشْكِلٌ عَلَى مَنْ يَرَى بُطْلَانَ الصَّلَاةِ بِالنُّطْقِ بِغَيْرِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ ; لِأَنَّا نَقُولُ: الْعِبْرَةُ بِالْمَعْنَى لَا بِاللَّفْظِ، وَلِذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَوْ قِيلَ لِأَحَدٍ فِي الصَّلَاةِ: مَاتَ فُلَانٌ، فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ; لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى جَوَابٌ لِكَلَامِ الْقَائِلِ مَعَ كَوْنِهِ لَفْظَ الْقُرْآنِ، وَقَالُوا: لَا يَدْعُو بَعْدَ التَّشَهُّدِ، بِمَا يُطْلَبُ مِنَ الْمَخْلُوقِ، فَلَوْ قَالَ: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي مَالًا أَوْ جَارِيَةً تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: اللَّهُمَّ أَغْنِنِي وَزَوِّجْنِي الْحُورَ الْعِينَ، (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ) .
957 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ تَسْلِيمَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، ثُمَّ يَمِيلُ إِلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ شَيْئًا،» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
957 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ) : كَذَا فِي أُصُولِ الْمِشْكَاةِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ، وَعَنْهُ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: وَعَنْ عَائِشَةَ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ نُسْخَتَهُ لَمْ تَكُنْ صَحِيحَةً، (قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ تَسْلِيمَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ) ، أَيْ: يَبْدَأُ بِالتَّسْلِيمِ مُحَاذَاةَ وَجْهِهِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ، أَيْ: يَبْتَدِئُ بِهَا وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ، (ثُمَّ يَمِيلُ إِلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ شَيْئًا)، أَيْ: يَسِيرًا حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ، يَعْنِي ثُمَّ يَمِيلُ إِلَى الشِّقِّ الْأَيْسَرِ شَيْئًا يَسِيرًا حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَحَادِيثِ، (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .
958 -
وَعَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَرُدَّ عَلَى الْإِمَامِ، وَنَتَحَابَّ، وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
958 -
(وَعَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَرُدَّ عَلَى الْإِمَامِ)، أَيْ: نَنْوِيَ الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ بِالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ عَلَى يَمِينِهِ، وَبِالْأُولَى مِنْ عَلَى يَسَارِهِ، وَهُمَا مِنْ عَلَى مُحَاذَاتِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: قِيلَ: رَدُّ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ سَلَامُهُ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ: يُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ ثَلَاثَ تَسْلِيمَاتٍ: تَسْلِيمَةٌ يَخْرُجُ بِهَا مِنَ الصَّلَاةِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَيَتَيَامَنُ يَسِيرًا، وَتَسْلِيمَةٌ عَلَى الْإِمَامِ، وَتَسْلِيمَةٌ عَلَى مَنْ كَانَ عَلَى يَسَارِهِ، (وَنَتَحَابَّ) : تَفَاعُلٌ مِنَ الْمَحَبَّةِ، أَيْ: وَأَنْ نَتَحَابَّ مَعَ الْمُصَلِّينَ وَسَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَفْعَلَ كُلٌّ مِنَّا مِنَ الْخَلَاقِ الْحَسَنَةِ، وَالْأَفْعَالِ الصَّالِحَةِ، وَالْأَقْوَالِ الصَّادِقَةِ، وَالنَّصَائِحِ الْخَالِصَةِ، مَا يُؤَدِّي إِلَى الْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ، (وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ)، أَيْ: فِي الصَّلَاةِ وَمَا قَبْلَهُ مُعْتَرِضَةٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَلَفْظُهُ: وَأَنْ نُسَلِّمَ عَلَى أَئِمَّتِنَا، وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فِي الصَّلَاةِ، أَيْ: يَنْوِيَ الْمُصَلِّي مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنَ الْبَشَرِ، وَكَذَا مِنَ الْمَلَكِ، فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِالتَّسْلِيمِ الْمُشْعِرِ بِالتَّعْظِيمِ، قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: هَذِهِ سُنَّةٌ تَرَكَهَا النَّاسُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي خَارِجِ الصَّلَاةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا عَطْفُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ ; لِأَنَّ التَّحَابَّ أَشْمَلُ مَعْنًى مِنَ التَّسْلِيمِ لِيُؤْذَنَ بِأَنَّهُ فَتَحَ بَابَ الْمَحَبَّةِ وَمُقَدِّمَتَهَا.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ، وَرَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا، وَقَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالنَّبِيِّينَ، وَمِنْ مَعَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اهـ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى تَسْلِيمِ التَّشَهُّدِ حَيْثُ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّ عِنْدَ التَّسْلِيمِ بِالْخُرُوجِ عَنِ الصَّلَاةِ لَا يَنْوِي الْأَنْبِيَاءَ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ.
[بَابُ الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ]
بَابُ الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
959 -
«عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالتَّكْبِيرِ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
[18]
- بَابُ الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ.
الْمُرَادُ بِالذِّكْرِ أَعَمُّ مِنَ الدُّعَاءِ وَغَيْرِهِ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
959 -
(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، أَيِ: انْتِهَاءَهَا (بِالتَّكْبِيرِ) : مُتَعَلِّقٌ بِ (أَعْرِفُ) يَعْنِي: إِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ الْأَشْرَفُ: يَعْنِي كَانَ يُكَبِّرُ اللَّهَ فِي الذِّكْرِ الْمُعْتَادِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَأَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاتِهِ، وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إِذَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ بَعِيدًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يَخْفِضُ صَوْتَهُ إِلَّا فِي التَّكْبِيرِ، كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ كَانَ بَدْؤُهُ بِالتَّكْبِيرِ لِمَا وَرَدَ:" لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ "، أَوِ الْمُرَادُ بِالتَّكْبِيرِ قَوْلُهُمْ: اللَّهُ أَكْبَرُ مَرَّةً، وَقِيلَ: مُكَرَّرًا، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي وَرَدَ مَعَ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ عَشْرًا أَوْ أَكْثَرَ قَالَهُ فِي الْأَزْهَارِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ كُلِّ هَيْئَةٍ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَى أُخْرَى بِتَكْبِيرَةٍ أَسْمَعُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لَكِنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ يُخَالِفُ الْبَابَ، قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ الصَّلَاةِ بِانْقِضَاءِ التَّكْبِيرِ، أَيْ: لِأَنَّهُ آلَةُ الْإِعْلَامِ بِأَفْعَالِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَكُنْ آلَةَ الْإِعْلَامِ بِفَرَاغِهِ مِنْهَا، (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هُوَ بِمَعْنَى رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَرَادَ بِالتَّكْبِيرِ فِي الْأَوَّلِ مُطْلَقَ الذِّكْرِ، وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ جَهْرَهُ هَذَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ لِأَجْلِ تَعَلُّمِ الْمَأْمُومِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} [الإسراء: 110] الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَاسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ لِطَلَبِ الْإِسْرَارِ بِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَهُمْ بِتَرْكِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ، وَقَالَ:" «إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إِنَّهُ مَعَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ» " اهـ.
وَيُسَنُّ الْإِسْرَارُ فِي سَائِرِ الْأَذْكَارِ أَيْضًا، إِلَّا فِي التَّلْبِيَةِ وَالْقُنُوتِ لِلْإِمَامِ، وَتَكْبِيرِ لَيْلَتَيِ الْعِيدِ، وَعِنْدَ رُؤْيَةِ الْأَنْعَامِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَبَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ مِنَ الضُّحَى إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ، وَذِكْرِ السُّوقِ الْوَارِدِ وَعِنْدَ صُعُودِ الْهَضْبَاتِ وَالنُّزُولِ مِنَ الشُّرُفَاتِ.
960 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إِلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» "، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
960 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ) : رضي الله عنها (قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَلَّمَ) : أَيْ مِنَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ الَّتِي بَعْدَهَا سُنَّةٌ (لَمْ يَقْعُدْ)، أَيْ: بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالسُّنَّةُ (إِلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ) : لِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ يَقْعُدُ بَعْدَ أَدَاءِ الصُّبْحِ عَلَى مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، قَالَ الْقَاضِي: وَدَلَّ حَدِيثُ أَنَسٍ أَيِ الْآتِي عَلَى اسْتِحْبَابِ الذِّكْرِ وَفَضْلِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ كَانَ يَفْعَلُهُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، وَفِي بَعْضِهَا كَانَ يَقُومُ عَقِبَ سَلَامِهِ، وَالْمَعْنَى إِلَّا قَدْرَ زَمَانٍ يَقُولُ هُوَ أَوِ الْقَائِلُ (" اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ ") : أَيْ مِنَ الْمَعَائِبِ
وَالْحَوَادِثِ وَالتَّغَيُّرِ وَالْآفَاتِ: (" وَمِنْكَ السَّلَامُ ")، أَيْ: مِنْكَ يُرْجَى وَيُسْتَوْهَبُ وَيُسْتَفَادُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَإِلَيْكَ يَرْجِعُ السَّلَامُ، أَنْتَ: السَّلَامُ مِنْكَ بَدْؤُهُ وَإِلَيْكَ عَوْدُهُ فِي حَالَتَيِ الْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ، وَأَرَادَ أَنَّ قَوْلَهُ: مِنْكَ السَّلَامُ وَإِلَيْكَ يَرْجِعُ السَّلَامُ وَارِدٌ مَوْرِدَ الْبَيَانِ ; لِقَوْلِهِ: أَنْتَ السَّلَامُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوْصُوفَ بِالسَّلَامَةِ فِيمَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ لِمَا كَانَ هُوَ الذِّكْرَ تَعْرِضُهُ الْآفَةُ، وَهَذَا لِمَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى، فَهُوَ السَّلَامُ، بِمَعْنَى الَّذِي يُعْطِي السَّلَامَةَ وَيَمْنَعُهَا، وَقِيلَ: الْقَرِينَةُ الْأَخِيرَةُ أَعْنِي: وَإِلَيْكَ يَرْجِعُ السَّلَامُ مَا وَجَدْنَاهَا فِي الرِّوَايَاتِ اهـ.
قَالَ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ: وَأَمَّا مَا يُزَادُ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَمِنْكَ السَّلَامُ مِنْ نَحْوِ وَإِلَيْكَ يَرْجِعُ السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ وَأَدْخِلْنَا دَارَكَ دَارَ السَّلَامِ - فَلَا أَصْلَ لَهُ بَلْ مُخْتَلَقُ بَعْضِ الْقُصَّاصِ، (" تَبَارَكْتَ ")، أَيْ: تَعَالَيْتَ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، أَوْ تَعَالَتْ صِفَاتُكَ عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، (" يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ")، أَيْ: يَا مُسْتَحَقَّ الْجَلَالِ وَهُوَ الْعَظَمَةُ، وَقِيلَ: الْجَلَالُ التَّنَزُّهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ، وَقِيلَ: الْجَلَالُ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا لِلَّهِ، وَالْإِكْرَامُ: الْإِحْسَانُ، وَقِيلَ: الْمُكْرِمُ لِأَوْلِيَائِهِ بِالْإِنْعَامِ عَلَيْهِمْ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
961 -
وَعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا، وَقَالَ: " اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» "، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
961 -
(وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا انْصَرَفَ)، أَيْ: فَرَغَ (مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا)، أَيْ: قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كَمَا فِي الْحِصْنِ، وَلَعَلَّ اسْتِغْفَارَهُ لِرُؤْيَةِ تَقْصِيرِهِ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ ; فَإِنَّ حَسَنَاتِ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ، وَلِذَا قَالَتْ رَابِعَةُ: اسْتِغْفَارُنَا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِغْفَارٍ كَثِيرٍ، (وَقَالَ)، أَيْ: بَعْدَ الِاسْتِغْفَارِ (" اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ ") : فَطَاعَتُنَا لَا تَسْلَمُ مِنَ الْعُيُوبِ (" وَمِنْكَ السَّلَامُ ") : بِأَنْ تَقْبَلَهَا وَتَجْعَلَهَا سَالِمَةً وَتَغْفِرَ تَقْصِيرَنَا الْمُعَدَّ مِنَ الذُّنُوبِ (" تَبَارَكْتَ ")، أَيْ: تَعَالَيْتَ أَنْ تُعْبَدَ حَقَّ عِبَادَتِكَ، وَأَنْ تُطَاعَ حَقَّ طَاعَتِكَ، (" يَا ذَا الْجَلَالِ ")، أَيْ: صَاحِبَ الِانْتِقَامِ مِنَ الْفُجَّارِ (" وَالْإِكْرَامِ ")، أَيْ: صَاحِبَ الْإِنْعَامِ عَلَى الْأَبْرَارِ، (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
962 -
وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ:" لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» "، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
962 -
(وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ لِي دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ)، أَيْ: عَقِبَ كُلِّ فَرِيضَةٍ وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ: (" لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ ")، أَيْ: مُنْفَرِدًا فِي ذَاتِهِ (" لَا شَرِيكَ لَهُ ")، أَيْ: فِي أَفْعَالِهِ وَصِفَاتِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: تَأْكِيدٌ بَعْدَ تَأْكِيدٍ لِمَزِيدِ الِاعْتِنَاءِ، بِمَقَامِ التَّوْحِيدِ (" لَهُ الْمُلْكُ ")، أَيْ: لَا لِغَيْرِهِ (" وَلَهُ الْحَمْدُ ") : فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ، (" وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ") : بَالِغٌ فِي الْقُدْرَةِ، كَامِلٌ فِي الْإِرَادَةِ، (" اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ ") : مِنَ التَّوْفِيقِ عَلَى الطَّاعَةِ (" وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ") : مِنَ الْعِصْمَةِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ (" وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ ") : بِالْفَتْحِ وَيُكْسَرُ، أَيْ: صَاحِبَ الْحَظِّ فِي الْعِبَادَةِ، أَوْ صَاحِبَ الْجَدِّ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، فَضْلًا عَنِ الْجَاهِ وَالْمَالِ، (" مِنْكَ ")، أَيْ: مِنْ عَذَابِكَ أَوْ عِنْدَكَ أَوْ بَدَلَ لُطْفِكَ (" الْجَدُّ ")، أَيْ: جَدُّهُ أَوْ جَدُّهُ، بَلْ لَا يَنْفَعُهُ إِلَّا فَضْلُكَ وَكَرَمُكَ، وَلَا يُنْجِيهِ مِنْكَ إِلَّا رَحْمَتُكَ، (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : قَالَ مِيرَكُ، نَقْلًا عَنِ التَّصْحِيحِ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَادَا فِيهِ:" يُحْيِي وَيُمِيتُ " بَعْدَ قَوْلِهِ: " وَلَهُ الْحَمْدُ "، وَزَادَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ بَعْدَ قَوْلِهِ:" لِمَا أَعْطَيْتَ: وَلَا رَادَّ لِمَا قَضَيْتَ "، أَيْ: لِمَا حَكَمْتَ وَأَمَرْتَ أَوْ كَتَبْتَ، وَقَدَّرْتَ، وَأَسْقَطَ:" وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ".
963 -
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ - رِضَى اللَّهِ عَنْهُ - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ يَقُولُ بِصَوْتِهِ الْأَعْلَى: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ، وَلَهُ الْفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
963 -
(وَعَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ يَقُولُ بِصَوْتِهِ الْأَعْلَى) : تَعْلِيمًا لِمَنْ حَضَرَ مَعَهُ مِنَ الْمَلَأِ (" لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ ") : فِي الْأُلُوهِيَّةِ (" لَا شَرِيكَ لَهُ ") : فِي الرُّبُوبِيَّةِ (" لَهُ الْمُلْكُ ") : ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (" وَلَهُ الْحَمْدُ ") : أَوَّلًا وَآخِرًا (" وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ") : مِنَ الْإِيجَادِ، وَالْإِعْدَامِ، وَالْإِنْعَامِ، وَالْإِيلَامِ، (" لَا حَوْلَ ")، أَيْ: لَا تَحَوُّلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، (" وَلَا قُوَّةَ ") : عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ (" إِلَّا بِاللَّهِ ")، أَيْ: بِعِصْمَتِهِ وَإِعَانَتِهِ (" لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ") : لِأَنَّ كُلَّ مَنْ فِي الْكَوْنِ قَدْ أَبْدَاهُ وَأَبْقَاهُ (" وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ ") : إِذْ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ سِوَاهُ (" لَهُ النِّعْمَةُ ") : أَيْ: جِنْسُهَا، قَالَ تَعَالَى:{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53] أَوَّلُهُ نِعْمَةُ التَّوْفِيقِ، (" وَلَهُ الْفَضْلُ ") : بِالْقَوْلِ أَوِ التَّفَضُّلِ عَلَى عِبَادِهِ، (" وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ ") : عَلَى ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَنِعَمِهِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ (" لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ") : رَدًّا عَلَى الْمُشْرِكِينَ (" مُخْلِصِينَ ") : رَدًّا عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَالْمُرَائِينَ (" لَهُ الدِّينَ ")، أَيِ: الطَّاعَةَ (وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)، أَيْ: وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ جَمِيعُهُمْ، حَالَ كَوْنِنَا مُخْلِصِينَ دِينَ اللَّهِ، وَكَوْنِنَا عَابِدِينَ وَمُوَحِّدِينَ اللَّهَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ مُخْلِصِينَ حَالٌ عَامِلُهُ مَحْذُوفٌ، وَهُوَ الدَّالُّ عَلَى مَفْعُولِ كَرِهَ؛ أَيْ: نَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حَالَ كَوْنِنَا مُخْلِصِينَ، وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ قَوْلَنَا (الدِّينَ) : مَفْعُولٌ بِهِ لِمُخْلِصِينَ، وَلَهُ: ظَرْفٌ قُدِّمَ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ " قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِيهِ تَكَلُّفٌ وَالْأَوْلَى جَعْلُهُ حَالًا مِنْ فَاعِلِ نَعْبُدُ الْمَذْكُورِ اهـ، وَفِيهِ بُعْدٌ، (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
964 -
وَعَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، وَيَقُولُ:«إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَعَوَّذُ بِهِنَّ دُبُرَ الصَّلَاةِ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجِنِّ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَعَذَابِ الْقَبْرِ» "، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
964 -
(وَعَنْ سَعْدٍ)، أَيِ: ابْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، (أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ بَنِيهِ)، أَيْ: أَوْلَادَهُ، وَفِيهِ تَغْلِيبٌ (هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ)، أَيِ: الْآتِيَةَ (وَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَعَوَّذُ بِهِنَّ دُبُرَ الصَّلَاةِ) : تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ أَوْ تَذَلُّلًا، لِلرَّبِّ لِلزِّيَادَةِ فِي الْقُرْبِ، (" اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ ") : بِضَمٍّ وَبِضَمَّتَيْنِ، أَيِ: الْبُخْلُ فِي النَّفْسِ، وَعَدَمُ الْجَرَاءَةِ عَلَى الطَّاعَةِ، (" وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ ") : بِضَمِّ الْبَاءِ، وَسُكُونِ الْخَاءِ، وَبِفَتْحِهِمَا، أَيْ: مِنْ عَدَمِ النَّفْعِ إِلَى الْغَيْرِ بِالْمَالِ أَوِ الْعِلْمِ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَلَوْ بِالنَّصِيحَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الْجُودُ إِمَّا بِالنَّفْسِ، وَهُوَ الشَّجَاعَةُ وَيُقَابِلُهُ الْجُبْنُ، وَإِمَّا بِالْمَالِ وَهُوَ السَّخَاوَةُ وَيُقَابِلُهُ الْبُخْلُ، وَلَا تَجْتَمِعُ الشَّجَاعَةُ وَالسَّخَاوَةُ إِلَّا فِي نَفْسٍ كَامِلَةٍ، وَلَا يَنْعَدِمَانِ إِلَّا مِنْ مُتَنَاهٍ فِي النَّقْصِ، (" وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَرْذَلِ الْعُمُرِ ") : بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِهَا لُغَتَانِ، وَأَرَادَ بِهِ الْهَرَمَ بِحَيْثُ يَنْقُصُ عَقْلُهُ وَتَضْعُفُ قُوَّتُهُ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْعُمُرِ التَّفَكُّرُ فِي آلَاءِ اللَّهِ وَنَعْمَائِهِ، وَالْقِيَامُ بِمُوجِبِ شُكْرِهِ، وَهُوَ يَفُوتُ فِي أَرْذَلِ الْعُمُرِ، (" وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا ") : بِأَنْ تَتَزَيَّنَ لِلسَّالِكِ وَتَغُرَّهُ وَتُنْسِيَهُ الْآخِرَةَ، وَيَأْخُذَ مِنْهَا زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ، (" وَعَذَابِ الْقَبْرِ ")، أَيْ: مِنْ مُوجِبَاتِ عَذَابِهِ، (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ.
965 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «إِنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: قَدْ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى، وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، فَقَالَ:" وَمَا ذَاكَ؟ " قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ ; فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" أَفَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ، إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ؟ ".
قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: " تُسَبِّحُونَ، وَتُكَبِّرُونَ، وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً "، قَالَ أَبُو صَالِحٍ: فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الْأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا، فَفَعَلُوا مِثْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ» "، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ قَوْلُ أَبِي صَالِحٍ إِلَى آخِرِهِ إِلَّا عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: "«تُسَبِّحُونَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ، وَتَحْمَدُونَ عَشْرًا، وَتُكَبِّرُونَ عَشْرًا» " بَدَلَ: " ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ".
ــ
965 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ) : مِنْ أَرْبَابِ الصِّفَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَفْظُ الْأَرْبَعِينَ: إِنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَيْ: مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ (أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: قَدْ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ) : بِضَمِّ الدَّالِ، جَمْعُ دَثْرٍ بِفَتْحِ الدَّالِّ، وَسُكُونِ الثَّاءِ: وَهُوَ الْمَالُ الْكَثِيرُ، (بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى)، أَيِ: الْعَالِيَةِ، وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لِلْمُصَاحَبَةِ أَيْ: ذَهَبَ أَهْلُ الْأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى، وَاسْتَصْحَبُوهَا مَعَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْعُقْبَى، وَلَمْ يَذْرُوَا لَنَا شَيْئًا فَمَا حَالُنَا؟ (وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ)، أَيْ: وَبِالْعَيْشِ الدَّائِمِ وَهُوَ الْجَنَّةُ، وَالْمُرَادُ بِهِ زِيَادَةُ النِّعْمَةِ فِي مُقَابَلَةِ زِيَادَةِ الطَّاعَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِالنَّعِيمِ الْعَاجِلِ فَإِنَّهُ عَلَى وَشْكِ الزَّوَالِ، (" قَالَ:" وَمَا ذَاكَ؟ ") ، أَيْ: مَا سَبَبُهُ (" قَالُوا: ") ، لِأَنَّهُمْ (" يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي ")، أَيْ: فَرْضًا وَنَفْلًا (وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ) : وَلَفْظُ " مَا " كَافَّةٌ تُصَحِّحُ دُخُولَ الْجَارِّ عَلَى الْفِعْلِ، وَتُفِيدُ تَشْبِيهَ الْجُمْلَةِ بِالْجُمْلَةِ كَقَوْلِكَ: يَكْتُبُ زَيْدٌ كَمَا يَكْتُبُ عَمْرٌو، أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{بِمَا رَحُبَتْ} [التوبة: 25]، أَيْ: صَلَاتُهُمْ مِثْلُ صَلَاتِنَا وَصَوْمُهُمْ مِثْلُ صَوْمِنَا، (وَيَتَصَدَّقُونَ) : وَفِي الْأَرْبَعِينَ: بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، أَيْ: بِزَوَائِدِهَا، وَيَتَرَجَّحُونَ عَلَيْنَا فِي الثَّوَابِ وَلَيْسَ لَنَا مَالٌ، (وَلَا نَتَصَدَّقُ) : وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَيُجَاهِدُونَ كَمَا نُجَاهِدُ، وَيَزِيدُونَ عَلَيْنَا بِأَنَّهُمْ يَتَصَدَّقُونَ وَنَحْنُ لَا نَتَصَدَّقُ مُوهِمٌ أَنَّ جُمْلَةَ: وَيُجَاهِدُونَ كَمَا نُجَاهِدُ لَفْظُ الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، (وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ) : لِأَنَّهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِالْمَالِ، وَلَا مَالَ لَنَا، فَلَهُمْ فَضْلٌ عَلَيْنَا بِزِيَادَةِ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" أَفَلَا أُعَلِّمُكُمْ ") : قُدِّمَتِ الْهَمْزَةُ لِلصَّدَارَةِ، وَالتَّقْدِيرُ: أَلَا أُسَلِّيكُمْ أَفَلَا أُعَلِّمُكُمْ، (" شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ ")، أَيْ: مِنْ مُتَقَدِّمِي الْإِسْلَامِ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، أَوْ تُدْرِكُونَ بِهِ كَمَالَ مَنْ سَبَقَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ، وَفِي الْمَصَابِيحِ بِلَفْظِ:" مَنْ قَبْلَكُمْ "، أَيْ: فِي الثَّوَابِ (" وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ ")، أَيْ: تَسْبِقُونَ بِهِ أَمْثَالَكُمُ الَّذِينَ لَا يَقُولُونَ هَذِهِ الْأَذْكَارَ، فَتَكُونُ الْبُعْدِيَّةُ بِحَسَبِ الرُّتْبَةِ، كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ يَعْنِي: يُقَيَّدُ الْكَلَامُ بِالْوَصْفِ الْمُقَدَّرِ، بِمَعُونَةِ السِّيَاقِ وَالسِّبَاقِ وَاللَّحَاقِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِدْرَاكُهُمْ مَنْ سَبَقَهُمْ، وَسَبْقُهُمْ مَنْ بَعْدَهُمْ يَكُونُ بِبَرَكَةِ وَجُودِهِ عليه السلام، وَكَوْنِهِمْ مِنْ قَرْنِهِ الَّذِي هُوَ خَيْرُ الْقُرُونِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْإِسْلَامِ عَنْكُمْ، أَوِ الْوُجُودِ عَنْ عَصْرِكُمْ، قَالَ مِيرَكُ: إِنْ قُلْتَ: لِمَ لَا يَحْصُلُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ ثَوَابُ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمُ اسْتِثْنَاءً مِنْهُ أَيْضًا، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَعَقِّبَ لِلْجُمَلِ عَائِدٌ إِلَى كُلِّهَا، فَقَوْلُهُ: إِلَّا مَنْ صَنَعَ أَيْ: إِلَّا الْغَنِيَّ الَّذِي يُسَبِّحُ، فَإِنَّكُمْ لَمْ تَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكُمْ أَوْ مِثْلُكُمْ، نَعَمْ إِذَا قُلْنَا الِاسْتِثْنَاءُ يَرْجِعُ إِلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى أَيْضًا يَلْزَمُ قَطْعًا كَوْنُ الْأَغْنِيَاءِ أَفْضَلَ، إِذْ مَعْنَاهُ إِنْ عَمِلْتُمْ بِهِ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ، فَإِنَّكُمْ لَا تُدْرِكُونَهُ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَالْأَغْنِيَاءُ إِذْ سَبَّحُوا يَتَرَجَّحُونَ فَيَبْقَى مَجَالُهُ مَا شَكَا الْفُقَرَاءُ مِنْهُ، وَهُوَ رُجْحَانُهُمْ مِنْ جِهَةِ التَّصَدُّقِ وَالْإِعْتَاقِ، وَسَائِرِ مَا يَحْصُلُ لَهُمْ بِسَبَبِ إِنْفَاقِ الْأَمْوَالِ، قُلْتُ: مَقْصُودُ الْفُقَرَاءِ تَحْصِيلُ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ لَهُمْ، لَا نَفْيُ زِيَادَتِهِمْ مُطْلَقًا، وَفِيهِ أَنَّ الْغَنِيَّ الشَّاكِرَ أَفْضَلُ مِنَ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ، كَذَا أَفَادَهُ الْعَلَّامَةُ الْكِرْمَانِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْبُخَارِيِّ، وَفِيهِ بَحْثٌ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ:" فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَقْصُودَ الْفُقَرَاءِ نَفْيُ رُجْحَانِ الْأَغْنِيَاءِ عَلَيْهِمْ مُطْلَقًا، وَعَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَحْمِلُوا الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِسُؤَالِهِمْ صُورَةُ تَأَمُّلٍ، (" وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ ")، أَيْ: مِنَ الْأَغْنِيَاءِ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِمْ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: مِنَ الْأَغْنِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ فِي زَمَنٍ مِنَ الْأَزْمِنَةِ، (" أَفْضَلَ مِنْكُمْ، إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ؟ ") .
قَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: مَا مَعْنَى الْأَفْضَلِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: " لَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ "، مَعَ قَوْلِهِ:" إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ " ; فَإِنَّ الْأَفْضَلِيَّةَ تَقْتَضِي الزِّيَادَةَ، وَالْمِثْلِيَّةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ؟ قُلْتُ: هُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ:
وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ إِلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ يَعْنِي: إِنْ قُدِّرَ أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ تَقْتَضِي الْأَفْضَلِيَّةَ، فَتَحْصُلُ الْأَفْضَلِيَّةُ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تَقْتَضِيهَا، فَإِذَنْ لَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ، هَذَا عَلَى مَذْهَبِ التَّمِيمِيِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى لَيْسَ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلَّا هَؤُلَاءِ، فَإِنَّهُمْ يُسَاوُونَكُمْ، وَأَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى بِأَحَدِ الْأَغْنِيَاءِ، أَيْ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ، (قَالُوا: بَلَى) ، أَيْ: عَلِّمْنَا ذَلِكَ (يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: " تُسَبِّحُونَ، وَتُكَبِّرُونَ، وَتَحْمَدُونَ ") : إِخْبَارٌ بِمَعْنَى الْأَوَامِرِ، أَوْ مِنْ قَبِيلِ:" تَسْمَعُ بِالْمُعِيدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ "، (" دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ")، أَيْ: مَكْتُوبَةٍ (" ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً ") : قَالَ الطِّيبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَجْمُوعُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَأَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَبْلُغُ هَذَا الْعَدَدَ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ الظَّاهِرُ مِنَ الْحَدِيثِ الْآخَرِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ أَنْ كُلَّ وَاحِدٍ عَشْرٌ اهـ، الْأَنْسَبُ التَّأْيِيدُ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ، إِحْدَى عَشْرَةَ، إِحْدَى عَشْرَةَ، فَذَلِكَ كُلُّهُ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ.
(قَالَ أَبُو صَالِحٍ)، أَيْ: رَاوِي أَبِي هُرَيْرَةَ (فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الْأَمْوَالِ) : بَدَلٌ، وَفَائِدَةُ الْبَدَلِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ ذَلِكَ غِبْطَةٌ لَا حَسَدٌ (بِمَا فَعَلْنَا) : ضَمَّنَ سَمِعَ مَعْنَى الْإِخْبَارِ، فَعُدِّيَ بِالْبَاءِ (فَفَعَلُوا مِثْلَهُ)، أَيْ: مِثْلَ مَا فَعَلْنَا وَإِطْلَاقُ الْفِعْلِ عَلَى الْقَوْلِ شَائِعٌ سَائِغٌ، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" ذَلِكَ ") ، أَيِ: الزَّائِدُ مِنَ الثَّوَابِ الَّذِي حَصَلَ لَهُمْ عَلَى الْجُودِ بِأَمْوَالِهِمْ مُنْضَمًّا إِلَى فِعْلِهِمْ مَا فَعَلَهُ الْفُقَرَاءُ، (" فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ") : قَالَ الطِّيبِيُّ: إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْغَنِيَّ الشَّاكِرَ أَفْضَلُ مِنَ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ، نَعَمْ لَا يَخْلُو الْغَنِيُّ مِنْ أَنْوَاعٍ مِنَ الْخَطَرِ، وَالْفَقِيرُ الصَّابِرُ آمَنُ اهـ.
قَالَ الْإِمَامُ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ فِي إِحْيَاءِ الْعُلُومِ: " وَاعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ قَدِ اخْتَلَفُوا، فَذَهَبَ الْجُنَيْدُ وَالْخَوَّاصُ وَالْأَكْثَرُونَ إِلَى فَضْلِ الْفَقْرِ، وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: الْغَنِيُّ الشَّاكِرُ الْقَائِمُ بِحَقِّهِ أَفْضَلُ مِنَ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ، وَيُقَالُ: إِنَّ الْجُنَيْدَ دَعَا عَلَى ابْنِ عَطَاءٍ لِمُخَالَفَتِهِ إِيَّاهُ فِي هَذَا، فَأَصَابَتْهُ مِحْنَةٌ "، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْفَقْرَ وَالْغِنَى إِذَا أُخِذَا مُطْلَقًا لَمْ يَسْتَرِبْ مَنْ قَرَأَ الْأَخْبَارَ وَالْآثَارَ فِي تَفْضِيلِ الْفَقْرِ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَفْصِيلٍ فَنَقُولُ: إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ الشَّكُّ فِي مَقَامَيْنِ، أَحَدِهِمَا: فَقِيرٌ صَابِرٌ لَيْسَ بِحَرِيصٍ عَلَى الطَّلَبِ، بَلْ هُوَ قَانِعٌ وَرَاضٍ بِالْإِضَافَةِ إِلَى غَنِيٍّ مُنْفِقٍ مَالَهُ فِي الْخَيْرَاتِ، لَيْسَ حَرِيصًا عَلَى إِمْسَاكِ الْمَالِ.
الثَّانِي: فَقِيرٌ حَرِيصٌ مَعَ غَنِيٍّ حَرِيصٍ ; إِذْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْفَقِيرَ الْقَانِعَ أَفْضَلُ مِنَ الْغَنِيِّ الْحَرِيصِ الْمُمْسِكِ، وَأَنَّ الْغَنِيَّ الْمُنْفِقَ مَالَهُ فِي الْخَيْرَاتِ أَفْضَلُ مِنَ الْفَقْرِ الْحَرِيصِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَرُبَّمَا يَظُنُّ أَنَّ الْغِنَى أَفْضَلُ مِنَ الْفَقْرِ، لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي ضَعْفِ الْحِرْصِ عَلَى الْمَالِ، وَالْغَنِيُّ مُتَقَرِّبٌ بِالصَّدَقَاتِ وَالْخَيْرَاتِ، وَالْفَقِيرُ عَاجِزٌ عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي ظَنَّهُ ابْنُ عَطَاءٍ فِيمَا نَحْسَبُهُ، فَأَمَّا الْغَنِيُّ الْمُتَمَتِّعُ بِالْمَالِ، وَإِنْ كَانَ فِي مُبَاحٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُفَضَّلَ عَلَى الْفَقِيرِ الْقَانِعِ، وَقَدْ يَشْهَدُ لَهُ مَا رُوِيَ
" فِي الْخَبَرِ: إِنَّ الْفُقَرَاءَ شَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَبْقَ الْأَغْنِيَاءِ بِالْخَيْرَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ، فَعَلَّمَهُمْ كَلِمَاتٍ فِي التَّسْبِيحِ، وَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَنَالُونَ بِهَا مَا فَوْقَ مَا نَالَهُ الْأَغْنِيَاءُ، فَعَلِمَ الْأَغْنِيَاءُ بِذَلِكَ، فَكَانُوا يَقُولُونَهُ فَعَادُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ عليه السلام: " ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ " قَالَ: " وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْخَبَرَ قَدْ وَرَدَ مُفَصَّلًا تَفْصِيلًا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ ثَوَابَ الْفَقِيرِ فِي التَّسْبِيحِ يَزِيدُ عَلَى ثَوَابِ الْغَنِيِّ، وَأَنَّ فَوْزَهُمْ بِذَلِكَ الثَّوَابِ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ.
فَقَدْ رَوَى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بَعَثَ الْفُقَرَاءُ [رَسُولًا] إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَسُولُ الْفُقَرَاءِ إِلَيْكَ، فَقَالَ:" «مَرْحَبًا بِكَ وَبِمَنْ جِئْتَ مِنْ عِنْدَهُمْ جِئْتَ مِنْ عِنْدِ قَوْمٍ أَحَبَّهُمُ اللَّهُ "، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ الْأَغْنِيَاءَ ذَهَبُوا بِالْجَنَّةِ، يَحُجُّونَ وَلَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَيَعْتَمِرُونَ وَلَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَإِذَا مَرِضُوا بَعَثُوا بِفَضْلِ أَمْوَالِهِمْ ذَخِيرَةً لَهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " بَلِّغْ عَنِ الْفُقَرَاءِ أَنَّ لِمَنْ صَبَرَ وَاحْتَسَبَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ خِصَالٍ لَيْسَتْ لِلْأَغْنِيَاءِ، أَمَّا خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يَنْظُرُ إِلَيْهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ، كَمَا يَنْظُرُ أَهْلُ الْأَرْضِ إِلَى نُجُومِ السَّمَاءِ لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا نَبِيٌّ فَقِيرٌ، أَوْ شَهِيدٌ فَقِيرٌ، أَوْ مُؤْمِنٌ فَقِيرٌ.
وَالثَّانِيَةُ: يَدْخُلُ الْفُقَرَاءُ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يَوْمٍ وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَالثَّالِثَةُ: إِذَا قَالَ الْغَنِيُّ: [سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ] ، وَقَالَ الْفَقِيرُ مِثْلَ ذَلِكَ لَمْ يَلْحَقِ الْغَنِيُّ بِالْفَقِيرِ، وَلَوْ أَنْفَقَ فِيهَا عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَكَذَلِكَ أَعْمَالُ الْبِرِّ كُلُّهَا "، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: رَضِينَا رَضِينَا، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: " ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ» "، أَيْ: مَزِيدُ ثَوَابِ الْفُقَرَاءِ عَلَى ذِكْرِهِمْ اهـ، كَلَامُهُ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ أُخَرُ، مِنْهَا: أَنَّ الْكَفَافَ أَفْضَلُ مِنْهُمَا، وَمِنْهَا: أَنَّ الْفَقِيرَ الشَّاكِرَ أَفْضَلُ مِنَ الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ، وَمِنْهَا: أَنَّ التَّسْلِيمَ وَالرِّضَا تَحْتَ الْقَضَاءِ بِحُكْمِ الْمُولَى فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى هُوَ الْأَفْضَلُ، وَلِذَا قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: الْغِنَى وَالْفَقْرُ مَطِيَّتَانِ لَا أُبَالِي أَيَّهُمَا أَرْكَبُ، وَقَالَ تَعَالَى:{إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [الإسراء: 30] نَعَمِ اخْتَارَ اللَّهُ الْفَقْرَ لِأَكْثَرِ أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ وَأَصْفِيَائِهِ، وَاخْتَارَ الْغِنَى لِأَكْثَرِ أَعْدَائِهِ، وَقَلِيلٍ مِنْ أَحِبَّائِهِ، فَاخْتَرْ مَا هُوَ الْمُخْتَارُ، أَوِ اخْتَرْ أَنْ لَا تَخْتَارَ، فَإِنَّ رَبَّكَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ، (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : قَالَ مِيرَكُ: فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: يَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ " مِنْ إِفْرَادِ مُسْلِمٍ.
(وَلَيْسَ قَوْلُ أَبِي صَالِحٍ إِلَى آخِرِهِ إِلَّا عِنْدَ مُسْلِمٍ) : قَالَ مِيرَكُ: الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ قَوْلِهِ: " «وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ» "، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَزَادَ مُسْلِمٌ: قَالَ أَبُو صَالِحٍ إِلَخْ، (وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ (" «تُسَبِّحُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا، وَتَحْمَدُونَ عَشْرًا، وَتُكَبِّرُونَ عَشْرًا " بَدَلَ: ثَلَاثًا» ") : نُصِبَ عَلَى الْحِكَايَةِ (" وَثَلَاثِينَ ") .
966 -
وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ - أَوْ فَاعِلُهُنَّ - دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ: ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَةً، وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَحْمِيدَةً، وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَةً» "، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
966 -
(وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مُعَقِّبَاتٌ ")، أَيْ: كَلِمَاتٌ يَأْتِي بَعْضُهَا عَقِبَ بَعْضٍ، وَقِيلَ: كَلِمَاتٌ يُعَقِّبْنَ الثَّوَابَ، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِهَا ; لِأَنَّهُنَّ يُعَقِّبْنَ الصَّلَاةَ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا عَادَتْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَقِيلَ: نَاسِخَاتٌ لِلذُّنُوبِ، وَقَدْ فُسِّرَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد: 41]، أَيْ: لَا نَاسِخَ لَهُ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْمُعَقِّبَاتُ اللَّوَاتِي يَقُمْنَ عِنْدَ أَعْجَازِ الْإِبِلِ، الْمُعْتَرِكَاتُ عَلَى الْحَوْضِ، فَإِذَا انْصَرَفَتْ نَاقَةٌ دَخَلَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَهِيَ النَّاظِرَاتُ لِلْعَقِبِ، فَكَذَلِكَ هَذِهِ التَّسْبِيحَاتُ كُلَّمَا مَرَّتْ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ نَابَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى اهـ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ، أَوْ قَوْلُهُ:(" لَا يَخِيبُ ")، أَيْ: لَا يَخْسَرُ (" قَائِلُهُنَّ ") : مِنَ الْجَنَّةِ أَوِ الْجَزَاءِ (" - أَوْ فَاعِلُهُنَّ - ") : شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَالْقَوْلُ فِعْلٌ مِنَ الْأَفْعَالِ (" دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ") : ظَرْفُ الْقَوْلِ (" مَكْتُوبَةٍ ")، أَيْ: مَفْرُوضَةٍ (" ثَلَاثٌ ") : خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: هُنَّ ثَلَاثٌ (" وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَةً ") : قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ: (" مُعَقِّبَاتٌ ") : إِمَّا صِفَةُ مُبْتَدَأٍ أُقِيمَتْ، أَيْ: فِي الِابْتِدَائِيَّةِ مَقَامَ الْمَوْصُوفِ، أَيْ: كَلِمَاتٌ مُعَقِّبَاتٌ، وَ " لَا يَخِيبُ ": خَبَرُهُ، وَ " دُبُرَ ": ظَرْفٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِقَائِلِهِنَّ، وَإِمَّا مُبْتَدَأٌ، وَ " لَا يَخِيبُ ": صِفَتُهُ، وَالدُّبُرُ: صِفَةٌ أُخْرَى، وَثَلَاثٌ وَ " ثَلَاثُونَ خَبَرٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: هُنَّ أَوْ هِيَ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الِاحْتِمَالَاتِ، (" وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَحْمِيدَةً، وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَدِ اسْتَدْرَكَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ، وَقَالَ: الصَّوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ; لِأَنَّ مَنْ رَفَعَهُ لَا يُقَاوِمُونَ مَنْ وَقَفَهُ فِي الْحِفْظِ اهـ.
قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَمَا قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَرْدُودٌ ; لِأَنَّ مُسْلِمًا رَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ كُلُّهَا مَرْفُوعَةٌ، وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مَنْ طُرُقٍ أُخْرَى مَرْفُوعَةٍ مِنْ جِهَةِ مَنْصُورٍ وَشُعْبَةَ، وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِمَا فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، وَبَيَّنَ الدَّارَقُطْنِيُّ ذَلِكَ، إِذَا رُوِيَ مَرْفُوعًا، وَمَوْقُوفًا يَحْكُمُ بِأَنَّهُ مَرْفُوعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ وَالْفُقَهَاءُ، وَالْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ مِنْهُمُ: الْبُخَارِيُّ وَالْآخَرُونَ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْوَاقِفُونَ أَكْثَرَ مِنَ الرَّافِعِينَ حُكِمَ بِالرَّفْعِ، وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ زِيَادَةُ ثِقَةٍ، فَوَجَبَ قَبُولُهَا وَلَا تُرَدُّ بِتَقْصِيرٍ أَوْ نِسْيَانٍ حَصَلَ مِنْ وَاقِفِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
967 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمَدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَتِلْكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ: تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
967 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ")، أَيْ: فَرِيضَةٍ (" ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللَّهَ ") : بِكَسْرِ الْمِيمِ الْمُخَفَّفَةِ (" ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ")، أَيْ: فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ، وَحَذْفُهُ فِي هَذَا وَمَا قَبْلَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنَ الْأَوَّلِ.
(" فَتِلْكَ ")، أَيِ: التَّسْبِيحَاتُ وَالتَّحْمِيدَاتُ وَالتَّكْبِيرَاتُ (" تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ ") : عِلْمُ الْجُمْلَةِ بَعْدَ التَّفْصِيلِ، وَيُسَمَّى فَذْلَكَةً لِيُحَاطَ بِهِ مِنْ جِهَتَيْنِ، فَيَتَأَكَّدَ الْعِلْمُ، إِذْ عِلْمَانِ خَيْرٌ مِنْ عِلْمٍ، فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى:{تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] وَلِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَقَالَ) : وَفِي الْحِصْنِ: ثُمَّ قَالَ أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَقِيلَ: ذَلِكَ الْقَائِلُ يَعْنِي ذِكْرَ (تَمَامَ الْمِائَةِ ") : بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَقِيلَ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (" وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ") : وَتَفْصِيلُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ
أَنَّ لَفْظَ: " تَمَامَ " إِمَّا مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ لِقَالَ، لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى جُمْلَةٌ، إِذْ مَا بَعْدَهُ عَطْفُ بَيَانٍ، أَوْ بَدَلٌ أَوْ خَبَرٌ مَحْذُوفٌ، فَصَحَّ كَوْنُهُ مَقُولَ الْقَوْلِ، وَالْمُرَادُ مِنْ " تَمَامَ الْمِائَةِ " مَا تُتِمُّ بِهِ الْمِائَةُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصْبُهُ بِالظَّرْفِيَّةِ، أَيْ: فِي وَقْتِ تَمَامِ الْمِائَةِ، أَيْ: عِنْدَ إِرَادَةِ تَمَامِهَا، وَالْعَامِلُ فِيهِ لَفْظُ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فَلَفْظَةُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَدَلٌ مِنْ سَبَّحَ، وَقَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ وَالْأَبْهَرِيُّ: فِيهِ ضَمِيرٌ يَعُودُ إِلَى مَنْ سَبَّحَ، أَوْ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَخْ، فَيَكُونُ تَمَامُ مَعَ خَبَرِهِ حَالًا مِنْ ضَمِيرٍ سَبَّحَ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: حَالَ كَوْنِ تَمَامِ مِائَةٍ عَلَيْهَا أَوْ عَلَيْهِ، فَلَفْظَةُ قَالَ عَلَى هَذَا تَكُونُ لِلرَّاوِي، وَضَمِيرُهُ عَائِدٌ إِلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَعَلَيْهِمَا الْجَزَاءُ، إِنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الشَّرْطِ إِذَا وَقَعَ تَمَامُ الْمِائَةِ التَّهْلِيلُ الْمَذْكُورُ، (" وَحْدَهُ ") : جَوَّزَ الْكُوفِيَّةُ كَوْنَ الْحَالِ مَعْرِفَةً، وَالْبَصْرِيَّةُ أَوَّلُوهَا بِالنَّكِرَةِ وَقَالُوا: مَعْنَاهُ مُنْفَرِدًا أَيْ بِالْأُلُوهِيَّةِ، (" لَا شَرِيكَ لَهُ ") : فِي الرُّبُوبِيَّةِ وَالْمَعْبُودِيَّةِ (" لَهُ الْمُلْكُ ") : جِنْسُ الْمُلْكِ، يُعْطَى مِنْهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَنْزِعُهُ مِمَّنْ يَشَاءُ (" وَلَهُ الْحَمْدُ ") : الْمَصْدَرِيَّةُ الشَّامِلَةُ بِمَعْنَى الْفَاعِلِيَّةِ وَالْمَفْعُولِيَّةِ فَهُوَ الْحَامِدُ وَهُوَ الْمَحْمُودُ، وَتَقْدِيمُ لَامِ الِاخْتِصَاصِ فِي الْمَقَامَيْنِ لِمُرِيدِ مُقَامِ الْخَوَاصِّ (" وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ") : مِنَ الْمُمْكِنَاتِ (" قَدِيرٌ ") : لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ فَمَا تَعَلَّقَتْ بِهِ إِرَادَتُهُ تَعَلَّقَتْ بِهِ قُدْرَتُهُ (" غُفِرَتْ خَطَايَاهُ ") : هَذَا جَزَاءُ الشَّرْطِ، وَهُوَ مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ، وَالْمُرَادُ بِالْخَطَايَا الذُّنُوبُ الصَّغَائِرُ، وَيُحْتَمَلُ الْكَبَائِرُ، (" وَإِنْ كَانَتْ ") : أَيْ فِي الْكَثْرَةِ أَوْ فِي الْعَظَمَةِ (مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ") : وَهُوَ مَا يَعْلُو عَلَى وَجْهِهِ عِنْدَ هَيَجَانِهِ وَتَمَوُّجِهِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَاعْلَمْ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ الثَّلَاثِ رِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةً ذُكِرَ بَعْضُهَا وَنَذْكُرُ بَاقِيهَا، فَنَقُولُ: وَرَدَ التَّسْبِيحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ، وَعَشَرَةً، وَثَلَاثًا، وَمَرَّةً وَاحِدَةً، وَسَبْعِينَ وَمِائَةً، وَوَرَدَ التَّحْمِيدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ، وَعَشَرَةً، وَمِائَةً وَوَرَدَ التَّهْلِيلُ عَشَرَةً، وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ، وَمِائَةً، قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ: وَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ، وَمَا زَادَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَجَمَعَ الْبَغَوِيُّ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ صُدُورَ ذَلِكَ فِي أَوْقَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ، أَوْ يَفْتَرِقُ بِافْتِرَاقِ الْأَحْوَالِ اهـ.
وَصَحَّ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَعْقِدُ التَّسْبِيحَ بِيَمِينِهِ، وَوَرَدَ: أَنَّهُ قَالَ " «وَاعْقِدُوهُ بِالْأَنَامِلِ فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ» " وَجَاءَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: «نِعْمَ الْمُذَكِّرُ الْمِسْبَحَةَ» ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ خَيْطٌ فِيهِ أَلْفُ عُقْدَةٍ فَلَا يَنَامُ حَتَّى يُسَبِّحَ بِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ يُسَبِّحُ بِالنَّوَى، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالرِّوَايَاتُ فِي التَّسْبِيحِ بِالنَّوَى وَالْحَصَى كَثِيرَةٌ عَنِ الصَّحَابَةِ، وَبَعْضِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، بَلْ رَآهَا عليه السلام، وَأَقَرَّ عَلَيْهَا، قِيلَ: وَعَقْدُ التَّسْبِيحِ بِالْأَنَامِلِ أَفْضَلُ مِنَ الْمِسْبَحَةِ، وَقِيلَ: إِنْ أَمِنَ الْغَلَطَ فَهُوَ أَوْلَى، وَإِلَّا فَهِيَ أَوْلَى.
الْفَصْلُ الثَّانِي
968 -
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ: «يَا رَسُولُ! أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، وَدُبُرُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ» "، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
968 -
(عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟)، أَيْ: أَوْفَقُ إِلَى السَّمَاعِ أَوْ أَقْرَبُ إِلَى الْإِجَابَةِ (قَالَ: " جَوْفُ اللَّيْلِ ") : رُوِيَ بِالرَّفْعِ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ مَرْفُوعًا، أَيْ: دُعَاءُ جَوْفِ اللَّيْلِ أَسْمَعُ، وَرُوِيَ بِنَصْبِ جَوْفٍ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، أَيْ: فِي جَوْفِهِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَيَجُوزُ جَرُّهُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى حَذْفَ الْمُضَافِ وَتَرْكَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ عَلَى إِعْرَابِهِ اهـ، وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي النُّسَخِ، وَلَمْ تَرِدْ بِهِ الرِّوَايَةُ، ثُمَّ قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ فِي السُّؤَالِ كَأَنَّهُ قِيلَ: أَيُّ السَّاعَاتِ أَسْمَعُ مِنْ بَابِ نَهَارَهُ صَائِمٌ، يَعْنِي أَسْمَعُ فِيهَا الدُّعَاءُ وَأَقْرَبُ إِلَى الْإِجَابَةِ، فَالرَّفْعُ حِينَئِذٍ فِي الْجَوَابِ بِتَقْدِيرِ هُوَ وَالنَّصْبُ بِتَقْدِيرِ الْإِعْرَابِ قَالَ: وَأَمَّا مَنْ يَرَى تَقْدِيرَ مُضَافٍ فِي الْجَوَابِ كُلِّهِ قِيلَ دُعَاءُ حَرْفِ اللَّيْلِ، (وَالْآخِرِ ") : صِفَةُ جَوْفٍ، فَيَتْبَعُهُ فِي الْإِعْرَابِ، قِيلَ: وَالْجَوْفُ الْآخِرُ مِنَ اللَّيْلِ هُوَ وَسْطُ النِّصْفِ الْآخِرِ مِنَ اللَّيْلِ بِسُكُونِ السِّينِ لَا بِالتَّحْرِيكِ.
(" وَدُبُرُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ ") : عَطْفٌ عَلَى (جَوْفُ) ، تَابِعٌ لَهُ فِي الْإِعْرَابِ الْأَكْثَرُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: السُّكُوتُ عَنِ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ رِضَاءً بِمَا سَبَقَ بِهِ الْقَضَاءُ، وَقِيلَ: يَدْعُو بِلِسَانِهِ وَيَرْضَى بِجَنَانِهِ، قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: الْأَوْقَاتُ مُخْتَلِفَةٌ، فَفِي بَعْضِ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ بِأَنْ يَجِدَ فِي قَلْبِهِ إِشَارَةً إِلَيْهِ وَهُوَ الْأَدَبُ، وَفِي بَعْضِ السُّكُوتِ أَفْضَلُ بِأَنْ يَجِدَ ذَلِكَ وَهُوَ الْأَدَبُ أَيْضًا، قَالَ: وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ مَا لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ نَصِيبٌ، أَوْ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فِيهِ حَقٌّ، فَالدُّعَاءُ أَوْلَى لِكَوْنِهِ عِبَادَةً وَإِنْ كَانَ لِنَفْسِ الدَّاعِي فِيهِ حَظٌّ، فَالسُّكُوتُ أَتَمُّ، (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : وَقَالَ: حَسَنٌ، نَقَلَهُ مِيرَكُ، فَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ - غَيْرُ صَحِيحٍ، إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ صَحِيحٌ لِغَيْرِهِ.
969 -
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقْرَأَ بِالْمُعَوِّذَاتِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ» ، رَوَاهُ احْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي:" الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ ".
ــ
969 -
(وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقْرَأَ بِالْمُعَوِّذَاتِ) : بِكَسْرِ الْوَاوِ وَتُفْتَحُ (فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ) : وَفِي الْحِصْنِ: " دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ "، قَالَ مِيرَكُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ:" أَنْ أَقْرَأَ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ "، قَالَ الطِّيبِيُّ:" فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ، وَالْبَيْهَقِيِّ: " بِالْمُعَوِّذَاتِ "، وَفِي رِوَايَةِ الْمَصَابِيحِ، " بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ "، فَعَلَى الْأَوَّلِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَقَلُّ الْجَمْعِ اثْنَيْنِ، وَإِمَّا أَنْ يَدْخُلَ فِي الْمُعَوِّذَتَيْنِ سُورَةُ الْإِخْلَاصِ وَالْكَافِرُونَ إِمَّا تَغْلِيبًا " يَعْنِي: لِأَنَّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ أَكْثَرُ " أَوْ ; لِأَنَّ فِي كِلْتَيْهِمَا " - يَعْنِي الْإِخْلَاصَ وَالْكَافِرُونَ " بَرَاءَةً مِنَ الشِّرْكِ، وَالْتِجَاءً إِلَى اللَّهِ تَعَالَى " يَعْنِي: فَفِيهِمَا مَعْنَى التَّعَوُّذِ أَيْضًا، (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، فِي الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ) : قَالَ مِيرَكُ: وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
970 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ: اللَّهَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ - أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَلَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ - أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً» "، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
970 -
(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَأَنْ أَقْعُدَ ")، أَيْ: لَقُعُودِي وَاللَّامُ لِلِابْتِدَاءِ، وَجَعَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ لِلْقَسَمِ، (" مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ ") : وَهُوَ يَعُمُّ الدُّعَاءَ وَالتِّلَاوَةَ وَمُذَاكَرَةَ الْعِلْمِ وَذِكْرَ الصَّالِحِينَ (" مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ ")، أَيِ: الصُّبْحِ (" حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، أَحَبُّ ")، أَيْ: أَفْضَلُ: (" إِلَيَّ ")، أَيْ: عِنْدِي (" مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ") : بِفَتْحِ الْوَاوِ وَاللَّامِ وَبِضَمِّ الْأَوَّلِ وَسُكُونٍ الثَّانِي، خَصَّصَ بَنِي إِسْمَاعِيلَ لِشَرَفِهِمْ وَإِنَافَتَهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْعَرَبِ، وَالْعَرَبُ أَفْضَلُ الْأُمَمِ، وَلِقُرْبِهِمْ مِنْهُ عليه السلام وَمَزِيدِ اهْتِمَامِهِ بِهِمْ، (" «وَلَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً» ") : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: إِطْلَاقُ الْأَرِقَّا وَالْعِتْقِ عَلَيْهِمْ عَلَى الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ، يَعْنِي فَلَا يَصْلُحُ كَوْنُهُ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ ضَرْبُ الرِّقِّ عَلَى الْعَرَبِ ; إِذْ لَوِ امْتَنَعَ رِقُّهُمْ لَمْ يَقُلْ عليه السلام إِنَّ هَذَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ عِتْقِهِمْ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ وَقَالَ: فِيهِ أَوْضَحُ دَلِيلٍ لِلشَّافِعِيِّ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاضِحٍ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ أَوْضَحَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَتَخْصِيصُ الْأَرْبَعَةِ لَا يُعْلَمُ إِلَّا مِنْهُ عليه السلام وَيَجِبُ عَلَيْنَا التَّسْلِيمُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِانْقِسَامِ الْعَمَلِ الْمَوْعُودِ عَلَيْهِ أَرْبَعَةً، وَقِيلَ فِي بَيَانِهِ، وَلَعَلَّ ذِكْرَ أَرْبَعَةٍ لِأَنَّ الْمُفَضَّلَ مَجْمُوعُ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: ذِكْرُ اللَّهِ، وَالْقُعُودُ لَهُ، وَالِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ، وَالِاسْتِمْرَارُ بِهِ إِلَى الطُّلُوعِ أَوِ الْغُرُوبِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الْأَرْبَعَةُ هِيَ الْقُعُودُ أَيْ لِذِكْرِ اللَّهِ، وَكَوْنِهِ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ، وَكَوْنِ ذَلِكَ مِنَ الْغَدْوَةِ أَوِ الْعَصْرِ وَاسْتِمْرَارُهُ إِلَى الطُّلُوعِ أَوِ الْغُرُوبِ اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُعُودِ مَعَهُمُ اسْتِمْرَارُهُ مَعَهُمْ فَلَا يُنَافِي قِيَامَهُ تَعْظِيمًا لِبَعْضِهِمْ حَيًّا أَوْ لِجِنَازَتِهِمْ مَيِّتًا، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي قَوْلِهِ: أَرْبَعَةٌ أَوَّلًا مَعْرِفَةٌ وَفِي الثَّانِي نَكِرَةٌ ; لِتُفِيدَ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ هُنَا غَيْرُ الْأَرْبَعَةِ ثَمَّةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَشْهَرَ أَنَّ إِعَادَةَ النَّكِرَةِ بِعَيْنِهَا تَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بِخِلَافِ الْمَعْرِفَةِ اهـ، وَهُوَ غَرِيبٌ مِنْهُ مَبْنًى وَمَعْنًى مَعَ أَنَّهُمَا جُمْلَتَانِ مُسْتَقِلَّتَانِ، (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
قَالَ مِيرَكُ: وَسَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ، وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى أَيْضًا، وَقَالَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ: " أَرْبَعَةٌ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ دِيَةُ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا، فَانْدَفَعَ تَرْدِيدُ ابْنِ حَجَرٍ لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ حَيْثُ قَالَ: وَلَمْ يَقُلْ هُنَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُرَادٌ، وَحُذِفَ مِنَ الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، وَالْفَرْقُ أَنَّ أَوَائِلَ النَّهَارِ أَحَقُّ بِأَنْ تُسْتَغْرَقَ بِالذِّكْرِ ; لِأَنَّ النَّشَاطَ فِيهَا أَكْثَرُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ صَحَّ فِيهِ أَنَّ إِحْيَاءَهُ بِالذِّكْرِ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَلَمْ يَرِدْ نَظِيرُ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدَ الْعَصْرِ اهـ، وَقَدْ يُقَالُ آخِرُ النَّهَارِ أَوْلَى بِأَنْ يُسْتَغْرَقَ بِالذِّكْرِ تَدَارُكًا لِمَا فَاتَهُ أَوْ وَقَعَ مِنْهُ تَقْصِيرٌ، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَخْصِيصِ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ نَفْيُ مَا عَدَاهُ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ.
971 -
وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ - كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ "، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ» " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
971 -
(وَعَنْهُ)، أَيْ: عَنْ أَنَسٍ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ» )، أَيِ: اسْتَمَرَّ فِي مَكَانِهِ وَمَسْجِدِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، فَلَا يُنَافِيهِ الْقِيَامُ لِطَوَافٍ أَوْ لِطَلَبِ عِلْمٍ أَوْ مَجْلِسِ وَعْظٍ فِي الْمَسْجِدِ، بَلْ وَكَذَا لَوْ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى الذِّكْرِ، ( «وَحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» ") : قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ أَنْ تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ قَدْرَ رُمْحٍ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ تُسَمَّى صَلَاةَ الْإِشْرَاقِ وَهِيَ أَوَّلُ الضُّحَى (" كَانَتْ ")، أَيِ: الْمَثُوبَةُ، وَأَبْعَدَ ابْنُ حَجَرٍ فَقَالَ: أَيْ هَذِهِ الْحَالَةُ الْمُرَكَّبَةُ مِنْ تِلْكَ الْأَوْصَافِ كُلِّهَا (" لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ " قَالَ) : أَيْ: أَنَسٌ ( «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ» ) : صِفَةٌ لِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ كَرَّرَهَا ثَلَاثًا لِلتَّأْكِيدِ، وَقِيلَ: أَعَادَ الْقَوْلَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ التَّأْكِيدَ بِالتَّمَامِ وَتَكْرَارِهِ مِنْ قَوْلِ أَنَسٍ، قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا التَّشْبِيهُ مِنْ بَابِ إِلْحَاقِ النَّاقِصِ بِالْكَامِلِ تَرْغِيبًا، أَوْ شَبَّهَ اسْتِيفَاءَ أَجْرِ الْمُصَلِّي تَامًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ بِاسْتِيفَاءِ أَجْرِ الْحَاجِّ تَامًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، وَأَمَّا وَصْفُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِالتَّمَامِ إِشَارَةٌ إِلَى الْمُبَالَغَةِ، (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، ذَكَرَهُ مِيرَكُ.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
972 -
ــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
972 -
(عَنِ الْأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: صَلَّى بِنَا إِمَامٌ لَنَا يُكْنَى) : بِالتَّخْفِيفِ وَيُشَدِّدُ (أَبَا رِمْثَةَ) : بِكَسْرِ الرَّاءِ (قَالَ)، أَيْ: أَبُو رِمْثَةَ (صَلَّيْتُ هَذِهِ الصَّلَاةَ) : الْإِشَارَةُ هُنَا لَيْسَتْ لِلْخَارِجِ ; لِأَنَّ عَيْنَ الْمُشَارِ إِلَيْهِ الْوَاقِعِ فِي الْخَارِجِ لَمْ يُصَلِّهِ مَعَهُ عليه السلام، وَإِنَّمَا الَّذِي صَلَّاهُ مَعَهُ نَظِيرُهُ، فَتَعَيَّنَتِ الْإِشَارَةُ لِلْحَقِيقَةِ الذِّهْنِيَّةِ الْمَوْجُودَةِ فِي ضِمْنِ هَذِهِ الْخَارِجِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَلِذَا قَالَ (أَوْ) : عَلَى الشَّكِّ (مِثْلَ هَذِهِ الصَّلَاةِ مَعَ النَّبِيِّ) : وَفِي نُسْخَةٍ: مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ) ، أَيْ: أَبُو رِمْثَةَ (وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَقُومَانِ فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ عَنْ يَمِينِهِ) : لِقَوْلِهِ عليه السلام: " «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ» "، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ذَكَرَ ذَلِكَ اسْتِطْرَادًا إِذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَرَضِ الْمَسُوقِ لَهُ الْقِصَّةُ، وَفِيهِ إِفَادَةُ الْحَثِّ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ تَحَرِّي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ تَحَرِّي يَمِينِ الْإِمَامِ ; لِأَنَّهُ أَفْضَلُ (وَكَانَ رَجُلٌ قَدْ شَهِدَ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى)، أَيْ: تَكْبِيرَةَ التَّحْرِيمَةِ فَإِنَّهَا الْأُولَى حَقِيقَةً أَوْ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ، فَإِنَّهَا تَكْبِيرَةُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى (مِنَ الصَّلَاةِ) : احْتِرَازٌ مِنَ التَّكْبِيرِ الْمُعْتَادِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، أَيْ: تَكْبِيرَةُ التَّحْرِيمَةِ، وَوَجْهُ ذِكْرِهَا مَزِيدُ بَيَانِ أَنَّ مُدْرِكَهَا إِنَّمَا قَامَ عَقِبَ صَلَاتِهِ لِصَلَاةِ السُّنَّةِ لَا لِكَوْنِهِ مَسْبُوقًا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَقُومُ لِإِكْمَالِهِ، ( «فَصَلَّى نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» )، أَيْ: صَلَاتَهُ (ثُمَّ سَلَّمَ)، أَيْ: مَائِلًا وَمُنْصَرِفًا (عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ) : وَلَيْسَ فِيهِ سَلَامٌ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ (حَتَّى رَأَيْنَا) : مُتَعَلِّقٌ بِالْمُقَدَّرِ الْمَذْكُورِ (بَيَاضَ خَدَّيْهِ)، أَيْ: مِنْ طَرَفَيْ وَجْهِهِ، أَيْ: خَدَّهُ الْأَيْمَنَ فِي الْأُولَى وَالْأَيْسَرَ فِي الثَّانِيَةِ (ثُمَّ انْفَتَلَ) : أَيِ انْصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (كَانْفِتَالِ أَبِي رِمْثَةَ)، أَيْ: كَانْفِتَالِي جَرَّدَ عَنْ نَفْسِهِ أَبَا رِمْثَةَ وَوَضَعَهُ مَوْضِعَ ضَمِيرِهِ مَزِيدًا لِلْبَيَانِ كَمَا بَيَّنَهُ الطِّيبِيُّ، وَلِذَا قَالَ الرَّاوِي، (- يَعْنِي)، أَيْ: يُرِيدُ أَبُو رِمْثَةَ بِقَوْلِهِ أَبِي رِمْثَةَ (نَفْسَهُ -)، أَيْ: ذَاتَهُ لَا غَيْرَهُ ( «فَقَامَ الرَّجُلُ الَّذِي أَدْرَكَ مَعَهُ التَّكْبِيرَةَ
الْأُولَى مِنَ الصَّلَاةِ يَشْفَعُ» ) : بِالتَّخْفِيفِ وَيُشَدَّدُ، أَيْ: يُرِيدُ يُصَلِّي شَفْعًا مِنَ الصَّلَاةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الشَّفْعُ ضَمَّ الشَّيْءِ إِلَى مِثْلِهِ يَعْنِي: قَامَ الرَّجُلُ يَشْفَعُ الصَّلَاةَ بِصَلَاةٍ أُخْرَى (فَوَثَبَ [إِلَيْهِ] عُمَرُ)، أَيْ: قَامَ بِسُرْعَةٍ (فَأَخَذَ بِمَنْكِبَيْهِ) : وَفِي رِوَايَةٍ: بِمَنْكِبِهِ عَلَى الْإِفْرَادِ (فَهَزَّهُ) : بِالتَّشْدِيدِ، أَيْ: حَرَّكَهُ بِعُنْفٍ (ثُمَّ قَالَ) : وَفِي نُسْخَةٍ فَقَالَ (اجْلِسْ، فَإِنَّهُ) : أَيِ الشَّأْنَ ( [لَمْ] يُهْلِكْ) : بِضَمِّ الْيَاءِ يَجُوزُ فَتْحُهَا (أَهْلَ الْكِتَابِ) : بِالنَّصْبِ، وَفِي نُسْخَةٍ: بِفَتْحِ الْيَاءِ وَرَفْعِ أَهْلِ (إِلَّا أَنَّهُ) : أَيِ الشَّأْنَ (لَمْ يَكُنْ بَيْنَ صَلَاتِهِمْ)، أَيْ:(بَيْنَ) ، صَلَوَاتِهِمْ، إِذْ بَيْنَ لَا تَدْخُلُ إِلَّا عَلَى مُتَعَدِّدٍ (فَصْلٌ)، أَيْ: فَرْقٌ بِالتَّسْلِيمِ أَوِ التَّحْوِيلِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ كَانُوا أُمِرُوا بِالْفَصْلِ فَلَمْ يَمْتَثِلُوا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِهِ فَاعْتَقَدُوا اتِّصَالَ الصَّلَوَاتِ، وَأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فَصَلَّوْا، أَوْ أَنَّهُمْ لَمْ يُؤَهِّلُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ عَقِبَ صَلَاتِهِمْ، فَأَدَّى بِهِمْ ذَلِكَ إِلَى قَسْوَةِ الْقَلْبِ الْمُودِيَةِ إِلَى الْإِعْرَاضِ عَنِ اللَّهِ وَأَوَامِرِهِ، قَالَ الطَّيْبِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِعَدَمِ الْفَصْلِ تَرْكُ الذِّكْرِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَالتَّقْدِيرُ لَنْ يُهْلِكَهُمْ شَيْءٌ إِلَّا عَدَمُ الْفَصْلِ، وَاسْتِعْمَالُ لَنْ فِي الْمَاضِي مَعْنًى دَلَالَةٌ عَلَى اسْتِمْرَارِ هَلَاكِهِمْ. الْجَوْهَرِيُّ: هَلَكَهُ يُهْلِكُهُ وَهَلَكَ بِنَفْسِهِ هَلَاكًا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِي الْقَامُوسِ: هَلَكَ كَضَرَبَ وَمَنَعَ وَعَلِمَ هُلْكًا بِالضَّمِّ، وَمَهْلَكَةً وَتَهْلُكَةً مُثَلَّثَيْ اللَّامِ: مَاتَ وَأَهْلَكَهُ وَاسْتَهْلَكَهُ وَهَلَكَهُ يُهْلِكُهُ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ. انْتَهَى، وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ لَازِمًا فِي الْحَدِيثِ، فَالتَّقْدِيرُ مَا هَلَكُوا إِلَّا لِعَدَمِ كَوْنِ الْفَصْلِ بَيْنَ صَلَاتِهِمْ يَعْنِي فَأَدَّى إِلَى الشُّبْهَةِ فِي مَعْرِفَةِ عَدَدِ رَكَعَاتِ صَلَاتِهِمْ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ مَا هَلَكَ أَهْلُ الْكِتَابِ بِشَيْءٍ فَعَلُوهُ عَقِبَ صَلَاتِهِمْ، فَإِنَّهُمْ هَلَكُوا بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ (غَيْرِهِ) ، هَذَا، فَتَعَيَّنَ رِعَايَةُ خُصُوصِ مَا قَدَّرْتَ خِلَافًا لِمَنْ قَدَّرَهُ عَامًّا بِسَائِرِ أَحْوَالِهِ. انْتَهَى، وَيُرِيدُ بِهِ الِاعْتِرَاضَ عَلَى الطِّيبِيِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْهَلَاكَ مُخْتَصٌّ بِمُصِلِّيهِمْ بِخِلَافِ سَائِرِ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ، أَوِ الْحَصْرُ ادِّعَائِيٌّ لِلْمُبَالَغَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
( «فَرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَصَرَهُ» ) : أَيْ إِلَيْهِمَا ( «فَقَالَ: " أَصَابَ اللَّهُ بِكَ يَا بْنَ الْخَطَّابِ» ") : قِيلَ: الْبَاءُ زَائِدَةٌ، وَقِيلَ: الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: أَصَابَ اللَّهُ بِكَ الرُّشْدَ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: مِنْ بَابِ الْقَلْبِ، أَيْ: أَصَبْتَ الرُّشْدَ فِيمَا فَعَلْتَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ، وَجَائِزٌ أَنْ يُرْوَى أَصَابَ اللَّهُ رَأْيَكَ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الرِّوَايَةُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَجَامِعِ الْأُصُولِ، وَنَظِيرُهُ عَرَضْتُ النَّاقَةَ عَلَى الْحَوْضِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْهَمْزَةُ لِلتَّعْدِيَةِ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، وَالتَّقْدِيرُ أَصَابَكَ اللَّهُ الْحَقَّ، أَيْ: جَعَلَكَ مُصِيبًا لَهُ فِي سَائِرِ أَقْوَالِكَ وَأَفْعَالِكَ، (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
973 -
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: «أُمِرْنَا أَنْ نُسَبِّحَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَنَحْمَدَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَنُكَبِّرَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، فَأُتِيَ رَجُلٌ فِي الْمَنَامِ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقِيلَ لَهُ: أَمَرَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُسَبِّحُوا فِي كُلِّ صَلَاةٍ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ الْأَنْصَارِيُّ فِي مَنَامِهِ: نَعَمْ، قَالَ: فَاجْعَلُوهَا خَمْسًا وَعِشْرِينَ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ، وَاجْعَلُوا فِيهَا التَّهْلِيلَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ فَافْعَلُوا» " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ.
ــ
973 -
(وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: أُمِرْنَا)، أَيْ: أَمْرَ نَدْبٍ ( «أَنْ نُسَبِّحَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ» )، أَيْ: فَرِيضَةٍ، وَالدُّبُرُ بِضَمِّ الدَّالِّ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَقِيلَ بِفَتْحِهَا أَيْ آخِرِ أَوْقَاتِهَا.
(ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَنَحْمَدَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ)، أَيْ: فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ (وَنُكَبِّرَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ)، أَيْ: تَكْمِلَةً لِلْمِائَةِ (فَأُتِيَ رَجُلٌ فِي الْمَنَامِ مِنَ الْأَنْصَارِ)، أَيْ: أَتَاهُ مَلَكُ الرُّؤْيَا أَوْ غَيْرُهُ قَالَ الطِّيبِيُّ: لَعَلَّ هَذَا الْآتِيَ مِنْ قَبِيلِ الْإِلْهَامِ بِنَحْوِ مَا كَانَ يَأْتِي لِتَعْلِيمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ، وَلِذَلِكَ قَرَّرَهُ بِقَوْلِهِ أَيِ الْآتِي (فَافْعَلُوهُ) ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ أَجْمَعُ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى التَّهْلِيلِ أَيْضًا، وَالْعَدَدِ (الْعَدَدِ) . انْتَهَى، وَالْإِلْهَامُ يُغَايِرُ الْمَنَامَ كَمَا لَا يَخْفَى، (فَقِيلَ لَهُ) : أَيْ قَالَ الْآتِي فِي الْمَنَامِ لِلرَّجُلِ النَّائِمِ (أَمَرَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : بِتَقْدِيرِ الِاسْتِفْهَامِ (أَنْ تُسَبِّحُوا لِي دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ كَذَا وَكَذَا؟)، أَيْ: مِنَ
الْعَدَدِ (قَالَ الْأَنْصَارِيُّ فِي مَنَامِهِ، نَعَمْ قَالَ) : أَيِ الْآتِي: إِذَا كُنْتُمْ تَأْتُونَ بِمِائَةٍ وَلَا بُدَّ (فَاجْعَلُوهَا)، أَيِ: الْأَذْكَارَ الثَّلَاثَةَ (خَمْسًا وَعِشْرِينَ) : أَيْضًا لِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَذْكَارِ وَأَوْلَاهَا بِالِاعْتِبَارِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ (لِلتَّسَبُّبِ)، مُقَرِّرَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَمُغَيِّرَةٌ مِنْ وَجْهٍ أَيْ: إِذَا كَانَتِ التَّسْبِيحَاتُ هَذِهِ وَالْعَدَدُ مِائَةً فَقَرِّرُوا الْعَدَدَ وَأَدْخِلُوا فِيهَا التَّهْلِيلَ قَبْلَ الْعَمَلِ بِهَا، قُلْتُ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى الْقَبْلِيَّةِ، وَالْأَظْهَرُ مَعَ مُبَادَرَةِ امْتِثَالِهِمُ الْبُعْدِيَّةَ، نَعَمِ الْأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ التَّهْلِيلُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ مُرَاعَاةً لِلتَّرْتِيبِ الْمَشْهُورِ الْوَارِدِ فِي: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَيُؤَيِّدُهُ لَفْظَةُ " فِيهَا ".
(فَلَمَّا أَصْبَحَ)، أَيِ: الْأَنْصَارِيُّ (غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، أَيْ: ذَهَبَ إِلَيْهِ فِي الْغُدُوِّ، أَيْ: أَوَّلَ النَّهَارِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ (فَأَخْبَرَهُ) : مِمَّا رَآهُ فِي النَّوْمِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " فَافْعَلُوا ") : لَعَلَّ الْمُرَادَ فَاعْمَلُوا بِهِ أَيْضًا، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إِنْ رَأَيْتُمْ ذَلِكَ وَلَا بُدَّ فَافْعَلُوا، وَمَرَّ أَنَّ ذَلِكَ - أَعْنِي الْخَمْسَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ كُلٍّ مِنَ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ - سُنَّةٌ، وَالْحُجَّةُ عَلَى ذَلِكَ هِيَ قَوْلُهُ عليه السلام:" فَافْعَلُوا "، لَا مُجَرَّدَ ذَلِكَ الْمَنَامِ، لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِخَوَاطِرِ مَنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ لَا فِي الْيَقَظَةِ وَلَا فِي النَّوْمِ، (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ) : قَالَ مِيرَكُ: وَاللَّفْظُ لَهُ (وَالدَّارِمِيُّ) : وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ.
974 -
وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَعْوَادِ هَذَا الْمِنْبَرِ يَقُولُ: " «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ دُخُولَ الْجَنَّةِ إِلَّا الْمَوْتُ، وَمَنْ قَرَأَهَا حِينَ يَأْخُذُ مَضْجَعَهُ، آمَنَهُ اللَّهُ عَلَى دَارِهِ وَدَارِ جَارِهِ، وَأَهْلِ دُوَيْرَاتٍ حَوْلَهُ» "، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ "، وَقَالَ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
ــ
974 -
(وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : حَالَ كَوْنِهِ (عَلَى أَعْوَادِ هَذَا الْمِنْبَرِ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " كَانَ حِكْمَتُهُ بَعْدَ الدَّلَالَةِ بِهِ عَلَى مَزِيدِ الْبَيَانِ " وَالِاسْتِحْضَارُ لِتِلْكَ الْوَاقِعَةِ هُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى تَأَخُّرِ هَذَا الْأَمْرِ عَنْ وَضْعِ الْمِنْبَرِ الْخَشَبِ، فَإِنَّهُ عليه السلام كَانَ أَوَّلًا يَخْطُبُ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى عُمِلَ لَهُ مِنْبَرٌ مِنْ خَشَبِ الطُّرَفَاءِ لَمَّا كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ لِيَخْطُبَ عَلَيْهِ وَيُسْمِعَهُمْ كُلَّهُمْ، وَكَانَ عَمَلُهُ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ عِنْدَ جَمْعٍ، وَقِيلَ فِي السَّابِعَةِ (يَقُولُ:" مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ") ، أَيْ: مَكْتُوبَةٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْحِصْنِ (" لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ ")، أَيْ: مَانِعٌ (" إِلَّا الْمَوْتُ ")، أَيْ: عَلَى الشَّقَاوَةِ أَوْ إِلَّا عَدَمُ الْمَوْتِ، قَالَ الْفَاضِلُ الطِّيبِيُّ: أَيِ الْمَوْتُ حَاجِزٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا تَحَقَّقَ وَانْقَضَى حَصَلَ دُخُولُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عليه السلام " وَالْمَوْتُ قَبْلَ لِقَاءِ اللَّهِ " وَقَالَ الْمُحَقِّقُ الصَّمَدَانِيُّ الْمَوْلَى سَعْدُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ: مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ شَرَائِطِ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا الْمَوْتُ، فَكَأَنَّ الْمَوْتَ يَمْنَعُ وَيَقُولُ: لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِي أَوَّلًا لِيَدْخُلَ الْجَنَّةَ، أَقُولُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ (الْمَقْصُودُ) ، أَنَّهُ (لَا يَمْنَعُ مِنْ) دُخُولِ الْجَنَّةِ شَيْءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْبَتَّةَ، فَإِنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ مُوجِبًا لِدُخُولِهَا فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ:
"
وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ
".
الْبَيْتَ، وَهَذَا لَيْسَ بِعَيْبٍ فَلَا عَيْبَ فِيهِمْ أَصْلًا، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ تَأْكِيدِ الْمَدْحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ} [البروج: 8] أَيْ: مَا كَرِهُوا وَعَابُوا {إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ} [البروج: 8] وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ
إِلَّا أَنْ يَمُوتَ كَافِرًا، وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ، إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ سَائِرَ الْمَعَاصِي لَمْ يَمْنَعْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، (" وَمَنْ قَرَأَهَا حِينَ يَأْخُذُ مَضْجَعَهُ ")، أَيْ: مَكَانَهُ لِلنَّوْمِ (" آمَنَهُ اللَّهُ ")، أَيْ: جَعَلَهُ آمِنًا، أَيْ: أَمِنَ خَوْفُهُ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ (وَعَلَى دَارِهِ ")، أَيْ: عَلَى مَا فِي دَارِهِ (" وَدَارِ جَارِهِ ")، أَيْ: مَالًا وَنَفْسًا وَغَيْرَهَا (" وَأَهْلِ دُوَيْرَاتٍ ") : جَمْعُ دُوَيْرَةٍ تَصْغِيرُ دَارٍ (" حَوْلَهُ ") : بِالنَّصْبِ ظَرْفٌ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يُلَاصِقْ دَارَهُ فَأُرِيدَ بِالْجَارِ هُنَا حَقِيقَتُهُ وَهُوَ الْمُلَاصِقُ، وَإِنْ كَانَ عُرْفًا يَشْمَلُهُ وَغَيْرَهُ إِلَى أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: عَبَّرَ عَنْ عَدَمِ الْخَوْفِ بِالْأَمْنِ وَعَدَّاهُ بِعَلَى، أَيْ: لَمْ يُخَوِّفْهُ عَلَى أَهْلِ دَارِهِ (وَأَهْلِ دُوَيْرَاتِ جَارِهِ)، حَوْلَهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ مَكْرُوهٌ أَوْ سُوءٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: 11] الْكَشَّافِ: لِمَ تَخَافُنَا عَلَيْهِ، (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَقَالَ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ) .
اعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ مَعَ أَنَّ صَدْرَ الْحَدِيثِ ذَكَرَهُ فِي الْحِصْنِ، وَرَمَزَ لِلنَّسَائِيِّ، وَابْنِ حِبَّانَ، وَابْنِ السُّنِّيِّ، وَقَالَ مِيرَكُ: كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، وَقَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ بِأَسَانِيدَ أَحَدُهَا صَحِيحَةٌ، وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ:" وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " وَإِسْنَادُهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ جَيِّدٌ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَحَادِيثَ أُخَرَ فِي فَضْلِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ: كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ اهـ، وَتَعَدُّدُ الرِّوَايَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهَا أَصْلًا صَحِيحًا.
975 -
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" «مَنْ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ وَيَثْنِيَ رِجْلَيْهِ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالصُّبْحِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مَرَّاتٍ، كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ، وَحِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَلَمْ يَحِلَّ لِذَنْبٍ أَنْ يُدْرِكَهُ إِلَّا الشِّرْكُ وَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ النَّاسِ عَمَلًا، إِلَّا رَجُلًا يَفْضُلُهُ، يَقُولُ أَفْضَلَ مِمَّا قَالَ» "، رَوَاهُ أَحْمَدُ.
ــ
975 -
(وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ) : بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ النُّونِ (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ ")، أَيْ: مِنْ مَكَانِ صَلَاتِهِ (" وَيَثْنِيَ ") : بِفَتْحِ الْيَاءِ، أَيْ: وَقَبْلَ أَنْ يَثْنِيَ (" رِجْلَيْهِ ")، أَيْ: يَعْطِفَهُمَا وَيُغَيِّرَهُمَا عَنْ هَيْئَةِ التَّشَهُّدِ (وَمِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالصُّبْحِ ") : تَنَازَعَ فِيهِ الْفِعْلَانِ وَفِي رِوَايَةٍ: " مَنْ قَالَ دُبُرَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ ثَانٍ رِجْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ "، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: مَنْ قَالَ وَهُوَ ثَانٍ رِجْلَهُ أَيْ عَاطِفَهُ فِي التَّشَهُّدِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ، وَمَنْ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَثْنِيَ رِجْلَيْهِ هَذَا ضِدُّ الْأَوَّلِ فِي اللَّفْظِ، وَمِثْلُهُ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّهُ أَرَادَ قَبْلَ أَنْ يَصْرِفَ رِجْلَهُ عَنْ حَالَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا فِي التَّشَهُّدِ، وَيُوَافِقُهُ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيَثْنِي بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ (" «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ» )، أَيْ: فِي قُدْرَتِهِ أَوْ بِسَبَبِهَا كُلُّ خَيْرٍ وَمُلَائِمٍ لِلنَّفْسِ، وَكَذَا كُلُّ مَا يُضَادُّ ذَلِكَ وَحُذِفَ تَأَدُّبًا نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي: وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ (" يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مَرَّاتٍ، كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ ")، أَيْ: مِنَ الْمَرَّاتِ (" عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ ") : وَالْمَحْوُ أَبْلَغُ مِنَ الْغُفْرَانِ (" وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ ") : وَالتَّأْنِيثُ لِاكْتِسَابِ الْعَشْرِ مِنَ الْإِضَافَةِ (" وَكَانَتْ ")، أَيِ: الْكَلِمَاتُ (" لَهُ ") : كَذَا فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ (" حِرْزًا ")، أَيْ: حِفْظًا لَهُ (" مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ ") : مِنَ الْآفَاتِ (" وَحِرْزًا ")، أَيْ: تَعْوِيذًا (" مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ") : تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ لِكَمَالِ الِاعْتِنَاءِ بِهِ (" وَلَمْ يَحِلَّ ") : أَيْ لَمْ يَجُزْ، وَفِي رِوَايَةٍ، " لَمْ يَنْبَغِ "(" لِذَنْبٍ أَنْ يُدْرِكَهُ ")، أَيْ: يُهْلِكَهُ وَيُبْطِلَ عَمَلَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ (" إِلَّا الشِّرْكُ ")، أَيْ: إِنْ وَقَعَ مِنْهُ وَهُوَ بِالرَّفْعِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ فَإِنَّهُ فِي حِصْنِ التَّوْحِيدِ، وَقَدْ وَرَدَ " «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حِصْنِي، وَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي فَقَدْ أَمِنَ مِنْ عَذَابِي» ".
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ اسْتِعَارَةٌ مَا أَحْسَنَ مَوْقِعَهَا، فَإِنَّ الدَّاعِيَ إِذَا دَعَا بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، فَقَدْ أَدْخَلَ نَفْسَهُ حَرَمًا آمِنًا، فَلَا يَسْتَقِيمُ لِلذَّنْبِ أَنْ يَحِلَّ وَيَهْتِكَ حُرْمَةَ اللَّهِ، فَإِذَا خَرَجَ عَنْ حَرَمِ التَّوْحِيدِ أَدْرَكَهُ الشِّرْكُ لَا مَحَالَةَ، وَالْمَعْنَى: لَا يَنْبَغِي لِذَنْبٍ يُذْنَبُ أَنْ يُدْرِكَ