الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
5508 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ إِلَى الْأَرْضِ، فَيَتَزَوَّجُ، وَيُولَدُ لَهُ، وَيَمْكُثُ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يَمُوتُ، فَيُدْفَنُ مَعِي فِي قَبْرِي، فَأَقُومُ أَنَا وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ بَيْنَ أَبَى بَكْرٍ وَعُمَرَ» ". رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي (كِتَابِ الْوَفَاءِ) .
ــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
وَهَذَا الْبَابُ خَالٍ عَنِ الْفَصْلِ الثَّانِي
5508 -
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ إِلَى الْأَرْضِ، فَيَتَزَوَّجُ، وَيُولَدُ لَهُ، وَيَمْكُثُ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً» )، وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يُخَالِفُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّ عِيسَى رُفِعَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَعُمْرُهُ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ، وَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ نُزُولِهِ سَبْعَ سِنِينَ، فَيَكُونُ مَجْمُوعُ الْعَدَدِ أَرْبَعِينَ، لَكِنَّ حَدِيثَ مُكْثِهِ سَبْعًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَيَتَعَيَّنُ الْجَمْعُ بِمَا ذُكِرَ، أَوْ تَرْجِيحُ مَا فِي الصَّحِيحِ، وَلَعَلَّ عَدَدَ الْخَمْسِ سَاقِطٌ مِنَ الِاعْتِبَارِ لِإِلْغَاءِ الْكَسْرِ. (" ثُمَّ يَمُوتُ، فَيُدْفَنُ مَعَهُ ") أَيْ: مُصَاحِبًا لِي (" فِي قَبْرِي ") أَيْ: فِي مَقْبَرَتِي، وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالْقَبْرِ لِقُرْبِ قَبْرِهِ بِقَبْرِهِ، فَكَأَنَّهُمَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، (" فَأَقُومُ أَنَا وَعِيسَى فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ ") أَيْ: مِنْ مَقْبَرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَفِي الْقَامُوسِ: إِنَّ (فِي) تَأْتِي بِمَعْنَى (مِنْ) وَكَذَا فِي الْمُغْنِي، (" بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ") رضي الله عنهما، أَيْ: حَالَ كَوْنِنَا قَائِمَيْنِ وَاقِفَيْنِ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَأَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِمَا إِيمَاءً إِلَى تَيَمُّنِهِ بِالْإِيمَانِ، وَأَنَّ الْإِيمَانَ يَمَانٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِهِمَا لِيُسْرِ الْإِسْلَامِ وَعِزِّهِ بِهِ، وَهُوَ عُمَرُ، وَسَيَأْتِي فِي فَضَائِلِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ بِرِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ عَنْهُ قَالَ: مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ صِفَةُ مُحَمَّدٍ وَعِيسَى بْنُ مَرْيَمَ يُدْفَنُ مَعَهُ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَدْ بَقِيَ فِي الْبَيْتِ مَوْضِعُ قَبْرٍ أَقْوَالٌ. وَالظَّاهِرُ اللَّائِقُ بِمَقَامِ عِيسَى عليه الصلاة والسلام أَنْ يَكُونَ بَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَكِنْ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْجَزَرِيِّ أَنَّهُ يُدْفَنُ بَعْدَ عُمَرَ، وَلَعَلَّهُ نَظَرَ إِلَى تَأَخُّرِ الدَّفْنِ بِاعْتِبَارِ تَأَخُّرِ زَمَنِ الْمَوْتِ، أَوْ تَكْرِمَةً لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَتَعْظِيمًا لِلصَّحَابِيَّيْنِ الْكَرِيمَيْنِ أَنْ يَكُونَا بَيْنَ النَّبِيَّيْنِ الْعَظِيمَيْنِ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ. (رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ الْوَفَاءِ) .
[بَابُ قُرْبِ السَّاعَةِ وَأَنَّ مَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
5509 -
عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنهم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ ". قَالَ شُعْبَةُ: وَسَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ فِي قَصَصِهِ: كَفَضْلِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى» ، فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَهُ عَنْ أَنَسٍ أَوْ قَالَهُ قَتَادَةُ؟ . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
[6]
بَابُ قُرْبِ السَّاعَةِ
وَفَى نُسْخَةٍ: الْقِيَامَةِ، وَأَطْلَقَ السَّاعَةَ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا تَكُونُ بَغْتَةً وَفَجْأَةً، فَوُقُوعُهَا فِي أَدْنَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الزَّمَانِ، وَإِنْ كَانَتْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى انْتِهَائِهَا مَدِيدَةً، وَقِيلَ: أُطْلِقَتْ عَلَيْهَا لِطُولِهَا، كَمَا يُسَمَّى الزِّنْجِيُّ بِالْكَافُورِ تَسْمِيَةً بِالضِّدِّ. (وَأَنَّ مَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ) : عَطَفَ عَلَى قُرْبِ السَّاعَةِ لَا عَلَى السَّاعَةِ لِفَسَادِ الْمَعْنَى. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ رحمه الله: السَّاعَةُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ، وَيُعَبَّرُ بِهَا عَنِ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ عَلَى أَقْسَامٍ ثَلَاثَةٍ: الْكُبْرَى، وَهِيَ بَعْثُ النَّاسِ لِلْجَزَاءِ، وَالْقِيَامَةُ الْوُسْطَى: وَهِيَ انْقِرَاضُ الْقَرْنِ الْوَاحِدِ بِالْمَوْتِ، وَالْقِيَامَةُ الصُّغْرَى: وَهِيَ مَوْتُ الْإِنْسَانِ، الْمُرَادُ هُنَا هَذِهِ أَيِ الْأَخِيرَةُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ هِيَ الْكُبْرَى، سَوَاءً أُرِيدَ بِهَا النَّفْخَةُ الْأُولَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ» "، أَوِ الثَّانِيَةُ وَهِيَ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى الْمَعْرُوفَةُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: " «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ» " يَحْتَمِلُهُمَا، نَعَمْ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْآتِي يَدُلُّ عَلَى الْقِيَامَةِ الْوُسْطَى، وَأَمَّا فِي كِتَابِ اللَّهِ فَمَا أَظُنُّ أَنَّ السَّاعَةَ وَرَدَتْ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَلَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْقِيَامَةِ الصُّغْرَى إِلَّا مَا رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ:" «إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ» "، وَهُوَ الْمُعَنْوَنُ فِي الْبَابِ مَعَ عَدَمِ إِيرَادِ حَدِيثٍ يُلَائِمُهُ، وَهَذَا كَمَا تَرَى لَمْ يَرِدْ بِلَفْظِ السَّاعَةِ، وَأُرِيدَ بِهَا الْقِيَامَةُ الصُّغْرَى، بَلْ وَلَا وَرَدَ بِمَعْنَى الْقِيَامَةِ الْوُسْطَى إِلَّا بِالْإِضَافَةِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إِنَّ السَّاعَةَ مُنْقَسِمَةٌ إِلَى ثَلَاثَةٍ: كُبْرَى وَهِيَ الطَّامَّةُ الْجَامِعَةُ، وَوُسْطَى وَهِيَ النَّفْخَةُ لِلْإِمَاتَةِ الْعَامَّةِ، وَصُغْرَى وَهِيَ إِمَاتَةُ الْجَمَاعَةِ، وَالْقِيَامَةُ تُطْلَقُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَعَلَى مَنْ مَاتَ وَحْدَهُ أَيْضًا، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
5509 -
(عَنْ شُعْبَةَ) : أَحَدِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ (عَنْ قَتَادَةَ) : تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ (عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ ") : بِالرَّفْعِ فِي بَعْضٍ، وَفَى بَعْضِ النُّسَخِ بِالنَّصْبِ. قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: وَرُوِيَ بِنَصْبِ السَّاعَةِ وَرَفْعِهَا. قَالَ شَارِحٌ مِنْ عُلَمَائِنَا: السَّاعَةُ مَرْفُوعَةٌ رِوَايَةً، وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى " مَعَ "، (" كَهَاتَيْنِ ")، قَالَ الْقَاضِي رحمه الله: مَعْنَاهُ أَنَّ نِسْبَةَ تَقَدُّمِ بَعْثَتِهِ عَلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، كَنِسْبَةِ فَضْلِ إِحْدَى الْإِصْبُعَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى انْتَهَى، وَهُوَ الْمَعْنَى بِمَا قِيلَ: كَفَضْلِ الْوُسْطَى عَلَى السَّبَّابَةِ فِي السَّبْقِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شَدَّادٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: كَفَصْلِ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ ; لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ قَلِيلِ الِانْفِصَالِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي النِّهَايَةِ، وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ ارْتِبَاطَ دَعْوَتِهِ بِالسَّاعَةِ لَا تَفْتَرِقُ إِحْدَاهَا عَنِ الْأُخْرَى، كَمَا أَنَّ السَّابِقَةَ لَا تَفْتَرِقُ عَنِ الْوُسْطَى، وَلَمْ يُوجَدْ بَيْنَهُمَا مَا لَيْسَ مِنْهُمَا. وَقَالَ شَارِحٌ آخَرُ: يُرِيدُ أَنَّ دِينَهُ مُتَّصِلٌ بِقِيَامِ السَّاعَةِ لَا يَفْصِلُهُ عَنْهُ دِينٌ آخَرُ، وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا دَعْوَةٌ أُخْرَى، كَمَا لَا يَفْصِلُ شَيْءٌ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: وَيُؤَيِّدُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ الْحَدِيثُ الْآتِي لِلْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ. قُلْتُ: فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ فِي كُلِّ حَدِيثٍ رُوعِيَ مَعْنًى لَمْ يُرَاعَ فِي الْآخَرِ، إِذِ التَّأْسِيسُ أَوْلَى مِنَ التَّأْكِيدِ، عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُلَاحَظَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ، إِذْ لَا تَدَافُعَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فِي رَأْيِ الْعَيْنَيْنِ، نَعَمْ يُفْهَمُ مِنَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ إِغْرَاقٌ فِي التَّشْبِيهِ الْقُرْبِيِّ مَا لَا يُفْهَمُ مِنَ الثَّانِي ; وَلِذَا اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ، وَيُؤَيِّدُهُ مُوَافَقَتُهُ لِتَفْسِيرِ الرَّاوِي.
(قَالَ شُعْبَةُ: وَسَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ فِي قَصَصِهِ) : بِفَتْحِ الْقَافِ مَصْدَرُ قَصَّ يَقُصُّ، بِمَعْنَى يَعِظُ أَوْ يَحْكِي الْقِصَّةَ، أَوْ يُحَدِّثُ وَيَرْوِي، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: 3] ، وَفَى نُسْخَةٍ بِكَسْرِ الْقَافِ، وَهِيَ جَمْعُ قِصَّةٍ، وَالْمَعْنَى فِي قَصَصِ قَتَادَةَ أَيْ: تَحْدِيثُهُ أَوْ تَفْسِيرُ حَدِيثِهِ، (كَفَضْلِ إِحْدَاهُمَا) أَيْ: إِحْدَى الْإِصْبُعَيْنِ (عَلَى الْأُخْرَى)، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: قَوْلُهُ: كَفَضْلِ إِحْدَاهُمَا، بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: كَهَاتَيْنِ، مُوَضِّحٌ لَهُ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ، وَالرَّفْعُ عَلَى الْعَطْفِ، وَالْمَعْنَى: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ بَعْثًا مُتَفَاضِلًا مِثْلَ فَضْلِ إِحْدَاهُمَا، وَمَعْنَى النَّصْبِ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى هَذَا، يَعْنِي: لَا بُدَّ عَلَى قَصْدِ الْمَعِيَّةِ، لَكِنْ يُمْكِنُ ادِّعَاؤُهَا عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ، كَمَا عَبَّرَ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي بِقَوْلِهِ:" «بُعِثْتُ فِي نَفَسِ السَّاعَةِ» ": بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ فِي قُرْبِهَا. (فَلَا أَدْرِي أَذْكَرَهُ) أَيْ: قَتَادَةُ (عَنْ أَنَسٍ) أَيْ: مَرْفُوعًا أَوْ مَوْقُوفًا (أَوْ قَالَهُ قَتَادَةُ) ؟ أَيْ: مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَتِلْقَاءَ رَأْيِهِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ حَتَّى يَثْبُتَ الْآخَرُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ، وَكَذَا رَوَى أَحْمَدُ، وَالشَّيْخَانِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ.
5510 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرٍ: " تَسْأَلُونِي عَنِ السَّاعَةِ؟ وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَأُقْسِمُ بِاللَّهِ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ وَهِيَ حَيَّةٌ يَوْمَئِذٍ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
5510 -
(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرٍ: " تَسْأَلُونِّي ") : بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَتَخْفِيفِهِ عَلَى صِيغَةِ الْخِطَابِ لِلْأَصْحَابِ، وَهَمْزَةُ الْإِنْكَارِ مُقَدَّرَةٌ، أَيْ: أَتَسْأَلُونَ (" عَنِ السَّاعَةِ ") ؟ أَيِ: الْقِيَامَةِ وَهِيَ النَّفْخَةُ الْأُولَى أَوِ الثَّانِيَةُ (" وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ ") أَيْ: لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ.
قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: حَالٌ مُقَرِّرَةٌ لِجِهَةِ الْإِشْكَالِ، أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ سُؤَالَهُمْ، وَأَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ:(" وَأَقْسَمَ بِاللَّهِ ") : مُقَرِّرٌ لَهُ يَعْنِي: تَسْأَلُونِي عَنِ الْقِيَامَةِ الْكُبْرَى وَعِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَمَا أَعْلَمُهُ هُوَ
الْقِيَامَةُ الصُّغْرَى انْتَهَى. وَهُوَ يُؤَيِّدُ تَقْسِيمَنَا الْمُتَقَدِّمَ فِي السَّاعَةِ (" مَا عَلَى الْأَرْضِ ") : مَا: نَافِيَةٌ، وَمِنْ فِي قَوْلِهِ (" مِنْ نَفْسٍ ") : زَائِدَةٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَقَوْلُهُ:(مَنْفُوسَةٌ ") صِفَةُ نَفْسٍ، وَكَذَا مَا يَأْتِي، وَالْمَعْنَى: مَا مِنْ نَفْسٍ مَوْلُودَةٍ الْيَوْمَ (" يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ وَهِيَ حَيَّةٌ يَوْمَئِذٍ ")، يُقَالُ: نَفِسَتِ الْمَرْأَةُ غُلَامًا بِالْكَسْرِ، وَنُفِسَتْ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ إِذَا وَلَدَتْ نَفْسًا، فَهِيَ نَافِسٌ وَنُفَسَاءُ، وَالْوَلَدُ مَنْفُوسٌ. قَالَ الشَّاعِرُ:
كَمَا سَقَطَ الْمَنْفُوسُ بَيْنَ الْقَوَابِلِ
قَالَ الْأَشْرَفُ: مَعْنَاهُ مَا تَبْقَى نَفْسٌ مَوْلُودَةٌ الْيَوْمَ مِائَةَ سَنَةٍ، أَرَادَ بِهِ مَوْتَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ عَاشَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ انْتَهَى. وَمِنْهُمْ: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَسَلْمَانُ وَغَيْرُهُمَا. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَعْنَى لَا تَعِيشُ نَفْسٌ مِائَةَ سَنَةٍ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْآتِي ; فَلَا حَاجَةَ إِلَى اعْتِبَارِ الْغَالِبِ، فَلَعَلَّ الْمَوْلُودِينَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ انْقَرَضُوا قَبْلَ تَمَامِ الْمِائَةِ مِنْ زَمَانِ وُرُودِ الْحَدِيثِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى اسْتِدْلَالُ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى بُطْلَانِ دَعْوَى بَابَارْتِنْ الْهِنْدِيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنِ ادَّعَى الصُّحْبَةَ، وَزَعَمَ أَنَّهُ مِنَ الْمُعَمَّرِينَ إِلَى الْمِائَتَيْنِ وَالزِّيَادَةِ. بَقِيَ أَنَّ الْحَدِيثَ بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ حَيَاةِ الْخَضِرِ وَإِلْيَاسَ، وَقَدْ قَالَ الْبَغَوِيُّ رحمه الله فِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ: أَرْبَعَةٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْحَيَاةِ، اثْنَانِ فِي الْأَرْضِ: الْخَضِرُ وَإِلْيَاسُ، وَاثْنَانِ فِي السَّمَاءِ: عِيسَى وَإِدْرِيسُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَالْحَدِيثُ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِهِمْ، أَوِ الْمُرَادُ مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ مِنْ أُمَّتِي، وَالنَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام لَا يَكُونُ مِنْ أُمَّتِهِ نَبِيٌّ آخَرُ، وَقِيلَ: قَيْدُ الْأَرْضِ يُخْرِجُ الْخَضِرَ وَإِلْيَاسَ ; فَإِنَّهُمَا كَانَا عَلَى الْبَحْرِ حِينَئِذٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
5511 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «لَا يَأْتِي مِائَةُ سَنَةٍ وَعَلَى الْأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ الْيَوْمَ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
5511 -
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَا يَأْتِي مِائَةُ سَنَةٍ وَعَلَى الْأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ» ") : وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (" الْيَوْمَ ") : هُوَ ظَرْفُ مَنْفُوسَةٍ، ذَكَرَهُ الطِّيبِي رحمه الله. قَالَ ابْنُ الْمَلِكَ: إِشَارَةٌ إِلَى زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
5512 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأَعْرَابِ يَأْتُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَيَسْأَلُونَهُ عَنِ السَّاعَةِ، فَكَانَ يَنْظُرُ إِلَى أَصْغَرِهِمْ فَيَقُولُ: " إِنْ يَعِشْ هَذَا لَا يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْكُمْ سَاعَتُكُمْ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
5512 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأَعْرَابِ) أَيْ: أَهْلِ الْبَدْوِ (يَأْتُونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُونَهُ عَنِ السَّاعَةِ) ، الظَّاهِرُ أَنَّ سُؤَالَهُمْ عَنِ السَّاعَةِ الْكُبْرَى، فَالْجَوَابُ الْآتِي عَلَى أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ، (فَكَانَ يَنْظُرُ إِلَى أَصْغَرِهِمْ فَيَقُولُ:" إِنْ يَعِشْ هَذَا لَا يُدْرِكُهُ ") : بِالرَّفْعِ، وَقِيلَ لَا بِالْجَزْمِ أَيْ: لَا يَلْحَقُهُ (" الْهَرَمُ ") : بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ الْكِبَرُ (" حَتَّى تَقُومَ عَلَيْكُمْ سَاعَتُكُمْ ") أَيْ: قِيَامَتُكُمْ، وَهِيَ السَّاعَةُ الصُّغْرَى عِنْدِي، وَالْوُسْطَى عِنْدَ بَعْضِ الشُّرَّاحِ، وَالْمُرَادُ مَوْتُ جَمِيعِهِمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ، أَوْ أَكْثَرِهِمْ وَهُوَ الْغَالِبُ.
قَالَ الْقَاضِي رحمه الله: أَرَادَ بِالسَّاعَةِ انْقِرَاضَ الْقَرْنِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ عِدَادِهِمْ ; وَلِذَلِكَ أَضَافَ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ مَوْتَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
الْفَصْلُ الثَّانِي
5513 -
عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بُعِثْتُ فِي نَفَسِ السَّاعَةِ، فَسَبَقْتُهَا كَمَا سَبَقَتْ هَذِهِ هَذِهِ " وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
5513 -
(عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ) : يُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ غُلَامًا يَوْمَ قُبِضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، (عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:" بُعِثْتُ فِي نَفَسِ السَّاعَةِ ") : بِفَتْحِ النُّونِ وَالْفَاءِ لَا غَيْرُ، أَرَادَ بِهِ قُرْبَهَا أَيْ: حِينَ تَنَفَّسَتْ، وَتَنَفُّسُهَا ظُهُورُ أَشْرَاطِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} [التكوير: 18]، أَيْ: ظَهَرَ أَثَارُ طُلُوعِهِ، وَبِعْثَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَوَّلِ أَشْرَاطِهَا، هَذَا مَعْنَى كَلَامِ التُّورِبِشْتِيِّ رحمه الله وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ مِنْ كَمَالِ الِاتِّصَالِ وَعَدَمِ الِاعْتِبَارِ بِقَلِيلٍ مِنَ الِانْفِصَالِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ:(" فَسَبَقْتُهَا ") أَيِ: السَّاعَةَ فِي الْوُجُودِ (" كَمَا سَبَقَتْ هَذِهِ ") أَيِ: السَّبَّابَةُ (" هَذِهِ ") أَيِ: الْوُسْطَى، أَيْ: وُجُودًا أَوْ حِسَابًا بِاعْتِبَارِ الِابْتِدَاءِ مِنْ جَانِبِ الْإِبْهَامِ، وَعَدَلَ عَنِ الْإِبْهَامِ لِطُولِ الْفَصْلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسَبِّحَةِ، ثُمَّ بَيَّنَ الْإِشَارَتَيْنِ الرَّاوِي بِقَوْلِهِ:(وَأَشَارَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ) أَيِ: الْمُسَبِّحَةِ (وَالْوُسْطَى) : عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ)، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا:" مَثَلِي وَمَثَلُ السَّاعَةِ كَفَرَسَيْ رِهَانٍ، مَثَلِي وَمَثَلُ السَّاعَةِ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَعَثَهُ قَوْمُهُ طَلِيعَةً، فَلَمَّا خَشِيَ أَنْ يُسْبَقَ أَلَاحَ بِثَوْبِهِ أُتِيتُمْ أُتِيتُمْ أَنَا ذَاكَ أَنَا ذَاكَ ".
5514 -
وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تَعْجِزَ أُمَّتِي عِنْدَ رَبِّهَا أَنْ يُؤَخِّرَهُمْ نِصْفَ يَوْمٍ ". قِيلَ لِسَعْدٍ: وَكَمْ نِصْفُ يَوْمٍ؟ قَالَ: خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
5514 -
(وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تَعْجِزَ أُمَّتِي ") : بِكَسْرِ الْجِيمِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا، وَهُوَ مَفْعُولُ أَرْجُو، أَيْ: أَرْجُو عَدَمَ عَجْزِ أُمَّتِي (" عِنْدَ رَبِّهَا ") : مِنْ كَمَالِ قُرْبِهَا (" أَنْ يُؤَخِّرَهُمْ نِصْفَ يَوْمٍ ") : يَوْمٍ بَدَلٌ مِنْ أَنْ لَا تَعْجِزَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِهِ بِحَذْفِ عَنْ، كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الطِّيبِيُّ ثُمَّ قَالَ: وَعَدَمُ الْعَجْزِ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ التَّمَكُّنِ مِنَ الْقُرْبَةِ، وَالْمَكَانَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، مِثَالُ ذَلِكَ قَوْلُ الْمُقَرَّبِ عِنْدَ السُّلْطَانِ: إِنِّي لَا أَعْجِزُ أَنْ يُوَلِّيَنِي الْمَلِكُ كَذَا وَكَذَا، يَعْنِي بِهِ أَنَّ لِي عِنْدَهُ مَكَانَةً وَقُرْبَةً يَحْصُلُ بِهَا كُلُّ مَا أَرْجُوهُ عِنْدَهُ، فَالْمَعْنَى أَنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ لِأُمَّتِي عِنْدَ اللَّهِ مَكَانَةٌ وَمَنْزِلَةٌ يُمْهِلُهُمْ مِنْ زَمَانِي هَذَا إِلَى انْتِهَاءِ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ ; بِحَيْثُ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ. (قِيلَ لِسَعْدٍ: وَكَمْ نِصْفُ يَوْمٍ؟ قَالَ: خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ) : إِنَّمَا فَسَّرَ الرَّاوِي نِصْفَ الْيَوْمِ بِخَمْسِمِائَةٍ نَظَرًا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى:{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} [السجدة: 5] ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ بِنِصْفِ يَوْمٍ تَقْلِيلًا لِبُغْيَتِهِمْ، وَرَفْعًا لِمَنْزِلَتِهِمْ، أَيْ: لَا يُنَاقِشُهُمْ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ الْقَلِيلِ، بَلْ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ، وَقَدْ وَهِمَ بَعْضُهُمْ، وَنَزَّلَ الْحَدِيثَ عَلَى أَمْرِ الْقِيَامَةِ، وَحَمَلَ الْيَوْمَ عَلَى يَوْمِ الْمَحْشَرِ، فَهِمَ أَنَّهُ غُفْلٌ عَمَّا حَقَّقْنَاهُ وَنَبَّهْنَا عَلَيْهِ، فَهَلَّا انْتَبَهَ لِمَكَانِ الْحَدِيثِ، وَأَنَّهُ فِي أَيِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْكِتَابِ ; فَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي بَابِ قُرْبِ السَّاعَةِ، فَأَيْنَ هُوَ مِنْهُ؟ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رحمه الله وَلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ بِالْخَمْسِمِائَةِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْأَلْفِ السَّابِعِ فَإِنَّ الْيَوْمَ نَحْنُ فِي سَابِعِ سَنَةٍ مِنَ الْأَلْفِ الثَّامِنِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى عَنِ الْخَمْسِمِائَةِ ; فَيُوَافِقُ حَدِيثَ عُمَرَ: الدُّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ فَالْكَسْرُ الزَّائِدُ يُلْغَى، وَنِهَايَتُهُ إِلَى النِّصْفِ، وَأَمَّا مَا بَعْدَهُ فَيُعَدُّ أَلْفًا ثَامِنًا بِإِلْغَاءِ الْكَسْرِ النَّاقِصِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بَقَاءَ دِينِهِ وَنِظَامِ مِلَّتِهِ فِي الدُّنْيَا مُدَّةَ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، فَقَوْلُهُ: أَنْ يُؤَخِّرَهُمْ أَيْ عَنْ أَنْ يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ سَالِمِينَ عَنِ الْعُيُوبِ مِنِ ارْتِكَابِ الذُّنُوبِ وَالشَّدَائِدِ النَّاشِئَةِ مِنَ الْكُرُوبِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .