الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِالشَّامِ» ) ، (فَوْجًا) : وَهُمُ السَّابِقُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْكَامِلِينَ (رَاكِبِينَ طَاعِمِينَ كَاسِينَ)، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِهِمْ مُرْهَفِينَ لِاسْتِعْدَادِهِمْ مَا يُبَلِّغُهُمْ إِلَى الْقَصْدِ مِنَ الزَّادِ وَالرِّحْلَةِ (وَفَوْجًا) : وَهُمُ الْكُفَّارُ (تَسْحَبُهُمْ) : بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ تَجُرُّهُمُ (الْمَلَائِكَةُ عَلَى وُجُوهِهِمْ) : وَهُوَ إِمَّا عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَإِمَّا كِنَايَةٌ عَنْ كَمَالِ هَوَانِهِمْ وَذُلِّهِمْ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِدَلَالَةِ السِّبَاقِ وَاللَّحَاقِ، (وَتَحْشُرُ النَّارُ) : بِنَصْبِ النَّارِ فِي أَصْلِ السَّيِّدِ وَأَكْثَرِ النُّسَخِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِرَفْعِهَا، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ:(وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ) بِالضَّمِيرِ مَعَ نَصْبِ النَّارِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ: إِلَيْهَا وَمَعَ رَفْعِهَا عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: أَيْ تَحْشُرُ الْمَلَائِكَةُ لَهُمُ النَّارَ وَتُلْزِمُهُمْ إِيَّاهَا، حَتَّى لَا تُفَارِقَهُمْ أَيْنَ بَاتُوا وَأَيْنَ قَالُوا وَأَصْبَحُوا، وَيَصِحُّ أَنْ تُرْفَعَ النَّارُ أَيْ وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ، (وَفَوْجًا) : وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الْمُذْنِبُونَ (يَمْشُونَ وَيَسْعَوْنَ) أَيْ: وَيُسْرِعُونَ لَا أَنَّهُمْ يَمْشُونَ بِسَكِينَةٍ وَرَاحَةٍ (وَيُلْقِي اللَّهُ الْآفَةَ عَلَى الظَّهْرِ) أَيْ: عَلَى الْمَرْكُوبِ تَسْمِيَةً بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ، وَتَعْبِيرًا عَنِ الْكُلِّ بِالْجُزْءِ، (فَلَا يَبْقَى) أَيْ: ظَهْرٌ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّأْنِيثِ أَيْ دَابَّةٌ، وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ: فَلَا تُبْقِي الْآفَةُ دَابَّةً (حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَتَكُونُ لَهُ الْحَدِيقَةُ) أَيِ: الْبُسْتَانُ (يُعْطِيهَا بِذَاتِ الْقَتَبِ) أَيْ: بِعِوَضِهَا وَبَدَلِهَا، وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالتَّاءِ لِلْجَمَلِ كَالْإِكَافِ لِغَيْرِهِ (لَا يَقْدِرُ) أَيْ: أَحَدٌ (عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى ذَاتِ الْقَتَبِ ; لِعِزَّةِ وُجُودِهَا، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَشْرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ حَشْرَ الْقِيَامَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: فَبَقِيَ أَنْ يُقَالَ: لِمَ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ الْحَشْرِ، وَهَذَا مَحَلُّ ذِكْرِهِ بَابُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ قُلْنَا: تَأَسِّيًا بِمُحْيِي السُّنَّةِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ مُحْيِيَ السُّنَّةِ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْخَطَّابِيُّ ; حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا الْحَشْرُ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَى الشَّامِ إِحْيَاءً، فَأَمَّا الْحَشْرُ بَعْدَ الْبَعْثِ مِنَ الْقُبُورِ، فَعَلَى خِلَافِ هَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ رُكُوبِ الْإِبِلِ وَالْمُعَاقَبَةِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا هُوَ كَمَا أَخْبَرَ أَنَّهُمْ يُبْعَثُونَ حُفَاةً عُرَاةً، وَأَوْرَدَهُ فِي هَذَا الْبَابِ اهـ.
وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ فِي كَلَامِ التُّورِبِشْتِيِّ رحمه الله فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ رُكُوبَ بَعْضِ الْخَوَاصِّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ ثَابِتٌ فِي الْحَشْرِ بَعْدَ الْبَعْثِ أَيْضًا، وَأَنَّ حَدِيثَ:" يُبْعَثُونَ حُفَاةً عُرَاةً " بِنَاءً عَلَى أَكْثَرِ الْخَلْقِ، أَوْ نَظَرًا إِلَى ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ) .
وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ: أَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ: أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} [الإسراء: 97]، فَقَالَ: حَدَّثَنِي الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: " «إِنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَفْوَاجٍ: فَوْجٍ طَاعِمِينَ كَاسِينَ رَاكِبِينَ، وَفَوْجٍ يَمْشُونَ وَيَسْعَوْنَ، وَفَوْجٍ تَسْحَبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى وُجُوهِهِمْ» " اهـ. فَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ بِأَنَّ الْحَشْرَ حَشْرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ; لِتَصْرِيحِهِ فِي الْآيَةِ، وَالْحَدِيثُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيُؤَيِّدُ سَحْبَ الْمَلَائِكَةِ إِيَّاهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ، فَالْوَجْهُ الْوَجِيهُ مَا اخْتَارَهُ شَيْخُنَا التُّورِبِشْتِيُّ رحمه الله لَا مَا أَخْطَأَ الْخَطَّابِيُّ ; حَيْثُ لَمْ يُدْرِكْهُ هَذَا الْمَدْرَكَ، وَإِنَّمَا جَاءَ الْآفَةُ مِنْ قَوْلِ أَبِي ذَرٍّ فِي الْحَدِيثِ عَلَى رِوَايَةِ أَصْلِ الْكِتَابِ زِيَادَةً عَلَى مَا فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ، وَيُلْقِي اللَّهُ الْآفَةَ، وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنْ يُقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ آخَرُ أَدْرَجَهُ مَعَهُ، وَأَدْمَجَهُ فِيهِ بِأَدْنَى مُنَاسَبَةٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[بَابُ الْحِسَابِ وَالْقِصَاصِ وَالْمِيزَانِ]
[3]
بَابُ الْحِسَابِ وَالْقِصَاصِ وَالْمِيزَانِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
5549 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا هَلَكَ ". قُلْتُ: أَوَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] فَقَالَ: (إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْضُ، وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ فِي الْحِسَابِ يَهْلِكْ» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
[3]
بَابُ الْحِسَابِ وَالْقِصَاصِ وَالْمِيزَانِ
الْحِسَابُ: بِمَعْنَى الْمُحَاسَبَةِ، وَالْقِصَاصُ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ اسْمٌ مِنْ قَصَّهُ الْحَاكِمُ يَقُصُّهُ إِذَا مَكَّنَهُ مِنْ أَخْذِ الْقِصَاصِ، وَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَهُ، مِنْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ، أَوْ ضَرْبٍ أَوْ جَرْحٍ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
5549 -
(عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ يَقُولُ اللَّهُ) أَيْ: فِي حَقِّ أَهْلِ النَّجَاةِ {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] وَتَمَامُهُ: {وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق: 9]، (فَقَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْضُ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَجُوِّزَ الْفَتْحُ عَلَى خِطَابِ الْعَامِّ أَوْ تَعْظِيمًا لَهَا، وَالْمَعْنَى: إِنَّمَا ذَلِكَ الْحِسَابُ الْيَسِيرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَرْضُ عَمَلِهِ لَا الْحِسَابُ عَلَى وَجْهِ الْمُنَاقَشَةِ، ( «وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ فِي الْحِسَابِ يَهْلَكُ» ) : بِالرَّفْعِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْجَزْمِ أَيْ: يُعَذَّبُ، قَالَ صَاحِبُ الْفَائِقِ: يُقَالُ نَاقَشَهُ الْحِسَابَ إِذَا عَاسَرَهُ فِيهِ وَاسْتَقْصَى، فَلَمْ يَتْرُكْ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُنَاقَشَةِ الِاسْتِقْصَاءُ فِي الْمُحَاسَبَةِ وَالِاسْتِيفَاءُ بِالْمُطَالَبَةِ وَتَرْكُ الْمُسَامَحَةِ فِي الْجَلِيلِ، وَالْمُنَاقَشَةُ لِبَيَانِ ظُهُورِ الْعَدْلِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَابْنُ عَدِيٍّ، وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ يُحَاسِبُهُ اللَّهُ حِسَابًا يَسِيرًا وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ، تُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَتَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ» ". وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: " «مَنْ نُوقِشَ فِي الْحِسَابِ عُذِّبَ» ". رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَلَفْظُهُ:" «مَنْ نُوقِشَ الْمُحَاسَبَةَ هَلَكَ» ".
5550 -
وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ وَلَا حِجَابٌ يَحْجُبُهُ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ، فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
5550 -
(وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ) : بِكَسْرِ التَّاءِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ) : مِنْ مَزِيدَةٌ لِاسْتِغْرَاقِ النَّفْيِ، وَالْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ (إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ) أَيْ: بِلَا وَاسِطَةٍ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفْرَغٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ (لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ) أَيْ: بَيْنَ الرَّبِّ وَالْعَبْدِ (تَرْجُمَانٌ) : بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْجِيمِ، وَيَجُوزُ ضَمُّهُ إِتْبَاعًا عَلَى مَا فِي نُسْخَةٍ، وَكَزَعْفَرَانٍ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، أَيْ: مُفَسِّرٌ لِلْكَلَامِ بِلُغَةٍ عَنْ لُغَةٍ، يُقَالُ: تَرْجَمْتُ عَنْهُ، وَالْفِعْلُ يَدُلُّ عَلَى أَصَالَةِ التَّاءِ، وَفِي التَّهْذِيبِ التَّاءُ أَصْلِيَّةٌ وَلَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ وَالْكَلِمَةُ رُبَاعِيَّةٌ. (وَلَا حِجَابٌ) أَيْ: حَاجِزٌ وَسَاتِرٌ وَمَانِعٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ (يَحْجُبُهُ) أَيْ: يَحْجُبُ ذَلِكَ الْعَبْدَ مِنْ رَبِّهِ (أَيْمَنَ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ ذَلِكَ الْمَوْقِفِ، وَقَالَ شَارِحٌ: ضَمِيرُ مِنْهُ رَاجِعٌ إِلَى الْعَبْدِ. قُلْتُ: وَالْمَآلُ وَاحِدٌ، وَالْمَعْنَى: يَنْظُرُ فِي الْجَانِبِ الَّذِي عَلَى يَمِينِهِ، (فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ) أَيْ: عَمَلِهِ الصَّالِحِ مُصَوَّرًا، أَوْ جَزَاءَهُ مُقَدَّرًا، (وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ) أَيْ: فِي الْجَانِبِ الَّذِي فِي شِمَالِهِ (فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ) أَيْ: مِنْ عَمَلِهِ السَّيِّئِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّصْبَ فِي أَيْمَنَ وَأَشْأَمَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِهِمَا الْيَمِينُ وَالشِّمَالُ، فَقِيلَ: نَظَرَ الْيَمِينَ وَالشِّمَالَ هُنَا كَالْمَثَلِ ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ شَأْنِهِ إِذَا دَهَمَهُ أَمْرٌ أَنْ يَلْتَفِتَ يَمِينًا وَشِمَالًا لِطَلَبِ الْغَوْثِ. وَقَالَ الْحَافِظُ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الِالْتِفَاتِ أَنَّهُ يَتَرَجَّى أَنْ يَجِدَ طَرِيقًا يَذْهَبُ فِيهَا ; لِتَحْصُلَ لَهُ النَّجَاةُ مِنَ النَّارِ، فَلَا يَرَى إِلَّا مَا يُفْضِي بِهِ إِلَى النَّارِ. (وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ) أَيْ فِي مُحَاذَاتِهِ وَعَلَيْهَا الصِّرَاطُ (فَاتَّقُوا النَّارَ) أَيْ: إِذَا عَرَفْتُمْ ذَلِكَ فَاحْذَرُوا مِنْهَا وَلَا تَظْلِمُوا أَحَدًا (وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ) : أَوْ فَتَصَدَّقُوا وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، أَيْ: لَوْ بِمِقْدَارِ نِصْفِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا، وَالْمَعْنَى وَلَوْ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا ; فَإِنَّهُ حِجَابٌ وَحَاجِزٌ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ النَّارِ ; فَإِنَّ الصَّدَقَةَ جُنَّةٌ وَوَسِيلَةٌ إِلَى جَنَّةٍ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَفِي الْجَامِعِ:" «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» ". رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَأَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ، وَالْبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَالضِّيَاءُ عَنْ أَنَسٍ، وَالْبَزَّارُ أَيْضًا عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ عَنْ عَدِيٍّ مَرْفُوعًا:" «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» ".
5551 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ! حَتَّى قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ. قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ. وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18] » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
5551 -
(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ) : بِضَمِّ الْيَاءِ أَيْ: يُقَرِّبُهُ قُرْبَ كَرَامَةٍ لَا قُرْبَ مَسَافَةٍ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، وَالْمُؤْمِنُ فِي الْمَعْنَى كَالنَّكِرَةِ، إِذْ لَا عَهْدَ فِي الْخَارِجِ وَلَا بُعْدَ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ (فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ) : بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ يَحْفَظُهُ مُسْتَعَارٌ مِنْ كَنَفِ الطَّائِرِ وَهُوَ جَنَاحُهُ ; لِأَنَّهُ يَحُوطُ بِهِ نَفْسَهُ وَيَصُونُ بِهِ بَيْضَتَهُ، (وَيَسْتُرُهُ) أَيْ: عَنْ أَهْلِ الْمَوْقِفِ ; كَيْلَا يَفْتَضِحَ، وَقِيلَ: أَيْ يُظْهِرُ عِنَايَتَهُ عَلَيْهِ وَيَصُونُهُ عَنِ الْخِزْيِ بَيْنَ أَهْلِ الْمَوْقِفِ (كَمَا يَضَعُ أَحَدُكُمْ كَنَفَ ثَوْبِهِ) أَيْ: طَرَفَهُ (عَلَى رَجُلٍ) إِذَا أَرَادَ صِيَانَتَهُ وَقَصَدَ حَمِيَّتَهُ، وَهَذَا تَمْثِيلٌ. قِيلَ: هَذَا فِي عَبْدٍ لَمْ يَغْتَبْ وَلَمْ يَعِبْ وَلَمْ يَفْضَحْ أَحَدًا وَلَمْ يَشْمَتْ بِفَضِيحَةِ مُسْلِمٍ، بَلْ سَتَرَ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَلَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَهْتِكُ عِرْضَ أَحَدٍ عَلَى مَلَأٍ مِنَ النَّاسِ، فَسَتَرَهُ اللَّهُ وَجَعَلَهُ تَحْتَ كَنَفِ حِمَايَتِهِ جَزَاءً وِفَاقًا مِنْ جِنْسِ عَمَلِهِ. (فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا) ؟ فِي التَّكْرِيرِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّكْثِيرِ، وَإِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ عَالِمٌ بِمَا فِي الضَّمِيرِ، (فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّي! حَتَّى قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ) أَيْ: جَعَلَهُ مُقِرًّا بِهَا بِأَنْ أَظْهَرَهَا لَهُ وَأَلْجَأَهُ إِلَى الْإِقْرَارِ بِهَا، (وَرَأَى فِي نَفْسِهِ) أَيْ: ظَنَّ الْمُؤْمِنُ فِي بَاطِنِهِ (أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ) أَيْ: مَعَ الْهَالِكِينَ وَلَيْسَ لَهُ طَرِيقٌ مَعَ النَّاجِينَ، وَقَالَ شَارِحٌ، أَيْ: عَلِمَ اللَّهُ فِي ذَاتِهِ أَنَّهُ هَلَكَ أَيِ الْمُؤْمِنُ، وَيَجُوزُ كَوْنُ ضَمِيرِ رَأَى لِلْمُؤْمِنِ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ. (قَالَ) أَيِ: اللَّهُ تَعَالَى (سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ) أَيْ: بِيَمِينِهِ (وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيُنَادَى بِهِمْ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ} [هود: 18] ) أَيْ: بِإِثْبَاتِ الشَّرِيكِ وَنَحْوِهِ {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18] أَيِ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
5552 -
وَعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا، فَيَقُولُ هَذَا فِكَاكُكَ مِنَ النَّارِ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
5552 -
(وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ) : بِالرَّفْعِ أَيْ: وَحَصَلَ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ أَيْ إِذَا كَانَ الزَّمَانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (دَفَعَ اللَّهُ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) أَيْ: مَوْصُوفٍ بِالْإِسْلَامِ مُذَكَّرًا كَانَ أَوْ مُؤَنَّثًا (يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا) أَيْ: وَاحِدًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ، (فَيَقُولُ) أَيِ: اللَّهُ تَعَالَى (هَذَا) أَيِ: الْكِتَابِيُّ (فِكَاكُكَ) : بِفَتْحِ الْفَاءِ وَبِكَسْرٍ أَيْ خَلَاصُكَ (مِنَ النَّارِ) .
قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ رحمه الله: فِكَاكُ الرَّهْنِ مَا يُفَكُّ بِهِ وَيَخْلُصُ وَالْكَسْرُ لُغَةٌ فِيهِ. قَالَ الْقَاضِي رحمه الله: لَمَّا كَانَ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ مَقْعَدٌ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدٌ مِنَ النَّارِ، فَمَنْ آمَنَ حَقَّ الْإِيمَانِ بُدِّلَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ بِمَقْعَدٍ مِنَ الْجَنَّةِ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ فَبِالْعَكْسِ كَانَتِ الْكَفَرَةُ كَالْخَلَفِ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي مَقَاعِدِهِمْ مِنَ النَّارِ وَالنَّائِبِ مَنَابَهُمْ فِيهَا، وَأَيْضًا لَمَّا سَبَقَ الْقَسَمُ الْإِلَهِيُّ بِمَلْءِ جَهَنَّمَ كَانَ مَلْؤُهَا مِنَ الْكُفَّارِ خَلَاصًا لِلْمُؤْمِنِينَ وَنَجَاةً لَهُمْ مِنَ النَّارِ، فَهُمْ فِي ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ كَالْفِدَاءِ وَالْفِكَاكِ، وَلَعَلَّ تَخْصِيصَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِالذِّكْرِ ; لِاشْتِهَارِهِمَا بِمُضَادَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَمُقَابَلَتِهِمَا إِيَّاهُمْ فِي تَصْدِيقِ الرَّسُولِ الْمُقْتَضِي لِنَجَاتِهِمْ اهـ. وَقِيلَ: عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْفِكَاكِ تَارَةً وَبِالْفِدَاءِ أُخْرَى عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ وَالِاتِّسَاعِ ; إِذْ لَمْ يُرِدْ بِهِ تَعْذِيبَ الْكِتَابِيِّ بِذَنْبِ الْمُسْلِمِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . وَفِي الْجَامِعِ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي مُوسَى بِلَفْظِ: " «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَعْطَى اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ رَجُلٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا فِدَاؤُكَ مِنَ النَّارِ» ". وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْكُنَى عَنْ أَبِي مُوسَى وَلَفْظُهُ:" «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ مَلَكًا مَعَ كَافِرٍ فَيَقُولُ الْمَلَكُ لِلْمُؤْمِنِ: يَا مُؤْمِنُ هَاكَ هَذَا الْكَافِرَ، فَهَذَا فِدَاؤُكَ مِنَ النَّارِ» ".
5553 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يُجَاءُ بِنُوحٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ! فَتُسْأَلُ أُمَّتُهُ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيرٍ. فَيُقَالُ: مَنْ شُهُودُكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " فَيُجَاءُ بِكُمْ فَتَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ " ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] » . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
5553 -
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يُجَاءُ) أَيْ: يُؤْتَى (بِنُوحٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ) : وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُ تَعَالَى {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: 109] لِأَنَّ الْإِجَابَةَ غَيْرُ التَّبْلِيغِ، وَهِيَ تَحْتَاجُ إِلَى تَفْصِيلٍ لَا يُحِيطُ بِكُنْهِهِ إِلَّا عِلْمُهُ سُبْحَانَهُ، بِخِلَافِ نَفْسِ التَّبْلِيغِ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ الْبَدِيهِيَّةِ (فَتُسْأَلُ أُمَّتُهُ) أَيْ: أُمَّةُ الدَّعْوَةِ (هَلْ بَلَّغَكُمْ) ؟ أَيْ: نُوحٌ رِسَالَتَهُ (فَيَقُولُونَ: مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيرٍ) أَيْ: مُنْذِرٌ لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، مُبَالَغَةً فِي الْإِنْكَارِ، تَوَهُّمًا أَنَّهُ يَنْفَعُهُمُ الْكَذِبُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَنِ الْخَلَاصِ مِنَ النَّارِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْكُفَّارِ:{وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]، (فَقَالَ) أَيْ: لِنُوحٍ (مَنْ شُهُودُكَ) ؟ وَإِنَّمَا طُلِبَ مِنْ نُوحٍ شُهَدَاءُ عَلَى تَبْلِيغِهِ الرِّسَالَةَ أُمَّتَهُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ إِقَامَةً لِلْحُجَّةِ وَإِنَافَةً لِمَنْزِلَةِ أَكَابِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، (فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ) : وَالْمَعْنَى أَنَّ أُمَّتَهُ شُهَدَاءُ وَهُوَ مُزَكٍّ لَهُمْ، وَقُدِّمَ فِي الذِّكْرِ لِلتَّعْظِيمِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْهَدُ لِنُوحٍ عليه الصلاة والسلام أَيْضًا ; لِأَنَّهُ مَحَلُّ النُّصْرَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} [آل عمران: 81] إِلَى قَوْلِهِ: {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} [آل عمران: 81]، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَيُجَاءُ بِكُمْ) : وَفِيهِ تَنْبِيهٌ نَبِيهٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاضِرٌ نَاظِرٌ فِي ذَلِكَ الْعَرْضِ الْأَكْبَرِ، فَيُؤْتَى بِالرُّسُلِ وَأَوَّلُهُمْ نُوحٌ، وَيُؤْتَى بِشُهُودِهِ وَهُمْ هَذِهِ الْأُمَّةُ (فَتَشْهَدُونَ) أَيْ: أَنْتُمْ (أَنَّهُ) أَيْ: أَنَّ نُوحًا (قَدْ بَلَّغَ) أَيْ: قَوْمَهُ رِسَالَةَ رَبِّهِ، وَنَبِيُّكُمْ مُزَكٍّ لَكُمْ، أَوْ أَنْتُمْ وَنَبِيُّكُمْ مَعَكُمْ تَشْهَدُونَ، فَفِيهِ تَغْلِيبٌ، (ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) : اسْتِشْهَادًا بِالْآيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعُمُومِ فِي مَادَّةِ الْخُصُوصِ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] ، قِيلَ عُدُولًا وَخِيَارًا ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَغْلُوا غُلُوَّ النَّصَارَى، وَلَا قَصَّرُوا تَقْصِيرَ الْيَهُودِ فِي حَقِّ أَنْبِيَائِهِمْ بِالتَّكْذِيبِ وَالْقَتْلِ وَالصَّلْبِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام تَفْسِيرُ الْوَسَطِ بِالْعَدْلِ، فَفِي النِّهَايَةِ يُقَالُ: هُوَ مِنْ وَسَطِ قَوْمِهِ أَيْ خِيَارِهِمْ، {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] أَيْ: عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ، {وَيَكُونَ الرَّسُولُ} [البقرة: 143] أَيْ: رَسُولُكُمْ وَاللَّامُ لِلْعِوَضِ، أَوِ اللَّامُ لِلْعَهْدِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم {عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] أَيْ: مُطَّلِعًا وَرَقِيبًا عَلَيْكُمْ، وَنَاظِرًا لِأَفْعَالِكُمْ، وَمُزَكِّيًا لِأَقْوَالِكُمْ.
قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] مُقَدِّمًا صِلَةَ الشَّهَادَةِ لِيُفِيدَ اخْتِصَاصَهُمْ بِشَهَادَتِهِ عَلَيْهِمْ لِلُزُومِ الْمَضَرَّةِ؟ قُلْتُ: الْكَلَامُ وَارِدٌ فِي مَدْحِ الْأُمَّةِ، فَالْغَرَضُ هُنَا أَنَّهُ يُزَكِّيهِمْ، فَضُمِّنَ شَهِدَ بِمَعْنَى رَقِبَ ; لِأَنَّ الْعُدُولَ تَحْتَاجُ إِلَى رَقِيبٍ يَحْفَظُ أَحْوَالَهُمْ لِيَطَّلِعَ عَلَيْهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَيُزَكِّيَهُمْ، وَلَمَّا كَانُوا هُمُ الْعُدُولَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأُمَمِ خَصَّهُمُ اللَّهُ بِكَوْنِ الرَّسُولِ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا أَيْ رَقِيبًا مُزَكِّيًا، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ مَعَ أَنَّ مُزَكِّيَ الشَّاهِدِ أَيْضًا شَاهِدٌ. أَقُولُ: الْأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ هُوَ أَنَّ الْأُمَّةَ يَشْهَدُونَ عَلَى الْأُمَمِ السَّابِقَةِ، وَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم يَشْهَدُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ بِأَجْمَعِهِمْ يَشْهَدُونَ عَلَى الْكُلِّ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فِي قَوْلِهِ: لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ، بِأَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا بِمَا عَمِلْتُمْ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) ، وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.
وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَأَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «يَجِيءُ النَّبِيُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَهُ رَجُلٌ، وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّجُلَانِ، وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَيُدْعَى قَوْمُهُ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَكُمْ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: لَا، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ، فَيُقَالُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَيُدْعَى مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَ هَذَا قَوْمَهُ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُقَالُ: وَمَا عِلْمُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: جَاءَنَا نَبِيُّنَا فَأَخْبَرَنَا أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] » الْآيَةَ، وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "«أَنَا وَأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى كَوْمٍ مُشْرِفِينَ عَلَى الْخَلَائِقِ، مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ إِلَّا وَدَّ أَنَّهُ مِنَّا، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ كَذَّبَهُ قَوْمُهُ إِلَّا وَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنَّهُ بَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ» ".
5554 -
ــ
5554 -
(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَضَحِكَ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مِمَّا أَضْحَكُ) ؟ فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي الضَّحِكُ إِلَّا لِأَمْرٍ غَرِيبٍ وَحُكْمٍ عَجِيبٍ (قَالَ) أَيْ: جَابِرٌ (قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ، يَقُولُ: يَا رَبِّ! أَلَمْ تُجِرْنِي) : مِنَ الْإِجَارَةِ أَيْ أَلَمْ تَجْعَلْنِي فِي إِجَارَةٍ مِنْكَ بِقَوْلِكَ: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46](مِنَ الظُّلْمِ) ؟ وَالْمَعْنَى أَلَمْ تُؤَمِّنِّي مِنْ أَنْ تَظْلِمَ عَلَيَّ. (قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (يَقُولُ) أَيِ: اللَّهُ تَعَالَى فِي جَوَابِ الْعَبْدِ (بَلَى) قَالَ: (فَيَقُولُ فَإِنِّي) أَيْ: فَإِذَا أَجَرْتَنِي مِنَ الظُّلْمِ فَإِنِّي (لَا أُجِيزُ) : بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: لَا أُجَوِّزُ وَلَا أَقْبَلُ (عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي) أَيْ: مِنْ جِنْسِي ; لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ شَهِدُوا عَلَيْنَا بِالْفَسَادِ قَبْلَ الْإِيجَادِ.
(قَالَ: فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا) : نَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ وَعَلَيْكَ مَعْمُولُهُ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ لِلِاهْتِمَامِ وَالِاخْتِصَاصِ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ فِي فَاعِلِ كَفَى، وَالْيَوْمَ ظَرْفٌ لَهُ أَوْ لِشَهِيدٍ (وَبِالْكِرَامِ) أَيْ: وَكَفَى بِالْعُدُولِ الْمُكَرَّمِينَ (الْكَاتِبِينَ) أَيْ: لِصُحُفِ الْأَعْمَالِ (شُهُودًا) . قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: فَإِذَا قُلْتَ: دَلَّ أَدَاةُ الْحَصْرِ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَكَيْفَ أَجَابَ بِقَوْلِهِ: كَفَى بِنَفْسِكَ وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ؟ قُلْتُ: بَذَلَ مَطْلُوبَهُ وَزَادَ عَلَيْهِ تَأْكِيدًا وَتَقْرِيرًا (قَالَ: فَيُخْتَمُ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَلَى فِيهِ) أَيْ: فَمِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس: 65]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى:{يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: 24]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى:{شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ} [فصلت: 20]، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ:(فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ) أَيْ: لِأَعْضَائِهِ وَأَجْزَائِهِ (انْطِقِي) . قَالَ: (فَتَنْطِقُ) أَيِ: الْأَرْكَانُ (بِأَعْمَالِهِ) أَيْ: بِأَفْعَالِهِ الَّتِي بَاشَرَهَا وَارْتَكَبَهَا بِسَبَبِهَا، (ثُمَّ يُخَلَّى) أَيْ: يُتْرَكُ (بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ) أَيْ: يُرْفَعُ الْخَتْمُ مِنْ فِيهِ ; حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِالْكَلَامِ الْعَادِيِّ، فَشَهَادَةُ أَلْسِنَتِهِمْ فِي الْآيَةِ يُرَادُ بِهَا نَوْعٌ آخَرُ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى خَرْقِ الْعَادَةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ.
(قَالَ: فَيَقُولُ) أَيِ: الْعَبْدُ (بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا) : بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ هَلَاكًا، وَهُمَا مَصْدَرَانِ نَاصِبُهُمَا مُقَدَّرٌ، وَالْخِطَابُ لِلْأَرْكَانِ أَيِ: ابْعُدْنَ وَاسْحُقْنَ (فَعَنْكُنَّ) أَيْ: عَنْ قِبَلِكُنَّ وَمِنْ جِهَتِكُنَّ وَلِأَجْلِ خَلَاصِكُنَّ، (كُنْتُ أُنَاضِلُ) أَيْ: أُجَادِلُ وَأُخَاصِمُ وَأُدَافِعُ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ. وَقَالَ شَارِحٌ: أَيْ أُخَاصِمُ لِخَلَاصِكُنَّ، وَأَنْتُنَّ تُلْقِينَ أَنْفُسَكُنَّ فِيهَا، وَالْمُنَاضَلَةُ الْمُرَامَاةُ بِالسِّهَامِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْمُحَاجَّةُ بِالْكَلَامِ، يُقَالُ: تَنَاضَلَ فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ إِذَا تَكَلَّمَ عَنْهُ بِعُذْرٍ وَدَفَعَ. قُلْتُ: وَجَوَابُهُنَّ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ - وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ - وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [فصلت: 21 - 23] . (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ سَعِيدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عُرِّفَ الْكَافِرُ بِعَمَلِهِ فَجَحَدَ وَخَاصَمَ، فَيُقَالُ: هَؤُلَاءِ جِيرَانُكَ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ. فَيَقُولُ: كَذَبُوا، فَيُقَالُ: أَهْلُكَ وَعِشْرَتُكَ؟ فَيَقُولُ: كَذَبُوا، فَيُقَالُ: احْلِفُوا فَيَحْلِفُونَ، ثُمَّ يُصْمِتُهُمُ اللَّهُ وَتَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ ثُمَّ يُدْخِلُهُمُ النَّارَ» ".
5555 -
وَذُكِرَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ (يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي الْجَنَّةَ) فِي (بَابِ التَّوَكُّلِ) بِرِوَايَةِ عَبَّاسٍ
ــ
5555 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالُوا) أَيْ: بَعْضُ الصَّحَابَةِ (يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ نَرَى رَبَّنَا) : الِاسْتِفْهَامُ لِلِاسْتِخْبَارِ وَالِاسْتِعْلَامِ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ؟ قُيِّدَ بِهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُرَى فِي الدُّنْيَا ; لِأَنَّ الذَّاتَ الْبَاقِيَةَ لَا تُرَى بِالْعَيْنِ الْفَانِيَةِ. (قَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ) : بِضَمِّ التَّاءِ وَتُفْتَحُ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ، عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ أَوِ التَّفَاعُلِ مِنَ الضَّرَرِ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّقْرِيرِ، وَهُوَ حَمْلُ الْمُخَاطَبِ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَالْمَعْنَى: هَلْ يَحْصُلُ لَكُمْ تَزَاحُمٌ وَتَنَازُعٌ يَتَضَرَّرُ بِهِ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ؟ (فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ) أَيْ: لِأَجْلِ رُؤْيَتِهَا أَوْ عِنْدَهَا (فِي الظَّهِيرَةِ) : وَهِيَ نِصْفُ النَّهَارِ، وَهُوَ وَقْتُ ارْتِفَاعِهَا وَظُهُورِهَا وَانْتِشَارِ ضَوْئِهَا فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ. (لَيْسَتْ) : أَيِ الشَّمْسُ (فِي سَحَابَةٍ) ؟ أَيْ غَيْمٍ تَحْجُبُهَا عَنْكُمْ، (قَالُوا: لَا، قَالَ: فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ فِي سَحَابَةٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِهَذِهِ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا) . قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: رُوِيَ تُضَارُّونَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَالتَّاءُ مَضْمُومَةٌ فِيهِمَا، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: هَلْ تَضَامُّونَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِهَا، فَمَنْ شَدَّدَهَا فَتَحَ التَّاءَ، وَمَنْ خَفَّفَهَا ضَمَّهَا، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: لَا تُضَارُّونَ أَوْ لَا تُضَامُّونَ عَلَى الشَّكِّ.
قَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ رحمه الله: وَفِي تَضَارُّونَ الْمُشَدَّدِ مِنَ الضَّرَرِ، وَالْمُخَفَّفِ مِنَ الضَّيْرِ أَيْ: تَكُونُ رُؤْيَتُهُ جَلِيَّةً بَيِّنَةً لَا تَقْبَلُ مِرَاءً وَلَا مِرْيَةً، فَيُخَالِفُ فِيهَا بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَيُكَذِّبُهُ، كَمَا لَا يُشَكُّ فِي رُؤْيَةِ إِحْدَاهُمَا يَعْنِي الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَلَا يُنَازَعُ فِيهَا، فَالتَّشْبِيهُ إِنَّمَا وَقَعَ فِي الرُّؤْيَةِ بِاعْتِبَارِ جَلَائِهَا وَظُهُورِهَا ; بِحَيْثُ لَا يُرْتَابُ فِيهَا لَا فِي سَائِرِ كَيْفِيَّاتِهَا، وَلَا فِي الْمَرْئِيِّ ; فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الْجِسْمِيَّةِ وَعَمَّا يُؤَدِّي إِلَيْهَا، وَفِي تَضَامُّونَ بِالتَّشْدِيدِ مِنَ الضَّمِّ، أَيْ: لَا يَنْضَمُّ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ فِي طَلَبِ رُؤْيَتِهِ ; لِإِشْكَالِهِ وَخَفَائِهِ كَمَا يَفْعَلُونَ فِي الْهِلَالِ، أَوْ لَا يَضُمُّكُمْ شَيْءٌ دُونَهُ فَيَحُولُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا، وَبِالتَّخْفِيفِ مِنَ الضَّيْمِ، أَيْ: لَا يَنَالُكُمْ ضَيْمٌ فِي رُؤْيَتِهِ، فَيَرَاهُ بَعْضٌ دُونَ بَعْضٍ، بَلْ يَسْتَوُونَ فِيهَا، وَأَصْلُهُ تُضْيَمُونَ، فَنُقِلَتْ فَتْحَةُ الْيَاءِ إِلَى الضَّادِ، فَصَارَتْ أَلِفًا لِسُكُونِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، كَذَلِكَ تُضَارُونَ بِالتَّخْفِيفِ، وَأَمَّا الْمُشَدَّدُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ عَلَى مَعْنَى لَا تَضَارُّونَ، أَيْ: تَتَنَازَعُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، هَذَا، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ: إِلَّا كَمَا تَضَارُّونَ، كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: لَا تَضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ كَمَا لَا تَضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهَا، وَلَكِنَّهُ أُخْرِجَ مُخْرَجَ قَوْلِهِ:
وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ
…
بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
أَيْ: لَا تَشُكُّونَ فِيهِ إِلَّا كَمَا تَشُكُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرَيْنِ، وَلَيْسَ فِي رُؤْيَتِهِمَا شَكٌّ فَلَا تَشُكُّونَ فِيهَا أَلْبَتَّةَ. (قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (فَيَلْقَى) أَيِ: الرَّبُّ (الْعَبْدَ) أَيْ: عَبْدًا مِنْ عِبَادِهِ (فَيَقُولُ: أَيْ فُلْ) : بِضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَتُفْتَحُ وَتُضَمُّ أَيْ فُلَانٌ، فَفِي النِّهَايَةِ مَعْنَاهُ يَا فُلَانُ وَلَيْسَ تَرْخِيمًا لَهُ ; لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ إِلَّا بِسُكُونِ اللَّامِ، وَلَوْ كَانَ تَرْخِيمًا لَفَتَحُوهَا أَوْ ضَمُّوهَا. قُلْتُ: وَقِيلَ فَلَا، كَمَا يُقَالُ: سَعَى فِي سَعِيدٍ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَيْسَتْ تَرْخِيمًا وَإِنَّمَا هِيَ صِيغَةٌ ارْتُجِلَتْ فِي بَابِ النِّدَاءِ، وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ النِّدَاءِ قَالَ:
فِي لُجَّةٍ أَمْسَكَ فُلَانٌ عَنْ فُلِ
بِكَسْرِ اللَّامِ لِلْقَافِيَةِ، وَإِنَّمَا قِيلَ: لَيْسَ مُرَخَّمًا لِأَنَّ شَرْطَ مِثْلِهِ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ حَذْفِ النُّونِ وَالْأَلِفِ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ كَ " مَرْوَانَ "، وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّهُ تَرْخِيمُ فُلَانٍ فَحُذِفَتِ النُّونُ لِلتَّرْخِيمِ وَالْأَلِفُ لِسُكُونِهَا، وَيُفْتَحُ اللَّامُ وَيُضَمُّ عَلَى مَذْهَبَيِ التَّرْخِيمِ (أَلَمْ أُكْرِمْكَ) أَيْ: أَلَمْ أُفَضِّلْكَ عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ (وَأُسَوِّدْكَ) أَيْ: أَلَمْ أَجْعَلْكَ سَيِّدًا فِي قَوْمِكَ (وَأُزَوِّجْكَ) أَيْ: أَلَمْ أُعْطِكَ زَوْجًا مِنْ جِنْسِكَ وَمَكَّنْتُكَ مِنْهَا، وَجَعَلْتُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا مَوَدَّةً وَرَحْمَةً وَمُؤَانَسَةً وَأُلْفَةً، (وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ) أَيْ: أُذَلِّلْهَا لَكَ، وَخُصَّتَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا أَصْعَبُ الْحَيَوَانَاتِ، (وَأَذَرْكَ) أَيْ: لَمْ
أَذَرْكَ، وَالْمَعْنَى: أَلَمْ أَدَعْكَ وَلَمْ أُمَكِّنْكَ عَلَى قَوْمِكَ (تَرْأَسُ) أَيْ: تَكُونُ رَئِيسًا عَلَى قَوْمِكَ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ، (وَتَرْبَعُ) ؟ أَيْ: تَأْخُذُ رِبَاعَهُمْ وَهُوَ رُبُعُ الْغَنِيمَةِ ; وَكَانَ مُلُوكُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْخُذُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ، (فَيَقُولُ: بَلَى) أَيْ: فِي كُلٍّ أَوْ فِي الْكُلِّ (قَالَ: فَيَقُولُ) أَيِ: الرَّبُّ (أَفَظَنَنْتَ) أَيْ: أَفَعَلِمْتَ (أَنَّكَ مُلَاقِيَّ) ؟ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَحْذُوفَةِ الْعَائِدَةِ بِحَذْفِ التَّنْوِينِ وَالثَّانِيَةُ يَاءُ الْمُتَكَلِّمِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، (فَيَقُولُ لَا، فَيَقُولُ: فَإِنِّي قَدْ أَنْسَاكَ) أَيِ: الْيَوْمَ أَتْرُكُكَ مِنْ رَحْمَتِي (كَمَا نَسِيتَنِي) أَيْ: فِي الدُّنْيَا مِنْ طَاعَتِي. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: هُوَ مُسَبَّبٌ عَنْ قَوْلِهِ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ، يَعْنِي سَوَّدْتُكَ وَزَوَّجْتُكَ، وَفَعَلْتُ بِكَ مِنَ الْإِكْرَامِ حَتَّى تَشْكُرَنِي وَتَلْقَانِي لِأَزِيدَ فِي الْإِنْعَامِ، وَأُجَازِيَكَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا نَسِيتَنِي فِي الشُّكْرِ نَسِينَاكَ وَتَرَكْنَا جَزَاءَكَ، وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:{كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [الفاتحة: 126 - 29468] وَنِسْبَةُ النِّسْيَانِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِمَّا مُشَاكَلَةٌ أَوْ مَجَازٌ عَنِ التَّرْكِ. (ثُمَّ يَلْقَى) أَيِ: الرَّبُّ (الثَّانِيَ) أَيْ: مِنَ الْعَبْدِ (فَذَكَرَ مِثْلَهُ) أَيْ: قَالَ الرَّاوِي: ذَكَرَ صلى الله عليه وسلم فِي الثَّانِي مِثْلَ مَا ذَكَرَ فِي الْأَوَّلِ مِنْ سُؤَالِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ وَجَوَابِهِ. (ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ، وَبِكِتَابِكَ وَبِرُسُلِكَ، وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ، وَتَصَدَّقْتُ، وَيُثْنِي) أَيْ: يَمْدَحُ الثَّالِثُ عَلَى نَفْسِهِ (بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ، فَيَقُولُ) أَيِ: الرَّبُّ (هَاهُنَا إِذًا) : بِالتَّنْوِينِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: إِذًا جَوَابٌ وَجَزَاءٌ، وَالتَّقْدِيرُ: إِذًا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ بِمَا أَثْنَيْتَ إِذًا فَأُثْبِتَّ هُنَا ; كَيْ نُرِيَكَ أَعْمَالَكَ بِإِقَامَةِ الشَّاهِدِ عَلَيْهَا، قَالَ شَارِحٌ: أَيْ يَقُولُ: إِذًا تُجْزَى بِأَعْمَالِكَ هَاهُنَا، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ أَقَرَّ الثَّالِثُ بِظَنِّهِ لِقَاءَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَدَّ أَعْمَالَهُ الصَّالِحَةَ فَيَقُولُ: هَاهُنَا إِذًا، أَيْ قِفْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِذَا ذَكَرْتَ أَعْمَالَكَ حَتَّى تَتَحَقَّقَ خِلَافَ مَا زَعَمْتَ، (ثُمَّ يُقَالُ: الْآنَ نَبْعَثُ شَاهِدًا عَلَيْكَ، وَيَتَفَكَّرُ) أَيِ: الْعَبْدُ الثَّالِثُ (فِي نَفْسِهِ: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ) : حَالٌ تَقْدِيرُهُ يَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ قَائِلًا مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ (فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ) أَيْ: فَمِهِ (فَيُقَالُ) : وَفِي نُسْخَةٍ وَيُقَالُ (لِفَخِذِهِ انْطِقِي، فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ) أَيِ: الْمُتَعَلِّقَةُ بِفَخِذِهِ (بِعَمَلِهِ، وَذَلِكَ) أَيْ: إِنْطَاقُ أَعْضَائِهِ أَوْ بَعْثُ الشَّاهِدِ عَلَيْهِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: أَشَارَ إِلَى الْمَذْكُورِ مِنَ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ، وَخَتْمِ الْفَمِ وَنُطْقِ الْفَخِذِ وَغَيْرِهِ، (لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ)، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ رحمه الله: لِيُعْذِرَ عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ مِنَ الْإِعْذَارِ، وَالْمَعْنَى: لِيُزِيلَ اللَّهُ عُذْرَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ بِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِ وَشَهَادَةِ أَعْضَائِهِ عَلَيْهِ ; بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ لَهُ عُذْرٌ يَتَمَسَّكُ بِهِ، وَقِيلَ لِيَصِيرَ ذَا عُذْرٍ فِي تَعْذِيبٍ مِنْ قِبَلِ نَفْسِ الْعَبْدِ، (وَذَلِكَ) أَيِ: الْعَبْدُ الثَّالِثُ (الْمُنَافِقُ، وَذَلِكَ الَّذِي سَخِطَ) : بِكَسْرِ الْخَاءِ أَيْ: غَضِبَ (اللَّهُ عَلَيْهِ) . (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
(وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي الْجَنَّةَ) : صَوَابُهُ عَلَى مَا سَبَقَ: " «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» "، (فِي بَابِ التَّوَكُّلِ، بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ) . فَكَانَ الْبَغَوِيُّ رحمه الله ذَكَرَ الْحَدِيثَ مُكَرَّرًا بِإِسْنَادَيْنِ: أَحَدُهُمَا هُنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْآخَرُ هُنَاكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَحَذَفَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ مَا هُنَا، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ ذُكِرَ سَابِقًا بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَنْبِيهًا عَلَى ذَلِكَ، فَانْدَفَعَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنَ التَّدَافُعِ بَيْنَ قَوْلِهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَوْلِهِ بِرَاوِيَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
الْفَصْلُ الثَّانِي
5556 -
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَثَلَاثُ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
5556 -
(عَنْ أَبِي أُمَامَةَ) أَيِ: الْبَاهِلِيِّ (قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي) : مِنَ الْإِدْخَالِ ; لِقَوْلِهِ: (سَبْعِينَ أَلْفًا) : وَالْمُرَادُ بِهِ إِمَّا هَذَا الْعَدَدُ أَوِ الْكَثْرَةُ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: سَبْعِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80] جَمْعُ السَّبْعِ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ لِلْكَثْرَةِ ; أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَى السَّبْعِينَ لَمْ يُغْفَرْ لَهُمْ. (لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ) أَيْ: لَا مُنَاقَشَةَ لَهُمْ فِي الْمُحَاسَبَةِ (وَلَا عَذَابَ) أَيْ: بِالْأَوْلَى، أَوْ لَا عَذَابَ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحِسَابِ، (مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَثَلَاثُ حَثَيَاتٍ) : بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْمُثَلَّثَةِ جَمْعُ حَثْيَةٍ (مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي)، قَالَ شَارِحٌ: الْحَثْيَةُ وَالْحَثْوَةُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُعْطِيهِ الْإِنْسَانُ بِكَفَّيْهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ وَزْنٍ وَتَقْدِيرٍ، ثُمَّ تُسْتَعَارُ لِمَا يُعْطَى مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ، وَإِضَافَةُ الْحَثَيَاتِ إِلَى رَبِّهِ تَعَالَى لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْكَثْرَةِ، قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: الْحَثَيَاتُ كِنَايَةٌ عَنِ الْمُبَالَغَةِ وَالْكَثْرَةِ ; وَإِلَّا فَلَا كَفَّ ثَمَّةَ وَلَا حَثْيَ، جَلَّ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَوْلُهُ: وَثَلَاثٌ مَرْفُوعٌ عُطِفَ عَلَى سَبْعُونَ وَهُوَ أَقْرَبُ، وَقِيلَ مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى سَبْعِينَ، أَيْ: وَأَنْ يُدْخِلَ ثَلَاثَ قَبَضَاتٍ مِنْ قَبَضَاتِهِ، أَيْ: عَدَدًا غَيْرَ مَعْلُومٍ، وَالْمَعْنَى: يَكُونُ مَعَ هَذَا الْعَدَدِ الْمَعْلُومِ عَدَدٌ كَثِيرٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ، أَوِ الْمُرَادُ مِنْهُمَا جَمِيعًا الْمُبَالَغَةُ فِي الْكَثْرَةِ. قَالَ الْأَشْرَفُ: يُحْتَمَلُ النَّصْبُ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ سَبْعِينَ أَلْفًا، وَالرَّفْعُ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَالرَّفْعُ أَظْهَرُ فِي الْبَالِغَةِ ; إِذِ التَّقْدِيرُ مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا وَثَلَاثُ حَثَيَاتٍ، بِخِلَافِ النَّصْبِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ رحمه الله: الْحَثْيَةُ مَا يَحْثِيهِ الْإِنْسَانُ بِيَدَيْهِ مِنْ مَاءٍ أَوْ تُرَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَيُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُعْطِيهِ الْمُعْطِي بِكَفَّيْهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ جِيءَ بِهِ هَاهُنَا عَلَى وَجْهِ التَّمْثِيلِ، وَأُرِيدَ بِهَا الدَّفَعَاتُ أَيْ: يُعْطَى بَعْدَ هَذَا الْعَدَدِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مَا يَخْفَى عَلَى الْعَادِّينَ حَصْرُهُ وَتَعْدَادُهُ ; فَإِنَّ عَطَاءَهُ الَّذِي لَا يَضْبِطُهُ الْحِسَابُ أَوْفَى وَأَرْبَى مِنَ النَّوْعِ الَّذِي يَتَدَاخَلُهُ الْحِسَابُ. قُلْتُ: وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّجَلِّي الصُّورِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) .
5557 -
وَعَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «يُعْرَضُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَ عَرَضَاتٍ: فَأَمَّا عَرْضَتَانِ فَجِدَالٌ وَمَعَاذِيرُ، وَأَمَّا الْعَرْضَةُ الثَّالِثَةُ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَطِيرُ الصُّحُفُ فِي الْأَيْدِي، فَآخِذٌ بِيَمِينِهِ، وَآخِذٌ بِشِمَالِهِ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
ــ
5557 -
(وَعَنِ الْحَسَنِ) أَيِ: الْبَصْرِيِّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يُعْرَضُ النَّاسُ) أَيْ: عَلَى اللَّهِ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَ عَرَضَاتٍ) بِفَتْحَتَيْنِ، قِيلَ: أَيْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: فَأَمَّا الْمَرَّةُ الْأُولَى فَيَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَيَقُولُونَ لَمْ يُبَلِّغْنَا الْأَنْبِيَاءُ وَيُحَاجُّونَ اللَّهَ تَعَالَى، وَفِي الثَّانِيَةِ: يَعْتَرِفُونَ وَيَعْتَذِرُونَ بِأَنْ يَقُولَ كُلٌّ فَعَلْتُهُ سَهْوًا وَخَطَأً، أَوْ جَهْلًا، أَوْ رَجَاءً وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ:(فَأَمَّا عَرْضَتَانِ فَجِدَالٌ وَمَعَاذِيرُ) : جَمْعُ مَعْذِرَةٍ وَلَا يَتِمُّ قَضِيَّتُهُمْ فِي الْمَرَّتَيْنِ بِالْكُلِّيَّةِ، (وَأَمَّا الْعَرْضَةُ الثَّالِثَةُ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَطِيرُ الصُّحُفُ) ، كَذَا هُوَ سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ، وَجَامِعُ الْأُصُولِ، وَفِي نُسَخِ الْمَصَابِيحِ: تَطَايَرُ، أَيْ تَتَطَايَرُ الصُّحُفُ، وَهُوَ بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ الصَّحِيفَةِ وَهُوَ الْمَكْتُوبُ، وَقَالَ شَارِحٌ لِلْمَصَابِيحِ: تَطَايُرُ الصُّحُفِ أَيْ تَفَرُّقُهَا إِلَى كُلِّ جَانِبٍ، فَرِوَايَتُهُ بِالْمَصْدَرِ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ فَبِالْمُضَارِعِ أَيْ يَسْرُعُ وُقُوعُهَا (فِي الْأَيْدِي) أَيْ: أَيْدِي الْمُكَلَّفِينَ جَمِيعًا (فَآخِذٌ بِيَمِينِهِ، وَآخِذٌ بِشِمَالِهِ) : الْفَاءُ تَفْصِيلِيَّةٌ أَيْ: فَمِنْهُمْ آخِذٌ بِيَمِينِهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَمِنْهُمْ آخِذٌ بِشِمَالِهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، فَحِينَئِذٍ تَتِمُّ قَضِيَّتُهُمْ عَلَى وَفْقِ الْبِدَايَةِ، وَيَتَمَيَّزُ أَهْلُ الضَّلَالَةِ مِنْ أَهْلِ الْهِدَايَةِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ) أَيِ: التِّرْمِذِيُّ (لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قِبَلِ) : بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ أَيْ مِنْ جِهَةِ (أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَيْ: فَإِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ، لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَ فِي صَحِيحِهِ: الْحَسَنَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ وَبَيْنَهَا قَالَ: وَأَمَّا مُسْلِمٌ فَلَمْ يُخْرِجْ لِلْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ شَيْئًا نَقَلَهُ مَيْرَكُ. أَقُولُ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ إِخْرَاجِ مُسْلِمٍ حَدِيثَهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ ; إِذْ شَرْطُ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ تَحَقُّقُ اللُّقَى وَلَوْ مَرَّةً أَقْوَى مِنْ شَرْطِ مُسْلِمٍ وَهُوَ مُجَرَّدُ وُجُودِ الْمُعَاصَرَةِ.
5558 -
وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي مُوسَى.
ــ
5558 -
(وَقَدْ رَوَاهُ) أَيْ: هَذَا الْحَدِيثَ (بَعْضُهُمْ) أَيْ: بَعْضُ الْمُخَرِّجِينَ (عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي مُوسَى) يَعْنِي: فَالْحَدِيثُ مُتَّصِلٌ مِنْ طَرِيقَةٍ وَاعْتَضَدَ بِإِسْنَادِهِ ; فَإِنَّ الْمُؤَلِّفَ ذَكَرَ فِي أَسْمَاءِ رِجَالِهِ أَنَّ الْحَسَنَ رَوَى عَنِ الصَّحَابَةِ، كَأَبِي مُوسَى، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ.
5559 -
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلَ مَدِّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ! فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ قَالَ: لَا يَا رَبِّ! فَيَقُولُ: بَلَى ; إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، وَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَتُخْرَجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ، قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ، وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ ; فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
5559 -
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) : بِالْوَاوِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ) : بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ: يَخْتَارُ (رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَنْشُرُ) : بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: فَيَفْتَحُ (عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا) : بِكَسْرَتَيْنِ فَتَشْدِيدٍ أَيْ كِتَابًا كَبِيرًا (كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ) أَيْ: كُلُّ كِتَابٍ مِنْهَا طُولُهُ وَعَرْضُهُ مِقْدَارُ مَا يَمْتَدُّ إِلَيْهِ بَصَرُ الْإِنْسَانِ، (ثُمَّ يَقُولُ) أَيِ: الرَّبُّ (أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا) أَيِ: الْمَكْتُوبِ (شَيْئًا) ؟ أَيْ مِمَّا لَا تَفْعَلُهُ (أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي) : بِفَتَحَاتٍ جَمْعُ كَاتِبٍ، وَالْمُرَادُ الْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ (الْحَافِظُونَ) ؟ أَيْ: لِأَعْمَالِ بَنِي آدَمَ (فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ) : جَوَابٌ لَهُمَا جَمِيعًا أَوْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ) ؟ أَيْ: فِيمَا فَعَلْتَهُ مِنْ كَوْنِهِ سَهْوًا أَوْ خَطَأً، أَوْ جَهْلًا وَنَحْوَ ذَلِكَ (قَالَ: لَا يَا رَبِّ! فَيَقُولُ: بَلَى) أَيْ: لَكَ عِنْدَنَا مَا يَقُومُ مَقَامَ عُذْرِكَ (إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً) أَيْ: وَاحِدَةً عَظِيمَةً مَقْبُولَةً تَمْحُو جَمِيعَ مَا عِنْدَكَ. قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40] وَإِذَا قَالَ اللَّهُ جل جلاله وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ لِشَيْءٍ عَظِيمٍ فَهُوَ عَظِيمٌ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لَئِنْ كَانَتْ لِي حَسَنَةٌ عِنْدَ اللَّهِ كَفَتْنِي. (وَإِنَّهُ) أَيِ: الشَّأْنَ (لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ)، لَعَلَّهُ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر: 17] أَيْ: بِنُقْصَانِ أَجْرٍ لَكَ وَلَا بِزِيَادَةِ عِقَابٍ عَلَيْكَ، بَلْ لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ وَهُوَ إِمَّا بِالْعَدْلِ وَإِمَّا بِالْفَصْلِ، (فَتُخْرَجُ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: فَتَظْهَرُ (بِطَاقَةٌ) : بِكَسْرِ الْبَاءِ أَيْ رُقْعَةٌ صَغِيرَةٌ ثَبَتَ فِيهَا مِقْدَارُ مَا بِهِ، وَيُجْعَلُ فِي الثَّوَابِ إِنْ كَانَ عَيْنًا فَوَزْنُهُ أَوْ عَدَدُهُ، وَإِنْ كَانَ مَتَاعًا فَثَمَنُهُ أَوْ قِيمَتُهُ، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُشَدُّ بِطَاقَةٍ مِنْ هُدْبِ الثَّوْبِ فَتَكُونُ التَّاءُ حِينَئِذٍ زَائِدَةً وَهِيَ كَلِمَةٌ كَثِيرَةُ الِاسْتِعْمَالِ بِمِصْرَ، وَيُرْوَى بِالنُّونِ وَهُوَ غَرِيبٌ. (فِيهَا) أَيْ: مَكْتُوبٌ فِي الْبِطَاقَةِ (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) ، يَحْتَمِلُ أَنَّ الْكَلِمَةَ هِيَ أَوَّلُ مَا نَطَقَ بِهَا، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الْإِقْرَارَ شَرْطُ الْإِيمَانِ أَوْ شَطْرُهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ تِلْكَ الْمَرَّةِ مِمَّا وَقَعَتْ مَقْبُولَةً عِنْدَ الْحَضْرَةِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِي مَادَّةِ الْخُصُوصِ مِنْ عُمُومِ الْأُمَّةِ، (فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ) أَيِ: الْوَزْنَ الَّذِي لَكَ أَوْ وَزْنَ عَمَلِكَ، أَوْ وَقْتَ وَزْنِكَ أَوْ آلَةَ وَزْنِكَ وَهُوَ الْمِيزَانُ ; لِيَظْهَرَ لَكَ انْتِفَاءُ الظُّلْمِ وَظُهُورُ الْعَدْلِ وَتَحَقُّقُ الْعَدْلِ، (فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ) أَيِ: الْوَاحِدَةُ (مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ) ؟ أَيِ الْكَثِيرَةِ، وَمَا قَدْرُهَا بِجَنْبِهَا وَمُقَابَلَتِهَا، (فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ) أَيْ: لَا يَقَعُ عَلَيْكَ الظُّلْمُ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنِ اعْتِبَارِ الْوَزْنِ كَيْ يَظْهَرَ أَنْ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ، فَاحْضُرِ الْوَزْنَ، قِيلَ: وَجْهُ مُطَابَقَةِ هَذَا جَوَابًا لِقَوْلِهِ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ أَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ لِلتَّحْقِيرِ، كَأَنَّهُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ مَعَ هَذِهِ الْبِطَاقَةِ الْمُحَقَّرَةِ مُوَازَنَةٌ لِتِلْكَ السِّجِلَّاتِ، فَرُدَّ بِقَوْلِهِ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ بِحَقِيرَةٍ، أَيْ: لَا تَحْقِرْ هَذِهِ فَإِنَّهَا
عَظِيمَةٌ عِنْدَهُ سُبْحَانَهُ، إِذْ لَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ، وَلَوْ ثَقُلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَظُلِمْتَ، (قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ) : بِكَسْرٍ فَتَشْدِيدٍ أَيْ: فَرْدَةٍ مِنْ زَوْجَيِ الْمِيزَانِ، فَفِي الْقَامُوسِ: الْكِفَّةُ بِالْكَسْرِ مِنَ الْمِيزَانِ مَعْرُوفٌ وَيُفْتَحُ، (وَالْبِطَاقَةُ) أَيْ: وَتُوضَعُ (فِي كِفَّةٍ) أَيْ: فِي أُخْرَى (فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ) أَيْ: خَفَّتْ (وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ) أَيْ: رَجَحَتْ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْمُضِيِّ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ، فَفِي الدُّرِّ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ، يَعْنِي:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40] فَقَالَ: لِأَنْ تَفْضُلَ حَسَنَاتِي عَلَى سَيِّئَاتِي مِثْقَالَ ذَرَّةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْبِطَاقَةُ وَحْدَهَا غَلَبَتِ السِّجِلَّاتِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادَرُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَعَ سَائِرِ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ، وَلَكِنَّ الْغَلَبَةَ مَا حَصَلَتْ إِلَّا بِبَرَكَةِ هَذِهِ الْبِطَاقَةِ، (فَلَا يَثْقُلُ) : بِالرَّفْعِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْجَزْمِ وَلَا يَظْهَرُ وَجْهُهُ بِحَسَبِ الْمَعْنَى، أَيْ: فَلَا يَرْجَحُ وَلَا يَغْلِبُ (مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ) وَالْمَعْنَى: لَا يُقَاوِمُهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَعَاصِي، بَلْ يَتَرَجَّحُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى جَمِيعِ الْمَعَاصِي. قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] فَإِنْ قِيلَ: الْأَعْمَالُ أَعْرَاضٌ لَا يُمْكِنُ وَزْنُهَا، وَإِنَّمَا تُوزَنُ الْأَجْسَامُ، أُجِيبَ: بِأَنَّهُ يُوزَنُ السِّجِلُّ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ الْأَعْمَالُ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، أَوْ أَنَّ اللَّهَ يُجَسِّمُ الْأَفْعَالَ وَالْأَقْوَالَ فَتُوزَنُ، فَتَثْقُلُ الطَّاعَاتُ وَتَطِيشُ السَّيِّئَاتُ ; لِثِقَلِ الْعِبَادَةِ عَلَى النَّفْسِ وَخِفَّةِ الْمَعْصِيَةِ عَلَيْهَا ; وَلِذَا وَرَدَ:" «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ» ". (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) .
5560 -
ــ
5560 -
(عَنْ عَائِشَةَ) رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا (أَنَّهَا ذَكَرَتْ) أَيْ: فِي نَفْسِهَا (النَّارَ) أَيْ: نَارَ جَهَنَّمَ (فَبَكَتْ) أَيْ: خَوْفًا مِنْهَا، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا يُبْكِيكِ) ؟ أَيْ: مَا سَبَبُ بُكَائِكِ (قَالَتْ: ذَكَرْتُ النَّارَ فَبَكَيْتُ، فَهَلْ تَذْكُرُونَ أَهْلِيكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ فَلَا يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَدًا) ! أَيْ بِالْخُصُوصِ، وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى فَهِيَ عَامَّةٌ لِلْخَلَائِقِ كُلِّهَا، (عِنْدَ الْمِيزَانِ)، قَالَ أَهْلُ الْحَقِّ: الْمِيزَانُ حَقٌّ قَالَ تَعَالَى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47] يُوضَعُ مِيزَانُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ يُوزَنُ بِهِ الصَّحَائِفُ الَّتِي يَكُونُ مَكْتُوبًا فِيهَا أَعْمَالُ الْعِبَادِ، وَلَهُ كِفَّتَانِ إِحْدَاهُمَا لِلْحَسَنَاتِ وَالْأُخْرَى لِلسَّيِّئَاتِ، وَعَنِ الْحَسَنِ: لَهُ كِفَّتَانِ وَلِسَانٌ، وَذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رحمه الله، (حَتَّى يَعْلَمَ) أَيْ: كُلُّ وَاحِدٍ (أَيَخِفُّ مِيزَانُهُ أَمْ يَثْقُلُ) ؟ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَعُمُّ كُلَّ أَحَدٍ، وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ نَبِيٌّ وَلَا مُرْسَلٌ (وَعِنْدَ الْكِتَابِ) أَيْ: تَطَايُرِهِ أَوْ عِنْدَ عَطَائِهِ (حِينَ يُقَالُ) أَيْ: يَقُولُ مَنْ يُعْطَى بِيَمِينِهِ (هَاؤُمُ) أَيْ: خُذُوا (اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) : تَنَازُعٌ فِيهِ لِفِعْلَانِ وَالْهَاءُ لِلسَّكْتِ لِبَيَانِ يَاءِ الْإِضَافَةِ (حَتَّى يَعْلَمَ: أَيْنَ يَقَعُ كِتَابُهُ، أَفِي يَمِينِهِ أَمْ فِي شِمَالِهِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ؟) . كَذَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، وَبَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ، وَفِي أَكْثَرِهَا: أَوْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، وَفِي جَامِعِ الْأُصُولِ: أَمْ بَدَلُ (أَوْ)، وَالْأَوَّلُ أَوْفَقُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ مَعْنَى الْآيَتَيْنِ:{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 25]، {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ - فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا - وَيَصْلَى سَعِيرًا} [الانشقاق: 10 - 12] الْكَشَّافُ، قِيلَ: يُغَلُّ يُمْنَاهُ إِلَى عُنُقِهِ،
وَتُجْعَلُ شِمَالُهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَيُؤْتَى كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، وَقِيلَ: تُخْلَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رحمه الله. (وَعِنْدَ الصِّرَاطِ: إِذَا وُضِعَ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ) أَيْ: وَسَطَهَا وَفَوْقَهَا، وَالْمَعْنَى: حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ نَجَا بِالْمُرُورِ مِنْهَا وَالْوُرُودِ عَنْهَا أَوْ وَقَعَ وَسَقَطَ وَزَلَّ فِيهَا. قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا - ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 71 - 72] . قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّهُ جِسْرٌ مَمْدُودٌ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ يَمُرُّ عَلَيْهِ النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَالْمُؤْمِنُونَ يَنْجُونَ عَلَى حَسَبِ أَعْمَالِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ، وَالْآخَرُونَ يَسْقُطُونَ فِيهَا، عَافَانَا اللَّهُ الْكَرِيمُ، وَالْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالسَّلَفُ يَقُولُونَ: إِنَّهُ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ، وَهَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) . قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ رحمه الله: أَيْ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رحمه الله عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَهُوَ مُنْقَطِعٌ.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
5561 -
ــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
5561 -
(عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أَيْ: قُدَّامَهُ (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ لِي مَمْلُوكِينَ) : بِكَسْرِ الْكَافِ أَيْ مَمَالِيكَ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ فَفِيهِ تَغْلِيبٌ، (يَكْذِبُونَنِي) أَيْ: يَكْذِبُونَ فِي أَخْبَارِهِمْ لِي (وَيَخُونُونَنِي) أَيْ: فِي مَالِي (وَيَعْصُونَنِي) أَيْ: فِي أَمْرِي وَنَهْيِي، (وَأَشْتِمُهُمْ) : بِكَسْرِ التَّاءِ وَيُضَمُّ، فَفِي الْمِصْبَاحِ: شَتَمَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ، وَفِي الْقَامُوسِ: مِنْ بَابِ نَصَرَ أَيْضًا، أَيْ أَسُبُّهُمْ (وَأَضْرِبُهُمْ) أَيْ: ضَرْبَ تَأْدِيبٍ (فَكَيْفَ أَنَا مِنْهُمْ) ؟ أَيْ كَيْفَ يَكُونُ حَالِي مِنْ أَجْلِهِمْ وَبِسَبَبِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُحْسَبُ مَا خَانُوكَ وَعَصَوْكَ وَكَذَّبُوكَ) أَيْ: مِقْدَارُهَا (وَعِقَابُكَ) : عَطْفٌ عَلَى مَا خَانُوكَ، أَيْ: وَيُحْسَبُ أَيْضًا قَدْرُ شَتْمِكَ وَضَرْبِكَ إِيَّاهُمْ، (فَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ) أَيْ: عُرْفًا وَعَادَةً (كَانَ) أَيْ: أَمْرُكَ (كَفَافًا) : بِفَتْحِ الْكَافِ، فَفِي الْقَامُوسِ: كَفَافُ الشَّيْءِ كَسَحَابٍ مِثْلُهُ، وَمِنَ الرِّزْقِ مَا كَفَّ عَنِ النَّاسِ وَأَغْنَى. وَفِي النِّهَايَةِ: الْكَفَافُ الَّذِي لَا يَفْضُلُ عَنِ الشَّيْءِ وَيَكُونُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَنْسَبُ بِالْمَقَامِ ; وَلِذَا قَالَ بَيَانًا لَهُ:(لَا لَكَ وَلَا عَلَيْكَ) أَيْ: لَيْسَ لَكَ فِيهِ ثَوَابٌ وَلَا عَلَيْكَ فِيهِ عِقَابٌ، بَلْ فِعْلُهُ مُبَاحٌ لَيْسَ عَلَيْكَ جُنَاحٌ، (فَإِنْ) : وَفِي نُسْخَةٍ وَإِنْ (كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ دُونَ ذَنْبِهِمْ) أَيْ: أَقَلَّ مِنْهُ (كَانَ فَضْلًا لَكَ) أَيْ: عَلَيْهِمْ ; فَإِنْ قَصَدْتَ الثَّوَابَ تُجْزِيهِ وَإِلَّا فَلَا، (وَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ فَوْقَ ذُنُوبِهِمْ) : بِالْجَمْعِ هُنَا وَبِالْإِفْرَادِ فِيمَا سَبَقَ، الْمُرَادُ مِنْهُ الْجِنْسُ تَفَنُّنٌ فِي الْكَلَامِ أَيْ: أَكْثَرَ مِنْهُ (اقْتُصَّ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: أُخِذَ بِمِثْلِهِ (لَهُمْ) أَيْ: لِأَجْلِهِمْ (مِنْكَ الْفَضْلُ) أَيِ: الزِّيَادَةُ، (فَتَنَحَّى الرَّجُلُ) أَيْ: بَعُدَ عَنِ الْمَجْلِسِ (وَجَعَلَ يَهْتِفُ) : بِكَسْرِ التَّاءِ أَيْ: شَرَعَ يَصِيحُ (وَيَبْكِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا تَقْرَأُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} [الفاتحة: 47 - 19829] أَيْ: ذَوَاتِ الْقِسْطِ
وَهُوَ الْعَدْلُ (لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) أَيْ: فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَاللَّامُ لِلتَّوْقِيتِ {فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء: 47] أَيْ: قَلِيلًا مِنَ الظُّلْمِ (وَإِنْ كَانَ) أَيِ: الْعَمَلُ وَالظُّلْمُ (مِثْقَالَ حَبَّةٍ) أَيْ: مِقْدَارَهَا، وَهُوَ بِالنَّصْبِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَلَى أَنَّ كَانَ نَاقِصَةٌ، وَرَفْعُ مِثْقَالٍ عَلَى كَانَ التَّامَّةِ، {مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا} [الأنبياء: 47] أَيْ: أَحْضَرْنَاهَا وَالضَّمِيرُ لِلْمِثْقَالِ وَتَأْنِيثُهُ لِإِضَافَتِهِ إِلَى الْحَبَّةِ {وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47] ; إِذْ لَا مَزِيدَ عَلَى عِلْمِنَا وَوَعْدِنَا، (فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا أَجِدُ لِي وَلِهَؤُلَاءِ) أَيِ: الْمَمْلُوكِينَ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ هُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي (شَيْئًا) أَيْ: مَخْلَصًا (خَيْرًا مِنْ مُفَارَقَتِهِمْ) أَيْ: مِنْ مُفَارَقَتِي إِيَّاهُمْ ; لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى مُرَاعَاةِ الْمُحَاسَبَةِ وَالْمُطَالَبَةِ عَسِرٌ جِدًّا (أُشْهِدُكَ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ) : بِالنَّصْبِ عَلَى التَّأْكِيدِ، وَيَجُورُ رَفْعُهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ:(أَحْرَارٌ)، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: 154] ; حَيْثُ قُرِئَ بِالْوَجْهَيْنِ فِي السَّبْعَةِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .
5562 -
ــ
5562 -
(وَعَنْهَا) أَيْ: عَنْ عَائِشَةَ (قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ) أَيْ: مِنَ الْفَرَائِضِ أَوِ النَّوَافِلِ، أَوْ فِي بَعْضِ أَجْزَائِهَا مِنْ أَوَّلِ الْقِيَامِ أَوِ الرُّكُوعِ، أَوِ الْقَوْمَةِ أَوِ السُّجُودِ، أَوِ الْقَعْدَةِ. (اللَّهُمَّ حَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا) : وَهَذَا إِمَّا تَعْلِيمٌ لِلْأُمَّةِ وَتَنْبِيهٌ لَهُمْ عَنْ نَوْمِ الْغَفْلَةِ، وَإِمَّا تَلَذُّذٌ بِمَا يَقَعُ لَهُ مِنْ هَذِهِ النِّعْمَةِ وَإِمَّا خَشْيَةٌ لَهُ ; كَمَا يَقْتَضِيهِ مَقَامُهُ مِنْ مَعْرِفَةِ رَبِّ الْعِزَّةِ، وَذُهُولُهُ عَنْ مَرْتَبَةِ النُّبُوَّةِ وَمَنْزِلَةِ الْعِصْمَةِ. (قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! مَا الْحِسَابُ الْيَسِيرُ؟ قَالَ: أَنْ يَنْظُرَ) أَيِ: الْعَبْدُ (فِي كِتَابِهِ فَيَتَجَاوَزُ) : بِالرَّفْعِ وَيُنْصَبُ أَيِ (اللَّهُ عَنْهُ) : وَفِي نُسْخَةٍ: بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ فِيهِمَا (فَإِنَّهُ) أَيِ: الشَّأْنَ (مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ) : بِالنَّصْبِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ، أَيِ: الْمُحَاسَبَةَ وَالْمُضَايَقَةَ فِي الْمُطَالَبَةِ (يَوْمَئِذٍ يَا عَائِشَةُ هَلَكَ) أَيْ: عُذِّبَ، فَفِي الصِّحَاحِ: الْمُنَاقَشَةُ الِاسْتِقْصَاءُ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ» " وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ طُرُقِهِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ) . قَالَ السَّيِّدُ: وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَصْلُهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ. قُلْتُ: فِي الدُّرِّ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
5563 -
ــ
5563 -
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَنْ يَقْوَى عَلَى الْقِيَامِ) أَيْ: عَلَى الْوُقُوفِ لِلْحِسَابِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ عز وجل أَيْ: فِي حَقِّهِ، فَالْمَوْصُولُ صِفَةٌ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] ، قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ، أَيْ: يَوْمَ يَتَجَلَّى سُبْحَانَهُ بِجَلَالِهِ وَهَيْبَتِهِ، وَيُظْهِرُ سَطَوَاتِ قَهْرِهِ عَلَى الْجَبَّارِينَ، وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَرَأَ هَذِهِ السُّورَةَ فَلَمَّا بَلَغَ قَوْلَهُ: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] بَكَى نَحِيبًا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى قِرَاءَةِ مَا بَعْدَهُ، (فَقَالَ: يُخَفَّفُ) أَيْ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ (عَلَى الْمُؤْمِنِ) أَيِ: الْكَامِلِ أَوِ الْمُصَلِّي (حَتَّى يَكُونَ) أَيْ: طُولُهُ (عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ) أَيْ: كَمِقْدَارِ أَدَائِهَا أَوْ قَدْرَ وَقْتِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ:{تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ - فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا - إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا - وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج: 4 - 7]، وَبِقَوْلِهِ:{فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ - فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ - عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر: 8 - 10] . فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ يَصِيرُ يَسِيرًا إِمَّا فِي الْكَمِّيَّةِ، وَإِمَّا فِي الْكَيْفِيَّةِ، وَإِمَّا فِيهِمَا جَمِيعًا، حَتَّى بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضِهِمْ يَكُونُ هُوَ كَسَاعَةٍ، وَهُمْ مَنْ جَعَلُوا الدُّنْيَا سَاعَةً وَكَسَبُوا فِيهَا طَاعَةً.