الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول
في ذكر معنى المزاح والدعابة لغة، ومما اشتقتا منه، وأقوال أهل اللغة في تصريفهما
قال أبو بكر بن دريد:
وقال في باب النوادر:
«ويُقَالُ المِزاح والمُزاح، والمِزاحة، والمُزاحة أيضًا» .
وأنشد:
أما المزاحة والمراء فَدَعْهُمَا
…
خُلُقانِ لا أرضاهما لصديق
وقال ابن منظور الإفريقي في «لسان العرب» :
«المُزَّح من الرجال: الخارجون من طبع الثقلاء المتميِّزُون من طبع البغضاء» .
وقال أيضًا:
«الدعابة: اللعب، وقد دَعِبَ فهو دَعَّاب لعَّاب، والدُّعْبُبُ
الدُّعابة، والدُّعْبيب أيضًا: المزَّاح».
«وأدْعَبَ الرجل أَمْلَحَ، أي: قال كلمة مَليحَة، وهو يَدْعَبُ دَعْبًا، أي: قال قولًا يُسْتَمْلَحَ. كما يقال مزح يمزح» . اهـ بتصرف.
هذا ملخص ما ذكره أهل اللغة في معنى المداعبة والمزاح.
تنبيه:
ذهب بعض أهل العلم إلى أن كلمة «مِزَاح» مشتقة مِن «زاح» أي: مال وحاد.
مستدلين على ذلك بما رُوِي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «هل تدرون لِمَ سُمِّيَ المزاح؟» قالوا: لا. قال: «لأنه زاح عن الحَق» .
وهذا الذي ذهب إليه بعض أهل العلم غير صحيح، والجواب عليه من وجوه:
أولًا: أن هذا الأثر المنسوب إلى عمر بن الخطاب - رضي الله
عنه - لم تصح نسبته إليه، بل هو (ضعيف) كما حقق ذلك الشيخ نجم عبد الرحمن خلف في تخريج «كتاب الصمت» لابن أبي الدنيا.
ثانيًا: أن هذا القول لازمه أن حرف «الميم» في كلمة «مزاح» زائدٌ على أصل الكلمة، وهذا غير صحيح، بل هو أصلي في اسم الكلمة وفعلها. فنقول:«يمزح مزحًا ومزاحًا» وقد بيَّنْتُ لك ذلك فيما تقدَّم، فأغنى عن الإعادة.
ثالثًا: أن مفهوم الأثر مخالف لحكم المزاح شرعًا، إذ أن مفهومه: أن المزاح باطل، لأنه مال وحاد عن الحق، وما كان غير حق فهو باطل، ولا شك ببطلان هذا المعنى، لثبوت المزاح عن النبي صلى الله عليه وسلم قولًا وفعلًا، وعن أصحابه رضي الله عنهم، وإقراره لهم، واستمرارهم على ذلك بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ولم يُعلَم عن أحد منهم أنه كره المزاح مطلقًا.
رابعًا: مخالفة هذا الأثر- مع كونه لا يثبت سندًا- لما ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في غير ما حديث من أنه مازح النبي صلى الله عليه وسلم وإخوانه من الصحابة رضي الله عنهم، وتمازحوا بحضرته فلم ينكر عليهم، وَسَتَمُرُّ بك أمثلة لذلك إن شاء الله.
خامسًا: ثم على فرض ثبوت الأمر عن عمر رضي الله عنه، فإنه من الممكن أن يُحْمَل معناه على أن المزاح غير حق فيؤخذ
على ظاهره، ولا يلزم من ذلك أن يكون باطلًا، إذ ما كلُّ ما ليس بحق يكون باطلًا مطلقًا، وإلا لَمَا مازح النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ولما عَدَّه بعض الأئمة سُنَّةً مستحبة وعلى هذا: فالمزاح ضربٌ من الكلام المستحسن الذي لا يُؤخذ على أنه حق وصدق، كما لا يلزم منه أن يكون كذبًا وباطلًا، إذ بإمكان المرء أن يمازح أخاه متجنبًا الفحش في القول والفعل، والكذب والإخبار بخلاف الواقع.
وما أحسن ما قاله القاضي عياض في شرحه لحديث أم زرع: