الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السابع
فيما لا يجوز من المزاح
للمزاح ضوابط وآداب يتحتَّم على كل أحد أن يعلمها ويعمل بها، لما في مخالفتها من مجانبة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، بل ربما أفضت تلك المخالفة إلى أمر أعظم كولوج باب محرم أو وقوع في كبيرة بل ربما أدى ذلك إلى مروقٍ من الدين من غير أن يكون ذلك في الحسبان.
فمن تلك الضوابط:
أولًا:
ألا يكون المزاح بشيء من شرائع الدين؛ لأن النَّفَرَ الذين قالوا في غزوة تبوك: «لَم نَرَ مثل قرائنا هؤلاء أرغَب بطونًا وأكذب ألسُنًا وأجبن عند اللقاء» يعنون- النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه- إنما قالوا ذلك مزاحًا وخوضًا ولعبًا ليقطعوا عنهم عناء الطريق كما قالوا، وهم أعلم الناس بحال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأنهم خلاف ما وصفوهم به، ومع ذلك ردَّ الله اعتذارهم بقوله تعالى:{لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: 66].
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن أناس يمزحون بكلام فيه استهزاء بالله أو الرسول صلى الله عليه وسلم أو الدين فما حكم ذلك؟
فأجاب بقوله: «نقول: إن هذا العمل وهو الاستهزاء بالله
ورسوله صلى الله عليه وسلم، أو كتابه أو دينه ولو كان على سبيل المزح، ولو كان على سبيل إضحاك القوم نقول إن هذا كفر ونفاق، وهو نفس الذي وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في الذين قالوا:«ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا ولا أكذب ألسُنًا ولا أجبن عند اللقاء» يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء، فنزلت فيهم:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة: 65]؛ لأنهم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: إنما كنا نتحدث حديث الركب نقطع به عناء الطريق، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهم ما أمره الله به:{أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65، 66].
فجانب الربوبية والرسالة والوحي والدين جانب محترم لا يجوز لأحد أن يعبث فيه، لا باستهزاء بإضحاك ولا بسخرية، فإن فعل فإنه كافر، لأنه يدل على استهانته بالله عز وجل ورسله وكتبه وشرعه، وعلى من فعل هذا أن يتوب إلى الله عز وجل مما صنع؛ لأن هذا من النفاق، فعليه أن يتوب إلى الله ويستغفر ويصلح عَمَلَه ويجعل في قلبه خشية الله عز وجل وتعظيمه وخوفه ومحبته، والله ولي التوفيق». اهـ.