الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صدري لَهْدَةً أوْجَعتني، ثم قال:«أظننت أن يَحِيفَ الله عليك ورسوله؟» قالت: مهما يَكْتُم الناس فقد علمه الله، قال:«نعم» ، قال:«فإن جبريل عليه السلام أتاني حين رأيت، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك، فناداني فأخفى منك فأجبته، فأخفيت منكِ فظننت أن قد رقدتِ، وخشيت أن تَسْتَوْحِشِي، فأمرني أن آتي أهل البقيع فأستغفر لهم» .
في هذا الحديث صور من جميل خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لأهله، ومداعبته إياهم بتَرْخيم اسمها، ولطيف استغرابه لارتفاع أنفاسها، من غير مستنكر من القول، حتى استمال قلبها، وأخبرته وهي راضية، ثم قال- ترويحًا لها وطمأنينة لها- «أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟» أي: أخشيت أن أدخل في يومك على غيرك من نسائي؟ فإن ذلك لن يكون مني، لأنَّهُ حَيْف وجَوْر، وهو مُنَزَّهٌ عنه صلى الله عليه وسلم.
خامسًا:
وعنها رضي الله عنها قالت: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بخريزةٍ قد طَبَخْتُها له، فقلت لسودة رضي الله عنها والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينها: «كلي» ، فأبت، فقلت:«لتأكلنَّ، أو لألطخن وجهكِ» ، فأبت،
فوضعت يدي في الخريزة فَطَلَيْتُ وجهها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فوضع يده لها، وقال لها:«الْطَخي وجهها» ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم لها، فمرَّ عمر فقال: يا عبد الله يا عبد الله، فظن أنه سيدخل فقال:«قوما فاغسلا وجوهكما» ، فقالت عائشة: فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا الحديث ضرب من ضروب مزاحه صلى الله عليه وسلم، ودماثة خلقه، فإنه لما رأى ما فعلت عائشة بسودة رضي الله عنهما، أراد أن تَقْتَصَّ لنفسها، فخفض لها ركبتيه لتستقيد منها- كما في رواية الزبير بن بكار- وهو في هذا يضحك استملاحًا لمزاحهما، بل إنه صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ معهما بسهم في المزاح، فقال لسودة:«الْطَخي وجهها» ، فلطخت وجه عائشة رضي الله عنهما، فضحك لها كما ضحك لعائشة.
وليعلم أن هذا المزاح بين أمهات المؤمنين لم يكن فيه إثارة لضغائن كامنة أو أحقاد أو غيرها بين عائشة وسودة، وحاشاهن من ذلك، بل هو من جِنْس تَبَادُح الصحابة بالبطيخ، مع كون الأنفس مُتَوَادَّة متراحمة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما رأيت