الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يروِّع مسلمًا» . والحديثان صحيحان.
وبما تقدَّم يتبين لك بطلان الاحتجاج بالحديث على النهي عن المزاح مطلقًا. والله الموفق.
ثانيًا:
وربما اسْتُدِلَّ بحديث أبي هريرة رضي الله عنه في النهي عن كثرة الضحك، على كراهية المزاح والنهي عنه. ويُرَدُّ هذا الاستدلال بأن يُقال: ليس في الحديث دليل على حرمة الضحك بل ولا حتى القهقهة. وهي الضحك مقرونًا بصوت.
فإن كتب السُّنَّة مليئة بالأحاديث التي فيها ذكر ضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى تبدو (أنيابه) وفي رواية (نواجذه) وفي رواية (أضراسه)، بل جاء في الحديث أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضحك حتى استلقى على قفاه من شدة الضحك وذلك بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر عليه ذلك كما في حديث مبايعة هند بنت عتبة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاءته متنكرة حتى لا يعرفها لأجل صَنيعها بعمِّه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.
ومثله حديث المقدام رضي الله عنه كما في (صحيح مسلم) أنه ضحك حتى استلقى.
وحديث عدي بن حاتم رضي الله عنه لمَّا قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين، أتعرفني؟ قال: فضحك حتى استلقى لقفاه ثم قال: «نعم، والله إني لأعرفك .. » الحديث رواه أحمد.
ولا شك أن الصحابة رضي الله عنهم أبعد الناس عن مناهي الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإنَّما وقع ذلك منهم على النُّدْرَةِ «أي: الاستلقاء من شدة الضحك» لكنه مشعر بأنهم لا يرون في الضحك بأسًا تأسيًّا بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد من هذا الحديث، تجنُّب كثرة الضحك كما هو ظاهر النص، لما يَعْقُب ذلك من قسوة القلب بل موته إذا تمادى صاحبه فيه، ولما يعقبه من الانشغال عن حياة القلوب والأرواح بما خُلِقَت له من ذكر وعبادة وتَنَسُّكٍ.
وما أحسن ما قاله ابن العربي رحمه الله: «المعنى فيه أن المرء إنما يضحك عند تأَتِّي الآمال، وصلاح الأحوال بما يناله من السرور فإذا ضحك اغْتَرَّ فأثَّر ذلك في قلبه بعدم الخوف، ففتر أو كَعَّ عن الاجتهاد في العمل لغفلة القلب، فإذا أكثر من ذلك وداوم عليه مات قلبه بترك أصل العمل وإعراضه عن الخوف في