المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: مشاورة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه حول خطة الدفع "حفر الخندق - مرويات غزوة الخندق

[إبراهيم بن محمد المدخلي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: أسباب الغزوة وتاريخها

- ‌الفصل الأول: سبب الغزوة

- ‌الفصل الثاني: تاريخ الغزوة

- ‌الباب الثاني: الدوافع والأسباب التي دعت إلى تكتل الأحزاب

- ‌الفصل الأول: دور اليهود في هذه الغزوة

- ‌المبحث الأول: الحقد اليهودي على البشرية منذ القدم

- ‌المبحث الثاني: الوفد اليهودي المحرض

- ‌المبحث الثالث: القبائل التي أغراها اليهود على قتال المسلمين

- ‌الفصل الثاني: دور المنافقين في هذه الغزوة

- ‌الباب الثالث: موقف المسلمين من تحركات الأحزاب

- ‌الفصل الأول: مشاورة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه حول خطة الدفع "حفر الخندق

- ‌الفصل الثاني: تواضعه صلى الله عليه وسلم ومباشرته الحفر بنفسه

- ‌الفصل الثالث: الكدية وتغلب المسلمين عليها

- ‌الفصل الرابع: مكان الخندق وسرعة إنجاز المسلمين لحفره

- ‌الباب الرابع: وصول الأحزاب إلى مشارف المدينة

- ‌الفصل الأول: بيان عدد الجيش

- ‌المبحث الأول: عدد جيش المشركين، وبيان قواده

- ‌المبحث الثاني: عدد جيش المسلمين

- ‌الفصل الثاني: تواطؤ اليهود مع المشركين وعزمهم على ضرب المسلمين من الخلف

- ‌الفصل الثالث: تخذيل المنافقين للصف الإسلامي

- ‌الباب الخامس: وصف ما دار في غزوة الأحزاب من مناوشات

- ‌الفصل الأول: اقتحام المشركين للخندق وتصدي المسلمين لهم

- ‌المبحث الأول: الحصار الذي لحق بالمسلمين

- ‌المبحث الثاني: المبارزة

- ‌المبحث الثالث: القتلى من الجانبين

- ‌الفصل الثاني: اشتداد المعركة يمنع المسلمين من الصلاة

- ‌الفصل الثالث: "دور سعد بن معاذ وبلاؤه في هذه الغزوة

- ‌الفصل الرابع: دور نعيم بن مسعود الأشجعي في هذه الغزوة

- ‌الفصل الخامس: دور حذيفة بن اليمان في هذه الغزوة

- ‌الفصل السادس: حصول النزاع بين الأحزاب وانهزامهم

- ‌المبحث الأول: هبوب الريح

- ‌المبحث الثاني: "نتائج الغزوة

- ‌الخاتمة: في الأحكام والفوائد والعبر المستنبطة من هذه الغزوة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الفصل الأول: مشاورة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه حول خطة الدفع "حفر الخندق

‌الباب الثالث: موقف المسلمين من تحركات الأحزاب

‌الفصل الأول: مشاورة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه حول خطة الدفع "حفر الخندق

".

الفصل الأول: مشاورة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه حول حفر الخندق

إن الشورى من الأمور التي أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم وذلك لما يلي:

(أ) لتأليف قلوب أصحابه.

(ب) وليقتدي به من بعده.

(جـ) وليستخرج منهم الرأي فيما لم ينزل فيه وحي من أمر الحرب والأمور الجزئية وغير ذلك1.

وغالباً ما يفعل ذلك في الحروب تطييباً لقلوبهم وأخذاً بما يتضح أنه الأولى من آرائهم وتجاربهم. وتنشيطاً لهم فيما يفعلونه2.

لذلك قال تعالى مخالطباً رسوله صلى الله عليه وسلم وممتناً عليه وعلى المؤمنين: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} 3.

1 السياسة الشرعية 134.

2 تفسير القرآن العظيم 1/420، عارضة الأحوذي 7/208.

3 سورة آل عمران الآية 159.

ص: 133

حدث ذلك أولاً في بدر كما هو معروف وشاورهم في أحد1. هل يقعد في المدينة أو يخرج إلى العدو. وشاورهم يوم الخندق أولاً: بالنسبة لخطة الدفاع وهي ما نحن بصدده. ثم شاورهم في مصالحة الأحزاب بثلث تمر المدينة عامئذ فأبى ذلك عليه رؤساء الأنصار وذلك بدليل الحديث الذي رواه البزار2 حيث قال: "حدثنا عقبة بن سنان3 ثنا عثمان الغطفاني4 ثنا محمد بن عمرو5

1 أي غزوة أحد.

2 هو أحمد بن عمر بن عبد الخالق البصري البزار (أبو بكر) محدث فقيه. ولد سنة 210هـ. وارتحل في الشيخوخة ناشراً لحديثه فحدث بأصبهان عن الكبار وببغداد ومصر ومكة والرملة. وأدركه أجله فمات سنة 297هـ. من تصانيفه شرح موطأ مالك والمسند. انظر: تاريخ بغداد 4/334، السير 13/554.

3 عقبة بن سنان بن عقبة بن سنان بن سعد بن جابر بن محمد بن محصن الهدادي بفتح هاء وخفة دال كما في المغني صفحة 84. بصري. روى عن غسان بن مضر وعثمان بن عفان الفطفاني. سمع منه أبي في الرحلة الثالثة ثنا عبد الرحمن قال: "سئل أبي عنه فقال: صدوق". الجرح والتعديل 6/311.

4 عثمان بن عثمان الغطفاني أبو عمرو القاضي البصري صدوق ربما وهم من الثامنة. روى له (م د س) . انظر: التقريب235.

5 محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني صدوق له أوهام من السادسة ثبت. مات سنة خمس وأربعين ومائة على الصحيح. روى له (ع) . التقريب 313.

ص: 134

عن أبي سلمة1 عن أبي هريرة2 قال: "جاء الحارث الغطفاني3 إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" فقال: "يا محمد ناصفنا تمر المدينة4 وإلا ملأناها عليك5 خيلاً ورجالاً" فقال: "حتى استأمر6 السعود سعد بن عبادة7 وسعد بن معاذ

1 أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني قيل اسمه عبد الله وقيل إسماعيل ثقة مكثر من الثالثة. مات سنة 94، وقيل بعدها. وكان مولده بضع وعشرون. روى له (ع) . التقريب 409.

2 أبو هريرة الدوسي الصحابي الجليل حافظ الصحابة اختلف في اسمه واسم أبيه فقيل عبد الرحمن بن صخر وقيل غير ذلك. التقريب 431، التهذيب 12/262، أسد الغابة 5/315.

3 قائدة بني مرة وسيأتي فيما بعد.

4 بالمثناة الفوقية وهو التمر المعروف وفي بعض المراجع - ثمر- بالمثلثة وهي تعم التمر وغيره. انظر في ذلك البداية والنهاية 4/104، أسد الغابة 2/284.

5 في مجمع الزوائد 6/132 ملأتها.

6 بمعنى استشر والسعود جمع سعد وهو هنا يريد السعدين بن معاذ وابن عبادة واستشارته صلى الله عليه وسلم لهما يدل على فضلهما لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدى قومهما لذلك قال ابن الأثير عند ترجمة سعد بن عبادة: جاء الخبر أن قريشاً سمعوا صائحاً يصيح ليلاً على أبي قبيس:

فإن يسلم السعدان يصبح محمد

بمكة لا يخشى خلاف مخالف.

قال فظنت قريش أنه يعني سعد بن زيد مناة بن تميم وسعد هذيم من قضاعة فسمعوا الليلة الثانية قائلاً.

يا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرا

ويا سعد سعد الخزر جيين الغطارف

أجيبا إلى داعي الهدي وتمنيا

على الله في الفردوس منية عارف

7 هو سعد بن عبادة بن سليم بن حارثة الأنصاري الخزرجي. أحد النقباء واحد الأجواد، ووقع في صحيح مسلم أنه شهد بدراً والمعروف عند أهل المغازي أنه تهيأ للخروج فلدغته حية، ذكر ذلك ابن سعد وقيل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم رده لاستنابته على المدينة فلم يتمكن من الخروج إلى بدر حكاه السهيلي عن ابن قتيبة وممن ذكره فيمن شهد بدراً عروة والبخاري وابن أبي حاتم والطبراني. قال ابن كثير: "وقد وقع في صحيح مسلم ما يشهد لذلك ثم" قال: "والصحيح أن ذلك سعد بن معاذ". الطبقات الكبرى 3/614، وأسد الغابة 2/283، البداية والنهاية 3/319، الإصابة 2/30.

ص: 135

يعني يشاورهما فقالا: "لا والله ما أعطينا الدنية1 من أنفسنا في الجاهلية فكيف وقد جاء الله بالإسلام فرجع إليه الحارث فأخبره" فقال: "غدرت يا محمد" قال: فقال حسان:"

يا حار من يغدر بذمة جاره

منكم فإن محمداً لا يغدرُ

إن تغدوا فالغدر من عاداتكم

واللؤم ينبت في أصول السخبرِ

وأمانة النهدي حيث لقيتها

مثل الزجاجة كسرها لا يجبرُ2

1 الدّنيّة بتشديد التحتانية وهي الخصلة الحقيرة المذمومة من الدنو. مختار الصحاح 212.

2 في البيت الأول - يا حار - وهو منادي مرخم حارث والبيت الأول موحد في أغلب الروايات إلا أن آخره في الديوان - لم يغدر - بكسر الراء وهو الأولى ليتناسب مع البيتين الآخرين. أما بالنسبة للثاني فهناك اختلاف لا يغير المعنى ففي الشطر الأول مثلاً من عاداتكم - في الديون - منكم شيمة وفي الشطر الأخير منه - واللؤم- في الديوان والغدر - وهو مكسور القافية والسخبر شجر تألفة الحيات فتكسن في أصوله. الواحدة سخبرة قال ابن الأثير وقد ورد ذلك في حديث ابن الزبير حيث قال لمعاوية: لا تطرق إطراق الأفعوان في أصول السخبر، أما البيت الثالث فهو غير واضح المعنى لكن يوضحه ما جاء في أسد الغابة حيث قال: وأمانة المري ما استودعته) وقد بين ابن الأثير أن سبب هذه الأبيات غير السبب المذكور في الحديث وأنه حدث هذا عندما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم مع الحارث دعاة: يدعون قومه للإسلام فغدروا بهم فقال حسان هذه الأبيات قلت ولا يمنع أن تكون هذه الأبيات تكررت في الحادثين. انظر في كل ذلك: ديوان حسان 1/137، 2/127، أسد الغابة 1/343، الإصابة 1/286، النهاية في غريب الحديث 2/349.

ص: 136

قال: فقال الحارث: "كف عنا يامحمد لسان حسان فلو مزج به ماء البحر لمزجه".

قال البزار: "لا نعلم رواه عن محمد بن عمرو هكذا إلا عثمان ولم نسمعه إلا من عقبة"1.

والحديث بهذا السند يعتبر حسناً لذاته وقد ذكره ابن الأثير عند ترجمة سعد بن مسعود2 الأنصاري وكذا ذكره الحافظ3.

أما الهيثمي4 فقد قال: "رواه البزار والطبراني ولفظه: عن أبي هريرة

1 كشف الأستار 2/332، الإصابة 2/36.

2 أسد الغابة 2/294.

3 الإصابة 2/36.

4 الهيثمي هو علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي - نور الدين أبو الحسن محدث حافظ وافق العراقي في السماع ولازمه وتوفي بالقاهرة في رمضان 807هـ. من تصانيفه مجمع الزوائد، موارد الضمآن في زوائد ابن حبان، كشف الأستار عن زوائد البزار، الضوء اللامع للسخاوي 5/200.

ص: 137

قال: "جاء الحارث الغطفاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا محمد شاطرنا تمر المدينة" فقال: "حتى استأمر السعد فبعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وسعد بن الربيع1 وسعد بن خيثمة2 بن مسعود3 فقال: "إني قد علمت أن العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وأن الحارث قد سألكم أن تشاطروه تمر المدينة فإن أردتم أن تدفعوه عامكم هذا" فقالوا: "يارسول الله أوحي من السماء؟ فالتسليم لأمر الله أو عن رأيك أو هواك؟

1 سعد بن الربيع بن عمر بن أبي زهير بن كعب بن الخزرج الأنصاري الخزرجي عقبى بدري نقيب كان أحد نقباء الأنصار قاله عروة وابن شهاب وابن عقبة وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبد الرحمن بن عوف وقتل في أحد. أسد الغابة 2/277، الإصابة 2/26، الاستبصار 114. وهناك سعد بن الربيع - رجل آخر ولكنه يعرف بابن الحنظلية قال فيه الحافظ قال أبو حاتم:"استشهد بأحد قال وفيه نظر ولعله أراد الذي قبله وأما هذا فذكر ابن سعد أنه شهد الخندق". انظر: الإصابة 2/27 عند ترجمته. ولكن بحثت في الطبقات لابن سعد فلم أجده لأن ابن سعد قد ذكر واحداً بهذا الاسم وهو الذي قتل في أحد إلا أن يكون ذكره في غير الطبقات فالله أعلم.

2 سعد بن خثيمة بن الحارث الأنصاري الأوسي يكني أبا خثيمة وهو عقبي بدري قتل في بدر. الاستبصار 265، أسد الغابة 2/275.

3 سعد بن مسعود الأنصاري قال ابن الأثير والحافظ: إنه شهد الخندق وأنه كان ضمن من استشارهم يومئذ. أسد الغابة 2/294ولكنه ذكر سعد بن خثيمة مع أنه ذكر قبل أنه قتل في بدر. انظر: الإصابة 2/36

ص: 138

فرأينا نتبع هواك ورأيك فإن كنت إنما تريد الإبقاء علينا. فوالله لقد رأيتنا وإياهم على سواء ما ينالون منا تمرة إلا شراء أو قرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو ذا تسمعون ما" يقولون. قالوا غدرت يا محمد".

فقال حسان1 بن ثابت رضي الله عنه:

يا حار من يغدر بذمة جاره

منكم فإن محمداً لا يغدرُ

وأمانة المري2 حين لقيتها

كسر الزجاجة صدعها لا يجبرُ

إن تغدروا فالغدر من عاداتكم

واللؤم ينبت في أصول السخبرِ

ثم قال الهيثمي: "رواه البزار والطبراني ورجالهما فيهم محمد بن عمرو حديثه حسن وبقية رجاله ثقات"3.

1 حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بفتح المهملة والراء الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن أو أبو الوليد شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهور ت سنة أربع وخمسين وله مائة وعشرون سنة.

وذلك في خلافة علي رضي الله عنه وقد عاش ستين سنة في الجاهلية ومثلها في الإسلام. قال ابن الأثير وكذلك عاش أبوه ثابت وجده المنذر وأبو جده حرام عاش كل واحد منهم مائة عشرين سنة ولا يعرف في العرب مثلهم أربعة تناسلوا من صلب واحد عاش كل واحد منهم مائة وعشرين. وقد وهب له النبي صلى الله عليه وسلم جاريته سيرين أخت مارية فولدت له عبد الرحمن بن حسان. أسد الغابة 2/4.

2 يقصد الحارث بن عوف المري.

3 مجمع الزاوئد 6/132- 133. انظر: الإصابة 2/36.

ص: 139

وقد أشار إلى ذلك ابن حزم1 ألا أنه ذكر السعدين فقط2 كما ذكره ابن كثير عن ابن إسحاق مطولاً وأنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى السعدين بعد أن حصلت المراوضة3 ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح وأخيراً تناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال ليجهدوا علينا4.

أما ما جاء في الحديث السابق الذي ذكره الهيثمي وذكر فيه السعود5 وساق خمسة منهم، فقد رجعت إلى تراجمهم فوجدت أن هناك تناقضا ظاهراً حيث تدل الرواية التي ذكرها الهثيمي أنهم كانوا جميعاً ضمن الصحابة الذين حضروا الغزوة أما الحقيقة فهي تدل على أن سعد

1 جوامع السيرة 188.

2 ابن معاذ وابن عبادة.

3 المراوضة: هي ما يجري بين المتبابعين من الزيادة والنقصان. انظر: النهاية في غريب الحديث 2/276.

4 البداية والنهاية 4/104.

5 جاء ذكر السعود في شعر حسان حيث قال:

أروني سعوداً كالسعود التي سمت

بمكة من أولاد عمرو بن عامر

أقاموا عماد الدين حتى تمكنت

قواعده بالمرهفات البواترقال أبو جعفر بن حبيب أراد بالسعود سبعة وهم أربعة من الأوس وثلاثة من الخزرج. الإصابة 2/25.

ص: 140

بن الربيع مثلاً قد استشهد في غزوة أحد وقد ساق ابن الأثير حديثاً يدل على ذلك1 وقد تقدمت ترجمته.

أما سعد بن خيثمة فقد استشهد ببدر ذكر ذلك ابن إسحاق2 وغيره.

أما سعد بن مسعود فقد ذكر الحافظ أن له ذكراً في حديث الطبراني3 المذكور ثم ساق الحديث إلى أن قال

قال ابن الأثير في ذكر سعد بن خيثمة نظر لأنه استشهد ببدر. والخندق كانت بعدها بثلاث سنين، ثم قال لا يلزم من الغلط في سعد بن خيثمة الغلط في سعد بن مسعود فإن ثبت الخبر فهو من كبار الأنصار بحيث كان يستشار في ذلك الوقت4.

وهكذا تمت هذه المشاروة مع السعدين كما جاء ذلك في حديث البزار الذي يعتبر أقوى حديث في الباب على ضوء إسناده5.

1 أسد الغابة 2/278.

2 السيرة النبوية 1/690، أسد الغابة 2/275، الإصابة 2/36.

3 تقدم في ص 138.

4 الإصابة 2/36.

5 تقدم وهو يعتبر حسناً لذاته.

ص: 141

ولم تتم تلك الصفقة التي كان يحلم بها الحارث بن عوف وعيينة بن حصن كما في بعض الروايات.

أما المشاورة الثانية الني حصلت في هذه الغزوة فقد حصلت عندما سمع النبي صلى الله عليه وسلم ما أجمع عليه كفار قريش ومن تابعهم على المسير إلى المدينة فاستشار الصحابة رضي الله عنهم وتمخضت تلك المشاورة عن رأي سديد أدلى به سلمان1 رضي الله عنه حيث أشار بحفر الخندق لكي يحول بين العدو وبين المدينة2.

ولم يرد في ذلك حديث صحيح غير أن الطبري قال: "حدثت عن محمد بن عمر3 قال كان الذي أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق سلمان، وكان أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

1 سلمان الفارسي أبو عبد الله يقال أنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعرف بسلمان الخير كان أصله من فارس من رامهرمز من قرية يقال لها جئ، ويقال بل كان أصله من أصبهان قال ابن عبد البر وقد ذكرته في التمهيد وذكرت حديث إسلامه بتمامه وكان إذا قيل له ابن من أنت؟ قال أنا سلمان بن الإسلام من بني آدم وقد تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدر وأحد بسبب الرق فأشار عليه صلى الله عليه وسلم بالمكاتبة وقد عاش ثلاثمائة سنة وكان من المعمرين وكان له ثلاث بنات. انظر: الاستيعاب حاشية الإصابة 2/56، أسد الغابة 2/328- 332

2 زاد المعاد 3/271، السيرة الحلبية 1/631.

3 هو الواقدي شيخ ابن سعد وقد تقدم.

ص: 142

وهو يومئذ حر"1، وقال يا رسول الله: "إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا"2.

والواقدي وصفه أهل الحديث بأنه متروك الحديث مع سعة علمه.

وبذلك قال ابن هشام3 ونقله عنه ابن كثير4 وبه قال ابن الأثير5. وقد نقل الحافظ في الفتح حيث قال: وكان الذي أشار بذلك سلمان فيما ذكر أصحاب المغازي منهم أبو معشر6 قال: "قال سلمان للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا"7.

لقد كان الخندق ذا أهمية عظمى ذلك لأن المسلمين عندما بحثوا خطة الدفاع عن المدينة كانوا يفكرون في

1 لأنه قبل ذلك كان مملوكاً حتى أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالمكاتبة وبذلك تحرر من الرق ولازم الرسول صلى الله عليه وسلم.

2 مغازي الواقدي 2/445، تاريخ الأمم والملوك 2/44، جامع البيان 21/130

3 السيرة النبوية 2/224.

4 البداية والنهاية 4/95.

5 الكامل 2/122.

6 هو نجيح بن عبد الرحمن السندي بكسر المهملة وسكون النون المدني أبو معشر وهو مولى بني هاشم مشهور بكنيته - ضعيف - أسن واختلط مات سنة 170هـ. انظر: التقريب 356.

7 فتح الباري 7/392- 393.

ص: 143

إيجاد وسيلة فعالة يتحاشون بها الالتحام الشامل المباشر مع جيوش الأحزاب المتفوقة عدداً وعدة في معركة فاصلة ليتسنى لهم تجميدها وشل حركتها على النحو الواسع الذي تريد تلك القوة الباغية.

ولقد كان لتنفيذ هذا المشروع الدفاعي أكبر الأثر في تجميد نشاط جيوش الأحزاب وشل حركتها ثم فشل الغزو في النهاية1.

ولقد حفر الخندق في المنطقة الشمالية الغربية من المدينة لأن هذا المكان هو أصلح موقع يجب أن يعسكر فيه من يريد الدفاع عن المدينة لأنه الناحية الوحيدة المكشوفة التي لابد لأي غاز يريد المدينة من أن يتجه إليها ذلك لأن الجهات الأخرى محاطة بأشجار النخيل والزروع الكثيفة والأبنية المتشابكة والحواجز الطبيعية الصعبة كالجبال وغيرها والتي لا تسمح لقوات الأحزاب الكبيرة أن تقوم بإجراء أي قتال على نطاق واسع كما تريد2.

وعندما قرر الرسول صلى الله عليه وسلم حفر الخندق - بعد المشاورة - أمر بنقل النساء والذراري إلى الآطم3 الحصينة حتى لا يصيبهم مكروه.

1 غزوة الأحزاب لمحمد باشميل 147.

2 المصدر السابق 149.

3 الأطم بضمة وضمتين القصر وكل حصن مبني بالحجارة وكل بيت مربع مسطح. القاموس 4/74.

ص: 144

لأنه كان يتخوف عليهم من اليهود - بني قريظة - حيث كانت منازلهم مما يلي العوالي1 وكانوا قد مالؤوا الأحزاب ووافقوهم على نقض العهد الذي ابرموه مع النبي صلى الله عليه وسلم. فقد روى الطبراني حيث قال: "حدثنا محمد بن عبد الله القرمطي2 البغدادي ثنا عثمان بن يعقوب العثماني3 ثنا محمد بن طلحة4 التميمي عن محمد بن سهل بن أبي حثمة5 عن هرير6 بن عبد الرحمن بن رافع7 بن خديج8 عن أبيه عن

1 العوالي بالفتح جمع العالي ضيعة بينها وبين المدينة أربعة أميال وقيل ثلاثة (وهو الصحيح) . انظر: مراصد الإطلاع 2/970.

2 هو محمد بن عبد الله العدوي يعرف بالقرمطي. روى عنه أبو القاسم الطبراني. انظر: تاريخ بغداد 433.

3 لم أجد له ترجمة.

4 محمد بن طلحة بن عبد الرحمن بن طلحة بن عبد الله بن عثمان ابن عبيد الله التميمي المعروف بابن الطويل وجده عثمان هو أخو طلحة أحد العشرة صدوق يخطئ من الثامنة. مات سنة ثمان ومائة. روى له (س ق) . التقريب 302.

5 محمد بن سهل بن أبي حثمة الأنصاري الأوسي قال الحافظ ذكره البخاري ولم يذكر فيه جرحاً وذكره ابن حبان في الثقات. تعجيل المنفعة 365.

6 هرير بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج الأنصاري المدني - مقبول - من الخامسة التقريب 363. قال الذهبي وقال الازدي يتكلمون في حديثه وقد وثقه ابن معين وابن حبان. الميزان 4/295.

7 عبد الرحمن بن رافع قال ابن أبي حاتم روى عن أبيه رافع. وروى عنه ابنه هرير. الجرح والتعديل 5/232.

8 رافع بن خديج بن عدي الحارثي الأوسي الأنصاري صحابي جليل أول مشاهده أحد ثم الخندق. مات سنة ثلاث أو أربع وسبعين وقيل قبل ذلك. التقريب99، الاستيعاب 2/59.

ص: 145

جده قال: "لما كان يوم الخندق لم يكن حصن أحصن من حصن بني حارثة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم النساء والصبيان والذراري فيه" فقال: "إن ألمَّ بكن1 أحد فالمعن بالسيف" فجاءهن رجل من بني ثعلبة بن سعد يقال له نجدان - أحد بني جحاش2على فرس حتى كان في أصل الحصن ثم جعل يقول للنساء انزلن إلى خير لكن فحركن السيف فأبصره أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فابتدر الحصن قوم فيهم رجل من بني حارثة يقال له ظهير بن رافع3 فقال: "يا نجدان ابرز فبرز إليه فحمل عليه فرسه فقتله وأخذ رأسه فذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم". هذا الحديث قال فيه الهيثمي بعد إيراده.

رواه الطبراني وقال: "ورجاله ثقات4. وقد رواه ابن جرير في تاريخه بسنده من طريق ابن إسحاق"5.

1 إن ألم بكن أي إذا حصل ذلك وهو دخول أي غريب عنهم اليهن.

2 في مجمع الزاوئد حشاش واثبت ما في المعجم الكبير.

3 ظهير بن رافع قال ابن قدامة وشهد ظهير العقبة الثانية ولم يشهد بدراً وشهد أحداً مع أخيه مظهر بن رافع ولم يذكر متى مات. الاستبصار 239

4 مجمع الزوائد 6/133، وهو في المعجم الكبير 4/318حديث 4378.

5 تاريخ الأمم والملوك 2/570- 571.

ص: 146

وقال الهيثمي بعد إيراد هذا الحديث: "عن الزبير بن العوام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الخندق فجعل نساءه وعمته صفية في أطم يقال له فارع

" الحديث إلا أنه قال بعد سياقه لهذا الحديث

رواه البزار وأبو يعلي باختصار وإسناد هما ضعيف.

ومع ذلك فالمتن فيه اضطراب حيث إن آخره يخالف أوله فقد ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولاً خرج إلى الخندق ثم قال بعد ذلك: ثم خرج إلى أحد. ويظهر من ذلك أنه حصل التباس من خروجه إلى أحد خروجه إلى الخندق ثم قال الهيثمي1 مؤكداً ذلك:

وقد تقدم الحديث من رواية صفية في وقعة أحد. وهو عند البزار2 أن ذلك كان في أحد والمشهور أن هذه القصة كانت في الخندق.

أما كونه صلى الله عليه وسلم جعلهم في أطم يقال له فارع فهو صحيح بدليل ما جاء في صحيح مسلم3 عن عبد الله بن الزبير وفيه أنه كان هو وعمر بن أبي سلمة في أطم حسان يوم الخندق مع النسوة

الخ كذلك روى

1 مجمع الزوائد 6/133- 134.

2 كشف الأستار 2/333- 334.

3 صحيح مسلم 4/1879، كتاب فضائل الصحابة.

ص: 147

هذا الحديث أحمد1 في مسند الزبير ثم أورد الهثيمي بعد ذلك حديثاً آخر بهذا المعنى ولفظه عن عروة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ نساءه يوم الأحزاب أطما من آطام المدينة وكان حسان بن ثابت رجلاً جباناً فأدخله مع النساء فأغلق الباب فجاء يهودي فقعد على باب الأطم فقالت صفيه بنت عبد المطلب: إنزل يا حسان إلى هذا العلج2 فاقتله فقال ما كنت لأجعل نفسي خطراً لهذا العلج فائتزرت بكساء وأخذت فهرا3 فنزلت إليه فقطعت رأسه

الخ الحديث.

قال الهيثمي: "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ولكنه مرسل"4.

قال السمهودي: "وروى الإمام أحمد بإسناد قوي عن عبد الله بن الزبير قال: "كانت صفية في حصن حسان بن ثابت يوم الخندق أي وهو المسمى بفارع

1 مسند الإمام أحمد 1/166.

2 العلج: بكسر العين المهملة قال في مختار الصحاح بوزن العجل: الواحد من كفار العجم والجمع علوج واعلاج وعلجه بوزن عنبة. مختار الصحاح 449.

3 الفهر: بكسر الفاء الموحدة هو الحجر قدر ما يدق به الجوز أو يملأ الكف ويؤنث. القاموس المحيط 2/112.

4 مجمع الزوائد 6/134.

ص: 148

فذكر الحديث في قتلها اليهودي وقولها لحسان انزل فاسلبه" فقال: "مالي بسلبه حاجة"1.

وهذا الحديث وهو رفع النساء والذراري في الآطام رواه ابن جرير في تاريخه2 وقد روى الطبراني هذه القصة عن صفية في غزوة أحد كما تقدم.

إلا أن الهيثمي قال: "رواه الطبراني في الكبير والأوسط من طريق أم عروة بنت جعفر بن الزبير عن أبيها ولم أعرفهما وبقية رجاله ثقات"3.

ثم عقب السمهودي قائلاً: "والمذكور في كتب السير أن هذه القصة كانت في الخندق وأن بعضهم كان بحصن بني حارثة وبعضهم بفارع وأن صفية رضي الله عنها لما فرغت من قتل اليهودي رجعت إلى الحصن فقالت لحسان: "انزل

1 وفاء الوفاء 1/215.

2 تاريخ الأمم والملوك 2/50.

3 مجمع الزوائد 6/115.

ص: 149

فاسلبه1 فإني لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل" قال: "مالي بسلبه حاجة يابنت عبد المطلب"2 أ. هـ. كلام السمهودي.

وهذه القصة صحيحة لتظافر الأدلة التي يقوي بعضها بعضاً يؤيدها أن اليهود إنما غدروا في غزوة الخندق ولم يكن لهم ذكر في أحد.

أما بالنسبة لهذه التهمة التي وجهت ضد حسان بن ثابت وهي الجبن فقد دفعها بعض العلماء لذلك قال السهيلي: "مجمل هذا الحديث عند الناس أن حساناً كان جباناً شديد الجبن وقد دفع بعض العلماء هذا وانكره وقال: لو صح هذا. لهجي به حسان فإنه كان يهاجي الشعراء وكانوا يردون عليه فما عيره أحد بجبن. وإن صح فلعل حسان كان معتلاً في ذلك اليوم بعلة منعته من شهود القتال وهذا أولى ما تأول".

ثم قال: "وممن أنكر أن يكون هذا صحيحاً أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله في كتابه الدرر3 وهذا هو الحق والله أعلم فإن شعر حسان كان أشد

1 السلب هو أخذ ما يكون على المقتول أو معه من سلاح وثياب ودابة وغيرها النهاية في غريب الحديث 2/387.

2 وفاء الوفاء 1/315.

3 الروض الأنف 3/381، وفي الاستيعاب 1/405. قال: وقال اكندا هل الخبار والسير: إن حسان كان من أجبن الناس، وذكروا من جبنه أشياء مستشنعة كرهت ذكرها لنكارتها.

ص: 150

على الأعداء من وقع النبل، وذلك واضح من المهاجاة التي وقعت بينه وبين شعراء قريش كابن الزبعرى وغيره، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينصب له منبراً في المسجد1 يقوم عليه قائماً يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" وكان يقول للنبي صلى الله عليه وسلم لأسلنك كما تسل الشعرة من العجين2 ولو كان هذا حقاً لهجاه به اعداؤه.

1 أسد الغابة 2/4.

2 النهاية في غريب الحديث 2/392، والحديث في البخاري. انظر: فتح الباري 7/346، ورواه مسلم في صحيحه 4/1934 فضائل حسان.

ص: 151