الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: اشتداد المعركة يمنع المسلمين من الصلاة
اشتدت المعركة وهذا طبيعى ما دام قد قتل من فرسان المشركين وصناديدهم أربعة تقريباً وذلك خلال غارة سريعة. مما زاد من حقدهم علاوة على الذي دفعهم للمجيء من مَكَّة وغيرها من بلدان الأحزاب لمحاصرة المسلمين والقضاء عليهم.
لكنهم ولله الحمد وجدوا غير ما يتوقعون. علماً بأن المسلمين شغلوا من الخلف وذلك من قبل اليهود فقد حصل منهم التعرض والتحرش بالنساء والذراري. ولما طال الحصار أخذ اليهود قبحهم الله يرسلون إمدادات للأحزاب.
ذكر ذلك صاحب السيرة الحلبية فقال:
أن دورية مسلحة من الأنصار خرج رجالها ليدفنوا ميتاً لهم فصادفوا قافلة من عشرين بعيراً محملة تمراً وشعيراً وتبناً. فأخذها المسلمون وخفف الله بها عليهم من ضائقة المجاعة التي كانوا يعانونها1.
مما جعل الهزائم تتوالى على الأحزاب. إلا أنهم زادوا من نشاط خيلهم فكانت الخيول تطوف بأعداد كبيرة كل ليلة حول الخندق حتى الصباح فتخلفها أعداد طول النهار وأصحابها يطمعون في أخذ المسلمين على حين غرة وذلك لأن خالد بن الوليد كان في هذه الغزوة قائداً
1 السيرة الحلبية 2/107.
للفرسان كما كان في غزوة أحد وهو يطمع كما فعل في أحد أن يصيب غرة من المسلمين ولكن هيهات "لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين"1.
وبعد قتل فرسانهم المشهورين في الهجمة الأولى تابعوا التحركات رجاء الانتقام لصناديد الكفر لذلك قال ابن سعد:
فكان المشركون يتناوبون بينهم فيغدو أبو سفيان بن حرب في أصحابه يوماً ويغدو خالد بن الوليد يوماً ويغدو عمرو بن العاص يوماً ويغدو هبيرة بن أبي وهب الذي نجا من الكرة الأولى يوماً ويغدو ضرار بن الخطاب الفهري يوماً فلا يزالون يجيلون خيلهم يتفرقون مرة ويجتمعون أخرى ويناوشون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقدمون رماتهم فيرمون2.
قال ابن سعد: "وبعد قتل أصحابهم اتعدوا أن يغدوا من الغد فباتوا يعبئون أصحابهم وفرقوا كتائبهم ونحوا3 إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتيبة غليظة فيها خالد بن الوليد فقاتلوهم يومهم ذلك إلى هوي من الليل ما يقدرون أن يزولوا من مواضعهم ولا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ظهراً ولا
1 رواه البخاري في كتاب الأدب 83، مسلم في كتاب الزهد 63، وأبو داود في الأدب 29، وابن ماجة في الفتن 13، والدارمي في الرقاق 65، وأحمد 2/115، 379.
2 الطبقات الكبرى 2/67.
3 عند ابن سيد الناس جهزوا.
عصراً ولا مغرباً ولا عشاء حتى كشفهم الله فرجعوا متفرقين إلى منازلهم وعسكرهم وانصرف المسلمون إلى قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام أسيد بن الحضير1 على الخندق في مائتين من المسلمين وكر خالد بن الوليد في خيل من المشركين يطلبون غرة من المسلمين فناوشوهم ساعة ومع المشركين وحشي2 فزرق3 الطفيلَ بن النعمان من بني سلمة بمزراقه فقتله وانكشفوا وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبته فأمر بلالاً فأذن وأقام الظهر فصلى ثم أقام بعد كل صلاة إقامة إقامة وصلى هو وأصحابه ما فاتهم من
1 أسيد بضم الهمزة هو أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك الأنصاري الأوسي الأشهلي يكنى أبا يحيى وأسلم أسيد قبل سعد بن معاذ على يد مصعب بن عمير بالمدينة وكان إسلامه بعد العقبة الأولى وقبل الثانية وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يكرمه ولا يقدم عليه أحد. وقد اختلف في شهوده بدراً ولكنه شهد أحد وما بعدها توفي رضي الله عنه سنة عشرين في شعبان ودفن بالبقيع. انظر: أسد الغابة 1/92.
2 وحشي هو قاتل حمزة وهو ابن حرب الحبشي أبو دسمه وهو من سودان مكة وهو مولى لطعيمة بن عدي وقيل مولى جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي وشرك في قتله مسيلمة الكذاب يوم اليمامة وكان يقول قتلت خير الناس في الجاهلية وشر الناس في الإسلام وبعد أن ضاقت عليه الدنيا عندما فتحت مكة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلماً ولكن الرسول قال له بعد أن أسلم وشرح له قصة قتل حمزة. غيب عني وجهك قال ولم ير وجهي حتى قبضه الله، وقد مات وهو مخمور. انظر: أسد الغابة 5/83- 84.
3 زرقه رماه والمزراق رمح قصير قاله في القاموس 3/240.
الصلوات وقال: "شغلونا عن الصلاة الوسطى يعني العصر ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً"1.
وقد نقل ابن العربي2 خلافاً في الصلاة الوسطى وأي صلاة كانت على الآتي:
1-
إنها الظهر قاله زيد بن ثابت.
2-
إنها العصر قاله علي في أحدي روايتيه.
3-
إنها المغرب قاله البراء.
4-
إنها العشاء الآخره.
5-
إنها الصبح قاله ابن عباس وابن عمرو أبو أمامة والرواية الصحيحة عن علي.
6-
إنها الجمعة.
7-
إنها غير معنية.
قال: "وكل قول من هذه الأقوال مستند إلى ما لا يستقل بالدليل.
فأما من قال إنها الظهر فلأنها أول صلاة فرضت.
وأما من قال إنها العصر فتعلق بحديث علي رضي الله عنه شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً.
1 الطبقات الكبرى 2/68- 69.
2 في أحكام القرآن 1/225.
وأما من قال إنها المغرب فلأنها وتر بين أشفاع.
وأما من قال إنها الصبح فلأنها في وقت متوسط بين الليل والنهار قاله ابن عباس1 ومالك وقال غيرهما هي مشهودة2 والعصر وإن كانت مثلها فتزيد الصبح عليها بوجهين أحدهما: أنها أثقل الصلوات على المنافقين. والثاني: إن في الموطأ عن عائشة حافظوا على الصلوات والصلاة والوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين".
قال: "وهذا يدل على أن الصلاة الوسطى غير صلاة العصر ويعارض حديث علي رضي الله عنه ويبين أن المراد أنها كانت وسطى بين ما فات وبقي".
وأما من قال إنها الجمعة فلأنها تختص بشروط زائدة وهذا يدل على شرفها وفضلها.
وأما من قال إنها غير معينة فلتعارض الأدلة وعدم الترجيح وهذا هو الصحيح3.
1 في الأصل قدم مالك على ابن عباس.
2 مشهودة من الملائكة وقد قال تعالى عن القرآن {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} .
3 أحكام القرآن 1/225.
قال: "وهذا هو الصحيح فإن الله خبأها في الصلوات كما خبأ ليلة القدر في رمضان وخبأ الساعة التي في يوم الجمعة وخبأ الكبائر في السيئات ليحافظ الخلق على الصلوات ويقوموا جميع شهر رمضان ويلزموا الذكر في يوم الجمعة كله ويجتنبوا جميع الكبائر والسيئات"1.
أقول: "رحم الله ابن العربي كيف يرجح أن الصلاة الوسطى مبهمة مع صريح الأدلة التي جاءت في الصحيحين وغيرهما وقد صرحت أنها صلاة العصر، ولذلك ذكر الحافظ ابن كثير كل الأقوال في ذلك وتبين من خلال ما نقله أنها صلاة العصر2
وقد جاء التصريح بأن الصلاة الوسطى هي العصر في هذه الغزوة حيث قال صلى الله عليه وسلم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر وقد جاء عند البخاري ما يقوي ذلك حيث قال: حدثنا إسحاق3 حدثنا روح4 حدثنا هشام5 عن محمد6 عن عبيدة7 عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الخندق: "ملأ
1 أحكام القرآن 1/226.
2 انظر: تفسير القرآن العظيم 1/290- 291.
3 إسحاق بن منصور السلولي بفتح المهملة واللامين مولاهم أبو عبد الرحمن صدوق.
4 روح بن عبادة بن العلاء بن حسان القبس أبو محمد البصري - ثقة -.
5 هشام بن حسان الأزدي القردوسي بالقاف وضم الدال أبو عبد الله البصري-ثقة-.
6 محمد بن سيرين الأنصاري أبو بكر بن أبي عمرة البصري ثقة ثبت عابد كبير القدر.
7 عبيدة بن عمر السلماني تابعي كبير مخضرم ثقة ثبت.
الله عليهم بيوتهم وقبرهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس" 1.
وقد أخرج هذا الحديث المصرح بتعيين الصلاة الوسطى كل من: مسلم2 وأبو داود3 والترمذي4 وابن ماجة5 والدارمي6 وعبد بن حميد7 وأحمد8 ورواه الطبراني9 عن ابن عباس بلفظ ادخل الله قبورهم ناراً.
وقد أخرجه النسائي10 عن عبيدة عن علي به، إلا أنه لم يرد عنده ذكر الأحزاب. وفي هذا الحديث تصريح بأن الذي فات من الصلوات وتأخرت عن وقتها هي صلاة العصر وذلك بدليل قوله:"حتى غابت الشمس" وبدليل الحديث الذي رواه أحمد حيث قال:
1 صحيح البخاري 5/92 كتاب المغازي باب غزوة الخندق.
2 صحيح مسلم 1/436 كتاب المساجد باب التغليظ في تفويت صلاة العصر.
3 سنن أبي داود مع معالم السنن للخطابي 1/287 كتاب الصلاة.
4 سنن الترمذي 4/286 أبواب التفسير سورة البقرة.
5 سنن ابن ماجة 1/224 كتاب الصلاة.
6 سنن الدارمي 1/125 كتاب الصلاة.
7 من المنتخب لعبد بن حميد 1/155 حديث (77) .
8 مسند أحمد 1/79، 81، 113، 122، 126، 135، 137، 146، 150، 152، 404، 456.
9 المعجم الكبير للطبراني 10/360.
10 سنن النسائي 1/236 باب المحافظة على صلاة العصر.
حدثنا أبو معاوية1 حدثنا الأعمش عن مسلم2 عن شتير بن شكل3 عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قلوبهم وبيوتهم ناراً ثم صلاها بين العشائين المغرب والعشاء"4.
وكذا رواه مسلم من حديث أبي معاوية والنسائي5 من طريق
عيسى بن يونس6 كلاهما عن الأعمش عن مسلم بن صبيح أبي الضحى عن شتير بن شكل عن حميد عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله7.
وقد رواه مسلم أيضاً من طريق شعبة بن الحكم8 بن عتيبة عن
1 أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير الكوفي عمي وهو صغير (ثقة) احفظ الناس لحديث الأعمش وقد يهم في حديث غيره.
2 مسلم بن صبيح بالتصغير الهمداني أبو الضحى الكوفي العطار مشهور بكنيته (ثقة) فاضل.
3 شتير بمثناة مصغراً ابن شكل بفتح المعجمة والكاف العبسي بموحدة الكوفي يقال إنه أدرك الجاهلية (ثقة) .
4 مسند أحمد 1/79.
5 سنن النسائي 1/236.
6 عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي بفتح المهملة وكسر الموحدة أخو إسرائيل كوفي نزل الشام مرابطاً (ثقة) مأمون.
7 صحيح مسلم 1/437 كتاب المساجد.
8 الحكم بن عتيبة أبو محمد الكندي وقد تقدم.
يحيى الجزار1 عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله2.
ورواه الترمذي والنسائي من طريق الحسن البصري عن علي به.
قال الترمذي: "ولا يعرف سماعه منه"3.
قال الإمام ابن كثير: وقال ابن أبي حاتم4 حدثنا أحمد5 بن سنان حدثنا عبد الرحمن6 بن مهدي عن سفيان7 عن عاصم8 عن زر9 قال قلت لعبيدة سل علياً
1 يحي بن الجزار العُرنى بضم المهملة وفتح الراء ثم نون الكوفي.
2 صحيح مسلم 1/437.
3 أي سماع حسن البصري لا يصح من علي. انظر: تفسير ابن كثير 1/291.
4 ابن أبي حاتم تقدم في ص 114.
5 أحمد بن سنان بن أسد بن حيان بكسر المهملة بعدها موحدة أبو جعفر القطان الواسطي (ثقة) حافظ. التقريب 13.
6 عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري مولاهم أبو سعيد البصري (ثقة ثبت) حافظ عارف بالرجال والحديث قال ابن المديني ما رأيت أعلم منه من التاسعة مات سنة 198 وهو بن ثلاث وسبعين سنة (ع) . التقريب 210.
7 سفيان هو الثوري كما في القواعد المفيدة في معرفة أسماء الرجال المذكورين في جامع الإمام البخاري ص 9 وقد تقدمت ترجمته في ص 240.
8 هو عاصم بن سليمان الأحول أبو عبد الرحمن البصري (ثقة) من الرابعة لم يتكلم فيه إلا القطان وكان بسبب دخوله الولاية مات بعد سنة 140 (ع) التقريب 159.
9 زر بكسر أوله وتشديد الراء ابن حبيش بمهملة وموحدة ومعجمة مصغر ابن حباشة بضم المهملة بعدها موحدة ثم معجمة: الأسدي الكوفي أبو مريم (ثقة) جليل مخضرم مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث وثمانين وهو ابن مائة وسبع وعشرين سنة (ع) . التقريب 106.
عن الصلاة الوسطى فسأله فقال: "كنا نراها الفجر أو الصبح حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب: "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قبورهم وأجوافهم أو بيوتهم ناراً" 1.
ورواه ابن جرير عن بندار عن ابن مهدي به2.
وقال: "حديث يوم الأحزاب وشغل المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن أداء صلاة العصر يومئذ روي عن جماعة من الصحابة وإنما المقصود رواية من نص منهم في روايته أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر" قال3 وقد رواه مسلم أيضاً من حديث ابن مسعود والبراء بن عازب رضي الله عنهما4.
وقد جاء عند البخاري5 في كتاب الدعوات: عن علي رضي الله عنه قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فقال: "ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس وهي صلاة العصر" وقد عقب الحافظ على ذلك قائلاً وقوله في هذه الرواية: "وهي صلاة العصر".
1 تفسير القرآن العظيم 1/291.
2 جامع البيان 2/558.
3 أي ابن كثير.
4 تفسير القرآن العظيم 1/291.
5 البخاري مع فتح الباري 11/194 كتاب الدعوات باب الدعاء على المشركين.
جزم الكرماني بأنه مدرج في الخبر من قول بعض رواته:
قال: "وفيه نظر فقد تقدم في الجهاد من رواية عيسى بن يونس، وفي المغازي من رواية روح بن عبادة، وفي التفسير من رواية يزيد بن هارون، ومن رواية يحي بن سعيد كلهم عن هشام كذلك، ولكن بلفظ "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر".
وكذا أخرجه من طريق شتير بن شكل عن علي ومن طريق مرة عن عبد الله بن مسعود مثله سواء وأصرح من ذلك ما أخرجه من حديث حذيفة مرفوعاً "شغلونا عن صلاة العصر" وهو ظاهر في أنه من نفس الحديث1. قال2 وروى أحمد والترمذي من حديث سمرة رفعه "الصلاة الوسطى صلاة العصر" ومن طريق كهيل3 بن حرملة سئل أبو هريرة عن الصلاة الوسطى فقال اختلفنا فيها ونحن بفناء بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفينا أبو هاشم4 بن عتبة فقال: "أنا أعلم لكم فقام فاستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم" ثم خرج إلينا فقال "أخبرنا أنها صلاة العصر". ومن طريق عبد العزيز
1 فتح الباري 11/195 كتاب الدعوات باب الدعاء على المشركين.
2 قال ابن حجر.
3 هو كهيل بن حرملة النميري. الجرح والتعديل 7/173.
4 هو أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس القرشي العبشمي قيل اسمه خالد، وقيل مهشم وقيل هشام صحابي من مسلمة الفتح مات في خلافة عثمان (ت س ق) التقريب 430، الاستيعاب 4/333.
بن مروان أنه أرسل إلى رجل فقال أي شيء سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة الوسطى؟ فقال أرسلني أبو بكر وعمر أسأله وأنا غلام صغير فقال هي العصر.
ومن حديث أبي مالك1 الأشعري رفعه الصلاة الوسطى صلاة العصر.
قال وروى الترمذي وابن حبان من حديث ابن مسعود مثله.
وروى ابن جرير من طريق هشام بن عروة عن أبيه قال كان في مصحف عائشة: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر"2.
قال3: "وروى ابن المنذر من طريق مقسم 4عن ابن عباس قال "شغل الأحزاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر حتى غابت الشمس" فقال:
1 أبو مالك الأشعري هو الحارث بن الحارث الأشعري الشامي صحابي يكنى أبا مالك تفرد بالرواية عنه أبو سلام وفي الصحابة أبو مالك الأشعري اثنان غير هذا. التقريب 59، الاستيعاب 4/308.
2 فتح الباري 8/195 وفيه رد على ابن العربي حيث ذكر فيما تقدم أن في مصحف عائشة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر.
3 قال أي الحافظ ابن حجر.
4 مقسم هو مولى ابن عباس وهو صدوق وقد تقدم.
"شغلونا عن الصلاة الوسطى" ثم ساق الاختلاف حول الصلاة الوسطى ثم قال: "وشبهة من قال أنها الصبح قوية لكن كونها العصر هو المعتمد وبه قال ابن مسعود وأبو هريرة وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة وقول أحمد والذي صار إليه معظم الشافعية لصحة الحديث فيه". قال الترمذي: "هو قول أكثر علماء الصحابة". وقال الماوردي: "هو قول جمهور التابعين".
وقال ابن عبد البر: "هو قول أكثر أهل الأثر".
وبه قال من المالكية ابن حبيب1 وابن العربي وابن عطية2، ويؤيده أيضاً ما رواه مسلم عن البراء بن عازب:"نزل حافظوا على الصلوات وصلاة العصر" فقرأناها ما شاء الله ثم نسخت فنزلت "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى" فقال رجل فهي إذن صلاة العصر فقال "أخبرتك كيف نزلت"3.
1 هو عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون بن جاهمة بن عباس بن مرداس السلمي العباسي الأندلسي القرطبي المالكي (أبو مروان) الفقيه المشهور صدوق ضعيف الحفظ كثير الغلط من كبار العاشرة مات سنة 239. التقريب 218.
2 ابن عطية هو عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي أبو محمد ت سنة 546هـ. وذلك في كتابة المحرر الوجيز 2/235. وانظر ترجمته في السير 19/587.
3 فتح الباري 8/196.
وهذه الأحاديث على اختلاف طرقها وكثرتها جاءت خاصة بصلاة العصر وأنها هي الوسطى وقد استطرد في ذلك ابن جرير1 عند تفسير آية المحافظة على الصلوات.
كما أنه ورد عند البخاري حديث آخر عن عمر مشابه لحديث علي ومصرح بأن الذي فاتهم من الصلوات هي العصر حيث قال رحمه الله:
حدثنا معاذ بن فضالة2 قال حدثنا هشام3 عن يحي عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله أن عمر ابن الخطاب جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش فقال: "يارسول الله ما كدت اصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب" قال النبي: "والله ما صلينا فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعدما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب"4.
1 جامع البيان 2/553- 572.
2 معاذ بن فضالة الزهراني أو الطفاوي أبو زيد البصري - ثقة - من العاشرة وهو من كبار شيوخ البخاري مات سنة 210 روى له البخاري. التقريب 340.
3 هشام بن أبي عبد الله سنبر بمهملة ثم نون ثم موحدة أبو بكر البصري الدستوائي بفتح الدال وسكون سين مهملتين وفتح المثناة ثم مد - ثقة ثبت - وقد رمي بالقدر. التقريب 364.
4 صحيح البخاري 5/92 كتاب المغازي.
وقد أورده البخاري على عادته في عدة أماكن1 كما رواه مسلم2 والترمذي3 والنسائي4 قال الحافظ:
وفي حديث ابن مسعود عند الترمذي والنسائي: "أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله"5.
أما النسائي فلم يصرح بأن ذلك كان يوم الخندق6.
أما الترمذي فقد روى حديث ابن مسعود الذي ذكره الحافظ إلا أن فيه أن المشركين شغلوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن أربع صلوات وهذا نصه:
قال الترمذي رحمه الله:
1 صحيح البخاري مع الفتح 2/68 كتاب المواقيت، 2/72، 2/123 كتاب الأذان، 2/434 كتاب الخوف.
2 صحيح مسلم 1/348 كتاب المساجد.
3 سنن الترمذي 1/116.
4 سنن النسائي 1/297.
5 فتح الباري 2/69.
6 سنن النسائي 1/297.
حدثنا هناد1 حدثنا هشيم2 عن أبي الزبير3 عن نافع4 بن جبير بن مطعم عن أبي عبيدة5 بن عبد الله بن مسعود قال: قال عبد الله بن مسعود: "إن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله فأمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء".
قال الترمذي وفي الباب عن أبي سعيد وجابر.
قال أبو عيسى: "حديث عبد الله ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله" قال وهو الذي اختاره بعض أهل العلم في الفوائت أن
1 هناد بن السرى بتشديد النون بعدها ألف وكسر الراء الخفيفة ابن مصعب التميمي أبو السري الكوفي (ثقة) . التقريب 365.
2 هشيم بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي أبو معاوية بن أبي خازم بمعجمتين الواسطى (ثقة ثبت) كثير التدليس والإرسال الخفي. التقريب 365.
3 هو محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم أبو الزبير المكي (صدوق) إلا أنه يدلس. التقريب 318.
4 نافع بن جبير بن مطعم النوفلي أبو محمد أو أبو عبد الله المدني (ثقة فاضل) . التقريب 355.
5 أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود مشهور بكنيته والأشهر أنه لا اسم له غيرها ويقال اسمه عامر كوفي (ثقة) من كبار الثالثة والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه مات سنة ثمانين. التقريب 416.
يقيم الرجل لكل صلاة إذا قضاها وإن لم يقم أجزأه وهو قول الشافعي1.
وبذلك قال ابن عبد البر فقد بين أن الذي فاتهم يوم الأحزاب إنما هي أربع صلوات قال أبو عمر بعد أن ساق اختلاف الأئمة حول قضاء الفوائت هل يؤذن ويقيم لكل صلاة أم يقيم فقط أم لا يؤذن ولا يقيم
…
الخ.
وقال: روى هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو سعيد الخدري وابن مسعود2 أما حديث ابن مسعود فقد رواه الترمذي وقد تقدم وبين الترمذي هناك أنه لا بأس به، وقال:"إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه عبد الله بن مسعود وقد أكد ذلك الحافظ"3.
أما حديث أبي سعيد الخدري فقد رواه أحمد بسند رجاله ثقات وقد أثبته ابن عبد البر وكلا الطريقين4 عن ابن أبي ذئب5 عن المقبري6
1 سنن الترمذي 1/115 باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ.
2 التمهيد 5/234- 237.
3 التقريب 416.
4 أي الطريق التي رواه بها أحمد والطريق التي أخرجه بها ابن عبد البر.
5 هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب القرشي العامري الحارث المدني (ثقة فاضل) . التقريب 308.
6 هو سعيد بن أبي سعيد بن كيسان المقبري أبو سعد المدني ثقة من الثالثة تغير قبل موته بأربع سنين وروايته عن عائشة وأم سلمة مرسلة مات في حدود العشرين وقيل قبلها وقيل بعدها. التقريب 122.
عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بلالاً فأقام فصلى الظهر ثم أقام العصر ثم أقام المغرب ثم أقام العشاء وذلك قبل أن ينزل الله في صلاة الخوف {فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً} 1.
وقد اختلف العلماء في ذلك على ما يلي:
1-
مالك والشافعي والأوزاعي وأصحابهم قالوا فيمن فاتته صلاة أو صلوات حتى خرج وقتها أنه يقيم لكل واحدة إقامة ولا يؤذن.
2-
الثوري قال ليس عليه في الفوائت أذان ولا إقامة.
3-
أبو حنيفة وأصحابه قالوا: "من فاتته صلاة واحدة صلاها بأذان وإقامة فإن لم يفعل فصلاته تامة".
4-
قال محمد بن الحسن إذا فاتته صلوات فإن صلاهن بإقامة إقامة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فحسن وإن أذن وأقام لكل صلاة فحسن ولم يذكر خلافاً.
5-
أحمد بن حنبل وأبو ثور وداود بن علي قالوا يؤذن ويقيم لكل صلاة فاتته على ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ نام عن الصلاة وهذا هو الراجح ثم عقب قائلاً:
1 مسند أحمد 3/49.
حجة من قال إنه يقيم لكل صلاة فاتته ولا يؤذن لها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس يوم الخندق عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء إلى هوي من الليل ثم أقام لكل صلاة ولم يؤذن. وروى هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو سعيد الخدري وابن مسعود وقد تقدم1.
ثم أورد2 حديث ابن مسعود كما ورد عند الترمذي بنفس السند إلا أنه قال هكذا قال هشيم في هذا الحديث فأذن ثم أقام فصلى الظهر فذكر الأذان للظهر وحدها قال: "وكذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة3 عن هشيم سواء. وخالفه هشام الدستوائي" فقال "فيه فأمر بلالاً فأقام فصلى الظهر ولم يذكر أذاناً للظهر ولا لغيرها".
ثم ذكر رحمه الله سنداً آخر له ولكنه عن أبي عبيدة وقد ثبت أنه لم يسمع من أبيه وفيه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأقام فصلى الظهر وفي آخره ثم طاف علينا فقال: "ما على الأرض عصابة يذكرون الله غيركم"4 إلا أنه لم يصرح عند أحمد بأن ذلك كان يوم الخندق وعلى كل حال وعلى ضوء ما تقدم فالحديث منقطع.
1 التمهيد 5/234- 237.
2 أي ابن عبد البر.
3 المصنف 2/70.
4 مسند أحمد 1/423.
أقول: "وفي هذا دليل على أن الذي فاتهم من الصلوات أربع وهذا لا ينطبق على العشاء لأن وقتها ممتد قال الحافظ1: "لأن العشاء لم تكن فاتت".
قال: قال اليعمري2: "من الناس من رجح ما في الصحيحين وصرح بذلك ابن العربي" فقال: "إن الصحيح أن الصلاة التي شغل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة هي العصر" قلت: "ويؤيده حديث علي في مسلم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر" قال: "ومنهم من جمع بأن الخندق كانت وقعته أياماً فكان ذلك في أوقات مختلفة في تلك الأيام".
قال وهذا أولى. قلت3: "ويقربه روايتي أبي سعيد وابن مسعود وليس فيهما تعرض لقصة عمر بل فيهما أن قضاءه وقع بعد خروج وقت المغرب4. وهذا أولى بمعنى أنه إذا لم نرجح ما في الصحيحين فالمصير إلى الجمع أفضل خروجاً من المعارضة".
1 فتح الباري 2/69.
2 هو ابن سيد الناس وقد تقدم.
3 أي الحافظ ابن حجر.
4 فتح الباري 2/70.
قال الحافظ1: "وقد اختلف في سبب تأخير النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ذلك اليوم؟. فقيل كان ذلك نسياناً واستبعد أن يقع ذلك من الجميع ويمكن أن يستدل له بما رواه أحمد من حديث أبي جمعة2 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب فلما سلم قال: "هل علم رجل منكم أني صليت العصر؟ قالوا لا يارسول الله فصلى العصر ثم صلى المغرب": قال: "وفي صحة هذا الحديث نظر لأنه مخالف لما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم لعمر "والله ما صليتها". ويمكن الجمع بينهما بتكلف.
وقيل كان عمداً لكونهم شغلوه فلم يمكنوه من ذلك وهو أقرب لاسيما وقد وقع عند أحمد3 والنسائي4 من حديث أبي سعيد أن ذلك كان قبل أن ينزل الله في صلاة الخوف {فرجالاً أو ركبانا} 5.
1 فتح الباري 2/69.
2 أبو جمعة الأنصاري أو الكناني اسمه حبيب بن سباع ويقال جنبذ بضم الجيم والموحدة بينهما نون ساكنة ابن سباع صحابي سكن الشام ثم مصر مات بعد السبعين. التقريب 399، الاستيعاب 4/187.
3 مسند أحمد 3/49.
4 سنن النسائي 2/17.
5 سورة البقرة جزء من آية 239.
وكونهم تركوها عمداً هو الأقرب كما ذكر ذلك الحافظ لأنهم شغلوه صلى الله عليه وسلم فلم يمكنوه من ذلك لأنه قد بلغ الضيق والجهد والكرب والخوف بهذه الصفوة المباركة شأوا بعيداً إلى درجة أنهم في تلك اللحظات الأخيرة من محنة الغزو المرعب جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأفصحوا له بصراحة عما يعانونه من شدة الخوف والضيق والكرب فقالوا له يارسول الله لقد بلغت القلوب الحناجر فهل من شيء نقوله قال نعم قولوا: "اللهم أستر عوراتنا وآمن روعاتنا". وهذا الحديث رواه أحمد1 وابن أبي حاتم في تفسيره عن أبيه عن أبي عامر وقد حسنه الألباني2.
وخلاصة القول أن فوات الصلاة أو الصلوات عليهم في تلك الأيام كانت قبل نزول الأمر بصلاة الخوف وقد صرح بذلك الحافظ3 وغير واحد. وأن نزولها كان في غزوة ذات الرقاع4.
وقد نقل الحافظ الاختلاف فيها وأثبت أنها بعد الخندق كما ذكر
1 مسند أحمد 3/3.
2 حاشية فقه السيرة للغزالي 229.
3 فتح الباري 7/421- 424.
4 غزوة ذات الرقاع ذكرها ابن سعد قبل الخندق ولكن الراجح ما رجحه البخاري وبعده الحافظ وصاحب أضواء البيان.
ذلك ابن عبد البر1 ورجح ذلك الشنقيطي2 حيث قال: "واعلم أن التحقيق أن غزوة ذات الرقاع بعد خيبر وإن جزم جماعة كبيرة من المؤرخين بان غزوة ذات الرقاع قبل خيبر" قال: "والدليل على ذلك الحديث الصحيح أن قدوم أبي موسى الأشعري على النبي صلى الله عليه وسلم حين خيبر مع الحديث الصحيح أن أبا موسى شهد غزوة ذات الرقاع".
وقد قال البخاري رحمه الله: "باب غزوة ذات الرقاع وهي غزوة محارب خصفة من بني ثعلبة من غطفان فنزل نخلاً وهي بعد خيبر لأن أبا موسى الأشعري جاء بعد خيبر ثم قال رحمه الله: بل التحقيق أن صلاة الخوف ما شرعت إلا بعد الخندق".
1 التمهيد 5/234.
2 أضواء البيان 1/310- 312.