المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: الوفد اليهودي المحرض - مرويات غزوة الخندق

[إبراهيم بن محمد المدخلي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: أسباب الغزوة وتاريخها

- ‌الفصل الأول: سبب الغزوة

- ‌الفصل الثاني: تاريخ الغزوة

- ‌الباب الثاني: الدوافع والأسباب التي دعت إلى تكتل الأحزاب

- ‌الفصل الأول: دور اليهود في هذه الغزوة

- ‌المبحث الأول: الحقد اليهودي على البشرية منذ القدم

- ‌المبحث الثاني: الوفد اليهودي المحرض

- ‌المبحث الثالث: القبائل التي أغراها اليهود على قتال المسلمين

- ‌الفصل الثاني: دور المنافقين في هذه الغزوة

- ‌الباب الثالث: موقف المسلمين من تحركات الأحزاب

- ‌الفصل الأول: مشاورة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه حول خطة الدفع "حفر الخندق

- ‌الفصل الثاني: تواضعه صلى الله عليه وسلم ومباشرته الحفر بنفسه

- ‌الفصل الثالث: الكدية وتغلب المسلمين عليها

- ‌الفصل الرابع: مكان الخندق وسرعة إنجاز المسلمين لحفره

- ‌الباب الرابع: وصول الأحزاب إلى مشارف المدينة

- ‌الفصل الأول: بيان عدد الجيش

- ‌المبحث الأول: عدد جيش المشركين، وبيان قواده

- ‌المبحث الثاني: عدد جيش المسلمين

- ‌الفصل الثاني: تواطؤ اليهود مع المشركين وعزمهم على ضرب المسلمين من الخلف

- ‌الفصل الثالث: تخذيل المنافقين للصف الإسلامي

- ‌الباب الخامس: وصف ما دار في غزوة الأحزاب من مناوشات

- ‌الفصل الأول: اقتحام المشركين للخندق وتصدي المسلمين لهم

- ‌المبحث الأول: الحصار الذي لحق بالمسلمين

- ‌المبحث الثاني: المبارزة

- ‌المبحث الثالث: القتلى من الجانبين

- ‌الفصل الثاني: اشتداد المعركة يمنع المسلمين من الصلاة

- ‌الفصل الثالث: "دور سعد بن معاذ وبلاؤه في هذه الغزوة

- ‌الفصل الرابع: دور نعيم بن مسعود الأشجعي في هذه الغزوة

- ‌الفصل الخامس: دور حذيفة بن اليمان في هذه الغزوة

- ‌الفصل السادس: حصول النزاع بين الأحزاب وانهزامهم

- ‌المبحث الأول: هبوب الريح

- ‌المبحث الثاني: "نتائج الغزوة

- ‌الخاتمة: في الأحكام والفوائد والعبر المستنبطة من هذه الغزوة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الثاني: الوفد اليهودي المحرض

‌المبحث الثاني: الوفد اليهودي المحرض

لما نفدت حيل اليهود وأصبح مكرهم مكشوفاً وعجزهم واضحاً لجأوا إلى كفار قريش -ليدللوا بذلك على جبنهم وذلهم- لجأوا محرضين كفار قريش ليشنوا حرباً عامة على المسلمين في المدينة {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} 1. وقد أعطوا العهود والمواثيق لكفار قريش أنهم سيكونون معهم محاولين بذلك تغطية الذلة والجبن الذي هو من أخلاقهم دائماً وأبداً.

تكون الوفد من بني النضير ومن بني وائل، وحيكت المؤامرة في خيبر وانطلق بعدها الوفد يضم: سلام بن أبي الحقيق النضري - أبا رافع - وحيي بن أخطب النضري وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضري.

ومن بني وائل هوذة بن قيس الوائلي، وأبو عامر الوائلي، ووحوح بن عامر الوائلي كل هؤلاء توجهوا إلى مكة يرأسهم حيي بن أخطب الذي أعمى قلبه الحقد والحسد، وكان أهل مكة ينتظرون بفارغ الصبر من يشد من عزمهم ويساعدهم على حرب محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.

1 سورة الأنفال الآية 30.

ص: 103

سار الوفد حتى وصل مكة فسألهم أهلها: من أهدى أنحن أم محمد؟ وبينوا لهم صفة الطرفين قريش، ومحمد صلى الله عليه وسلم، وكانت صفة محمد التي عيب بها هي: أنه كان يعيب آلهتهم وينفرهم من عبادتها، ويدعوهم إلى عبادة الواحد القهار. فكان رد أولئك اليهود في صالح الكفار ولكن كان الفشل حليفهم حيث رد عليهم القرآن وذلك بقوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} 1.

ثم ما لبثوا أن فاتحوهم في الموضوع الذي جاءوا من أجله فسر كفار قريش بذلك أكثر وأكثر ونشطوا له فاجتمعوا لذلك واتعدوا له.

ثم خرج أولئك النفر من يهود حتى جاءوا غطفان من قيس عيلان فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قيل إنهم أعطوهم تمر خيبر سنة كاملة مقابل ذلك وأخبروهم أنهم سيكونون معهم ضده. وأن قريشاً قد تابعوهم على ذلك فاجتمعوا فيه وأجابوهم.

وقد تقدم ذكر ذلك في حديث ابن إسحاق2 المتقدم. أما ابن سعد فقال: مشيراً إلى جم غفير من العلماء الذين نقل عنهم الواقدي قالوا: "لما

1 سورة النساء الآية 51.

2 السيرة النبوية 2/214.

ص: 104

أجلى رسول صلى الله عليه وسلم، بني النضير ساروا إلى خيبر فخرج نفر من أشرافهم ووجوههم إلى مكة فألبوا قريشاً ودعوهم إلى الخروج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاهدوهم وجامعوهم على قتاله ووعدوهم لذلك موعداً. ثم خرجوا من عندهم فأتوا غطفان وسليماً ففارقوهم على مثل ذلك"1. أما الحافظ فقد نقل ذلك من مغازي موسى بن عقبة وقال:"خرج حيي بن أخطب بعد قتل2 بني النضير إلى مكة يحرض قريشاً على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق يسعى في غطفان ويحضهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنهم نصف تمر خيبر فأجابه عيينة بن حصن الفزاري إلى ذلك"3

الخ.

أما ابن جرير4 فقد ساق القصة بسنده إلى ابن إسحاق وفيها بين مدللاً بذلك على ذهاب أولئك اليهود إلى كفار قريش وإلى غطفان وتحريضهم على حرب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم. وقد أورد الخبر نفسه في تفسير سورة النساء عند قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ

1 الطبقات الكبرى 2/65- 66.

2 قد بينت أنه لم يحصل قتل بل جرت مصالحة مع بني النضير وتم إجلاؤهم.

3 فتح الباري 7/393.

4 جامع البيان 20/129.

ص: 105

كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} 1. عن ابن عباس رضي الله عنهما2. وقد أورده ابن هشام3 عن يزيد بن رومان. وكلها آثار مقطوعة لكنها تتقوي بما جاء في ذلك من شواهد والقرآن يؤيد ذلك بوضوح.

إضافة إلى ذلك فقد ذكر القرطبي عند تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} 4. قال: يعني غزوة الأحزاب، وبني قريظة وكان سببها:-

أن نفراً من اليهود منهم.

كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وسلام بن أبي الحقيق، وسلام بن مشكم5، وحيي بن أخطب النضريون، وهوذة بن قيس، وأبو عامر من بني وائل، وكلهم يهود6 هم الذين حزبوا الأحزاب وألبوا وجمعوا

1 سورة النساء الآية 51.

2 جامع البيان 5/135.

3 السيرة النبوية 2/214.

4 سورة الأحزاب الآية 8.

5 كثير من أهل المغازي لم يذكروا ابن مشكم هذا.

6 الجامع لأحكام القرآن 14/128.

ص: 106

وخرجوا في نفر من بني النضير، ونفر من بني وائل فأتوا مكة فدعوا إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وواعدوهم من أنفسهم بعون من انتدب إلى ذلك فأجابهم أهل مكة إلى ذلك ثم خرج اليهود المذكورون إلى غطفان فدعوهم إلى مثل ذلك فأجابوهم1.

أما صاحب السيرة الحلبية فقال:" وسببها لما وقع إجلاء بني النضير من أماكنهم سار منهم جمع من كبرائهم منهم: سيدهم حيي بن أخطب أبو صفية أم المؤمنين رضي الله عنها، وعظيمهم سلام بن مشكم ورئيسهم كنانة بن أبي الحقيق، وهوذة بن قيس، وأبو عامر الفاسق إلى أن قدموا مكة على قريش يدعونهم ويحرضونهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وقالوا: "إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله أي ونكون معكم على عداوته فقال أبو سفيان: مرحباً وأهلاً وأحب الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد"2.

1 تقدم الحديث مطولاً في سبب الغزوة.

2 السيرة الحلبية 2/628.

ص: 107

وهكذا نرى أن أصحاب السير قد أطبقوا على ذكر هذا السبب وعلى ذكر هذا الوفد إلا أن بعضهم يذكر اسماً لم يذكره الآخر وبعضهم قد يذكر الكنية ولا يذكر الاسم، وقد يحصل في ذلك لبس، وتفادياً لذلك اللبس جئت بأقوال أهل السير والمغازي ليتبين الأمر ويتضح المراد ويبدو من استعراض كلام الحلبي أنه ذكر رئيس زعماء الوفد وفرق بين زعيمهم وسيدهم وعظيمهم وفي دلائل النبوة للبيهقي طرف من هذا1.

مما سبق يظهر بوضوح أن هذا الوفد قد تكون في خيبر فعلاً وكان اليهود هم المتزعمين لذلك الموقف المخزي، وهو موقف لا يستغرب منهم فتاريخهم مليء بالكيد والدسائس لغيرهم عموماً ولأهل الإسلام خصوصاً.

إلا أن الغريب2 وجود بني وائل في هذا الوفد، ولعل سبب تمالؤهم مع اليهود يرجع إلى أن اليهود لما جاءوا إلى خيبر، وكان بنو وائل يسكنونها قبلهم وجاء اليهود ومعهم الأموال وأخذوا في تنميتها وسيطروا بواسطة تلك الأموال على أولئك الضعفاء فأغروهم بذلك وأخرجوهم معهم ولعلهم ضغطوا عليهم بذلك.

1 دلائل النبوة 3/428.

2 ذلك لأن القرطبي قال في الجامع لأحكام القرآن 14/128. قال بعد أن ذكر الوفد (وكلهم يهود) فلعلهم كانوا قبل ظهور دعوة الإسلام معتنقين دين اليهود فصاروا منهم ولم أجد من ذكرهم في اليهود غيره والله أعلم.

ص: 108