الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: تواطؤ اليهود مع المشركين وعزمهم على ضرب المسلمين من الخلف
لقد اشتد البلاء على المسلمين في هذه الغزوة بالذات؛ لأن قريشاً جاءت بحلفائها كما جاءت غطفان بكل قوادها وحلفائها مستهدفين استئصال الإسلام والمسلمين وفي أثناء الاستعداد لهذه الجموع الزاحفة جاء عدو الله حيي بن أخطب وهو أحد الأعضاء الذين حزبوا الأحزاب جاء إلى كعب بن أسد رئيس القبيلة الباقية من اليهود وهي قبيلة بني قريظة وجادله على نقض العهد وفتله في الذروة والغارب حتى وافق على ذلك بشروط تقبلها عدو الله حيي بن أخطب.
وبنو قريظة كما هو معروف كانوا يسكنون في العوالي أي في الجنوب الشرقي من المدينة على وادي مهزور1 إذن فهم يعتبرون خلف المسلمين ويكونون أخطر على هذه الحال لأن الضربة من الوراء تؤثر أكثر حيث أن المسلمين يستعدون ومستحفزون لأعدائهم الذين أمامهم ولكن الله نصر المسلمين وخذل أعداءه وأعداءهم وقد وصف الله سبحانه
1 مهزور وقيل مهزوز واد بالمدينة كان يسمى وادي قريظة كان يسيل بماء المطر يهبط من مفرق حرة واقم ثم يسيل ويصب في وادي بطحان. معجم البلدان 5/234.
وتعالى ذلك البلاء وتلك الشدة التي أتت على المسلمين لم يأت عليهم مثلها حيث قال سبحانه:
وقال تعالى مبيناً مظاهرة2 وموافقة اليهود (بني قريظة) للأحزاب: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ3 وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَأُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} 4.
أما الجهد ومشقة العيش اللتان كان يعانيهما المسلمون وخاصة في هذه الغزوة فقد بينتها الأحاديث الصحيحة وغيرها.
وسأورد ما يبين ذلك باختصار فمن ذلك ما رواه البخاري عن أبي
1 سورة الأحزاب الآية 9 - 10.
2 أي عاونوا الأحزاب وساعدوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. تفسير القرآن العظيم 3/478.
3 صياصيهم أي حصونهم والأصل في الصياصي هي قرون البقر ومنه قيل للحصون (الصياصي) . النهاية في غريب الحديث 3/67.
4 سورة الأحزاب الآية 25 - 26.
معمر المقعد عن عبد الوارث 1عن عبد العزيز2 عن أنس رضي الله عنه وفيه قال: يؤتون بملئ كفي من الشعير فيصنع لهم باهالة سنخة توضع بين يدي القوم والقوم جياع وهي بشعة في الحلق ولها ريح منتن
…
الخ3.
كما روى أيضاً رحمه الله حديثاً آخر قال: حدثنا خلاد بن يحيى حدثنا عبد الواحد بن أيمن عن أبيه4 قال أتيت جابراً رضي الله عنه فقال: "إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة إلى أن قال: ثم قام وبطنه معصوب بحجر ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقاً"
…
الحديث 5.
وقد ورد هذا الحديث من وجه آخر عن سعيد بن مينا قال سمعت جابراً رضي الله عنه قال: "لما حفر الخندق رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم خمصاً شديداً
…
الخ" الحديث6.
وكان صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعتمدون في أكلهم وشربهم على التمر والماء (الأسودين) يتضح ذلك باستعراض سنته صلى الله عليه وسلم وسيرته في مأكله ومشربه.
1 عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان العنبري مولاهم أبو عبيدة التنوزي البصري ثقة ثبت وقد تقدم.
2 عبد العزيز هو بن صهيب البناني البصري - ثقة وقد تقدم-.
3 صحيح البخاري مع فتح الباري 7/393.
4 تقدم رجال السند في ص 97.
5 تقدم في ص 155.
6 صحيح البخاري مع فتح الباري 7/365- 366.
فقد روى ابن أبي شيبة عن عروة مرسلاً1 عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صاف المشركين يوم الخندق وكان يوماً شديداً لم يلق المسلمون مثله قط قال ورسوله الله صلى الله عليه وسلم جالس وأبو بكر معه جالس وذلك زمان طلع النخل وكانوا يفرحون به فرحاً شديداً لأن عيشهم فيه فرفع أبو بكر رأسه فبصر بطلعة وكانت أول طلعة رؤيت فقال هكذا بيده طلعة يارسول الله من الفرح فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "اللهم لا تنزع منا صالح ما أعطيتنا أو صالحاً أعطيتنا" 2 والأثر ضعيف حيث رواه عروة مرسلاً.
أما الآثار الدالة على نقض بني قريظة العهد فهي كثيرة حسبي أن أورد بعضها مشيراً إلى الباقي:
قال البخاري رحمه الله: حدثنا أحمد بن محمد3 أنبأنا عبد الله4 أخبرنا هشام بن عروة5
1 المرسل: اتفق علماء الطوائف على أنه قول التابعي الكبير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعله يسمى مرسلاً. تدريب الراوي 1/195.
2 كنز العمال 10/455.
3 أحمد بن محمد بن موسى أبو العباس السمسار المعروف بمردويه - ثقة حافظ- من العاشرة مات سنة خمس وثلاثين ومائتين. روى له (خ ت س) . التقريب 16.
4 عبد الله المبارك المروزي - ثقة ثبت - من الثامنة مات سنة أحدى وثمانين ومائة روى له (ع) . التقريب 87.
5 هشام بن عروة بن الزبير - ثقة فقيه ربما دلس من الخامسة مات سنة خمس أو ست وأربعين ومائة. روى له (ع) . التقريب 364.
عن أبيه عن عبد الله بن الزبير1 قال: "كنت يوم الأحزاب جعلت أنا وعمر ابن أبي سلمة في النساء فنظرت فإذا أنا بالزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثاً فلما رجعت قلت: "يا أبت رأيتك تختلف" قال أو هل رأيتني يابني قلت نعم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يأت بني قريظة فيأتيني بخبرهم فانطلقت فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال فداك أبي وأمي2.
وقال أيضاً: حدثنا أبو نعيم3 حدثنا سفيان4 عن محمد بن المنكدر5 عن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يأتيني بخبر القوم " قال الزبير: "أنا" فقال
1 هو أول مولود في الإسلام بالمدينة من المهاجرين ولي الخلافة تسع سنين وقتل في سنة ثلاث وسبعين في ذي الحجة. روى له الجماعة. انظر: الاستيعاب 3/39، والتقريب 173.
2 صحيح البخاري مع الفتح 7/80 كتاب فضائل الصحابة.
3 هو الفضل بن دكين الكوفي - ثقة ثبت - من التاسعة مات سنة 218- 219. وهو من كبار شيوخ البخاري. روى له (ع) . التقريب 275.
4 سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي - ثقة حافظ - فقيه عابد إمام حجة من رؤوس الطبقة السابعة. مات سنة 161هـ. روى له الجماعة. التقريب 128.
5 محمد بن المنكدر عبد الله بن الهدير بالتصغير المدني - ثقة فاضل - من الثالثة مات 130. روى له (ع) . التقريب 320.
النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لكل نبي حوارياً وحواراي الزبير"1.
وقال رحمه الله: حدثنا صدقة2 أخبرنا ابن عيينة3 حدثنا بن المنكدر أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال ندب4 رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس قال: "صدقة أظنه يوم الخندق فانتدب الزبير ثم ندب الناس فانتدب الزبير فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أن لكل نبي حوارياً وحواري الزبير بن العوام" 5.
قال الحميدي وقال سفيان زاد هشام بن عروة وابن عمتي6. كما أخرجه مسلم7، وأحمد8، والترمذي9، وابن ماجه10
1 صحيح البخاري مع فتح الباري 6/52 كتاب الجهاد ومسند الحميدي 2/516.
2 صدقة بن الفضل أبو الفضل المروزي - ثقة - من العاشرة مات سنة ثلاث أو ست أو عشرين ومائتين روى له (خ) . التقريب 152.
3 سفيان بن عينية أبو محمد الكوفي ثم المكي - ثقة حافظ - فقيه إمام حجة من رؤوس الطبقة الثامنة وكان أثبت الناس في عمرو بن دينار مات في رجب سنة ثمان وتسعين ومائة وله أحدى وتسعون سنة روى له (ع) . التقريب 128.
4 ندبه إلى الأمر كنصره إذا دعاه وحثه ووجهه. القاموس 1/131.
5 صحيح البخاري مع فتح الباري 6/53 كتاب الجهاد.
6 مسند الحميدي 2/516.
7 صحيح مسلم 4/1879 كتاب فضائل الصحابة.
8 مسند الإمام أحمد 3/307.
9 سنن الترمذي 5/309 كتاب المناقب.
10 سنن ابن ماجة 1/45.
وقد أورده البخاري كما سبق من عدة طرق منها طريق أبي العباس مردويه والفضل بن دكين وصدقة ومحمد بن كثير والحميدي وقد رواه الحميدي عن ابن عيينة بالجزم (يوم الخندق) ولم يشك كما ظن صدقة ومن طريق علي بن عبد الله1 قال قلت لسفيان: فإن الثوري يقول: "يوم بني قريظة" فقال كذا حفظته منه كما أنك جالس (يوم الخندق) قال "سفيان هو يوم واحد وتبسم سفيان"2.
وقال البيهقي3 رحمه الله: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن حاتم4 الدرابردي بمرو قال حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي5، حدثنا أبو
1 علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم أبو الحسن بن المديني البصري - ثقة - إمام أعلم أهل عصره بالحديث وعلله حتى قال البخاري ما استصغرت نفسي إلا عنده وقال فيه شيخه بن عينية كنت أتعلم منه أكثر مما يتعلمه مني وقال النسائي كأن الله خلقه للحديث. من العاشرة مات سنة 234. روى له (خ د ت س فق) . التقريب 247
2 صحيح البخاري مع الفتح 13/239.
3 دلائل النبوة 3/451.
4 أبو بكر محمد بن أحمد لم أقف له على ترجمة.
5 أحمد بن محمد بن عيسى بن الأزهر أبو العباس البرتي القاضي ولي قضاء بغداد بعد وفاة أبي هاشم الرفاعي وكان ثقة ثبتاً حجة. تاريخ بغداد 5/61.
حذيفة1 حدثنا عكرمة بن عمار2 عن محمد بن عبيد3 أبي قدامة الحنفي عن عبد العزيز4 ابن أخي حذيفة قال ذكر حذيفة مشاهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جلساؤه: "أما والله لو كنا شهدنا ذلك لفعلنا وفعلنا" فقال حذيفة: "لا تمنوا ذلك فلقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعوداً".
وأبو سفيان ومن معه فوقنا وقريظة اليهود أسفل منا نخافهم على ذرارينا وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة ولا أشد ريحاً في أصوات ريحها أمثال الصواعق وهي ظلمة ما يرى أحدنا اصبعه
…
الخ الحديث5.
وقد أشار ابن كثير إلى هذه الرواية فقال:
1 أبو حذيفة هو موسى بن مسعود النهدي البصري صدوق سيء الحفظ يصحف من صغار التاسعة مات سنة 227 أو بعدها وقد جاوز التسعين وحديثه عند البخاري في المتابعات (خ د ت ق) . التقريب 352.
2 عكرمة بن عمار العجلي أبو عمار اليمامي أصله من البصرة صدوق يغلط وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب ولم يكن له كتاب. من الخامسة مات قبل الستين ومائة (خت س ق) . التقريب 242.
3 كذا عند البيهقي وفي التقريب هو محمد بن عبد الله بن أبي قدامة الحنفي ويقال أبو قدامة مقبول (د) . التقريب 306.
4 عبد العزيز أخو حذيفة ويقال ابن أخيه وثقه ابن حبان من الثانية وذكره بعضهم في الصحابة (د) . التقريب 216.
5 دلائل النبوة للبيهقي 3/451.
"وقد أخرجه الحاكم والبيهقي في الدلائل من حديث عكرمة بن عمار عن محمد بن عبد الله الدؤلي عن عبد العزيز بن أخي حذيفة به"1
…
وقال السيوطي: "أخرج الحاكم وصححه وابن مردويه وابن عساكر وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل من طرق عن حذيفة بنفس اللفظ"2. كما أورده الطبري عن ابن حميد عن فتى من أهل الكوفة ولم يذكر فيه بني قريظة3. ولكنه رحمه الله أورد حديثاً آخر قال فيه: حدثنا ابن حميد قال ثنا سلمة قال ثنى محمد ابن إسحاق عن يزيد بن رومان وعن الزهري وعن عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وعن محمد بن كعب القرظي وعن غيرهم من علمائنا4 وفيه:
1 تفسير القرآن العظيم 3/471، البداية والنهاية 4/114.
2 الدر المنثور 5/184، وانظر: دلائل النبوة لأبي نعيم 433.
3 جامع البيان 21/127.
4 السند فيه ابن حميد وسلمة. الأول ضعيف والثاني صدوق كثير الخطأ أما ابن إسحاق فهو وإن كان صدوقاً يدلس إلا أنه إمام في المغازي. وقد تقدم السند في ص 47 ما عدا ابن حميد وسلمة.
"وخرج عدو الله حيي بن أخطب النضري حتى أتى كعب بن أسعد القرظي صاحب عقد بني قريظة1، وعهدهم وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه عاقده على ذلك وعاهده فلما سمع كعب بحيي بن أخطب أغلق دونه باب حصنه فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له فناداه حيي ويحك2 يا كعب افتح لي قال ويحك يا حيي إنك امرؤ مشؤم وإني قد عاهدت محمداً فلست بناقض ما بيني وبينه ولم أر منه إلا وفاءً وصدقاً"، قال:"ويحك افتح أكلمك". قال: "ما أنا بفاعل قال والله إن أغلقت دوني إلا عن جشيشتك3 أن آكل معك منها فاحفظ4 الرجل ففتح له".
فقال: "ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر ببحر طام5 جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة، وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمي إلى جانب أحد. قد عاهدوني
1 أي أنه كان رئيسهم وسيدهم.
2 ويح: كلمة ترحّم وتوجّع تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها وقد يقال بمعنى المدح والتعجب وهي منصوبة على المصدر. النهاية 5/235.
3 الجشيشة: طعام يصنع من الجشيش وهو البر يطحن غليظاً ثم تجعل في القدور ويلقى عليها لحم أو تمر وتطبخ. النهاية في غريب الحديث 1/273.
4 احفظه: أغضبه.
5 طام: مرتفع ويريد كثرة الرجال.
وعاقدوني على أن لا يبرحوا1 حتى نستأصل محمداً ومن معه قال فقال له كعب جئتني والله بذل الدهر وبجهام2 قد هراق ماؤه فهو يرعد ويبرق ليس فيه شيء ويحك يا حيي فدعني وما أنا عليه فإني لم أر من محمد إلا صدقاً ووفاءاً فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب3 حتى سمع له على أن أعطاه عهداً (من الله) وميثاقاً لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمداً أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك فنقض كعب بن أسد عهده وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم"4.
وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عيونه متحرياً عن نقض اليهود للعهد الذي أبرموه معه صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق:
فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر وإلى المسلمين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ بن النعمان وهو يومئذ سيد الأوس وسعد بن عبادة بن دليم أحد بني ساعدة بن كعب بن الخزرج وهو يومئذ سيد الخزرج ومعهما عبد الله بن رواحة أخو بني الحارث بن الخزرج وخوات بن جبير
1 على أن لا يتركوا أو يغادروا المكان.
2 الجهام السحاب الرقيق الذي لا ماء فيه.
3 هذا مثل وأصله في البعير يستعصي عليك فتأخذ القراد من ذروته وغارب سنامه وتفتل هناك فيجد لذة فيأنس عند ذلك.
4 جامع البيان 21/129- 130.
أخو بني عمرو بن عوف فقال انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا؟ فإن كان حقاً فالحنوا لي لحناً1 أعرفه ولا تفتوا في أعضاد الناس وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس. قال فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم (فيما) 2 نالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا من رسول الله؟ لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد، فشاتمهم سعد ابن معاذ3 وشاتموه، وكان رجلاً فيه حدة فقال له سعد بن عبادة دع عنك مشاتمتهم فما بيننا وبينهم أربى4 من المشاتمة ثم أقبل سعد وسعد ومن معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه ثم قالوا عضل والقارة أي كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع خبيب وأصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين"5.
1 الحنوا لي لحنا: أي قولوا لي قولاً أفهمه ويخفى على غيري. القاموس 4/366.
2 قوله (فيما نالو) وعند الطبري ونالوا.
3 فشاتمهم سعد بن معاذ (عند الطبري فشاتمهم سعد بن عبادة) وكذا عند ابن كثير في البداية 4/104.
4 أربى مأخوذ من الربا وهو لغة الزيادة.
5 السيرة النبوية 2/220- 221- 222 وقد ذكرت القصة في:
أ- طبقات ابن سعد باقتضاب 2/67.
ب- ابن كثير في البداية وفيها زيادة سأوردها فيما بعد.
جـ- جامع البيان 21/129- 131، وتاريخ الأمم الملوك 3/46، 47.
د- السهيلي في الروض الأنف 3/268.
و عيون الأثر 3/59.
وقد أورد ابن كثير هذه القصة وفيها زيادة حسنة فقال بعد أن ذكر محاورة حيي بن أخطب لكعب:
وقد تكلم عمرو بن سعد القرظي1 فأحسن فيما ذكره موسى بن عقبة.
ذكرهم ميثاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده ومعاقدتهم إياه على نصره وقال: "إذا لم تنصروه فاتركوه وعدوّه" ثم قال2: قال ابن إسحاق: "فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمع له - يعني في نقض عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي محاربته مع الأحزاب ثم ساق الحديث
…
إلى أن قال: قال موسى بن عقبة وأمر كعب بن أسد وبنو قريظة حيياً أن يأخذ لهم من قريش وغطفان رهائن تكون عندهم لئلا ينالهم ضيم إن هم رجعوا ولم يناجزوا محمداً. قالوا وتكون الرهائن تسعين رجلاً3 من أشرافهم فنازلهم4 حيي
1 ذكره ابن كثير في البداية والنهاية 4/103 وقال ابن الأثير في أسد الغابة 4/107 عمرو بن سعد من بني قريظة نزل من حصن بني قريظة في الليلة التي صبيحتها فتح حصنهم فبات في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح فلما أصبح لم يدر أين هو حتى الساعة.
2 أي ابن كثير.
3 هكذا عند البيهقي في الدلائل 3/446وعند ابن كثير في البداية 4/103وعند المقريزي في الإمتاع 1/237 أنهم طلبوا سبعين رجلاً منهم.
4 أي التزم لهم بذلك.
على ذلك فعند ذلك نقضوا العهد ومزقوا الصحيفة التي كان فيها العقد إلا بني سعنة1 أسد وأسيد وثعلبة فإنهم خرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم".
قال ابن إسحاق: "فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى المسلمين بعث سعد بن معاذ سيد الأوس، وسعد بن عبادة سيد الخزرج ومعهما عبد الله بن رواحة وخوات بن جبير"2. قال: "انطلقوا حتى تأتوا هؤلاء القوم فتنظروا أحق ما بلغنا عنهم فإن كان حقاً فالحنوا لى لحناً أعرفه ولا تفتوا في أعضاد المسلمين وإن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس" 3. قال4: "فخرجوا حتى أتوهم" قال موسى ابن عقبة: "فدخلوا معهم حصنهم فدعوهم إلى الموادعة وتجديد الحلف فقالوا الآن وقد كسر جناحنا وأخرجهم يريدون - بني نضير - ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل سعد بن عبادة يشاتهم فأغضبوه فقال له سعد بن معاذ: "والله ما جئنا لهذا ولما بيننا أكبر من المشاتمة".
1 هكذا بالنون وعند البيهقي في الدلائل 3/401 وعند المقريزي في الإمتاع 1/244 بالمثناة التحتانية وهم من اليهود إلا أن ابن هشام قال إنهم ليسو من بني قريظة وإنما هم من بني هدل ونسبهم فوق ذلك وهم بنو عم القوم. السيرة النبوية 2/238.
2 خوات ابن جبير الأنصاري الأوسي يكنى أبا عبد الله وقيل أبو صالح وكان أحد فرسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر: أسد الغابة 2/125.
3 البداية والنهاية 4/103- 104، والسيرة النبوية 2/222.
4 أي ابن كثير في البداية والنهاية 4/104.
ثم ناداهم سعد بن معاذ فقال: "إنكم قد علمتم الذي يبننا وبينكم يا بني قريظة وأنا خائف عليكم مثل يوم بني النضير أو أمرَّ منه فقالوا - لعنهم الله - أكلت ايرأبيك فقال غير هذا من القول كان أجمل بكم وأحسن".
وقال ابن إسحاق1: "نالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا من رسول الله؟ لا عهد بيننا وبين محمد فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه وكارجلاً فيه حدةٌ "2 وقد تقدم كلام ابن إسحاق.
تنبيه:
ذكر ابن إسحاق3 أن الذي كان فيه حدة من السعدين رضي الله عنهما هو سعد بن معاذ. أما الطبري4 فقد بين في كتابه أنه ابن عبادة وتبعه البيهقي5 ونقل ابن سيد الناس عن ابن عائذ أنه سعد بن عبادة6.
1 أي ابن كثير في البداية والنهاية 4/104، والسيرة النبوية 2/222.
2 المصدر السابق 4/103- 104، والحدة: كالنشاط والسرعة في الأمور والمضاء فيها. انظر: النهاية لابن الأثير 352.
3 السيرة النبوية 2/222.
4 جامع البيان 21/131، وتاريخ الأمم والملوك 3/47.
5 دلائل النبوة 3/429.
6 عيون الأثر 2/59.
أما ابن كثير فقد اكتفى بالنقل عن ابن إسحاق وموسى بن عقبة ولم يرجح1.
أما صاحب السيرة الحلبية فقال: "فشتمهم سعد بن معاذ وهم - حلفاؤه - أي وقيل سعد بن عبادة أي وكان فيه حدة فشاتموه قال ولا مانع من وجود الأمرين" أ. هـ. 2 وقد تابع في ذلك ابن خلدون بدليل أنهم أحلافه ومواليه3.
أقول وهذا الذي ذكره صاحب السيرة الحلبية هو أوجه حيث أنه ذكر أنه شتمهم لأنهم حلفاؤه وإذا كانت هناك حدة فلم تذكر في ترجمتهما وإنما قد يكون المشهور بالحدة هو ابن عبادة رضي الله عنه؛ لأنه ذكر أنه كانت فيه غيرة شديدة - وهي مذكورة في كتب التاريخ والسنة- وقد يغضب ويغار عندما يسمع سب الرسول صلى الله عليه وسلم فيشاتمهم ومن هنا قد تأتي الحدة المذكورة والأرجح أنه سعد بن معاذ رضي الله عنه للتعليل الذي ذكره ابن خلدون وتبعه الحلبي.
1 البداية والنهاية 4/104.
2 السيرة الحلبية 2/638.
3 تاريخ ابن خلدون 2/773.
وقال ابن كثير1: عند تفسيره لقوله تعالى: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَأُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} 2.
قال: "قد تقدم أن بني قريظة لما قدم جنود الأحزاب ونزلوا على المدينة. نقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد وكان ذلك بسفارة حيي بن أخطب النضري لعنه الله دخل حصنهم ولم يزل بسيدهم كعب بن أسد حتى نقض العهد".
وعند قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} . قال: "يعني بني قريظة من اليهود من بعض أسباط بني إسرائيل كان قد نزل آباؤهم الحجاز قديماً طمعاً في إتباع النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عن هم في التوراة الإنجيل. {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} 3.
1 تفسير القرآن العظيم 3/477- 478.
2 سورة الأحزاب الآيتين 25 - 26.
3 سورة البقرة الآية 89.
وعند قوله تعالى: {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} قال: "هو الخوف لأنهم كانوا مالؤا المشركين على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس من يعلم كمن لا يعلم واخافوا المسلمين وراموا قتلهم ليعزواهم - في الدنيا - ويسودوا فيها- فانعكس عليهم الحال وانقلب إليهم القتال وانشمر المشركون ففازوا بصفقة المغبون فكما راموا العز ذلوا وأرادوا استئصال المسلمين فاستؤصلوا
…
الخ".
ثم قال في ختام ذلك: "وأضيف إلى ذلك شقاوة الآخرة فصارت الجملة أن هذه هي الصفقة الخاسرة. ولهذا قال تعالى: {فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً} الآية1. فالذين قتلوا هم المقاتلة والأسراء هم الأصاغر والنساء"2. أ. هـ.
وأخيراً أود أن أشير إلى أنه قد مر بنا في الأحاديث الصحيحة أن الذي ذهب لكشف خبر بني قريظة هو الزبير بن العوام.
كما أنه مر أن الذي قام بنفس المهمة السعدان وابن رواحة وخوات بن جبير رضي الله عنهم وإزاء هذا الأشكال قال الحافظ3:
1 سورة الأحزاب الآية 26.
2 تفسير القرآن العظيم 3/477 - 478.
3 هو ابن حجر.
"قد استشكل ذكر الزبير في هذه القصة فقال شيخنا ابن الملقن1 اعلم أنه وقع هنا أن الزبير هو الذي ذهب لكشف خبر بني قريظة والمشهور كما قاله شيخنا أبو الفتح اليعمري"2. أن الذي توجه ليأتي بخبر القوم حذيفة كما روينا من طريق ابن إسحاق وغيره. قلت3. وهذا الحصر مردود فإن القصة التي ذهب لكشفها غير القصة التي ذهب حذيفة لكشفها.
فقصة الزبير كانت لكشف خبر بني قريظة هل نقضوا العهد بينهم وبين المسلمين ووافقوا قريشاً على محاربة المسلمين.
وقصة حذيفة كانت لما أشتد الحصار على المسلمين بالخندق وتمالأت عليهم الطوائف، ثم وقع بين الأحزاب الاختلاف والقصة في ذلك مشهورة4. وستأتي إن شاء الله.
1 ابن الملقن هو عمر بن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله الأنصاري الواد ياشي الأندلسي التكروري الأصل المصري الشافعي (أبو حفص فقيه أصولي محدث حافظ مؤرخ مشارك في بعض العلوم ولد بالقاهرة 723هـ. وتوفي بها عام 804هـ. انظر: الضوء اللامع 6/100، معجم المؤلفين 7/297.
2 هو ابن سيد الناس وقد تقدم في ص 50.
3 أي الحافظ ابن حجر.
4 فتح الباري 7/406- 407.
وهذا الخلاف الذي ساقه الحافظ قد أغفل ما ذكره أصحاب المغازي والسير وقد ذكروا أن الوفد الذي تم إرساله هو السعدان ومن معهما.
ويمكن الجمع بين هذه الأقوال:
بأن الزبير بن العوام رضي الله عنه ذهب للاستكشاف العام والملاحظة، وهل عند بني قريظة استعداد ظاهر يدل على نقضهم العهد أو لا؟، وقد عاد يقول بأنهم يصلحون حصونهم ويدربون طرقهم وقد جمعوا ماشيتهم. أما السعدان ومن معهما فكان استكشافهم خاصاً حيث دار الحوار بينهم وبين اليهود وظهر للعيان نقضهم للعهد وخبثهم.
وقد ذكر المقريزي1: "أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث خوات بن جبير لينظر غرة لنبي قريظة فكمن لهم فحمله رجل منهم وقد أخذه النوم فأمكنه الله من الرجل وقتله ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فأخبره.
وفيه غرابة. ووجه الغرابة - أن اليهود وبعد نقضهم العهد ووضوح خبثهم والوقت ليس هزل بل هو وقت خوف وشدة على الجانبين وكلاهما يتمنى أن يقتل من الجانب الآخر من ظفر به فكيف
1 إمتاع الأسماع 1/227- 228.
يتسنى فعل هذا وكيف يقدم على حمل عدوه ويأمنه وهو أعلى منه والله أعلم. أما قصة حذيفة فهي واضحة لورودها في الصحيح وهي أنها كانت في اللحظات الأخيرة من الشدة والبلاء.
وبعدها نصر الله دينه ورسوله وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده حيث عاد رضي الله عنه يبشر الرسول صلى الله عليه وسلم بانصراف الأحزاب وأنه رأي أبا سفيان قد ركب بعيره وهو معقول"1.
1 فقه السيرة 333.