الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: الدوافع والأسباب التي دعت إلى تكتل الأحزاب
الفصل الأول: دور اليهود في هذه الغزوة
المبحث الأول: الحقد اليهودي على البشرية منذ القدم
…
المبحث الأول: الحقد اليهودي على البشرية منذ القدم.
إن الحقد الذي تمكن في قلوب اليهود على البشرية عامة وعلى المؤمنين خاصة قديم يرافق هذا الحقد عناد وصلف وكبرياء. وذلك لأنهم يعتقدون أنهم أهل السيادة في الأرض حيث قالوا إنهم أبناء الله وأحباؤه وذلك في قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} 1 الآية.
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "قالوا: أي: نحن منتسبون إلى أنبيائه وهم بنوه وله بهم عناية وهو يحبنا. ونقلوا عن كتابهم ما يوافق هدفهم وحرفوه2. ونجد أكبر شاهد على حقدهم وكراهيتهم للمؤمنين قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} " 3 الآية.
1 سورة المائدة الآية رقم 18.
2 تفسير ابن كثير 2/34.
3 سورة المائدة الآية 82.
أما كراهتهم للعرب خاصة فهو واضح بالقرآن والسنة ذلك أن القرآن حكى لنا أنهم يستبيحون أكل أموال العرب وليس عليهم سبيل في ذلك بدليل قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} 1 الآية. قال ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية أي: "إنما حملهم على جحود الحق أنهم يقولون ليس علينا في ديننا حرج في أكل أموال الأميين وهم العرب فإن الله قد أحلها لنا. أقول: ولكن الله سبحانه وتعالى كفانا شرهم والمجادلة معهم عند ادعائهم هذا وذلك بتمام الآية السابقة حيث قال {وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُون َ} "2.
قال ابن كثير: "أي: وقد اختلقوا هذه المقالة وائتفكوها بهذه الضلالة. فإن الله قد حرم عليهم أكل الأموال إلا بحقها وإنما هم قوم بهت3. ومع هذا فإننا إذا أردنا أن نتعرض لحقدهم وغرورهم الذي وضحه القرآن لطال بنا البحث ولكن أردنا التنويه بخبثهم ودسهم وعدم انصياعهم مع أنه واضح للعيان".
1 سورة آل عمران الآية 75.
2 سورة آل عمران الآية 75.
3 تفسير ابن كثير 1/374.
فهذه أم المؤمنين صفية1 بنت حيي بن أخطب تقول عن أبيها وعمها عندما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يحمل النور معه. وكان أهل الكتاب يعرفون علامات مبعثه وصفاته ولكن العمى عمى القلب فهذا حيي بن أخطب وهو القطب الدوار والخصم الألد الذي حرك أعداء هذا الدين لهذه الغزوة وأثار كوامن2 قريش وألبهم ضد المسلمين وضد حامل هذه الرسالة الصافية صلوات الله وسلام عليه. تحدث أم المؤمنين فتقول فيما رواه ابن إسحاق:
قال حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال حُدثت عن صفية بنت حيي بن أخطب أنها قالت: " كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه".
1 صفية بيت حيى بن أخطب أم المؤمنين سبيت في غزوة خيبر واصطفاها النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت وأعتقها وتزوجها وجعل عتقها مهرها. توفيت رضي الله عنها سنة 52هـ وذلك في خلافة معاوية رضي الله عنه، وأوردها الذهبي فيمن مات سنة خمسين. الطبقات الكبرى 8/120، ودول الإسلام 1/37، سمط النجوم العوالي 3/159.
2 كوامن: هو كل ما اختفى من الأحاسيس والمشاعر والأحقاد. مختار الصحاح 579.
قالت: "فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل قباء1 في بني عمرو بن عوف قالت غدا2 عليه أبي حيي بن أخطب3 وعمي أبو ياسر4 مغلسين5
1 قباء: بالضم وأصله اسم بئر هناك عرفت القرية بها وهي مساكن بني عمرو بن عوف من الأنصار، وأول ما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم عند مقدمه من مكة فيه وأقام به الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وركب يوم الجمعة يريد المدينة فجمع في مسجد بني سالم بن عوف فكانت أول جمعة جمعت في الإسلام. معجم البلدان 4/301.
2 غدا: أي ذهب أول النهار نقيض الرواح وقد غدا يغدوا والغدوة بالضم ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس والجمع غدوات. النهاية في غريب الحديث 3/46، مختار الصحاح 469.
3 حيي بن أخطب بن سعية، وقيل سعنة بن عامر بن عبيد بن كعب بن الخزرج بن أبي حبيب بن النضير بن النحام بن ينحوم من بني إسرائيل من سبط هارون بن عمران عليه السلام وهو من سبط لاوي بن يعقوب عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم. الطبقات الكبرى 8/120، أسد الغابة 5/490، الإصابة 4/346، كلهم ذكر ترجمته عند ذكر صفية أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها -.
4 أبو ياسر بن أخطب لم يرد ذكره منفرداً بل مقترناً بأخيه وبكونهما عدوين لدودين للنبي صلى الله عليه وسلم. انظر: السيرة النبوية 1/514، 519، 546، 547، 548، 560.
5 مغلسين: الغَلَس بفتحتين ظلمة آخر الليل والتغليس السير بغلس. مختار الصحاح 478.
قالت فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس". قالت: "فأتيا كالين1 كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى. قالت: فهششت2 إليهما كما كنت أصنع فوالله ما ألتفت إلي واحد منهما مع ما بهما من الغم. قالت: وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حيي بن أخطب أهو هو قال: نعم والله قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم قال: فما في نفسك منه؟ قال عداوته والله ما بقيت"3.
والحديث بهذا الإسناد - منقطع - لأن عبد الله بن أبي بكر بن حزم روى عن مجهول - الواسطة بينه وبين صفية -.
والحديث وإن كان منقطعاً فالآيات والواقع الملموس من هذه الطائفة تؤيده وقد دل كتاب الله على معنى هذا الحديث في أكثر من آية منها علي سبيل المثال قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا
1 كالين: كلّ الرجل والبعير من المشي يكل كلالاً وكلالة أي أعيا مختار الصحاح 576.
2 هششت: الهشاشة بالفتح الارتياح والخفة للمعروف. المصدر السابق 695.
3 السيرة النبوية 1/518- 519، 2/241، الاكتفاء 1/473، وفاء الوفاء 269.
يَشْتَرُونَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 1.
قال ابن كثير: "هذا توبيخ من الله وتهديد لأهل الكتاب الذين أخذ الله عليهم العهد على ألسنة الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأن ينوهوا بذكره في الناس فيكونوا على أهبة من أمره فإذا أرسله الله تابعوه، فكتموا ذلك وتعوضوا - بتشديد الواو التي بعد العين - عما وعدوا عليه من الخير في الدنيا والآخرة بالدون2 الطفيف والخط الدنيوي السخيف فبئست الصفقة صفقتهم وبئست البيعة بيعتهم"3.
وقال الطبري عند تفسير هذه الآية: "واذكر أيضا من هؤلاء اليهود وغيرهم من أهل الكتاب منهم يامحمد إذ أخذ الله ميثاقهم ليبين للناس أمرك الذي أخذ ميثاقهم على بيانه للناس في كتابهم الذي في أيديهم وهو التوراة والإنجيل وأنك لله رسول مرسل بالحق ولا يكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم. يقول: فتركوا أمر الله وضيعوه
1 سورة آل عمران الآيتان 187- 188.
2 دون: بالضم نقيض فوق وهو الخسيس. القاموس المحيط 4/223- 224.
3 تفسير ابن كثير 1/436.
ونقضوا ميثاقه الذي أخذ عليهم بذلك فكتموا أمرك وكذبوا بك واشتروا به ثمناً قليلاً".
يقول: "وابتاعوا بكتابهم ما أخذ عليهم الميثاق أن لا يكتموه من أمر نبوتك عوضاً منه خسيساً قليلاً من عوض الدنيا ثم ذم جل ثناؤه شراءهم ما اشتروا به من ذلك فقال: {فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} "1.
ثم أورد الطبري رحمه الله حديثاً يؤيد ما سبق. حيث قال: حدثنا بشر2 قال حدثنا يزيد3 قال حدثنا سعيد4 عن قتادة5 ذكر لنا أن أعداء الله اليهود يهود خيبر6 أتوا نبي الله صلى الله عليه وسلم فزعموا أنهم راضون
1 جامع البيان 4/202.
2 هو: بشر بن معاذ العقدي بفتح المهملة والقاف أبو سهل البصري الضرير، صدوق من العاشرة مات سنة بضع وأربعين ومائتين. روى له (ت س ق) . تهذيب التهذيب 1/458.
3 يزيد بن زريع بتقديم الزامي مصغراً - البصري - أبو معاوية (ثقة ثبت) من الثامنة مات اثنتين وثمانين ومائة. روى له (ع) . التقريب 382.
4 سعيد بن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم أبو النضر البصري (ثقة حافظ) . له تصانيف لكنه كثير التدليس واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة من السادسة مات سنة 157، وقيل 156. روى له (ع) . التقريب 124.
5 قتادة بن دعامة ثقة. وقد تقدم ص 67.
6 خيبر الموضع المذكور في غزاة النبي صلى الله عليه وسلم وهي ناحية على ثمانية برد شمال المدينة يطلق هذا الاسم على الولاية وتشتمل هذه الولاية على سبعة حصون وبها نخل ومزارع. انظر: معجم البلدان 2/409، وهي تبعد عن المدينة شمالاً بـ 170 كيلو متر.
بالذي جاء به وأنهم متابعوه وهم متمسكون بضلالتهم وأرادوا أن يحمدهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بما لم يفعلوا فأنزل الله سبحانه وتعالى قوله: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 1 الآية.
والحديث بهذا السند إلى قتادة حسن ولم يسم قتادة من ذكر له ذلك. ومن الجدير بالإشارة أن اليهود يحقدون أشد الحقد على النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يعرفوه حتى أنهم عندما ما سمعوا أوصافه قال بعضهم لبعض: اقتلوه ويشهد لذلك ما رواه ابن سعد من سند منقطع من أعلاه حيث قال: أخبرنا عمرو بن عاصم2 الكلابي أخبرنا همام3 بن يحي عن إسحاق4 بن عبد الله أن أم5 النبي صلى الله عليه وسلم لما دفعته إلى
1 سورة آل عمران الآيتان 187- 188. وانظر: تفسير الطبري 4/208.
2 عمرو بن عاصم بن عبيد الله الكلابي القيسي أبو عثمان البصري (صدوق) في حفظه شيء من صغار التاسعة ت 213. روى له (ع) . التقريب 260.
3 همام بن يحيى بن دينار العوذي بفتح المهملة وسكون الواو وكسر المعجمة أبو عبد الله أو أبو بكر البصري - ثقة - ربما وهم من السابعة مات سنة 164هـ. روى له (ع) . التقريب 365.
4 إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري المدني أبو يحيى (ثقة حجة) من الرابعة ت (132)(134) وقيل بعدها. روى له (ع) . التقريب 29.
5 أم النبي صلى الله عليه وسلم هي:
آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة وقد توفيت بالابواء وهي كما قال ياقوت في معجم البلدان 1/79. قرية من أعمال الفرع من المدينة بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً قال أنها سميت بالابواء لتبوء السيول بها وقد ماتت بها آمنة وهي راجعة من المدينة وقد ذهبت لزيارة أخواله عليه الصلاة والسلام. الطبقات الكبرى 1/59، السيرة النبوية 1/196، الروض الأنف 1/194.
السعدية1 التي أرضعته قالت لها احفظي ابني وأخبرتها بما رأت فمر بها اليهود فقالت إلا تحدثوني عن ابني هذا؟ فإني حملته كذا ووضعته كذا ورأيت كذا وصفت أمه قالت فقال بعضهم لبعض: "اقتلوه فقالوا: أيتيم هو؟ فقالت: لا هذا أبوه وأنا أمه فقالوا: لو كان يتيماً لقتلناه"2 أ. هـ وليس ذلك بمستبعد عن قوم وصفهم الله في كتابه بأنهم يقتلون أنبياءهم.
مما سبق من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة يتضح بعض الأدلة التي جاءت مبينة لما يعرف به اليهود على مدى الأزمان من حقد دفين وعداوة ظاهرة للأمة الإسلامية ونبيها المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ذلك الحقد الذي أعمى قلوبهم وأحرقها وشتت شملهم في الدنيا حيث نفاهم صلى الله عليه وسلم من المدينة وذلك بقوة الله التي تسانده حيث أخبر تعالى
1 هي حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم وهي من هوازن كما في الإصابة في تمييز الصحابة 4/284. قال ابن القيم في الزاد 1/83 واختلف في إسلام أبويه من الرضاعة.
2 الطبقات الكبرى 1/113، 120، 153، 155، 159، السيرة النبوية 1/546 وما بعدها.
ويجدر بنا ونحن بصدد الحديث عن حقدهم ودسائسهم أن نبين طوائف اليهود الذين تمركزوا في المدينة منذ زمن طويل وهذه الطوائف هي: بنو قينقاع وبنو النضير، وبنو قريظة وكل طائفة من هذه الطوائف كان لها موقف مع النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكانت كلها مواقف تنضح بالحقد والكراهية.
وكان من موقف بني قينقاع كما قال الحافظ2 ما روى ابن إسحاق بإسناد حسن عن ابن عباس قال: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً يوم بدر جمع يهود بني قينقاع في سوقهم فقال: يايهود أسلموا قبل أن يصيبكم ما أصاب قريشاً يوم بدر.
1 سورة الحشر الآية 2.
2 فتح الباري 7/332 بتصرف.
فقالوا: إنهم كانوا لا يعرفون القتال ولو قاتلناك لتعلمن أنا نحن الناس1. فأنزل الله عز وجل: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ
…
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الْأَبْصَارِ} الآيتان2. وهكذا يظهر أن أول من نقض العهد من اليهود هم بنو قينقاع3.
قال ابن هشام: "وذكر عبد الله بن جعفر بن المسور4 بن مخرمة عن أبي عون5 قال كان من أمر بني فينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب6 لها فباعته بسوق بني قنيقاع وجلست إلى صائغ بها فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها فلما قامت
1 تفسير ابن كثير 1/350، السيرة النبوية 2/47.
2 سورة آل عمران الآيتان 12، 13.
3 الطبقات الكبرى 2/29، فتح الباري 7/330.
4 عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة أبو محمد المدني المخرمي بسكون المعجمة وفتح الراء الخفيفة - ليس به باس - ت 170. روى له البخاري تعليقاً ومسلم والأربعة. تهذيب التهذيب 5/171.
5 أبو عون هو: محمد بن عبيد الله بن أبي سعيد الثقفي الكوفي الأعور - ثقة - من الرابعة ت 116. روى له (خ م د ت س) . تهذيب التهذيب 9/322.
6 الجلب: بفتحتين فعل بمعنى مفعول وهو ما يجلبه الإنسان من بلد إلى بلد وذلك من التجارة. المصباح المنير 127.
انكشفت سوءتها فضحكوا بها فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهودياً وشدت اليهود على المسلم فقتلوه. فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فغضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع"1 وأثر ابن هشام فيه انقطاع من أسفله ومن أعلاه.
قال ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: "فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه" وكان ذلك في شوال بعد وقعة بدر وأراد قتلهم فاستوهبهم منه كبير المنافقين2.
وكانوا حلفاءه فوهبهم له وأخرجهم من المدينة إلى أذرعات3. قال ابن حزم: "وهم قوم عبد الله بن سلام4 - مخفف - وكانوا في طرف المدينة5 وكانوا سبعمائة مقاتل"6.
1 السيرة النبوية 2/48.
2 هو: عبد الله بن أبي بن سلول ونفاقه مشهور. انظر: البداية والنهاية 4/4.
3 أذرعات بالفتح ثم السكون وكسر الراء وعين مهملة وألف وتاء بلد في إطراف الشام تجاور أرض البلقاء. مراصد الإطلاع 1/47.
4 عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي ثم الأنصاري كان حليفا لهم من بني قينقاع وهو من ولد يوسف بن يعقوب عليهما السلام وكان اسمه في الجاهلية الحصين فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلم عبد الله. أسد الغابة 3/176.
5 انظر رسالة - طوائف ليهود الثلاث في المدينة- لأكرم حسين السندي.
6 جوامع السيرة 154.
ثم نقض العهد بعد ذلك بنو النضير وكان رئيسهم حيي بن أخطب والمشهور في كتب السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهض بنفسه إلى بني النضير مستعيناً بهم في دية القتيلين الذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري1 الذي نجا من حادثة بئر معونة.
فلما كلمهم صلى الله عليه وسلم قالوا: "نعم فقعد رسول صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وعمر وعلي ونفر من أصحابه إلى جدار من جدرهم" فاجتمع بنو النضير وقالوا: "من رجل يصعد على ظهر البيت فيلقي صخرة على محمد فيقتله فيريحنا منه. فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب فأوحى الله تعالى بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام ولم يشعر بذلك أحد من أصحابه ممن كانوا معه فلما استلبثه أصحابه رضي الله عنهم قاموا فرجعوا إلى المدينة واتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرهم بما أوحى الله تعالى إليه بما أرادته اليهود وأمر أصحابه بالتهيؤ لحربهم"2.
1 هو: عمرو بن أمية بن خويلد بن عبد الله بن إياس بن عبيد بن ناشرة بن كعب بن جدي بن ضمرة يكنى أبا أمية. أسلم قديماً وكان أول مشاهده بئر معونة وكان صاحب نجدة. أسد الغابة 4/86، الاستيعاب 3/248.
2 جوامع السيرة 181، السيرة النبوية 2/190.
لكن ابن حجر أورد غير هذا حيث قال: وروى ابن مردويه1 قصة بني النضير بإسناد صحيح إلى معمر2 عن الزهري أخبرني عبد الله3 بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كتب كفار قريش إلى عبد الله بن أبي وغيره ممن يعبد الأوثان قبل بدر يهددونهم بإيوائهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى أن قال: فلما كانت غزوة بدر كتبت كفار قريش بعدها إلى اليهود إنكم أهل الحلقة والحصون يتهددونهم4 فأجمع بنو النضير على الغدر فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخرج إلينا في ثلاثة من أصحابك5 ويلقاك ثلاثة من علمائنا فإن آمنوا بك اتبعناك
1 هو أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك بن موسى بن جعفر الاصبهاني أبو بكر (محدث) حافظ مفسر مؤرخ ت لست بقين من رمضان عام 410هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 17/308.
2 هو معمر بن راشد الازدي مولاهم أبو عروة البصري نزيل اليمن (ثقة ثبت) فاضل إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئاً وكذا فيما حدث بالبصرة من كبار السابعة مات سنة 154 وهو ابن ثمان وخمسين. روى له (ع) . التقريب 344.
3 عبد الله بن كعب وليس بن عبد الرحمن بن مالك الأنصاري المدني ثقة يقال له رؤية. مات سنة سبع أو ثمان وتسعين 98هـ. روى له (خ م د س ق) . تهذيب التهذيب 5/360.
4 هكذا في الأصل والمناسب يغرونهم.
5 الغدر ضد الوفاء غدره وبه كنصر وضرب وسمع. القاموس 2/103.
ففعل فاشتمل اليهود الثلاثة على الخناجر فأرسلت امرأة من بني النضير إلى أخ لها من الأنصار مسلم تخبره بأمر بني النضير فأخبر أخوها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل إليهم قال ابن حجر: فهذا أقوى مما ذكر ابن إسحاق من أن سبب غزوة بني النضير طلبه صلى الله عليه وسلم أن يعينوه في دية الرجلين لكن وافق ابن إسحاق جل أهل المغازي فالله أعلم"1.
أما بنو قريظة فكان سبب محاصرتهم وقتلهم ما وقع منهم من نقض عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومما لأتهم2 لقريش وغطفان ومطاوعتهم لعدو الله وعدو رسوله حيي بن أخطب حتى أنه لم يزل بسيدهم كعب بن أسد يفتله في الذروة والغارب3 حتى نقض عهده وأخلف وعده4. وكان مصير هذه الطائفة أن نزلت على حكم الصحابي الجليل سعد بن معاذ وكانوا حلفاءه ومواليه فحكم فيهم أن يقتل رجالهم ويسبى نساؤهم وذراريهم وتقسم أموالهم5 فقال صلى الله عليه وسلم: "قضيت بحكم الله"6.
1 فتح الباري 7/331.
2 مالأه بالمد ساعده على الأمر وشايعه. القاموس المحيط 1/30.
3 أي يدور من وراء خديعته. القاموس المحيط 4/29.
4 السيرة النبوية 2/240، سمط النجوم العوالي 2/115، زاد المعاد 2/130.
5 السيرة النبوية 2/240، جوامع السيرة 195..
6 وذلك من حديث صحيح رواه أبو سعيد الخدري. انظر: صحيح البخاري 5/93 (باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة) .
أما يهود خيبر فقد نقضوا العهد وخرج إليهم صلى الله عليه وسلم في بقية المحرم سنة سبع وحاصرهم حتى فتحها وغنم ما فيها1.
بعد أن رأينا طباع اليهود وأن ديدنهم الحقد والعداوة للإسلام والمسلمين مهما كلفهم ذلك وأنهم لا زالوا ولن يزالوا يكيدون للمسلمين ويقتلونهم متى سنحت الفرصة لهم فهم مهما اضطهدوا فعندما يفيقون يكون أول عمل لهم هو ضد المسلمين فقط.
ولا أدل على ذلك أن يهود أسبانيا عندما طردهم فرديناد ملك أسبانيا أنقذ السلطان بيازيد الثاني يهود أسبانيا من إبادة محققة وقدمت لهم الحكومة العثمانية جميع الحقوق وأصبحوا في حالة مرضية للغاية فما عليهم إلا أن يدفعوا الجزية ويعيشوا في أمن واطمئنان.
على الرغم من كل ما قدمته الحكومة العثمانية وولاتها فقد توجه اليهودي دافيد روبيني عام 505هـ إلى البابا كليمنت السابع وعرض عليه مشروع محالفة عسكرية مسيحية يهودية ضد المسلمين تقضي بما يلي:
(1)
إنهاء العداء القائم بين المسيحيين واليهود على حساب المسلمين.
1 البداية والنهاية 4/181، فتح الباري 7/464، جوامع السيرة 211.
(2)
تعاون جيوش أوروبا مع جموع الشعب اليهودي الذين يقيمون داخل الدولة العثمانية للانقضاض عليها من الداخل وغزوها من الخارج واحتلال أرضيها.
(3)
تتولى الدولة المسيحية تزويد اليهود الذين يقيمون داخل الدولة الإسلامية بالأسلحة التي تساعدهم في الانقضاض على المسلمين1.
هذه هي أخلاق اليهود من قديم الزمان ولازالت هي أخلاقهم حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وأخيراً:
قال الأستاذ محمد عزة دروزة: "ولليهود في العهد المدني شأن كبير متعدد النواحي لأنهم أول من اصطدم مع النبي صلى الله عليه وسلم ولقد شغلوا في القرآن المدني حيزاً واسعاً منذ بدء تنزيله" ثم قال: "ولعل من الدلائل على أنهم أول من اصطدم مع النبي ما جاء في الآيات الأولى من البقرة التي هي أول السور المدنية في ترتيب النزول فقد جاء في أولها: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} "2.
1 السياسة اليهودية 195- 196.
2 سورة البقرة الآية 14.
فقد قال جمهور المفسرين: "إن شياطينهم هم اليهود ويدل هذا بوضوح على أن اليهود هم الذين أغروا المنافقين بالنفاق وشجعوهم في مواقف الخداع"1.
1 سيرة الرسول 2/121.