الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: دور حذيفة بن اليمان في هذه الغزوة
…
الفصل الخامس: دور حذيفة –رضي الله عنه في هذه الغزوة
إن لحذيفة –رضي الله عنه دوراً عظيماً كما كان لغيره من الصحابة رضي الله عنهم فقد جاهدوا في الله حق جهاده وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل الله وفي سبيل إعلاء كلمته.
لكن بعضهم اشتهر عن بعض بأعماله أو بمواقف خاصة وقفها تميزت وحفظت في السنة المطهرة.
وحذيفة واحد من أولئك الصحابة الذين تميزوا عن غيرهم في هذه الغزوة، فكانت له ميزة فريدة حيث كان أمين سر النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين، لم يعلمهم أحد غيره نستشف ذلك من ترجمته التالية:
قال ابن الأثير: "حذيفة بن اليمان: "وحذيفة بن حسل ويقال حسيل بن جابر بن عمرو بن ربيعة بن جروة بن الحارث بن مازن بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان –أبو عبد الله- العبسي واليمان لقب (حسل بن جابر) .
وقال ابن الكلبي: "هو لقب جروة بن الحارث وإنما قيل له ذلك لأنه أصاب دماً في قومه فهرب إلى المدينة وحالف بني عبد الأشهل من الأنصار فسماه قومه – اليمان- لأنه حالف الأنصار وهم من اليمن.
روى عنه ابنه أبو عبيدة وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وقيس بن أبي حازم، وأبو وائل وزيد بن وهب وغيرهم.
وهاجر إلى النبي ص فخيره بين الهجرة والنصرة فاختار النصرة وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم أحداً وقتل أبوه بها1.
وقد قتله المسلمون خطأ، أخرج ذلك ابن الأثير بسنده عن محمود بن لبيد2 قال: "لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد رفع حسيل بن جابر وهو اليمان –أبو حذيفة- وثابت بن وقش بن زعوراء في الآطام مع النساء والصبيان وهما شيخان كبيران فقال أحدهما لصاحبه لا أبالك ما تنظر3؟ فوالله ما بقي لأحدنا من عمره إلا مثل ظمء حمار4 إنما نحن
1 أسد الغابة (1/391) .
2 هو صحابي صغير وجل روايته عن الصحابة مات سنة ست وتسعين وقيل سنة سبع وتسعين وله تسع وتسعون سنة. روى له البخاري في الأدب المفرد ومسلم والأربعة. التقريب 330.
3 لعلها - ما ننتظر - لأنها جاءت هكذا في ترجمة ثابت بن وقش. أسد الغابة 1/234.
4 ظمء حمار: أي يسير لأنه ليس شيء أقصر ظمأ من الحمار. انظر: القاموس المحيط 1/22.
هامة1 اليوم أو غداً، أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخذا أسيافهما ولحقا برسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلا في المسلمين ولا يعلم بهما، فأما ثابت بن وقش2 فقتله المشركون. وأما حسيل بن جابر فاختلفت عليه أسياف المسلمين وهم لا يعرفونه فقتلوه فقال حذيفة أبي أبي. فقالوا والله ما عرفناه فصدقوا. فقال حذيفة يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين"3.
فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين فزاده4 رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً5.
قال ابن الأثير: "وحذيفة صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين لم يعلمهم أحد إلا حذيفة، أعلمه بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله عمر بن الخطاب أفي عمالي أحد من المنافقين؟ قال نعم واحد، قال من هو قال لا أذكره قال حذيفة فعزله
1 هامة: قال الفيروز أبادي في كلمة (الهم) واستطرد حتى قال: والهم والهمة بكسرهما. الشيخ الفاني. انظر: القاموس المحيط 4/192.
2 هو ثابت بن وقش بن زعوراء الأنصاري كذا نسبه ابن مندة وأبو نعيم وقال أبو عمر ثابت بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل فزاد في النسب زغبة وهو الصحيح. انظر: أسد الغابة 1/234، الاستيعاب 1/279.
3 هذا قول المؤمنين الصابرين الصادقين المصدقين فبمجرد قولهم له ما عرفناه صدقهم واستغفر لهم وتصدق بدية أبيه على المسلمين فطوبى له ذلك الفعل.
4 لعله فزاده ذلك الفعل وهو تصدقه بدية أبيه على المسلمين - خيراً ورفعة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5 أسد الغابة 2/16.
كأنما دل عليه. وكان عمر إذا مات ميت يسأل عن حذيفة فإنْ حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر، وإن لم يحضر حذيفة الصلاة عليه لم يحضر عمر"1.
وشهد حذيفة الحرب بِنَهَاوَنْد فلما قتل النعمان بن مقرن أمير ذلك الجيش أخذ الراية، وكان فتح همدان والري والدنيور على يده، وشهد فتح الجزيرة، ونزل نصيبين وتزوج فيها، وكان يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشر ليتجنبه وأرسله النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب على سرية ليأتيه بخبر الكفار، ولم يشهد بدراً لأن المشركين اخذوا عليه الميثاق ألا يقاتلهم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم حل يقاتل أم لا، فقال صلى الله عليه وسلم بل نفي لهم"2 ونستعين بالله عليهم.
وسأل رجل حذيفة أيّ الفتن أشد؟ قال: "أن يُعرض عليك الخير والشر ولا تدري أيهما تركب، وكان موته رضي الله عنه بعد قتل عثمان بأربعين ليلة سنة ست وثلاثين"3.
أما بالنسبة لدوره العظيم في هذه الغزوة فقد قام رضي الله عنه بدور استكشاف خطير، ودخل في وسط الصفوف صفوف الأعداء رغم احتراسهم
1 أسد الغابة 1/390- 391.
2 نفي لهم: من الوفاء بالعهد.
3 أسد الغابة 1/390 - 391 وانظر ترجمته رضي الله عنه في:
الاستيعاب 1/276، والإصابة 1/317، الطبقات الكبرى 1/25، سير أعلام النبلاء 2/360، تهذيب التهذيب 2/219، صفوة الصفوة 1/249، تاريخ الإسلام 2/152، المعارف 114، النجوم الزاهرة 1/76، 85، 102.
وحراسهم المليئة قلوبهم بالحقد على المسلمين وخاصة بعد أن قتل بعض صناديدهم ورغم الظروف الخطيرة التي كانت تحيط به –رضي الله عنه فقد ذهب في رعاية الله وحفظه ودعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بالحفظ من بين يديه ومن خلفه واستجاب الله دعاء نبيه عليه الصلاة والسلام، ودخل حذيفة مع الأعداء وتوغل في صفوفهم حتى أشرف على القائد أبي سفيان، وحفظه الله ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخبارهم ورحيلهم.
روى ذلك كله الإمام مسلم –رحمه الله حيث قال: "حدثنا زهير بن حرب1، وإسحاق2 بن إبراهيم جميعاً عن جرير3قال زهير: "حدثنا جرير عن الأعمش4 عن إبراهيم5 التيمي
1 زهير بن حرب بن شداد أبو خيثمة نزيل بغداد - ثقة ثبت - روى عنه مسلم أكثر من ألف حديث. التقريب 108.
2 إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي أبو محمد بن راهوية المروزي- ثقة حافظ مجتهد - قرين أحمد. ذكر أبو داود أنه تغير قبل موته بيسير. التقريب 27.
3 جرير بن عبد الحميد بن قرط بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة الضبى الكوفي نزيل الري وقاضيها - ثقة - صحيح الكتاب قيل كان في آخر عمره يهم من حفظه. مات سنة 188هـ. تهذيب التهذيب 2/75.
4 سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي أبو محمد الكوفي الأعمش - ثقة حافظ عارف بالقراءة - ورع لكنه يدلس من الخامسة. التقريب 136.
5 إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي يكنى أبا أسماء الكوفي العابد ثقة إلا أنه يرسل ويدلس من الخامسة مات سنة 192هـ. وله أربعون سنة روى له الجماعة. التقريب 24.
عن أبيه1 قال كنا عند حذيفة فقال رجل: "لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت2فقال حذيفة: "أنت كنت تفعل ذلك3؟ لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقر4، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟ " فسكتنا فلم يجبه منا أحد، ثم قال ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟ فسكتنا فلم يجبه منا أحد، ثم قال:"ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟ فسكتنا فلم يجبه منا أحد فقال: "قم يا حذيفة فاتنا بخبر القوم". فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم، قال: "اذهب فاتني بخبر القوم ولا تذعرهم عليّ" 5،فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي
1 يزيد بن شريك بن طارق التيمي الكوفي ثقة يقال أنه أدرك الجاهلية من الثانية مات في خلافة عبد الملك روى له الجماعة. التقريب 382.
2 أبليت أي بالغت في نصرته كأنه أراد الزيادة على نصرة الصحابة رضوان الله عليهم شرح النووي على صحيح مسلم 3/1414.
3 استفهام إنكاري أي فعلنا ما نستطيع وهو ما لا تقدر عليه. المصدر السابق.
4 القّر: هو البرد الشديد.
5 ولا تذعرهم على: أي لا تفزعهم على ولا تحركهم علي وقيل معناه لا تنفرهم والمراد لا تحركهم عليك فإنهم إن أخذوك كان ذلك ضرراً علي لأنك رسولي وصاحبي (من صحيح مسلم) 3/1414 هامش الصفحة.
في حمام حتى أتيتهم فرأيت أبا سفيان يُصْلَيْ ظهره1بالنار، فوضعت سهماً في كبد القوس2 فأردت أن أرميه فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "ولا تذعرهم عليّ" ولو رميته لأصبته فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام فلما أتيته فأخبرته بخبر القوم وفرغت قررت3، فألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها فلم أزل نائماً حتى أصبحت4 فلما أصبحت قال:"قم يا نومان"5.
قصة حذيفة هذه وذهابه إلى الكفار ودخوله بينهم صحيحة وذكرها أهل السير والمغازي، وهي عند بعضهم أتم من بعض والذي سقته هو ما جاء عند مسلم6.
قال الألباني في تعليقه على فقه السيرة: "هذه القصة صحيحة وسياقها هنا مركب من ثلاث روايات:
1 يصلى ظهره: يدفئه.
2 كبد القوس: مقبضها وكبد كل شيء وسطه كما في القاموس 7/332.
3 قررت: أي بردت.
4 أصبحت: أي طلع الفجر.
5 نومان: كثير النوم.
6 صحيح مسلم 3/1414- 1415.
الأولى: عند الحاكم1 والبيهقي2 في الدلائل من طريق عبد العزيز بن أخي حذيفة عن حذيفة، وقد ذكر ابن كثير لفظها في التاريخ3.
الثانية: عند ابن هشام4 عن محمد بن إسحاق بسنده عن محمد بن كعب القرظي عن حذيفة. وكذلك أخرجها أحمد5 من مسند حذيفة عن ابن إسحاق قال وظاهر إسناده الاتصال فهو صحيح.
الثالثة: أخرجها مسلم من طريق إبراهيم التيمي عن أبيه عن حذيفة. ولها طريق رابعة أخرجها الحاكم في المستدرك"6 من طريق بلال العبسي عن حذيفة وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
وأخرجه البزار7 وقال رجاله ثقات8، وقد أخرجه بزيادة حسنة وهذا نصه:"قال حذيفة: "إن الناس تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب
1 المستدرك 3/31.
2 دلائل النبوة 3/463.
3 البداية والنهاية 4/113- 115.
4 السيرة النبوية 2/231، 232.
5 مسند الإمام أحمد 5/392، 393.
6 المستدرك 3/31.
7 كشف الأستار 2/335.
8 فقه السيرة 333، 334.
فلم يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جاثم"1 من النوم فقال يا ابن اليمان:"قم فانطلق إلى عسكر الأحزاب فانظر إلى حالهم".
قلت: "يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما قمت إليك إلا حياءً من البرد. قال: "انطلق يا ابن اليمان فلا بأس عليك من برد ولا حر حتى ترجع إليّ". قال فانطلقت حتى آتي عسكرهم فوجدت أبا سفيان يوقد النار في عصبة حوله وقد تفرق الأحزاب عنه، فجئت حتى أجلس فيهم فحس أبو سفيان أنه قد دخل فيهم من غيرهم، فقال ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه قال فضربت بيدي على الذي عن يميني فأخذت بيده، ثم ضربت بيدي على الذي عن يساري فأخذت بيده فلبثت فيهم هنيهة ثم قمت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي فأومئ إلي أن ادنو فدنوت حتى أرسل علي من الثوب الذي كان عليه ليدفئني، فلما فرغ من صلاته قال: "يا ابن اليمان اقعد ما خبر القوم؟ " قلت يا رسول الله: "تفرق الناس عن أبي سفيان فلم يبق إلا في عصبة يوقد النار وقد صب الله عليهم من البرد مثل الذي صب علينا ولكنا نرجو من الله ما لا يرجون"أ: هـ2.
1 جاثم: جثم لزم مكانه فلم يبرح. القاموس 4/87 وعند البيهقي جاثي.
2 كشف الأستار 2/335، 336.
أما البيهقي فقد عقد لذلك باباً حيث قال: "باب إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان –رضي الله عنه إلى عسكر المشركين، وما ظهر له في ذلك من أمارات النبوة بوقوفه ليلتئذ على ما أرسل على المشركين من الريح والجنود وتصديق الله سبحانه وتعالى قول نبيه صلى الله عليه وسلم فيما وعد حذيفة من حفظ الله إياه عن الأسر والبرد. ثم أورد القصة من خمس طرق":
الأولى: من طريق إبراهيم التيمي عن أبيه وقد رواها بهذا الطريق الإمام مسلم1.
الثانية: من طريق بلال العبسي وقد شاركه في هذه الطريق الحاكم2.
الثالثة: عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة وقد شاركه فيها الحاكم3.
الرابعة: عن عمران بن سريع وقد ذكر ذلك أيضاً الحافظ4.
الخامسة: عن زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب " أن رجلاً قال لحذيفة5".
1 دلائل النبوة 3/449، صحيح مسلم 3/1414- 1415 كتاب الجهاد والسير.
2 دلائل النبوة 3/450، المستدرك 3/31.
3 دلائل النبوة 3/451، المستدرك 3/31.
4 دلائل النبوة 3/451، والحافظ في الفتح 7/400 كتاب المغازي باب غزوة الخندق.
5 دلائل النبوة 3/454.
وشيخه البيهقي في كل الطرق ماعدا الرابعة "أبو عبد الله الحافظ1" أما الطريق الرابعة فشيخه فيها أبو طاهر الفقيه2.
والرواية التي جاءت من طريق ابن أخي حذيفة هي أتم وفيها زيادات حسنة قال البيهقي: "أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن حاتم الدرابردي بمروٍ قال حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى البوني حدثنا أبو حذيفة حدثنا عكرمة بن عمار عن محمد بن عبيد أبي قدامة الحنفي3 عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة قال ذكر حذيفة مشاهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جلساؤه أما والله لو كنا شهدنا ذلك لفعلنا وفعلنا"4 فقال حذيفة: "لا تمنوا ذلك5 فلقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعود".
وأبو سفيان ومن معه فوقنا وقريظة اليهود أسفل منا نخافهم على ذرارينا، وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة ولا أشد ريحاً في أصوات ريحها
1 أبو عبد الله الحافظ هو الحاكم وقد تقدمت ترجمته.
2 أبو طاهر الفقيه هو ابن محمش ذكر ذلك الذهبي في التذكرة 3/1132 في ترجمة البيهقي ولم أجده الآن.
3 تقدمت تراجم بعض رجال السند.
4 هذا كلام من لم يعايش المحنة والابتلاء فهو يتكلم من مكان آمن.
5 مشيراً بذلك إلى قوله صلى الله عليه وسلم لا تتمنوا لقاء العدو.
أمثال الصواعق وهي ظلمة ما يرى أحدنا أصبعه، فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم، ويقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة، فما يستأذن أحد منهم إلا أذن له فيأذن لهم فيتسللون ونحن ثلاثمائة أو نحو ذلك إذا استقبلنا1 رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً رجلاً حتى مر علي وما عَليَّ جنة2 من العدو ولا من البرد إلا مرط3 لامرأتي ما يجاوز ركبتي قال فأتاني وأنا جاثي على ركبتي فقال:"من هذا؟ " قلت حذيفة فقال حذيفة؟ قال: "فتقاصرت بالأرض"، فقلت بلى يا رسول الله، كراهية أن أقوم، قال:"قم فقمت" فقال: "إنه كاين في القوم خبر فاتني بخبر القوم"، قال وأنا من أشد الناس فزعاً وأشدهم قراً فخرجت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته"، قال فوالله ما خلق الله فزعاً ولا قراً في جوفي4 إلا خرج من جوفي فما أجد منه شيئاً".
1 أي استعرضنا واحداً كأنه يتخير.
2 الجنة السترة والوقاية ومنه حديث (والصوم جنة) . النهاية في غريب الحديث 1/308.
3 المرط: بكسر الميم وسكون الراء وهو الكساء ويكون من صوف وربما كان من الخزّ أو غيره. النهاية في غريب الحديث 4/319.
4 أراد بالجوف القلب. النهاية في غريب الحديث 1/316.
قال فلما وليت قال: "يا حذيفة لا تحدثن في القوم شيئاً حتى تأتيني"، فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت في ضوء نار لهم توقد وإذا رجل أدهم ضخم يقول بيده على النار ويمسح خاصرته ويقول الرحيل الرحيل، ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك، فانتزعت سهماً من كنانتي أبيض الريش فأضعه على كبد قوسي لأرميه في ضوء النار، فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحدثن شيئاً حتى تأتيني؛ فأمسكت ورددت سهمي في كنانتي، ثم إني شجعت نفسي حتى دخلت العسكر، فإذا أدنى الناس مني بنو عامر، يقولون يا آل عامر الرحيل الرحيل لا مقام لكم، وإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبراً، فوالله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم الريح تضربهم بها ثم خرجت نحو النبي صلى الله عليه وسلم فلما انتصف بي الطريق أو نحو ذلك إذا أنا بنحو من عشرين فارساً أو نحو ذلك معتمين1 فقالوا أخبر صاحبك أن الله كفاه القوم، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشتمل في شملة2 يصلي فوالله ماعدا أن رجعت راجعني القر وجعلت أقرقف فأومأ إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فدنوت منه فأسبل علي شملته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه3 أمر صلى فأخبرته
1 يشير بذلك إلى الملائكة وقد أرسلهم الله للتضييق على الكفار.
2 في بعض الروايات أنه كان مشتمل بمرط أحدى نسائه.
3 أي إذ نزل به مهم وقد روى هذا الإمام أحمد 5/388، النسائي 1/289 وحزبه كلمة واحدة وليست مركبة من (حز) و (به) كما يتوهم البعض.
خبر القوم وأخبرته أني تركتهم يترحلون فأنزل الله تعالى: {َ يأيُهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} الآية.
وهكذا نفذ حذيفة بن اليمان –رضي الله عنه ما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم، وهي مهمة شاقة ولكن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له كان من الأسباب التي جعلته ينجح في تلك المهمة رغم ما صادف من مآزق وأهم مأزق واجهه عندما قال أبو سفيان لينظر امرؤ من جليسه، وهو تحفظ من أبي سفيان خوفاً من أن يكون داخل المعسكر أحد يتجسس لحساب المسلمين1 ولكنه لذكائه –رضي الله عنه تخلص من هذا المأزق حيث سارع إلى الرجل الذي بجانبه وبدأه بالسؤال قائلاً من أنت؟.
وبهذا العمل تمكن حذيفة من الخروج من المأزق الذي وقع فيه والذي كاد أن يوقعه في قبضة المشركين لو انكشف أمره2، ثم سلط الله عليهم تلك الريح الهوجاء وأرسل عليهم ملائكته فزلزلتهم وجعلتهم يرتحلون، وفرق الله جمعهم وخذلهم وكفى الله المؤمنين شرهم {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} 3.
1 غزوة الأحزاب لباشميل 265.
2 السيرة الحلبية 2/653.
3 سورة الحج الآية 40.