الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكم الرابع: منع المخنثين من الدخول على النساء الأجنبيات
جاءت الشريعة الإسلامية بالمحافظة على الأعراض وسدت كل المنافذ التي يخشى منها على أعراض المجتمع الإسلامي، ومن ذلك حماية الأسرة المسلمة من دخول بعض الرجال الذين أطلق عليهم في عرف السلف المخنثون، وهم من خلق متخلقا بأخلاق النساء وزيهن وكلامهن وحركاتهن من غير تكلف، ولا إربة له في النساء أصلا، وهذا الضرب من الرجال شاذ في تكوينه، غير أن هذا الشذوذ خلقي جبلي فيه ولذلك كان بعض هؤلاء يدخلون على النساء بلا إنكار عليهم في ذلك ولكن لما بدر من بعضهم وصف النساء وتحديق النظر في مفاتن المرأة ومحاسنها حظر عليهم الشرع الإسلامي الدخول على النساء منعا للفتنة وسدا للذريعة وفي هذا الحكم وردت الأحاديث الآتية:
ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أم سلمة وهذا سياقه عند البخاري:
241-
قال: "حدثنا الحميدي1 سمع سفيان حدثنا هشام عن أبيه عن زينب ابنة أبي سلمة عن أمها أم سلمة رضي الله عنها: "دخل عليّ2 النبي صلى الله عليه وسلم وعندي
1 الحميدي: "هو أبو بكر عبد الله بن الزبير صاحب المسند، سفيان: "هو ابن عيينة وهشام: "هو ابن عروة بن الزبير، وأم سلمة هي: "أم المؤمنين هند بنت أبي أمية".
قال ابن حجر: "وفي هذا الإسناد لطيفة: "رجل عن أبيه وهما تابعيان، وامرأة عن أمها وهما صحابيتان". (فتح الباري 8/44) .
2 وعند البخاري أيضاً " عن زينب ابنة أم سلمة عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها وفي البيت مخنث".
وعند أيضا وعند مسلم "عن زينب عن أم سلمة أن مخنثا كان عندها ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت".
وعند أبي يعلى "عن زينب عن أم سلمة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في بيت أم سلمة وعنده مخنث جالس".
مخنث1 فسمعته2 يقول لعبد الله3 بن أبي أمية: "يا عبد الله أرأيت إن فتح الله
1 المخنث: "بكسر النون وفتحها هو الذي يشبه النساء في أخلاقه وكلامه وحركاته، ويطلق عليه مخنث سواء فعل الفاحشة أو لم يفعل، قال النووي: "قال العلماء: "المخنث ضربان:
أحدهما: "من خلق كذلك ولم يتكلف التخلق بأخلاق النساء وزيهن وكلامهن وحركاتهن، بل هو خلقة خلقه الله عليها، فهذا لا ذم عليه ولا عتب ولا إثم ولا عقوبة؛ لأنه معذور لا صنع له في ذلك، ولهذا لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم أولا دخوله على النساء ولا خلقه الذي هو عليه حين كان من أصل خلقته، وإنما أنكر عليه بعد ذلك معرفته لأوصاف النساء، ولم ينكر صفته وكونه مخنثا".
الضرب الثاني: "من المخنث: "هو من لم يكن له ذلك خلقة، بل يتكلف أخلاق النساء وحركاتهن وهيئاتهن وكلامهن، ويتزي بزيهن، فهذا هو المذموم الذي جاء في الأحاديث الصحيحة لعنه، وهو بمعنى الحديث الآخر "لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين بالنساء من الرجال" وأما الضرب الأول فليس بملعون، ولو كان ملعونا لما أقره أولاً". والله أعلم".إهـ (شرح النووي على صحيح مسلم 5/25و26) وانظر تحفة الأحوذي 8/70) .
وقال ابن كثير: "المراد بالمخنث في عرف السلف الذي لا همة له في النساء وليس المراد به الذي يؤتى، إذ لو كان كذلك لوجب قتله حتما كما دل عليه الحديث، وكما قتله أبو بكر الصديق رضي الله عنه"(البداية والنهاية 4/349، والروض الأنف 7/274 وفتاوى ابن تيمية 15/308-309) .
ونقل ابن حجر نحو قول النووي وقال: وأما ما كان ذلك من أصل خلقته فإنما يؤمر بتكلف تركه والإدمان على ذلك بالتدرج، فإن لم يفعل وتمادى دخله الذم، ولا سيما إذا بدا منه ما يدل على الرضا به، وأخذ هذا واضح من لفظ المتشبهين، وأما إطلاق من أطلق كالنووي وأن المخنث الخلقي لا يتجه إليه اللوم فمحمول على ما إذا لم يقدر على ترك التثني والتكسّر في المشي والكلام بعد تعاطيه المعالجة لترك ذلك، وإلا متى كان ترك ذلك ممكنا ولو بالتدرج فتركه بغير عذر لحقه اللوم". (فتح الباري 9/334-335و 10/332-333) .
2 وعند ابن ماجه "عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فسمع محنثا وهو يقول لعبد الله بن أبي أمية" الخ".
وعند الحميدي "عن أم سلمة قالت: "دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي مخنث فسمعه يقول لعبد الله بن أبي أمية" الخ".
3 وعند البخاري أيضا "فقال لعبد الله أخي أم سلمة". هكذا صرح في حديث أم سلمة أن القول الصادر من هذا المخنث كان لعبد الله بن أبي أمية أخي أم سلمة".
قال ابن حجر: "وروى المستغفري من مرسل محمد بن المنكدر أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى هيتا في كلمتين تكلم بهما من أمر النساء، قال لعبد الرحمن بن أبي بكر: "إذا افتتحتم الطائف غدا فعليكم بابنة غيلان"، فذكر نحو حديث الباب وزاد "اشتد غضب الله على قوم رغبوا عن خلق الله وتشبهوا بالنساء"، ثم قال ابن حجر: "فيحمل على تعدد القول منه لكل منهما: "لأخي عائشة ولأخي أم سلمة".
والعجب أنه لم يقدر أن المرأة الموصوفة حصلت لواحد منهما؛ لأن الطائف لم يفتح حينئذ، وقتل عبد الله بن أبي أمية في حال الحصار، ولما أسلم غيلان بن سلمة وأسلمت بنته بادية تزوجها عبد الرحمن بن عوف".
ثم قال: "وذكر ابن إسحاق في المغازي أن اسم المخنث في حديث الباب ماتع وهو بمثناة وقيل بنون فروى عن محمد بن إبراهيم التيمي قال: "كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الطائف مولى لخالته فاختة بنت عمرو بن عائذ مخنث يقال له ماتع يدخل على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون في بيته لا يرى رسول الله أنه يفطن لشيء من أمر النساء مما يفطن له الرجال ولا أن له إربة في ذلك فسمعه يقول لخالد بن الوليد:"يا خالد إن افتتحتم الطائف، فلا تنفلتن منك بادية بنت غيلان بن سلمة، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان" الحديث
…
وذكر البارودي في "الصحابة" من طريق إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن حفص أن عائشة قالت لمخنث كان بالمدينة يقال له أنة - بفتح الهزة وتشديد النون - ألا تدلنا على امرأة نخطبها على عبد الرحمن بن أبي بكر؟
قال: "بلى، فوصف امرأة تقبل بأربع وتدبر بثمان".
قال ابن حجر: "والراجح أن اسم المذكور في حديث الباب هيت، ولا يمتنع أن يتوارد في الوصف المذكور (فتح الباري 9/334-335) .
عليكم الطائف فعليك بابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان1، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يدخلن عليكن".
قال ابن عيينة وقال ابن جريج2: "المخنث هيت3".
حدثنا محمود4 حدّثنا أبو سلمة عن هشام بهذا وزاد: "فحاصر الطائف يومئذ".
1 وعند أبي داود وابن ماجه: "عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها مخنث وهو يقول لعبد الله أخيها: "إن يفتح الله الطائف غدا دللتك على امرأة تقبل بأربع وتدبر بثمان، فقال صلى الله عليه وسلم:"أخرجوهم من بيوتكم" ولفظ ابن ماجه "فسمع مخنثا وهو يقول الخ".
وعنده أيضاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أخرجوه من بيوتكم" وقوله (تقبل بأربع وتدبر بثمان فسره البخاري في الحديث بقوله: "قال أبو عبد الله: "تقبل بأربع وتدبر بثمان: "يعني أربع عكن بطنها، فهي تقبل بهن، وقوله تدبر بثمان: "يعني أطراف هذه العكن الأربع لأنها محيطة بالجنين حتى لحقت، وإنما قال بثمان ولم يقل بثمانية وواحد الأطراف وهو ذكر، لأنه لم يقل بثمانية أطراف".
وقال ابن كثير في (البداية النهاية 4/349) : "ومعنى قوله تقبل بأربع وتدبر بثمان يعني بذلك عكن بطنها فإنها تكون أربعاً إذا أقبلت ثم تصير كل واحد اثنتين إذا أدبرت" وانظر: " (شرح النووي على صحيح مسلم 5/25) .
وقال ابن حجر: "قال الخطابي: "يريد أن لها في بطنها أربع عكن، فإذا أقبلت رؤيت مواضعها بارزة متكسراً، بعضها على بعض، وإذا أدبرت كانت أطراف هذه العكن الأربع عند منقطع جنبيها ثمانية".
قال ابن حجر: "وحاصله أنه وصفها بأنها مملوءة البدن بحيث يكون لبطنها عكن وذلك لا يكون إلا للسمينة من النساء، وجرت عادة الرجال غالبا في الرغبة فيمن تكون بتلك الصفة، وهذه المرأة هي بادية بنت غيلان".
قال ابن حجر: "واختلف في ضبط بادية فالأكثر بموحدة، ثم تحتانية، وقيل: "بنون بدل التحتانية، حكاه أبو نعيم، ولبادية ذكر في المغازي"، ذكر ابن إسحاق أن خولة بنت حكيم قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: "إن فتح الله عليك الطائف أعطني حليّ بادية بنت غيلان". وكانت من أحلى نساء ثقيف، وغيلان هو ابن سلمة وهو الذي أسلم وتحته عشر نسوة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار أربعا، وكان من رؤساء ثقيف وعاش إلى أواخر خلافة عمر رضي الله عنه".
(فتح الباري 9/335 وانظر سيرة هشام 2/484 والورض الأنف 7/271) .
2 قال ابن حجر: "هو موصول بالإسناد الأول (فتح الباري 8/44) .
3 هيت: "بكسر الهاء وسكون التحتانية بعدها مثناة، قال ابن حجر: "وضبطه بعضهم بفتح أوله، وأما درستويه فضبطه بنون ثم موحدة - هنب - وزعم أن الأوّل تصحيف، قال:"والهنب الأحمق".
وتقدم في تعليقة (3) ص 526 أن الراجح أن اسم المذكور في حديث الباب "هيت" وقال ابن كثير: "وهذا هو المشهور (البداية والنهاية 4/349) وفتح الباري 8/44 و9/334، وقال النووي في شرح مسلم (5/25) وهو المحفوظ".
4 محمود: "هو ابن آدم المروزي، وأبو أسامة: "هو حماد بن أسامة".
والحديث رواه البخاري أيضا من طريق عبدة1 عن هشام به".
ومن طريق زهير2حدثنا هشام بن عروة به3".
ورواه مسلم وأبو داود وابن ماجه الجميع من طريق وكيع عن هشام بن عروة به4".
ورواه مسلم أيضا وإسحاق بن راهويه وأبو يعلى كلهم من طريق جرير بن عبد الحميد عن هشام به5".
ورواه مسلم أيضاً، وأحمد كلاهما من طريق أبي معاوية محمد بن خازم عن هشام به6".
ورواه مسلم أيضا من طريق عبد الله بن نمير حدثنا هشام به7".
ورواه الحميدي عن سفيان بن عيينة قال ثنا هشام به8". ومن طريقه أخرجه البيهقي9".
ورواه البيهقي أيضا من طريق يونس بن بكير عن هشام به10".
ورواه مالك عن هشام بن عروة عن أبيه مرسلا11".
قال الكاندهلوي: "هكذا رواه جمهور الرواة عن مالك مرسلا.
1 عبدة: "هو ابن سليمان الكلابي، أبو محمد الكوفي".
2 زهير: "هو ابن معاوية بن خديج أبو خيثمة الكوفي (تهذيب التهذيب 3/351 و10/3) .
(البخاري 5/128 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف 7/33 كتاب النكاح، باب ما ينهى من دخول المتشبهين بالنساء على المرأة، 7/137 كتاب اللباس، باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت) .
4 مسلم: " (الصحيح 4/1715 كتاب السلام، باب منع المخنثين من دخول على النساء الأجانب، أبو داود: "السنن 2/580 كتاب الادب، باب الحكم في المخنثين، وابن ماجه السنن 1/613 كتاب النكاح، باب في المخنثين) .
5 مسلم: " (الصحيح 4/1715 وإسحاق بن راهويه المسند ص 233 أرقم 380، وأبو يعلى: "المسند 6/635 أرقم 306) .
(مسلم: "الصحيح 4/1715 وأحمد: "المسند 6/290) .
(مسلم: "الصحيح 4/1715) .
(المسند: "1/142) .
(البيهقي: "السنن الكبرى 8/223-224) .
10 (البيهقي: "السنن الكبرى 8/223-224) .
11 (الموطأ2/767كتاب الوصية، باب ما جاء في المؤنث من الرجال ومن أحق بالولد) .
ورواه سعيد1بن أبي مريم عن مالك عن هشام عن أبيه عن أم سلمة، أخرجه ابن عبد البر وقال:"الصواب ما في الموطأ2".
ولم يسمعه عروة عن أم سلمة، وإنما رواه عن بنتها زينب عن أمها أم سلمة".
وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من طرق عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أمها أم سلمة، كذلك قال ابن عيينة وأبو معاوية عن هشام".
ثم قال الكاندهلوي: "قال الحافظ: "هكذا قال أكثر أصحاب هشام وهو المحفوظ".
وأخرج البخاري في اللباس من طريق زهير عن هشام أن عروة أخبره أن زينب بنت أم سلمة أخبرته أن أم سلمة أخبرتها3".
وخالفهم حماد بن سلمة عن هشام فقال عن أبيه عن عمر4بن أبي سلمة".
وقال معمر عن هشام عن أبيه عن عائشة".
وأرسله مالك فلم يذكر فوق عروة أحداً5".إهـ".
ما رواه مسلم وأبو داود وغيرهما من حديث عائشة وهذا سياقه عند مسلم قال:
242-
وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: "كان6 يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولى الإربة7، قال: "فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو عند بعض نسائه8، وهو ينعت امرأة
1 هو سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم المعروف بابن أبي مريم".
2 يعني كونه عن عروة مرسلا". وانظر: "التقصّي، لابن عبد البر ص 197-198 الحديث رقم (668) .
3 انظر: " (تخريج الحديث في ص: "528) .
4 عمر بن أبي سلمة أمه أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ووقع في فتح الباري وأوجز المسالك "عمرو" والصواب ما أثبتناه".
5 أوجز المسالك 12/353 وفتح الباري 9/333-334".
6 وعند أحمد والبيهقي "كان رجل يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث وكانوا يعدونه من غير أولي الإربة".
7 الإربة: "بكسر أوله وسكون الراء: "الحاجة، والمراد بها هنا:"حاجة النكاح وغير أولي الإربة: "عرفه العلماء بتعاريف خلاصتها: "أنه هو الذي يهمه بطنه دون فرجه ولا هم له ولا حاجة به إلى النساء، ولا تشتهيه النساء، (جامع البيان للطبري 18/121-123، والسنن الكبرى للبيهقي 7/196) .
8 قال ابن حجر: "وعرف من حديث الباب تسمية المرأة وأنها أم سلمة (فتح الباري 9/334) ويعني بحديث الباب حديث أم سلمة المتقدم برقم (241) .
قال: "إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمان، فقال: "النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أرى هذا يعرف1 ما هاهنا لا يدخلن عليكن". قالت: "فحجبوه2".
والحديث رواه أبو داود وأحمد والبيهقي الجميع من طريق معمر عن زهري عن عروة به3".
ورواه أبو داود أيضا من طريق معمر عن الزهري وهشام بن عروة عن عروة به4".
ورواه أبو داود أيضا من طريق يونس5 عن الزهري عن عروة عن عائشة بهذا الحديث: "وزاد6: "وأخرجه فكان بالبيداء يدخل كل جمعة يستطعم".
1 وعند أبي داود وأحمد والبيهقي "فقال: "ألا أرى هذا يعلم ما ههنا لا يدخلن عليكن هذا وحجبوه".
(صحيح مسلم: "4/1716 كتاب السلام، باب منع المخنث من الدخول على النساء الأجانب) .
3 أبو داود: "السنن 2/383-384 كتاب اللباس، باب في قوله (غير أولي الإربة) ولم يسق لفظه، وأحمد: "المسند 6/152، والبيهقي السنن الكبرى 7/96".
4 أبو داود: "السنن 2/383".
5 هو يونس بن يزيد الأيلي، ثقة تقدم في حديث (63) .
6 زاد: "أي يونس في روايته وأخرجه أي أخرج النبي صلى الله عليه وسلم المخنث، فكان بالبيداء - بالمد القفر وكل صحراء فهي بيداء كأنها تبيد سالكها أي تكاد تهلكه (عون المعبود 11/167-168) .
قال النووي: "والمحفوظ أنه هيت، قال العلماء: "وإخراجه كان لثلاثة معان:
أحدها: "المعنى المذكور في الحديث أنه كان يظن من غير أولى الإربة وكان من أولى الإربة ويتكتم بذلك".
والثاني: "وصفه النساء ومحاسنهن وعوراتهن بحضرة الرجال، وقد نهى أن تصف المرأةُ المرأةَ لزوجها فكيف إذا وصفها الرجل للرجل؟
والثالث: "أنه ظهر له منه أنه كان يطلع من النساء وأجسامهن وعوراتهن على ما لا يطلع عليه كثير من النساء فكيف الرجل، لا سيما على ما جاء في غير مسلم أنه وصفها حتى وصف ما بين رجليها أي فرجها وحواليه، (شرح النووي على صحيح مسلم 5/25) .
وقال ابن حجر: "قال المهلب: "إنما حجبه عن الدخول إلى النساء لما سمعه يصف المرأة بهذه الصفة التي تهيج قلوب الرجال فمنعه لئلا يصف الأزواج للناس فيسقط معنى الحجاب" اهـ".
وقد ذكر ابن الكلبي: "بعد قوله وتدبر بثمان فقال: "بثغر كالأقحوان، إن قعدت تثنت، وتكلمت تغنت، وبين رجليها مثل الإناء المكفوء".
وزاد المديني من طريق يزيد بن رومان عن عروة مرسلا في هذه القصة: "أسفلها كثيب وأعلاها عسيب" ثم قال ابن حجر: "وفي سياق الحديث ما يشعر بأنه حجبه لذاته أيضا لقوله: "ألا أرى هذا يعرف ما ههنا" ولقوله: "وكانوا يعدونه من غير أولى الإربة" فلما ذكر الوصف المذكور دل على أنه من أولى الإربة، فنفاه لذلك (فتح الباري 9/335-336) . والروض الأنف 7/272".
ومن طريق الأوزاعي في هذه القصة "فقيل يا رسول الله إنه إذا يموت من الجوع، فأذن له أن يدخل في كل جمعة مرتين فيسأل ثم يرجع"1 وإسناده صحيح2".
والحديث يدل على منع المخنثين من الدخول على النساء، وفيه نفي أهل المعاصي والفساد من البلاد تأديباً لهم وتنكيلاً بهم".
قال النووي: "في الحديث منع المخنث من الدخول على النساء، ومنعهن من الظهور عليه، وبيان أن له حكم الرجال الفحول الراغبين في النساء في هذا المعنى".
وكذا حكم الخصي والمجبوب ذكره، وأما دخول المخنث أولا على أمهات المؤمنين فقد بين سببه في هذا الحديث، بأنهم كانوا يعتقدونه من غير أولى الإربة وأنه مباح دخوله عليهن، فلما سمع منه هذا الكلام علم أنه من أولي الإربة فمنعه صلى الله عليه وسلم الدخول"3اهـ".
وقال ابن حجر: "ويستفاد من الحديث حجب النساء عمن يفطن لمحاسنهن، وهذا الحديث أصل في إبعاد من يستراب به أمر من الأمور
…
وفيه أيضا تعزير من يتشبه بالنساء بالإخراج من البيوت والنفي إذا تعين ذلك طريقا لردعه".
وظاهر الأمر وجوب ذلك، وتشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء من قاصد مختار حرام اتفاقا"4.اهـ.
وقد جاء - لعن المخنثين والأمر بإخراجهم من البيوت ونفيهم عن البلاد - في حديث عبد الله بن عباس عند البخاري وأبي داود وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري قال:
243-
حدثنا معاذ بن فضالة حدثنا هشام5 عن يحيى عن عكرمة عن ابن عباس قال: "لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات6 من النساء وقال:
(سنن أبي داود2/383-384كتاب اللباس، باب في قوله تعالى: (غير أولي الإربة) .
(إرواء الغليل 6/205) .
(شرح النووي على صحيح مسلم 5/25) .
4 فتح الباري 9/336 وعون المعبود 11/166-167 و168".
5 هشام: "هو الدستوائي: "ويحيى: "هو ابن أبي كثير (فتح الباري 10/333) .
6 المترجلات من النساء: "أي المتشبهات بهم زيا وهيئة ومشية ورفع صوت ونحوها لا رأيا وعلما، فإن التشبه بهم محمود (عون المعبود13/277 وتحفة الأحوذي8/70) .
"أخرجوهم من بيوتكم، قال: "فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلانا، وأخرج عمر1 فلانا"2.
والحديث رواه أبو داود والنسائي وأحمد والدارمي الجميع من طريق هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة به3".
ورواه عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير وأيوب4 كلاهما عن عكرمة به".
وساق منه إلى قوله: "والمترجلات من النساء"5.
ورواه الترمذي من هذه الطريق6".
ورواه النسائي أيضا من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة به".
ولفظه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج مخنثا وأن عمر أخرج فلانا وفلاناً"7.
ورواه عبد الرزاق أيضا عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة به".
ولفظه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أخرجوا المخنثين من بيوتكم".
قال: "وأخرج النبي صلى الله عليه وسلم مخنثا وأخرج عمر مخنثا"8.
ورواه أيضا عن معمر عن أيوب عن عكرمة قال: "أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجل من
1 وعند الدارمي "وأخرج عمر فلانا أو فلانة" قال أبو محمد - هو الدارمي نفسه - فأشك". وفي المتن الذي شرح عليه ابن حجر "فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلانا وأخرج عمر فلانة" بدون شك، ثم قال ابن حجر: "كذا في رواية أبي ذر "فلانة" بالتأنيث، وكذا وقع في "شرح ابن بطال" وللباقين "فلانا" بالتذكير، وكذا عند أحمد (فتح الباري 10/333و334) .
2 البخاري: "الصحيح 7/137 كتاب اللباس، باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت و8/142 كتاب الحدود باب نفي أهل المعاصي والمخنثين".
3 أبو داود: "السنن 2/581 كتاب الأدب، باب الحكم في المخنثين، النسائي: "السنن الكبرى في عشرة النساء من طريق بشر بن المفضل، والنضر بن شميل، وعبد الصمد ابن عبد الوارث، ووهب بن جرير، وأبي داود الطيالسي، خمستهم عن هشام نحوه".
(تحفة الأشراف للمزي5/173حديث (6240)، وأحمد: المسند1/225، و226، و227،والدارمي: السنن2/192كتاب الاستئذان، باب لعن المخنثين والمترجلات) .
4 أيوب: "هو ابن أبي تميمة السختياني".
5 مصنف عبد الرزاق 11/242".
(السنن 4/194 كتاب الأدب، باب ما جاء في المتشبهات بالرجال من النساء) .
7 السنن الكبرى في عشرة النساء (تحفة الأشراف للمزي 5/173 حديث 6240".
8 المصنف 11/242".
المخنثين فأخرج عن المدينة، وأمر أبو بكر برجل منهم فأخرج أيضا"1.
قال ابن حجر: "وفي هذه الأحاديث مشروعية إخراج من يحصل به التأذي للناس عن مكانه إلى أن يرجع عن ذلك أو يتوب"2".
ثم قال ابن حجر: "وقد أخرج الطبراني وتمام3 الرازي في "فوائده" من حديث واثلة بن الأسقع مثل حديث ابن عباس هذا بتمامه، وقال فيه: "وأخرج النبي صلى الله عليه وسلم أنجشة"4 وهو العبد الأسود الذي كان يحدو5 بالنساء".
وذكر في كتاب النكاح عند شرحه لحديث أم سلمة "أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى عن المدينة ثلاثة من المخثنتين وهم: "ماتع" و"هيث" نفاهما إلى الحمى6، و "أنة" نفاه إلى حمراء الأسد7".
1 المصنف 11/243 وهو مرسل".
2 فتح الباري 10/334 والإصابة 1/67".
3 تمام بن محمد بن عبد الله بن جعفر الإمام الحافظ محدث الشام أبو القاسم الرازي ثم الدمشقي، قال أبو علي الأهوازي:"ما رأيت مثله في معناه، كان عالما بالحديث ومعرفة الرجال، وقال أبو بكر الحداد: "ما لقينا مثله في الحفظ والخير، له كتاب (فوائد في الحديث)(330-414هـ) .
(تذكرة الحفاظ للذهبي 3/1056 ومعجم المؤلفين لكحالة 3/93) .
4 أنجشة - بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الجيم بعدها شين معجمة ثم هاء تأنيث - ويقال فيه: "أنجش على الترخيم، كان حبشيا يكنى أبا مارية".
(فتح الباري 10/334 و 544، والإصابة 1/67-68) وحديثه هذا المشار إليه أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 8/103-104، ولفظه:"عن واثلة قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء، وقال:"أخرجوهم من بيوتكم، فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم أنجشة وأخرج عمر فلانا" ثم قال: "رواه الطبراني وفيه حماد مولى بني أمية". اهـ".
وحماد قال فيه الذهبي: "قال الأزدي: "متروك، وأورد الحديث المذكور ابن حجر وقال: "رواه الطبراني بإسناد لين (ميزان الاعتدال 1/602 ولسان الميزان 2/355، والإصابة 1/67-68) .
5 الحداء: "بضم أوله والمد مهموز هو ضرب من الغناء تساق به الإبل (هدي الساري لابن حجر ص 103) .
6 الحمى: "لعله حمى النقيع بالنون وهو الذي حماه رسول لله صلى الله عليه وسلم ثم عمر بن الخطاب من بعده كما سيأتي في حديث رقم (250) ص 544 تعليقة (7) .
والنقيع موقع قرب المدينة وهو من ديار مزينة يبعد عن المدينة بعشرين فرسخا". (معجم البلدان لياقوت 5/299و301) .
وقال عاتق بن غيث البلادي: "النقيع: "فعيل من النقع وهو واد فحل من أودية الحجاز، يقع جنوب المدينة، يسيل من الحرار التي يسيل منها وادي الفرع ثم يتجه شمالا جاعلا جبال قدس على يساره، ويأخذ كل مياهها الشرقية وهو الذي حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم للخيل، يسمى الوادي النقيع إلى أن يقبل على بئر الماشي (38) كيلا جنوب المدينة، ثم يسمى عقيق الحسا، إلى ذي الحليفة، ثم عقيق المدينة حتى يدفع في إضم في مجمع الأسيال".
ثم قال: "فأول النقيع ممّا يلي المدينة يبعد عنها قرابة (40) كيلا جنوبا، على طريق الفرع، وأقصاه على قرابة (120) كيلا قرب الفرع". (معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية ص 319-320) .
7 حمراء الأسد: "قال عاتق البلادي: "حمراء الأسد: "جبل أحمر جنوب المدينة على (20) كيلا، إذا خرجت من ذي الحليفة تؤم مكة رأيت حمراء الأسد جنوبا، ليس بينك وبينها من الأعلام سوى حمراء نمل القريبة من الطريق، وتقع حمراء الأسد على الضفة اليسرى لعقيق الحسا على الطريق إلى المدينة إلى الفرع". (معجم معالم الجغرافية ص 105-106) .
وأما الذين نفاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه". فذركر ابن حجر أيضا أنه وقف على "كتاب المغربين" لأبي الحسن1المدايني من طريق الوليد بن سعيد قال: "سمع عمر قوما يقولون أبو ذؤيب2 أحسن أهل المدينة، فدعا به، فقال:"أنت لعمري، فأخرج عن المدينة، فقال: "إن كنت تخرجني فإلى البصرة حيث أخرجت يا عمر نصر بن حجاج".
وساق قصة جعدة3السلمى وأنه كان يخرج مع النساء إلى البقيع ويتحدث إليهن حتى كتب بعض الغزاة إلى عمر يشكو ذلك فأخرج".
وكذا أخرج أمية بن يزيد الأسدي، ومولى مزينة كانا يحتكران الطعام بالمدينة، فأخرجهما عمر".
ثم ذكر عدة قصص لمبهم ومعين، فيمكن التفسير في هذه القصة ببعض هؤلاء"4. إهـ.
والحديث قال ابن بطال: "استدل به على أن المراد بالمخنثين المتشبهون بالنساء لا من يؤتى، فإن ذلك حده الرجم، ومن وجب رجمه لا ينفى".
قال ابن حجر: "وتعقب بأن حده مختلف فيه، والأكثر أن حكمه حكم الزاني فإن ثبت عليه جلد ونفي، لأنه لا يتصور فيه الإحصان، وإن كان يتشبه فقط نفي فقط".
وقيل إن في الترجمة5 إشارة إلى ضعف القول الصائر إلى رجم الفاعل والمفعول به وأن هذا الحديث الصحيح لم يأت فيه إلا النفي".
1 هو علي بن محمد أبو الحسن المدايني الأخباري، ثقة تقدم في حديث 0 36) .
2 انظر قصته هو ونصر بن حجاج بن علاط في الطبقات ابن سعد الكبرى 3/285 إلا أنه قال: "أبو ذئب" ولعله صغر فقيل أبو ذؤيب". انظر الإصابة 3/579".
3 انظر قصته في طبقات ابن سعد 3/285-286 والإصابة 1/261، وفتاوى ابن تيمية 15/313 و32/251-252".
4 فتح الباري 9/334 و12/159-160 وانظر حاشية ص 526 تعليقة (3) .
5 يعني ترجمة البخاري بقوله "باب نفي أهل المعاصي والمخنثين" انظر: "ص: "532 تعليقة (2) .
ثم قال: "وفي هذا نظر لأنه لم يثبت عن أحد ممن أخرجهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يؤتى".
244-
وقد أخرج أبو داود من طريق أبي هاشم عن أبي هريرة "أن رسول لله صلى الله عليه وسلم أتي بمخنث قد خضب يديه ورجليه فقال: "ما بال هذا؟ قيل يتشبه بالنساء، فأمر به فنفى إلى النقيع"1 يعني بالنون2.
وقال ابن تيمية: "وقد ذكر الشافعي وأحمد أن التغريب جاء في السنة في موضعين:
أحدهما: "في الزاني الذي لم يحصن "جلد مائة وتغريب عام".
الثاني: "نفى المخنثين". فيما روته أم سلمة ثم ساق الحديث وفيه "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجوهم من بيوتكم" 3".
ومجموع ما مضى من الأحاديث يؤخذ منه الحفاظ على أعراض المسلمين وصيانتها وعدم التساهل في ذلك، خاصة فيمن يستراب في أمره وإن كان يظن إنه لا ريبة فيه، لأن الواجب في مثل ذلك الأخذ بالأحوط، وأمر المخنث من هذا الباب".
وفي الأحاديث أيضا التشديد على من يتشبه بالنساء من الرجال ومن يتشبه بالنساء بالرجال".
ولا يبعد أن يكون المتشبه بالنساء المسمى مخنثا إنما تشبه بهن لغاية في نفسه، إما بوصفهن للأجانب، وإما لأنه يود الاقتراب منهن لغرض آخر، ولهذا منعت الشريعة مثل هذا من الدخول على النساء، ويستفاد من الأحاديث أيضا إخراج من تعم به الفتنة كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بنصر بن حجاج وأبي ذؤيب وجعدة السلمى صيانة للمجتمع عن الفتن وانتشار الرذائل".
1 الحديث في سنن أبي داود 2/580 كتاب الأدب، باب الحكم في المخنثين من طريق أبي اليسار القرشي عن أبي هاشم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما بال هذا؟ فقيل يا رسول الله يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى النقيع قالوا: "يا رسول الله، ألا نقتله؟ قال:"إني نهيت عن قتل المصلين".
قال أبو أسامة - أحد رواة الحديث -: "والنقيع ناحية عن المدينة وليس بالبقيع".
والحديث فيه أبو اليسار القرشي، قال أبو حاتم:"مجهول"، وقال أبو هاشم الدوسي ابن عمّ أبي هريرة". قال ابن القطان:"مجهول الحال"(التقريب 2/483 و490 وتهذيب التهذيب 12/261، و281) .
2 فتح الباري 12/159-160".
3 فتاوى ابن تيمية 5/308".