المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحكم الثامن: إقامة الحد في دار الحرب - مرويات غزوة حنين وحصار الطائف - جـ ٢

[إبراهيم بن إبراهيم قريبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف

- ‌(تابع) الباب الثاني: ملاحقة فلول المشركين والأحداث التاريخية التي أعقبت ذلك

- ‌الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف بعد المعركة

- ‌المبحث الأول: في قدوم وفد هوازن إلى الجعرانة مسلمين

- ‌المبحث الثاني: في إيفاد ثقيف جماعة منهم إلى المدينة للتفاوض

-

- ‌الباب الثالث: في بيان أبرز الأحكام المستنبطة من غزوة حنين

- ‌الحكم الأول: جواز وطء المسبية بعد الاستبراء

- ‌الحكم الثاني: وقوع العزل في أوطاس

- ‌الحكم الثالث: في مسئلة المتعة

- ‌الحكم الرابع: منع المخنثين من الدخول على النساء الأجنبيات

- ‌الحكم الخامس: في النهي عن قتل النساء والضعفاء ومن في حكمهم

- ‌الحكم السادس: العذر الذي يبيح ترك حضور صلاة الجماعة

- ‌الحكم السابع: تعليم أبي محذورة الأذان

- ‌الحكم الثامن: إقامة الحدّ في دار الحرب

- ‌الحكم التاسع: الاستعانة بالمشركين

- ‌الحكم العاشر: العارية من حيث الضمان وعدمه

- ‌الحكم الحادي عشر: قضاء الرسول في شأن محلم بن جثامة

- ‌الحكم الثاني عشر: في بيان نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم

- ‌الحكم الثالث عشر: استحقاق القاتل سلب القتيل

- ‌الحكم الرابع عشر: في بيان تحريم الغلول في الغنيمة

- ‌الحكم الخامس عشر: المؤلفة قلوبهم

- ‌الحكم السادس عشر: بعض ما يجتنبه المحرم

- ‌الحكم السابع عشر: عمرة الرسول صلى الله عليه وسلم من الجعرانة

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الحكم الثامن: إقامة الحد في دار الحرب

‌الحكم الثامن: إقامة الحدّ في دار الحرب

الحد في اللغة: "المنع والفصل بين الشيئين، فكأن حدود الشرع فصلت بين الحلال والحرام".

وفي الشرع: "هي عقوبة مقدرة شرعا في معصية لتمنع من الوقوع في مثلها1".

وفي هذه الغزوة التي نحن بصدد الحديث عنها جيء برجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سكر فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان عنده فضربوه بما كان في أيديهم وحَثَا صلى الله عليه وسلم عليه التراب، ردعا له جزاء ما ارتكب وتطهيرا له مما علق به من دنس المعصية".

وقد ورد في هذا ما رواه أبو داود والنسائي وأحمد والطحاوي وغيرهم وهذا سياقه عند الطحاوي:

259-

حدّثنا عليّ2 بن شيبة قال حدّثناروح3 بن عبادة قال ثنا أسامة4 بن زيد قال: "حدثني ابن شهاب قال: "حدثني عبد الرحمن5 بن أزهر الزهري قال:

1 النهاية1/352 والقاموس المحيط1/286، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف لأبي الحسن المرداوي10/150، وتيسير العلام لعبد الله بن عبد الرحمن آل بسام 2/334 والفقه على المذاهب الأربعة5/7، 8، 48".

2 علي بن شيبة بن الصلت بن عصفور أبو الحسن السدوسي مولاهم، وهو أخو يعقوب بن شيبة، بصري سكن بغداد ثم انتقل إلى مصر فسكنها وحدث بها عن قبيصة بن عقبة ويحيى بن يحيى النيسابوري، والحسن بن موسى الأشيب وغيرهم، ورى عنه عبد العزيز بن أحمد الغافقي وغيره من المصريّين أحاديث مستقيمة (ت 272) . (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي11/436وشرح معاني الآثار1/27و35) .

3 هو ابن العلاء أبو محمد البصري "ثقة فاضل" تقدم في حديث 0 142) .

4 أسامة بن زيد الليثي مولاهم، أو زيد المدني "صدوق يهم". (التقريب 1/53 وتهذيب التهذيب 1/208-210) .

5 عبد الرحمن بن أزهر الزهري صحابي صغير تقدم في حديث (114) .

ص: 592

"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين يتخلل الناس - أي يدخل بينهم - يسأل1 عن منزل خالد بن الوليد، فأتي بسكران فأمر من كان عنده فضربوه بما كان في أيديهم، ثم حثا عليه التراب - أي: "رمى بيده عليه التراب - ثم أتي أبو بكر بسكران فتوخّي2 الذي كان من ضربهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربه أربعين" 3.

والحديث رواه أبو داود عن الحسن4 بن علي أخبرنا عثمان5. ابن عمر أخبرنا أسامة بن زيد عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة6 الفتح - وأنا غلام شاب - يتخلل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد فأتي بشارب فأمرهم فضربوه بما في أيديهم، فمنهم من ضربه بالسوط، ومنهم من ضربه بعصا، ومنهم من ضربه بنعله، وحثا رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب، فلما كان أبو بكر أُتي بشاربٍ فسألهم عن ضرب النبيّ صلى الله عليه وسلم الذي ضرب فحزروه، فضرب أبو بكر أربعين، فلما كان عمر كتب إليه خالد بن الوليد أن الناس قد انهمكوا في الشرب

1 وسبب السؤال عن منزل خالد بينه ما رواه عبد الرزاق والحميدي وأحمد وأبو عوانة الجميع من طريق معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر قال: "جرح خالد بن الوليد يوم حنين فمربي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام وهو يقول من يدل على رحل خالد بن الوليد؟ فخرجت أسعى بين يدي رسول الله وأنا أقول: "من يدل على رحل خالد بن الوليد؟ حتى أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستند إلى رحل قد أصابته جراحة فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده، ودعا له". قال:"وأرى فيه: "ونفث عليه" لفظ الحميدي".

والقائل: "وأرى فيه: "ونفث عليه" هو الزهري فعند أحمد وأبي عوانة: "قال الزهري: "وحسبت أنه قال: "ونفث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم".

(مصنف عبد الرزاق 5/380-381 ومسند الحميدي 2/398 ومسند أحمد 4/88 و350-351 ومسند أبي عوانة 4/203) .

2 "تَوَخَّي": "أي قصد يقال: "توخيت الشيء أتوخاه توخيا، إذا قصدت إليه وتعمدت فعله، وتحريت فيه". (النهاية 5/164-165) .

(شرح معاني الآثار 3/156) .

4 هو الحلواني "ثقة حافظ" التقريب 1/168".

5 عثمان بن عمر بن فارس العبدي بصري أصله من بخاري، ثقة، قيل:"كان يحيى بن سعيد لا يرضاه، من التاسعة (ت209) . /ع". (التقريب 2/13 وتهذيب التهذيب 7/142 وقد وقع في التقريب الطبعة المصرية أن وفاته سنة (290) وهو خطأ".

6 قوله: "غداة الفتح"، قال ابن حجر:"وقع عند ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن أزهر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام عام الفتح بمكة يسأل عن منزل خالد بن الوليد فأتى بشارب قد سكر فأمرهم أن يضربوه" إهـ".

ثم قال: "وقوله: "مكة، وهم منه، والذي في سياق الحديث بحنين وهو المحفوظ". (الإصابة 2/389-390، والجرح والتعديل 5/208) .

ص: 593

وتحاقروا الحدّ والعقوبة قال: "هم عندك فسلهم - وعنده المهاجرون الأولون - فسألهم فأجمعوا على أن يضرب ثمانين".

قال وقال علي: "إن الرجل إذا شرب افترى فأرى أن يجعله كحد الفرية"1".

ورواه عمر بن شيبة عن عثمان بن عمر به2".

ورواه أحمد عن عثمان بن عمر ثنا أسامة بن زيد به إلى قوله: "وحثا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب" 3".

ورواه النسائي والحاكم من طريق صفوان4 بن عيسى أنبأنا أسامة ابن زيد عن الزهري قال: "حدثني عبد الرحمن بن أزهر - رضي اله عنه - قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وهو يتخلل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد فأتي بسكران فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان عنده أن يضربوه بما كان في أيديهم، قال:"وحثا رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب في وجهه".

قال: "ثم أُتِيَ أبو بكر رضي الله عنه بسكران فَتَوَخَّى الذي كان من ضربهم يومئذ فضرب أربعين وضرب عمر رضي الله عنه أربعين"5".

ورواه البيهقي من طريق روح بن عبادة ثنا أسامة بن زيد عن ابن شهاب، حدثني عبد الرحمن بن أزهر الزهري رضي الله عنه قال:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين يتخلل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد وأُتِىَ بسكران، فأمر من كان عنده فضربوه بما كان في أيديهم وحثا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه من التراب"6.

1 سنن أبي داود 2/475 كتاب الحدود، باب إذا تتابع في شرب الخمر". والفرية المراد بها هنا:"رَمْيُ الغير بالزنى".

2 تاريخ المدينة 2/731".

3 المسند 4/350".

4 صفوان بن عيسى الزهري، أبو محمد البصري القسام، ثقة، من الخامسة (ت 200هـ) وقيل قبلها بقليل أو بعدها". / خت م عم". (التقريب 1/368 وتهذيب التهذيب 4/429-430) .

5 السنن الكبرى للنسائي كما في تحفة الأشراف للمزي 7/191-192 حديث (9685)، الحاكم:" المستدرك 4/374-375".

6 السنن الكبرى للبيهقي 9/103".

ص: 594

ورواه أحمد عن زيد1 بن الحباب ثنا أسامة بن زيد عن الزهري به إلى قوله: "بما كان في أيديهم"2.

ورواه أبو داود والطحاوي من طريق ابن وهب قال أخبرني أسامة ابن زيد الليثي عن ابن شهاب حدثه عن عبد الرحمن بن أزهر، قال:"كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن وهو في الرحال يلتمس رحل خالد بن الوليد يوم حنين فبينما هو كذلك، أتي برجل قد شرب الخمر، فقال للناس "اضربوه" فمنهم من ضربه بالنعال، ومنهم من ضربه بالعصا، ومنهم من ضربه بالميتخة 3 - يريد الجريدة الرطبة - ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ترابا من الأرض فرمى به في وجهه" 4.

ورواه النسائي من طريق صالح 5 بن كيسان عن الزهري بلفظ "أن عبد الرحمن بن أزهر كان يحدث أنه حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم" الحديث6.

ورواه الشافعي عن معمر بن راشد عن الزهري عن عبد الرحمن ابن أزهر قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين سأل عن رحل خالد بن الوليد فجريت بين يديه أسأل عن رحل خالد بن الوليد حتى أتاه جريحاً وأُتي النبي صلى الله عليه وسلم بشارب فقال: "اضربوه" فضربوه بالأيدي والنعال وأطراف الثياب وحثوا عليه من التراب، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم بكتوه فبكتوه ثم أرسله".

قال فلما كان أبو بكر رضي الله عنه سأل من حضر ذلك المضروب فقومه أربعين

1 زيد بن الحباب - بضم المهملة وموحدتين - أبو الحسين العكلي - بضم المهملة وسكون الكاف - أصله من خراسان، وكان بالكوفة، ورحل في الحديث فأكثر منه، وهو صدوق يخطئ في حديث الثوري، من التاسعة (ت 2039 / م عم". (التقريب 1/273 وتهذيب التهذيب 3/402-403، وقد رمز له الذهبي في ميزان الاعتدال 2/100 بصح إشارة إلى أنه ثقة".

2 مسند أحمد 4/350".

3 الميتخة: "بكسر الميم وسكون التحتية وبعدها مثناة فوقية ثم خاء معجمة- اختلف في ضبطها على أوجه هذا أحدها، فسرها ابن وهب في الحديث بالجريدة الرطبة". (النهاية 4/291-292 وعون المعبود 12/194-195) .

4 سنن أبي داود 2/474-475 كتاب الحدود، باب إذا تتابع في شرب الخمر، والطحاوي:"شرح معاني الآثار 3/155-156 واللفظ له".

5 صالح بن كيسان المدني، أبو محمد، أو أبو الحارث، مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز ثقة ثبت فقيه، من الرابعة (ت بعد سنة 130 أو بعد الأربعين) . / ع". (التقريب 1/362 وتهذيب التهذيب 4/399) .

6 تحفة الأشراف 7/192 عن سنن النسائي الكبرى في الحدود حديث (9685) .

ص: 595

فضرب أبو بكر في الخمر أربعين حياته ثم عمر رضي الله عنه حتّى تتابع الناس في الخمر فاستشار فضربه ثمانين"1".

والخلاصة؛ أن أسامة بن زيد اللّيثي روى هذا الحديث عن الزهري بلفظ "حدثني عبد الرحمن بن أزهر" ورواه صالح بن كيسان ومعمر بن راشد ويونس2 بن يزيد الأيلي كلّهم عن الزهري فلم يصرحوا في روايتهم بتحديث عبد الرحمن بن أزهر للزهري".

وصرّح بالتحديث من بين أصحاب الزهري أسامة بن زيد اللّيثي، وهو:"صدوق يهم"، وخالفه عقيل3 بن خالد فوسط بين الزهري وبين عبد الرحمن بن أزهر:"عبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر".

قال ابن حاتم سألت أبي 4 وأبا زرعة5 عن حديث رواه أسامة ابن زيد عن عبد الرحمن بن أزهر قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن خالد بن الوليد وأنا غلام شاب وأُتي بشارب وأمرهم فضربوه فمنهم من ضربه بنعله، وذكرت لهما الحديث".

فقالا: "لم يسمع الزهري هذا الحديث من عبد الرحمن بن أزهر، يدخل بينهما عبد الله 6 بن عبد الرحمن بن أزهر".

قلت لهما: "من يدخل بينهما ابن عبد الرحمن بن أزهر؟

قالا: "عقيل بن خالد 7".

قلت: "رواية عقيل بن خالد المشار إليها أخْرَجَها أبو داود والنسائي والطبراني والدارقطني، الجميع من طريق ابن السرح وهذا سياقه عند أبي داود:

1 مسند الشافعي 6/230-231 مع الأم، وتاريخ البخاري 5/240".

2 رواية يونس عند أبي عوانة في مسنده 4/203".

3 عقيل ثقة ثبت، تقدم في حديث (63) .

4 هو محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي تقدم في حديث (74) .

5 هو عبيد الله بن عبد الكريم تقدم في حديث (74) .

6 عبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر الزهري، المدني مقبول من الثالثة"./ د". (التقريب1/427 وتهذيب التهذيب 5/290 وقال: "ذكره ابن حبان في الثقات) .

7 علل الحديث 1/446-447 وانظر التلخيص الحبير 4/75".

ص: 596

حدثنا ابن السرح1 قال: "وجدت2 في كتاب خالي عبد الرحمن3 ابن عبد الحميد عن عقيل أن ابن شهاب أخبره أن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أزهر أخبره عن أبيه قال: "أُتِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشارب وهو بحنين4 فحثا في وجهه التراب، ثم أمر أصحابه فضربوه بنعالهم وما كان في أيديهم حتى قال لهم:"ارفعوا فرفعوا".

فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم5، ثم جلد أبو بكر في الخمر أربعين ثم جلد عمر أربعين صدراً من إمارته ثم جلد ثمانين في آخر خلافته، ثم جلد عثمان الحدين كليهما ثمانين وأربعين، ثم أثبت معاوية الحد ثمانين"6".

إلا أن الطبراني جعل هذا الحديث من مسند أزهر والد عبد الرحمن".

قال ابن حجر: "أورد الطبراني في ترجمة أزهر7 هذا عن أحمد بن محمّد بن نافع الطحان عن أحمد بن عمرو بن السرح قال وجدت في كتاب خالي عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن أزهر عن أبيه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِىَ بشارب وهو بحنين" الحديث".

وهذا وهم من الطبراني أو من شيخه فقد أخرجه أبو داود والنسائي عن ابن

1 أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح - بمهملات - أبو الطاهر المصري المصري، ثقة من العاشرة (ت 255) ./م د س ق". (التقريب 1/23 وتهذيب التهذيب 1/64) .

2 عند الدارقطني "قرأت" والوجادة: "مصدر وجد مولد غير مسموع من العرب وهي أن يقف على أحاديث بخط راويها غير المعاصر له، أو المعاصر ولم يلقه، أو لقيه ولم يسمع منه أو سمع منه ولكن لا يروي الواجد تلك الأحاديث الخاصة عنه بسماع ولا إجازة، فله أن يقول: "وجدت أو قرأت بخط فلان"

إلخ".

وهذا النوع من باب المنقطع وفيه شوب اتصال، بقوله:"وجدت بخط فلان".

(تدريب الراوي ص 281-282 وقد قال ابن حجر في تهذيب التهذيب 6/219 بأن ابن السرح روى عن خاله سماعا ووجادة) .

3 عبد الرحمن بن عبد الحميد بن سالم المهري - بفتح الميم وسكون الهاء- أبو رجاء المصري، المكفوف، ثقة من التاسعة (ت192) ./د س". (التقريب 1/489 وتهذيب التهذيب 6/219) .

4 عند الطبراني: "وهو بخيبر" وهو خطأ وقد أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 6/278-279 بلفظ "وهو بحنين" والحديث عند أبي داود والنسائي والدارقطني من طريق ابن السرح بلفظ "وهو بحنين".

5 عند الدارقطني "فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلك السنة ثم جلد أبو بكر الخ" وعند الطبراني: "فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلك سنته".

6 سنن أبي داود 2/475 كتاب الحدود، باب إذا تتابع في شرب الخمر". وسنن النسائي الكبرى في الحدود كما في تحفة الأشراف للمزي 7/191 حديث:"96858". والمعجم الكبير للطبراني 1/317". وسنن الدارقطني 3/158".

7 هو أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري عم عبد الرحمن بن عوف، ووالد عبد الرحمن بن أزهر". (الإصابة 1/29-30) .

ص: 597

السرح بهذا الإسناد عن الزهري عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر عن أبيه، فالحديث من مسند ابن أزهر وهكذا رواه صالح1 بن كيسان عن الزهري، عن عبد الرحمن بن أزهر نفسه لم يقل عن أبيه، وكذا رواه أبو سلمة2 بن عبد الرحمن ومحمد3 بن إبراهيم التيمي عن عبد الرحمن بن أزهر نفسه"4".إهـ".

قلت: "رواية أبي سلمة ومحمد بن إبراهيم التيمي أخرجها النسائي والدارقطني عنهما عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر قال: "أتي النبي صلى الله عليه وسلم بشارب يوم حنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس:"قوموا إليه، فقام الناس إليه فضربوه بنعالهم".

وأخرجها الدارقطني أيضاً عن الزهري عن عبد الرحمن 5".

وقد تبين مما تقدم أن الزهري لم يسمع هذا الحديث من عبد الرحمن بن أزهر وإنما سمعه من عبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر عن أبيه، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر".

قال عنه ابن حجر في التقريب "مقبول"6.

والحديث رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن إبراهيم التيمي كلاهما عن عبد الرحمن بن أزهر".

وقد ذكر ابن أبي حاتم وابن عبد البر وابن الأثير بأنهما رويا عن عبد الرحمن بن أزهر، وروايتهما عند النسائي والدارقطني 7.

1 تقدمت رواية صالح ص (583) .

2أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، المدني قيل اسمه عبد الله، وقيل إسماعيل، ثقة مكثر، من الثالثة (ت 194) وكان مولده سنة بضع وعشرين". /ع". (التقريب 2/430 وتهذيب التهذيب 12/115-118) .

3 محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي، أبو عبد الله، المدني، ثقة له أفراد، من الرابعة (ت120) .على الصحيح"./ ع". (التقريب2/140وتهذيب التهذيب9/5-7".

4 الإصابة 1/29-30، والمعجم الكبير للطبراني 1/317".

5 تحفة الأشراف 7/192 عن سنن النسائي الكبرى في الحدود". وسنن الدارقطني 3/157-158".

6 انظر: "حاشية ص (584) تعليقة (6) .

7 الجرح والتعديل لأبن أبي حاتم 5/208-209 والاستيعاب 2/406 وأسد الغابة 3/424-426".

ص: 598

فيحتمل أنهما سمعا منه مباشرة، ويحتمل أنهما رويا عنه بواسطة، والواسطة محتملة أن تكون "عبد الله بن عبد الرحمن" ويحتمل أن يكون غيره".

وقد ذكر ابن حجر نقلا عن ابن مندة بأن وفاة عبد الرحمن بن أزهر كانت في الحرة، ووقعة الحرة كانت سنة أربع وستين1".

كما ذكر بأن ولادة أبي سلمة بن عبد الرحمن كانت سنة بضع وعشرين2 والبضع من ثلاث إلى تسع3، فإذا أخذنا بآخر إطلاقاته فتكون ولادة أبي سلمة سنة تسع وعشرين، فيكون عمره عند وفاة عبد الرحمن بن أزهر خمسا وثلاثين سنة 4".

وكلاهما مدنيان فيحتمل احتمالا قويا سماعه من عبد الرحمن بن أزهر ولو ثبت هذا فيكون السند متصلا ورجاله ثقات وعندها يكون الحديث صحيحاً".

والحديث جاء في معناه حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم في غزاة إلى بعير من المغنم الحديث وفيه: "وجاهدوا الناس في الله القريب والبعيد، ولا تبالوا في الله لومة لا ئم، وأقيموا حدود الله في الحضر والسفر"5.

قال الشوكاني: "وحديث عبادة بن الصامت أخرج أوله الطبراني في الأوسط والكبير".

قال في مجمع الزوائد: "وأسانيد أحمد وغيره ثقات".

ثم قال الشوكاني: "ويشهد لصحة هذا الحديث عمومات الكتاب والسنة وإطلاقاتهما لعدم الفرق فيها بين القريب والبعيد والمقيم والمسافر"6". اهـ".

والحديثان يدلان على إقامة الحدود في دار الحرب، وبذلك قال مالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر".

قال الشافعي: "وإذا أصاب الرجل حدا وهو محاصر للعدو أقيم عليه الحد ولا

1 انظر: "البداية والنهاية لابن كثير 8/246".

2 الإصابة: "2/389-390".

3 النهاية: "1/133".

4 بطرح 29 من 64".

5 سياتي تخريجه في بيان تحريم الغلول برقم (289) ص 669".

6 نيل الأوطار 7/145".

ص: 599

يمنعنا الخوف عليه من اللحوق بالمشركين أن نقيم عليه حد الله عز وجل فلو فعلنا توقيا أن يغضب ما أقمنا الحد عليه أبداً؛ لأنه يمكنه من كل موضع أن يلحق بدار الحرب، والعلة أن يلحق بدار الحرب، فيعطل عنه الحد إبطالا لحكم الله عز وجل ثم حكم رسول اله صلى الله عليه وسلم بعلة جهالة وغيا".

قد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الحد بالمدينة والشرك قريب منها وفيها شرك كثير موادعون وضرب الشارب بحنين والشرك قريب منه 1".

وقد قَيَّد الشافعي إقامة الحد من قبل أمير الجيش فيما إذا وَلِيَ ذلك من قبل الإمام، فإن لم يول ذلك فعلى الشهود الذين يشهدون على الحد أنّ يأتوا بالمشهود عليه إلى الإمام والي ذلك ببلاد الحرب أو ببلاد السلام".

ثم قال -رحمه الله تعالى-: "ولا فرق بين دار الحرب ودار السلام فيما أوجب الله على خلقه من الحدود لأن الله عز وجل يقول: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ، [سورة المائدة، من الآية:38] . {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} ، [سورة النور، من الآية: 2] .

وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الزاني الثيب الرجم وحد القاذف ثمانين جلدة لم يستثن من كان في بلاد الإسلام ولا في بلاد الكفر، ولم يضع عن أهله شيئا من فرائضه ولم يبح لهم شيئا مما حرم عليهم ببلاد الكفر ما هو إلا ما قلنا فهو موافق للتنزيل والسنة وهو مما يعقله المسلمون ويجتمعون عليه أن الحلال في دار الإسلام حلال في بلاد الكفر والحرام في بلاد الإسلام حرام في بلاد الكفر فمن أصاب حراما فقد حده الله على ما شاء منه ولا تضع عنه بلاد الكفر شيئاً".

أو أن يقول قائل إن الحدود بالأمصار وإلى عمال الأمصار فمن أصاب حدا ببادية من بلاد الإسلام فالحد ساقط عنه، وهذا مما لم أعلم مسلما يقوله، ومن أصاب حدا في المصر ولا والي للمصر يوم يصيب الحد كان للوالي الذي يلي بعد ما أصاب أن يقيم الحد، فكذلك عامل الجيش إن ولى الحد أقامه، وإن لم يول الحد فأول من يليه

1 الأم للشافعي 4/199-200 والسنن الكبرى للبيهقي 9/103، وتكملة المجموع لمحمد حسين العقبي 18/120، والمدونة الكبرى لمالك6/291".

ص: 600

يقيمه وكذلك هو الحكم والقطع ببلاد الحرب وغير القطع سواء 1".

وذهب الإمام أحمد والأوزاعي وإسحاق إلى أن من ارتكب حدا ببلاد الحرب لا يقام عليه الحد من قبل الإمام ولا نائبه حتى يخرج من دار الحرب فيقام عليه".

260-

واستدلوا بحديث بسر2 بن أرطأة قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تقطع الأيدي في السفر".

وفي لفظ: "لا تقطع الأيدي في الغزو"3.

وقد اختلف العلماء في بسر بن أرطأة هل له صحبة أوّلاً، قال ابن عبد البر:"يقال إنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو صغير، هذا قول الواقدي وابن معين وأحمد وغيرهم".

وقالوا: "خرف في آخر عمره".

وأما أهل الشام: "فيقولون إنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قال: "ولبسر ابن أرطأة حديثان هذا أحدهما والثاني: "في الدعاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة" 4.

وكان يحيى بن معين يقول: "لا تصح له صحبة وكان يقول فيه رجل سوء"5 إهـ".

وقال المنذري: "وكان يحيى بن معين لا يحسن الثناء عليه، وهذا يدل على أنه عنده لا صحبة له، وغمزه الدارقطني"6".أهـ.

1 الأم 7/322-323".

2 بسر بن أرطأة ويقال ابن أبي أرطأة واسمه عمير بن عويمر بن عمران القرشي العامري، نزيل الشام، من صغار الصحابة (ت 86) . / د ت س". (التقريب 1/96 وتهذيب التهذيب 1/435) .

3 سنن أبي داود 2/453 كتاب الحدود، باب السارق يسرق في الغزو أيقطع؟ ". وسنن الترمذي 3/5 كتاب الحدود، باب ما جاء أن لا يقطع الأيدي في الغزو". وسنن النسائي 8/84 كتاب السارق، باب القطع في السفر". ومسند أحمد 4/181". والدارمي 2/150 كتاب السير، باب في أن لا يقطع الأيدي في الغزو". والطبراني:"المعجم الكبير 2/19". والسنن الكبرى للبيهقي 9/104".

4 الحديث رواه أحمد في المسند 4/181، وابن حبان كما في موارد الظمآن ص 601، والطبراني في المعجم الكبير 2/19".

5 الاستيعاب 1/154 و155 و156 مع الإصابة".

6 عون المعبود 12/83، وتحفة الأحوذي 5/12".

ص: 601

وقال الزيلعي: "قال البيهقي في "المعرفة" أهل المدينة ينكرون سماع بسر بن أرطأة من النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يحيى بن معين يقول: "بسر بن أرطأة رجل سوء".

قال البيهقي: "وذلك لما اشتهر من سوء فعله في قتال أهل الحرة".

وقال ابن سعد في "الطبقات"1 قال الواقدي: "بسر بن أرطأة أدرك النبي صلى الله عليه وسلم صغيرا ولم يسمع منه شيئا، وقال غيره إنه سمع منه".

ثم قال الزيلعي: "واستدل البيهقي للشافعي في إقامة الحدود بدار الحرب بإطلاق الآيات الواردة في حد الزاني، وقطع السارق، وجلد القاذف، وبما أخرجه أبو داود في "المراسيل2 عن مكحول3 عن عبادة ابن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا حدود الله في السفر والحضر، على القريب والبعيد ولا تبالوا في الله لومة لائم". ورويناه بإسناد موصول في السنن4".

وحديث بسر قال فيه الترمذي: "حديث غريب"، ثم قال:"والعمل على هذا عند بعض أهل العلم منهم الأوزاعي، لا يرون أن يقام الحد في الغزو وبحضرة العدو مخافة أن يلحق من يقام عليه الحد بالعدو، فإذا خرج الإمام من أرض الحرب ورجع إلى دار السلام أقام الحد على من أصابه". كذلك قال الأوزاعي5. إهـ.

261-

واستدلوا أيضاً بما روى عن الأحوص بن حكيم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى الناس أن لا يجلدن أمير جيش ولا سرية ولا رجلاً من المسلمين حداً، وهو غاز حتى يقطع الدرب قافلا لئلا تلحقه حمية الشيطان فيلحق بالكفار"6".

وفيه الأحوص ضعيف الحفظ، وأبوه حكيم بن عمير، صدوق يهم7".

1 انظر: "الطبقات الكبرى لابن سعد 7/409 وانظر تهذيب التهذيب 1/435-436 ونقل عن ابن عدي "أنه قال مشكوك في صحبته ولا أعرف له إلا هذين الحديثين".

2 كتاب المراسيل ص 26".

3 مكحول هو الشامي ولم يسمع من عبادة كما في تهذيب التهذيب 10/292".

4 نصب الراية 3/344". والسنن الكبرى للبيهقي 9/104".

5 سنن الترمذي 3/5 كتاب الحدود، باب ما جاء أن لا يقطع الأيدي في الغزو".

6 المغني لابن قدامة 8/473-474 وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 140".

7 التقريب 1/49 و194".

ص: 602

وقد تابع الأحوص ثور بن يزيد وهو ثقة عند البيهقي ولكن الحديث فيه إبهام".

ورى أيضاً نحو هذا الحديث عن مكحول عن زيد بن ثابت، وفيه إبهام أيضا ومكحول قال الشافعي لم ير زيد بن ثابت 1".

وروى البوصيري2 من طريق حسان بن زاهر أن حصين بن حدير أخبره أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: "لا تقطع اليد في الغزو ولا عام سنة"3.

وحسان بن زاهر وحصين بن حدير، ذكرهما ابن أبي حاتم والبخاري ولم يذكرا فيهما جرحا ولا تعديلاً4".

والخلاصة أن الأحاديث في هذا كلها لا تخلو من ضعف".

وقال أبو حنيفة: "لا حد ولا قصاص في دار الحرب ولا إذا رجع إلا إذا غزا من له ولاية الإقامة بنفسه كالخليفة وأمير المصر يقيم الحد على مرتكبيه لأنه تحت يده، بخلاف أمير العسكر والسرية لأنه لم تفوض إليهما الإقامة، ولا تقام الحدود بعد الرجوع إلى بلاد الإسلام؛ لأنه عندما ارتكب الحد في دار الحرب لم يكن للإمام عليه قدرة، فلم تنعقد موجبة، فلا ينقلب موجبة بعد الخروج من دار الحرب".

واستدل الأحناف على هذا بما استدل به الحنابلة من أنه لا تقام الحدود في دار الحرب، إلا أن الحنابلة أوجبوا إقامة الحد بعد الرجوع إلى بلاد المسلمين والأحناف عمموا عدم إقامة الحد في السفر والحضر5".

والذي يظهر في هذا هو وجوب إقامة الحد على مرتكبيه في أي زمان ومكان لأن النصوص الواردة في ذلك عامة وصحيحة فلا يترك الحد مخافة أن يلحق من أقيم عليه الحد بالمشركين لأن احتمال لحقوقه بالمشركين لا يكون مبررا في إسقاط الحد عمن ارتكبه.

1 الأم للشافعي7/322والسنن الكبرى للبيهقي9/105ونصب الراية3/343-344".

2 البوصيري: "هو أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري الشافعي القاهري شهاب الدين أبو العباس محدث (762-840) . (كحالة؛ معجم المؤلفين 1/175) .

3 إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة مجلد 2/جزء 3ص 144 أرقم 237".

4 الجرح والتعديل لابن أبي حاتم2/192،و236".والتاريخ الكبير للبخاري3/ و33".

5 الهداية للمرغيناني 2/102-103 ونصب الراية للزيلعي 3/343-344".

ص: 603

قال الشافعي: "فإن لحق بالمشركين من أقيم عليه الحد، فهو أشقى له، ومن ترك الحد خوف أن يلحق المحدود ببلاد المشركين، تركه في سواحل المسلمين ومسالحهم التي تتصل ببلاد الحرب"1".

هذا هو الواجب على المسلمين عملا بقوله صلى الله عليه وسلم "أقيموا حدود الله في السفر والحضر على القريب والبعيد ولا تبالوا في الله لومة لائم".

لكن يمكن أن يقال إن أمير الجيش في دار الحرب إذا خشي مفسدة كبيرة تترتب على إقامة الحد على ذي شوكة في أفراد الجيش فإن الأمر يرجع حينئذ إلى اجتهاده فلا بأس أن يؤخر عنه الحد إلى الحضر نظرا لهذه المصلحة الراجحة، وَالحَدُّ سيقام على مرتكبيه بكلّ حال وأكثر ما فيه تأخير الحدّ لمصلحة راجحة، إما من حاجة المسلمين إليه أو من خوف ارتداده ولحقوه بالكفار، وتأخير الحد لعارض أمر وردت به الشريعة، كما يؤخر عن الحامل والمرضع، وعن وقت الحر والبرد والمرض، فهذا تأخير لمصلحة المحدود، فتأخيره لمصلحة الإسلام أولى"2".

وأما ما قاله الأحناف من سقوط الحد مطلقا في السفر والحضر فهذا غير وجيه لأن فيه تضيعا لحدود الله، بتعليلات واهية".

1الأم للشافعي7/322-323و4/199-200والسنن الكبرى للبيهقي9/104-105".

2 انظر إعلام الموقعين لابن قيم الجوزية 3/5-8".

ص: 604