الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكم السادس: العذر الذي يبيح ترك حضور صلاة الجماعة
من أهداف التشريع الإسلامي رفع الحرج والمشقة في الدين، كما قال الله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ، [سورة الحج، من الآية: 78]، وقال تعالى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} ، [سورة البقرة، من الآية: 286] .
والصلاة أهم ركن في الإسلام بعد الشهادتين وأداؤها في جماعة هو المطلوب من كل مسلم على وجه الوجوب كما هو ظاهر النصوص، ولكن قد تحول دون أداء الصلاة في جماعة أعذار تبيح ترك حضور الجماعة، وهذا من سماحة الإسلام وتيسيره. ومن هذه الأعذار المطر والدحض والبرد الشديد ونحو ذلك.
وفي هذه الغزوة وردت أحاديث في هذا الأمر وسأوردها على النحو الآتي:
ما رواه أبو داود والنسائي وغيرهما من حديث أبي المليح عن أبيه وهذا سياقه عند النسائي:
251-
قال: "أخبرنا محمد1 بن المثنى قال: "حدثنا محمد2بن جعفر قال: "حدثنا شعبة عن قتادة3 عن أبي المليح4 عن أبيه5: "قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
1 محمد بن المثنى: "هو العنزي البصري "ثقة ثبت" تقدم في حديث (126) .
2 محمد بن جعفر المدني البصري، غندر-بضم-فسكون ففتح-ثقة صحيح الكتاب، من التاسعة (ت193أو194) ./ع (التقريب2/151،تهذيب التهذيب9/96-98) .
3 قتادة ههنا عنعن وهو مدلس، ولكن الراوي عنه شبة بن الحجاج وحديث شعبة عن قتادة محمول على السماع جزما". (فتح المغيث للسخاوي 1/176-177) وقد صرح بالتحديث أيضا عند أحمد وتابعه عامر بن عبيدة الباهلي عند الطبراني والبيهقي انظر ص (552) .
4 أبو المليح - بفتح الميم - ابن أسامة بن عمير، اختلف في اسمه واسم أبيه- الهذلي، ثقة من الثالثة (ت 98 وقيل 108 وقيل بعد ذلك) . /ع (التقريب 2/476 وتهذيب التهذيب 12/246، والمغني لمحمد بن طاهر الهندي ص 74) .
5 هو أسامة بن عمير بن عامر بن أقيشر - بمضمومة ففتح قاف وسكون تحتية وكسر شين معجمة، وبراء - الهذلي البصري والد أبي المليح، صحابي، تفرد ولده عنه"./عم". (التقريب1/53 وتهذيب التهذيب1/210 وأسد الغابة 1/82، والإصابة 1/31-32، والمغني لمحمد بن طاهر الهندي ص: "6) . وقد وقع في الاستيعاب 1/59-60 مع الإصابة، والتقريب الطبعة المصرية أقيش" بدون راء".
بحنين1 فأصابنا مطر، فنادى منادي2 رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صلوا3 في رحالكم"4.
والحديث رواه أحمد وابن سعد كلاهما من طريق شعبة عن قتادة عن أبي المليح به5.
ورواه أبو داود وأحمد كلاهما من طريق همام6 أخبرنا قتادة أن أبا المليح أخبره به7.
ورواه أحمد أيضاً من طريق أبان8 ثنا قتادة وأبو المليح به.
1 وعند أبي داود: "أن يوم حنين كان يوم مطر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديه أن الصلاة في الرحال" وعند أحمد: "أن يوم حنين كان مطيراً" وعنده أيضاً: "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين في يوم مطير الصلاة في الرحال" وعند ابن خزيمة: "أصابتنا السماء مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الصلاة في الرحال".
2 جاء عند الطبراني أن هذا المنادي هو بلال ولفظ الحديث "عن أبي المليح عن أبيه قال: "غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجنا إلى حنين" الحديث وفيه: "فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا فنادى في الناس: "إن الصلاة في الرحال" ووقع عند أبي داود وأحمد والطبراني: "أن ذلك كان يوم جمعة"، وقد ترجم أبو داود بقوله:"باب الجمعة في اليوم المطير"، قال محمد شمس الحق العظيم آبادي:"واعلم أنه في الاستدلال بهذه الرواية على ترجمة الباب نظر، لأن الراوي لم يبين أن النداء المذكور كان لصلاة الجمعة، نعم كانت هذه الواقعة يوم الجمعة فيحتمل أن هذا الأمر كان لصلاة الجمعة، وكذا يحتمل أن يكون لغيرها من الصلاة، وإن تعين احتمال يوم الجمعة فهذه واقعة سفر لا يستدل بها على الحضر". (عون المعبود 3/388) .
3 الأمر هنا أمر إباحة بدليل ما جاء عند الطبراني والبيهقي في بعض ألفاظ هذا الحديث "عن أبي المليح عن أبيه قال: "شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فأصابنا بغش - يعني مطراً - فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم "من شاء أن يصلي في رحله فليصل".
وبوب على هذا الحديث ابن خزيمة بقوله: "باب إباحة الصلاة في الرحال وترك الجماعة في اليوم المطير في السفر". (صحيح ابن خزيمة 3/80) .
وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه عنهما قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمطرنا، فقال: "ليصل من شاء منكم في رحله " (صحيح مسلم 1/484-485 كتاب صلاة المسافرين، باب الصلاة في الرحال في المطر) والرحال: "المنازل والمساكن سواء كنت من حجر ومدر وخشب أو من شعر وصوف ووبر وغيرها، واحدها رحل". (النهاية 2/209 وشرح النووي على صحيح مسلم 2/348) .
4 سنن النسائي 2/86 كتاب الإمامة، باب العذر في ترك الجماعة".
5 مسند أحمد 5/74، 75 وطبقات ابن سعد الكبرى 2/157".
6 همام: "هو ابن يحيى بن دينار الأزدي العوذي "ثقة" تقدم في حديث (230) .
7 سنن أبي داود 1/244 كتاب الصلاة، باب الجمعة في اليوم المطير". ومسند أحمد 5/74، 75".
8 أبان: "هو ابن يزيد العطار "ثقة" له أفراد تقدم في حديث (9) .
ومن طريق سعيد1 عن قتادة عن أبي المليح به2.
ورواه ابن خزيمة من طريق شعبة وسعيد بن أبي عروبة، وهمام بن يحيى كلهم عن قتادة عن أبي المليح به3.
ورواه الطبراني من طريق هؤلاء الثلاثة و"حماد بن سلمة" كلهم عن قتادة عن أبي المليح به إلا أنه لم يذكر "يوم حنين"4.
ورواه ابن سعد والطبراني كلاهما من طريق سعيد5 بن زربي قال حدثنا أبو المليح عن أبيه به6.
ورواه الطبراني أيضاً والبيهقي من طريق عامر7 بن عبيدة الباهلي عن أبي المليح به8.
والحديث صحيح9.
وقد رواه شعبة بن الحجاج وهمام بن يحيى وأبان بن يزيد وسعيد ابن أبي عروبة كلهم عن قتادة عن أبي المليح، بلفظ "يوم حنين".
وتابع قتادة في ذلك عامر بن عبيدة الباهلي، وسعيد10 بن زربي كلاهما عن أبي المليح.
1 سعيد: "هو ابن أبي عروبة مهران اليشكري "ثقة حافظ" تقدم في حديث (48) .
2 مسند أحمد 5/74، 75".
3 صحيح ابن خزيمة 3/80-81".
4 المعجم الكبير1/155".
5 سعيد بن زربي - بفتح الزاي وسكون الراء بعدها موحدة مكسورة - الخزاعي البصري العباداني، أبو عبيدة، أو أبو معاوية، منكر الحديث من السابعة". / ت". (التقريب 1/295 وتهذيب التهذيب 4/28، وميزان الاعتدال 2/136) .
6 طبقات بن سعد الكبرى 7/44 والمعجم الكبير للطبراني 1/156".
7 عامر بن عبيدة الباهلي البصري القاضي بها ثقة من الرابعة"./خت". (التقريب 1/389، وتهذيب التهذيب 5/79) .
8 المعجم الكبير 1/156 والبيهقي: "السنن الكبرى 3/71 إلا أنه لم يقل "يوم حنين".
9 انظر فتح الباري 2/113".
10 غير أن سعيد بن زربي منكر الحديث فوجوده كعدمه".
والحديث رواه أحمد عن وكيع بن الجراح ثنا سفيان1 بن حبيب عن خالد الحذاء2 عنأبي قلابة3 عن أبي المليح عن أبيه4.
ورواه أبو داود وابن خزيمة والحاكم والبيهقي كلهم من طريق نصر5 بن علي الجهضمي ثنا سفيان بن حبيب عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المليح عن أبيه أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في يوم الجمعة وأصابهم مطر لم يبتل أسفل نعالهم6 فأمرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يصلوا في رحالهم7.
إلا أن أبا داود قال حدثنا نصر بن علي قال سفيان خبرنا8 عن خالد الحذاء". بالبناء للمجهول".
1 سفيان بن حبيب البصري البزار، أبو محمد، وقيل غير ذلك، ثقة من التاسعة (ت 182، وقيل 186) / بخ عم". (التقريب 1/310 وتهذيب التهذيب 4/107) .
2 خالد بن مهران أبو المنازل - بفتح الميم وقيل بضمها وكسر الزاي- البصري، الحذاء - بفتح المهملة وتشديد الذال المعجمة- قيل له ذلك لأنه كان يجلس عند الحذائين، وقيل لأنه كان يقول احذ على هذا النحو، ثقة يرسل، من الخامسة". وقد عاب عليه بعضهم دخوله في عمل السلطان".
وأشار حماد بن زيد إلى أن حفظه تغير لما قدم من الشام (ت 142 أو 141) ./ع". (التقريب 1/219 وتهذيب التهذيب 3/120-122) .
3 أبو قلابة الجرمي البصري عبد الله بن زيد بن عمرو أو عامر، ثقة فاضل كثير الإرسال، قال العجلي: "فيه نصب يسير، من الثالثة مات بالشام هاربا من القضاء (سنة 104وقيل بعدها) /ع (التقريب1/417 وتهذيب التهذيب5/224-226) .
(مسند أحمد 5/74) .
5 نصر بن علي بن صهبان الأزدي الجهضمي أبو عمرو البصري الصغير، ثبت، طلب للقضاء فامتنع، من العاشرة (ت 250) أو بعدها". /ع". (التقريب 2/300 وتهذيب التهذيب 10/430) .
6 قال الساعاتي: "هو كناية عن قلة المطر وخفته، فيستفاد منه أن المطر عذر وإن كان خفيفا". (الفتح الرباني 5/187) .
7 أبو داود: "السنن 1/244 كتاب الصلاة، باب الجمعة في اليوم المطير، وصحيح بن خزيمة 3/179، والمستدرك 1/293 وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي". والبيهقي: "السنن الكبرى 3/186".
8 قال محمد شمس الحق: "قال سفيان خبرنا" بصيغة المجهول من التفعيل، والمخبر لسفيان بن حبيب لم يعرف، ثم أورد حديث ابن ماجه". (عون المعبود 3/387) .
وقال الدكتور محمد مصطفى الأعظمي: "إسناده صحيح، وأخرجه جماعة، وصححه الحاكم والذهبي من هذا الوجه، وكلّهم قالوا: "ثنا سفيان بن حبيب عن خالد الحذاء، غير أبي داود، فإنه قال:"حدثنا نصر بن علي قال: "سفيان بن حبيب خبرنا عن خالد الحذاء، فمن قرأها "خبرنا" مبنيا للمجهول أعله بالانقطاع، وليس كذلك لرواية الجماعة". وهي مخرجة في "صحيح أبي داود (999) للألباني". (التعليق على صحيح ابن خزيمة 3/179) .
ورواه ابن ماجه وابن خزيمة، والطبراني كلهم من طريق إسماعيل1 ابن إبراهيم ثنا خالد الحذاء عن قلابة عن أبي المليح به2".
إلا أن ابن ماجه قال: "عن خالد الحذاء عن أبي المليح" بإسقاط "أبي قلابة".
ورواه ابن حبان من طريق خالد3 بن عبد الله الواسطي عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المليح به4".
والبيهقي من طريق عبد الوهاب بن عطاء أنبأنا خالد عن أبي المليح به5".
قال محمد شمس الحق: "وقد اختلف على أبي المليح في هذا الحديث فقال قتادة عنه إنّ القصة وقعت في حنين".
وقال خالد الحذاء عنه: "إنها وقعت زمن الحديبية"6.
قلت: "وقد جاء ذلك عن قتادة أيضاً وهو ما رواه ابن حبان بإسناد صحيح من طريق شعبة عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية فأصابتنا سماء لم تبل أسافل نعالنا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديه "أن صلوا في رحالكم"7.
ويجمع بينهما بأن القصة تعددت، ولا مانع من وقوع مثل هذا في الحديبية وفي غزوة حنين8 ومما يؤيد وقوعه في حنين:
ما رواه أحمد وابن سعد من حديث سمرة بن جندب وهذا سياق أحمد:
1 إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي مولاهم، أبو بشر البصري المعروف بابن علية، "ثقة حافظ" من الثامنة، (ت: "193) ./ع (التقريب 1/65-66 وتهذيب التهذيب 1/275 و6/2 و10/ 384) .
2 سنن ابن ماجه 1/302 كتاب إقامة الصلاة، باب الجامعة في الليلة المطيرة، وصحيح ابن خزيمة 3/80 والمعجم الكبير للطبراني 1/156".
3 خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحان الواسطي، المزني مولاهم، ثقة ثبت من الثامنة (ت 182) ./ ع (التقريب1/215، وتهذيب التهذيب3/100) .
4صحيح ابن حبان 3/397ترتيب الأمير علاء الدين الفارسي وموارد الظمآن ص123".
5 السنن الكبرى 3/71".
6 عون المعبود 3/387".
7 صحيح ابن حبان 3/399 وموارد الظمآن ص 123".
8 انظر: "الفتح الرباني 5/188".
252-
قال حدثنا بهز1 ثنا أبان2 ثنا قتادة عن الحسن3 عن سمرة4 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين في يوم مطير: "الصلاة في الرحال".
ورواه أيضاً من طريق همام بن يحيى، وهشام الدستوائي كلاهما عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب به5".
ورواه ابن سعد من طريق همام بن يحيى أخبرنا قتادة عن الحسن عن سمرة به6".
والحديث فيه قتادة والحسن وهما مدلسان وقد عنعناه ولكن يؤيده حديث أبي المليح عن أبيه".
والحديثان يدلان على جواز قول "المؤذن" الصلاة في الرحال في الأذان، في حال المطر والليلة الباردة ونحو ذلك".
وعلى أن هذا الكلام ونحوه يجوز في الأذان لمن يحتاج إليه".
كما يدلان على جواز ترك حضور الجماعة في مثل هذا ونحوه7".
ومما تجدر الإشارة إليه هو هل هذا القول الصادر من المؤذن يكون في نفس الأذان أم بعد الانتهاء منه؟
اختلف العلماء نظرا لاختلاف الأحاديث الواردة في ذلك".
253-
فقد ورد في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
1 بهز هو ابن أسد العمي أبو الأسود البصري "ثقة ثبت" تقدم في حديث (91) .
2 أبان: "هو ابن يزيد العطار "ثقة" له أفراد، تقدم في حديث 09) .
3 الحسن: "هو البصري "ثقة فاضل فقيه" يرسل كثيرا ويدلس تقدم في حديث (156) . وفي سماع الحسن من سمرة لغير حديث العقيقة خلاف معلوم".
4 سمرة بن جندب بن هلال الفزاري، حليف الأنصار، صحابي مشهور له أحاديث، (ت بالبصرة سنة 58) . / ع". (التقريب 1/333، تهذيب التهذيب 4/236) .
5 مسند أحمد 5/8، و13، و15، و19، و22، و74".
6 الطبقات الكبرى 2/156".
7 انظر: "فتح الباري 2/99 وكتاب الأم للشافعي 1/76".
كان يأمر مؤذنا يؤذن ثم يقول على إثره: "ألا صلوا في رحالكم في الليلة الباردة أو1 المطيرة2 في السفر34".
وفي لفظ عنه أنه نادى بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ومطر، فقال في آخر ندائه:"ألا صلوا في رحالكم ألا صلوا في رحالكم".
ثم قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن، إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر في السفر أن يقول: "ألا صلوا في رحالكم"5.
254-
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: "إذا قلت: "أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أنّ محمداً رسول الله، فلا تقل حي على الصلاة، قل:"صلوا في بيوتكم"6.
1 قوله: "في الليلة الباردة أو المطيرة".
قال ابن حجر: "أو" للتنويع لا للشك، وفي صحيح أبي عوانة "ليلة باردة أو ذات مطر أو ذات رياح" ثم قال ابن حجر:"ودل ذلك على أن كلا من الثلاثة عذر في التأخير عن الجماعة".
ونقل ابن بطال فيه الإجماع". لكن المعروف عند الشافعية أن الريح عذر في الليل فقط، وظاهر الحديث اختصاص الثلاثة بالليل". لكن في السنن من طريق ابن إسحاق عن نافع في هذا الحديث "في الليلة المطيرة والغداة القرة" وفيها بإسناد صحيح من حديث أبي المليح عن أبيه "أنهم مطروا يوما فرخص لهم" ثم قال: "ولم أر في شيء من الأحاديث الترخيص بعذر الريح في النهار صريحة لكن القياس يقتضي الحاقة".وقد نقله ابن الرفعة وجها". (فتح الباري 2/113) .
2 وقوله أيضا: "في الليلة الباردة أو المطيرة".
قال الكرماني: "فعلية بمعنى فاعلة وإسناد المطر إليها مجاز، ولا يقال إنها بمعنى مفعولة - أي ممطور فيها - لوجود الهاء في قوله "مطيرة" إذ لا يصح ممطورة فيها". (فتح الباري 2/113) .
3 قوله:"في السفر"قال ابن حجر: ظاهره اختصاص ذلك بالسفر، ورواية مالك عن نافع الآتية مطلقة، وبها أخذ الجمهور، لكن قاعدةحمل المطلق على المقيد تقتضي أن يختص ذلك بالمسافر مطلقاً، ويلحق به من تلحقه مشقة في الحضر دون من لا تلحقه". (فتح الباري2/113) وانظر رواية مالك عن نافع في صحيح البخاري1/112كتاب الأذان، باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله".
4 صحيح البخاري1/107 كتاب الأذان باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة، وقول المؤذن:"الصلاة في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة".
5 صحيح مسلم 1/484 كتاب صلاة المسافرين، باب الصلاة في الرحال في المطر".
6 البخاري: "الصحيح 1/106 كتاب الأذان، باب الكلام في الأذان، 112 فيه باب هل يصلي الإمام بمن حضر، وهل يخطب يوم الجمعة في المطر، و2/6 كتاب الجمعة، باب الرخصة إن لم يحضر الجمعة في المطر". ومسلم: "الصحيح 1/458 كتاب صلاة المسافرين، باب الصلاة في الرحال في المطر واللفظ له".
فحديث ابن عمر صريح في أن القول المذكور بعد الفراغ من الأذان وحديث ابن عباس صريح في أنه في نفس الأذان".
قال النووي: "في حديث ابن عباس أن يقول: "ألا تصلوا في رحالكم" في نفس الأذان".
وفي حديث ابن عمر أنه قال في آخر ندائه".
والأمران جائزان نص عليهما الشافعي - رحمه الله تعالى - في الأم في كتاب الأذان".
وتابعه جمهور أصحابنا في ذلك، فيجوز بعد الأذان وفي أثنائه لثبوت السنة فيهما".
لكن قوله بعده أحسن ليبقى نظم الأذان على وضعه، ومن أصحابنا من قال:"لا يقوله إلا بعد الفراغ، وهذا ضعيف مخالف لصريح حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ثم قال: "ولا منافاة بينه وبين حديث ابن عمر رضي الله عنهما لأن هذا جرى في وقت وذلك في وقت وكلاهما صحيح"1".
وقال ابن حجر: "وقال القرطبي2: "لما ذكر رواية مسلم بلفظ "يقول في آخر ندائه".
قال: "ويحتمل أن يكون المراد في آخره قبيل الفراغ منه، جمعا بينه وبين حديث ابن عباس".
ثم قال ابن حجر: "وقد قدمنا في "باب الكلام في الأذان" عن ابن خزيمة أنه حمل حديث ابن عباس على ظاهره وأن ذلك يقال بدلا من الحيعلة3 نظرا إلى المعنى، لأن المعنى "حي على الصلاة" هلموا إليها، ومعنى "الصلاة في الرحال" تأخروا عن المجيء، ولا يناسب إيراد اللفظين معا لأن أحدهما نقيض الآخر".
1 شرح النووي على صحيح مسلم 2/348 وانظر الأم للشافعي 1/76".
2 هو أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي الأنصاري، المحدث العلامة (578-656هـ) وكتابه يسمى "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم". وتذكرة الحفاظ للذهبي 4/1438 وشجرة النور الزكية في طبقات المالكية لمحمد بن محمد مخلوف ص 194 ومعجم المؤلفين لكحالة2/27) .
وقد وقع في مقدمة تحفة الأحوذي للمباركفوري 1/158: "أن وفاة القرطبي (665) وهو خطأ".
3 يعني: "حذف حي على الصلاة الخ وجعل بدلا منها "صلوا في رحالكم".
ثم عقب ابن حجر على هذا بقوله: "ويمكن الجمع بينهما، ولا يلزم منه ما ذكر بأن يكون معنى "الصلاة في الرحال" رخصة لمن أراد أن يترخص، ومعنى هلموا إلى الصلاة ندب لمن أراد أن يستكمل الفضيلة ولو تحمل المشقة".
ويؤيد ذلك حديث جابر عند مسلم قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمطرنا، فقال: "ليصل من شاء منكم في رحله" 1.
ولعل ما ذهب إليه ابن حجر من الجمع بين الأحاديث أولى، للعمل بجميع الأحاديث، لأنه إذا أمكن الجمع بين الأحاديث بحمل كل على محمل صحيح تعين المصير إليه".
1 فتح الباري 2/ 98 و 113، وانظر صحيح ابن خزيمة 3/12 حيث قال:"باب أمر الإمام المؤذن بحذف حي على الصلاة، والأمر بالصلاة في البيوت بدله".
وحديث جابر المشار إليه عند مسلم، تقدم في ص 551 تعليقة (3) .