المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحكم السادس عشر: بعض ما يجتنبه المحرم - مرويات غزوة حنين وحصار الطائف - جـ ٢

[إبراهيم بن إبراهيم قريبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف

- ‌(تابع) الباب الثاني: ملاحقة فلول المشركين والأحداث التاريخية التي أعقبت ذلك

- ‌الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف بعد المعركة

- ‌المبحث الأول: في قدوم وفد هوازن إلى الجعرانة مسلمين

- ‌المبحث الثاني: في إيفاد ثقيف جماعة منهم إلى المدينة للتفاوض

-

- ‌الباب الثالث: في بيان أبرز الأحكام المستنبطة من غزوة حنين

- ‌الحكم الأول: جواز وطء المسبية بعد الاستبراء

- ‌الحكم الثاني: وقوع العزل في أوطاس

- ‌الحكم الثالث: في مسئلة المتعة

- ‌الحكم الرابع: منع المخنثين من الدخول على النساء الأجنبيات

- ‌الحكم الخامس: في النهي عن قتل النساء والضعفاء ومن في حكمهم

- ‌الحكم السادس: العذر الذي يبيح ترك حضور صلاة الجماعة

- ‌الحكم السابع: تعليم أبي محذورة الأذان

- ‌الحكم الثامن: إقامة الحدّ في دار الحرب

- ‌الحكم التاسع: الاستعانة بالمشركين

- ‌الحكم العاشر: العارية من حيث الضمان وعدمه

- ‌الحكم الحادي عشر: قضاء الرسول في شأن محلم بن جثامة

- ‌الحكم الثاني عشر: في بيان نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم

- ‌الحكم الثالث عشر: استحقاق القاتل سلب القتيل

- ‌الحكم الرابع عشر: في بيان تحريم الغلول في الغنيمة

- ‌الحكم الخامس عشر: المؤلفة قلوبهم

- ‌الحكم السادس عشر: بعض ما يجتنبه المحرم

- ‌الحكم السابع عشر: عمرة الرسول صلى الله عليه وسلم من الجعرانة

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الحكم السادس عشر: بعض ما يجتنبه المحرم

‌الحكم السادس عشر: بعض ما يجتنبه المحرم

جاء في هذا الحكم ما رواه يعلى بن أمية أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وعليه جبة وهو متضمخ بطيب فقال: "يا رسول الله كيف ترى في الرجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ بالطيب؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات، وأم الجبة فانزعها عنك، ثم اصنع في عمرتك، كما تصنع في حجك". والحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري:

293-

قال: "حدثنا أبو نعيم1 حدثنا همام حدثنا عطاء قال: "حدثني صفوان بن يعلى بن أمية - يعني - عن أبيه2 أن رجلاً3 أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة، وعليه جبة، وعليه أثر الخلوق4 - أو قال صفرة - فقال:"كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ 5".

1 أبو نعيم: "هو الفضل بن دكين، وهمام: "هو ابن يحيى بن دينار الأزدي، وعطاء:"هو ابن أبي رباح".

2 هو يعلى بن أمية بن أبي عبيدة بن همام التميمي، حليف قريش وهو يعلى بن منيه - بضم الميم وسكون النون بعدها تحتانية مفتوحة- وهي أمه، ويقال جدته، صحابي مشهور، مات سنة بضع وأربعين". /ع". (التقريب 2/277، وتهذيب التهذيب 11/399) .

3 وعند البخاري أيضا: "عن يعلى قال: "فبينا النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة - وعليه ثوب قد أظل به معه ناس من أصحابه - إذ جاءه أعرابي عليه جبة متضمخ بطيب".

قال ابن حجر: "ولم أقف على اسمه لكن ذكر ابن فتحون في "الذيل" عن "تفسير الطرطوشي" أن اسمه عطاء بن منية، قال ابن فتحون: "إن ثبت ذلك فهو أخو يعلى ابن منية راوي الخبر، قال ابن حجر:"ويجوز أن يكون خطأ من اسم الراوي فإنه من رواية عطاء عن صفوان بن يعلى بن منية عن أبيه ومنهم من لم يذكر بين عطاء ويعلى أحدا". (فتح الباري 3/394، ونيل الاوطار 5/8) .

4 الخلوق: "بفتح الخاء المعجمة: "نوع من الطيب مركب فيه زعفران تغلب عليه الحمرة والصفرة". (النهاية 2/72، وشرح النووي على صحيح مسلم 3/249، وفتح الباري 3/393) .

وعند مسلم: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة عليه جبة وعليها خلوق - أو قال- أثر صفرة".

5 وعند البخاري أيضا: "كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه الوحي".

وعنده أيضا: "كيف ترى في رجل أحرم في جبة بعدما تضمخ بطيب؟ فنظر النبي صلى الله عليه وسلم ساعة فجاءه الوحي".

وعند مسلم: "فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ثم سكت فجاءه الوحي".

ص: 708

فأنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم 1، فستر بثوب، وودت2 أني قد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وقد أنزل عليه الوحي، فقال عمر:"تعال، أيسرك3 أن تنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أنزل الله عليه الوحي؟ قلت: "نعم، فرفع طرف الثوب، فنظرت إليه له غطيط4 - وأحسبه قال:"كغطيط البكر5 - فلما سري6 عنه قال: "أين السائل عن العمرة؟ 7".

1 قوله: "فأنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم"، قال ابن حجر:"لم أقف في شيء من الروايات على بيان المنَزل حينئذ من القرآن، وقد استدل به جماعة من العلماء على أن من الوحي ما لا يتلى، ولكن وقع عند الطبراني وابن ماجة وابن أبي حاتم من طريق أخرى أن المنزل عليه حينئذ قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ} ثم قال: "ووجه الدلالة منه على المطلوب عموم الأمر بالإتمام فإنه يتناول الهيئات والصفات".

وقال أيضا في مكان آخر: "ويستفاد منه أن المأمور به وهو الإتمام يستدعي وجوب اجتناب ما يقع في العمرة". (فتح الباري 3/394و614) .

2 وعند مسلم: "وكان يعلى يقول: "وددت أني أرى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أنزل عليه الوحي".

وعند أحمد: "عن يعلى بن أمية أنه كان مع عمر في سفر وأنه طلب إلى عمر أن يريه النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي، قال: "فبينما النبي صلى الله عليه وسلم في سفر وكان عليه ستر مستور من الشمس إذ أتاه رجل عليه جبة وعليه ردع من زعفران".

3 وعند الحميدي: "عن يعلى بن أمية قال: "قلت لعمر بن الخطاب إني أشتهي أن أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي قال: "فبينا أنا بالجعرانة إذ دعاني عمر فأتيت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى ثوبا فكشف لي عمر وجهه فإذا هو محمر وجهه".

وعند مسلم "وكان يعلى يقول: "وددت أني أرى النبي صلى الله عليه وسلم وقد نزل عليه الوحي".

وعنده أيضا: "أن يعلى كان يقول لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ليتني أرى نبي الله صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه".

وعنده أيضا: "وكان عمر يستره إذا أنزل عليه الوحي، ويظله فقلت لعمر رضي الله عنه: "إني أحب إذا أنزل عليه الوحي، أن أدخل رأسي معه في الثوب، فلما أنزل عليه خمره عمر رضي الله عنه بالثوب فجئته فأدخلت رأسي معه في الثوب، فنظرت إليه".

4 له غطيط: "الغطيط صوت النفس المتردد من النائم أو المغمى وسبب ذلك شدة ثقل الوحي". (فتح الباري 3/394 والمصباح المنير 2/538) .

وعند البخاري ومسلم: "فأشار عمر بيده إلى يعلى بن أمية: "تعال فجاء يعلى فأدخل رأسه فإذا النبي صلى الله عليه وسلم محمر الوجه يغط كذلك ساعة ثم سري عنه".

قال ابن حجر: "وكان سبب إدخال يعلى رأسه عليه صلى الله عليه وسلم في تلك الحال أنه كان يحب لو رآه في حالة نزول الوحي". (فتح الباري 3/394) .

5 البكر: "هو بفتح الباء وهو الفتي من الإبل". (شرح النووي على صحيح مسلم 3/250، والمصباح المنير 1/75) .

6 سري عنه: "هو بضم السين وكسر الراء المشددة، أي أزيل ما به وكشف عنه شيئا بعد شيء". (شرح النووي 3/250 وفتح الباري 3/394 والنهاية 2/364) .

7 وعند مسلم: "فقال أين الذي سألني عن العمرة آنفا" فالتمس الرجل فجيء به فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما الطيب الذي بك، فاغسله ثلاث مرات وأما الجبة، فأنزعها، ثم أصنع في عمرتك ما تصنع في حجك".

وعند البخاري: "أين الذي يسألني عن العمرة آنفا"؟

وعنده أيضاً: "من رواية أبي عاصم عن ابن جريج" فقال: "أين الذي سأل عن العمرة؟ " فأتى برجل فقال: "أغسل الطيب ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك".

قلت لعطاء: "أراد الإنقاء حين أمره أن يغسل ثلاث مرات؟ قال: "نعم".

قال ابن حجر: "والقائل لعطاء: "هو ابن جريج وهو دال على أنه فهم من السياق أن قوله: "ثلاث مرات" من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون من كلام الصحابي وأنه صلى الله عليه وسلم أعاد لفظة "اغسله" مرة ثم مرة على عادته أنه كان إذا تكلّم بكلمة اعادها ثلاثا لتفهم عنه، ونبه عليه عياض". (فتح الباري 3/395) .

وقال النووي: قوله: "أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات"، إنما أمر بالثلاث مبالغة في إزالة لونه وريحه، والواجب الإزالة، فإن حصلت بمرة كفت، ولم تجب الزيادة، ولعل الطيب الذي كان على هذا الرجل كثير، ويؤيده قوله:"متضمخ".

ثم قال: "قال القاضي: "ويحتمل أنه قال ثلاث مرات أغسله، فكرر القول ثلاثاً، والصواب ما يبق، والله أعلم". (شرح النووي على صحيح مسلم 3/252) .

ص: 709

اخلع عنك الجبة1، واغسل أثر الخلوق عنك، وأنق2 الصفرة، واصنع3 في عمرتك كما تصنع في حجك"4.

1الجبة: "ضرب من مقطعات الثياب تلبس، وجمعها جبب وجباب". 0 لسان العرب 1/242) وعند أبي داود "أخلع جبتك فخلعها من رأسه". وعنده أيضاً: "فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزعها نزعا ويغتسل مرتين أو ثلاثا".

((2قوله: "وأنق الصفرة"، قال ابن حجر:"بفتح الهمزة وسكون النون، ووقع للمستملي هنا بهمزة وصل ومثناة مشددة من التقوى، قال صاحب المطالع: "وهي أوجه وإن رجعا إلى معنى واحد".

ووقع لابن السكن "اغسل أثر الخلوق وأثر الصفرة" والأول هو المشهور". (فتح الباري3/614) .

3 وعند مسلم: "عن يعلى قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل وهو بالجعرانة وأنا عند النبي صلى الله عليه وسلم وعليه مقطعات"(يعني جبة) وهو متضمخ بالخلوق فقال إني أحرمت بعمرة وعلى هذا وأنا متضمخ بالخلوق". فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما كنت صانعاً في حجّك؟ ". قال: "أنزع عني هذه الثياب، وأغسل عني هذه الخلوق". فقال له النّبي صلى الله عليه وسلم:"ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك".

وعنده أيضا: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "انزع عنك جبتك واغسل أثر الخلوق الذي بك، وافعل في عمرتك ما كنت فاعلا في حجك".

وعند النسائي: "أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أهل بعمرة وعليه مقطعات وهو متضمخ بخلوق فقال: "أهللت بعمرة فما أصنع؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما كنت صانعاً في حجك". قال: "كنت أتقي هذا وأغسله، فقال: "ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك".

وعنده وعند مسلم: "أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وه ومصفر لحيته ورأسه وعليه جبة فقال: "يا رسول الله إني أحرمت بعمرة وأنا كما ترى فقال: "أنزع عنك الجبة وأغسل عنك الصفرة، وما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك". وعند أحمد: "قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه جبة وعليه ردع من زعفران فقال يا رسول اله إني أحرمت فيما ترى والناس يسخرون مني وأطرق هنيهة، قال: "ثم دعاه، فقال:"اخلع عنك هذه الجبة واغسل عنك هذا الزعفران واصنع في عمرتك ما تصنع في حجك".

4 صحيح البخاري 3/6 كتاب العمرة، باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج".

ص: 710

والحديث رواه البخاري أيضا في كتاب جزاء الصيد عن أبي الوليد1حدثنا همام حدثناعطاء قال: حدثني صفوان بن يعلى عن أبيه به2.

ورواه في كتاب المغازي عن يعقوب3 بن إبراهيم حدثنا إسماعيل حدثنا ابن جريج قال أخبرني عطاء أن صفوان بن يعلى بن أمية أخبره، أن يعلى كان يقول:"ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه4".

وعلقه في كتاب الحج عن أبي عاصم فقال: "قال أبو عاصم5 أخبرنا ابن جريج أخبرني عطاء أن صفوان بن يعلى أخبره به6".

ورواه في فضائل القرآن عن أبي نعيم حدثنا همام حدثنا عطاء".

وعلقه عن مسدد فقال: "وقال مسدد7 حدثنا يحيى عن ابن جريج قال أخبرني عطاء قال أخبرني صفوان بن يعلى بن أمية أن يعلى8 كان يقول: "ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه الوحي". الحديث9".

1 أبو الوليد هو الطيالسي هشام بن عبد الملك".

2 صحيح البخاري 3/15-16 باب إذا أحرم جاهلا وعليه قميص".

3 يعقوب بن إبراهيم: "هو ابن كثير بن زيد بن أفلح، وإسماعيل: "هو ابن إبراهيم المعروف "بابن علية".

4 صحيح البخاري 5/129 باب غزوة الطائف".

5 أبو عاصم: "هو النبيل الضحاك بن مخلد".

قال ابن حجر:: "قوله: "قال أبو عاصم"، هو من شيوخ البخاري ولم أره عنه إلا بصيغة التعليق، وبذلك جزم الإسماعيلي، فقال: "ذكره عن أبي عاصم بلا خبر". وأبو نعيم: "فقال: "ذكره بلا رواية".

وحكى الكرماني أنه وقع في بعض النسخ "حدثنا محمد حدثنا أبو عاصم" ومحمد هو ابن معمر أو ابن بشار، ويحتمل أن يكون البخاري". (فتح الباري 3/393) .

6 صحيح البخاري 2/114-115 باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب".

7 مسدد من شيوخ البخاري، قال ابن حجر:"قوله: "وقال مسدد حدثنا يحيى في رواية أبي ذر "يحيى بن سعيد" وهو القطان، وهذا الحديث وقع لنا موصولا في رواية مسدد من رواية معاذ بن المثنى عنه كما بينته في "تغليق التعليق". (فتح الباري 9/10) .

8 قوله:"أن يعلى كان يقول الخ"، قال ابن حجر:"هذا صورته مرسل؛ لأن صفوان بن يعلى ما حضر القصة، وقد أورده في كتاب العمرة من كتاب الحج بالإسناد الآخر المذكور هنا عن أبي نعيم عن همام فقال فيه: "عن صفوان بن يعلى عن أبيه" فوضح أنه ساقه هنا على لفظ رواية ابن جريج". وقد أخرجه أبو نعيم من طريق محمد بن خلاد عن يحيى بن سعيد بنحو اللفظ الذي ساقه المصنف هنا". (فتح الباري 9/10) .

9 صحيح البخاري 6/150 باب نزل القرآن بلسان قريش والعرب، وقال ابن بطال:"مناسبة الحديث للترجمة أن الوحي كله متلوا كان أو غير متلو إنما نزل بلسان العرب، ولا يرد على هذا كونه صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس كافة عربا وعجما وغيرهم لأن اللسان الذي نزل عليه به الوحي عربي وهو يبلغه إلى طوائف العرب، وهم يترجمونه لغير العرب بألسنتهم". قال ابن حجر: "ولذا قال ابن المنير: "كان إدخال هذا الحديث في الباب الذي قبله أليق، لكن لعله قصد التنبيه على أن الوحي بالقرآن والسنة كان على صفة واحدة ولسان واحد". (فتح الباري 9/10 والباب المشار إليه في كلام بن النير هو: "باب كيف نزل الوحي) .

ص: 711

ورواه مسلم وأبو داود والبيهقي الجميع من طريق همام بن يحيى حدثنا عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى به1".

ورواه أحمد ومسلم والنسائي والحميدي وابن خزيمة والبيهقي الجميع من طريق ابن جريج قال: "أخبرني عطاء أن صفوان بن يعلى بن أمية أخبره به2".

ورواه مسلم وأبو داود والنسائي والطحاوي والحازمي كلهم من طريق قيس بن سعد المكي يحدث عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية به3".

رواه مسلم أيضا من طرق رباح بن أبي معروف قال سمعت عطاء قال: "أخبرني صفوان بن يعلى به4".

ورواه مسلم أيضاً والحميدي والشافعي وأحمد والترمذي ابن خزيمة الجميع من طريق سفيان بن عيينة قال حدثنا عمرو بن دينار عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية به5".

ورواه البيهقي من طريق الشافعي6".

1 صحيح مسلم 2/836و 838 كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه". وسنن أبي داود 1/422-423 كتاب المناسك، باب الرجل يحرم في ثيابه". والسنن الكبرى 5/56، 7/50 ودلائل النبوة 3/56 كلاهما للبيهقي".

2 مسند أحمد 4/222". وصحيح مسلم 2/837 كتبا الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه". سنن النسائي 5/99-100 كتاب المناسك، باب الجبة في الإحرام". ومسند الحميدي 2/347، وصحيح ابن خزيمة 4/191-192". والسنن الكبرى للبيهقي 7/50".

3 صحيح مسلم 2/837-838 كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه". وسنن أبي داود 1/423 كتاب المناسك، باب الرجل يحرم في ثيابه". وسنن النسائي 5/110 كتاب المناسك باب في الخلوق للمحرم". شرح معاني الآثار للطحاوي 2/126، والاعتبار للحازمي ص 148".

4 صحيح مسلم 2/838 كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة الخ".

5 المصدر السابق 2/836-837". مسند الحميدي 2/347، والأم للشافعي 2/130". ومسند أحمد 4/224، وسنن الترمذي 2/165 كتاب الحج، باب ما جاء في الذي يحرم وعليه قميص أو جبة". صحيح ابن خزيمة 4/194".

6 السنن الكبرى 5/56".

ص: 712

ورواه أبو داود من طريق هشيم1 بن الحجاج عن عطاء عن صفوان بن يعلى به".

ومن طريق الليث بن سعد عن عطاء بن أبي رباح عن ابن يعلى ابن منية به 2".

وأخرجه البيهقي من طريق أبي داود الثانية 3".

ورواه الحازمي من طريق عبيد الله4 بن أبي زياد عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى بن أمية به5.

ورواه مالك عن حميد بن قيس عن عطاء بن أبي رباح أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحنين وعلى الأعرابي قميص الحديث6.

والحديث رواه همام بن يحيى وعبد الملك بن جريج وقيس بن سعد وعبيد الله بن أبي زياد ورباح بن أبي معروف وعمرو بن دينار والليث بن سعد والحجاج بن أرطأة كلهم عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه يعلى بن أمية.

بذكر "صفوان" بين عطاء ويعلى.

1 هشيم: "هو ابن بشير، والحجاج: "هو ابن أرطأة".

2 سنن أبي داود 1/423 كتاب المناسك، باب الرجل يحرم في ثيابه، ويعلى بن منية: "هو يعلى بن أمية انظر ص (696) .

3 السنن الكبرى 5/57".

4 عبيد الله بن أبي زياد القداح، أبو الحصين، المكي ليس بالقوي، من الخامسة (ت 150) . /د ت س". (التقريب1/533 وتهذيب التهذيب7/14 والخلاصة للخزرجي 2/191، وفي ميزان الاعتدال 3/8 رمز لمن أخرج له ب (د ت ق) .

وقال ابن حجر: "في التهذيب له عند (ق) حديث في الاسم الأعظم بعد أن علم لمن أخرج له بـ (د ت س) .

والحديث عند ابن ماجه في 2/1267 كتاب الدعاء، باب اسم الله الأعظم، لكن وقع هناك "عبد الله" مكبرا، والصواب "عبيد الله" بالتصغير وبهذا يظهر أن الذي أخرج لعبيد الله هو أبو داود والترمذي (انظر مقدمة تحفة الأحوذي 2/88) وابن ماجة دون النسائي".

((5الاعتبار ص 148".

6 الموطأ 1/328 كتاب الحج، باب ما جاء في الطيب للمحرم".

قال الكاندهلوي: "هكذا مرسلا في الموطأ ووصله الشيخان وأبو داود والنسائي والترمذي من طرق عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه". (أوجز المسالك 6/204) .

ص: 713

ورواه أبو داود من طريق أبي بشر1 عن عطاء عن يعلى بن أمية2.

ورواه أحمد من طريق منصور3 وعبد الملك4 عن عطاء عن يعلى ابن أمية5".

ورواه الترمذي من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن يعلى بن أمية6.

ورواه أبو داود الطيالسي من طريق قتادة عن عطاء عن يعلى بن أمية7.

ومن طريق أبي داود الطيالسي أخرجه البيهقي8.

فأبو بشر ومنصور وعبد الملك وقتادة رووا هذا الحديث عن عطاء عن يعلى بن أمية، بإسقاط "صفوان بن يعلى" بين عطاء ويعلى.

وقد ساق الترمذي الحديث من طريق عبد الملك فقال: "حدثنا قتيبة أخبرنا عبد الله بن إدريس عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن يعلى بن أمية قال: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابيا قد أحرم وعليه جبة فأمره أن ينزعها".

ثم قال: "حدثنا ابن أبي عمر9 أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه بمعناه".

1 هو بيان بن بشر الأحمسي - بمهملتين - أبو بشر الكوفي، ثقة ثبت، من الخامسة". /ع". (التقريب 1/111 وتهذيب التهذيب 1/506) .

2 سنن أبي داود 1/423 كتاب المناسك، باب الرجل يحرم في ثيابه".

3 منصور بن زاذان - بزاي وذال معجمة - الواسطي، أبو المغيرة الثقفي، ثقة ثبت عابد، من السادسة (ت 129) . على الصحيح". /ع". (التقريب 2/275 وتهذيب التهذيب 10/306) .

4 عبد الملك بن أبي سليمان - واسمه ميسرة - العرزمي- بفتح المهملة وسكون الراء، وبالزاي المفتوحة- صدوق، له أوهام من الخامسة (ت 145) . /خت م عم". (التقريب 1/519 وتهذيب التهذيب 6/396) وقد رمز له الذهبي بـ (صح) إشارة إلى أنه ثقة، وقال عنه: "أحد الثقات المشهورين، تكلم فيه شعبة لتفرده عن عطاء بخبر الشفعة للجار". (ميزان الاعتدال 2/656) .

5 المسند 4/224".

6 سنن الترمذي:2/165كتاب الحج، باب ماجاء في الذي يحرم وعليه قميص أو جبة".

7 منحة المعبود 1/212".

8 السنن لكبرى 5/57".

9 هو محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، صدوق".

قلت: "تابعه الحميدي والشافعي وأحمد في شيخه ابن عيينة". (انظر ص 1088) .

ص: 714

قال أبو عيسى: "وهذا أصح1 وفي الحديث قصة".

وهكذا روى قتادة الحجاج بن أرطأة وغير واحد عن عطاء عن يعلى بن أمية2".

والصحيح ما روى عمرو بن دينار وابن جريج3 عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم 4".

والحديث بجميع طرقه فيه أن السائل عن الإحرام غير يعلى بن أمية راوي الحديث وأن الرسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بنزع الجبة وغسل الخلوق ولم يأمره بإحداث إحرام من جديد".

إلا ما جاء عند النسائي من حديث نوح بن حبيب وهذا سياقه:

أخبرنا نوح5 بن حبيب القومسي قال حدثنا يحيى بن سعيد6 قال: "حدثنا ابن جريج قال: "حدثني عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه أنه قال:"ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينزل عليه".

فبينا نحن بالجعرانة والنبي صلى الله عليه وسلم في قبة فأتاه الوحي، فأشار إلى عمر أن تعال.

فأدخلت رأسي القبة فأتاه رجل قد أحرم في جبة بعمرة مضمخ بطيب فقال:

1 قال المباركفوري: "قوله: "وهذا أصح" أي رواية ابن أبي عمر بزيادة صفوان بين عطاء ويعلى، أصح من رواية قتيبة بن سعيد".

2 وقوله: "وهكذا روى قتادة والحجاج بن أرطأة وغير واحد عن عطاء عن يعلى بن أمية أي بعدم ذكر "صفوان" بين عطاء ويعلى". (تحفة الأحوذي 3/575) .

3 ورواية عمرو بن دينار عند مسلم والحميدي والشافعي وأحمد والترمذي وابن خزيمة". ورواية ابن جريج في الصحيحين وغيرهما". (انظر ص 699-700) . وقد وافقهما همام بن يحيى، وقيس بن سعد، ورباح بن أبي معروف، والليث بن سعد، وعبيد الله بن أبي زياد، كلّهم رووا هذا الحديث عن عطاء، فذكروا:"صفوان"، بين عطاء ويعلى بن أمية". (انظر ص: "701) .

4 سنن الترمذي 2/165-166 كتاب الحج، باب ما جاء في الذي يحرم وعليه قميص أو جبة".

5 نوح بن حبيب القومسي - بضم القاف وسكون الواو آخره مهملة - البذشي- بفتح الموحدة بعدها المعجمة - أبو محمد، ثقة سني، من العاشرة (ت242) ./ د س". (التقريب2/308 وتهذيب التهذيب10/481 والخلاصة للخزرجي3/101) .

ووقع في التقريب الطبعة الهندية والمصرية "نوح بن أبي حبيب".

6 يحيى بن سعيد: "هو القطان".

ص: 715

يا رسول الله، ما تقول في رجل قد أحرم في جبة، إذ أنزل عليه الوحي، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يغط1 لذلك، فسري عنه فقال:"أين الرجل الذي سألني آنفا؟ ". فَأُتِيَ بالرجل فقال: "أما الجبة فاخلعها، وأما الطيب فاغسله ثم أحدث إحراما".

ثم قال النسائي: "قال أبو عبد الرحمن: "ثم أحدث إحراما" ما أعلم أحداً قاله غير نوح بن حبيب، ولا أحسبه محفوظاً2".

وأورد ابن حجر قول النسائي هذا".

ثم قال: "وقال البيهقي: "رواه جماعات غير نوح بن حبيب فلم يذكروها 3، ولم يقبلها أهل العلم بالحديث من نوح بن حبيب4".

ووقع عند الطحاوي أن الذي أحرم وعليه جبة هو يعلى بن أمية راوي الحديث وهذا سياقه:

حدثنا سليمان5 قال: "ثنا عبد الرحمن6 قال: "ثنا شعبة عن قتادة عن عطاء بن أبي رباح: "أن رجلا يقال له يعلى بن أمية أحرم وعليه جبة، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينْزعها"7.

قلت: "والحديث معضل".

والصحيح أن الذي أحرم في جبة غير يعلى بن أمية كما هو صريح الأحاديث المتقدمة عن يعلى في الصحيحين وغيرهما".

1 يغط: "بفتح أوله وكسر المعجمة وتشديد الطاء المهملة أي ينفخ". (فتح الباري 3/394) .

2 سنن النسائي في 5/99-100 كتاب المناسك، باب الجبة في الإحرام".

3 أي زيادة (0 ثم أحدث إحراما".

4 التلخيص الحبير 2/273".

5 سليمان بن شعيب الكسائي المصري، ذكره ابن حجر في لسان الميزان 3/96 في ترجمة سليمان بن شعيب بن الليث بن سعد المصري، فقال: "فأما سليمان بن شعيب الكسائي المصري، فوثقه العقيلي وأصله من نيسابور يروي عن أسد بن موسى وخالد بن نزار ووهب بن جرير وعدة، روى عنه الطحاوي والحضائري وآخرون (ت 278) .

6 عبد الرحمن بن زياد الرصاصي، روى عن شعبة وغيره، وعنه الحميدي ودحيم ويوسف بن عدي وسعيد بن أسيد ويحيى بن سليمان وغيرهم، قال ابن أبي حاتم:"سألت أبي عنه فقال: "صدوق". (الجرح والتعديل 5/235) .

7 شرح معاني الآثار 2/139 وانظر نيل الأوطار للشوكاني 5/8".

ص: 716

وقد أخذ العلماء من هذا الحديث المسائل الآتية:

المسألة الأولى: "أن السائل عن أحكام العمرة كان عارفا بأحكام الحج، ولذا قال له صلى الله عليه وسلم: "وما كنت صانعا في حجك فاصنع في عمرتك".

قال النووي: "وهذا الحديث ظاهر في أن هذا السائل كان عالماً بصفة الحج دون العمرة، فلهذا قال له صلى الله عليه وسلم: "اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك" 1".

وقال ابن حجر: "وهذا الحديث دال على أنه كان يعرف أعمال الحج قبل ذلك".

قال ابن العربي: "كأنهم كانوا في الجاهلية يخلعون الثياب ويجتنبون الطيب في الإحرام إذا حجوا، وكانوا يتساهلون في ذلك في العمرة، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن مجراهما واحد".

وقال ابن المنير في "الحاشية" قوله "واصنع" معناه اترك لأن المراد بيان ما يجتنبه المحرم فيؤخذ منه فائدة حسنة وهي أن الترك فعل".

وأما قول ابن بطال أراد الأدعية وغيرها مما يشترك فيه الحج والعمرة ففيه نظر، لأن التروك مشتركة، بخلاف الأعمال فإن في الحج أشياء زائدة على العمرة كالوقوف وما بعده".

وقال الباجي: "المأمور به غير نزع الثوب وغسل الخلوق، لأنه صرح له بهما فلم يبق إلا الفدية2، قال ابن حجر: "كذا قال ولا وجه لهذا الحصر، بل الذي تبين من طريق أخرى أن المأمور به الغسل والنزع، وذلك عند مسلم والنسائي من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء في هذا الحديث أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أهل بعمرة وعليه مقطعات3 - يعني جبة - وهو متضمخ بخلوق فقال:"أهللت بعمرة فما أصنع؟ ". فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما كنت صانعا في حجك؟ ".

1 شرح النووي على صحيح مسلم 3/250، والمنتقى للباجي 2/202.

2 انظر: "المنتقى للباجي: "2/202.

3 مقطعات: "هي بفتح الطاء المشددة وهي الثياب المخيطة، وأوضحه في الحديث بقوله "يعني جبة" ومتضمخ: "بالضاد والخاء المعجمتين، أي متلوث به مكثر منه". (شرح النووي على صحيح مسلم 3/251) .

ص: 717

قال: "كنت أنزع عني هذه الثياب وأغسل عني هذا الخلوق، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك" 1.

المسألة الثانية: "أن من تطيب أو ليس جاهلاً ناسياً لإحرامه فلا كفارة عليه".

قال البخاري: "باب إذا أحرم جاهلا وعليه قميص".

ثم قال: "قال عطاء: "إذا تطيب أو لبس جاهلاً أو ناسياً فلا كفارة عليه".

ثم ساق في الباب حديث يعلى بن أمية من طريق عطاء2".

قال ابن حجر: "قوله باب إذا أحرم جاهلا وعليه قميص، أي هل يلزمه فدية أولا؟

وإنما لم يجزم بالحكم لأن حديث الباب لا تصريح فيه بإسقاط الفدية، ومن ثم استظهر المصنف للراجح بقول عطاء راوي الحديث كأنه يشير إلى أنه لو كانت الفدية واجبة لما خفيت عن عطاء وهو راوي الحديث".

وقال ابن بطال وغيره: "وجه الدلالة منه أنه لو لزمته الفدية لبينها صلى الله عليه وسلم لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز".

وفرق مالك - فيمن تطيب أو لبس ناسيا - بين من بادر فنزع وغسل وبين من تمادى".

والشافعي أشد موافقة للحديث لأن السائل في حديث الباب كان غير عارف بالحكم وقد تمادى ومع ذلك لم يؤمر بالفدية".

وقول مالك فيه احتياط3.

وقال النووي: "وفي الحديث أن من أصابه طيب ناسيا أو جاهلا ثم علم وجبت عليه المبادرة إلى إزالته، وفيه أن من أصابه في إحرامه طيب ناسيا أو جاهلا لا كفارة عليه".

1 فتح الباري 3/394-395، وعون المعبود 5/266، ونيل الأوطار 5/8-9 والحديث المشار إليه عند مسلم والنسائي، صحيح مسلم 2/836-837 كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يباح، بيان تحريم الطيب عليه". سنن النسائي 5/110 كتاب المناسك، باب في الخلوق للمحرم، مسند الحميدي 2/347 وانظر تعليقة (3) ص (698) .

2 صحيح البخاري 3/15-16 كتاب جزاء الصيد".

3 فتح الباري 4/63 والأم للشافعي 2/130-131". وصحيح ابن خزيمة 4/191".

ص: 718

وهذا مذهب الشافعي، وبه قال عطاء والثوري وإسحاق وداود.

وقال مالك وأبو حنيفة والمزني وأحمد في أصح الروايتين عنه: "عليه الفدية، لكن الصحيح من مذهب مالك أنه إنما تجب الفدية على المتطيب ناسيا أو جاهلا إذا طال لبثه عليه1".

وقال ابن حجر: "واستدل بالحديث على أن من أصابه طيب في إحرامه ناسيا أو جاهلا ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه".

وقال مالك: "إن طال ذلك عليه لزمه".

وعن أبي حنيفة وأحمد في رواية يجب مطلقاً2".

وأجاب ابن المنير: "في "الحاشية" عن هذا الحديث بأن الوقت الذي أحرم فيه الرجل في الجبة كان قبل نزول الحكم ولهذا انتظر النبي صلى الله عليه وسلم الوحي".

قال: "ولا خلاف أن التكاليف لا يتوجه على المكلف قبل نزول الحكم فلهذا لم يؤمر الرجل بفدية عما مضى".

بخلاف من لبس الآن جاهلا فإنه جهل حكما استقر وقصر في علم ما كان عليه أن يتعلمه لكونه مكلفا به وقد تمكن من تعلمه3".

المسألة الثالثة: "استحباب الطيب لمن أراد الإحرام وجواز استدامة".

قال ابن هبيرة: "اتفق العلماء على استحباب الطيب من أراد الإحرام إلا مالكا فإنه قال: "يكره للمحرم أن يتطيب قبل الإحرام بما بقي ريحه بعده4".

وقال ابن رشد: "أجمع العلماء على أن الطيب كله يحرم على المحرم بالحج والعمرة في حال إحرامه".

واختلفوا في جوازه للمحرم عند الإحرام قبل أن يحرم لما بقي من أثره عليه بعد

1 شرح النووي على صحيح مسلم 3/250".

2 فتح الباري 3/395 ونيل الاوطار للشوكاني 5/9 وعون المعبود 5/268".

3 فتح الباري 4/63".

4 الإفصاح 1/270، والمنتقى للباجي 2/201".

ص: 719

الإحرام، فكرهه قوم وأجازه آخرون، وممن كرهه مالك، ورواه عن عمر بن الخطاب1، وهو قول عثمان وابن عمر وجماعة من التابعين".

وممن أجازه أبو حنيفة والشافعي والثوري وأحمد وداود، والحجة لمالك حديث يعلى بن أمية ثم ساق الحديث والشاهد منه "قول الرسول صلى الله عليه وسلم للسائل:"أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات، وأما الجبة فانزعها".

ثم قال: "وعمدة الفريق الثاني ما رواه مالك عن عائشة أنها قالت: "كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم لحله قبل أن يطوف بالبيت2".

وقال ابن حجر: "واستدل بحديث يعلى على منع استدامة الطيب بعد الإحرام للأمر بغسل أثره من الثوب والبدن، وهو قول مالك ومحمد ابن الحسن".

وأجاب الجمهور بأن قصة يعلى كانت بالجعرانة كما ثبت في هذا الحديث، وهي سنة ثمان بلا خلاف، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت:

294-

"طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين حين أحرم، ولحله حين أحل قبل أن يطوف، وبسطت يديها"3.

وكان ذلك في حجة الوداع سنة عشر بلا خلاف، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من الأمر، وبأن المأمور بغسله في قصة يعلى إنما هو الخلوق لا مطلق الطيب، فلعل علة الأمر فيه ما خالطه من الزعفران، وقد ثبت النهي عن تزعفر الرجل مطلقا محرما وغير محرم4".

1 الحديث في الموطأ 1/329 كتاب الحج، باب ما جاء في الطيب في الحج ونص الحديث:"أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجد ريح طيب وهو بالشجرة فقال: "ممن ريح هذا الطيب؟ فقال معاوية بن أبي سفيان: "مني يا أمير المؤمنين، فقال: "منك؟ لعمر الله، فقال معاوية:"إن أم حبيبة طيبتني يا أمير المؤمنين". فقال عمر: "عزمت عليك لترجعن فلتغسلنه".

وانظر: "الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة للزركشي ص103-104".

2 بداية المجتهد 1/328 وحديث عائشة في الموطأ 1/328 كتاب الحج، باب ما جاء في الطيب في الحج".

ورواه البخاري ومسلم في صحيحيهما كلاهما من طريق مالك انظر صحيح البخاري 2/115 كتاب الحج، باب الطيب عند الإحرام، صحيح مسلم 2/846 كتاب الحج، باب الطيب للمحرم عند الإحرام، وانظر:"أوجز المسالك إلى موطأ مالك للكاندهلوي 6/198".

3 الحديث في صحيح البخاري 2/115 كتاب الحج، باب الطيب عند الإحرام، و2/149 باب الطيب بعد رمي الجمار، و7/140-141 كتاب اللباس، باب تطييب المرأة زوجها بيديها، باب الطيب في الرأس واللحية، وباب الذريرة". وصحيح مسلم 2/846-850 كتاب الحج، باب طيب للمحرم عند الإحرام".

4 الحديث في صحيح البخاري 7/131 كتاب اللباس، باب التزعفر للرجال".

ص: 720

295-

وفي حديث ابن عمر: "ولا يلبس - أي المحرم - من الثياب شيئا مسه زعفران"1.

296-

وفي حديث ابن عباس2 ولم ينه إلا عن الثياب المزعفرة"3. إهـ.

وقد استدل القائلون بكراهية التطيب للمحرم قبل إحرامه بأدلة أخرى، وقد أجاب عنها العلماء وبينوا بأنها لا تقوى على دفع الأحاديث الواردة بجواز التطيب لمن أراد الإحرام قبل إحرامه وذلك لصراحتها وصحتها وتأخرها4.

ففي حديث عائشة الثابت في الصحيحين وغيرهما أنها قالت: "كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت".

وفي لفظ: قالت: "طيبت رسول الله بيدي بذريرة5 في حجة الوادع للحل والإحرام".

وفي لفظ عنها عند النسائي قالت: "لقد رأيت وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث" 6

المسألة الرابعة: "أن المحرم إذا صار عليه مخيط ينزعه ولا يلزمه تمزيقه.

1 الحديث في صحيح البخاري2/115-116كتاب الحج، باب ما يلبس المحرم من الثياب، وصحيح مسلم 2/834-835 كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يباح، بيان تحريم الطيب عليه".

2 حديث ابن عباس في صحيح البخاري 2/116 كتاب الحج، باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر ولفظه:"فلم ينه عن شيء من الأردية والأزر تلبس إلا المزعفرة التي تردع على الجلد".

3 فتح الباري 3/395و396و398 وشرح معاني الآثار للطحاوي 2/126، والمغني لابن قدامة 3/273-274، وشرح النووي على صحيح مسلم 3/268".

4 أو المنهي عنه في حديث يعلى بن أمية هو الخلوق وهو حرام على الرجال في حال الإحرام وغيره".

5 الذريرة: "بفتح الذال المعجمة وراءين بوزن عظيمة، نوع من الطيب مجموع من أخلاط".

وقيل: "وهي فتات القصب طيب: "يجاء به من الهند". (النهاية لابن الأثير 2/157، وشرح النووي على صحيح مسلم 3/270، وهدي الساري لابن حجر ص 118 وفتح الباري 10/381) .

6 سنن النسائي 5/108-109 كتاب المناسك، باب موضع الطيب". وانظر:"الأم للشافعي 2/130-131".

وشرح معاني الآثار للطحاوي 2/126-133، والمحلى لابن حزم7/85-99". وصحيح ابن خزيمة 4/192-194، والمغني لابن قدامة 3/273-274". وشرح النووي على صحيح مسلم 3/268". وفتح الباري لابن حجر 3/398-400 و585". نيل الأوطار للشوكاني 4/340-341 والسيل الجرار له 2/180-181". وانظر: "حديث (294) .

ص: 721

قال النووي: "قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث "واخلع عنك جبتك" دليل لمالك وأبي حنيفة والشافعي والجمهور أن المحرم إذا صار عليه مخيط ينزعه، ولا يلزمه شقه".

وقال الشعبي والنخعي: "لا يجوز نزعه لئلا يصير مغطيا رأسه، بل يلزمه شقة، وهذا مذهب ضعيف1".

وقال الخرقي: "ومن أحرم وعليه قميص خلعه ولم يشقه"2.

قال ابن قدامة: "هذا قول أكثر أهل العلم، وحكي عن الشعبي3 والنخعي4 وأبي قلابة5 وأبي صالح ذكوان6: "أنه يشق ثيابه لئلا يتغطى رأسه حين ينزع القميص منه".

ولنا: "ما روى يعلى بن أمية "أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ بطيب؟ فنظر إليه رسول الله ساعة ثم سكت، فجاءه الوحي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أنا الطيب الذي بك فاغسله، وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك".

ثم قال: "قال عطاء: "كنا قبل أن نسمع هذا الحديث نقول فيمن أحرم وعليه قميص أو جبة فليخرقها عنه، فلما بلغنا هذا الحديث أخذنا به، وتركنا ما كنا نفتي به قبل ذلك، لأن في شق الثوب إضاعة ماليته وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال7".أهـ.

297-

قلت: "وقد روى أبو داود الطيالسي والطحاوي كلاهما من طريق شعبة عن قتادة عن عطاء عن يعلى بن أمية "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا عليه جبة عليها أثر

1 شرح النووي على صحيح مسلم 3/250".

2 المختصر مع المغني 3/294".

3 الشعبي: "هو عامر بن شراحيل "ثقة فقيه مشهور" تقدم".

4 هو إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي، أبو عمران الكوفي، الفقيه ثقة، إلا أنه يرسل كثيرا، من الخامسة (ت 196) ./ ع". (التقريب 1/46) .

5 أبو قلابة هو عبد الله بن زيد الجرمي، تقدم في حديث (251) .

6 هو: "ذكوان أبو صالح، السمان الزيات".

7 المغني لابن قدامة 3/294، وفتح الباري لابن حجر 3/395".

ص: 722

الخلوق أو صفرة، فقال:"اخلعها عنك واجعل في عمرتك ما تجعل في حجك".

قال قتادة: "فقلت لعطاء نسمع أن قال: "شقها، قال:"هذا فساد والله لا يحب الفساد1".

298-

وقال الشافعي: "أخبرنا سعيد2 بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه كان يقول: "من أحرم في قميص أو جبة فلينزعها نزعا ولا يشقها".

قال الشافعي: "والسنة كما قال عطاء لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر صاحب الجبة أن ينزعها ولم يأمره بشقها3".

وروى أبو داود من طريق عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه قصة السائل عن العمرة في الجعرانة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "اخلع جبتك، فخلعها من رأسه" 4".

قال الخطابي: "في هذا الحديث من الفقه أن من أحرم وعليه ثياب مخيط من قميص وجبة ونحوهما لم يكن عليه تمزيقه وأنه إذا نزعه من رأسه لم يلزمه دم، وقد روى عن إبراهيم النخعي أنه قال: "يشقه". وعن الشعبي قال: "يمزق ثيابه". اهـ.

قال صاحب عون المعبود: "وهذا خلاف السنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بخلع الجبة وخلعها الرجل من رأسه فلم يوجب عليه غرمة، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، وتمزيق الثياب تضييع له، فهو غير جائز5".

1 منحة المعبود 1/212 واللفظ له، وشرح معاني الآثار للطحاوي 2/139".

2 سعيد بن سالم القداح، أبو عثمان المكي، أصله من خراسان أو الكوفة، صدوق يهم رمي بالإرجاء، وكان فقيها من كبار التاسعة (ت قبل 200) . /د س". (التقريب 1/296 وتهذيب التهذيب 4/35) .

3 الأم 2/130 وصحيح ابن خزيمة 4/195".

4 سنن أبي داود 1/423 كتاب المناسك، باب الرجل يحرم في ثيابه".

5 عون المعبود 5/266".

ص: 723