المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحكم الخامس: في النهي عن قتل النساء والضعفاء ومن في حكمهم - مرويات غزوة حنين وحصار الطائف - جـ ٢

[إبراهيم بن إبراهيم قريبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف

- ‌(تابع) الباب الثاني: ملاحقة فلول المشركين والأحداث التاريخية التي أعقبت ذلك

- ‌الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف بعد المعركة

- ‌المبحث الأول: في قدوم وفد هوازن إلى الجعرانة مسلمين

- ‌المبحث الثاني: في إيفاد ثقيف جماعة منهم إلى المدينة للتفاوض

-

- ‌الباب الثالث: في بيان أبرز الأحكام المستنبطة من غزوة حنين

- ‌الحكم الأول: جواز وطء المسبية بعد الاستبراء

- ‌الحكم الثاني: وقوع العزل في أوطاس

- ‌الحكم الثالث: في مسئلة المتعة

- ‌الحكم الرابع: منع المخنثين من الدخول على النساء الأجنبيات

- ‌الحكم الخامس: في النهي عن قتل النساء والضعفاء ومن في حكمهم

- ‌الحكم السادس: العذر الذي يبيح ترك حضور صلاة الجماعة

- ‌الحكم السابع: تعليم أبي محذورة الأذان

- ‌الحكم الثامن: إقامة الحدّ في دار الحرب

- ‌الحكم التاسع: الاستعانة بالمشركين

- ‌الحكم العاشر: العارية من حيث الضمان وعدمه

- ‌الحكم الحادي عشر: قضاء الرسول في شأن محلم بن جثامة

- ‌الحكم الثاني عشر: في بيان نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم

- ‌الحكم الثالث عشر: استحقاق القاتل سلب القتيل

- ‌الحكم الرابع عشر: في بيان تحريم الغلول في الغنيمة

- ‌الحكم الخامس عشر: المؤلفة قلوبهم

- ‌الحكم السادس عشر: بعض ما يجتنبه المحرم

- ‌الحكم السابع عشر: عمرة الرسول صلى الله عليه وسلم من الجعرانة

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الحكم الخامس: في النهي عن قتل النساء والضعفاء ومن في حكمهم

‌الحكم الخامس: في النهي عن قتل النساء والضعفاء ومن في حكمهم

من محاسن الإسلام أنه دين الرحمة والعدالة، ومن أبرز ما يؤكد هذه الحقيقة موقفه من الضعفاء والنساء والأطفال في حال النّزال والقتال والتقاء الصفين، لأن هؤلاء المستضعفين ليسوا أهل شوكة ولا مكيدة في الحرب، ولا ذنب لهم في الغالب فيما جره عليهم أهلوهم الكفرة من الصد عن سبيل الله ومحاربة الإسلام، فلا يجوز قتلهم ولا التنكيل بهم، إلا إذا كان الشيخ الهرم محاربا للمسلمين برأيه أو بأي وسيلة تمكنه، أو حاولت المرأة قتل أحد من المسلمين فيجوز قتلها دفاعا عن النفس، وأما الطفل فلا يتصور منه ذلك فهذا النمط من الرحمة والعطف في الحروب والمعارك الشديدة لا مثيل له في أي مبدأ من المبادئ قديما وحديثا، تاريخ الحروب البشرية شاهد صدق بذلك".

ولقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ وجعله من أهم التوصيات التي يجب أن يجعلها كل أمير جيش أو سرية نصب عينيه، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: "

245-

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال:"اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا" الحديث1.

والشاهد من الحديث قوله "ولا تقتلوا وليدا" وهو نهي والنهي يقتضي التحريم، فيحرم قتل الصبيان والنساء والشيوخ والرهبان، الذين ليس من شأنهم أن يقاتلوا".

وهكذا امتازت الحروب الإسلامية بهذا المبدأ، فلا يقتل إلا من يتأتى منه القتال، أما الذين لا يد لهم في القتال ولا قدرة عليه، فالشريعة الإسلامية تنهى عن

1 صحيح مسلم 3/1357 كتاب الجهاد والسير، باب تأمير الأمير على البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها، وقد ساق البيهقي جملة من النصوص بعدة أسانيد فيها النهي عن قتل الرهبان والشيوخ والمرضى والصبيان والنساء والوصفاء والعسفاء". (السنن الكبرى 9/89-91) .

ص: 548

قتلهم وترويعهم، وقد جاءت جملة صالحة من الأحاديث في هذا الأمر منها:"ما رواه عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي فزارة1 عن عبد الرحمن2 بن أبي عمرة قال: "مر النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين بامرأة مقتولة، فقال:"ألم أنه عن هذا؟ ".

فقال رجل: "أردفتها فأرادت أن تقتلني، فقتلتها، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفنها" 3".

قال ابن حجر: "ورواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري". وهو مرسل"4". قلت: "رجاله ثقات، رجال الصحيح".

246-

ما رواه أبو داود في مراسيله عن موسى5 بن إسماعيل عن وهيب6 عن أيوب7 عن عكرمة8 أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مقتولة بالطائف فقال: "ألم أنه عن قتل النساء؟ من صاحب هذه المرأة المقتولة؟ ".

فقال رجل من القوم: "أنا يا رسول الله، أردفتها فأرادت أن تصرعني فتقتلني، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توارى"9.

والحديث مرسل ورجاله ثقات رجال الصحيح".

قال ابن حجر: "ووصله الطبراني في الكبير من حديث مقسم عن ابن عباس وفيه الحجاج بن أرطأة10".

قلت: "ورواه أحمد أيضا".

1 هو راشد بن كيسان العبس، الكوفي، ثقة".

2 عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري".

3 مصنف عبد الرزاق 5/201 وتقدم الحديث برقم (103) مع تراجم رواته".

4 التلخيص الحبير 4/102".

5 هو المنقري أبو سلمة التبوذكي "ثقة ثبت" تقدم في حديث (91) .

6 وهيب: "هو ابن خالد "ثقة ثبت" تقدم في حديث (236) .

7 أيوب: "هو ابن أبي تميمة السختياني - بفتح المهملة بعدها معجمة، ثم مثناة ثم تحتانية وبعد الألف نون - أبو بكر البصري ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء العباد من الخامسة (ت 131) / ع". (التقريب 1/89 وتهذيب التهذيب 1/397) .

8 عكرمة بن عبد الله مولى ابن عباس "ثقة ثبت"، تقدم في حديث (67)

9 كتاب المراسيل لأبي داود ص 36-37 والسنن الكبرى للبيهقي 9/82".

10 التلخيص الحبير 4/102، والحديث في المعجم الكبير للطبراني 11/388 وفيه الحجاج بن أرطأة وهو مدلس وقد عنعن".

ص: 549

إلا أن لفظ الطبراني "أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بامرأة يوم الخندق مقتولة" الحديث1".

ما رواه أحمد والبيهقي وغيرهما من حديث الأسود بن سريع وهذا سياقه عند أحمد:

247-

ثنا يونس2 ثنا أبان3 عن قتادة4 عن الحسن5 عن الأسود6 بن سريع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية يوم حنين، فقاتلوا المشركين فأفضى بهم القتل إلى الذرية فلما جاؤوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما حملكم إلى قتل الذرية؟ قالوا: "يا رسول الله إنما كانوا أولاد المشركين، قال:"أو هل خياركم إلا أولاد المشركين، والذي نفس محمد بيده ما من نسمة تولد إلا على الفطرة7 حتى يعرب عنها لسانها"8.

والحديث رواه الحاكم من طريق يونس بن محمد بن المؤدب ثنا أبان بن يزيد عن قتادة عن الحسن عن الأسود بن سريع، إلا أنه قال:"بعث سرية يوم خيبر، بدل يوم حنين"9".

1 مسند أحمد 1/256 وانظر مجمع الزوائد 5/316".

2 يونس بن محمد بن مسلم البغدادي، أبو محمد المؤدب، ثقة ثبت، من صغار التاسعة (ت 207)(التقريب 2/386 وتهذيب التهذيب11/447) .

3 أبان بن يزيد العطار البصري، أبو يزيد "ثقة له أفراد" تقدم في حديث (9) .

4 قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي، أبو الخطاب البصري، ثقة ثبت، تقدم في حديث (48) ، وقتادة قد وصفه النسائي وغيره بالتدليس كما في طبقات المدلسين لابن حجر ص 31 وقد عنعن، ولكن تابعه يونس بن عبيد والسري بن يحيى ومبارك بن فضالة، الجميع في شيخه الحسن، كما سيأتي ص 539".

5 الحسن هو البصري "ثقة فاضل فقيه" وكان يرسل كثيرا ويدلس، وتقدم في حديث (156) وقد صرح بالتحديث عند النسائي والحاكم كما سيأتي ص 539".

وقد وقع عند أحمد في المسند 4/24 عن السري بن يحيى قال ثنا الحسن بن الأسود ابن سريع، ولفظ "ابن" خطأ والصواب "ثنا الحسن عن الأسود بن سريع".

6 الأسود بن سريع - بفتح السين - التميمي السعدي، صحابي نزل البصرة، ومات بها في أيام الجمل، وقيل سنة 42/بخ قد س". (التقريب 1/76 وتهذيب التهذيب 1/338) .

7 قوله: "تولد إلا على الفطرة" المعنى أنها تولد على نوع من الجبلة والطبع المتهيء لقبول الدين، فلوة ترك المولود لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها، وإنما يعدل لآفة من يعدل عن آفات البشر والتقليد، وقوله "حتى يعرب عنها لسانها" يعني يبين ويوضح". (النهاية 3/200و 457) والفتح الرباني 14/65".

8 مسند أحمد 3/435".

9 المستدرك 2/123".

ص: 550

ورواه البيهقي من طريق الحاكم هذه فقال: "يوم حنين"1 مثل رواية أحمد مما يقوي وقوع تصحيف في المستدرك الحاكم".

وقد جاء بدون تقييد عند النسائي وأحمد والدارمي والطبراني والحاكم والبيهقي الجميع من طريق يونس2 بن عبيد عن الحسن عن الأسود بن سريع به3".

وكذا عند أحمد والطبراني وابن حبان كلهم كمن طريق السري4 ابن يحيى أبي الهيثم ثنا الحسن عن الأسود بن سريع به5".

ورواه الطبراني أيضا من طريق مبارك6 بن فضالة عن الحسن عن الأسود بن سريع به7".

وقد صرح الحسن بالتحديث عن الأسود عند النسائي والحاكم8".

والخلاصة: "أن الحديث جاء من طريق قتادة عن الحسن عن الأسود بن سريع به عند أحمد والبيهقي بلفظ "يوم حنين".

ورواه الحاكم من طريق قتادة هذه فقال "يوم خيبر" وجاء من طريق يونس بن عبيد السري بن يحيى ومبارك بن فضالة كلهم عن الحسن عن الأسود بن سريع به9".

بدون "تقيد" قال الساعاتي: "والأظهر في هذه الرواية أن الواقعة وفي غزوة حنين10".

1 السنن الكبرى 9/130".

2 يونس بن عبيد بن دينار العبدي، أبو عبيد البصري، ثقة ثبت فاضل ورع، من الخامسة (ت139)(التقريب 2/385 وتهذيب التهذيب 11/442) .

3 النسائي: "السنن الكبرى، في السير، (تحفة الأشراف 1/70 حديث "146") . وأحمد: "المسند3/435". والدارمي: "السنن 2/141-142كتاب السير، باب النهي عن قتل النساء والصبيان". والطبراني:"المعجم الكبير1/260". والحاكم: "المستدرك 2/123". والبيهقي: "السنن الكبرى 9/77".

4 السري بن يحيى بن إياس بن حرملة الشيباني البصري، ثقة، أخطأ الأزدي في تضعيفه، من السابعة (ت 167) /بخ س". (التقريب 1/285 وتهذيب التهذيب 3/460-461) ، وميزان الاعتدال 2/118) .

5 أحمد: "المسند 4/24". والطبراني: "المعجم الكبير 1/259-260". وابن حبان: "موارد الظمآن ص 399".

6 مبارك بن فضالة - بفتح الفاء وتخفيف المعجمة - أبو فضالة البصري، صدوق يدلس ويسوي، من السادسة (ت 167) على الصحيح". /خت د ت ق". (التقريب 2/227 وتهذيب التهذيب 10/28) .

7 المعجم الكبير 1/259".

8 انظر تحفة الأشراف 1/70 والمستدرك 2/123".

9 الفتح الرباني 14/65".

10 الفتح الرباني 14/65".

ص: 551

والحديث قال الحاكم صحيح على شرط الشيسخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي1".

قال الألباني: "وهو كما قالا فقد صرح الحسن، وهو البصري بالتحديث عند النسائي وهو رواية للحاكم2".

وأورده الهيثمي ثم قال: "رواه أحمد بأسانيد، والطبراني في الكبير والأوسط، وبعض أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح3".

248-

ما رواه ابن إسحاق قال: "حدثني بعض أصحابنا: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر يومئذ بامرأة وقد قتلها خالد بن الوليد والناس متقصفون4 عليها فقال: "ما هذا؟ " فقالوا: "امرأة قتلها خالد بن الوليد، فقال: "رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض من معه: "أدرك خالدا، فقل له: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاك أن تقتل وليدا أو امرأة أو عسيفا" 5".

والحديث فيه إبهام وإرسال".

249-

وأورده ابن كثير ثم قال: "هكذا رواه ابن إسحاق منقطعا، وقد قال الإمام أحمد: "ثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو ثنا المغيرة6 بن عبد الرحمن عن أبي الزناد7 حدثني المرقع8 بن صيفي عن جده رباح9 بن ربيع أخي10 حنظلة

1 المستدرك 2/123".

2 إرواء الغليل 5/35 و36".

3 مجمع الزوائد 5/316 وانظر الفتح الرباني 14/65".

4 متقصفون: "أي مزدحمون عليها". (النهاية 4/73) .

5 سيرة ابن هشام 2/457-458 والروض الأنف 7/182".

والعسيف: "الأجير، جمعه عسفاء". (النهاية 3/236) .

6 المغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام - بمهملة وزاي - المدني لقبه قصي، ثقة له غرائب، من السابعة". /ع". (التقريب 2/269-270 وتهذيب التهذيب 10/266) .

7 عبد الله بن ذكوان القرشي، المدني المعروف بأبي الزناد، ثقة فقيه من الخامسة، (ت130) . وقيل بعدها"./ع". (التقريب 1/413 وتهذيب التهذيب 6/203) .

8 المرقع - بضم أوله وفتح ثانيه وكسر القاف المشددة- ابن صيفي- بمهملة وقيل ابن عبد الله بن صيفي التميمي الحنظلي، صدوق، من الثالثة". /د س ق". (التقريب 2/238 وتهذيب التهذيب 10/88) .

9 رباح - بتخفيف الموحدة - ابن الربيع بن صيفي التميمي، أخو حنظلة التميمي، ويقال فيه "رياح" بالمثناة وهو قول الأكثر". / د س ق". (التقريب 1/242و 245 وتهذيب التهذيب 3/233 والإصابة 1/501) .

10 وقع في البداية والنهاية "أخي بني حنظلة" والظاهر أن لفظ "بنى" خطا فإن الحديث عند أحمد وغيره بلفظ "أخي حنظلة".

ص: 552

الكاتب أنه أخبره أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فمر رباح وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة، فقفوا ينظرون إليها ويتعجبون من خلقها حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"ما كانت هذه لتقاتل" فقال لأحدهم "ألحق خالدا فقل له لا يقتلن ذرية ولا عسيفا" 1".

وكذلك رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث المرقع بن صيفي به نحوه2. إهـ.

وقال الزرقاني: "روى الواقدي أن سعد بن عبادة جعل يصيح يومئذ3 بالخزرج ثلاثاً وأسيد بن حضير بالأوس ثلاثا فثابوا4من كل ناحية كأنهم النحل تأوي إلى يعسوبها5".

قال أهل المغازي فحنق6 المسلمون على المشركين فقتلوهم حتى أسرع القتل في ذراري المشكرين فبلغه ذلك صلى الله عليه وسلم فقال: "ما بال أقوام بلغ بهم القتل حتى بلغ الذرية ألا لا تقتل الذرية ثلاثا".

فقال أسيد: "يا رسول الله أليس إنما هم أولاد المشركين؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أو ليس خياركم أولاد المشركين؟ كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها فأبواها يهودانها أو ينصرانها".

ثم أورد حديث رباح بن الربيع وقال: "رواه أحمد وأبو داود7".

قلت: "حديث رباح: "رواه النسائي وابن ماجه وأحمد والطحاوي والطبراني وابن حبان والبيهقي الجميع من طريق المغيرة بن عبد الرحمن قال: "حدثنا أبو الزناد عن المرقع بن صيفي عن جده رباح بن الربيع به8".

1 الحديث في مسند أحمد 3/488".

2 البداية والنهاية 4/337".

3 يومئذ يعني يوم حنين".

4 فثابوا: "أي رجعوا وأخذوا في قتل المشركين (النهاية 1/226) .

5 يعسوبها: "قال ابن الأثير: "اليعسوب السيد والرئيسي والمقدم". وأصله فحل النحل". (المصدر السابق3/234) .

6 الحنق: "الحقد والغيظ". (المصدر السابق 1/451) .

7 شرح المواهب اللدنية 3/21 وانظر مغازي الواقدي 3/904-905".

8 النسائي: "السنن الكبرى في السير (تحفة الأشراف 3/166 حديث "3600") وابن ماجه: "السنن 2/948 كتاب الجهاد، باب الغارة والبيات وقتل النساء والصبيان". وأحمد:"المسند 3/488". والطحاوي: شرح معاني الآثار3/221 و122". والطبراني: "المعجم الكبير 5/70". وابن حبان: "موارد الظمآن ص 398". والبيهقي: "السنن الكبرى 9/91".

ص: 553

ورواه الطبراني من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن المرقع به".

ورواه أبو داود والنسائي والطبراني كلهم من طريق عمر1 بن المرقع قال حدثني أبي عن جده رباح بن الربيع به".

والبيهقي من طريق أبي داود2".

ورواه الحاكم من طريق إسماعيل بن أويس ثنا عبد الرحمن3 بن أبي الزناد عن أبيه قال: "حدّثني المرقع بن صيفي عن جده رباح بن الربيع4 به".

ورواه الطبراني أيضاً من طريق موسى بن عقبة، قال:"حدثني المرقع ابن صيفي عن جده رباح بن الربيع به5".

ورواه النسائي وابن ماجه وأحمد والطحاوي وابن حبان الجميع من طريق سفيان الثوري عن أبي الزناد فقال فيه عن المرقع بن صيفي عن حنظلة6 الكاتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم7".

والحاصل أن المغيرة بن عبد الرحمن روى هذا الحديث عن أبي الزناد فقال: "عن المرقع بن صيفي عن جده رباح بن الربيع".

وتابع أبا الزناد في ذلك عمر بن المرقع وموسى بن عقبة وعبد الله ابن وهب".

ورواه سفيان الثوري عن أبي الزناد فقال عن المرقع بن صيفي عن حنظلة الكاتب.

1 عمر بن المرقع - بقاف ثقيلة مكسورة - ابن صيفي - بفتح المهملة بعدها تحتانية ساكنة ثم فاء مكسورة ثم تحتانية - التميمي الكوفي، صدوق من السابعة / د س". (التقريب 2/63، وتهذيب التهذيب 7/497) ووقع في عون المعبود 7/329 "عمرو" والصواب عمر بضم أوله، قاله ابن حجر في التقريب 2/78 وتهذيب التهذيب 8/102".

2 أبو داود: "السنن 2/49 كتاب الجهاد، باب في قتل النساء". والنسائي: "السنن الكبرى، في السير (تحفة الأشراف 3/86 حديث "3449") . والطبراني: "المعجم الكبير 5/71". البيهقي: "السنن الكبرى 9/82".

3 عبد الرحمن بن أبي الزناد، عبد الله بن ذكوان، المدني، مولى قريش صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد، وكان فقيها، من السابعة، ولى خراج المدينة، فحمد (ت 174) ./خت م عم". (التقريب1/479-480، و486 وتهذيب التهذيب 6/170-173 و207) .

4 الطبراني: "المعجم الكبير 5/70". الحاكام: "المستدرك 2/122".

5 المعجم الكبير 5/71".

6 حنظلة بن الربيع بن صيفي التميمي، يعرف بحنظلة الكاتب، تقدم حديث (163) .

7 النسائي: "السنن الكبرى (تحفة الأشراف 3/86) . وابن ماجه: "السنن 2/948 كتاب الجهاد". أحمد: "المسند 4/178". والطحاوي: "شرح معاني الآثار 3/222، وابن حبان:"موارد الظمآن ص 398".

ص: 554

وقد خطئ الثوري في ذلك لأن الحديث حديث رباح بن الربيع لا حديث حنظلة".

ولذا فقد ساق ابن ماجه حديث سفيان الثوري عن أبي الزناد عن المرقع بن صيفي عن حنظلة الكاتب".

ثم أتبعه بحديث المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد عن المرقع عن جده رباح بن الربيع".

ثم قال: "قال أبو بكر1 بن أبي شيبة: "يخطئ الثوري فيه". إهـ".

والحديث قال فيه الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي2".

قال الألباني: "حسبه أن يكون حسنا، فإن المرقع بن صيفي

لم يوثقه غير ابن حبان، لكن روى عنه جماعة من الثقات".

وقال الحافظ في "التقريب": "صدوق"3".

والحديث ليس نصا صريحا في أن قصة هذه المرأة المقتولة كانت في غزوة حنين، إنما فيه أن رباح بن الربيع كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة وأن مقدمة الجيش أصابت امرأة، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن الوليد يأمره بأن لا يقتل ذرية ولا عسيفا".

وفي لفظ: "فبعث إلى خالد بن الوليد ينهاه عن قتل النساء والولدان".

وفي لفظ: "ثم اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدا أن لا يقتل امرأة ولا عسيفا"4.

ويمكن أن تفسر هذه الغزوة الواردة في حديث رباح بن الربيع، بغزوة حنين كما جاء ذلك صريحا عند ابن إسحاق والواقدي، بحصول مثل هذه القصة لخالد بن الوليد في غزوة حنين5".

1 أبو بكر بن أبي شيبة: "هو عبد الله بن محمد".

2 المستدرك: "2/122".

3 إرواء الغليل 5/35". انظر التقريب 2/238 وتهذيب التهذيب 10/88".

4 شرح معاني الآثار 3/221و 222".

5 انظر سيرة ابن هشام 2/457-458، ومغازي الواقدي 3/912، وانظر حديث رقم (248) .

ص: 555

وقد يلحظ هذا أيضا من صنيع ابن كثير والزرقاني، حيث أوردا حديث رباح بن الربيع في غزوة حنين عند إيرادهما لحديث ابن إسحاق المصرح فيه بقصة خالد بن الوليد مع المرأة المقتولة في غزوة حنين، فكأنهما يشران إلى أن الغزوة المبهة في حديث رباح هي غزوة حنين كما جاء ذلك عند ابن إسحاق الواقدي".

وقد جزم ابن حجر بذلك1".

ما رواه ابن حبان من حديث الصعب بن جثامة الليثي وهذا سياقه:

250-

أخبرنا جعفر2 بن أحمد بن سنان القطان بواسط حدثنا العباس3 بن محمد بن حاتم حدثنا محمد4 بن عبيد حدثنا محمد5 بن عمرو عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا حمى إلا لله ولرسوله" وسألته عن أولاد المشركين أنقتلهم معهم؟ قال: "نعم فإنهم منهم، ثم نهى عن قتلهم يوم حنين" 6.

قال الهيثمي: "قلت: "هو في الصحيح7 غير النهي عن قتل الذرية.

1 انظر ص 545".

2 قال الذهبي: "جعفر بن أحمد بن سنان بن أسد الحافظ الثقة ابن الحافظ أبي جعفر القطان الواسطي (ت سنة 307هـ) . (تذكرة الحفاظ 2/752". انظر مقدمة موارد الظمآن لمحمد عبد الرزاق حمزة ص (9) .

3 العباس بن محمد بن حاتم بن واقد أبو الفضل الدوري البغدادي، خوارزمي الأصل، ثقة، حافظ من الحادية عشرة (ت271) . /عم (التقريب 1/399 وتهذيب التهذيب5/129".تاريخ بغداد12/144-146". تذكرة الحفاظ للذهبي2/579) .

4 محمد بن عبيد بن أبي أمية الطنافسي الكوفي، الأحدب ثقة يحفظ، من الحادية عشرة (ت 204)(التقريب2/188وتهذيب التهذيب9/327 وتاريخ بغداد2/365 وتذكرة الحفاظ للذهبي 1/333". وتهذيب الكمال للمزي 7/619-626) .

5 محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص اللثي المدني، صدوق له أوهام، من السادسة (ت 145) على الصحيح"./ع (التقريب 2/192 وتهذيب التهذيب 9/375 وتهذيب الكمال 7/619-626) .

وقال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال 3/673: "شيخ مشهور، حسن الحديث، أخرج له الشيخان متابعة".

6 موارد الظمآن ص 399".

7 الحديث في صحيح البخاري 3/98 كتاب المساقاة، باب لا حمى إلا لله ولرسوله "من طريق ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الصعب بن جثمامة قال:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا حمى إلا لله ولرسوله" وتمام الحديث: "وقال: "بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع، وأن عمر حمى الشرف والربذة".

قال ابن حجر: "قوله وقال بلغنا"، القائل هو ابن شهاب وهو موصول بالإسناد إليه، وهو مرسل أو معضل". (فتح الباري 5/45) .إهـ".

وهذا النقيع غير نقيع الخضمات (انظر معجم البلدان 5/301) .

ص: 556

قال ابن حجر: "هذه الزيادة1 مدرجة في حديث الصعب، وذلك بين في سنن أبي داود فإنه قال في آخره: "قال سفيان2 قال الزهري: "ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عن قتل النساء والصبيان" 3".

ويؤكد كون النهي في غزوة حنين حديث رباح بن الربيع وفيه "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحدهم: "الحق خالدا فقل لا تقتل ذرية ولا عسيفا" 4".

وخالد بن الوليد أول مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح وفي ذلك العام كانت غزوة حنين".

ثم أورد مرسل عكرمة المتقدم عند أبي داود5".

فابن حجر رحمه الله يرى أن حديث رباح بن الربيع كان في غزوة حنين كما هو واضح من كلامه".

وهذه الأحاديث تدل على النهي عن قتل الشيوخ والأطفال والنساء والأجراء الذين لا قدرة لهم على القتال ولا يد لهم فيه".

قال ابن حجر: "واتفق الجميع - كما نقل ابن بطال وغيره - على منع القصد إلى قتل النساء والولدان، أما النساء فلضعفهن، وأما الولدان فلقصورهم عن فعل الكفر، ولما في استبقائهم جميعا من الانتفاع بهم، إما بالرق، أو الفداء فيمن يجوز أن يفادى به"6.إهـ.

وهذا النهي خاص بما إذا لم يباشر هؤلاء القتال مع الكفار أو كان فيهم ذو رأي، أو تترس بهم العدو بحيث لا يمكن انفصالهم عنه، ففي هذه الحالات يجوز قتلهم وهو قول جمهور العلماء، واستدلوا على ذلك بأدلة منها:

1 يعني زيادة "ثم نهى عن قتلهم يوم حنين".

2 سفيان: "هو ابن عيينة (تهذيب التهذيب 4/118و 1/64) .

3 الحديث في سنن أبي داود 2/50 كتاب الجهاد، باب في قتل النساء".

4 الحديث تقدم برقم (249) .

5 فتح الباري 6/147-148 وانظر مرسل عكرمة حديث (246) .

6 فتح الباري 6/148".

ص: 557

1-

قوله صلى الله عليه وسلم "ما كانت هذه لتقاتل" 1 فإن مفهومه أنها لو قاتلت لجاز قتلها".

2-

قوله صلى الله عليه وسلم عندما رأى امراة مقتولة "من صاحب هذه المرأة المقتولة؟ فقال رجل منهم: "أنا يا رسول الله أردفتها فأرادت أن تقتلني فقتلتها" فلم ينكر عليه قتله ا2".

3-

حصاره صلى الله عليه وسلم لأهل الطائف ورميهم بالمنجنيق مع علمه صلى الله عليه وسلم أن فيهم الأطفال والنساء وغير ذلك".

4-

ما ورد في حديث الصعب بن جثامة الليثي قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذراري من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم فقال: "هم منهم" 3.

5-

قتل دريد بن الصمة وهو شيخ فان ولم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قاتله لما كان لدريد من المشورة والرأي في قومه4".

وبهذه الأدلة وغيرها أخذ جمهور العلماء".

وذهب مالك والأوزاعي إلى أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان بحال من الاحوال حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان أو تحصنوا بحصن أو سفينة وجعلوا معهم النساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم"5".

ودليل هذا المذهب عموم الاحاديث الوارد فيها النهي عن قتل النساء والصبيان6.

1 انظر حديث رقم (249) .

قال الباجي: "قوله (ما كانت هذه لتقاتل) إنكار رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أنه علم من حال تلك المرأة أنها لم تقاتل، ويحتمل أن يكون حمل أمرها على المعهود من حال النساء في بعدهن عن القتال".

ثم قال: "فيحتمل أن النهي عن قتل النساء والصبيان، لأنهم لا يقاتلون، ويحتمل أنهن من الأمور التي يستعان بها على العدو وينتفع بها دون مخافة منهن، فأما إن قاتلوا، فإنهم يقتلون؛ لأن العلة التي منعت من قتلهن هي عدم القتال منهن، فإذا وجد منهن وجدت علة إباحة قتلهن، لأن الحاجة داعية إلى دفع مضرتهن وإزالة منعهن الموجود في الرجال". (أوجز المسالك إلى موطأ مالك للكندهلوي 8/223 نقلا عن الباجي) .

2 انظر الحديث ص (537) .

3 البخاري: "الصحيح 4/48 كتاب الجهاد، باب أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذراري". ومسلم: "الصحيح 3/1364-1365 كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتل النساء والصبيان في البيات من غير تعمد".

4 انظر شرح معاني الآثار للطحاوي 3/224".

5 انظر فتح الباري 6/147-148".

6 ومنها أيضا ما رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر قال: "وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان"، وفي لفظ "فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان". (البخاري4/49كتاب الجهاد، باب قتل الصبيان في الحرب، وباب قتل النساء في الحرب".ومسلم:3/1364 كتاب الجهاد والسير، باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب) .

ص: 558

والراجح في هذه المسألة قول الجمهور وذلك للجمع بين الأحاديث ومتى أمكن الجمع فالمصير إليه أولى للعمل بجميع الأحاديث".

فقد ساق الطحاوي الروايات الواردة فيها النهي عن قتل النساء والصبيان ثم قال: "قال أبو جعفر: "فذهب قوم إلى أنه لا يجوز قتل النساء والولدان في دار الحرب على أي حال، وأنه لا يحل أن يقصد إلى قتل غيرهم، إذا كان لا يؤمن في ذلك تلفهم، من ذلك أن أهل الحرب إذا تترسوا بصبيانهم، فكان المسلمون لا يستطيعون رميهم إلا بإصابة صبيانهم، فحرام عليهم رميهم في قول هؤلاء". وكذلك إن تحصنوا بحصن وجعلوا فيه الولدان، فحرام علينا رمي ذلك الحصن عليهم إذا كنا نخاف من ذلك إصابة صبيانهم ونسائهم، واحتجوا بالآثار، التي روينها في صدر هذا الباب، ووافقهم آخرون على صحة هذه الآثار، وعلى تواترها، وقالوا: "وقع النهي في ذلك إلى القصد إلى قتل النساء والولدان فأما على طلب قتل غيرهم ممن لا يوصل إلى ذلك منه إلا بتلف صبيانهم ونسائهم، فلا بأس بذلك".

ثم ساق حديث الصعب بن جثامة قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل الدار من المشركين يبيتون ليلا، فيصاب من نسائهم وصبيانهم فقال: "هم منهم".

ثم قال: "قال أبو جعفر: "فلما لم ينههم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغارة، وقد كانوا يصيبون فيها الولدان والنساء الذين يحرم القصد إلى قتلهم، دل ذلك أن ما أباح في هذه الآثار، لمعنى غير المعنى الذي من أجله حظر ما حظر في الآثار الأول، وأنّ ما حظر في الآثار الأول هو القصد إلى قتل النساء والولدان، والذي أباح هو القصد إلى المشركين، وإن كان في ذلك تلف غيرهم، ممن لا يحل القصد إلى تلفه، حتى تصح هذه الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تتضاد".

وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغرة على العدو، وأغار على الآخرين في آثار عدد، قد ذكرناها في (باب الدعاء قبل القتال) 1ولم يمنعه من ذلك ما يحيط به، علمنا أنه

1 انظر شرح معاني الآثار 3/206 وما بعدها".

ص: 559

قد كان يعلم أنه لا يؤمن من تلف الولدان والنساء في ذلك ولكنه أباح ذلك لهم، لأن قصدهم كان إلى غير تلفهم، ثم قال:

فهذا يوافق المعنى الذي ذكرت مما في حديث الصعب، والنظر يدل على ذلك أيضا"1.

وقال السهيلي: "قوله صلى الله عليه وسلم "أدرك خالدا، فقل له:"إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليدا أو امرأة أو عسيفا".

وهذا منتزع من كتاب الله تعالى". لأنه يقول: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [سورة البقرة: "190] 2، فاقتضى دليل الخطاب ألا تقتل المرأة إلا أن تقاتل".

وقد أخطأ من قاس مسألة المرتدة على هذه المسألة، فإن المرتدة لا تسترق ولا تسبى كما تسبى نساء الحرب وذراريهم، فتكون مالا للمسلمين، فنهى عن قتلهن لذلك3".

وخلاصة ما تقدم من الأحاديث والآثار وأقوال أهل العلم أن من سمو تعاليم الإسلام ومحاسنه العظيمة رعايته للضعفاء والعجزة والنساء والولدان في المعارك الضارية التي تدور رحاها بين جند الله من المسلمين، وبين أعداء الله من الكافرين، ممل يؤكد لكل منصف عظمة هذا الدين وشمول تعاليمه وعالمية رسالته التي أساسها الرحمة والشفقة والهداية {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} ، [سورة الأنبياء الآية: 107] ، وإن قوما يبذلون مهجهم وأرواحهم في سبيل نصرة الحق ورفع رايته وإعلاء كلمته يلزمهم أن يضعوا هذه التعاليم الرحيمة نصب أعينهم خاصة في معترك النزال والتحام القتال، فقد

1 شرح معني الآثار 3/220 و221، و222، و223". انظر:"شرح النووي على صحيح مسلم 4/242-243".

والسنن الكبرى للبيهقي 9/78". وفتح الباري 6/147-148". وسبل السلام للصنعاني 4/49-50 ونيل الأوطار، للشوكاني 7/261-262". والفتح الرباني للساعاتي 14/62-63". عون المعبود 7/329-330". وتحفة الأحوذي 5/190-191". وأوجز المسالك 8/223-224". وفتاوى ابن تيمية 28/354".

2 سورة البقرة: "آية 190". وتمامها: {وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} .

3 الروض الأنف 7/215-216. والظاهر من قول السهيلي رحمه الله إن المرأة إذا قاتلت قتلت وأما إذا لم تباشر القتال فلا يجوز قتلها. بخلاف المرتدة فيجب قتلها مطلقا.

ص: 560

يغفل الجندي المسلم وهو في غمرة المنازلة وشدة المجالدة عن هذه الإرشادات النبوية وهذه الرحمة الخاصة في وقت يفترض فيه الشدة والقسوة والغلظة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} ، [سورة التوبة، الآية: 123] . {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} ، [سورة التوبة، من الآية: 73، وسورة التحريم، الآية: 9] .

في هذا الظرف العصيب والموقف الرهيب لا تغيب العدالة الإسلامية التي من مقتضياتها وضع الشدة في موضعها ووضع الرحمة في موضعها اللائق بها، ومن هنا يبادر الرسول صلى الله عليه وسلم بإرسال رسله إلى قواده أن يلتزموا بهذه المبادئ السامية التي شرع الجهاد في أصله لإقرارها وتثبيتها بلا تَشَفّ ولا إجحاف، وأول ما يوجه الجنود المسلمون إليه ويذكرون به هو الغزو باسم الله وفي سبيل الله والتحلي بحلية التقوى التي لا تفارق حس المجاهد المسلم ولا ينبغي أن تفرقه، وإذا كانت هذه هي الصفات الأساسية للغزو الإسلامي الراشد فلا عجب أن نجد التنصيص الصريح على منع قتل من لا شوكة له في الحرب من ضعفاء ونساء وأطفال وشيوخ ونحوهم، ولا يتأتى تطبيق هذه المعاني الرفيعة المفعمة1 بالرحمة والإنسانية في أسمى معانيها إلا للجنود المؤمنين بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، أما من عاداهم من الكفار وضعفاء اليقين فلا أحسبهم أهلا لتطبيق ذلك وما أخالهم يخطر في أذهانهم".

1 المفعمة: "الممتلئة". (القموس المحيط 4/160) .

ص: 561