المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحكم الثالث عشر: استحقاق القاتل سلب القتيل - مرويات غزوة حنين وحصار الطائف - جـ ٢

[إبراهيم بن إبراهيم قريبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف

- ‌(تابع) الباب الثاني: ملاحقة فلول المشركين والأحداث التاريخية التي أعقبت ذلك

- ‌الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف بعد المعركة

- ‌المبحث الأول: في قدوم وفد هوازن إلى الجعرانة مسلمين

- ‌المبحث الثاني: في إيفاد ثقيف جماعة منهم إلى المدينة للتفاوض

-

- ‌الباب الثالث: في بيان أبرز الأحكام المستنبطة من غزوة حنين

- ‌الحكم الأول: جواز وطء المسبية بعد الاستبراء

- ‌الحكم الثاني: وقوع العزل في أوطاس

- ‌الحكم الثالث: في مسئلة المتعة

- ‌الحكم الرابع: منع المخنثين من الدخول على النساء الأجنبيات

- ‌الحكم الخامس: في النهي عن قتل النساء والضعفاء ومن في حكمهم

- ‌الحكم السادس: العذر الذي يبيح ترك حضور صلاة الجماعة

- ‌الحكم السابع: تعليم أبي محذورة الأذان

- ‌الحكم الثامن: إقامة الحدّ في دار الحرب

- ‌الحكم التاسع: الاستعانة بالمشركين

- ‌الحكم العاشر: العارية من حيث الضمان وعدمه

- ‌الحكم الحادي عشر: قضاء الرسول في شأن محلم بن جثامة

- ‌الحكم الثاني عشر: في بيان نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم

- ‌الحكم الثالث عشر: استحقاق القاتل سلب القتيل

- ‌الحكم الرابع عشر: في بيان تحريم الغلول في الغنيمة

- ‌الحكم الخامس عشر: المؤلفة قلوبهم

- ‌الحكم السادس عشر: بعض ما يجتنبه المحرم

- ‌الحكم السابع عشر: عمرة الرسول صلى الله عليه وسلم من الجعرانة

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الحكم الثالث عشر: استحقاق القاتل سلب القتيل

‌الحكم الثالث عشر: استحقاق القاتل سلب القتيل

السلب: "بالتحريك هو ما على القتيل ومعه من سلاح وثياب ودابة وغيرها1".

وقد ورد في هذا الحكم الأحاديث الآتية:

أ- حديث أبي قتادة عند البخاري ومسلم وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري:

قال: "حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن يحيى2 بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة قال: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين، فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع، وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منا ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر فقلت:"ما بال الناس؟ قال: "أمر الله عز وجل، ثم رجعوا3، وجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من قتل قتيلا

1 انظر ص (659) .

2 يحيى بن سعيد: "هو الأنصاري تقدم التعريف برجال الإسناد في حديث (62) .

3 وعندي البخاري أيضا من طريق الليث: "ثم تراجع الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أقام بينة على قتيل قتله فله سلبه، فقمت لألتمس بينة على قتيلي، فلم أر أحداً يشهد لي، فجلست، ثم بدا لي فذكرت أمره لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل من جلسائه:"سلاح هذا القتيل الذي يذكر عندي، فأرضه منه، فقال أبو بكر: "كلا لا يعطيه أصبيغ من قريش، ويدع أسداً من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله".

قال: "فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأداه إلي، فاشتريت منه خرافا، فكان أوّل مال تأثلته في الإسلام".

ص: 648

له عليه بينة فله سلبه1، فقلت:"من يشهد لي؟ ثم جلست فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثله".

قال: "ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله، فقمت فقلت: "من يشهد لي، ثم جلست، قال ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله، فقمت، فقال:"مالك يا أبا قتادة؟ فأخبرته2، فقال رجل: "صدق، وسلبه عندي، فأرضه مني، فقال أبو بكر: "لا ها الله3 إذا لا يعمد إلى أسد

1 وعند ابن إسحاق: "فلما وضعت الحرب أوزارها وفرغنا من القوم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلا فله سلبه، فقلت:"يا رسول الله، والله لقد قتلت قتيلا ذا سلب، فأجهضني عنه القتال، فما أدري من استلبه؟ فقال رجل من أهل مكة: "صدق يا رسول الله، وسلب ذلك القتيل عندي، فأرضه عني من سلبه، فقال أبو بكر الصديق رضي اله عنه:"لا والله لا يرضيه منه، تعمد إلى أسد من أسد الله، يقاتل عن دين الله تقاسمه سلبه أردد عليه سلبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق أردد عليه سلب قتيله، قال أبو قتادة:"فأخذته منه، فبعته فاشتريت بثمنه مخرفا، فإنه لأول مال اعتقدته". (سيرة ابن هشام 2/448) .

2 وعند أبي عوانة: "فنهضت ثم جلست، فقال: "مالك يا أبا قتادة؟ فحدثته الذي كان من أمري وأنه ليست لي بينة، فقال رجل من القوم:"أنا سلبت هذا الرجل الذي يقول فأرضه يا رسول الله من سلبه". فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: "لا ترضه من سلبه أيعمد أحدكم إلى سلب رجل قتله أسد من آساد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فتأخذه ثم تقول: "أرضه يا رسول الله منه؟ لعمري لا ترضه منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صدق، فأعطه سلبه فأخذت سلبه فاشتريت به مخرطا - أو مخرفا - فإنه أول مال اتخذته من ذلك السلب".

وعند البخاري أيضا ومالك وأبي داود: "فاقتصصت عليه القصة".

وعند الواقدي: "فقام عبد الله بن أنيس فشهد لي، ثم لقيت الأسود بن الخزاعي فشهد لي، وإذا صاحبي الذي أخذ السلب لا ينكر أني قتلته - وقد قصصت على النبي صلى الله عليه وسلم القصة- فقال: "يا رسول الله سلب ذلك القتيل عندي فأرضه مني". الخ (مغازي الواقدي 3/908) .

3 قوله: "لا ها الله إذا".

قال ابن حجر: "هكذا ضبطناه في الأصول المعتمدة من الصحيحين وغيرهما بهذه الأحرف "لا ها الله إذا" فأما (لا ها الله) فقال الجوهري: "(ها) للتنبيه وقد يقسم بها يقال: "لا ها الله ما فعلت كذا".

قال ابن مالك: "فيه شاهد على جواز الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه، قالك ولا يكون ذلك إلا مع الله أي لم يسمع لا ها الرحمن كما سمع لا والرحمن". وفي النطق بها أربعة أوجه:

أحدها: " (ها الله) باللام بعد الهاء بغير إظهار شيء من الألفين".

ثانيهما: "مثله لكن بإظهار ألف واحدة بغير همز، كقولهم التقت حلقتا البطان".

ثالثها: "ثبوت الألفين بهمزة قطع".

رابعها: "بحذف الألف وثبوت همزة القطع، انتهى كلام ابن مالك".

ثم قال ابن حجر: "والمشهور في الرواية من هذه الأوجه الثالث ثم الأول".

وأما (إذا) فقد أطال ابن حجر أيضاً القول في توجيهها، وذكر أن هذا اللفظ ورد عن عدة من الصحابة ثم قال في نهاية كلامه والذي يظهر من تقدير الكلام بعد أن تقرر أن "إذا" حرف جواب وجزاء أنه كأنه قال:"إذاً والله أقول لك نعم، وكذا في النفي كأنه أجابه بقوله: "إذاً والله لا نعطيك، إذاً والله لا أشترط، إذاً والله لا ألبس، وأخر حرف الجواب في الأمثلة كلها". (فتح الباري 8/37-40) .

ص: 649

من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيعطيك سلبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"صدق فأعطه، فأعطانيه1، فابتعت2 به مخرفاً في بني سلمة، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام3".

وهذا الحديث رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وهشيم بن بشير والليث بن سعد".

ووقع في حديث الليث وحده، فقال أبو بكر: "كلا لا يعطه أصبيغ4 من قريش ويدع أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله، فقام رسول الله فأداه إلى،

1 وعند الواقدي: "قال أبو قتادة: "فأعطانيه، فقال لي حاطب بن أبي بلتعة يا أبا قتادة، أتبيع السلاح؟ فبعته منه بسبع أواق، فأتيت المدينة فاشتريت به مخرفاً في بني سلمة يقال له الرّديني، فإنه لأول مال لي نلته في الإسلام، فلم نزل نعيش منه إلى يومنا هذا". (مغازي الواقدي 3/909) .

وعند أحمد في مسنده 5/307 عن إسحاق بن عيسى بن نجيح أبي يعقوب بن الطباع، ثنا عبد الله بن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر المصري عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي قتادة الأنصاري أنه قتل رجلا من الكفار فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه ودرعه فباعه بخمس أواق".

قال الألباني: "وابن لهيعة سيء الحفظ، فلا يحتج بزيادته، ثم رأيت الحديث عند الطحاوي من طريق عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة، وحديثه عنه صحيح". (إرواء الغليل 5/53 وانظر شرح معاني الآثار 3/227) .

2 قوله: "فابتعت به مخرفاً"، ابتعت اشتريت، والمخرف:"بفتح الميم والراء ويجوز كسر الراء أي بستانا، وسمى بذلك لأنه يخترف منه الثمر أي يجتني". وأما بكسر الميم فهو اسم الآلة التي يخترف بها".

وفي رواية "خرافا" وهو بكسر أوله وهو الثمر الذي يخترف أي يجتنى وأطلق على البستان مجازا فكأنه قال بستان خراف".

وقوله: "في بني سلمة" بكسر اللام هم بطن من الأنصار وهم قوم أبي قتادة".

وقوله: "تأثلته" بمثناة ثم مثلثة أي أصلته، وأثلة كل شيء أصله".

وفي رواية ابن إسحاق "أول مال أعتقدته" أي جعلته عقدة، والأصل فيه من العقد لأن من ملك شيئا عقد عليه". (فتح الباري 8/40-41 وانظر سيرة ابن هشام 2/448-449 وشرح النووي على صحيح مسلم 4/353 وجامع الأصول لابن الأثير 8/402-403) .

3 تقدم تخريج الحديث برقم (62) .

4 قوله: "أصبيغ" قال ابن حجر: "هو بمهملة ثم معجمة عند القابسي". وبمعجمة ثم مهملة عند أبي ذر".

وقال ابن التين: "وصفه بالضعف والمهانة، والأصبيغ نوع من الطير، أو شبهه بنبات ضعيف، يقال له الصبغاء إذا طلع من الأرض يكون أول ما يلي الشمس منه أصفر، ذكر ذلك الخطابي".

وعلى هذه الرواية القابسي".

وعلى الثاني تصغير الضبع على غير قياس، كأنه لما عظم أبا قتادة بأنه أسد صغر خصمه وشبهه بالضبع لضعف افتراسه وما يوصف به من العجز".

وقال ابن مالك: "أضيبع بمعجمة وعين مهملة تصغير أضبع ويكنى به عن الضعف".

(فتح الباري 8/41 وشرح النووي على صحيح مسلم 4/353-354 وجامع الأصول لابن الأثير 8/403) .

ص: 650

فاشترت منه خرافا، فكان أوّل مال تأثلته في الإسلام1".

ب- حديث أنس بن مالك عند أبي داود الطيالسي وأحمد وأبي داود وغيرهم وهذا سياقه عند أبي داود الطيالسي:

قال: "حماد بن سلمة عن إسحاق2 بن عبد الله بن أنس قال: "جاءت هوزان يوم حنين تكثر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنساء والصبيان والإبل والغنم فانهزم المسلمون يومئذ فجعل يقول: "يا معشر المهاجرين والأنصار إني عبد الله ورسوله، يا معشر المسلمين إليّ أنا عبد الله ورسوله، فهزم المشركون من غير أن يطعن برمح أو يرمي بسهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: "من قتل مسلما فله سلبه، فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم". قال أبو قتادة:"إني حملت على رجل فضربته على حبل العاتق فأجهضت عنه وعليه درع فانظر من أخذها فقال رجل: "أنا أخذتها يا رسول الله، فأعطينيها وأرضه منها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل شيئا إلا أعطاه أو يسكت، فقال عمر3:"لا والله لا يفيئها الله على أسد من أسده، ثم يعطيكها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق عمر" 4.

قال: "ورأى أبو طلحة مع أم سليم خنجرا فقال: "ما تصنعين بهذا؟ قالت: "أريد إن دنا أحد من المشركين أن أبعج بطنه، فذكر ذلك أبو طلحة

1 وانظر ص 636 تعليقة (3) .

2 إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة".

3 قوله: "في هذا الحديث فقال عمر الخ".

وقد تقدم في حديث أبي قتادة في الصحيحين: "أن القائل أبو بكر الصديق رضي الله عنه". انظر: "حديث رقم (62) .

قال ابن كثير: "وقول عمر في هذا مستغرب والمشهور أن ذلك أبو بكر الصديق".

وقال في موضع آخر: "وقع من رواية نافع أبي غالب عن أنس أن القائل لذلك عمر ابن الخطاب فلعله قاله متابعة لأبي بكر الصديق ومساعدة وموافقة له، أو قد اشتبه على الراوي والله أعلم". (البداية والنهاية 4/327 و329) .

وقوله: "من رواية نافع أبي غالب" خطأ".

والصواب: "من رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس كما هو عند ابن كثير نفسه".

وقال ابن حجر تنبيه: "وقع في حديث أنس أن الذي خاطب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عمر أخرجه احمد من طريق حماد بن سلمة عن إسحاق بن أبي طلحة عنه،"

وهذا الإسناد قد أخرج به مسلم بعض هذا الحديث وكذلك أبو داود، لكن الراجح أن الذي قال ذلك أبو بكر كما رواه أبو قتادة وهو صاحب القصة فهو أتقن لما وقع فيها من غيره، ويحتمل الجمع بأن يكون عمر أيضا قال ذلك تقوية لقول أبي بكر". (فتح الباري 8/40 وأوجز المسالك 8/301) .

4 وعند ابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي "فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: "صدق عمر".

ص: 651

لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:" يا أم سليم إن الله قد كفى وأحسن".

قالت: "يا رسول الله اقتل من بعدنا من الطلقاء الذين انهزموا بك"1.

جـ حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم وأحمد وأبي داود وغيرهم وهذا سياقه عند مسلم قال:

حدثنا زهير بن حرب حدثنا عمر بن يونس الحنفي حدثنا حدثنا عكرمة بن عمار حدثني إياس بن سلمة، حدّثني أبي سلمة بن الأكوع، قال:"غزونا2 مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوزان، فبينا نحن نتضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه، ثم انتزع طلقاً3 من حقبة فقيد به الجمل، ثم تقدم يتغدى مع القوم، وجعل ينظر، وفينا ضعفة ورقة في الظهر وبعضنا مشاة، إذ خرج4 يشتد فأتى جمله فأطلق قيده ثم أناخه وقعد عليه فأثاره، فاشتد به الجمل، فاتبعه رجل على ناقة ورقاء".

قال سلمة: "وخرجت5، أشتد فكنت عند ورك الناقة ثم تقدمت حتى كنت

1 ما بين القوسين من مسند أحمد، وأما في مسند الطيالسي فجاءت هذه الجملة هكذا "فقالت:"يا رسول الله فأقتل هؤلاء ينهزموا بك". قال الساعاتي: "قال مصححو الكتاب هذه الجملة كلها مصحفة فليحرر".

ثم قال الساعاتي: "قلت: "جاء هذا الحديث في مسند أحمد وفيه قال: "وكانت أم سليم معها خنجر فقال أبو طلحة: "ما هذا معك؟ قالت: "اتخذته إن دنا مني بعض المشركين أن أبعج به بطنه، فقال أبو طلحة يا رسول الله ألا تسمع ما تقول أم سليم؟ قالت: "يا رسول الله اقتل من بعدنا من الطلقاء الذين انهزموا بك، قال:"إن الله قد كفانا وأحسن يا أم سليم". (مسند أحمد 3/190ومنحة المعبود والتعليق المحمود على منحة المعبود 2/109) . وتقدم الحديث برقم (47) و (60) انظر ص 116-117 و149".

2 وعند أحمد وأبي داود وابن أبي شيبة (قال: "غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوزان، قال فبينما نحن نتضحى وعامتنا مشاة وفينا ضعفة إذ جاء رجل الخ".

3 وعند أحمد "فانتزع شيئاً من حقب البعير فقيد به البعير، ثم جاء يمشي حتى قعد معنا يتغدى قال: "فنظر في القوم فإذا ظهرهم فيه قلة وأكثرهم مشاة".

وعند أحمد أيضاً". "فبينما نحن نتضحى وعامتنا مشاة، فينا ضعفة، إذ جاء رجل على جمل أحمر فانتزع طلقا على حقبه فقيد به جمله رجل شاب ثم جاء يتغدى مع القوم".

4 وعند أبي داود: "فلما رأى ضعفتهم ورقة ظهرهم خرج يعدو إلى جمله فأطلقه ثم أناخه فقعد عليه ثم خرج يركضه واتبعه رجل من أسلم على ناقة ورقاء هي أمثل ظهر القوم".

وعند أحمد: "فلما نظر إلى القوم خرج يعدو، قال فأتى بعيره فقعد عليه، قال: "فخرج يركضه، وهو طليعة للكفار فاتبعه رجل منا من أسلم على ناقة له ورقاء، قال إياس:"قال أبى فاتبعته أعدو على رجلي"

وعند ابن أبي شيبة وأحمد:"وتبعه رجل من أسلم من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم على ناقة ورقاء".

5 وعند أبي داود: "فخرجت أعدو فأدركته ورأس الناقة عند ورك الجمل، وكنت عند ورك الناقة ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل الخ".

ص: 652

عند ورك الجمل ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل1 فأنخته، فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت2 سيفي فضربت رأس الرجل فندر ثم جئت بالجمل أقوده عليه رحله وسلاحه3، فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقال:"من قتل الرجل؟ " قالوا: "ابن الأكوع، قال: "له سلبه 4 أجمع" 5.

والحديث أخرجه أحمد وابن أبي شيبة وأبو داود وأبو عوانة والطبراني والبيهقي الجميع من طريق عكرمة بن عمار به 6".

281-

حديث سلمة بن الأكوع أيضا عند البخاري وأبي داود وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري قال: "حدثنا أبو نعيم7 حدثنا أبو العميس8 عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين9 - وهو في سفر -

1 وعند أحمد "حتى أخذت بخطام الجمل فقلت له أخ فلما وضع الجمل ركبته إلى الأرض اخترطت سيفي فضربت رأسه".

وعند أبي عوانة "فأخذت بخطام الجمل فقلت: "أخ! أخ فما عدا أن وضع ركبته إلى الأرض فأضرب رأس الطليعة فندر".

2 اخترط سيفه: "أي سله وأخرجه من غمده". وقوله: "فندر" أي طار عن بدنه وسقط على الأرض". (النهاية لابن الاثير 2/23و5/35 وجامع البيان 8/399) .

3 وعند أبي داود: "فجئت براحلته وما عليها أقودها فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس مقبلا فقال: "من قتل الرجل؟ ". وعند أبي عوانة: "ثم جئت بالجمل ورحله وأداته وسيفه أقوده".

4 وعند أبي عوانة: "له السلب كله". وعند البيهقي: "له السلب أجمع". وعند ابن أبي شيبة: "فنفله سلبه"

5 صحيح مسلم 3/1374-1375 كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل.

6 مسند أحمد 4/46، و49، و51، وتاريخ ابن أبي شيبة ص 94 أ، وكنز العمال 10/354-355، ومنتخب كنز العمال 4/168 مع (مسند أحمد) ، وسنن أبي داود 2/45-46، كتاب الجهاد ن باب في الجاسوس المستأمن، ومسند أبي عوانة 4/119، و120، و124، والمعجم الكبير للطبراني 7/17، والسنن الكبرى للبيهقي 6/307". وتقدم هذا الحديث برقم (102) .

7 أبو نعيم هو الفضل بن دكين".

8 أبو العميس: "بمهملتين مصغرا هو عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي المسعودي الكوفي".

9 وعند أحمد: "جاء عين للمشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم".

قال ابن حجر: "لم أقف على اسمه ووقع في رواية عكرمة ابن عمار عن إياس، عند مسلم أن ذلك كان في غزوة هوزان، ثم قال: "وسمي الجاسوس عيناً؛ لأن جل عمله بعينه، أو لشدة اهتمامه بالرؤية واستغراقه فيها كأن جميع بدنه صار عينا". (فتح الباري 6/168) .

ص: 653

فجلس عند أصحابه يتحدث ثم انفتل1 فقال النبي صلى الله عليه وسلم "اطلبوه واقتلوه2، فقتلته، فنفله3 سلبه"4.

والحديث رواه أبو داود عن الحسن بن علي الحلواني حدثنا أو نعيم قال حدثنا أبو العميس به5".

ورواه النسائي عن أحمد بن سليمان أبو الحسين الجزري عن جعفر بن عون عن أبي العميس6".

1 وعند النسائي وأحمد وأبي عوانة من طريق جعفر بن عون عن أبي العميس "فلما طعم انسل". وفي رواية عكرمة بن عمار عند مسلم "فقيد الجمل ثم تقدم يتغدى مع القوم وجعل ينظر، وفينا ضعفة ورقة في الظهر إذ خرج يشتد".

(فتح الباري 6/168) .

2 قوله: "اطلبوه واقتلوه"، قال ابن حجر:"زاد أبو نعيم في المستخرج من طريق يحيى الحماني عن أبي العميس "أدركوه فإنه عين".

وزاد أبو داود عن الحسن بن علي عن أبي نعيم فيه "فسبقتهم إليه فقتلته". (فتح الباري 6/169) .

قلت: "وعند أحمد وأبي عوانة"من طريق جعفر بن عون عن أبي عميس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بالرجل اقتلوه فابتدره القوم وكان أبي يسبق الفرس شداً فسبقهم إليه فأخذ بخطام ناقته ثم قتله".

3 قوله: "فنفله سلبه"، قال ابن حجر:"كذا فيه، وفيه، التفات من ضمير المتكلم إلى الغيبة، وكان السياق يقتضي أن يقول فنفلني، وهي رواية أبي داود وزاد هو ومسلم من طريق عكرمة بن عمار "فاتبعه رجل من أسلم على ناقة ورقاء، فخرجت أعدو حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته فلما وضع ركبته بالأرض اخترطت سيفي، فأضرب رأسه فندر، فجئت براحلته وما عليها أقودها فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"من قتل الرجل؟ قالوا: "ابن الأكوع قال: "له أسلبه أجمع".

وترجم عليه النسائي "قتل عيون المشركين". وقد ظهر من رواية عكرمة بن عمار الباعث على قتله وأنه اطلع على عورة المسلمين وبادر ليعلم أصحابه فيغتنموا غرتهم، وكان في قتله مصلحة للمسلمين".

قال النووي: "فيه قتل الجاسوس الحربي الكافر وهو باتفاق". وأما المعاهد والذمي فقال مالك والأوزاعي: "ينتقض عهده بذلك". وعند الشافعية خلاف أما لو شرط عليه ذلك في عهده فينتقض اتفاقا". (فتح الباري 6/169 وانظر شرح النووي على صحيح مسلم 4/359) .

4 صحيح البخاري4/55 كتاب الجهاد، باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان".

5 سنن أبي داود 2/45، كتاب:"الجهاد، باب في الجاسوس المستأمن".

6 السنن الكبرى، تحفة الاشراف 4/37 (4514) .

وهذا الحديث أفرده البيهقي وكذا المزي في الأطراف والنابلسي في الذخائر عن الحديث المروي عن سلمة ابن الأكوع من طريق عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة عن سلمة ابن الأكوع". (انظر السنن الكبرى 6/307، 9/147، والأطراف للمزي 4/37 (حديث 4514) وذخائر المواريث 2/244 حديث 2195) .

ص: 654

ورواه أحمد وأبو عوانة كلاهما من طريق جعفر بن عون قال حدثنا أبو عميس به1".

ورواه أبو عوانة والطحاوي والطبراني والبيهقي كلهم من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين قال حدثنا أبو العميس به2".

هـ- حديث سلمة بن الأكوع أيضا عند ابن ماجة وأحمد وهذا سياقه عند ابن ماجة قال: حدثنا علي3 بن محمد ثنا وكيع ثنا أبو العميس وعكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: "بارزت رجلا فقتلته فنفلني رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه"4.

وفي الزوائد: "إسناده صحيح ورجاله ثقات5".

ورواه أحمد عن وكيع ثنا أبو عميس به6".

وهذه الأحاديث تدل بظاهرها على أن من قتل كافرا له عليه بينة استحق سلبه، سواء أكان ذلك السلب قليلا أم كثيرا ، وسواء أذن الإمام أو لم يأذن، كما تدل على أن السلب من أصل الغنيمة وعلى أنه لا يخمس، هذا هو الظاهر من هذه النصوص7".

وقد اختلف العلماء من هذا الحكم في مسائل أقتصر على أهمها:

الأولى: "هل القاتل يستحق سلب القتيل سواء أذن أمير الجيش أم لم يأذن وبهذا قال جمهور العلماء.

1 مسند أحمد 4/50 ومسند أبي عوانة 4/123".

2 المصدر السابق 4/122 وشرح معاني الآثار للطحاوي 3/227 والمعجم الكبير للطبراني 7/29 والسنن الكبرى للبيهقي 6/307 و9/147".

3 علي بن محمد يحتمل أن يكون هو الطنافسي، وهو ثقة، ويحتمل أن يكون ابن أبي الخصيب القرشي الكوفي وهو "صدوق ربما أخطأ" فإن كل واحد منهما شيخه وكيع وتلميذه ابن ماجة (انظر تهذيب التهذيب 7/378و379 والتقريب 2/43) وعلى كل حال فإن الحديث صحيح فقد رواه أحمد عن وكيع ثنا أبو عميس الخ".

4 سنن أبن ماجة 2/946 كتاب الجهاد ، باب المبارزة والسلب".

5 هذا الحديث أفرده أيضا المزي في الأطراف 4/41 (حديث 4529) فنسبه لابن ماجة وحده".

وقال الألباني في إرواء الغليل 5/55 وأورده البوصيري في (زوائد سنن ابن ماجة) وقال:"هذه إسناد صحيح رجاله ثقات" واسم أبي العميس عتبة بن عبد الله"، فخفي عليه أنه على شرط كل من الشيخين، وأنهما أخرجاه بأتم منه، ولولا ذلك لما أورده".

6 مسند أحمد 4/45

7 انظر: "زاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/100و494 و5/72".

ص: 655

قال النووي: "عند شرحه لحديث أبي قتادة:

اختلف العلماء في معنى هذا الحديث، فقال الشافعي والأوزاعي والليث والثوري1 وأبو ثور وأحمد وإسحاق وابن جرير وغيرهم:"يستحق القاتل سلب القتيل في جميع الحروب سواء قال أمير الجيش قبل ذلك: من قتل قتيلا فله سلبه أم لم يقل ذلك قالوا وهذه فتوى من النبي صلى الله عليه وسلم وإخبار عن حكم الشرع فلا يتوقف على أحد2".

وبوب البخاري بقوله: "باب من لم يخمس الأسلاب، ومن قتل قتيلا فله سلبه من غير أن يخمس، وحكم الإمام فيه".

ثم ساق تحت هذا الباب حديث أبي قتادة وفيه "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه"3".

قال ابن حجر: "وإلى ما تضمنته الترجمة ذهب الجمهور، وهو أن القاتل يستحق السلب سواء قال أمير الجيش قبل ذلك من قتل قتيلا فله سلبه أو لم يقل ذلك، وهو ظاهر حديث أبي قتادة".

وقالوا: "إنه فتوى من النبي صلى الله عليه وسلم وإخبار عن الحكم الشرعي4".اهـ

وساق أبو عبيد حديث أبي قتادة ثم قال: "قال أبو عبيد: فقد تبين لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم لأبي قتادة بالسلب ،من غير أن يكون نفله إياه قبل ذلك، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال: "قال بعد قتل أبي قتادة صاحبه، فهذا عندنا بين واضح: أن السلب مقضي به للقاتل بسنة ماضية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، جعله له الإمام قبل ذلك أم لم يجعله له5".اهـ.

1 في المغني لابن قدامة 8/392 وأضواء البيان للشنقيطي 2/390 ، أن الثوري معدود مع القائلين بأن القاتل لا يستحق السلب إلا أن يقول الإمام ذلك ، وهو كذلك عند القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 8/5".

2 شرح النووي على صحيح مسلم 4/351 والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/5 وزاد: "ابن المنذر وأبا عبيد".

3صحيح البخاري 4/73 كتاب فرض الخمس".

4 فتح الباري 6/247

5 كتاب الأموال ص: "437-438".

ص: 656

وقال الخرقي: "ومن قتل منا أحداً منهم مقبلاً1 على القتال فله سلبه غير مخموس، قال ذلك الإمام أو لم يقل".

قال ابن قدامة: "في هذه المسألة فصول ستة:

أحدها: "أن القاتل يستحق السلب في الجملة ولا نعلم فيه خلافا، والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم "من قتل كافرا فله سلبه".

ثم أورد حديث أبي قتادة، حديث أنس بن مالك2، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين:"من قتل قتيلا فله سلبه" قال: "فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا فاخذ أسلابهم".

وقال أيضاً الفصل السادس: "أن القاتل يستحق السلب قال ذلك الإمام أو لم يقل، وبه قال الأوزاعي والليث والشافعي وإسحاق وأبو ثور3".

وقال محمد الأمين الشنقيطي: "واحتج من قال: "باستحقاق القاتل سلب المقتول مطلقا بعموم الأدلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم، صرح بان من قتل قتيلا فله سلبه، ولم يخصص بشيء، والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، كما علم في الأصول4".

وقال الصنعاني: "عند شرحه لحديث عوف بن مالك الأشجعي أن النبي صلى الله عليه وسلم "قضى بالسلب للقاتل" 5.

1 قال محمد الأمين الشنقيطي: "والحق أنه لا يشترط في ذاك أن يكون القتل في مبارزة، ولا يكون الكافر المقتول مقبلا".

أما الدليل على عدم اشتراط كونه قتله مقبلا إليه: "فحديث سلمة بن الأكوع ثم أورد حديث سلمة في قصة قتل عين المشركين وفيه "قال سلمة: "فاتَّبعه رجل من أسلم على ناقة ورقاء، قال سلمة: "وخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة، ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته، فلما وضع ركبته على الأرض اخترطت سيفي، فضربت به رأس الرجل فندر". الحديث ثم قال:"وهو صريح في عدم اشتراط المبارزة، وعدم اشتراط قتله مقبلا، لا مدبراً كما ترى وكذلك حديث أبي قتادة يدل على عدم اشتراط المبارزة أيضاً". (أضواء البيان 2/388 وانظر سياق حديث أبي قتادة ص 636 وحديث سلمة ص 640-642، وانظر حديث (281) .

2 انظر حديث أبي قتادة ص 636 وحديث أنس ص 639".

3 المغني 8/386-387و 392".

4 أضواء البيان 2/390".

5 الحديث رواه مسلم وأبو داود وأحمد".انظر حديث رقم (283) ،وص653-655".

ص: 657

قال: "فيه دليل على أن السلب الذي يؤخذ من العدو الكافر يستحقه قاتله سواء قال الإمام قبل القتال: "من قتل قتيلا فله سلبه أو لا، وسواء كان القاتل مقبلا أو منهزما، وسواء كان ممن يستحق السهم في المغنم أو لا1، إذ قوله "قضى بالسلب للقاتل" حكم مطلق غير مقيد بشيء من الأشياء".

قال الشافعي: "وقد حفظ هذا الحكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة:

منها يوم بدر، فإنه صلى الله عليه وسلم حكم بسلب أبي جهل2 لمعاذ بن الجموح لما كان هو المؤثر في قتل أبي جهل وكذا في قتل حاطب بن أبي بلتعة لرجل يوم أحد أعطاه سلبه 3".

والأحاديث في هذا الحكم كثيرة:

وقوله صلى الله عليه وسلم في يوم حنين "من قتل قتيلا فله سلبه" بعد القتال لا ينافي هذا بل هو مقرر للحكم السابق، فإن هذا كان معلوما عند الصحابة من قبل حنين، ولذا قال عبد الله بن جحش4:"اللهم ارزقني رجلا شديدا إلى قوله: "أقتله وآخذ سلبه"5.إهـ.

وقال أبو حنيفة ومالك ومَن تابعهما لا يستحق القاتل سلب القتيل بمجرد القتل، بل هو لجميع الغانمين كسائر الغنيمة إلا أن يقول الإمام من قتل قتيلا فله سلبه".

1 كالمرأة والصبي والعبد".

2 انظر: "الحديث رقم (282) .

3 رواه الحاكم من حديث أنس بن مالك ومن طريقه أخرجه البيهقي، وفيه "أن المقتول عتبة بن أبي وقاص وأن حاطب قتله وأخذ رأسه وسلبه وفرسه وجاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه ودعا له". (المستدرك 3/300-301 والسنن الكبرى 6/308) .

4 الحديث رواه البيهقي من طريق إسحاق بن سعد بن أبي وقاص قال: "حدثني أبي أن عبد الله بن جحش قال يوم أحد ألا تأتي ندعو الله فخلوا في ناحية فدعا سعد قال: "يا رب إذا لقينا القوم غدا فلقني رجلاً شديداً بأسه شديداً حرده فأقاتله فيك ويقاتلني ثم ارزقني عليه الظفر حتى أقتله وآخذ سلبه فأمن عبد الله بن جحش ثم قال: "اللهم ارزقني غداً رجلاً شديداً حرده شديداً بأسه أقاتله فيك ويقاتلني ثم يأخذني فيجدع أنفي فإذا لقيتك غداً". قلت: "يا عبد الله فيم جدع أنفك وأذنك؟ ". فأقول فيك وفي رسولك صلى الله عليه وسلم فتقول صدقت".، قال سعد بن أبي وقاص: "يا بني كانت دعوة عبد الله بن جحش خيرا من دعوتي لقد رأيته آخر النهار وإن أذنه وأنفه معلقتان في خيط". (السنن الكبرى 6/307-308) وقال ابن حجر في الفتح 6/248: "روه الحاكم والبيهقي من حديث سعد بن أبي وقاص بإسناد صحيح".

5 سبل السلام 4/52-53".

ص: 658

إلا أنه عند مالك يكون قول الإمام من قتل قتيلا فله سلبه بعد انقضاء الحرب لأنه جعل السلب من جملة الأنفال".

ويكره للإمام أن يقول ذلك قبل انقضاء القتال لأنه يؤدي ذلك إلى صرف نيات المجاهدين لقتال الدنيا، ويجوز بعد القدرة على العدو لأنه لا محذور فيه عندئذ 1".

واستدل الحنفية والمالكية بأدلة منها:

- حديث أبي قتادة الوارد فيه "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه" 2 قالوا: "وقد دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم السلب لأبي قتادة، وغير بينة ولا يمين ولو كان يستحق السلب بمجرد القتل لطولب بالبينة على أنه قتله".

282-

حديث عبد الرحمن بن عوف المتفق عليه في قصة قتل معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء الأنصاريين لأبي جهل يوم بدر، فإن فيه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه، فقال:"أيكما قتله؟ ".

فقال كل واحد منها: "أنا قتلته، فقال: "هل مسحتما سيفيكما؟ قالا: "لا، فنظر في السيفين، فقال: "كلاكما قتله" وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح"3.

قالوا: "فتصريحه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث المتفق عليه، بأن كليهما قتله، ثم تخصيص أحدهما بسلبه، دون الآخر، صريح في أن القاتل لا يستحق السلب، إلا بقول الإمام: "أنه له، إذ لو كان استحقاقه له بمجرد القتل لما كان لمنع معاذ بن العفراء وجه، مع النبي صلى الله عليه وسلم صرح بأنه قتله مع معاذ بن عمرو، ولجعله بينهما بالسوية لاشتراكهما في قتله".

- حديث عوف بن مالك الأشجعي عند أحمد ومسلم وأبي داود وهذا سياقه عند مسلم:

1 حاشية الدسوقي 2/190-191 وأوجز المسالك إلى موطأ مالك 8/285، والهداية لبرهان الدين المرغيناني 2/149 وشرح معاني الآثار3/227، والمغني لابن قدامة 8/392 وشرح النووي على صحيح مسلم 4/351، وزاد المعاد 3/489 وفتح الباري 6/247 والمحلى لابن حزم 7/547 وأضواء البيان للشنقيطي 2/390".

2 الحديث تقدم في ص 636".

3 البخاري: "الصحيح 4/73 كتاب فرض الخمس، باب من لم يخمس الأسلاب الخ". ومسلم: الصحيح3/1372كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل".

ص: 659

283-

عن عوف بن مالك قال: "قتل رجل من حمير رجلا من العدو فأراد سلبه فمنعه خالد بن الوليد وكان واليا عليهم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال لخالد "ما منعك أن تعطيه سلبه؟ ". قال: "استكثرته يا رسول الله! قال: "ادفعه إليه" فمر خالد بن بعوف فجر بردائه1 ثم قال: "هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغضب2، فقال: "لا تعطه يا خالد لا تعطه يا خالد! هل أنتم تاركون لي أمرائي" الحديث.

وفي رواية عند مسلم أيضا عن عوف بن مالك الأشجعي قال: "خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة، في غزوة مؤتة، ورافقني مددي3 من اليمن وساق الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه غير أنه قال في الحديث: "قال عوف: "فقلت: "يا خالد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال: "بلى، ولكني استكثرته4".

قالوا: "فقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح: "لا تعطه يا خالد" دليل على أنه لم يستحق السلب بمجرد القتل، إذ لو استحقه به، لما منعه منه النبي صلى الله عليه وسلم".

284-

ما واه ابن أبي شيبة قال: "حدثنا أبو الأحوص5 عن الأسود6 بن قيس عن شبر7 بن علقمة قال: "بارزت رجلا يوم القادسية، فقتلته، وأخذت سلبه

1 فجر بردائه: "أي جذب عوف برداء خالد وتكلم عليه لمنعه من السلب".

2 فاستغضب: "بالبناء للمجهول: "أي صار رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا".

3 مددى: "يعني رجلا من المدد الذين جاؤا يمدون مؤتة ويساعدونهم".

4 صحيح مسلم 3/1373-1374 كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل، وانظر تخريج الحديث عند أبي داود وأحمد ص 653-655".

5 أبو الأحوص: "هو سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي "ثقة متقن" تقدم في حديث (27) .

6 الأسود بن قيس العبدي، ويقال العجلي الكوفي، يكنى أبا قيس، ثقة من الرابعة". /ع". (التقريب 1/76 وتهذيب التهذيب 1/341) .

7 شبر بن علقمة العبدي الكوفي. ذكره ابن حجر في الإصابة 1/163 في القسم الثالث من حرف الشين وقال: "له إدراك وشهد القادسية له رواية عن ابن مسعود، ثم أورد له هذا الحديث من طريق الأسود بن قيس وقال: "رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة".

ووقع في أضواء البيان الشنقيطي 2/392: "بشر بن علقمة" بتقديم الموحدة على المعجمة وهو خطأ، وكذا وقع في المحلى لابن حزم 3/545".

ص: 660

فأتيت به سعداً فخطب سعد أصحابه ثم قال: "هذا سلب شبر بن علقمة فهو خير من أثنى عشر ألف درهم، وإنا قد نفلناه إياه" قالوا: "فلو كان السلب للقاتل قضاء من النبي صلى الله عليه وسلم، لما أضاف الأمراء ذلك التنفيل إلى أنفسهم باجتهادهم ولأخذه القاتل دون أمرهم".

285-

ما ذكره مالك في الموطأ قال: "لم يبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل قتيلا فله سلبه" إلا يوم حنين1.

هذا أهم ما استدل به المالكية والحنفية على ما ذهبوا إليه من أن القاتل لا يستحق سلب قتيله إلا إذا قال الإمام قبل القتال من قتل قتيلا فله سلبه2.

ورد القائلون - باستحقاق السلب للقاتل مطلقا- على هذه الأدلة بما يأتي:

أ- حديث أبي قتادة، أجاب عنه ابن قدامة بقوله:"وأما أبو قتادة؛ فإن خصمه اعترف له به وصدقه فجرى مجرى البينة ولأن السلب مأخوذ من الغنيمة بغير تقدير الإمام واجتهاده فلم يفتقر إلى شرطه كالسهم3".

وأجاب القرطبي عنه بقوله: "سمعت شيخنا عبد العظيم المنذري يقول: "إنما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم أبا قتادة سلب قتيله بشهادة الأسود4 بن خزاعى وعبد الله5 بن أنيس، وعلى هذا يندفع النزاع، ويزول الإشكال ويطرد الحكم6".إهـ.

1 موطّأ مالك 2/455 كتاب الجهاد، باب ما جاء في السلب في النفل". وانظر:"هذه الأدلة في شرح معاني الآثار للطحاوي 3/227 والمغني لابن قدامة 8/393، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/6-7، ونصب الراية للزيلعي 3/431-434، وفتح الباري لابن حجر6/247-248، وأضواء البيان للشنقيطي 2/390-393، والمحلى لابن حزم 3/547-553، والأم 4/67-68".

2 إلا أن هذا القول عند مالك رحمه الله يكون بعد انقضاء الحرب، كما تقدم في ص 647".

3 المغني 8/393و396".

4 الأسود بن خزاعى الأسلمي حليف بني سلمة من الأنصار".

قال ابن حجر: "ذكره موسى بن عقبة عن الزهري فيمن قتل ابن أبي الحقيق، وسماه ابن إسحاق: "خزاعي بن الأسود وكذلك معمر عن الزهري، وذكر الواقدي أنه شهد لأبي قتادة بسلب قتيله يوم حنين". (الإصابة 1/42-43) .

5 عبد الله بن أنيس الجهني أبو يحيى المدني حليف بني سلمة من الأنصار بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن نبيح الهذلي فقتله". (الإصابة 1/42-43 و2/278-279 ومغازي الواقدي 3/908) .

6 الجامع لأحكام القرآن 8/9 وقال: "وأما المالكية؛ فيخرج على قولهم أنه لا يحتاج الإمام فيه إلى بينة، لأنه من الإمام ابتداء عطية فإن شرط الشهادة كان له، وإن لم يشترط جاز أن يعطيه من غير شهادة، وانظر: أضواء البيان للشنقيطي2/397".

ص: 661

ب- حديث عبد الرحمن بن عوف في قصة قتل أبي جهل".

قال الزيلعي: "أجاب عنه البيهقي في "المعرفة" بقوله: "وهذا حجة لهم فيه، فإن غنيمة بدر كانت للنبي صلى الله عليه وسلم بنص الكتاب يعطي منها من يشاء، وقد قسم لجماعة لم يشهدوا، ثم نزلت الآية في الغنيمة بعد بدر، وقضى عليه السلام بالسلب للقاتل، واستقر الأمر على ذلك، ويجوز أن يكون أحدهما أثخنه، والثاني جرحه بعد، فقضى بسلبه للأوّل1".إهـ".

وأجاب ابن حزم بقوله: "قال: "أبو محمد: "ولا حجة لهم في هذا كله، وأين يوم بدر من يوم حنين وبينهما أعوام؟ وما نزل حكم الغنائم إلا بعد يوم بدر فكيف يكون السلب للقاتل2".

وقال ابن حجر: "أجاب الجمهور عن هذا الحديث بأن في سياق دلالة على أن السلب يستحقه من أثخن في القتل ولو شاركه غيره في الضرب أو الطعن".

قال المهلب3: "نظره صلى الله عليه وسلم في السيفين واستلاله لهما هو ليرى ما بلغ الدم من سيفيهما ومقدار العمق دخولهما في جسم المقتول ليحكم بالسلب لمن كان في ذلك أبلغ، ولذلك سألهما أولا هل مسحتما سيفيكما أم لا؟ لأنهما لو مسحاهما لما تبين المراد من ذلك وإنما قال: "كلاكما قتله" وإن كان أحدهما هو الذي أثخنه ليطيب نفس الآخر".

وقال الإسماعيلي 4: "أقول إن الأنصاريين ضرباه فأثخناه5 وبلغا به المبلغ الذي يعلم معه أنه لا يجوز بقاؤه على تلك الحال إلا قدر ما يطفأ، وقد دل قوله: "كلاكما قتله" على أن كلا منهما وصل إلى قطع الحشوة6 إبانتها أو بما يعلم أن عمل كل من سيفيهما كعمل الآخر، غير أن أحدهما سبق بالضرب فصار في حكم المثبت

1 نصب الراية 3/432".

2 المحلى 7/550".

3 هو القاضي أبو القاسم المهلب بن أحمد بن أبي صفرة التميمي الفقيه الحافظ المحدث العالم المتفنن، شرح البخاري واختصره اختصارا مشهورا وله تعليق على البخاري حسن، (مات سنة 435أو 436) . (شجرة النور الزكية في طبقات المالكية ص 114 ومقدمة البخاري 1/127) .

4 هو الإمام الحافظ الثبت شيخ الإسلام أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي الجرجاني، له تخريج على صحيح البخاري، ولد عام 277 ومات سنة 371هـ". (تذكرة الحفاظ للذهبي 3/947-951) .

5 أثخناه: "أي أثقلاه بالجراح". (النهاية 1/208) .

6 الحشوة: "بالضم والكسر: "الأمعاء". (المصدر السابق 1/392) .

ص: 662

لجراحه حتى وقعت به ضربة الثاني فاشتركا في االقتل، إلا أن أحدهما قتله وهو ممتنع والآخر قتله وهو مثبت فلذلك قضى بالسلب للسابق إلى إثخانه1".

جـ وأما حديث عوف بن مالك الأشجعي في قصته مع خالد بن الوليد، فأجاب الخطابي عنه بقوله:"إنما منع عليه السلام خالدا في الثانية أن يرد على عوف سلبه زجرا لعوف، لئلا يتجرأ الناس على الأئمة، لأن خالدا كان مجتهدا في صنعه، لما رأى فيه من المصلحة، فأمضى عليه السلام اجتهاده، واليسير من الضرر يحتمل الكثير من النفع، قال: "ويشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد عوض المددى من الخمس الذي هو له وترضى خالدا بالنصح له والتسليم الحكم له في السلب 2".

وأجاب عنه ابن حزم بقوله:

قال أبو محمد: "لا حجة لهم في هذا، بل هو حجة عليهم لوجوه:

أوّلها: "أن فيه نصا جليا أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل وهذا قولنا".

وثانيها: "أنه عليه السلام أمر خالدا بالرد عليه".

وثالثها: "أن في نصه أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بأن لا يرد عليه، لأنه علم أن القاتل صاحب السلب أعطاه بطيب نفس ولم يطلب خالدا به، وأن عوفاً يتكلم فيما لا حق له فيه وهذا هو نص الخبر".

ورابعها: "أنه لو كان كما يوهمون لما كان لهم فيه حجة، لأن يوم حنين الذي قال فيه عليه السلام "من قتل كافرا فله سلبه" كان بعد يوم مؤتة3 بلا خلاف". ويوم حنين كان بعد فتح مكة"

فيوم حنين حكمه ناسخ لما تقدم لو كان خلافه4".

د- وأما حديث شبر بن علقمة وقول سعد بن أبي وقاص إنا قد نفلناه إياه فأجاب عنه ابن قدامة بقوله: "أما خبر شبر فإنما أنفذ له سعد ما قضى له به رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماه نفلا لأنه في الحقيقة نفل لأنه زيادة على سهمه5".

1 فتح الباري 6/248 وشرح النووي على صحيح مسلم 4/355".

2 الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي ص225 ونصب الراية للزيلعي 3/432".

3 كانت غزوة مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة". (سيرة ابن هشام 2/373) .

4 المحلى 7/549، ومعنى قوله (لو كان خلافه) يعني أنه لو سلم لهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع القاتل سلب قتيله، لكان ما قاله عليه السلام يوم حنين ناسخا لما كان في غزوة مؤتة".

5 المغني 8/393".

ص: 663

هـ- وأما قول مالك: "بم يبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل قتيلا فله سلبه إلا يوم حنين".

فأجاب عنه ابن حجر بقوله: "وأجاب الشافعي وغيره بأن ذلك حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم في مواطن:

منها: "يوم بدر، كما في قصة أبي جهل".

ومنها: "حديث حاطب بن أبي بلتعة في قتله رجلا يوم أحد فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه".

ومنها: "حديث عوف بن مالك في قصة قتل المددي رجلا من العدو".

ومنها: "قصة عبد الله بن جحش وسعد بن أبي وقاص في دعائهما يوم أحد وقول سعد: "اللهم ارزقني رجلا شديدا أقتله وآخذ سلبه، وغير ذلك من المواطن التي ورد فيها لفظ السلب قبل غزوة حنين".

وأجاب ابن حجر أيضا بقوله: فإن أراد مالك أن ابتداء هذا الحكم كان يوم حنين فهو مردود، لكن على غير مالك ممن منعه فإن مالكا إنما نفى البلاغ، وقد ثبت في سنن أبي داود عن عوف بن مالك أنه قال لخالد بن الوليد في غزوة مؤتة:"إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل" وكانت مؤتة قبل حنين بالاتفاق1.اهـ.

وقال بن حزم: "وقال بعضهم: "لم يقل ذلك2 رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ يوم حنين".

قال أبو محمد: "فكان هذا عجبا، نعم، فهبك أنه لم يقله عليه السلام قط إلا مرة يومئذ، أو قاله قبل وبعد، أترى أنهم يجدون في أنفسهم حرجا مما قضى به مرة أو يرونه باطلا حتى يكرر القضاء به؟..".

فلا فرق بين ما قاله مرة، أو ألف ألف مرة، كله دين وكله حق، كله حكم الله تعالى، وكله لا يحل لأحد خلافه"3.

المسألة الثانية: "من مسائل هذا الحكم: تخميس السلب، وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال: "

القول الأول: "أن السلب لا يخمس قلَّ أم كثر".

1 فتح الباري 6/169 و247-248، والأم للشافعي 4/66/68 وسبل السلام للصنعاني 4/52-53 وانظر ص (646) وحديث (282) و (283) .

2 يعني (من قتل قتيلا فله سلبه) .

3 المحلى 7/547".

ص: 664

قال ابن قدامة: "روي ذلك عن سعد بن أبي وقاص، وبه قال الشافعي وابن المنذر وابن جرير1".اهـ.

وقال النووي: "واختلفوا في تخميس السلب، وللشافعي فيه قولان:

الصحيح منها عند أصحابه، لا يخمس وهو ظاهر الأحاديث وبه قال: أحمد وابن جرير وابن المنذر وآخرون2".اهـ".

وقال أبو عبيد: "وفي النفل3 الذي ينفله الإمام سنن أربع، لكل واحدة منهن موضع غير موضع الأخرى".

فإحداهن: "في النفل الذي لا خمس فيه".

والثانية: "في النفل الذي يكون من الغنيمة بعد إخراج الخمس".

والثالثة: "في النفل الذي يكون من الخمس نفسه".

والرابعة: "في النفل من جملة الغنيمة قبل أن يخمس منها شيء".

فأما الذي لا خمس فيه فإنه السلب، وذلك أن ينفرد الرجل بقتل المشرك فيكون له سلبه مسلما من غير أن يخمس أو يشركه فيه أحد من أهل العسكر4".

وقال ابن حزم: "وكل من قتل قتيلا من المشركين فله سلبه قال ذلك الإمام أو لم يقله، كيف ما قتله صبراً، أو في القتال، ولا يخمس السلب قلّ أو كثر"5.

وقال ابن قيم الجوزية: حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالسلب كله للقاتل ولم يخمسه، ولم يحعله من الخمس، بل من أصل الغنيمة، وهذا حكمه وقضاؤه"6".اهـ.

وأدلة هذا القول الأحاديث المتقدمة مثل حديث أبي قتادة: "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه".

وحديث سلمة بن الأكوع في قتله طليعة المشركين، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم من قتل الرجل فقالوا:"سلمة بن الأكوع، فقال صلى الله عليه وسلم: "له سلبه أجمع".

1 المغني لابن قدامة 8/391".

2 شرح النووي على صحيح مسلم 4/352".

3 تقدم بيان النفل في ص 353".

4 كتاب الأموال ص 430".

5 المحلى 7/544

6 زاد المعاد 5/72و3/493-494".

ص: 665

وحديث أنس بن مالك "أن أبا طلحة قتل عشرين رجلا يوم حنين وأخد أسلابهم"1 ".

وساق القرطبي في تفسيره حديث عوف بن مالك الذي رواه مسلم، ثم قال:"وأخرجه أبو بكر2 البرقاني بإسناده الذي أخرجه به مسلم، وزاد بيانا أن عوف بن مالك، قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يخمس السلب"3.

وروى الإمام أحمد فقال: "حدثنا أبو المغيرة4 قال ثنا صفوان5 بن عمرو قال: "حدثني عبد الرحمن6 بن جبير بن نفير عن أبيه7 عن عوف ابن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب".

ورواه من هذه الطريق أيضا مطولا".

ورواه أيضا عن الوليد بن مسلم قال حدثني صفوان بن عمرو به مطولا أيضا 8".

وأخرجه أبو داود من طريق أحمد الأخيرة".

1 تقدم هذه الأحاديث في ص 636-637 و640-642".

2 هو الإمام الحافظ شيخ الفقهاء والمحدثين أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي البرقاني الشافعي شيخ بغداد، صنف التصانيف وخرج على الصحيحين، حدث عنه البيهقي والخطيب البغدادي وغيرهم".

قال الخطيب: "كان ثقة ورعاً ثبتا لم نر في شيوخنا أثبت منه، عارفا بالفقه له حظ من علم العربية كثير، صنف مسندا ضمنه ما اشتمل عليه صحيح البخاري ومسلم، ولد سنة 336 ومات ببغداد سنة425 هـ". (تذكرة الحفاظ للذهبي 3/1074-1076 وتاريخ بغداد 4/373-376) .

3 الجامع لأحكام القرآن 8/7-8، وأضواء البيان للشنقيطي 2/394-395".

4 هو عبد القدوس بن الحجاج الخولاني، أبو المغيرة الحمصي، ثقة، من التاسعة (ت 212) ./ع". (التقريب 1/515 وتهذيب التهذيب 6/369) .

5 صفوان بن عمرو بن هرم السكسكي، أبو عمرو الحمصي، ثقة من الخامسة (ت155أو بعدها) .بخ م عم (التقريب1/368،وتهذيب التهذيب4/228-229) .

6 عبد الرحمن بن جبير بجيم وموحدة مصغرا ابن نفير بنون وفاء مصغرا الحضرمي الحمصي، ثقة من الرابعة (ت 118) . بخ م عم". (التقريب 1/475 وتهذيب التهذيب 6/154 وقد سقط من تهذيب التهذيب علامة من أخرج له) .

7 هو جبير بن نفير بن مالك بن عامر الحضرمي، الحمصي، ثقة جليل، من الثانية مخضرم، ولأبيه صحبة فكأنه هو ما وفد إلا في عهد عمر (ت80 وقيل بعدها) . بخ م". عم". (التقريب 1/126 وتهذيب التهذيب 2/64-65) .

8 المسند 6/26و27-28".

ص: 666

ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي 1".

وأخرجه أبو داود أيضا مختصرا من طريق إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف ن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل ولم يخمس السلب" 2.

ورواه ابن الجارود من طريق أبي المغيرة قال ثنا صفوان بن عمرو به ولفظه "عن عوف بن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب"3.

رواه الطحاوي من طريق الوليد بن مسلم قال: "ثنا صفوان بن عمرو به ولفظه "عن عوف بن مالك الأشجعي قال: "قلت لخالد بن الوليد يوم مؤتة ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب؟ قال: "بلى" 4.

ورواه البيهقي أيضا من طريق الوليد بن مسلم عن صفوان بن عمرو به5".

ولمسلم من طريق الوليد بن مسلم حدثنا صفوان بن عمرو به بلفظ "قال عوف: "فقلت: "يا خالد! أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال: "بلى، ولكني استكثرته" 6.

والحديث صحيح وهو نص في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب".

القول الثاني: "أن السلب يخمس مطلقاً".

قال ابن قدامة: "وهو قول ابن عباس والأوزاعي ومكحول7".

ونسبه النووي أيضا لمالك وقال: "وهو قول ضعيف للشافعي".

1 السنن الكبرى 6/310".

2 سنن أبي داود 2/65و66 كتاب الجهاد، باب في السلب لا يخمس".

3 المنتقى ص 361".

4 شرح معاني الآثار 3/226".

5 السنن الكبرى 6/310 وانظر إرواء الغليل 5/55-57".

6 تقدم الحديث برقم (283) .

7 المغني 8/391.

ص: 667

ثم قال: "وعن مالك رواية اختارها إسماعيل القاضي1 أن الإمام بالخيار إن شاء خمسه وإلا فلا2".

واستدل من قال بأن السلب يخمس بعموم قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [سورة الأنفال، من الآية:41] .ولم يستثن شيئا".

ورد الجمهور على هذا الدليل بقوله صلى الله عليه وسلم "من قتل قتيلا فله سلبه" وبغير ذلك من الأحاديث القاضية بأن السلب للقاتل، وهي مخصصة لعموم الآية 3".

القول الثالث: "أن السلب إن كان كثيرا خمس، وإلا فلا".

وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإسحاق بن راهويه ودليل هذا القول هو ما رواه سعيد بن منصور في "سننه".

286-

عن ابن سيرين4 أن البراء بن مالك5 بارز مرزبان6 الزارة7

1 هو أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد الأزدي مولاهم البصري، ثم البغدادي المالكي، الحافظ شيخ الإسلام صاحب التصانيف وشيخ مالكية العراق وعالمهم".

قال الخطيب: "كان عالما متقنا فقيها شرح مذهب مالك واحتج له، وصنف المسند، وصنف في علوم القرآن، وجمع حديث أيوب وحديث مالك".

قال الذهبي: "وصنف الموطأ، وصنف كتابا حافلا نحو مائتي جزء في الرد على محمد تبن الحسن لم يتمه، (ولد سنة 179 ومات سنة 282) . (تذكرة الحفاظ للذهبي 2/625-626 وتاريخ بغداد 6/284) .

2 المغني لابن قدامة 8/390-391 وشرح النووي على صحيح مسلم 4/352 وفتح الباري 6/247 وأضواء البيان للشنقيطي 2/394و395، وزاد المعاد 3/494".

3 المغني لابن قدامة 8/390-391 وشرح النووي على صحيح مسلم 4/352 وفتح الباري 6/247 وأضواء البيان الشنقيطي 2/394و395، وزاد المعاد 3/494".

4 هو محمد بن سيرين الأنصاري، أبو بكر بن أبي عمرة البصري، ثقة ثبت عابد كبير القدر، كان لا يرى الرواية بالمعنى، من الثالثة (ت 110) . /ع". (التقريب 2/169 وتهذيب التهذيب 9/214) .

5 البراء بن مالك بن النضر، الأنصاري، أخو أنس بن مالك لأبيه وأمه، وأمهما أم سليم، قال أبو حاتم:"أخوه لأبيه، كان شجاعا مقداما شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بدرا، وهو الذي فتح حديقة مسيلمة التي تحصن فيها هو وجنده يوم اليمامة، واستشهد البراء يوم حصن تستر في خلافة عمر بن الخطاب سنة عشرين وقيل توفي سنة 23". (أسد الغابة 1/206 والإصابة 1/143 والاستيعاب 1/137 مع الإصابة) .

6 في القاموس المحيط1/73:والمرزبة كمرحلة رياسة الفرس وهو مرزبانهم بضم الزاي".

7 الزارة: "بالزاي وفتح الراء المخففة، وقال أبو منصور: "عين الزارة بالبحرين معروفة، والزارة قرية كبيرة بها، ومنها مرزبان الزارة، وله ذكر في الفتوح، وفتحت الزارة في سنة 12هـ في أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه وصولحوا".

قال أبو أحمد العسكري: "الخط والزارة والقطيف قرى بالبحرين وهجر".

(معجم البلدان لياقوت 3/126) .

ص: 668

بالبحرين، فطعنه فدق صلبه، وأخذسواريه1 وسلبه، فلما صلى عمر الظهر، أتى أبا طلحة في داره، فقال:"إنا كنا لا نخمس السلب، وإن سلب البراء قد بلغ مالا وأنا خامسه فكان أوّل سلب خمس في الإسلام، سلب البراء، وبلغ ثلاثين ألفا"2.

والحديث نسبه ابن حزم أيضاً لابن أبي شيبة قال: "حدثنا عبد الرحيم3 بن سليمان عن هشام4 بن حسان عن محمد بن سيرين عن أنس ابن مالك قال: "كان السلب لا يخمس وكان أول سلب خمس في الإسلام سلب البراء بن مالك، وكان قتل مرزبان الزارة وقطع منطقته وسواريه، فلما قدمن المدينة صلى عمر الصبح، ثم أتانا فقال:"السلام عليكم أثم أبو طلحة؟ فقالوا: "نعم، فخرج إليه فقال عمر:"إنا كنا لا نخمس السلب وإن سلب البراء مال وغني خامسه، فدعا المقومين فقوموا ثلاثين ألفا، فأخذ منها ستة آلاف5".

والحديث أخرجه الطحاوي من طريق سفيان عن أيوب عن ابن سيرين عن أنس بن مالك به6".

ورواه البيهقي من طريق عبد الله بن المبارك عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك به".

ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أنس ابن مالك به7".

1 السوار: "بكسر السين وضمها هو ما يتحلى به النساء في أيديهن". (النهاية 2/420 والقاموس 2/53 وهدي الساري مقدمة فتح الباري ص 135) .

2 المغني لابن قدامة 8/391-392 وزاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/394".

3 عبد الرحيم بن سليمان الكناني، أبو الطائي، أبو علي الأشل، المروزي نزيل الكوفة ثقة له تصانيف، من صغار الثامنة، (ت 187) . /ع". (التقريب 1/504 وتهذيب التهذيب 6/306) .

4 هشام بن حسان الأزدي القردوسي - بضم القاف والدال- أبو عبد الله البصري، ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين، في روايته عن الحسن وعطاء مقال، لأنه قيل كان يرسل عنهما، من السادسة (ت147-148) . /ع". (التقريب2/318 وتهذيب التهذيب 11/34) .

5 المحلى لابن حزم 7/545-546".

6 شرح معاني الآثار 3/229".

7 السنن الكبرى 6/310-311، وانظر إرواء الغليل 5/57-58".

ص: 669

ورد هذا الحديث ابن قدامة بقوله: "ولنا ما روى عوف بن مالك وخالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل ولم يخمس السلب".

وعموم الأخبار التي ذكرناها، وخبر عمر بن الخطاب حجة لنا فإنه قال:"إنا كنا لا نخمس، وقول الراوي كان أول سلب خمس في الإسلام، يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر صدرا من خلافته لم يخمسوا سلبا واتباع ذلك أولى".

قال الجوزجاني1: "لا أظنه يجوز لأحد في شيء سبق فيه من الرسول صلى الله عليه وسلم شيء إلا اتباعه ولا حجة في قول أحد مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم2".

ثم قال ابن قدامة: "وما ذكرناه يصلح أن يخصص به عموم الآية".

وإذا ثبت هذا: "فإن السلب من أصل الغنيمة، وقال مالك: "هو من خمس الخمس".

ولنا: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل مطلقا ولم ينقل عنه أنه احتسب به من الخمس، ولأنه لو احتسب به من خمس الخمس احتيج إلى معرفة قيمته وقدره ولم ينقل ذلك، ولأن سببه لا يفتقر إلى اجتهاد الإمام فلم يكن من خمس الخمس كسهم الفارس والراجل 3".إهـ.

وقال ابن قيم الجوزية: "قوله صلى الله عليه وسلم "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه" دليل على أن له سلبه كله غير مخمس، وقد صرح بهذا في قوله لسلمة بن الأكوع لما قتل قتيلا: "له سلبه أجمع".

وفي المسألة ثلاثة مذاهب، هذا أحدها.

1 الجوزجاني: "هو إبراهيم بن يعقوب السعدي "ثقة حافظ".

2 أقول إن ما عمله عمر بن الخطاب رضي الله عنه من تخميس سلب البراء بن مالك يمكن القول به لأنه راعى فيه المصلحة العامة، وليس فيه مخالفة لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يكن خافيا على عمر رضي الله عنه، لأنه قال:"إنا كنا لا نخمس السلب وإن سلب البراء قد بلغ ما لا وأنا خامسه".

فعمر رضي الله عنه نظر هنا إلى كثرة هذا السلب، ورأى بفهمه الثاقب وفقهه العميق لمقاصد الشريعة أن فيه حقا لبيت مال المسلمين، فلو ذهب إلى هذا النظر إمام من أئمة المسلمين لكان له فيه سند وسلف من عمر رضي الله عنه". والله أعلم.

3 المغني لابن قدامة 8/391-392 وأضواء البيان للشنقيطي 2/396".

ص: 670

والثاني: "أنه يخمس كالغنيمة، وهذا قول الأوزاعي وأهل الشام، وهو مذهب ابن عباس لدخوله في آية الغنيمة".

والثالث: "أن الإمام إن استكثره خمسه، وإن استقله لم يخمسه وهو قول إسحاق وفعله عمر بن الخطاب".

ثم أورد حديث ابن سيرين في قصة تخميس عمر بن الخطاب سلب البراء بن مالك".

ثم قال: "والأوّل: "أصح، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب وقال:"هو له أجمع، ومضت على ذلك سنته وسنة الصديق بعده، وما رآه عمر اجتهاد منه أداه إليه رأيه، ثم قال: "والحديث يدل على أنه من أصل الغنيمة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قضى به للقاتل، ولم ينظر في قيمته، وقدره، واعتبار خروجه من خمس الخمس1".إهـ.

المسألة الثالثة: من مسائل هذا الحكم ما هو سلب؟

قال ابن قدامة: "السلب هو ما كان القتيل لابسا له من ثياب وعمامة وقلنسوة2 ومنطقة3 ودرع ومغفر وبيضة وتاج وأسورةوران4 وخف بما في ذلك من حلية ونحو ذلك؛ لأن المفهوم من السلب اللباس، وكذلك السلاح من السيف والرمح والسكين ونحوه؛ لأنه يستعين به في قتاله فهو أولى بالأخذ من اللباس، وكذلك الدابة لأنه يستعين بها فهي كالسلاح وأبلغ منه، ولذلك استحق بها زيادة السهمان بخلاف السلاح، فأما المال الذي معه في كمراته وخريطته فليس بسلب؛ لأنه ليس من الملبوس ولا مما يستعين به الحرب، وكذلك رحله وأثاثه وما ليست يده عليه من ماله ليس من سلبه، وبهذا قال الأوزاعي ومكحول والشافعي".

1 زاد المعاد 3/493-494 و5/72".

2 قلنسوة: "بفتح أوله وضم السين المفتوحة: "ما يوضع على الرأس". (القاموس المحيط 2/242، وهدي الساري مقدمة فتح الباري ص 175".

3 منطقة: "بكسر أوله ما يشد به الرجل على وسطه".

المغفر: "كمنبر: "يلبس في الرأس تحت القلنسوة".

والبيضة: "من حديد تلبس في الرأس في الحرب". (القاموس المحيط 2/103و325و3/285 وهدي الساري ص 91) .

4 الران: "كالخف إلا أنه لا قدم له وهو أطول من الخلف". (القاموس 4/230) .

ص: 671

إلا أن الشافعي قال: "ما لا يحتاج إليه في الحرب كالتاج والسوار والطوق والهيمان1 الذي للنفقة ليس من السلب في أحد القولين لأنه مما لا يستعان به في الحرب فأشبه المال الذي في خريطته".

ثم قال ابن قدامة أيضا: "وإذا ثبت هذا فإن الدابة وما عليها من سرجها ولجامها وتجفيفها2 وحلية إن كانت عليها وجميع آلاتها من السلب لأنه تابع لها ويستعان به في الحرب".

وإنما يكون السلب إذا كان راكبا عليها، وإن كانت في منزله أو مع غيره أو منفلتة لم يكن من السلب كالسلاح الذي ليس معه وإن كان راكبا عليها فصرعه عنها أو أشعره عليها ثم قتله بعد نزوله عنها فهي من السلب، وهكذا قول الأوزاعي".

وإن كان ممسكا بعنانها غير راكب عليها فعن أحمد فيها روايتان:

إحداهما: "من السلب وهو قول الشافعي لأنه متمكن من القتال عليها فأشبهت سيفه أو رمحه في يده".

والثانية: "ليست من السلب وهو ظاهر كلام الخرقي3 واختيار الخلال4؛ لأنه ليس براكب عليها فأشبه ما لو كانت مع غلامه5".

وقال برهان الدين المرغيناني: "والسلب ما على المقتول من ثيابه وسلاحه ومركبه، وكذا ما كان على مركبه من السرج والآلة، وكذا ما معه على الدابة من ماله في حقيبته أو على وسطه، وما عدا ذلك فليس بسلب6".

وقال الدسوقي: "والسلب هو ما اعتيد وجوده مع المقتول حال الحرب كدابته المركوبة له أو الممسوكة بيده أو يد غلامه للقتال وسرجه ودرعه وسلاحه ومنطقته

1 الهيمان: "بكسر شداد السراويل ووعاء الدراهم". (القاموس المحيط 4/404) .

2 التجفاف: "آلة للحرب يلبسه الفرس والإنسان ليقيه في الحرب". (القاموس المحيط 3/124) .

3 هو عمر بن الحسين أبو القاسم الخرقي تقدم في حديث (262) .

4 الخلال: "هو أحمد بن محمد بن هارون، أبو بكر المعروف بالخلال له التصانيف الدائرة، والكتب السائرة، من ذلك الجامع في الفقه الحنبلي والعلل والسنة والطبقات وغير ذلك، مات سنة 311هـ". (طبقات الحنابلة للقاضي أبي يعلى 2/12-15 وتذكرة الحفاظ للذهبي 3/785-786) .

5 المغني لابن قدامة 8/394و395-396 والأم للشافعي 4/67".

6 الهداية 2/149".

ص: 672

وما فيها من حلي وثيابه التي عليه". لا سوار وصليب وعين ذهب أو فضة ودابة غير مركوبة ولا ممسوكة للقتال بل جنيب أمامه بيد غلامه للافتخار فلا يكون للقتال لأنها من غير المعتاد، وله المعتاد1".

وقال ابن حزم: "والسلب: "فرس المقتول وسرجه، ولجامه، وكل ما عليه من لباس، وحلية، ومهاميز2، وكل ما معه من سلاح، وكل ما معه من مال في نطاقه أو في يده، أو كيفما كان معه3".

وبعد عرض مذاهب العلماء فيما هو المراد بالسلب، فإن الظاهر في هذا هو ما ذهب إليه ابن حزم رحمه الله تعالى، لأن الأحاديث الواردة في ذلك عامة ولم تخصص شيئا دون شيء، ففي حديث أبي قتادة "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه".

وفي حديث سلمة بن الأكوع "من قتل الرجل قالوا: "سلمة بن الأكوع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "له سلبه أجمع".

وفي لفظ: "فنفلني رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه".

وفي حديث أنس بن مالك: "أن أبا طلحة قتل عشرين رجلا يوم حنين وأخذ أسلابهم".

وهذه النصوص عامة كما ترى".

وفي حديث البراء بن مالك: "أنه بارز مرزبان الزارة بالبحرين، فطعنه فدق صلبه وأخذ سواريه وسلبه" الحديث".

وفيه أن عمر بن الخطاب خمسه وكان قد بلغ ثلاثين ألفا دفع بقيته إلى البراء4".

وفي حديث عوف بن مالك الأشجعي في قصته قتل المددي لرجل من الروم

1 حاشية الدسوقي 2/191".

2 المهاميز: "عصى، واحدتها مهمزة وهي عصا في رأسها حديدة ينخس بها الحمار، والمهمزة أيضا: "المقرعة". (لسان العرب 7/292، والقاموس المحيط 2/196) .

3 المحلى لابن حزم 7/546".

4 تقدم الحديث برقم (286) .

ص: 673

وكان الرومي على فرس له عليه سرج مذهب وسلاح مذهب فجعل الرومي يفري بالمسلمين، فقعد له المددي خلف صخرة فمر به الرومي فعقرب فرسه فخر وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه، فلما فتح الله عز وجل للمسلمين بعث إليه خالد بن الوليد فأخذ من السلب".

قال عوف فأتيته فقلت: "يا خالد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟

قال: "بلى، ولكنني استكثرته" الحديث1.

المسألة الرابعة: من مسائل هذا الحكم من هو المقتول الذي يستحق قاتله أخذ سلبه.

قال ابن قدامة: "الفصل الرابع: "أنه إنما يستحق السلب بشروط:

أحدها: "أن يكون المقتول من المقاتلة الذين يجوز قتلهم فأما إن قتل امرأة أو صبيا أو شيخا فانيا أو ضعيف مهينا ونحوهم ممن لا يقاتل لم يستحق سلبه لا نعلم فيه خلافا، وإن كان أحد هؤلاء يقاتل استحق قاتله سلبه لأنه يجوز قتله، ومن قتل أسيرا له أو لغيره لم يستحق سلبه لذلك".

الثاني: "أن يكون المقتول فيه منفعة غير مثخن بالجراح، فإن كان مثخن بالجراح فليس لقاتله شيء من سلبه..".وإن قطع يدي رجل ورجليه وقتله آخر فالسلب للقاطع دون القاتل لأن القاطع هو الذي كفى المسلمين شره".

الثالث: "أن يقتله أو يثخنه بجراح تجعله في حكم المقتول 2".

وقال القرطبي: "قال أبو العباس3 بن سريج من أصحاب الشافعي ليس الحديث "من قتل قتيلا فله سلبه" على عمومه لإجماع العلماء على أن من قتل أسيرا أو امرأة أو شيخا أنه ليس له سلب واحد منهم".

1 تقدم الحديث برقم (283) . وانظر ص 653-655".) .

2 المغني 8/389-390 وقد اشترط بعض العلماء أن يكون القتل في مبارزة وأن يكون المقتول مقبلا غير مدبر، وقد تقدم في حاشية ص 645 قول الشنقيطي:"أن الحق في هذا انه لا يشترط شيء من ذلك".

3 هو الإمام العلامة شيخ الإسلام القاضي أبوالعباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي قدوة الشافعية، (مات سنة 303هـ) . (تذكرة الحفاظ للذهبي3/811-813) .

ص: 674

وكذلك من ذفف على جريح، ومن قتل من قطعت يداه ورجلاه1.إهـ.

وقال الأمين الشنقيطي: "ولا يستحق القاتل سلب المقتول، إلا أن يكون المقتول من المقاتلة الذي يجوز قتالهم، فأما إن قتل امرأة أو صبيا أو شيخا فانيا، أو ضعيفا مهينا، أو مثخنا بالجراح لم تبقى فيه منفعة، فليس له سلبه".

ثم قال: "ولا خلاف بين العلماء: "في أن من قتل صبيا أو امرأة أو شيخا فانيا لا يستحق سلبهم، إلا قولاً ضَعِيفاً جدا يروى عن أبي ثور، وابن المنذر، في استحقاق سلب المرأة، ثم قال:"والدليل على أن من قتل مثخن بالجراح لا يستحق سلبه، أن عبد الله بن مسعود، هو الذي ذفف على أبي جهل يوم بدر وحز رأسه2، وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح الذي أثبته، ولم يعط ابن مسعود شيئا ثم قال: "وهذا هو الحق الذي جاء به الحديث المتفق عليه فلا يعارض بما رواه الإمام أحمد، وأبو داود عن ابن مسعود "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفله سيف أبي جهل يوم بدر" 3؛ لأنه من رواية ابنه أبي عبيدة ولم يسمع منه".

وكذلك المقدم للقتل صبرا لا يستحق قاتله سلبه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل النضر بن الحارث العبدري، وعقبة بن أبي معيط الأموي صبرا يوم بدر، ولم يعطي من قتلهما شيئا من سلبهما".

واختلفوا فيمن أسر أسيرا: "هل يستحق سلبه إلحاقا للأسر بالقتل أو لا؟

والظاهر أنه لا يستحقه، لعدم الدليل فيجب استصحاب عموم:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} ، [سورة الأنفال، من الآية: 41] ، الآية.

حتى يرد مخصص من كتاب أو سنة صحيحة، وقد أسر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون، أسارى بدر، وقتل بعضهم صبرا كما ذكرنا، ولم يعطي أحد من الذين أسروهم شيئا من أسلابهم، ولا من فدائهم بل جعل فداءهم غنيمة.

1 الجامع لأحكام القرآن 8/5-6".

2 انظر: "الحديث في سيرة ابن هشام 1/633".

3 انظر: "الحديث سنن أبي داود 2/66 كتاب الجهاد، باب من أجاز على جريح مثخن ينفل من سلبه، ومسند أحمد1/444، قال المنذري: "أبو عبيدة لم يسمع من أبيه (عون المعبود7/393) وقال ابن حجر في التقريب2/448أبو عبيدة بن عبد الله ابن مسعود، مشهور بكنيته والأشهر أن لا اسم له غيرها ويقال اسمه عامر، كوفي ثقة، من كبار الثالثة، والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه (ت بعد سنة80) ./ عم".

ص: 675

أما إذا قاتلت المرأة أو الصبي المسلمين: "فالظاهر أن لمن قتل أحدهما سلبه، لأنه حينئذ ممن يجوز قتله، فيدخل في عموم "من قتل قتيلا فله سلبه" الحديث، وبهذا جزم غير واحد". والعلم عند الله تعالى 1 إهـ.

وأقول: "اختلف العلماء في مسائل هذا الحكم كعادتهم في كثير من المسائل الفقهية والناظر في مسائل هذا الحكم بالذات يجد أن مسائله متداخلة غير متميز بعضها عن بعض، حتى يكاد الطالب يقف أمامها واجما لا يستطيع أن يخرج بنتيجة مرضية لتشابكها وتداخلها.

وقد حاولت إبراز بعض هذه الجوانب وترتيبها ترتيبا متناسبا وذلك بجعل كل مسألة على حدى مع ذكر القائلين بها والمخالفين لها ثم إيراد دليل كل قول مع مناقشة الأدلة، حتى تكون مسائل هذا الحكم قريبة التناول سهلة المأخذ.

وقد ظهر لي من خلال ذلك أن الظاهر في هذا القول باستحقاق القاتل سلب قتيله، سواء قال الإمام من قتل قتيلا فله سلبه أم لم يقل ذلك، وأن السلب هو كل ما على القتيل ومعه من ثياب وسلاح وحلية ودابة وغير ذلك، وأن هذا السلب للقاتل قل أو كثر بدون تخميس، وأنه من أصل الغنيمة".

وسواء أكان القتل مبارزة أم غير مبارزة، مقبلا أو مدبرا بشرط أن يقيم بنية على أنه قتله أو أثخنه بالجراح حتى جعله في حكم المقتول".

وهذا هو الذي تؤيده الأدلة الواردة في هذا الحكم". والله أعلم".

1أضواء البيان 2/389-390".

ص: 676