المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحكم الثاني عشر: في بيان نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم - مرويات غزوة حنين وحصار الطائف - جـ ٢

[إبراهيم بن إبراهيم قريبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف

- ‌(تابع) الباب الثاني: ملاحقة فلول المشركين والأحداث التاريخية التي أعقبت ذلك

- ‌الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف بعد المعركة

- ‌المبحث الأول: في قدوم وفد هوازن إلى الجعرانة مسلمين

- ‌المبحث الثاني: في إيفاد ثقيف جماعة منهم إلى المدينة للتفاوض

-

- ‌الباب الثالث: في بيان أبرز الأحكام المستنبطة من غزوة حنين

- ‌الحكم الأول: جواز وطء المسبية بعد الاستبراء

- ‌الحكم الثاني: وقوع العزل في أوطاس

- ‌الحكم الثالث: في مسئلة المتعة

- ‌الحكم الرابع: منع المخنثين من الدخول على النساء الأجنبيات

- ‌الحكم الخامس: في النهي عن قتل النساء والضعفاء ومن في حكمهم

- ‌الحكم السادس: العذر الذي يبيح ترك حضور صلاة الجماعة

- ‌الحكم السابع: تعليم أبي محذورة الأذان

- ‌الحكم الثامن: إقامة الحدّ في دار الحرب

- ‌الحكم التاسع: الاستعانة بالمشركين

- ‌الحكم العاشر: العارية من حيث الضمان وعدمه

- ‌الحكم الحادي عشر: قضاء الرسول في شأن محلم بن جثامة

- ‌الحكم الثاني عشر: في بيان نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم

- ‌الحكم الثالث عشر: استحقاق القاتل سلب القتيل

- ‌الحكم الرابع عشر: في بيان تحريم الغلول في الغنيمة

- ‌الحكم الخامس عشر: المؤلفة قلوبهم

- ‌الحكم السادس عشر: بعض ما يجتنبه المحرم

- ‌الحكم السابع عشر: عمرة الرسول صلى الله عليه وسلم من الجعرانة

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الحكم الثاني عشر: في بيان نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم

‌الحكم الثاني عشر: في بيان نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم

جاء في هذا الحكم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه نذر في الجاهلية أن يعتكف في المسجد الحرام".

ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة الطائف ونزل الجعرانة وقسم بها غنائم هوزان، سأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نذره في الجاهلية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أوف بنذرك".

وقد ورد هذا الحديث من مسند عمر بن الخطاب، ومن مسند ابنه عبد الله بن عمر أيضا".

أما وروده من مسند عمر بن الخطاب فأخرجه:271 أ- البخاري من رواية إسماعيل1 بن عبد الله عن أخيه2 عن سليمان3 عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال:"يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية4 أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك" فاعتكف5 ليلة6".

1 هو ابن أويس أبو عبد الله بن أبي أويس الأصبحي".

2 هو عبد الحميد بن عبد الله أبو بكر بن أبي أويس".

3 هو ابن بلال التيمي".

4 قوله: "إني نذرت في الجاهلية":

قال ابن حجر: "زاد حفص بن غياث عن عبيد الله عند مسلم "فلما أسلمت سألت" وفيه رد على من زعم أن المراد بالجاهلية ما قبل فتح مكة، وأنه إنما نذر في الإسلام، وأصرح من ذلك ما أخرجه الدارقطني من طريق سعيد بن بشير عن عبيد الله بلفظ "نذر عمر أن يعتكف في الشرك" فأوضح ابن حجر: "أن المراد بالجاهلية في الحديث قبل إسلام عمر لأن جاهلية كل أحد بحسبه، وليس ما قبل فتح مكة، ولا زمن فترة النبوة، وهو ما قبل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك يتوقف على نقل، وقد تقدم أن عمر نذر قبل أن يسلم، وبين البعثة وإسلامه مدة". (انظر فتح الباري 4/274 و11/582، وشرح معاني الآثار للطحاوي 3/133 وسنن الدارقطني 2/201) .

5 عند الدارقطي 2/199 من طريق محمد بن فليح بن سليمان عن عبيد الله بن عمر فاعتكف عمر ليلة" وقال: "إسناد ثابت".

6 صحيح البخاري 3/44-45 كتاب الاعتكاف، باب من لم ير عليه إذا اعتكف صوما".

قال ابن حجر: في الحديث رد على من قال: "أقل الاعتكاف عشرة أيام أو أكثر من يوم، وقد تقدم نقله في أول الاعتكاف، وتظهر فائدة الخلاف فيمن نذر اعتكافا مبهما".

وقال في أول الاعتكاف: "واتفقوا على أنه لا حد لأكثره واختلفوا في أقله فمن شرط فيه الصيام قال أقله يوم، ومنهم من قال يصح مع شرط الصيام في دون اليوم حكاه ابن قدامة".

وعن مالك يشترط عشرة أيام، وعنه يوم أو يومان".

ومن لم يشترط الصوم، قالوا أقله ما يطلق عليه اسم لبث ولا يشترط القعود، وقيل يكفي المرور مع النية كوقوف عرفة.

وروى عبد الرزاق عن يعلى بن أمية الصحابي قال: "إني لأمكث في المسجد الساعة وما أمكث إلا لأعتكف". (فتح الباري 4/272 و275، ومصنف عبد الرزاق 4/346) .

ص: 630

ب - ورواه أحمد وأبو داود والترمذي الجميع من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: "يا رسول الله إني كنت نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام في الجاهلية، قال: "أوف بنذرك"1 لفظ الترمذي".

وقال الترمذي: "حسن صحيح".

ج- ورواه النسائي وابن ماجه كلاهما عن إسحاق2 بن موسى الخطمي ثنا سفيان بن عيينة عن أيوب3 عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه كان عليه نذر ليلة في الجاهلية يعتكفها فسأل النبي صلى الله عليه وسلم "فأمره أن يعتكف" لفظ ابن ماجه4".

د- ورواه ابن ماجه والدارمي والطحاوي كلهم من طريق حفص5 بن غياث عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر ابن الخطاب قال: "نذرت نذراً في الجاهلية، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم بعدما أسلمت، فأمرني أن أُوفي بنذري" 6 لفظ ابن ماجه.

1 مسند أحمد 1/37و2/20 وسنن أبي داود 2/217 كتاب الأيمان والنذور، باب من نذر في الجاهلية ثم أدرك الإسلام، ورواه عن أحمد بن حنبل ثنا يحيى بن سعيد القطان".

2 هو أبو موسى المدني قاضي نيسابور "ثقة متقن" من العاشرة، (ت244) . /م ت س ق". (التقريب 1/61، وتهذيب التهذيب 1/251) .

3 أيوب: "هو السختياني".

4 سنن النسائي 7/20 كتاب الأيمان والنذور، باب إذا نذر ثمّ أسلم قبل أن يفي.

وسنن ابن ماجه 1/563 كتاب الصيام، باب في اعتكاف يوم أو ليلة.

5 حفص بن غياث بن طلق.

6 سنن ابن ماجه 1/687 كتاب الكفارات، باب الوفاء بالنذر". وسنن الدارمي 2/104 كتاب النذور والأيمان، باب الوفاء بالنذر". وشرح معاني الآثار للطحاوي 3/133". وانظر ذخائر المواريث 3/60 حديث (5853) وتحفة الأشراف للمزي 8/65-67 حديث (10550) .

ص: 631

ولفظ الدارمي "عن عمر قال قلت: "يا رسول الله إني نذرت نذرا في الجاهلية، ثم جاء الإسلام، قال:"أوف بنذرك".

ولفظ الطحاوي: "عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أراه1 عن عمر رضي الله عنه، قال: "قلت يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية نذرا، وقد جاء الله بالإسلام، فقال:"أوف بنذرك".

وأما ورود الحديث من مسند عبد الله بن عمر فأخرجه البخاري: "حدثنا مسدد2 حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال: "أوف بنذرك".

ورواه عن محمد بن مقاتل أبي الحسن، أخبرنا عبد الله3 أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أَنَّ عمر، قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال:"أوف بنذرك".

ثُمَّ قال البخاري - أيضاً -: "حدّثنا أبو النعمان4 حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر قال5:يا رسول الله6".

1 أراه بضم الهمزة: "أي أظنه".

2 قوله: "حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد":

قال ابن حجر: "وهو القطان، كذا رواه مسدد من مسند ابن عمر، ووافقه المقدمي وغيره عند مسلم وغيره، وخالفهم يعقوب بن إبراهيم عن يحيى فقال "عن ابن عمر عن عمر" أخرجه النسائي، وكذا أخرجه أبو داود عن أحمد لكنه في المسند كما قال مسدد، (يعني من مسند ابن عمر) فاختلف فيه على عبيد الله بن عمر عن نافع وعلى أيوب عن نافع". (فتح الباري 4/274) .

ورواية يعقوب بن إبراهيم أخرجها النسائي في السنن الكبرى كما في تحفة الأشراف 8/65 حديث (10550) والحديث عند أحمد "من مسند عمر" وليس كما قال الحافظ ابن حجر بأنه عند أحمد كما قال مسدد، يعني أنه من مسند ابن عمر، انظر ص (619) ، والحديث رواه ابن خزيمة في صحيحه 3/351 عن محمد بن بشار حدثنا يحيى مثل رواية مسدد، يعني فجعله من مسند ابن عمر.

3 هو ابن المبارك".

4 أبو النعمان: "هو محمد بن الفضل السدوسي، المعروف "بعارم".

5 قوله: "عن نافع أن عمر قال: "يا رسول الله"، قال ابن حجر: "هكذا ذكره البخاري مرسلا مختصرا، ثم عقبه برواية معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موصولا تاما".

وإنما أورد طريق حماد بن زيد المرسلة للإشارة إلى أن روايته مرجوحة لأن جماعة من أصحاب شيخه أيوب خالفوه فوصلوه بل بعض أصحاب حماد بن زيد رواه عنه موصولا كما أشار إليه البخاري".أيضا هنا-يعني قوله-وقال بعضهم: حماد عن أيوب عن نافع الخ". (فتح الباري8/35-36) .وقد تقدم مزيد لهذا في حديث (212) .

6 تقدم حديث برقم (212) .

ص: 632

ح- وحدثني محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر، عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه قال:"لما قفلنا من حنين سأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن نذر كان نذره في الجاهلية اعتكاف، فأمره بوفائه".

وقال بعضهم: حماد1 عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبيصلى الله عليه وسلم".

ورواه أيضا عن عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة2 عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن عمر رضي الله عنه نذر في الجاهلية أن يعتكف في المسجد الحرام - قال: "أراه3 قال ليلة - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك" 4.

ورواه مسلم عن محمد بن أبي بكر المقدمي ومحمد بن المثنى وزهير ابن حرب واللفظ لزهير" حدثنا يحيى "وهو ابن سعيد القطان" عن عبيد الله قال: أخبرني نافع عن ابن عمر أن عمر قال: " يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال: "فأوف بنذرك".

ورواه من طريق أبي أسامة.

ومن طريق عبد الوهاب الثقفي.

ومن طريق حفص بن غياث.

ومن طريق شعبة كلهم عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر.

وقال حفص من بينهم عن عمر بهذا الحديث.

أما أبو أسامة والثقفي ففي حديثهما اعتكاف ليلة.

وأما في حديث شعبة فقال: "جعل عليه يوما يعتكفه". وليس في حديث حفص ذكر يوم ولا ليلة.

1 حماد: "قال ابن حجر: "هو حماد بن زيد ،فإنه ذكر عقبه رواية حماد بن سلمة وهي مخالفة لسياقه". (فتح الباري 8/35) .

2 هو حماد بن أسامة أبو أسامة الكوفي".

3 قوله: "قال أراه" بضم أوله أي أظنه، والقائل ذلك هو عبيد شيخ البخاري أو البخاري نفسه، فقد رواه الإسماعيلي وغيره من طريق أخرى عن أبي أسامة بغير شك". (فتح الباري 4/284) .

4 صحيح البخاري 3/42-43كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف ليلا. و3/44 باب من لم ير عليه صوما إذا اعتكف، و45باب إذا نذر في الجاهلية أن يعتكف ثم أسلم، و4/74 كتاب فرض الخمس ،باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه، و8/120 كتاب الإيمان والنذور، باب إذا نذر أو حلف أن لا يكلم إنسانا في الجاهلية ثم أسلم". وتقدم الحديث برقم (212) وأخرجه البغوي من طريق البخاري عن مسدد عن يحيى القطان". (شرح السنة 6/402) .

ص: 633

ورواه من طريق حماد1 بن زيد حدثنا أيوب عن نافع قال ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة فقال: "لم يعتمر منها2، قال: وكان عمر نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية3".

ورواه الدارقطني من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: "أن عمر نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام في الجاهلية فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"أوف بنذرك" هذا إسناد صحيح.

ورواه من طريق محمد بن فليح بن سليمان، عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر:"أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان نذر في الجاهلية أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام، فلما كان الإسلام سأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:"أوف بنذرك فاعتكف عمر ليلة".إسناد ثابت4.

ورواه النسائي والحميدي وابن خزيمة كلهم من طريق سفيان بن عيينة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: " كان على عمر نذر في اعتكاف ليلة في المسجد الحرام فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فأمره أن يعتكف"5.

وهذه الأحاديث الماضية جاء فيها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه "اعتكف ليلة".

وقد جاء أيضا في الأحاديث الآتية أنه اعتكف يوما "وهو:

أ- ما رواه البخاري من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر بن

1 وكذا رواه ابن خزيمة من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن نافع وتقدم برقم (212) .

2 سيأتي الجواب عن نفي ابن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة في مبحث عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة في ص 719".

3 صحيح مسلم 3/1277-1278 كتاب الأيمان، باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم وانظر تحفة الإشراف 6/66-67 و127 و141 و158، و176 حديث (7521 و7828، و7916 و8039 و 8157، وتقدم الحديث برقم (212) .

4 سنن الدارقطني2/198-199) .

5 سنن النسائي 7/20 كتاب الأيمان والنذور، بابا إذا نذر ثم أسلم قبل أن يفي واللفظ له، ومسند الحميدي 2/304، وصحيح ابن خزيمة 3/347 وزاد:"وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد وهب له جارية من سبي حنينا، فبينا هو معتكف في المسجد إذ دخل الناس يكبرون فقال: "ما هذا؟ قالوا: "رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل سبي حنين، قال: "فأرسلوا تلك الجارية".

ص: 634

الخطاب رضي الله عنه قال: "يا رسول الله إنه كان علي اعتكاف يوم في الجاهلية، فأمره أن يفي به1".

ب- ما رواه مسلم والطحاوي والبيهقي كلهم من طريق جريج ابن حازم أن أيوب حدثه أن نافعا حدثه أن عبد الله بن عمر حدثه أن عمر ابن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة بعد أن رجع من الطائف، فقال:"يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام ،فكيف ترى؟ قال "اذهب فاعتكف يوما" الحديث2. لفظ مسلم.

ج- ورواه أحمد ومسلم كلاهما من طريق معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال:لما قفل النبي صلى الله عليه وسلم من حنين سأل عمر عن نذر كان نذره في الجاهلية اعتكاف يوم، فأمره به 3 لفظ أحمد".

د- ورواه مسلم أيضا من طريق حجاج بن المنهال حدثنا حماد عن أيوب ومن طريق عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق كلاهما عن نافع عن ابن عمر بهذا الحديث4 في النذر وفي حديثهما جميعا: اعتكاف يوم5.

هـ- ورواه أحمد ومسلم والنسائي كلهم من طريق شعبة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: "أن عمر كان قد جعل عليه يوماً يعتكفه في الجاهلية فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمره أن يعتكف" لفظ أحمد6.

1 صحيح البخاري 4/74، كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه".

2 صحيح مسلم 3/1277 كتاب الأيمان، باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم". وشرح معاني الآثار للطحاوي 3/133". والسنن الكبرى للبيهقي 6/338".

3 مسند أحمد 2/35 وصحيح مسلم 3/1278 كتاب الأيمان، باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم، وتقدم الحديث برقم (212) .

4 يشير إلى حديث حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع قال: "ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة".

قوله: "وفي حديثهما": "يريد ابن إسحاق وأيوب".

5 صحيح مسلم 3/1278 كتاب الأيمان باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم.

6 مسند أحمد 2/82 وسنن النسائي 7/20 كتاب الأيمان والنذور، باب إذا نذر ثم أسلم قبل أن يفي، وتقدم حديث مسلم ص (621) .

ص: 635

وجاء بدون تقييد بيوم ولا ليلة:

1-

عند أحمد من طريق حماد بن سلمة.

والبخاري1 من طريق معمر كلاهما عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن عمر رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فقال: "إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام"2 لفظ أحمد.

2-

ورواه مسلم من طريق حفص بن غياث3، والبيقهي من طريق سفيان4 كليهما عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: قال: "قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه نذرت أن أعتكف في المسجد الحرام فلما أسلمت سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: "أوف بنذرك" 5 لفظ البيهقي.

وقد جاء أيضاً في الحديث عن عمر قال: "نذرت نذرا في الجاهلية فسألت النبي صلى الله عليه وسلم بعدما أسلمت، فأمرني أن أوفي بنذري" بدون ذكر اعتكاف وقد تقدم6".

وقد تبيّن مما تقدم أن الحديث ورد بلفظ "اعتكاف ليلة" وبلفظ "اعتكاف يوم"، وقد أجاب العلماء عن هذا بجوابين:

الأوّل: "الجمع بين الحديثين وهو ما أجاب به ابن خزيمة وغيره، فإنه بعد أن ساق الحديث الوارد فيه "لفظ ليلة".

قال: وقال بعض الرواة: "في خبر نافع عن ابن عمر عن عمر قال: "إني نذرت أن أعتكف يوماً، فإن ثبتت هذه اللفظة، فهذا من الجنس الذي أعلمت أن العرب

1 انظر: "حديث البخاري في ص (621) .

2 المسند 2/153 والحديث رواه أحمد عن عبد الصمد وعفان كليهما عن حماد بن سلمة وتقدم الحديث برقم (212) .

3 تقدم حديث مسلم في ص: " () .

4 تقدم حديث مسلم ص (621)

5 سفيان: "هنا الظاهر أنه الثوري، لأن البيهقي روى هذا الحديث من طريق يزيد بن أبي حكيم الكناني عن سفيان، وفي ترجمة يزيد ذكر أن شيخه سفيان الثوري". (انظر تهذيب التهذيب 11/319) .

6 في ص (619) .

ص: 636

قد تقول يوما1 بليلته، وتقول ليلة تريد بيومها، وقد ثبتت الحجة في كتاب الله عز وجل في هذا2". إهـ.

وقال ابن حجر: "وقد جمع ابن حبان وغيره بين الروايتين بأن عمر نذر اعتكاف يوم وليلة، فمن أطلق ليلة أراد بيومها ومن أطلق يوماً أراد بليلته3". إهـ.

وأجاب النووي عن ذكر (اليوم) باحتمال أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اعتكاف ليلة، وسأله عن اعتكاف يوم، فأمره بالوفاء بما نذر، فحصل منه صحة اعتكاف الليل وحده4".

الثاني: "الترجيح: "وهو ما أجاب به البيهقي وغيره، فقد ساق البيهقي الحديث من طريق عبدان أنبأ عبد الله بن المبارك عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر قال:"يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام".

ثم قال: "رواه البخاري في الصحيح عن محمد بن مقاتل عن عبد الله ابن المبارك".

وكذلك رواه سليمان بن بلال ويحيى بن سعيد القطان وأبو أسامة وعبد الوهاب الثقفي عن عبيد الله، قالوا فيه:"ليلة".

وكذلك قاله حماد5 بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر6.

وقال جرير بن حازم ومعمر عن أيوب "يوم" بدل "ليلة" وكذلك رواه شعبة عن عبيد الله.

1 نحو قوله تعالى: {قَالَ آيَتُكَ أَلَاّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَاّ رَمْزاً} ، [سورة آل عمران، من الآية: 41]، أي:"بلياليها".

ونحو: {قَالَ آيَتُكَ أَلَاّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَاّ رَمْزاً} ، [سورة آل عمران، من الآية: 41]، أي:"بأيامها". (انظر: "تفسير الجلالين ص 46، و254) .

2 صحيح ابن خزيمة 3/347-348.

3 فتح الباري 4/274 وتحفة الأحوذي 5/142 وعون المعبود 9/155.

4 شرح النووي على صحيح مسلم 4/205".

5 ورواه حماد بن زيد عن أيوب أيضاً بلفظ: "اعتكاف يوم"، وكذلك رواه حماد بن سلمة ومحمد بن إسحاق عن أيوب". (انظر: "ص 623) .

6 وكذلك رواه ابن عيينة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر بلفظ "اعتكاف ليلة". (انظر ص 619 و622) .

ص: 637

ورواية الجماعة عن عبيد الله أولى، وحماد بن زيد أعرف بأيوب من غيره1".إهـ.

وقال ابن حجر: "ورواية من روى "يوما" "شاذة" وقد وقع في رواية سليمان بن بلال "فاعتكف ليلة"2 فدل على أنه لم يزد على نذره شيئا وأن الاعتكاف لا صوم فيه، وأنه لا يشترط له حد معين3".

ويؤخذ من قصة عمر بن الخطاب مسألتان:

الأولى: "إذا نذر الكافر ثم أسلم هل يجب عليه الوفاء بما نذر، أو أن ذلك من باب الاستحباب".

الثانية: " هل الصيام شرط لصحة الاعتكاف أو أن الاعتكاف يصح بدون صوم". خلاف بين العلماء في ذلك".

المسألة الأولى:

قال النووي: "اختلف العلماء في صحة نذر الكافر، فقال مالك وأبو حنفية وسائر الكوفيين وجمهور أصحابنا: "لا يصح".

وقال المغيرة4 المخزومي وأبو ثور والبخاري وابن جرير وبعض أصحابنا:

يصح وحجتهم ظاهر حديث عمر".

وأجاب الأولون عنه بأنه محمول على الاستحباب، أي يستحب لك أن تفعل الآن مثل ذلك الذي نذرته في الجاهلية5".

وساق الطحاوي حديث عمر الوارد فيه "أوف بنذرك" ثم قال: "قال أبو جعفر: "فذهب قوم إلى أن الرجل إذا أوجب على نفسه في حال شركه، من اعتكاف أو صدقة

1 السنن الكبرى للبيهقي 4/318".

2 انظر حديث رقم 271".

3 فتح الباري 4/274".

4 المغيرة بن سلمة المخزومي، أبو هشام البصري، ثقة ثبت، من صغار التاسعة (ت 200) . / خت م د س ق (التقريب 2/269 وتهذيب التهذيب 10/261) .

5 شرح النووي على صحيح مسلم 4/204".

ص: 638

أو شيء مما يوجبه المسلمون لله، ثم أسلم - أن ذلك واجب عليه واحتجوا في ذلك بهذه الآثار".

وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: "لا يجب عليه من ذلك شيء واحتجوا في ذلك بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ساق حديث عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

272-

"من نذر أن يعصي الله فلا يعصه"1.

273-

وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "إنما النذر ما ابتغى به وجه الله".

ثم قال: "قالوا: "فلما كانت النذور إنما تجب إذا كانت مما يتقرب به إلى الله تعالى، ولا تجب إذا كانت معاصي الله وكان الكافر إذا قال:"لله عليّ صيام"، أو قال:"لله عليّ اعتكاف" فهو لو فعل ذلك، لم يكن به متقربا إلى الله وهو في وقت ما أوجبه، إنما قصد به إلى ربه الذي يعبده من دون الله وذلك معصية".

فدخل ذلك في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نذر في معصية".

وقد يجوز أيضا أن يكون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر "ف بنذرك" ليس من طريق أن ذلك كان واجبا عليه ولكن أنه قد كان سمح في حال ما نذره أن يفعله، فهو في معصية الله عز وجل، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعله الآن، على أنه طاعة لله عز وجل".

فكان ما أمره به، خلاف ما إذا كان أوجبه هو على نفسه".

وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف ومحمد - رحمهم الله تعالى -2".إهـ.

وقال البغوي عند شرحه لحديث عمر: "في هذا الحديث دليل على أن من نذر في حال كفره بما يجوز نذره في الإسلام، صحّ نذره ويجب عليه الوفاء به بعد الإسلام"3.

وقال الصنعاني: "دل الحديث على أنه يجب على الكافر الوفاء بما نذر به إذا أسلم وإليه ذهب البخاري وابن جرير وجماعة من الشافعية لهذا الحديث.

1 هذا الحديث في صحيح البخاري وقد خرجته في ص 635 تعليقة (3) .

2 شرح معاني الآثار 3/133-134".

3 شرح السنة 6/402 كتاب الصوم، باب من نذر اعتكاف ليلة".

ص: 639

وذهب الجماهير إلى أنه لا ينعقد النذر من الكافر، قال الطحاوي:"لا يصح منه التقرب بالعبادة، قال: "ولكنه يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم فهم من عمر أنه سمح بفعل ما كان نذر فأمره به لأن فعله طاعة، وليس هو ما كان نذر به في الجاهلية".

وذهب بعض المالكية إلى أنه صلى الله عليه وسلم إنما أمر به استحبابا، وإن كان التزمه في حال لا ينعقد فيها.

ثم عقب الصنعاني على هذا بقوله: "ولا يخفى أن القول الأوّل1 أوفق بالحديث والتأويل تعسف2".

وقال الشوكاني: "وفي حديث عمر دليل على أنه يجب الوفاء بالنذر من الكافر متى أسلم، وقد ذهب إلى هذا بعض أصحاب الشافعي".

وعند الجمهور لا ينعقد النذر من الكافر، وحديث عمر حجة عليهم".

وقد أجابوا عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف أن عمر قد تبرع بفعل ذلك أذن له به لأن الاعتكاف طاعة".

ثم قال: "ولا يخفى ما في هذا الجواب من مخالفة الصواب، وأجاب بعضهم بأنه صلى الله عليه وسلم أمره بالوفاء استحبابا لا وجوبا".

ثم قال: "ويرد بأن هذا الجواب لا يصلح لمن ادعى عدم الانعقاد3".

وقال ابن حزم: "مسألة ومن نذر في حال كفره طاعة لله عز وجل ثم أسلم لزمه الوفاء به"

274-

ثم ساق حديث حكيم بن حزم أنه قال: "أي رسول الله أرأيت أمورا كنت اتحنث4 بها في الجاهلية من صدقة، أو عتاقة، أو صلة رحم، أفيها أجر؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسلمت على ما أسلفت من خير"5.

1 يريد وجوب الوفاء بما نذره الكافر (2) سبل السلام 4/115".

2 سبل السلام (4/115) .

3 نيل الأوطار 8/258، والدراري المضيئة 2/154-157، وتحفة الأحوذي 5/142، عون المعبود 9/155".

4أتحنث بها: "أي أتعبد وأتقرب بها إلى الله". (النهاية 1/449) .

5 الحديث في صحيح البخاري 2/97 كتاب الزكاة، باب من تصدق في الشرك ثم أسلم. وصحيح مسلم 1/113-114 كتاب الأيمان، باب بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده.

وقال النّووي: "وذهب ابن بطال وغيره من المحقّقين إلى أنّّ الحديث على ظاهره، وأنه إذا أسلم الكافر ومات على الإسلام يثاب على ما فعله من الخير في حال الكفر". (شرح النووي على صحيح مسلم 1/327) .

ص: 640

ثم ساق حديث عمر بن الخطاب من طريق حفص بن غياث عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: "نذرت نذرا في الجاهلية ثم أسلمت فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أوفى بنذري".

ثم قال: "فهذا حكم لا يسع أحدا الخروج عنه1".إهـ.

وأما المسالة الثانية؛ فإن حديث عمر الصحيح ليس فيه ذكر للصوم وإنما فيه أن عمر نذر أن يعتكف ليلة في الجاهلية، والليل ليس محلا للصوم، نعم ورد في بعض ألفاظ هذا الحديث أن عمر بن الخطاب نذر اعتكاف يوم، ولكنه ليس فيه ذكر الصوم، وقد روى الأمر بالصوم في حديث عمر ولكنه ضعيف".

قال ابن حجر: "وقد ورد الأمر بالصوم في رواية عمرو بن دينار عن ابن عمر صريحا لكن إسنادها ضعيف".

وقد زاد فيها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "اعتكف وصم" أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عبد الله بن بديل2 وهو ضعيف".

وذكر ابن عدي والدارقطني أنه تفرد بذلك عن عمرو بن دينار، ورواية من روى "يوماً" شاذة، وقد وقع في رواية سليمان بن بلال "فاَعْتَكَف ليلة" فدل على أنه لم يزد على نذره شيئا وأن الاعتكاف لا صوم فيه وأنه لا يشترط له حد معين3.

قلت: "الحديث المشار إليه عند أبي داود والنسائي أخرجه أيضا أبو داود الطيالسي وأبو يعلى والدارقطني والبيهقي كلهم من طريق عبد الله ابن بديل عن عمرو بن دينار".

275-

عن ابن عمر أن عمر رضي الله عنه جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية ليلة أو يوما عند الكعبة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"اعتكف وصم" لفظ أبي داود4".

1 المحلى 8/371-373".

2 قال عنه ابن حجر في التقريب 1/403: "عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ويقال الليثي المكي، صدوق يخطئ".

3 فتح الباري 4/274".

4 سنن أبي داود 1/576 كتاب الصيام، باب المعتكف يعود المريض". وسنن النسائي الكبرى في الاعتكاف (تحفة الأشراف للمزي 6/19 حديث 7354) . ومسند الطيالسي 1/247-248 منحة المعبود". ومسند أبي يعلى 5/516 برقم 305". وسنن الدارقطني 2/200". والسنن الكبرى للبيهقي 4/316-317".

ص: 641

قال الدارقطني: "تفرد به ابن بديل عن عمرو، وهو ضعيف الحديث سمعت أبا بكر النيسابوري1 يقول: "هذا حديث منكر، لأنّ الثقات من أصحاب عمرو بن دينار لم يذكروه، منهم ابن جريج وابن عيينة وحماد ابن سلمة وحماد بن زيد وغيرهم، وابن بديل ضعيف الحديث".

276-

ثم ساق الدارقطني أيضاً حديثاً آخر من طريق سعيد2 ابن بشير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنّ عمر نذر أن يعتكف في الشرك ويصوم، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه، قال:"أوف بنذرك"، ثم قال:"وهذا إسناد حسن تفرد بهذا اللفظ سعيد بن بشير عن عبيد الله3".

وقال البيهقي: "ذكر نذر الصوم مع الاعتكاف غريب تفرد به سعيد بن بشير عن عبيد الله4".

وأرود ابن حجر قول البيهقي هذا ثم قال: "وقال عبد الحق5: "تفرد به سعيد بن بشير وهو مختلف فيه".

وضعف ابن الجوزي6 في "التحقيق" هذا الحديث من أجله7".

277-

وروى الحاكم من حديث عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه"8.

ثم قال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ولفقهاء الكوفة في ضد هذا

1 أبو بكر النيسابوري هو محمد بن إسحاق بن خزيمة، صاحب الصحيح، قال عنه الذهبي: "الحافظ الكبير، إمام الأئمة، شيخ الإسلام (223-311هـ) . (تذكرة الحفاظ 2/720-731) .

2 قال ابن عنه حجر: "سعيد بن بشير الأزدي مولاهم، أبو عبد الرحمن أو أبو سلمة الشامي، أصله من البصرة، أو واسط، ضعيف من الثامنة". (ت 168أو169) . /عم". (التقريب1/292 وتهذيب التهذيب4/8-10 وميزان الاعتدال2/128-130) .

3 سنن الدارقطني 2/201".

4 السنن الكبرى 4/317".

5 هو عبد الحق بن عبد الرحمن أبو محمد الأزدي الأشبيلي تقدم في ص 272".

6 هو عبد الرحمن بن علي، تقدم".

7 التلخيص الحبير 2/218".

8 هذا الحديث رجح الدارقطني والبيهقي وفقه على ابن عباس".

قال البيهقي: "الصحيح موقوف، ورفعه وهم".

قلت: "اختلفت الروايات عن ابن عباس فورد عنه القول بوجوب الصوم وورد عنه القول بعدم الصوم". (انظر سنن الدارقطني 2/199، والسنن الكبرى للبيهقي 4/317-319) .

ص: 642

حديثان أذكرهما وإن كانا لا يقاومان هذا الخبر في عدالة الرواة ثم ساق الحديث الأول من طريق عبد الله بن بديل عن عمرو بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر نذر في الجاهلية أن يعتكف يوما فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اعتكف وصم".

278-

وساق الحديث الثاني من طريق سويد1 بن عبد العزيز ثنا سفيان2 بن حسين عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا اعتكاف إلا بصوم" ثم قال: "لم يحتج الشيخان بسفيان بن حسين وعبد الله3 بن بديل".

وسكت عنه الذهبي4".

وقال الدارقطني: "تفرد بهذا الحديث سويد عن سفيان بن حسين5".

وقال البيهقي: "وهذا وهم من سفيان بن حسين أو من سويد بن عبد العزيز وسويد بن عبد العزيز الدمشقي ضعيف بمرة لا يقبل منه ما تفرد به".

ثم ساق بسنده من طريق عطاء عن عائشة رضي الله عنها موقوفا عليها- قالت: "من اعتكف فعليه الصيام"6.

وروى أبو داود من طريق عبد الرحمن7 بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت: "السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا، ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع".

قال أبو داود: "غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه، قالت: السنة".

قال أبو داود: "جعله قول عائشة8".

1 قال عنه ابن حجر في التقريب 1/340: "لين الحديث". وساق الذهبي أقوال العلماء فيه ثم قال: "قلت: "بل هو واه جدا". (ميزان الاعتدال 2/251-252) .

2 سفيان بن حسين بن حسن، أبو محمد، أو الحسن الواسطي، ثقة في غير الزهري باتفاقهم، تقدم".

3 وقع في المستدرك "عبد الله بن يزيد" وهو خطأ".

4 المستدرك 1/439-440".

5 السنن 2/199-200".

6 السنن الكبرى للبيهقي 4/317".

7 عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن كنانة المدني نزيل البصرة، ويقال له:"عباد بن إسحاق، صدوق، رمى بالقدر، من السادسة". /خت بخ م عم". (التقريب 1/472 وتهذيب التهذيب 6/137) .

8 سنن أبي داود 1/575-576 كتاب الصيام، باب المعتكف يعود المريض".

ص: 643

وقال الدارقطني: "يقال: "إن قوله: "وأن السنة للمعتكف إلى آخره"، ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه من كلام الزهري، ومن أدرجه في الحديث فقد وهم1".

ورواه البيهقي من طريق عقيل عن ابن شهاب، وفي آخره قال:"قال الشيخ قد ذهب كثير من الحفاظ إلى أن هذا الكلام من قول من دون عائشة وأن من أدرجه في الحديث وهم فيه، فقد رواه سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن عروة قال: "المعتكف لا يشهد جنازة ولا يعود مريضا ولا يجيب دعوة، ولا اعتكاف إلا بصيام ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع2".

وقال الشوكاني: "من ادعى أن الصوم شرط لصحة الاعتكاف فالدليل عليه لأنه أثبت شرطا متنازعا فيه".

والوقوف في موقف المنع، والقيام في مقام عدم التسليم يكفي من لم يقل بالشرطية ولم يصح في اشتراطه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما قيل إنه مرفوع لم يصح".

وما كان موقوفا على بعض الصحابة فلا حجة فيه، فإن تبرع من لم يقل بالشرطية بالدليل فله أن يقول:

279-

صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما "أنه اعتكف في غير رمضان"3".

وثبت في الصحيحين وغيرهما "أن عمر بن الخطاب قال: "يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك"، ولم

1 السنن 2/201 وانظر فتح الباري 4/273".

2 السنن الكبرى للبيهقي 4/320-321 و315و317".

3 يشير إلى حديث عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يعتكف فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف إذا أخبية: "خباء عائشة وخباء حفصة، وخباء زينب، فقال آلبرّ تقولن بهن؟ ثم انصرف فلم يعتكف حتى اعتكف عشرا من شوال". أخرجه البخاري 3/43، و44، و45، كتاب الاعتكاف، باب اعتكاف النساء، وباب الأخبية في المسجد، وباب الاعتكاف في شوال، وباب من أراد أن يعتكف ثم بدا له أن يخرج.

ورواه مسلم 2/831 كتاب الاعتكاف، باب متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه.

وأبو داود 1/573-574 كتاب الصوم، باب الاعتكاف.

والنسائي 2/35 كتاب المساجد، باب ضرب الخباء في المساجد.

وابن ماجه1/563 كتاب الصيام، باب ما جاء فيمن يبتدي الاعتكاف وقضاء الاعتكاف.

ص: 644

يرو من وجه صحيح يصح العمل به أنه صلى الله عليه وسلم صام أيام اعتكافه في شوال ولا صحّ أنه أمر عمر بالصوم.

وأما ما أخرجه أبو داود عن عائشة أنها قالت: "السنة على المعتكف ألا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد له منه، ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع".

فقد أخرجه في الموطأ1 والنسائي2 وليست فيه: "قالت: "السنة" وجزم الدارقطني بأن القدر المرفوع من حديث عائشة قولها: "لا يخرج"3 وما عداه ممن دونها". وكذلك قال البيهقي كما ذكره ابن كثير في الإرشاد4".

وأما ما أخرجه الحاكم عن ابن عباس مرفوعا وقال: "صحيح على شرط مسلم: "أنه لا اعتكاف إلا بصوم" فقد صحح الدارقطني والبيهقي وابن حجر أنه موقوف على ابن عباس، وأيضا فقد أخرج الحاكم عن ابن عباس مرفوعا وصححه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على المعتكف صيام" ورجح الدارقطني والبيهقي وقفه على ابن عباس، فتعارضت الرواية عن ابن عباس كما ترى ولاحجة في قوله5".

وقال في نيل الأوطار: "وقد استدل بعض القائلين6 بأن الصوم شرط في الاعتكاف بقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [سورة البقرة، من الآية: "187] .

1 انظر الحديث في موطّأ مالك 1/312 كتاب الاعتكاف، باب ذكر الاعتكاف".

2 النسائي 1/121 كتاب الطهارة، باب غسل الحائض رأس زوجها". وانظر تحفة الأشراف 12/78و117 (حديث 16602و16746) .

3 يعني "لا يخرج إلا لما بد منه". (انظر فتح الباري 4/273) .

4 انظر: "ص (631) .

5 السيل الجرار 2/134-135".

6 هذا قول بعض المالكية كما صرح بذلك ابن حجر، وقد روى مالك في الموطأ أنه بلغه أن القاسم بن محمد ونافعا مولى عبد الله بن عمر قالا:"لا اعتكاف إلا بصيام، بقول الله تبارك وتعالى في كتابه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} ، [سورة البقرة، من الآية: 187] ، فإنما ذكر الله الاعتكاف مع الصيام".

قال مالك: "وعلى ذلك الأمر عندنا، أنه لا اعتكاف إلا بصيام". (الموطّأ1/315 كتاب الاعتكاف، باب ما لا يجوز الاعتكاف إلا به".وانظر فتح الباري4/274-275) .

ص: 645

قال: "فذكر الاعتكاف عقب الصوم".

وتعقب بأنه ليس فيها ما يدل على تلازمهما، وإلاّ لزم ألا صوم إلا باعتكاف ولا قائل به1".

وقال ابن حزم: "مسألة: "وليس الصوم من شروط الاعتكاف، لكن إن شاء المعتكف صام وإن شاء لم يصم".

ثم ساق الأدلة على ذلك وعلى أنه ليس على المعتكف صيام إلا أن يوجبه على نفسه".

ورد على القائلين بوجوب الصيام على المعتكف2".

إذا علم هذا فقد نقل النووي أن القائلين بصحة الاعتكاف بدون صوم هم الشافعي والحسن البصري وأبو ثور وداود وابن المنذر، وهو أصح الروايتين عن أحمد".

وقال ابن المنذر: "وهو مروي عن علي وابن مسعود".

وقال ابن عمر وابن عباس وعائشة وعروة بن الزبير والزهري ومالك والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وإسحاق وأحمد في رواية عنهما: "لا يصح إلا بصوم، وهو قول أكثر العلماء3".

وأقول قد تشعبت أقوال العلماء في اشتراط الصوم لصحة الاعتكاف أو عدم اشتراطه، وكذلك في حكم الكافر إذا أسلم وقد ألزم نفسه بطاعة لله عز وجل في حال كفره فهل يجب عليه الوفاء بما التزم أوّلاً".

اختلفت أنظار العلماء في ذلك وتباينت آراؤهم، وكل قد أدلى بحجته ووجهة نظره، وأقوالهم وأدلتهم مبسوطة في كتب الفروع، وقد لخصت ما قاله العلماء في ذلك وتبين لي من خلال سوق النصوص أن الظاهر في هذا هو جواز الاعتكاف بدون صوم وأن الصوم ليس شرطا لصحة الاعتكاف، كما ظهر لي كذلك كما ظهر لي كذلك وجوب الوفاء بما التزم

1 نيل الأوطار 4/300-301.

2 المحلى 5/167-169.

3 شرح النووي على صحيح مسلم 4/205-206.

ص: 646

به الكافر في حال كفره من طاعة، وهذا هو الذي تؤيّده النصوص وحديث عمر بن الخطاب صريح في هذا1".

ومما ينبغي التنبيه عليه قوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام "أسلمت على ما أسلفت من خير".

فهذا من محاسن دين الإسلام، وإن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث ليتمم مكارم الأخلاق، وقد قال صلى الله عليه وسلم:

280-

"خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا"2.

والإسلام لا يهدم الفضائل السابقة عليه وإنما يشجعها وينميها، ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب:"أوف بنذرك".

ومن قال بأن هذا النذر من عمر نذر معصية فقد أبعد النجعة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يستحيل أن يأمر بالوفاء بنذر معصية، وهو القائل "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصيه"3.

ومن قال من العلماء بأن الوفاء من الكافر بنذره بعد إسلامه مستحب لا واجب، فهذا قريب، لكنه خلاف ظاهر النص كما سبق. والله أعلم.

1 انظر شرح معاني الآثار للطحاوي3/133-134، وشرح السنة للبغوي6/402-403. والمغني لابن قدامة 3/185-187 و8/677، و9/3". والهداية لبرهان الدين المرغيناني1/132،والمحلى لابن حزم5/268-274و8/371-373". وشرح النووي على صحيح مسلم 4/204-206. وفتح الباري 4/274-275 و284 و11/582-583. وكشاف القناع للبهوتي 2/406. وسبل السلام للصنعاني 2/175، 4/115. ونيل الاوطار للشوكاني 4/300 و8/258. والسيل الجرار 2/134".والدراري المضيئة2/30و154و157 له. وتحفة الأحوذي للمباركفوري 5/141-143. وعون المعبود لشمس الحق العظيم آبادي 7/144 و151-152 و9/154. وأوجز المسالك إلى موطأ مالك للكندهلوي 5/215-218.

2 صحيح البخاري 4/117-118 كتاب أحاديث الأنبياء، باب أم كنتم شهداء إ‘ذ حضر يعقوب الموت الخ.

وصحيح مسلم 4/1846-1847 كتاب الفضائل، باب من فضائل يوسف عليه السلام من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

3 صحيح البخاري 8/119-120 كتاب الأيمان والنذور، باب النذر في الطاعة، و120 باب النذر فيما لا يملك والنذر في معصية من حديث عائشة رضي الله عنها، تقدم برقم (272) .

ص: 647