الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف
المجلد الثاني
(تابع) الباب الثاني: ملاحقة فلول المشركين والأحداث التاريخية التي أعقبت ذلك
الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف بعد المعركة
المبحث الأول: في قدوم وفد هوازن إلى الجعرانة مسلمين
…
المبحث الأول: في قدوم وفد هوزان إلى الجعرانة مسلمين
بعد انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف توجه إلى الجعرانة وكان بها السبايا والغنائم، فأخر قسم الغنائم بضع عشرة ليلة، رجاء أن تقدم هوزان مسلمة، فيرد إليهم ما أخذ منهم، ولما لم تقدم في هذه المدة أخذ صلى الله عليه وسلم في توزيع الغنائم.
ثم قدمت وفود هوزان بعد ذلك فأعلنت إسلامها، وطلبت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد إليها ما فقدته من السبايا وأموال، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أحب الحديث إلي أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين: إما السبي وإما المال، وقد كنت استأنيت بكم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف، فلما تبين لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين، قالوا فإنا نختار سبينا".
يدل على ذلك الأحاديث الآتية:
أ- حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم عند البخاري وغيره وهذا سياق البخاري:
حدثنا يحيى1 بن بكير حدثنا الليث عن عقيل2 عن ابن شهاب3 عن عروة أن
1 هو يحيى بن بكير المخزومي مولاهم المصري (تهذيب التهذيب 11/237) .
2 عقيل - بالضم - ابن خالد بن عقيل - بالفتح (تهذيب التهذيب 7/255) .
3 هو محمد بن مسلم الزهري.
مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أخبراه1 أن النبي صلى الله عليه وسلم حين جاء وفد هوزان2 مسلمين3.
1 وفي لفظ عند البخاري وأحمد والبيهقي "عن ابن شهاب قال: وزعم عروة أن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أخبراه".
وعند البخاري أيضاً: "وعن ابن شهاب ذكره عروة أن مروان والمسور بن مخرمة أخبراه".
وعنده عند البيهقي "عن ابن شهاب: حدثني عروة بن الزبير أن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أخبراه".
2 قال النووي: "الوفد الجماعة المختارة للتقدم للقاء العظماء واحدهم وافد". اهـ
قال الزرقاني: "وكأنه استعمال عرفي، وإلا ففي اللغة أن الوفد القادم مطلقاً مختاراً للقاء العظماء أم لا، راكبا أم لا، قال في القاموس: وفد إليه وعليه يفد وفدا ووفودا ووفادة وإفادة قدم، وورد نحوه في الصحاح وغيره". إهـ
وقال القسطلاني: "وكان ابتداء الوفود على النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من الجعرانة في آخر سنة ثمان وما بعدها" إهـ.
وقال ابن إسحاق: "بعد غزوة تبوك" إهـ.
وقال ابن هشام: "كانت سنة تسع تسمى سنة الوفود" إهـ.
قال القسطلاني: "وقد سرد محمد بن سعد "في الطبقات" الوفود وتبعه الدمياطي في "السيرة" له وابن سيد الناس ومغلطاي والحافظ زين الدين العراقي ومجموع ما ذكر يزيد على الستين" إهـ.
قال الزرقاني: "والمتبادر من مثل هذه العبارة أن الوفود لا يبلغون السبعين عرفا، وقد سردهم الشامي فزادوا على المائة، فلعل الجماعة اقتصروا على المشهورين، أو الآتين لترتيب مصالحهم، وذكر المصنف خمسا وثلاثين روما للإيجاز" إهـ. (انظر المواهب اللدنية للقسطلاني1/243 وشرح المواهب للزرقاني 4/2 والقاموس للفيروز آبادي 1/346 ومختار الصحاح لأبي بكر الرازي ص 729-730 وسيرة ابن هشام 2/559 والطبقات الكبرى لابن سعد 1/299-359 ولم يذكر وفد هوزان كما قال ابن حجر (الفتح: 8/33) .
3 وفي لفظ عند البخاري وأحمد والبيهقي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوزان مسليمين" إلخ.
قال ابن حجر: "ساق الزهري هذه القصة من هذا الوجه مختصرة وقد ساقها موسى ابن عقبة في "المغازي" مطولة ولفظه: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف في شوال إلى الجعرانة وبها السبي يعني سبي هوزان، وقدم عليه وفد هوزان مسلمين، فيهم تسعة نفر من أشرافهم فأسلموا، وبايعوا ثم كلموه فقالوا: يا رسول الله إن فيمن أصبتم الأمهات والأخوات والعمات والخالات وهن مخازي الأقوام، فقال: "سأطلب لكم وقد وقعت المقاسم فأي الأمرين أحب إليكم: السبي أم المال؟ قالوا: خيرتنا يا رسول الله بين الحسب والمال فالحسب أحب إلينا، ولا نتكلم في شاة ولا في بعير، فقال:"أما الذي لبني هاشم فهو لكم، وسوف أكلم لكم المسلمين، فكلموهم وأظهروا إسلامكم"، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الهاجرة، قاموا فتكلموا خطباؤهم فأبلغوا ورغبوا إلى المسلمين في رد سبيهم، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغوا فشفع لهم وحض المسلمين عليه وقال:"قد رددت الذي لبني هاشم عليهم".
ثم قال ابن حجر: "فاستفيد من هذه القصة عدد الوفد وغير ذلك مما لايخفى، وقد أغفل محمد بن سعد - لما ذكر الوفود - وفد هوزان هؤلاء مع أنه لم يجمع أحد في الوفود أكثر مما جمع.
وممن سمي من وفد هوزان زهير بن صرد وأبو مروان - ويقال أبو ثروان أوله مثلثة بدل ميم، ويقال أبو برقان بموحدة وقاف - وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم ذكره ابن سعد".
وعند ابن إسحاق من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده تعيين الذي خطب لهم في ذلك
…
وهو زهير بن صرد (فتح الباري 8/33، ودلائل النبوة للبيهقي3/54 أ. وعند ابن سعد "وقدم وفد هوزان على النبي صلى الله عليه وسلم وهم أربعة عشرة رجلا ورأسهم زهير بن صرد (الطبقات الكبرى 2/153 وزاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/475) .
فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم1، فقال لهم: معي من ترون2، وأحب الحديث إلي أصدقه3، فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال4، وقد كنت استأنيت5 وكان النبي صلى الله عليه وسلم انتظرهم6 بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف، فلما تبين لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين، قالوا: فإنا نختاروا سبينا، فقام في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله7، ثم قال: "أما بعد فإن
1 عند أبي داود "أن يرد إليهم أموالهم" دون ذكر السبي.
قال صاحب عون المعبود: "كذا في النسخ الحاضرة، وفي رواية البخاري أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم"(عون المعبود 7/357) .
2 وفي لفظ عند البخاري: "إن معي من ترون".
والمعنى: أن معي من ترون من السبايا غير التي قسمت بين الغانمين وبوب البخاري في كتاب الوكالة بقوله: "باب إذا وهب شيئا لوكيل أو شفيع قوم جاز، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لوفد هوزان حين سألوه المغانم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "نصيبي لكم".
وعند ابن إسحاق من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أما ما لكم لي ولبني عبد المطلب فهو لكم" فقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول الله، والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم أجابهم برد ما عنده صلى الله عليه وسلم في ملكه. عون المعبود 7/357 وانظر ص (443) .
3 قوله: "وأحب الحديث إلي أصدقه"، مبتدأ وخبر، والمعنى: فالكلام الصادق، والوعد الصادق أحب إلي فما قلت لكم هو كلام صادق، وما وعدتكم به فعلي إيفاؤه (المصدر السابق 7/357) .
4 وفي لفظ عند البخاري "إما المال وإما السبي".
5 وفي لفظ عند البخاري والبيهقي "وقد كنت استأنيت بهم".
وعند البخاري والبيهقي أيضا وأحمد "وقد استانيت بكم".
واستأنيت: بالمثناة قبل الألف المهموزة الساكنة ثم نون مفتوحة وتحتانية ساكنة أي انتظرت وأخرت قسم السبي لتحضروا فأبطأتم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد ترك السبي بغير قسمة وتوجه إلى الطائف فحاصرها ثم رجع عنها إلى الجعرانة ثم قسم الغنائم هناك، فجاءه وفد هوزان بعد ذلك فبين لهم أنه أخر القسم بضع عشرة ليلة ليحضروا فأبطأوا. (فتح الباري 5/171 و8/34 وهدي الساري ص: 82 وعون المعبود 7/357-358) .
6 وفي لفظ عند البخاري وأحمد والبيهقي "كان أنظرهم رسول الله بضع عشرة ليلة".
وعند البخاري أيضا "وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظرهم آخرهم بضع عشرة ليلة".
7 وعند أحمد "فأثنى على الله عز وجل بما هو أهله".
إخوانكم هؤلاء جاءونا تائبين1، وإني أردت أرد إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب2 ذلك فليفعل، ومن أحب أن يبقى على حظه حتى نعطيه إياه من أوّل ما يفئ3 الله علينا فليفعل"، فقال الناس: طيبنا4 يا رسول الله لهم5، فقال لهم:
1 وفي لفظ للبخاري وأحمد والبيهقي "فإن إخوانكم قد جاءونا تائبين" قال ابن حجر: "قال ابن بطال: كان الوفد رسلاً من هوزان، وكانوا وكلاء وشفعاء في رد سبيهم، فشفعهم النبي صلى الله عليه وسلم فيهم، فإذا طلب الوكيل أو الشفيع لنفسه ولغيره فأعطي ذلك فحكمه حكمهم، وقال الخطابي: فيه أن إقرار الوكيل على موكله مقبول؛ لأن العرفاء بمنزلة الوكلاء فيما أقيموا له من أمرهم، وبهذا قال أبو يوسف، وقيده أبو حنيفة ومحمد بالحاكم".
وقال مالك والشافعي وابن أبي ليلى: لا يصح إقرار الوكيل على الموكل، قال ابن حجر:"وليس في الحديث حجة للجواز لأن العرفاء ليسوا وكلاء وإنما هم كالأمراء عليهم، فقبول قولهم في حقهم بمنزلة قبول قول الحاكم في حق من هو حاكم عليه". (فتح الباري 4/484) .
2 يطيب: بضم أوله وفتح الطاء المهملة، وتشديد التحتانية المكسورة، والمعنى فمن أحب منكم أن يعطيه عن طيب نفس منه من غير عوض فليفعل. (المصدر السابق 8/34 وعون المعبود 7/358 وقال السهيلي:"عوض رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم تطب نفسه بالرد مما كان بيده واستطاب نفوس الباقين، وذلك أن المقاسم كانت قد وقعت فيهم فلا يجوز للإمام أن يمن على الأسرى بعد القسم، ويجوز له ذلك قبل المقاسم، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بأهل خيبر حين من عليهم، وتركهم عمالا للمسلمين في أرضهم التي افتتحوها عنوة"(الروض الأنف 7/281) .
3 يفيء: بفتح أوله ثم فاء مكسورة وهمزة بعد التحتانية الساكنة، أي يرجع إلينا من مال الكفار من خراج أو غنيمة أو غير ذلك، ولم يرد الفيء الاصطلاحي وحده (فتح الباري 5/178) .
وقال ابن الأثير: "أراد بما يفيئه الله عليه: الخمس الذي جعله الله له من الفيء خاصة دون الناس، فإنه يعطي كل من أخذ منه شيئاً عوضه من ذلك". (جامع الأصول 8/409) .
قال ابن حجر: "واستدل بالحديث على القرض إلى أجل مجهول، لقوله "حتى نعطيه من أوّل ما يفيء الله علينا" (فتح الباري 4/484) .
4 طيبنا: بتشديد التحتانية وسكون الباء الموحدة، أي رضينا بذلك. وفي رواية موسى بن عقبة "فأعطى الناس ما بأيديهم، إلا قليلاً من الناس سألوا الفداء" وفي رواية عمرو بن شعيب "فقال المهاجرون: "ما كان لنا فهو لرسول الله، وقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله، وقال الأقرع بن حابس:"أما أنا وبنو تميم فلا، وقال عيينة: اما أنا وبنو فزارة فلا".
وقال عباس بن مرداس: "أما أنا وبنو سليم فلا، فقالت بنو سليم: بل ما كان لنا فهو لرسول الله".
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تمسك منكم بحقه فله بكل إنسان ست فرائض من أول فيء نصيبه". (فتح الباري 8/34 ودلائل النبوة للبيهقي3/54أوانظر: حديث عمرو بن شعيب ص (441) .
قال ابن قيم الجوزية: "ولم يتخلف منهم أحد غير عيينة بن حصن فإنه أبى أن يرد عجوزا صارت في يده ثم ردها بعد ذلك"(زاد المعاد 3/476) .
5 وفي لفظ عند البخاري والبيهقي "قد طيبنا ذلك يا رسول الله لهم". وفي لفظ عند البخاري أيضا وأحمد "قد طيبنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم".
"إنا لا ندري من أذن منكم فيه ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم1 أمركم، فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم طيبوا2 وأذنوا وهذا الذي بلغنا من سبي هوزان.
هذا آخر قول الزهري، يعني فهذا الذي بلغنا.
1 عرفاؤكم: بالمهملة والفاء جمع عريف بوزن عظيم، وهو القائم بأمر طائفة من الناس، يلي أمورهم ويتعرف أحوالهم، سمي بذلك لكونه يتعرف أمورهم حتى يعرف بها من فوقه عند الاحتياج.
قال ابن حجر: قال ابن بطال: "في الحديث مشروعية إقامة العرفاء؛ لأن الإمام لا يمكنه أن يباشر جميع الأمور بنفسه فيحتاج إلى إقامة من يعاونه ليكفيه ما يقيمه فيه".
قال: "والأمر والنهي إذا توجه إلى الجميع يقع التواكل فيه من بعضهم فربما وقع التفريط، فإذا أقام على كل قوم عريفاً لم يسع كل أحد إلا القيام بما أمر به".
وقال ابن المنير: "في الحاشية: يستفاد منه جواز الحكم بالإقرار بغير إشهاد، فإن العرفاء ما أشهدوا على كل فرد فرد شاهدين بالرضاء، وإنما أقر الناس عندهم وهم نواب الإمام فاعتبر ذلك، وفيه أن الحاكم يرفع حكمه إلى حاكم آخر مشافهة فينفذه إذا كان كل منهما في محل ولايته. ثم عقب ابن حجر على هذا فقال قلت: وقع في سير الواقدي أن أبارهم الغفاري كان يطوف على القبائل حتى يجمع العرفاء واجتمع الأمناء على قول واحد".
ثم قال ابن حجر: "وفي الحديث أن الخبر الوارد في ذم العرفاء لا يمنع إقامة العرفاء، لأنه محمول - إن ثبت - على أن الغالب على العرفاء الاستطالة ومجاوزة الحد وترك الإنصاف المفضي إلى الوقوع في المعصية ثم قال والحديث المذكور: أخرجه أبو داود من طريق المقدام بن معد يكرب رفعه: "العرافة حق ولابد للناس من عريف، والعرفاء في النار".
ولأحمد وصحّحه ابن خزيمة من طريق عباد بن أبي علي عن أبي حازم عن أبي هريرة رفعه "ويل للأمراء، وويل للعرفاء".
قال الطيبي: "وقوله: "والعرفاء في النار" ظاهر أقيم مقام الضمير يشعر بأن العرافة على خطر، ومن باشرها غير آمن الوقوع في المحذور المفضي إلى العذاب، فهو كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} ، [سورة النساء، الآية:10] ، فينبغي للعاقل أن يكون على حذر منها لئلا يتورط فيما يؤديه إلى النار".
قال ابن حجر: "ويؤيد هذا التأويل الحديث الآخر حيث توعد الأمراء بما توعد به العرفاء، فدل على أن المراد بذلك الإشارة إلى أن كل من يدخل في ذلك لا يسلم، وأن الكل على خطر، والاستثناء مقدرا في الجميع. وأما قوله "العرافة حق" فالمراد به أصل نصبهم، فإن المصلحة تقتضيه، لما يحتاج إليه الأمر من المعاونة على ما يتعاطاه بنفسه، ويكفي في الاستدلال لذلك وجودهم في العهد النبوي، كما دل عليه حديث الباب"(فتح الباري 13/169-170) .
قلت: حديث أبي داود المشار إليه أخرجه أبو داود في سننه 2/19 كتاب الخراج والفيء والإمارة، باب في العرافة، بلفظ "إن العرافة حق ولا بد للناس من العرفاء، ولكن العرفاء في النار".
قال المنذري: "في إسناده مجاهيل"(عون المعبود 8/153) ، والحديث عند أبي داود باللفظ المذكور ليس من طريق المقدام بن معد يكرب كما قال ابن حجر رحمه الله، ويخرج قول الطيبي: أقيم الظاهر مقام الضمير على لفظ أبي داود هذا، وحديث أحمد في المسند 2/352 وعباد بن أبي علي قال فيه ابن حجر في التقريب 1/393 "مقبول".
2 طيبوا: بفتح الطاء المهملة وتشديد التحتانية، أي حملوا أنفسهم على ترك السبايا حتى طابت بذلك، يقال طيبت نفسي بكذا إذا حملتها على السماح به من غير إكراه فطابت بذلك.
قال ابن حجر: "وتقدم في غزوة حنين ما يؤخذ منه أن نسبة الإذن وغيره إليهم حقيقة، ولكن سبب ذلك مختلف فالأغلب الأكثر طابت أنفسهم أن يردوا السبي لأهله بغير عوض، وبعضهم رده بشرط التعويض"(فتح الباري 13/169) .
والحديث رواه البخاري أيضا عن سعيد بن عفير قال: حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب به1.
ورواه البخاري أيضا وأبو داود كلاهما من طريق سعيد2 بن أبي مريم حدثنا الليث به3.
ورواه البخاري أيضا والنسائي والبيهقي الجميع من طريق موسى ابن عقبة عن ابن شهاب عن الزهري به4.
ورواه البخاري أيضا وأحمد والبيهقي الجميع من طريق ابن أخي الزهري5 عن عمه به6.
رواه البيهقي أيضا من طريق يحيى بن بكير وعبد الله7 بن صالح المصريّين أن الليث بن سعد حدثهما قال: حدثني عقيل ابن شهاب به.
ثم قال عقب هذا الحديث في "السنن الكبرى" رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن بكير8.
وفي "دلائل النبوة" بعد أن ساقه قال: رواه البخاري في الصحيح عن سعيد بن عفير وعبد الله9 بن يوسف عن الليث10.
1 تقدم الحديث برقم (108) .
2 هو سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي بالولاء، أبو محمد المصري (تهذيب التهذيب 4/17) .
3 أبو داود: السنن 2/57 كتاب الجهاد، باب في فداء الأسير بالمال.
4 النسائي: في السنن الكبرى مختصرا بقصة العرفاء كما في تحفة الأشراف للمزي 8/373 حديث. (11251) .
5 ابن أخي الزهري هو: محمد بن عبد الله بن مسلم (التقريب 2/180) .
6 أحمد: المسند 4/326، والبيهقي: السنن الكبرى 9/64.
7 عبد الله بن صالح: هو المعروف بكاتب الليث (التقريب 1/423) .
8 6/360.
9 عبد الله بن يوسف التنسي - بمثناة ونون ثقيلة بعدها تحتانية ثم مهملة- أبو محمد (التقريب 1/463 وتهذيب التهذيب 6/86) .
10 3/54أ.
قال ابن حجر: في "النكت الظراف" بعد أن ذكر مواضع هذا الحديث في صحيح البخاري.
قلت: ذكر البيهقي في "الدلائل" أن البخاري أخرجه عن عبد الله بن يوسف عن الليث، ولم أره أنا فيه أهـ. (انظر النكت على هامش تحفة الأشراف للمزي 8/373) .
قلت: وقد تتبعت مواضع هذا الحديث في صحيح البخاري حسبما ذكره المزي في "تحفة الأشراف" والنابلسي "في الذخائر" وعبد الله الغنيمان في "دليل القاري" فلم أجد البخاري روى هذا الحديث عن عبد الله بن يوسف.
(انظر تحفة الأشراف 8/373 حديث 11251) وذخائر المواريث 3/95 حديث (6201) ودليل القاري ص 31 حديث (129) الرقم العام والخاص (2) .
ب- ما رواه ابن إسحاق وغيره من حديث عمرو بن شعيب وهذا سياقه:
عن ابن إسحاق قال: حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن وفد هوزان أتوا1 رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسلموا، فقالوا: "يا رسول الله إنا أصل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك فامنن علينا من الله عليك، قال: وقام رجل2 من هوزان، ثم أحد بني سعد بن أبي بكر، يقال له: زهير3 يكنى أبا صرد فقال:
يا رسول الله4 إنما في الحظائر عماتك وخالاتك
1 وعند النسائي: "قال كنا عند رسول اله صلى الله عليه وسلم إذ أتته وفد هوزان، فقالوا: يا محمد إنا أصل وعشيرة، وقد نزل بنا من البلاء ما لا يخفى عليك".
وعند أحمد: "قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وجاءته وفود هوزان، فقالوا: يا محمد إنا أصل وعشيرة فمنّ علينا من الله عليك، فإنه قد نزل بنا من البلاء ما لا يخفى عليك".
وعند الطبري: "قال أتى وفد هوزان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة، وقد أسلموا فقالوا: يا رسول الله إنا أصل وعشيرة".
وعند البيهقي "قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين فلما أصاب من هوزان ما أصاب من أموالهم وسباياهم أدركه وفد هوزان بالجعرانة وقد أسلموا فقالوا يا رسول الله لنا أصل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك".
2 وعند الطبري "فقام رجل من هوزان - أحد بني سعد بن بكر، وكان بنو سعد هم الذين أرضعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: زهير بن صرد وكان يكنى بأبي صرد".
3 زهير - بضم الزاي وفتح الهاء وسكون التحتية- ابن صرد - بضم الصاد وفتح الراء ودال مهملات، مصروف ليس معدولاً - السعدي الجشمي أبو صرد، وقيل: أبو جرول، سكن الشام وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد قومه من هوزان (أسد الغابة لابن الأثير 2/262، وكتاب المغني لابن طاهر الهندي ص 46 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 4/4) وصرف (صرد) ؛ لأنه اسم جنس، وليس علما، قال الخضري في حاشيته على شرح ابن عقيل في الكلام على العلم المعدول، قوله:"العلم المعدول"، أي: عدلا تقديريا فإن طريق العلم بعدل هذا النوع سماعه غير مصروف مع علة العلمية فقط، فيقدر فيه العدل لئلا يترتب المنع على علة واحدة فلو سمع مصروفا لم يحكم بعدله، كأدد، وكذا غير العلم من اسم الجنس كنغر وصرد إلخ (حاشية الخضري 2/107) .
4 وعند البيهقي في "الدلائل " وقام خطيبهم زهير بن صرد فقال: يا رسول الله إنما في الحظائر من السبايا خالاتك وعماتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك "وعند الطبري" فقال رسول الله: "نساؤنا عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كفلنك"، وعند الواقدي في المغازي 3/949-950 "وكان في الوفد عم النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، قال: يومئذ: يا رسول الله إنما في هذه الحظائر من كان يكفلنك من عماتك وخالتك وحواضنك، وقد حضناك في حجورنا وأرضعناك بثدينا، ولقد رأيتك مرضعا فما رأيت مرضعاً خيرا منك، ورأيتك فطيماً فيما رأيت فطيماً خيراً منك، ثم رأيتك شاباً، فما رأيت شاباً خيراً منك، وقد تكاملت فيك خلال الخير، ونحن مع ذلك أهلك وعشيرتك فامنن علينا من الله عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد استأنيت بكم حتى ظننت أنكم لا تقدمون، وقد قسم السبي وجرت فيهم السهمان".
الحديث، وعنده أيضا "ويقال: أن أبا الصرد زهير بن صرد قال يومئذ: إنما في هذه الحظائر أخواتك وعماتك وبنات عماتك، وخالاتك وبنات خالاتك وأبعدهن قريب منك يا رسول الله، بأبي أنت وأمي إنهن حضنك في حجورهن وأرضعنك بثديهن، وتوركنك على أوراكهن، وأنت خير المكفولين".
وحواضنك1 اللاتي كن يكفلنك ولو أنا ملحنا2 للحارث بن أبي شمير، أو النعمان بن المنذر، ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به، رجونا عطفه وعائدته علينا وأنت خير المكفولين، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ "3. فقالوا: "خيرتنا يا رسول الله بين أموالنا وأحسابنا، بل ترد إلينا نسائنا وأبناءنا4 فهو أحب إلينا، فقال لهم: "أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وإذا ما أنا صليت الظهر بالناس5، فقوموا فقولوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا، فسأعطيكم عند ذلك، وأسأل لكم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر، قاموا فتكلموا6 بالذي أمرهم به، فقال
1 الحواضن: جمع حاضنة وهي التي تقوم بتربية الصبي والحضانة: بالفتح فعلها، والحضن: بالكسر الجنب وهما حضنان. (اللسان 16/178-279 ومختار الصحاح ص 142) .
2 قال ابن هشام: "ويروي ولو أنا ما لحنا الحارث بن أبي شمر أو النعمان ابن المنذر" أهـ. قلت: "وهي رواية البخاري في التاريخ الصغير".
والملح: بالفتح والكسر: الرضع والممالحة المراضعة (النهاية لأبن الأثير 4/354، والروض الأنف للسهيلي 7/279) .
وعند الطبراني في معجمه الكبير: 5/312 ولو أنا لحقنا الحارث بن أبي شمر والنعمان ابن المنذر، ثم نزل بنا منه إلخ.
3 وعند النسائي: فقال: "اختاروا من أموالكم أو من نسائكم وأبنائكم"، فقالوا:"قد خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا، بل نختار نساءنا وأبناءنا".
وعند أحمد:"فقال: اختاروا بين نسائكم وأموالكم وأبنائكم، قالوا: خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا، نختار أبناءنا" وعند البيهقي "نساؤكمو أبناؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ فقالوا: يا رسول الله خيرتنا بين أحبابنا وبين أموالنا أبناؤنا ونساؤنا أحب إلينا".
4 وعند أحمد "بل ترد علينا نساؤنا وأبناؤنا بالبناء للمفعول، وعند الطبري: "بل ترد علينا أموالنا ونساؤنا" ولفظ (أموالنا خطأ) والصواب "أبناءنا ونساءنا" لأنه خيرهم بين الأموال والأحساب دون الجمع بينهما.
5 وعند النسائي "فإذا صليت الظهر فقوموا فقولوا: إنا نستعين برسول الله على المؤمنين، أو المسلمين في نسائنا وأبنائنا" وعند أحمد "فإذا صليت بالناس الظهر" وعند الواقدي "وإذا صليت الظهر بالناس فقولوا: إنا لنستشفع برسول الله إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله".
6 عند النسائي: "قاموا فقالوا ذلك". وعند أحمد: "قال: ففعلوا".
وعند الطبراني: "قاموا فكلموه بما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وعند البيهقي: "قاموا فقالوا ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وعند الواقدي: " قاموا فتكلموا بالذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم".
فقالوا: "إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله".
رسول اله صلى الله عليه وسلم: "وأما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم"، فقال المهاجرون:"وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم1. فقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا. وقال عيينة بن حصن: أما أن وبنو فزازة فلا. وقال عباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا. فقالت بنو سليم: بلى، ما كان لنا فهو لرسول الله2. قال: يقول عباس بن مرداس لبنو سليم: وهنتموني3، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي4، فله بكل إنسان ست فرائض5، من أول سبي أصيبه، فردوا إلى الناس أبنائهم ونسائهم" الحديث.
والحديث رواه أبو داود من طريق حماد بن سلمة عن ابن إسحاق مختصرا عقب حديث مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة.
ورواه النسائي وأحمد كلاهما من طريق حماد بن سلمة بتمامه.
ورواه الطبري من طريق سلمة بن الفضل الأبرش.
والبيهقي من طريق يونس بن بكير كلاهما عن ابن إسحاق بتمامه.
ورواه أيضا أحمد من طريق إبراهيم بن سعد.
والبيهقي من طريق يونس بن بكير.
1 وعند الطبراني: "وقالت الأنصار مثل ذلك".
2 وعند النسائي: "فقامت بنو سليم فقالوا: كذبت ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم".
وعند أحمد: "قالت بنو سليم: لا ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ".
وعند البيهقي: "فقالت بنو سليم: بل ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم".
3 وهنتموني: أضعفتموني وفي القاموس المحيط 4/276: وهنه وأوهنه ووهنه: أضعفه.
4 وعند النسائي: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس ردوا عليهم نساءهم وأبناءهم فمن تمسك من هذا الفيء بشيء فله علينا ستة فرائض من أوّل شيء يفئه الله عز وجل علينا".
وعند أحمد: "فمن تمسك بشيء من الفيء فله علينا ستة فرائض من أول شيء يفيئه الله علينا".
وعند الطبراني: "فله ست قلائص من أول فيء نصيبه" وعند الواقدي: "وتمسكت بنو سليم مع الأقرع بالسبي، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الفداء ست فرائض، ثلاث حقاق وثلاث جذاع".
5 الفرائض: جمع فريضة: يريد به: البعير المأخوذة في الزكاة سمي به فريضة، لأنه الواجب على رب المال، ثم سمي البعير فريضة في غير الزكاة. (جامع الأصول 8/409) .
والطبراني من طريق محمد بن سلمة الباهلي ثلاثتهم عن ابن إسحاق إلى قوله "نسائهم وأبنائهم"1.
ورواه البخاري في "التاريخ الصغير" من طريق عبد الله بن إدريس عن ابن إسحاق إلى قوله "ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم"2.
وأورده الهيثمي، ثم قال:"رواه أبو داود باختصارٍ كثير، ورواه أحمد، ورجال أحد إسناديه ثقات"3. اهـ.
والحديث رواه النسائي أيضا تاما كما بينت ذلك.
ويشهد له حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم4.
ج-ما رواه الطبراني في معاجمه الثلاثة من حديث زهير بن صرد وهذا سياقه من المعجم الصغير قال:
210-
حدثنا عبيد الله5 بن رماحس القيسي برمادة الرملة6 سنة أربع وسبعين ومائتين، حدثنا أبو عمر زياد7 بن طارق وكان قد أتت عليه8 عشرون ومائة
1 الطبراني المعجم الكبير 5/312.
2 التاريخ الصغير ص 5 ورواه الواقدي أيضا في مغازيه 3/949-954. وتقدم تخريجه برقم (130) ص 227 وتحت حديث رقم (180) ص 371.
3 مجمع الزوائد 6/187-188.
4 تقدم الحديث في ص 435.
5 عبيد الله بن رماحس - بضم الراء وفتح الميم وكسر الحاء المهملة وفي آخره سين مهملة- الجشمي- بضم الجيم وفتح الشين المعجمة - القيسي الرمادي الرملي.
قال الذهبي: روى عن زياد بن طارق، وعنه الأمير بدر الحمامي، وأبو القاسم الطبراني، وأحمد بن إسماعيل بن عاصم، وأبو سعيد بن الأعرابي والحسن بن زيد الجعفري، ومحمد بن إبراهيم بن عيسى المقدسي.
ثم قال الذهبي: وكان معمرا، رأيت للمتقدمين فيه جرحا، وما هو بمعتمد عليه (ميزان الاعتدال 2/90و3/6 والاستيعاب لابن عبد البر 1/577مع الإصابة، واللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير 2/35و36 ومعجم البلدان لياقوت 3/66 وتاريخ بغداد 7/105و106 وقد حصل في هذه الترجمة خطأ مطبعي في معاجم الطبراني الثلاثة وغيرها، في كلمة (رماحس) فوقعت في المعجم الصغير (رما حبيب) وفي الكبير (رماحي) وفي الأوسط (رماجس) بالجيم، وكذا في لسان الميزان لابن حجر.
وفي شرح المواهب اللدنية (دماحش) والصواب ما أثبتناه.
6 هي رمادة فلسطين كما في معجم البلدان. وفي شرح المواهب الدنية (بزيادة الرملة) الزاي والياء وهو خطأ.
7 زياد بن طارق بن أبي جرول، نكرة لا يعرف، تفرد عنه عبيد الله ابن رماحس (ميزان الإعتدال 2/90) .
وقال ابن حجر: "وقد ضبطه الدارقطني في المؤتلف والمختلف بفتح الزاي وتشديد الياء، فكان ينبغي إفراده. ثم قال: وقال أبو منصور البارودي في كتاب "معرفة الصحابة" أنه مجهول"(لسان الميزان 2/495) .
8 في المعجم الكبير: "وكان قد لبث عليه عشرون ومائة سنة".
سنة سمعت أبا جرول زهير1 بن صرد الجشمي يقول: لما أسرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين يوم هوزان وذهب يفرق السبي والشاء2 أتيته وأنشأت أقول هذا الشعر:
أمنن علينا رسول الله في كرم
…
فإنك المرء نرجوه وننتظر3
أمنن على بيضة قد عاقها قدر
…
مملها في دهرها غير4
أبقت لنا الدهر هتافا على حزن
…
على قلوبهم الغَمَّاء والغَمَر5
إن لم تداركهم نعماء تنشرها
…
يا أرجح الناس حلما حين يختبر6
أمنن على نسوة قد كنت ترضعها
…
إذ فوك تملأه من مخضها الدرر7
إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها
…
وإذ يزينك ما تأتي وما تذر8
لاتجعلنا كمن شالت نعماته
…
واستبق منه فإنا معشر زهر9
إنا لنشكر للنعماء إذ كفرت
…
وعندنا بعد هذا اليوم مدخر10
1 تقدمت ترجمته ص (441) وعلى أنه يكنى أبا صرد أيضاً.
2 في المعجم الكبير: "وذهب يفرق الشبان والسبي". والظاهر أنه خطأ؛ لأن الشبان من جملة السبي.
3 أمنن: بهمزة مضمومة فميم ساكنة فنون مضمومة فأخرى ساكنة، أي: أحسن إلينا من غير طلب ثواب ولا جزاء. (ورسول الله) منادى بحرف نداء محذوف، (والمرء) بفتح الميم وبالراء والهمزة (وأل) لاستغراق أفراد الجنس أي أنت المرء الجامع للصفات المحمودة المتفرقة في الرجال.
(بيضة) أهل العشيرة، و (غير) بكسر المعجمة وفتح الياء: تغير حال وانتقالها من صلاح لفساد.
(الدهر) نصب معمول (أبقت)، (وهتافا) بفتح الهاء وفوقية وفاء أي ذا هتف أي صوت مشتمل على (حزن) بفتحتين. (والغماء) بفتح المعجمة وشد الميم أي الحزن لأنه يغطي السرور. (والغمر) بفتح المعجمة وتكسر وميم مفتوحة وراء: الحقد.
(إن لم تداركهم نعماء تنشرها) عليهم هلكوا فجواب إن محذوف أو شرط في (أبقيت) فلا حذف.
(ترضعها) بفتح الفوقية: و (مخضها) بفتح الميم وسكون المعجمة: لبنها الخالص، و (الدرر) بكسر المهملة وفتح الراء الأولى: كثرة اللبن وسيلانه جمع درة.
(يزينك) بفتح الياء وكسر الزاي، و (تذر) أي تترك.
(شرح المواهب اللدنية 4/4-5)
(لاتجعلنا) بتشديد النون، و (شالت) ارتفعت، (والنعامة) باطن القدم، ومعنى شالت نعامته أي هلك.
(وزهر) بضمتين. والأزهر من الرجال: الأبيض النير الحسن وهو أحسن البياض كأنه له بريقا (اللسان 5/430) .
10 "النعماء" بفتح النون وإسكان العين وميم والمد: النعمة.
(إذ كفرت) بالبناء للمجهول، وكفران النعمة: جحدها وسترها وعدم الاعتراف بها لمسديها، و (مدخر) بميم مضمومة فمهملة مشددة فمعجمة مفتوحتين فراء.
فألبس العفو من قد كنت ترضعه
…
من أمهاتك إن العفو مشتهر1
يا خير من مرحت كمت الجياد له
…
عند الهياج إذا ما استوقد الشرر2
إنا نؤمل عفوا منك تلبسه
…
هذى البرية إذ تعفو وتنتصر3
فاعفو عفا الله عما أنت راهبه
…
يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر4
قال: فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشعر، قال صلى الله عليه وسلم:"ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم". وقالت قريش: "ما كان لنا فهو لله ولرسوله"، وقالت الأنصار:"ما كان لنا فهو لله ولرسوله". لم يرو عن زهير بن صرد بهذا التمام إلا بهذا الإسناد. تفرد به عبيد الله5.
ومن طريقه رواه الخطيب في تاريخه6.
(فألبس) بفتح الهمزة وكسر الموحدة، (إن العفو مشتهر) أي حسنه بين الناس.
(مرحت) بفتح الميم والراء والحاء المهملة: نشطت و (كمت) بضم الكاف وسكون الميم وفوقية جمع كميت و (الجياد) بكسر الجيم و (الهياج) بكسر الهاء وخفة التحتية وجيم: القتال، والكميت من الخيل بين الأسود والأحمر.
(انظر: المصباح المنير 2/654-655) .
(نؤمل) نرجو، و (تلبسه) بضم الفوقية وسكون اللام وكسر الموحدة، (هذى البرية) إشارة للنسوة التي طلب العفو عنهن.
ووقع في المعجم الكبير للطبراني: (هادي البرية) بهاء ودال مهملة وهو منادي أي يا هادي البرية، (إذ تعفو وتنتصر) أي فتجمع بين الحسنين النصر والعفو.
(فاعفو) بواو الإشباع أو حكي لغة من يجري المعتل مجرى الصحيح.
وفي المعجم الكبير للطبراني "فاعف" بحذف الواو و (راهبه) بموحدة أي خائفة، والظفر: الفوز (شرح المواهب اللدنية للزرقاني 4/5) .
وقد وردت بعض هذه الأبيات من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عند الطبراني في المعجم الكبير 5/312 من طريق محمد بن سلمة عن ابن إسحاق، والبيهقي في الدلائل 3/54-55 من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق.
وساق السهيلي هذه الأبيات في الروض الأنف 7/280.
ثم قال: لم يذكر ابن إسحاق شعر زهير في النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين في رواية البكائي، وذكره في رواية إبراهيم بن سعد عنه.
قلت: "وهذه الرواية ساقها ابن عبد البر في الاستيعاب 1/575-577 مع الإصابة من رواية إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق".
5 المعجم الصغير: 1/236-237. والكبير: 5/311-312. والأوسط 2/244 رقم 77 "مجمع البحرين".
6 تاريخ بغداد: للخطيب البغدادي7/105-106.
قال الهيثمي: "رواه الطبراني في ثلاثة، وفيه من لم أعرفهم"1.
والحديث أعله الذهبي بالجهالة، والانقطاع، أما الجهالة: فقد قال عن عبيد الله بأنه لم يعرف فيه جرحا ولا تعديلا، وقال عن زياد بأنه نكرة لا يعرف.
وأما الانقطاع فقد قال في أثناء ترجمة عبيد الله: ثم رأيت الحديث الذي رواه، له علة قادحة.
قال أبو عمر بن عبد البر في شعر زهير: "رواه عبيد الله بن رماحس عن زياد بن طارق، عن زياد بن صرد بن زهير، عن أبيه، عن جده زهير ابن صرد، فعمد عبيد الله إلى الإسناد وأسقط رجلين منه، وما قنع بذلك حتى صرح بأن زياد بن طارق قال حدثني زهير، كذا في معجم الطبراني وغيره بإسقاط اثنين من سنده"2.
ورد هذا ابن حجر فقد نقل قول الذهبي هذا، ثم قال:"وهذا الذي قاله المؤلف3 تحكم لا دليل له عليه ولا له فيما حكاه عن ابن عبد البر ترجمة قائمة".
وسياقه يقتضي أن هذا كلّه كلام ابن عبد البر، وليس كذلك، بل من قوله، فعمد عبيد الله إلى آخر الترجمة، قاله المؤلف من عند نفسه بانيا على صحة ما حكاه ابن عبد البر.
ثم ساق ابن حجر بإسناده إلى كتاب "الاستيعاب" لابن عبد البر أنه قال: "زهير بن صرد الجشمي السعدى من بني سعد بن بكر وقيل يكنى أبا جرول كان رئيس قومه وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد هوزان إذ فزع من حنين فساق أبو عمر القصة، ثم أسندها من طريق ابن إسحاق، ثم قال في آخره إلا أن في الشعر بيتين لم يذكرهما محمد بن إسحاق في حديثه، وذكرهما عبيد الله بن رماحس عن زياد بن طارق عن زياد بن صرد بن زهير بن صرد عن أبيه عن جده زهير بن صرد أبي جرول أنه حدثه هذا الحديث" انتهى كلام ابن عبد البر.
ثم قال ابن حجر: "فهذا كما تراه حكاه ابن عبد البر مرسلا ولم يسق إسناده إلى
1 مجمع الزوائد 6/186-187.
2 ميزان الاعتدال 3/6.
3 يريد الذهبي.
عبيد الله بن رماحس حتى يعلم
…
ثم قال: والحديث رواه عن عبيد الله الستة1 الذين ذكرهم المؤلف2، وأبو بكر محمد ن أحمد بن محمويه العسكرية وأبو الحسين أحمد بن زكريا، وعبيد الله بن علي بن خواص، فهؤلاء عدد من الثقات رووه عن عبيد الله بن رماحس أنه قال: حدثنا زياد قال سمعت أبا جرول زهير بن الصرد، فالظاهر أن قولهم أولى بالصواب، والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد لا سيما وهو لم يسم.
ثم أورد ابن حجر عدة طرق لهذا الحديث عن الطبراني وغيره من العلماء كلها تدور على عبيد الله بن رماحس، ثم قال في نهاية تلك الطرق فكملت ذلك عندي عدة من رواه عن عبيد الله بن رماحس غير الطبراني أربعة عشر نفسا".
ثم قال: "فالحديث حسن الإسناد، لأن راوييه مستوران لم يتحقق أهليتهما ولم يجرحا، ولحديثهما شاهد قوي3، وصرحا بالسماع، وأما رميا بالتدليس لا سيما تدليس التسوية الذي هو أفحش أنواع التدليس، إلا في القول الذي حكيناه آنفا عن ابن عبد البر، ولا يثبت ذلك إن شاء الله".اهـ. كلام ابن حجر بتصرف4.
وخلاصة القول في هذا أن ابن حجر يرى أن الحديث متصل وأنه من ثلاثيات الطبراني5 وهو حسن بالمتابعة، وأن ما قاله ابن عبد البر عن هذا الحديث بأنه منقطع قول بدون برهان. وأن ما بناه الذهبي على قول ابن عبد البر في تضعيف هذا الحديث غير سديد.
ما رواه ابن سعد والطبري من مرسل سعيد بن المسيب وهذا سياقه عند الطبري: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال ثنا محمد بن ثور عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب، أنهم أصابوا يومئذ ستة آلاف سبي، ثم جاء قومهم مسلمين بعد ذلك، فقالوا: يا رسول الله، أنت خير الناس وأبر الناس، وقد أخذت أبناءنا ونساءنا
1 انظر حديث (210) تعليقه (5) ص 444.
2 يريد الذهبي.
3 من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند ابن إسحاق انظر ص 441-444.
(لسان الميزان 4/99-104 وفتح الباري 8/34 والإصابة 1/553 والاستيعاب 1/575-577 مع الإصابة، والمواهب اللدنية 1/234-235، وشرح المواهب 4/4-6) .
5 أي أن بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه ثلاثة أنفس.
وأموالنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن عندي من ترون، وإن خير القول أصدقه، اختاروا إما ذَرَارِيَّكم، ونساءكم، وإما أموالكم"، قالوا: ما كان نعدل بالأحساب شيئا.
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن هؤلاء قد جاءوني مسلمين وإنا خيرناهم بين الذراري والأموال، فلم يعدلوا بالأحساب شيئا، فمن كان بيده منهم شيء، فطابت نفسه أن يرده فليفعل ذلك، ومن لا، فليعطنا، وليكن قرضا علينا حتى نصيب شيئا فنعطيه مكانه"، فقالوا: يا نبي الله رضينا وسلمنا، فقال:"إني لا أدري، لعل منكم من لا يرضى، فمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إلينا" فرفعت إليه العرفاء أن قد رضوا وسلموا 1.
والحديث رواه عبد الرزاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير غير أنه فصل قول كل واحد عن الآخر، وهذا سياقه:
فقال: قال الزهري: وأخبرني سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم سبى يومئذ ستة آلاف سبي من امرأة وغلام، فجعل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبا سفيان بن حرب.
ثم قال: قال الزهري: وأخبرني عروة بن الزبير قال لما رجعت هوزان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أنت أبر الناس وأوصلهم، وقد سبي أموالنا ونساؤنا، وأخذت أموالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إني كنت استأنيت بكم ومعي من ترون، وأحب القول إلي أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين، إما المال، وإما السبي" فقالوا: "يا رسول الله: أما إذا خيرتنا بين المال وبين الحسب، فإنا نختار الحسب- أو قال: ما كنا نعدل بالحسب شيئا – فاختاروا نسائهم وأبناءهم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطب في المسلمين، "فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء قد جاءوا مسلمين، أو مستسلمين وإنا قد خيرناهم بين الذراري والأموال، فلم يعدلوا بالأحساب، وإني قد رأيت أن تردوا إليهم أبناءهم ونساءهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب أن يكتب علينا حصته من ذلك حتى نعطيه من بعض ما يفيئه الله علينا فليفعل، قال: فقال المسلمون: طيبنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني لا أدري من أذن في ذلك ممن لم يأذن، فأمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إلينا،
1 جامع البيان 10/102، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/155.
وتقدم برقم (107) .
فلما رفعت العرفاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الناس قد سلموا ذلك وأذنوا فيه، رد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هوزان نساءهم وأبناءهم وخير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كان أعطاهن رجالا من قريش بين أن يلبثن عند من عنده، وبين يرجعن إلى أهلن".
قال الزهري: "فبلغني أن امرأة منهم كانت تحت عبد الرحمن بن عوف فخيرت فاختارت أن ترجع إلى أهلها وتركت عبد الرحمن، وكان معجبا بها، وأخرى عند صفوان بن أمية فاختارت أهلها".
قال الزهري: "فأخبرني سعيد بن المسيب قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قسم بين المسلمين ثم اعتمر من الجعرانة بعد ما قفل من غزوة حنين، ثم انطلق إلى المدينة، ثم أمر أبا بكر على تلك الحجة1. ما رواه ابن أبي شيبة من مرسل عبد الله بن عبيد وهذا سياقه:
211-
حدثنا عبيد الله2 بن موسى قال: أنا موسى3 عن أخيه عبد الله4 بن عبيد أن نفرا من هوزان جاءوا بعد الوقعة، فقالوا: يا رسول الله إنا نرغب في رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: في أي ذلك ترغبون أفي الحسب أم في المال؟
قالوا: بل في الحسب والأمهات والبنات، وأما المال فسيرزقنا الله، قال: أما أنا فأرد ما في يدي وأيدي بني هاشم من عورتكم، وأما الناس فسأشفع لكم إليهم، إذا صليت إن شاء الله، فقوموا وقولوا كذا وكذا، فعلمهم ما يقولون، ففعلوا ما أمرهم به، وشفع لهم ولم يبق أحد من المسلمين إلا رد ما في يده من عورتهم غير الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن، امسكا الأموال التي في أيديهما 5.
1 مصنف عبد الرزاق 5/380-382.
المشهور أن الأمير على تلك الحجة كان عتاب بن أسيد.
انظر تفسير ابن كثير 2/332 وص (723) .
2 عبيد الله بن موسى بن أبي المختار تقدم في حديث (70) .
3 موسى بن عبيدة - بضم أوله - ابن نشيط - بفتح النون وكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة - الربذي - بفتح الراء والموحدة ثم المعجمة، أبو عبد العزيز المدني، ضعيف، ولا سيما في عبد الله بن دينار، وكان عابدا من صغار السادسة (ت153) / ت ق. (التقريب 2/286، وتهذيب التهذيب 10/356-360) .
4 عبد الله بن عبيدة بن نشيط، أخو الذي قبله ثقة من الرابعة قتلته الخوارج بقديد سنة (130) / خ (التقريب 1/431 وتهذيب التهذيب 5/309) .
5 تاريخ ابن أبي شيبة ص 91ب.
والحديث مرسل، وفيه موسى بن عبيد وهو ضعيف.
وهذه الآثار يقوي بعضها بعضاً وتعتضد بالأحاديث السابقة واللاحقة.
ما رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمر في إعطاء عمر بن الخطاب جارية من سبي هوزان وهذا سياقه:
212-
حدثني أبو طاهر1 أخبرنا عبد الله بن وهب حدثنا جرير ابن حازم أن أيوب2 حدثه أن نافعا حدثه أن عبد الله بن عمر حدثه أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة بعد أن رجع من الطائف فقال رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام فكيف ترى؟ قال: "اذهب فاعتكف يوما"3. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاه جارية من الخمس فلما أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس سمع عمر بن الخطاب أصواتهم يقولون أعتقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا؟ فقالوا: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس. فقال عمر: يا عبد الله! اذهب إلى تلك الجارة فخل سبيلها 4.
والحديث رواه البخاري من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله إنه كان علي اعتكاف يوم الجاهلية، الحديث وفيه: "قال: وأصاب عمر جاريتين5 من سبي حنين فوضعهما في بعض بيوت مكة، قال فمن رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبي حنين فجعلوا يسعون في السكك، فقال عمر: يا عبد الله انظر ما هذا؟
1 أبو طاهر: هو أحمد بن عمرو بن السرح - بمهملات - المصري التهذيب 1/64.
2 هو أيوب السختياني (تهذيب التهذيب 1/397 و10/413) .
3 سياتي الكلام على نذر عمر الإعتكاف في الأحكام تحت حديث (271) ص 618.
4 مسلم: الصحيح 3/1277 كتاب الإيمان: باب النذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم ورواه البيهقي في السنن الكبرى 6/338 من طريق الحسن بن سفيان ثنا أبو طاهر ثنا ابن وهب ثنا جرير بن حازم به. ثم قال: "رواه مسلم في الصحيح عن أبي طاهر واستشهد به البخاري".
5 في بعض الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه جارية فقط، قال ابن حجر:"يجمع بين الروايات بأن عمر أعطى إحدى جاريتيه ابنه عبد الله بن عمر، كما هو في رواية ابن إسحاق"(فتح الباري8/36) وانظر رواية ابن إسحاق حديث (213) ص455.
فقال: "من رسول الله صلى الله عليه وسلم على السبي، قال: اذهب فأرسل الجاريتين". الحديث1.
فقد روى الحديث هنا مرسلا بإسقاط ابن عمر، ثم قال: ورواه معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر في النذر.
ثم أعاد حديث حماد بن زيد في المغازي مرسلا أيضا ثم اتبعه برواية معمر عن أيوب موصولا، ولكن في قصة النذر فقط.
ثم قال: وقال بعضهم: حماد2 عن أيوب عن نافع عن ابن عمر.
ورواه جرير بن حازم وحماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم3 اهـ.
قال ابن حجر: "كذا رواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع مرسلا ليس فيه ابن عمر، وسيأتي في المغازي أن البخاري نقل أن بعضهم4 رواه عن حماد بن زيد موصولا، وهو عند مسلم وابن خزيمة لكن في القصة الثالثة المتعلقة بعمرة الجعرانة، لا في جميع الحديث"5.
1 البخاري: الصحيح 4/74 كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه والحديث اشتمل على ثلاث مسائل:
نذر عمر بن الخطاب الاعتكاف في الجاهلية، واعطاه جاريتين من سبي هوزان، وعمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مكن الجعرانة.
2 حماد: هنا هو ابن زيد، فإنه ذكر عقبه رواية حماد بن سلمة وهي مخالفة لسياقه. (فتح الباري 8/35) .
3 البخاري: الصحيح 5/127 كتاب المغازي، باب ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا إلخ. وانظر سياق الحديث تحت رقم (271) .
ورواه مسلم في الصحيح 3/1278 كتاب الإيمان، باب نذر الكافر وما فيه إذا سلم عقب رواية جرير بن حازم من طريق عبد الرزاق عن معمر به، وقال: اعتكاف يوم، ثم ذكر بمعنى حديث جرير بن حازم. ورواه أحمد في مسنده 2/35 عن عبد الرزاق عن معمر به ولفظه:
"قال: لما قفل النبي صلى الله عليه وسلم من حنين سأل عمر عن نذر كان نذره في الجاهلية، اعتكاف يوم فأمره به، فانطلق عمر بين يديه، قال: وبعث معي بجارية كان أصابها يوم حنين، قال: فجعلتاها في بعض بيوت الأعراب حين نزلت فإذا أنا بسبي حنين قد خرجوا يسعون ويقولون: أعتقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال عمر لعبد الله: اذهب فأرسلها، قال: فذهبت فأرسلتها".
4 هذا البعض المبهم هو أحمد بن عبدة الضبي، انظر ص (454) .
5 رواه مسلم في الصحيح 3/1278 كتاب الأيمان، باب نذر الكافر، وما يفعل فيه إذا أسلم، وابن خزيمة في صحيحه 3/347 كلاهما عن أحمد بن عبدة الضبي حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب عن نافع قال: ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة فقال: لم يعتمر منها، قال: وكان عمر نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية. ثم ذكر نحو حديث جرير بن حازم ومعمر عن أيوب، لفظ مسلم.
وذكر هنا1 أن معمرا وصله أيضا عن أيوب، ورواية معمر وصلها في المغازي وهو في قصة النذر فقط2.
وذكر في المغازي أيضا أن حماد بن سلمة رواه موصولا3، وهو أيضا في النذر فقط.
وقال في المغازي هكذا ذكر البخاري حديث حماد بن زيد عن أيوب مرسلا مختصرا، ثم عقبه برواية معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موصولا تاما.
وقد عاب الإسماعيلي جمعهما4 لأن قوله: "لما قفلنا من حنين" لم يقع في رواية حماد بن زيد أي الرواية الأولى المرسلة.
والجواب أن البخاري إنما نظر إلى أصل الحديث لا إلى النقص والزيادة في ألفاظ الرواة.
وإنما أورد طريق حماد بن زيد المرسلة للإشارة إلى أن روايته مرجوحة، لأن جماعة من أصحاب شيخه أيوب خالفوه فيه فوصلوه، بل بعض أصحاب حماد بن زيد رواه عنه موصولا5، كما أشار إليه البخاري أيضاً هنا6.
على أن رواية حماد بن زيد وإن لم يقع فيها ذكر القفول من حنين صريحا لكنه فيها ضمنا كما سأبينه، وقد وقع في رواية بعضهم، ما ليس عند معمر أيضا مما هو ادخل في المقصود الباب كما سأبينه، فأما بقية اللفظ الرواية الأولى7 فقد ساقها في فرض
1 يريد في كتاب فرض الخمس 4/74.
2 انظر: الرواية في تعليقه (3) من ص 452.
3 وراوية حماد بن سلمة أخرجها أحمد في مسنده 2/153.
فقال حدثنا عبد الصمد وعفان قالا: ثنا حماد بن سلمة أنا أيوب عن نافع عن ابن عمر أن عمر رضي الله عنه: سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فقال: "إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام".
قال عبد الصمد: "ومعه غلام من سبي هوزان فقال له: اذهب فاعتكف، فذهب فاعتكف فبينما هو يصلي إذ سمع الناس يقولون: أعتق رسول الله سبي هوزان، فدعا الغلام فأعتقه.
4 يعني رواية حماد بن زيد ورواية معمر.
5 هو أحمد بن عبدة الضبي، انظر ص 452 تعليقة (4) .
6 يريد في المغازي.
7 يريد رواية حماد بن زيد.
الخمس بلفظ "أن عمر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كان عليَّ اعتكاف ليلة1 في الجاهلية فأمره أن يفي به.
قال: "وأصاب عمر جاريتين من سبي حنين فوضعهما في بعض بيوت مكة". الحديث.
وكذا أورده الإسماعيلي2 من طريق سليمان3 بن حرب وأبي ربيع الزهراني وخلف بن هشام كلهم عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع "أن عمر كان عليه اعتكاف ليلة في الجاهلية، فلما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة سأله عنه، فأمره أن يعتكف" لفظ أبي الربيع.
ثم قال ابن حجر: قلت: "وكان نزول النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة بعد رجوعه من الطائف بالاتفاق، وكذا سبي حنين إنما قسم بعد الرجوع منها، فاتحدت رواية حماد بن زيد ومعمر معنى، وظهر رد ما اعترض به الإسماعيلي".
وأما رواية من رواه عن حماد بن زيد موصولا فأشار إليه البخاري بقوله: "وقال بعضهم عن حماد إلخ" فالمراد بحماد بن زيد، فإنه ذكر عقبه رواية حماد بن سلمة وهي مخالفة لسياقه4.
والمراد بالبعض المبهم: أحمد بن عبدة الضبي، كذلك أخرجه الإسماعيلي من طريقه فقال: أخبرني القاسم هو ابن زكريا حدثنا أحمد بن عبدة الضبي حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: "كان عمر نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يفي به".
وكذا أخرجه مسلم وابن خزيمة5 عن أحمد بن عبدة وذكرا فيه إنكار ابن عمر عمرة الجعرانة، ولم يسق مسلم لفظه6.
1 لفظ الحديث "اعتكاف يوم".
2 الإسماعيلي: هو أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل، تقدم
3 سليمان بن حرب الأزدي، الواشحي - بمعجمة ثم مهملة - البصري ثقة إمام حافظ، وأبو ربيع الزهراني هو: سليمان بن داود العتكي ثقة، وخلف بن هشام بن ثعلب البغدادي المقري ثقة (انظر تهذيب التهذيب 3/156 و4/178 و190، والتقريب 1/226 و322 و324) .
4 رواية حماد بن سلمة عند أحمد انظر ص 453 تعليقه (3) .
5 انظر: الرواية في ص 453 تعليقة (1) .
6 فتح الباري 6/252-253 و8/35-36.
وفي هدي الساري قال: قال الدارقطني حديث حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر أصاب جاريتين من سبي حنين، وفي أوله أن عمر قال: نذرت نذرا هكذا أخرجه مرسلا.
ووصل حديث النذر حماد بن سلمة وجرير بن حازم وجماعة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر وهو صحيح.
ووصل حديث الجاريتين جرير بن حازم عن أيوب وقول حماد أصح1.
ثم عقب ابن حجر على هذا فقال: قلت: "إذا صح أصل الحديث صح قول من وصله وقد بين البخاري الخلاف فيه، وقد قدمناه أنه في مثل هذا يعتمد على القرائن والله الموفق"2.اهـ.
ما أخرجه أحمد والطبري من طريق ابن إسحاق وهذا لفظ أحمد:
213-
حدثنا يعقوب3 ثنا أبي4 عن ابن إسحاق حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر قال: "أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب جارية من سبي هوزان فوهبها لي فبعثت بها إلى أخوالي من بني جمح5 ليصلحوا لي منها حتى أطوف بالبيت ثم آتيهم، وأنا أريد أن أصيبها6 إذا رجعت إليها، قال: فخرجت من المسجد حين فرغت فإذا الناس يشتدون فقلت: ما شأنكم؟ قالوا: رد علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءنا ونساءنا، قال: قلت: تلك صاحبتكم في بني جمح فاذهبوا فخذوها، فذهبوا فأخذوها 7.
والحديث في سيرة ابن هشام عن ابن إسحاق لكن ذكر قبله مرسل أبي وجزة السعدي ثم ذكر عقبه حديث عبد الله بن عمر، فقال: وحدثني أبو وجزة8 يزيد بن
1 يعني الإرسال. وحماد: يعني ابن زيد.
2 هدي الساري ص364
3 هو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري.
4 هو إبراهيم بن سعد.
5 جمح: بضم الجيم وفتح الميم وفي آخره حاء مهملة هو: جمح بن عمرو بن هصيص ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النصر (اللباب في تهذيب الأنساب 1/291) .
6 أن أطأها بملك اليمين.
7 مسند أحمد 2/69 وتاريخ الرسل والملوك 3/88.
8 ثقة تقدم في حديث (122) .
عبيد السعدي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى علي بن أبي طالب رضي الله عنه جارية، يقال لها ريطة بنت هلال بن حيان بن عميرة بن هلال بن ناصرة بن قصية بن نصر بن سعد بن بكر، وأعطى عثمان بن عفان جارية، يقال لها زينب بنت حيان بن عمرو بن حيان، وأعطى عمر بن الخطاب جارية فوهبها لعبد الله بن عمر ابنه.
ثم قال ابن إسحاق: "فحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، قال: "بعثت بها إلى أخوالي من بني جمح" الحديث1.
قال ابن إسحاق: "وأما عيينة بن حصن، فأخذ عجوزا من عجائز هوزان، وقال حين أخذها: أرى عجوزا إني لأحسب لها في الحي نسبا، وعسى أن يعظم فداؤها.
فلما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم السبايا بست فرائض، أبى أن يردها، فقال له زهير أبو صرد: خذها عنك، فوالله ما فوها ببارد ولا ثديها بناهد2، ولا بطنها بوالد، ولا زوجها بواجد3، ولا درها بماكد4، فردها بست فرائض حين قال هل زهير ما قال:"فزعموا أن عيينة لقي الأقرع بن حابس، فشكا إليه ذلك فقال: إنك والله ما أخذتها بيضاء5 غريرة، ولا نصفا وثيرة".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد هوزان، وسألهم عن مالك بن عوف6 ما فعل؟ فقالوا هو في الطائف مع ثقيف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أخبروا مالكاً أنه إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله، وأعطيته مائة من الإبل"، فأتى مالكا بذلك، فخرج إليه من
1 سيرة ابن هشام 2/490 وتاريخ الرسل والملوك للطبري 3/87 والروض الأنف للسهيلي7/243 ودلائل النبوة للبيهقي 3/55 ب.
(ولا ثديها بناهد) أي مرتفع يقال نهد الثدي، إذا ارتفع عن الصدر وصار له حجم.
(بواجد) أي: أن زوجها لا يحزن عليها إذا ذهبت لأنها عجوز لا ولد فيها ومع ذلك فهي سيلطة اللسان فهو لا يحبها.
(ولا درها بماكد) أي دائم، والموكد: التي يدوم لبناها ولا ينقطع.
(بيضاء غريرة) الغريرة هي الشابة الحديثة التي لم تجرب الأمور (ولا نصفا وثيرة) النصف بالتحريك: المرأة بين الحداثة والمسنة، والوثيرة من النساء السمينة.
(النهاية لابن الأثير 3/355 و4/348-349 و5/135 و156، الروض الأنف للسهيلي 7/284 والقاموس المحيط للفيروز آبادي 2/152، و3/200.
6 هو رئيس هوزان في غزوة حنين.
الطائف، وقد كان مالكا خاف ثقيف على نفسه أن يعملوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ما قال، فيحبسوه فأمر براحلته فهيئت له، وأمر بفرس له، فأتى به إلى الطائف، فخرج ليلا، فجلس على فرسه، فركض حتى أتى راحلته حيث أمر بها أن تحبس، فركبها، فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأدركه بالجعرانة أو بمكة، فرد عليه أهله وماله، وأعطاه مائة من الإبل، فأسلم فحسن إسلامه.
فقال مالك بن عوف حين أسلم:
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله
…
في الناس كلهم بمثل محمد
أوفى وأعطى للجزيل إذا اجْتُدِى1
…
ومتى تشأ يخبرك عما في غد
وإذا الكتيبة عردت أنيابها
…
بالسِّمَهْرِيّ وضرب كل مهند2
فكأنه ليث على أشباله
…
وسط الهَباء خادر في مرصد3
فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه، وتلك القبائل: ثمالة، وسلمة4، وفهم، فكان يقاتل بهم ثقيفا لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه، حتى ضيق عليهم.
1 إذا اجتدي: أي إذا طلب منه شيء.
2 عردت أنيابها: قويت واشتدت، والسمهري: الرمح والمهند السيف.
3 الهباءة: الغبار يثور عند اشتداد الحرب، والخادر: الأسد في عرينه، وهو حينئذ أشد ما يكون بأسا على أشباله، يصفه بالقوة، والمرصد: المكان يرقب منه، يصفه باليقظة. (القاموس المحيط 1/294 و313 و349 و2/18 و52 و4/402) .
4 قال السهيلي: "هكذا تقيد في النسخة (سلمة) بكسر اللام، والمعروف من قبائل قيس: سلمة بالفتح إلا أن يكون من الأزد، فإن ثمالة المذكورين معهم حي من الأزد، وفهم من دوس، وهم من الأزد أيضاً".
وأمهم: جديلة وهي من غطفان بن قيس بن عيلان، على أنه لا يعرف من الأزد سلمة بكسر اللام في الأنصار، وهم من الأزد، (الروض الأنف 7/285-286) .
وثمالة: بضم الثاء المثلثة، اسمه عوف بن أسلم بن أحجن بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد بن الغوث.
وفهم: هم فهم بن غنم بن دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد. (اللباب في تهذيب الأنساب 2/448 و 1/241-242 و263) .
فقال أبو محجن بن حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي:
هابت الأعداء جانبنا
…
ثم تغزونا بني سلمة
وأتانا مالك بهم
…
ناقضا للعهد والحرمة
وأتونا في منازلنا
…
ولقد كنا أولى نقمة1
والحديث رواه الطبري عن ابن إسحاق دون شعر مالك بن عوف.
ثم قال في نهاية الحديث: "هذا آخر حديث أبي وجزة"2.
فهو يشير إلى أن هذا الحديث رواه ابن إسحاق عن أبي وجزة ولكنه في سيرة ابن هشام وكذا عند الطبري فصل بين حديث أبي وجزة بحديث عبد الله بن عمر، فالقسم الأول من حديث أبي وجزة إلى وأعطى عمر بن الخطاب جارية، فوهبها لعبد الله بن عمر.
وتمامه: وأما عيينة بن حصن الخ.
وعلى هذا فالحديث مرسل فإن أبا وجزة من صغار التابعين فقد ذكره ابن حجر في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين3.
والأحاديث المتقدمة تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر قسم الغنائم بعد انصرافه عن الطائف ووصوله إلى الجعرانة بضع عشرة ليلة ثم وزع الغنائم بعد ذلك، ثم قدمت عليه وفود هوزان بعد أن تم توزيع السبايا والأموال بين المسلمين.
فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد إليهم سبيهم وأموالهم، فأجابهم رسول صلى الله عليه وسلم إلى أن يرد إليهم إحدى الطائفتين: إما السبي وإما المال، فاختاروا سبيهم، فرده عليهم بعد أن استطاب نفوس المسلمين في ذلك4.
كما تدل الأحاديث أيضا على جواز استرقاق العرب كغيرهم من سائر الكفار من الأعاجم من يهود ونصارى وغير ذلك، وهو قول جمهور العلماء.
وقد أشرت إلى هذه المسألة في رسالتي غزوة بني المصطلق5 فلا حاجة إلى إعادة القول في هذه المسألة هنا.
1 سيرة ابن هشام 2/490-492. الروض الأنف 7/243-245.
2 تاريخ الرسل والملوك 3/87-89.
3 انظر: التقريب (2/368، و1/5) .
4 انظر: ص: (373) .
5 ص: (359-362) .