المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحكم الحادي عشر: قضاء الرسول في شأن محلم بن جثامة - مرويات غزوة حنين وحصار الطائف - جـ ٢

[إبراهيم بن إبراهيم قريبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف

- ‌(تابع) الباب الثاني: ملاحقة فلول المشركين والأحداث التاريخية التي أعقبت ذلك

- ‌الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف بعد المعركة

- ‌المبحث الأول: في قدوم وفد هوازن إلى الجعرانة مسلمين

- ‌المبحث الثاني: في إيفاد ثقيف جماعة منهم إلى المدينة للتفاوض

-

- ‌الباب الثالث: في بيان أبرز الأحكام المستنبطة من غزوة حنين

- ‌الحكم الأول: جواز وطء المسبية بعد الاستبراء

- ‌الحكم الثاني: وقوع العزل في أوطاس

- ‌الحكم الثالث: في مسئلة المتعة

- ‌الحكم الرابع: منع المخنثين من الدخول على النساء الأجنبيات

- ‌الحكم الخامس: في النهي عن قتل النساء والضعفاء ومن في حكمهم

- ‌الحكم السادس: العذر الذي يبيح ترك حضور صلاة الجماعة

- ‌الحكم السابع: تعليم أبي محذورة الأذان

- ‌الحكم الثامن: إقامة الحدّ في دار الحرب

- ‌الحكم التاسع: الاستعانة بالمشركين

- ‌الحكم العاشر: العارية من حيث الضمان وعدمه

- ‌الحكم الحادي عشر: قضاء الرسول في شأن محلم بن جثامة

- ‌الحكم الثاني عشر: في بيان نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم

- ‌الحكم الثالث عشر: استحقاق القاتل سلب القتيل

- ‌الحكم الرابع عشر: في بيان تحريم الغلول في الغنيمة

- ‌الحكم الخامس عشر: المؤلفة قلوبهم

- ‌الحكم السادس عشر: بعض ما يجتنبه المحرم

- ‌الحكم السابع عشر: عمرة الرسول صلى الله عليه وسلم من الجعرانة

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الحكم الحادي عشر: قضاء الرسول في شأن محلم بن جثامة

‌الحكم الحادي عشر: قضاء الرسول في شأن محلم بن جثامة

كان من شأن محلم بن جثامة الليثي أنه خرج مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية مكونة من ثمانية نفر إلى بطن إضم وكان قائد السرية أبو قتادة بن ربعي1، فلما وصلوا إلى بطن إضم2 مر بهم عامر بن الأضبط الأشجعي فسلم عليهم بتحية الإسلام فأمسكوا عن قتله وعدا عليه محلم ابن جثامة فقتله لإحن كانت بينهم في الجاهلية، وأخذ ما معه".

ولما كانت غزوة حنين اختصم في شأنهما عيينة بن حصين والأقرع بن حابس فعيينة يطالب بدم عامر بن الأضبط، والأقرع يدافع عن محلم بن جثامة وارتفعت الأصوات أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية3". يوضح هذا ما رواه أبو داود وغيره وهذا سياق أبي داود قال:

267-

حدثنا موسى4 بن إسماعيل أخبرنا حماد5 قال: "أخبرنا محمد6 - يعني ابن إسحاق - فحدثني محمد7 بن جعفر بن الزبير قال سمعت زياد8 بن ضميرة الضمري.

1 في سيرة ابن هشام أن قائد هذه السرية هو عبد الله بن أبي حدرد".

2 إضم: "بكسر الهمزة وفتح الضاد المعجمة، وآخره ميم".

قال عاتق بن غيث البلادي: "هو وادي المدينة إذا اجتمعت أوديتها الثلاثة - بطحان وقناة والعقيق - بين أحد والشرثاء يسمى الوادي "الخيل" إلى أن يتجاوز كتانة وهي كتانة غيقة، فيسمى الوادي "وادي الحمض" إلى أن يصب في البحر بين الوجه وأم لج، هذه أسماؤه اليوم، أما اسمه قديما، فكان يسمى إضما منذ اجتماع تلك الروافد إلى أن يصب في البحر". (معجم المعالم الجغرافية ص 29) .

3 مغازي الواقدي 2/796-797 وسيرة ابن هشام 2/626".

وذكر الواقدي أن هذه السرية كانت عند خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتح مكة ليظن الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد تلك الناحية". (وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد 2/133) .

4 هو المنقري التبوذكي "ثقة ثبت" تقدم في حديث (91) .

5 حماد: "هو ابن سلمة "ثقة عابد" تقدم في حديث (36) .

6 محمد بن إسحاق بن يسار، صاحب السيرة "صدوق" تقدم في حديث (1) .

7 محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام الأسدي، المدني ثقة من السادسة (ت بضع عشرة بعد المائة) . /". (التقريب 2/150 وتهذيب التهذيب 9/39) .

8 زياد بن سعد بن ضميرة، ويقال:"زياد بن ضميرة بن سعد، ويقال: "زياد بن ضمرة، ويقال:"زيد بن ضميرة السلمي ويقال: "الأسلمي الحجازي". رجح المزي: "زياد بن سعد بن ضميرة".

روى عن أبيه وجده، ويقال:"عن أبيه وعمه، وكانا شهدا حنينا قصة محلم بن جثامة، وعنه محمد بن جعفر بن الزبير وقيل: "عن محمد بن جعفر عن زياد بن ضميرة عن عروة بن الزبير عن أبيه".

ذكره ابن حبان في الثقات في أتباع التابعين فقال: "زياد بن ضميرة بن سعد ويقال ابن ضميرة يروي عن الحجازيين، روى عن أهل بلده". (تهذيب التهذيب 3/369 وتحفة الأشراف للمزي 3/272 وقال في التقريب 1/268: "مقبول" من الرابعة". /د ق". وقال الذهبي: "فيه جهالة". (ميزان الاعتدال 2/89) .

ص: 616

ح- وأخبرنا وهب1 بن بيان وأحمد2 بن سعيد الهمداني قالا أخبرنا ابن وهب3 أخبرني عبد الرحمن4 بن أبي الزناد عن عبد الرحمن5 ابن الحارث عن محمد بن جعفر أنه سمع زياد بن ضميرة السلمي".

وهذا حديث وهب وهو أتم يحدث عروة بن الزبير عن أبيه6 قال موسى: "وجده7 وكانا شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا8 ثم رجعنا إلى حديث وهب " أن

1 وهب بن بيان الواسطي، أبو عبد الله، نزيل مصر، ثقة عابد، من العاشرة (ت 246) . /د س". (التقريب 2/337 وتهذيب التهذيب 11/160) .

2 هو أبو جعفر المصري صاحب ابن وهب "صدوق" تقدم في حديث (127) .

3 هو عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي مولاهم، أبو محمد المصري، الفقيه، ثقة حافظ عابد، من التاسعة (ت 197) . /ع". (التقريب 1/460 وتهذيب التهذيب 6/71-74) .

4 هو ابن عبد الله بن ذكوان "صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد" تقدم".

5 هو ابن عبد الله بن عياش "صدوق له أوهام". (التقريب 1/476) .

6 عن أبيه: "هو سعد بن ضمرة بن سعد بن سفيان بن مالك بن حبيب بن زغب بن مالك بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم السلمي وقيل الأسلمي، وقيل فيه: "سعد بن ضميرة الضمري حجازي شهد حنينا له عند أبي داود حديث في قصة محلم بن جثامة بإسناد حسن". (الإصابة2/29 وأسد الغابة2/355 والاستيعاب 2/53 مع الإصابة) .

7 وجده: "بكسر الدال أي أن زياد بن سعد يحدث عروة عن أبيه سعد وعن جده ضميرة بن سعد السلمي، وقيل ضمرة بن ربيعة، "فعروة" مفعول به "ليحدث". (الإصابة 2/212 وأسد الغابة 3/59-60 وعون المعبود 12/218 ووقع في سيرة ابن هشام".

قال ابن إسحاق: "حدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال: "سمعت زياد بن ضميرة بن سعد السلمي يحدث عن عروة بن الزبير عن أبيه عن جده وكانا شهدا حنينا".

وعند البلاذري من طريق ابن إسحاق: "سمعت زياد بن ضميرة يحدّث عن عروة بن الزبير عن أبيه، وجدّه جميعاً". وهذا يوهم أن الحديث عن العوام، وهو لم يدرك البعثة". والحديث من طريق ابن إسحاق هذه من مسند سعد بن ضميرة عن أبيه ضميرة، كما هو عند أحمد وابن ماجه، وهو كذلك في الأطراف للمزي 3/271، 4/204 حديث 3824 و 4975 وذخائر المواريث 1/227 حديث 2048".

8 وعند ابن إسحاق: "وكانا شهدا حنينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر ثم عمد إلى ظل شجرة فجلس تحتها، وهو بحنين". وعند ابن ماجه وأحمد:"قالا: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر الخ".

ص: 617

محلم1 بن جثامة الليثي قتل رجلاً2 من أشجع في الإسلام وذلك أول غير3 قضى به4 رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم عيينة5 في قتل الأشجعي؛ لأنه6 من غطفان، وتكلم الأقرع بن حابس دون محلم؛ لأنه7 من خندف، فارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط8، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا عيينة ألا تقبل الغير، فقال عيينة: "لا والله حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي"9.

1محلم - بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر اللام المشددة ثم الميم - ابن جثامة- بفتح الجيم وتشديد المثلثة فألف فميم فتاء تأنيث - ابن قيس بن ربيعة بن عبد الله بن يعمر الشداخ بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة الكناني الليثي، أخو الصعب بن جثامة". (الاستيعاب 3/496وأسد الغابة 5/76-77 والإصابة 3/369 وشرح المواهب 2/285، ووقع في تاريخ الخميس والسيرة الحلبية "محكم بن جثامة" بالكاف ولعله خطأ مطبعي".

2 جاء تسمية هذا الرجل عند ابن إسحاق وغيره بأنه "عامر بن الأظبط الأشجعي" كما سيأتي في حديث (268) .

3 غير: بكسر الغين المعجمة وفتح المثناة التحتيةوراء: الدية، كما فسرت في آخر الحديث".

قال ابن الأثير: "الغير: "جمع الغيرة، وهي الدية، وجمع الغير:"أغيار، وقيل: "الغيرة: "الدية؛ وجمعها أغيار، مثل ضلع وأضلاع، وغيره إذا أعطاه الدية، وأصلها من المغايرة وهي المبادلة، لأنها بدل من القتل". (النهاية3/400وعون المعبود12/218) .

((4 قضى به: "أي بالغير، الذي هو الدية".

5 في زاد المعاد 3/367 "ولما كان عام خيبر، جاء عيينة بن بدر يطلب بدم عامر بن الأضبط الأشجعي"، الخ".

فقوله: "عام خيبر" خطأ، والصواب عام حنين".

6 لأنه: "أي الأشجعي وهو عامر بن الأضبط، وذلك أن أشجع هو: "ابن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان، وعيينة هو:"ابن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوبة بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذيبان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن قيس بن عيلان الفزاري، فعيينة وعامر بن الأضبط يجتمعان في ريث بن غطفان". (اللباب في تهذيب الأنساب 1/64 وأسد الغابة 4/331 كلاهما لابن الأثير، وعون المعبود 12/218-219) .

7 لأنه: "أي محلم بن جثامة من خندف، والاقرع بن حابس أيضا من خندف، وخندف، امرأة إلياس بن مضر واسمها ليلى بنت حلوان فغلبت نسبة أولادها من إلياس إليها".

فالأقرع بن حابس ينتمي إلى تميم بن مرة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر ومحلم ابن جثامة ينتمي إلى ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، فالأقرع ومحلم "يجتمعان في خندف" زوج إلياس بن مضر، فهما من أولاد إلياس (أسد الغابة 1/128 و5/76-77، واللباب 1/223 و3/112 وعون المعبود 12/219، وغزوة بني المصطلق ص 49 وعند ابن إسحاق: "فقام إليه الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، يختصمان في عامر بن الأضبط الأشجعي، عيينة يطلب بدم عامر، وهو يومئذ رئيس غطفان، والأقرع بن حابس يدفع عن محملم لمكانه من خندف". (سير ة ابن هشام 2/627". انظر: "فتح الباري 13/418) .

8 اللغط: "بفتحتين: "صوت وضجة لا يفهمن معناها". (النهاية 4/257 وعون المعبود 12/219) .

9 وعند ابن إسحاق "فتداولا الخصومة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نسمع، فسمعنا عيينة ابن حصن وهو يقول: "والله يا رسول الله لا أدعه حتى أذيق نساءه من الخرقة مثل ما أذاق نسائي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا، وخمسين إذا رجعنا وهو يأبى عليه". وعند البلاذري: "والله لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحزن ما أذاق نساءنا".

ص: 618

قال: "ثم ارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط، فقال رسول الله: "يا عيينة ألا تقبل الغير؟ فقال: "عيينة مثل ذلك أيضاً".

إلى أن قام1 رجل من بني ليث يقال له مكيتل2 عليه شكة3 وفي يده4 درقة فقال: "يا رسول الله إني لم أجد5 لما فعل هذا في غرة6 الإسلام مثلاً إلاّ غنماً7 وردت فرمي أولها فنفر آخرها، أسنناليوم8 وغير غدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خمسون في فورنا9

1 وعند أحمد: "إذ قام رجل من بني ليث يقال له مكيتل قصير مجموع". وعند البلاذري: "وهو قصير مجمع".

2 مكتيل: "بمثناة مصغراً، وقيل: "مكيثر بكسر الثاء المثلثة وآخره راء". (الإصابة 3/457 وأسد الغابة 5/259) .

ورواية "مكيثر" عند ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام 2/627".

قال ابن حجر: "وفي رواية ابن هشام عن زياد البكائي "مكيثر".

وذكر ابن الأثير أيضا هذه القصة: "لمطر الليثي"، وقال:"أخرجه أبو موسى". ثم قال: "وقد رواه محمد بن جعفر بن الزبير عن زياد بن ضميرة عن أبيه، وسمى هذا الرجل "مكيتلا". "أسد الغابة 5/186". وقال ابن حجر في الإصابة 3/424: "مطر الليثي" في "مكيتل" فلعل "مكيتلا" لقب واسمه مطر".

3 الشكة: "بكسر الشين المعجمة، السلاح". (النهاية 2/495) .

4 وفي يده درقة أي في يد مكيتل والدرقة: "محركة الحجفة، وهي الترس من جلود بلا خشب ولا عقب". (النهاية1/345، واللسان10/383، والقاموس المحيط 3/126) .

5 وعند ابن إسحاق: "فقال: "والله يا رسول الله ما وجدت لهذا القتيل شبها في غرة الإسلام، إلا كغنم وردت فرميت أولاها فنفر آخرها".

6 غرة الإسلام: "أوله وغرة كل شيء أوله". (النهاية 3/354) .

(إلا غنماً وردت) على الماء للشرب، (فرمي) بصيغة المجهول، أي بالنبل أو الحجارة لقتلها أو طردها، (أولها) أي الغنم، (فنفر آخرها) أي بقية الغنم لخوف القتل، فكذلك ينبغي أن تقتل هذا الأوّل حتى تكون قتله عظة وعبرة للآخرين". (عون المعبود 12/220) .

(أسنن اليوم) صيغة أمر من سن سنة من باب نصر، (وغير غدا) صيغة أمر من التغير، وهذا مثل ثان ضربه لترك القتل، كما أن الأوّل ضربه للقتل ولذلك ترك العطف".

قال ابن الأثير: "اسنن اليوم وغير غدا: "معناه أن مثل محلم في قتله الرجل وطلبه أن لا يقتص منه وتؤخذ منه الدية، والوقت أوّل الإسلام وصدره كمثل هذه الغنم النافرة، يعني إن جرى الأمر مع أولياء القتيل على ما يريد محلم ثبط الناس عن الدخول في الإسلام معرفتهم أن القود يغير بالدية، والعرب خصوصاً وهم الحراص على درك الأوتار وفيهم الأنفة من قبول الديات، ثم حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإقادة منه بقوله:"اسنن اليوم وغير غدا" يريد إن لن تقتص منه غيرت سنتك، ولكنه أخرج الكلام على الوجه الذي يهيج المخاطب ويحثه على الإقدام والجرأة على المطلوب منه".

وقال أيضاً: " (اسنن اليوم وغير غداً) أي: "اعمل بسنتك التي سننتها في القصاص ثم بعد ذلك إذا شئت أن تغير فغير: "أي تغير ما سننت وقيل تغير: "من أخذ الغير، وهي الدية". 0 النهاية 2/410و 3/400-401، عون المعبود 12/220-221) .

9 وعند ابن إسحاق وأحمد:"في سفرنا هذا".وعند ابن ماجه والبلاذري:"في سفرنا".

ص: 619

هذا، وخمسون إذا رجعنا إلى المدينة1، وذلك2 في بعض أسفاره".

ومحلم رجل طويل آدم3 وهو في طرف الناس، فلم يزالوا4 حتى تخلص فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تدمعان، فقال:"يا رسول الله إني قد فعلت الذي بلغك وإني أتوب إلى الله، فاستغفر الله لي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقتلته بسلاحك في غرة الإسلام5، اللهم لا تغفر لمحلم بصوت عال6".

زاد أبو سلمة 7: "فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ردائه".

1 وعند ابن إسحاق وابن ماجه والبلاذري وأحمد: "فقبلوا الدية". وعند أحمد وابن إسحاق والبلاذري: "فقبلوا الدية ثم قالوا: "أين صاحبكم هذا، يستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام رجل آدم ضرب طويل، عليه حلة له، قد كان تهيأ للقتل فيها، حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:"ما اسمك؟ قال: "أنا محلم بن جثامة".

2 وذلك: "أي القتل والقصة، أما القتل فكان في سرية إضم كما سيأتي في حديث عبد الله بن أبي حدرد، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا في ص 604".

وأما المطالبة بهذا القتيل فكانت في غزوة حنين كما هو عند ابن هشام وأحمد والبلاذري".

3 الأدمة في الناس: "السمرة الشديدة، وعند ابن إسحاق: "ضرب طويل" والضرب خفيف اللحم". 0 النهاية 1/32و3/78) .

4 فلم يزالوا: "أي معاونون لمحلم (حتى تخلص) بفتح الخاء وشدة اللام بصيغة الماضي، أي: "نجا من القتل، وذلك بقبول الدية". (عون المعبود 12/221) .

وقال ابن إسحاق: "وأخبرنا سالم أبو النضر أنه حدث: "أنّ عيينة بن حصن وقيسا حين قال الأقرع بن حابس وخلا بهم، يا معشر قيس، منعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم قتيلا يستصلح به الناس، أفأمنتم أن يلعنكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيلعنكم الله بلعنته، أو أن يغضب عليكم بغضبه؟ والله الذي نفس الأقرع بيده، لتسلمنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فليصنعن فيه ما أراد، أو لآتين بخمسين رجلا من بني تميم يشهدون بالله كلهم، لقتل صاحبكم كافرا، ما صلى قط، فلأطلن دمه، فلما سمعوا ذلك قبلوا الدية". (سيرة ابن هشام 2/628، والروض الأنف 7/490) .

قال ابن كثير في البداية والنهاية 4/225: "وهذا الحديث منقطع معضل".

5 وعند الزرقاني: "أقتلته بعدما قال أني مسلم، قال: "إنما قالها متعوذاً، قال:"أفلا شققت على قلبه لتعلم أصادق هو أم كاذب؟ قال: "وهل قلبه إلا مضغة من لحم، قال صلى الله عليه وسلم:"إنما كان ينبئ عنه لسانه"، وفي رواية "فقال صلى الله عليه وسلم:"لا ما في قلبه تعلم ولا لسانه صدقت". (شرح المواهب 2/286، والسيرة الحلبية3/207) .

6 وعند ابن إسحاق: "قال: "فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، ثم قال:"اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة ثلاثا". قال: "فقام وهو يتلقى دمعه بفضل ردائه قال: "فأما نحن فنقول فيما بيننا: "إنا لنرجوا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استغفر له، وأمّا ما ظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا".

وعند أحمد: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تغفر لمحلم لا تغفر لمحلم ثلاث مرات فقام من بين يديه، وهو يتلقى دمعه بفضل ردائه، فأما نحن بيننا:"فنقول قد استغفر له، ولكنه أظهر ما أظهر ليدع الناس بعضهم من بعض".

والقائل: "أما نحن الخ هو زياد بن ضميرة الضمري عن أبيه عن جده، كما هو عند البلاذري".

7 أبو سلمة: "هو حماد بن سلمة".

ص: 620

قال ابن إسحاق: فزعم قومه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر له بعد ذلك".

قال أبو داود: "قال النضر1 بن شميل: "الغير الدية2".

والحديث رواه أحمد من طريق ابن إسحاق "حدثني محمد بن جعفر قال: "سمعت زياد بن ضميرة بن سعد السلمي يحدث عروة بن الزبير عن أبيه ضمرة وعن جده"3".

وروى بعضه ابن ماجه من طريق ابن إسحاق حدثني محمد بن جعفر به إلا أنه قال: "عن زيد4 بن ضمرة حدثني أبي وعمي5".

قال ابن كثير: "والصواب كما رواه ابن إسحاق عن محمد بن جعفر عن زياد بن سعد بن ضمرة عن أبيه وعن جده".

وهكذا رواه ابو داود من طريق ابن وهب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر عن زياد بن سعد ابن ضميرة عن أبيه وجده بنحوه6".إهـ.

والحديث في سيرة ابن هشام عن ابن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال: "سمعت زياد بن ضميرة بن سعد السلمي يحدث عن عروة بن الزبير عن أبيه وجده7".

وكذا رواه عن ابن إسحاق البلاذري8".

وكذا رواه الطبراني من طريق ابن الزناد حدثني عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر بن الزبير أنه سمع زياد بن سعد بن ضميرة السلمي يحدث عن عروة بن الزبير عن أبيه9".

1 النضر بن شميل المازري النحوي "ثقة ثبت". (التقريب 2/301) .

2 سنن أبي داود 2/479-480 كتاب الديات، باب الإمام يأمر بالعفو في الدم".

3 المسند 5/112و6/10".

4 تقدم في حديث رقم (267) : "أن المزي رجح "زياد بن سعد بن ضميرة".

5 سنن ابن ماجه 2/876 كتاب الديات، باب من قتل عمدا فرضوا بالدية".

6 البداية والنهاية 4/225".

7 سيرة ابن هشام 2/627 والروض الأنف 7/488-489".

8 أنساب الأشراف ص 385".

(المعجم الكبير 6/51-52 ووقع عنده: "عن ابن أبي زياد) والصواب: "ابن أبي الزناد".

ص: 621

وقد أشار ابن حجر إلى هذا في ترجمة زياد كما تقدم1".

وأورده الزرقاني عن ابن إسحاق فقال عن عروة عن أبيه عن جده2".

وقد صوب ابن كثير رواية ابن إسحاق عن محمد بن جعفر عن زياد بن سعد بن ضميرة أنه حدث عروة بن الزبير عن أبيه وعن جده وهي رواية أحمد وأبي داود".

والحديث فيه "زياد بن سعد بن ضميرة" وصفه ابن حجر في التقريب بقوله "مقبول".

وقال الذهبي: "فيه جهالة".

وقد قال ابن حجر عن هذا الحديث: "بأنه بإسناد حسن"3".

ولعل ذلك لما له من الشواهد الآتية:

268-

ما رواه ابن إسحاق ومن طريقه رواه أحمد وابن شبة والطبري والبلاذري والسياق لابن إسحاق قال: "حدثني يزيد4 بن عبد الله ابن قسيط عن القعقاع5 بن عبد الله بن أبي حدرد عن أبيه عبد الله ابن أبي حدرد، قال: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إضم في نفر من المسلمين، فيهم أبو قتادة6 الحارث بن ربعي ومحلم بن جثامة بن

1 في حديث (267) ص 604-605".

(شرح المواهب اللدنية 2/286 و287) .

3 الإصابة 2/29".

4 يزيد بن عبد الله بن قسيط - بقاف ومهملتين مصغرا - ابن أسامة الليثي، أبو عبد الله المدني الأعرج، ثقة من الرابعة (ت 122) . /ع". (التقريب 2/267 وتهذيب التهذيب 11/342) .

5 اختلف في صحبته وقد ذكره ابن حجر في القسم الرابع من الإصابة ومال إلى أنه لا صحبة له، وإنما الصحبة لأبيه". (الإصابة 3/280) .

ووقع عند البلاذري: "عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي القعاقاع بن عبد الملك ابن أبي حدرد"، وعند الطبري:"عن أبي القعاقاع بن عبد اللله بن أبي حدرد"، والذي في سيرة ابن هشام والروض الأنف ومسند أحمد والاستيعاب وأسد الغابة والإصابة:"القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد". انظر تعجيل المنفعة لابن حجر ص 227 وهو الأصح وأنه يروي عن أبيه مباشرة".

6 أبو قتادة الأنصاري".

ص: 622

قيس، فخرجنا1 حتى كنا ببطن إضم2، مر بنا عامر3 بن الأضبط الأشجعي علىقعود4 له، ومعه متيع5 له، ووطب من لبن6، قال:"فلما مر بنا سلم علينا بتحية الإسلام، فأمسكنا عنه، وحمل عليه محلم بن جثامة، فقتله لشيء كان بينه وبينه، وأخذ بعيره، وأخذ متيعه".

قال: "فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه الخبر، نزل فينا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ7 عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} 8 إلى آخر الآية [سورة النساء الآية: 94] .

1 عند أحمد والطبري: "فخرجت في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي ومحلم بن جثامة بن قيس الليثي فخرجنا الخ".

وعند ابن سعد أن هذه السرية كانت في أول شهر رمضان سنة ثمان من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قالوا لما هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزو أهل مكة بعث أبا قتادة بن ربعي في ثمانية نفر سرية بطن إضم وهي فيما بين ذي خشب وذي المروة، وبينها وبين المدينة ثلاثة برد". (الطبقات ابن سعد 2/133) .

2 وقال ابن سعد بأنه "بين ذي الخشب وذي المروة" وذو خشب: "بضم المعجمتين وبموحدة واد على ليلة من المدينة، له ذكر كثير في الحديث والمغازي".

وذي المروة بلفظ أخت الصفا من أعمال المدينة، على ثمانية برد منها وكانت تقع في مجتمع وادي إضم بوادي الجزل من الغرب، ووادي العيص من القبلة، وقد درست قبل القرن العشر وقامت على أنقاضها أم زرب، قرية تابعة للعلا، (التعليق على كتاب المناسك للحربي ص 413، و656) .

3 قال الزرقاني: "عامر بن الأضبط - بفتح الهمزة وسكون الضاد المعجمة وفتح الموحدة ثم طاء مهملة- الأشجعي المعدودة في الصحابة والذي ينبغي كما قال البرهان: "- عده في التابعين لأنه أسلم ولم يلق النبي مسلما وقد ذكره صاحب الإصابة في القسم الأول تسليما لمن قبله ثم أورده في القسم الثالث وهو فيمن أدرك الجاهلية والإسلام ولم يثبت أنهم اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا رأوه سواء أسلموا في حياته أم لا".

(شرح المواهب 2/285 وانظر: "الإصابة 1/5-6 و2/247-248 و3/85 و369، وأسد الغابة 3/117) .

4 قعود له: "قال ابن الأثير: "القعود من الدواب: "ما يقتعده الرجل للركوب والحمل، ولا يكون إلا ذكرا". وقيل القعود: "ذكر والأنثى قعودة، والقعود من الأبل: "ما أمكن أن يركب، وأداناه أن يكون له سنتان، ثم هو قعود إلى أن يثني فيدخل في السنة السادسة ثم هو جمل". (النهاية 4/87) .

5 متيع: "تصغير متاع".

6 وطب من لبن: "الوطب بسكون الطاء المهملة الزق الذي يكون فيه السمن واللبن وهو جلد الجذع فما فوقه، وجمعه أوطاب ووطاب". (المصدر السابق 5/203) .

7 قوله: {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ، [سورة النساء، من الآية: 94] . قال الزرقاني: "ولا ينافي قوله: "فقتله لشيء كان بينه وبينه" قوله تعالى: {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ، [سورة النساء، من الآية: 94] ؛ لأن الحقد من عرضها المبتغى مع أنه أخذ متاعه وبعيره أيضا". (شرح المواهب 2/286) .

8 وتمامها: {فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} . وقد ساقها أحمد في روايته عن ابن إسحاق كاملة".

وساق ابن سعد منها إلى قوله: {مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ} ثم قال: "فمضوا ولم يلحقوا جمعا فانصرفوا حتى انتهوا إلى ذي خشب فبلغهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه إلى مكة فلحقوه بالسقيا". (الطبقات الكبرى 2/133) .

قال الزرقاني: "وما ذكر من أنهم لحقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بألفي سقيا فأخبروه الخبر وأنه قال لمحلم: "أقتلته بعدما قال آمنت الخ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على محلم بعدم المغفرة وأنه مات بعد سابعة من لقي المصطفى صلى الله عليه وسلم بالسقيا، فإن بين هذا القول، وبين ما ذكره ابن إسحاق من أن الخصومة في شأن محلم والدعا عليه وموته كان في حنين بون بعيد، ثم قال الزرقاني:"لكن يحتمل الجمع بأنه اجتمع به السقيا حين عادوا من السرية ثم ساروا معه في الفتح حتى غزا حنينا ثم اختصم عنده عيينة والأقرع، فلما قبلوا الدية جاءوا بمحلم ليستغفر له فقال: "اللهم لا تغفر له" الخ فمات بعد سبع، فحفظ بعض الرواة مالم يحفظ الآخر ويؤيد ذلك أنه لم يقع في حديث ابن حدرد ولا ابن عمر تعيين المحل الذي أتوا به فيه، ووقع ذلك في حديث عروة بن الزبير عن أبويه بأنه في حنين فوجب قبوله لأنه زيادة ثقة". (شرح المواهب 2/286-287) .

ص: 623

قال ابن هشام: "قرأ أبو عمرو1 بن العلاء: {وَلَا تَقُولُوا لِمَن أُلْقِيَ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً} 2 لهذاالحديث3".

والحديث رواه أحمد والبلاذري كلاهما من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق به4".

إلا أن البلاذري قال: "عن أبي القعقاع بن عبد الملك بن أبي حدرد عن أبيه".

ورواه ابن شبة من طريق حماد بن سلمة عن ابن إسحاق به5".

ورواه الطبري في تفسيره وتاريخه من طريق سلمة بن الفضل الأبرش عن ابن إسحاق به".

إلا أنه قال في التاريخ: "عن أبي القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي".

1 أبو عمرو العلاء بن عمار بن العريان التميمي المازني النحوي البصري أحد الأئمة القراء السبعة وأحد علماء العربية، ثقة من الخامسة (ت 154) . / خت قد فق". (التقريب 2/454، وتهذيب التهذيب 12/178-180) .

2 معنى الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمِنُوا إِذَا ضَرَبْتُم فِي سَبِيلِ الله} سافرتم في الجهاد في سبيل الله {فَتَثَبَّتُوا} من التبين وهو التأمل، وفي قراءة {فَتَثَبَّتُوا} بالمثلثة من التثبت، {وَلَا تَقُولُوا لِمَن أُلْقِيَ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً} بألف ودونها "السلم" أي التحية أو الانقياد يقول كلمة الشهادة التي هي إمارة على الإسلام {لَسْتَ مُؤْمِناً} وإنما قلت تقية وتعوذا من القتل، {تَبْتَغُونَ} تطلبون بذلك {عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} متاعها من الغنيمة، {فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ} تغنيكم عن قتل مثله لما له، {كذلك كنتم من قبل} تعصم دماؤكم وأموالكم بمجرد قولكم الشهادة {مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُم} بالاشتهار بالإيمان والاستقامة {فَتَبَيَّنُوا} أن تقتلوا مؤمنا وافعلوا بالداخل في الإسلام كما فعل بكم {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} فيجازيكم به". (تفسير الجلالين ص 77 وفتح القدير للشوكاني 1/501) .

3 سيرة ابن هشام 2/626-627، والروض الأنف 7/487-488".

4 مسند أحمد 6/11 وأنساب الأشراف للبلاذري 384-385".

5 تاريخ المدينة 2/445-446".

ص: 624

وقال بعضهم: "عن ابن القعاع عن أبيه، عن عبد الله بن أبي حدرد1".

والحديث أورده الهيثمي ثم قال: "رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات2".

269-

ما رواه الطبري حدثنا ابن وكيع3 قال: "ثنا جرير4 عن محمد بن إسحاق عن نافع5 أن ابن عمر6 قال: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم محلم بن جثامة مبعثا، فلقيهم عامر بن الأضبط، فحياهم بتحية الإسلام، وكانت بينهم إحنة7 في الجاهلية، فرماه محلم بسهم فقتله، فجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم فيه عيينة والأقرع، فقال الأقرع:"يا رسول الله سن اليوم وغير غدا، فقال عيينة: "لا والله حتى تذوق نساؤه من الثكل8 ما ذاق نسائي، فجاء محلم في بردين، فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"لا غفر الله لك" فقام وهو يتلقى دموعه برديه، فما مضت سابعة حتى مات ودفنوه فلفظته9 الأرض فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فقال:"إن الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم ولكن الله عز وجل أراد أن يعظكم".

1 جامع البيان 5/222-223 وتاريخ الرسل والملوك 3/35-36".

وقد تقدم في الحديث (268) أن الصواب في هذا أنه القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد، وأنه يروي عن أبيه عبد الله بن أبي حدرد بدون واسطة". (انظر: ص 610) .

2 مجمع الزوائد 7/8 وانظر المعجم الكبير للطبراني 6/52".

3 هو سفيان بن وكيع بن الجرح أبو محمد الرؤاسي الكوفي، كان صدوقا، إلا أنه ابتلي بِوَرّاقه، فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنصح ولم يقبل فسقط حديثه، من العاشرة (ت247) . /ت ق". (التقريب 1/312 وتهذيب التهذيب 4/123) .

4 جرير: "هو ابن عبد الحميد بن قرط "ثقة" تقدم في حديث (26) .

5 نافع، أبو عبد الله المدني، مولى ابن عمر، ثقة ثبت فقيه، مشهور من الثالثة (ت117) . أو بعد ذلك". /ع". (التقريب 2/296 وتهذيب التهذيب 10/412) .

6 هو عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي، أبو عبد الرحمن ولد بعد المبعث بيسير واستصغر يوم أحد، وهو ابن أربع عشرة سنة، وهو أحد المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة، وكان من أشد الناس اتباعا للأثر (ت73) في آخرها أو أوّل التي تليها". /ع". (التقريب 1/435 وتهذيب التهذيب 5/326) .

((7إحنة: "بكسر الهمزة: "الحقد وجمعها إحن وإحنات". (النهاية 1/27) .

8 الثكل: "قال في النهاية (1) /217: "الثكل: "فقد الولد".

9 فلفظته الأرض: "أي ألقته ورمته على وجهها". (النهاية 4/260) .

ص: 625

ثم طرحوه بين صدفي1 جبل، وألقوا عليه من الحجارة، ونزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} ، [سورة النساء، من الآية: "94] . الآية2".

والحديث فيه سفيان بن وكيع وقد قال عنه ابن حجر بأنه "نصح فلم يقبل فسقط حديثه".

وفيه ابن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن.

270-

ما رواه الطبراني حدثنا أبو يزيد3 القراطيسي ثنا سعيد4 ابن أبي مريم ثنا ابن أبي الزناد حدثني عبد الرحمن بن الحارث عن الحسن5 بن أبي الحسن قال: "لما مات6 دفنه قومه فلفظته الأرض ثلاث مرات فألقوه بين ضواحي7 جبل وربوا عليه بالحجارة فأكلته السباع".

قال ابن أبي الزناد: "بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخبر أن الأرض لفظته قال: "أما إنّ الأرض تقبل من هو شر منه ولكن الله أراد أن يريكم عظم الدم عنده" 8.

ورواه الواقدي فقال: "حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن

1 صدفي الجبل: "قال ابن الأثير: "الصدف بفتحتين وضمتين: "كل بناء عظيم مرتفع، تشبيها بصدف الجبل وهو ما قابلك من جانبه (النهاية 3/17) .

2 جامع البيان 5/222 والحديث أورده ابن كثير في تفسيره 1/539 عن ابن جرير فقال عن (أبي إسحاق) والصواب عن ابن إسحاق وقال في الحديث: "سر اليوم وغر غدا" والحديث عند ابن جرير الطبري وغيره "سن اليوم وغير غدا".

وروى أيضا في البداية والنهاية4/225 عن ابن جرير الطبري أيضاً فقال: "ابن جرير حدثنا "وكيع" وهو خطأ والصواب ابن وكيع كما هو عند الطبري وأيضا فإن الطبري لم يدرك وكيعا فإن وفاة وكيع سنة (197) وكانت ولادة الطبري سنة (224) .

(انظر تذكرة الحفاظ للذهبي 1/309 و2/711) .

3 هو يوسف بن يزيد بن كامل القراطيسي، أبو يزيد، مولى بني أمية، ثقة من الحادية عشرة (ت287) ويقال إنه عاش مائة سنة". /س". (التقريب 2/383 وتهذيب التهذيب 11/429) .

4 سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي بالولاء، أو محمد المصري، ثقة ثبت فقيه، من كبار العاشرة، (ت224) . / ع". (التقريب 1/293 وتهذيب التهذيب 4/17-18) .

5 هو البصري".

6 أي محلم بن جثامة".

7 لعله بالصاد المهملة، وصواحي الجبل جانبه وما يقبل من وجهه القائم". (النهاية 1/58 والقاموس المحيط 1/235) .

8 المعجم الكبير 6/52".

ص: 626

الحارث عن الحسن البصري قال: "لما مات محلم بن جثامة دفنه قومه فلفظته الأرض ثم دفنوه فلفظته الأرض فطرحوه بين صخرتين فأكلته السباع1".

وأورده الهيثمي ثم قال: "رواه الطبراني وإسناده منقطع2".

والحديث رواه ابن إسحاق فقال: "حدثني من لا أتهم عن الحسن البصري قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس بين يديه: "أمنته بالله ثم قتلته!

ثم قال له المقالة التي قال، قال:"والله مامكث محلم بن جثامة إلا سبعا حتى مات فلفظته الأرض –والذي نفس الحسن بيده- الأرض، ثم عادوا له، فلفظته الأرض ثم عادوا فلفظته، فلما غلب قومه عمدوا إلى صدين3 فسطحوه4 بينهما، ثم رضموا5 عليه الحجارة حتى واروه".

قال: "فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه، فقال: "والله إن الأرض لتطابق6 على من هو شر منه، ولكن الله أراد أن يعظكم في حرم7 مابينكم بما أراكم منه" 8.

والحديث مرسل، والمرسل من قسم الحديث الضعيف عند جماهير المحدثين وكثير من الفقهاء وأصحاب الأصول9".

والأحاديث بمجموعها تدل على أن هذه القصة حصلت لمحلم بن جثامة الليثي في قتله عامر بن الأضبط الأشجعي بعد أن ظهر منه ما يدل على أنه مسلم وأنه نزل في ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} ، [سورة النساء، من الآية: 94] . الآية".

1 مغازي الواقدي 3/921".

2 مجمع الزوائد 7/294".

3 صدين: "الصد: "بضم الصاد وفتحها: "الجبل وناحية الوادي".

4 فسطحوه: "أضجعوه بينهما".

5 رضموا عليه: "الرضم ويحرك وكتاب صخور عظام يرضم بعضها فوق بعض في البناء، والمعنى ألقوا عليه عليه من الحجارة حتى ستروه وغطوه". (القاموس المحيط 1/228، 306 و4/120) .

6 لتطابق: "بتشديد الطاء: "أي تضم وتغطي". (المصدر السابق 3/256) .

7 حرم: "أي يريد الله أن يعلمكم حرمة ما بينكم وأن المسلم لا يجوز انتهاك حرمته لأنه معتصم بالإسلام ممتنع بحرمته ممن أراده أو أراد ماله". (النهاية 1/372 والقاموس المحيط 4/95) .

8 سيرة ابن هشام 2/628 والروض الأنف 7/490، وأنساب الأشراف للبلاذري ص 386".

9 انظر تدريب الراوي ص 189".

ص: 627

وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على محلم فمات فدفن فألقته الأرض على ظهرها، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال:"إن الأرض لتقبل من هو شر منه ولكن الله أراد أن يعظكم في حرم ما بينكم بما أراكم منه".

وقد أورد ابن عبد البر هذه الأحاديث في ترجمة محلم بن جثامة، ثم قال:"وقد قيل إن هذا ليس محلم بن جثامة، فإن محلم بن جثامة نزل حمص بآخره ومات بها في إمارة ابن الزبير1".

والاختلاف في المراد بهذه الآية كثير مضطرب فيه جدا.

قيل نزلت في المقداد، وقيل نزلت في أسامة بن زيد، وقيل نزلت في محلم بن جثامة.

وقال ابن عباس نزلت في سرية ولم يسم أحدا، وقيل نزلت في غالب الليثي وقيل نزلت في رجل من بني ليث يقال له فليت كان على سرية وقيل نزلت في أبي الدرداء، وهذا اضطراب شديد جداً، ومعلوم أن قتله كان خطأ لا عمدا لأن قاتله لم يصدقه في قوله". والله أعلم2.

وذكر ابن حجر بعضا ممن قيل إن الآية نزلت بسببه، ومنهم محلم بن جثامة ثم قال:"ولا مانع أن تنزل الآية في الأمرين معا3".

وقال الزرقاني: "يحتمل تعدد القصة وتكرير نزول الآية 4".

وقال القرطبي: "واختلف في تعين القاتل والمقتول في هذه النازلة فالذي عليه الأكثر وهو في سير ابن إسحاق ومصنف أبي داود والاستيعاب لابن عبد البر أن القاتل محلم بن جثامة، والمقتول عامر بن الأضبط". فدعا عليه السلام على محلم فما عاش بعد ذلك إلا سبعا ثم دفن فلم تقلبه الأرض ثم دفن فلم تقبله ثم دفن ثالثة فلم تقبله، فلما رأوا أن الأرض لا تقبله ألقوه في بعض تلك الشعاب".

1 وقال البلاذري من جعل هذه القصة لمحلم بن جثامة وأنه هو الذي مات في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولفظته الأرض، قال:"إن الذي مات بحمص: "هو الصعب بن جثامة، أخو محلم".

2 الاستيعاب 3/486-498 مع الإصابة، وانظر هذه الأقوال في سبب نزول الآية:"جامع البيان للطبري 5/222-226 وتفسير ابن كثير 1/538-540 والدر المنثور للسيوطي 2/199-201". وفتح القدير للشوكاني 3/502".

3 فتح الباري 8/258-259".

4 شرح المواهب 2/286".

ص: 628

وقال عليه السلام: "إن الأرض لتقبل من هو شر منه".

وقال الحسن: "أم إنها تحبس من هو شر منه ولكنه وعظ القوم ألا يعودوا".

ثم ذكر بيقة الأقوال فيمن قيل إن الآية نزلت بسببه أيضا ثم قال: "ولا خلاف أن الذي لفظته الأرض حين مات هو محلم الذي ذكرناه، ولعل هذه الأحوال جرت في زمان متقارب فنزلت الآية في الجميع1".إهـ".

وقال أحمد مصطفى المراغي: "ولا مانع من تعدد الوقائع قبل نزول الآية وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها على أصحاب كل واقعة فيرون أنهم سبب نزولها2".

وقد ذكر أصحاب المغازي والسير أن القاتل في سرية إضم هو محلم بن جثامة وأن المقتول هو عامر بن الأضبط وأنه نزل بسبب ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ، الآية".

وأن عيينة بن حصن والأقرع بن حابس اختصما في شأنهما أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين 3". ويستفاد من هذه القصة عظم شأن دماء المسلمين وأن الأصل فيمن أظهر الإسلام أنه مسلم يحرم دمه وماله، وأن قاتله بعد إظهاره إسلامه ارتكب كبيرة عظيمة".

ويؤخذ من الأحاديث درء الحدود بالشبهات حيث حكم الرسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية ولم يقتل القاتل".

وفي لفظ الأرض له بعد دفنه الزجر والتهديد والعظة ما يجعل دماء المسلمين من أعظم المحرمات التي لا يجوز التساهل فيها كما قال صلى الله عليه وسلم "ولكن الله أراد أن يعظكم ويريكم عظم الدم عنده".

1 الجامع لأحكام القرآن 5/336-338".

2 تفسير المراغي 5/126".

3 سيرة ابن هشام 2/626-629 والروض الأنف 7/487-491، ومغازي الواقدي 2/796-797و3/919-921،والطبقات الكبرى لابن سعد2/123 و4/282، وتاريخ خليفة ص 85، وتاريخ الرسل والملوك للطبري 3/35-36، والكامل لابن الأثير2/158، وأسد الغابة له2/355 و3/59-60 و5/76-77 و186 و259، والشفا للقاضي عياض 1/329، وزاد المعاد 3/366-367، والبداية والنهاية 4/224-226، وتاريخ الخميس للديار بكري 2/76، والمواهب اللدنية للقسطلاني 1/147-148، وشرح المواهب للزرقاني 2/285-287، والسير الحلبية لبرهان الدين الحلبي 3/206-208".

ص: 629